الأحد، 4 سبتمبر 2022

ج3.وج4.[ أبجد العلوم - القنوجي ]

 

3. [ أبجد العلوم - القنوجي ]
الكتاب : أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم
المؤلف : صديق بن حسن القنوجي

علم الريافة

(2/309)


وهو : معرفة استبناط الماء من الأرض بواسطة بعض الأمارات الدالة على وجوده
فيعرف بعده وقربه بشم التراب أو برائحة النباتات فيه أو بحركة حيوان مخصوص وجد فيه فلا بد لصاحبه من حس كامل وتخيل قوي شامل
ونفع هذا العلم بين وهو من فروع الفراسة من جهة معرفة وجود الماء والهندسة من جهة الحفر وإخراجه إلى وجه الأرض ( 2 / 310 )

(2/309)


باب الزاء المعجمة

(2/310)


علم الزائرجة

(2/310)


هو : من القوانين الصناعية لاستخراج الغيوب المنسوبة إلى العالم المعروف : بأبي العباس أحمد السبتي
وهو من أعلام المتصوفة بالمغرب كان في آخر المائة السادسة بمراكش وبعهد يعقوب بن منصور من ملوك الموحدين وهي كثيرة الخواص يولعون باستفادة الغيب منها بعملها وصورتها التي يقع العمل عندهم فيها دائرة عظيمة في داخلها دوائر متوازنها للأفلاك والعناصر وللمكونات والروحانيات إلى غير ذلك من أصناف الكائنات الموجودات والعلوم
وكل دائرة منها مقسومة بانقسام فلكها إلى البروج والعناصر وغيرهما وخطوط كل منها مارة إلى المركز ويسمونها : الأوتار وعلى كل وتر حروف متتابعة موضوعة فمنها أعداد مرسومة برسوم الزمام التي هي من أشكل الأعداد عند أهل الدواوين والحساب بالمغرب
ومنها برسوم قلم الغبار متناسقة كلها مع تلك الحروف وفي داخل الزايرجة وبين الدوائر أسماء العلوم ومواضع الأكوان وعلى ظهور الدوائر جدول مستكفي البيوت المتقاطعة طولا وعرضا يشتمل على خمسة وخمسين بيتا في العرض ومائة وإحدى وثلاثين في الطول جوانب منه معمورة البيوت تارة بالعدد وأخرى بالحروف ( 2 / 312 )
ومن جوانب أخرى منه خالية البيوت ولا يعلم نسبة تلك الأعداد في أوضاعها نسبة البيوت العامرة من الخالية وجانبي الزائرجة أبيات من عروض بحر الطويل الكامل على روي اللام المنصوبة تتضمن صورة العمل في استخراج المطلوب من تلك الزائرجة إلا أنها من قبيل اللغز في عدم الوضوح ومستعجمة غير جلية
فإذا أرادوا استخراج الجواب عما يسألون عنه أحضروا آلة الاصطرلاب لأخذ الارتفاع واستخراج الطالع فإذا علموا درجة من البرج أحصوه وأخذوا أس ذلك البرج في تلك الزائرجة وسموه : سلطان الطالع

(2/310)


ثم يعملون بعضا من الأعمال المتداولة بينهم المعروفة عندهم حتى يخرجون حروفا مقطعة إذا ركبت يخرج منها بيت منظومة على الوزن والروي الذي لأبيات القصيدة المرسومة مع الجدول
وقد يزعم بعضهم أنه يخرج منها أبيات أكثر من واحد وعلى أعاريض أخرى ولا بد عندهم لمن أحكم العمل بهذا القانون أن يخرج له الجواب عن سؤاله منظوما مفهوما وقد يكون مستغلقا على الفهم لقصور الملكة في العمل بذلك القانون وهي من الأعمال الغريبة في استخراج الأجوبة
قال في ( ( الكشف ) ) : وفي بعض جوانب الزائرجة بيت من الشعر منسوب إلى بعض أكابر أهل الحذاقة بالمغرب وهو مالك بن وهيب الذي كان من علماء إشبيلية في الدولة اللمتونية والبيت هذا :
سؤال عظيم الخلق حزت فصن إذا ... غرائب شك ضبطه الجد مثلا
وفيه استخراج الجواب لما سئل عنه من المسائل على قانونه
وذلك إنما وقع من مطابقة الجواب للسؤال لأن الغيب لا يدرك بأمر صناعي البتة
وإنما المطابقة فيها بين الجواب والسؤال من حيث الإفهام ووقوع ذلك بهذه الصناعة في تكسير الحروف المجتمعة من السؤال والأوتار غير مستنكر
وقد وقع ( 2 / 313 ) اطلاع بعض الأذكياء على التناسب فحصل به معرفة المجهول منها بالتناسب بين الأشياء وهو سر الحضور على المجهول من المعلوم الحاصل للنفس بطريق حصوله سيما الرياضة فإنها تفيد العقل زيادة ولذلك ينسبون الزائرجة إلى أهل الرياضة في الغالب
وزائرجة منسوبة إلى سهل بن عبد الله أيضا وهي من الأعمال الغريبة
في تاريخ ابن خلدون وهي غريبة العمل وصنعة عجيبة وكثير من الخواص يعملون بها بإفادة الغيب وحلها صعب على الجاهل انتهى
وعبارة ( ( مدينة العلوم ) ) : مبنى هذا العلم هو أنهم يدعون أن العالم كله بما فيه من كلي وجزئي علوا وسفلا أفلاكا وعناصر ذواتا ومعاني ألفاظا وحروفا وأسماء وأفعالا متناسبة كلها على مقادير مقدرة ومرتبط بعضها ببعض ارتباطا غير منفصل
ومن ذلك السؤال والجواب في ألفاظها وحروفها ومعانيها

(2/312)


قال الشيخ أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون في كتابه المسمى بعنوان ( ( العبر وديوان المبتدأ والخبر ) ) :
إن الناس افترقوا في هذا العلم فرقتين
لأن منهم : المولعون به منها لكون في أحكام العمل بقانونه يعتقدون استخراج الغيوب بذلك القانون وعمله
وآخرون : مذعنون بإنكاره ويزعمون أن العمل بقانونه غير صحيح في نفسه وأنه من الحيل ظنا منهم أن صاحب ذلك العمل يعد البيت منظوما ويخبر به جوابا عن السؤال فيطير به الغراب كل مطار ثم قال :
والحق أن مبنى هذا العلم كما مر على مراعاة التناسب بين الأمور المذكورة فيمكن أن يرفع الله - سبحانه وتعالى - الحجاب عن عقول بعض عباده فيطلع على وجه التناسب بينها فيقف على بعض الأمور الكائنة في عالم الملك ومع ذلك لا يمكن للبشر أن يطلع على علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه إذ التناسب بين العلم ( 2 / 314 ) الرباني الذي من عالم الملكوت وبين عالم الملك بعيد فكيف يندرج تحت هذا القانون الذي مبناه على التناسب بين الكائنات في عالم الملك
فالقوانين والصناعة لا توصل إلى معرفة الغيب بوجه من الوجوه والله يعلم وأنتم لا تعلمون انتهى

(2/313)


علم الزهد والورع

(2/314)


قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : الزهد : الإعراض عن الدنيا
والورع : ترك الحلال خوفا من الوقوع في الشبهات
وقيل الزهد : ترك الشبهات خوفا من الحرام
وكتب الشيخ الإمام العلامة الغزالي - رحمه الله - تعالى نافعة في هذا العلم

(2/314)


علم الزيج

(2/314)


هكذا في ( ( كشف الظنون ) ) ولم يزد عليه والزيجات كثيرة ذكرها صاحب ( ( الكشف ) ) فمن شاء فليرجع إليه وقد تقدم في الألف في علم الأزياج
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : علم الزيجات والتقاويم : علم يتعرف منه مقادير حركات الكواكب سيما السبعة السيارة وتقويم حركاتها وإخراج الطوالع وغير ذلك منتزعا من الأصول الكلية
ومنفعته : معرفة الاتصالات من الكواكب من المقارنة والمقابلة والتربيع والتثليث والتسديس والخسوف والكسوف وما يجري في هذا المجرى
وقال في ( ( كشاف اصطلاحات الفنون ) ) : منفعته معرفة موضع كل واحد من الكواكب السبعة بالنسبة إلى فلكه وإلى فلك البروج وانتقالاتها ورجوعها واستقامتها وتشريقها وتغريبها وظهورها واختفائها في كل زمان ومكان وما أشبه ذلك من اتصال بعضها ببعض وكسوف الشمس وخسوف القمر وما يجري هذا المجرى انتهى ( 2 / 315 ) . والغرض منه أمران :
أحدهما : ما ينتفع به في الشرع وهو : معرفة أوقات الصلوات وسمت القبلة والساعات وأحوال الشفق والفجر
وثانيهما : معرفة الأحكام الجارية في عالم العناصر وهذه المعرفة لكونها مبنية على أمور واهية ودلائل ضعيفة لا تفيد شبهة فضلا عن حجة ولهذا لا يعتد بها في الشرع
والذي يصح منها في بعض الأوقات فإنما هو بطريق الاتفاق وذلك لا يدل على الصحة

(2/314)


وأنفع الزيجات الأيلخاني الذي تولاه خواجه نصير الدين الطوسي
وأتقنها زيج الغ بيك بن شاهرخ مرزا ابن أمير تيمور وقد تولاه بسمرقند غياث الدين جمشيد وتوفاه الله تعالى في مبادئ أحواله ثم تولاه قاضي زاده الرومي وتوفاه الله تعالى أيضا قبل إتمامه وإنما أتمه وأكمله علي بن محمد القوشجي
وأهل مصر يعتنون بالزيج المصطلح
وأهل الشام يعتنون بزيج ابن شاطر
والزيجات غير ما ذكر كثيرة يعرفها أهلها انتهى ما في ( ( مدينة العلوم ) ) للأرنيقي - رحمه الله - ( 2 / 316 )

(2/315)


باب السين المهملة

(2/316)


علم السباحة

(2/316)


هذا من فروع علم الملاحة وأنه يحصل بالمزاولة والإدمان وأكثر ما يحتاج إليه الملاحون كذا في ( ( مدينة العلوم ) )
ورأيت أشخاصا لهم يد طولي في هذا العلم ولها أنواع كثيرة منها : السباحة في الأبحار والأنهار قائما ومنها : قاعدا ومنها : مستلقيا على الظهر إلى غير ذلك من الصور التي يعرفها أهلها
والأصل في معرفة هذا العلم دون المعرفة الساذجة

(2/316)


علم السجلات والشروط

(2/316)


وهذا باعتبار اللفظ من فروع علم الإنشاء وباعتبار مدلوله من فروع علم الفقه
وهو : علم يبحث فيه عن إنشاء الكلمات المتعلقة بالأحكام الشرعية
وموضوعه ومنفعته ظاهرة
ومباديه : علم الإنشاء وعلم الفقه
وله استمداد من العرف ( 2 / 318 )
والكتب في هذا الفن كثيرة يجدها من يطلبها كذا في ( ( مدينة العلوم ) ) وسيأتي أيضا في باب الشين المعجمة إن شاء الله تعالى

(2/316)


علم السحر

(2/318)


هو : علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة بأشياء خفية قاله في ( ( كشاف اصطلاحات الفنون ) )
وفي ( ( كشف الظنون ) ) : هو ما خفي سببه وصعب استنابطه لأكثر العقول
وحقيقته : كل ما سحر العقول وانقادت إليه النفوس بخدعة وتعجب واستحسان فتميل إلى إصغاء الأقوال والأفعال الصادرة عن الساحر
فعلى هذا التقدير هو : علم باحث عن معرفة الأحوال الفلكية وأوضاع الكواكب وعن ارتباط كل منها مع الأمور الأرضية من المواليد الثلاثة على وجه خاص ليظهر من ذلك الارتباط والامتزاج عللها وأسبابها وتركيب الساحر في أوقات المناسبة من الأوضاع الفلكية والأنظار الكوكبية بعض المواليد ببعض فيظهر ما جل أثره وخفي سببه من أوضاع عجيبة وأفعال غريبة تحيرت فيها العقول وعجزت عن حل خفاها أفكار الفحول
أما منفعة هذا : العلم فالاحتراز عن عمله لأنه محرم شرعا إلا أن يكون لدفع ساحر يدعي النبوة فعند ذلك يفترض وجود شخص قادر لدفعه بالعمل ولذلك قال بعض العلماء :
إن تعلم السحر فرض كفاية وإباحة الأكثرون دون عمله إلا إذا تعين لدفع المتنبي
واختلف الحكماء في طرق السحر
فطريق الهند : بتصفية النفس وطريق النبط : بعمل العزائم في بعض الأوقات المناسبة
وطريق اليونان : بتسخير روحانية الأفلاك والكواكب ( 2 / 319 )
وطريق العبرانيين والقبط والعرب : بذكر بعض الأسماء المجهولة المعاني فكأنه قسم من العزائم زعموا أنهم سخروا الملائكة القاهرة للجن

(2/318)


فمن الكتب المؤلفة في هذا الفن : ( ( الإيضاح ) ) للأندلسي و ( ( البساطين لاستخدام الأنس وأرواح الجن والشياطين ) ) و ( ( بغية الناشد ومطلب القاصد ) ) على طريقة العبرانيين و ( ( الجمهرة ) ) أيضا و ( ( رسائل أرسطو ) ) إلى الإسكندر و ( ( غاية الحكيم ) ) للمجريطي وكتاب ( ( طيماؤس ) ) وكتاب ( ( الوقوفات للكواكب ) ) على طريقة اليونانيين وكتاب ( ( سحر النبط ) ) لابن وحشية وكتاب ( ( العمي ) ) على طريقة العبرانيين و ( ( مرآة المعاني في إدراك العالم الإنساني ) ) على طريقة الهند انتهى ما في ( كشف الظنون )
وفي تاريخ ابن خلدون علم السحر والطلسمات هو : علم بكيفية استعدادات تقتدر النفوس البشرية بها على التأثيرات في عالم العناصر إما بغير معين أو بمعين من الأمور السماوية والأول هو : السحر والثاني : هو الطلسمات
ولما كانت هذه العلوم مهجورة عند الشرائع لما فيها من الضرر ولما يشترط فيها من الوجهة إلى غير الله من كوكب أو غيره كانت كتبها كالمفقود بين الناس إلا ما وجد في كتب الأمم الأقدمين فيما قبل نبوة موسى عليه السلام مثل : النبط والكلدانيين فإن جميع من تقدمه من الأنبياء لم يشرعوا الشرائع ولا جاؤوا بالأحكام إنما كانت كتبهم مواعظ توحيد الله وتذكير بالجنة والنار
وكانت هذه العلوم في أهل بابل من السريانيين والكلدانيين وفي أهل مصر من القبط وغيرهم وكان لهم فيها التأليف والآثار ولم يترجم لنا من كتبهم فيها إلا القليل مثل :
( ( الفلاحة النبطية من أوضاع أهل بابل ) ) فأخذ الناس منها هذا العلم وتفننوا فيه ووضعت بعد ذلك الأوضاع مثل : ( ( مصاحف الكواكب السبعة ) ) وكتاب ( ( طمطم الهندي ) ) في صور الدرج والكواكب وغيرهم
ثم ظهر بالمشرق جابر بن حيان كبير السحرة في هذه الملة فتصفح كتب ( 2 / 320 ) القوم واستخرج الصناعة وغاص على زبدتها واستخرجها ووضع فيها غيرها من التآليف وأكثر الكلام فيها وفي صناعة السيمياء لأنها من توابعها لأن إحالة الأجسام النوعية من صورة إلى أخرى إنما يكون بالقوة النفسية لا بالصناعة العملية فهو من قبيل السحر

(2/319)


ثم جاء مسلمة بن أحمد المجريطي إمام أهل الأندلس في التعاليم والسحريات فلخص جميع تلك الكتب وهذبها وجمع طرقها في كتابه الذي سماه ( ( غاية الحكيم ) ) ولم يكتب أحد في هذا العلم بعده
ولنقدم هنا مقدمة يتبين بها حقيقة السحر وذلك أن النفوس البشرية وإن كانت واحدة بالنوع فهي مختلفة بالخواص وهي أصناف كل صنف مختص بخاصية واحدة بالنوع لا توجد في الصنف الآخر وصارت تلك الخواص فطرة وجبلة لصنفها
فنفوس الأنبياء عليهم السلام لها خاصية تستعد بها للمعرفة الربانية ومخاطبة الملائكة عليهم السلام عن الله - سبحانه وتعالى - كما مر وما يتبع ذلك من التأثير في الأكوان واستجلاب روحانية الكواكب للتصرف فيها والتأثير بقوة نفسانية أو شيطانية
فأما تأثير الأنبياء فمدد إلهي وخاصية ربانية ونفوس الكهنة لها خاصية الاطلاع على المغيبات بقوى شيطانية وهكذا كل صنف مختص بخاصية لا توجد في الآخر
والنفوس الساحرة على مراتب ثلاثة يأتي شرحها :
فأولها : المؤثرة بالهمة فقط من غير إله ولا معين وهذا هو الذي تسميه الفلاسفة : السحر
والثاني : بمعين من مزاج الأفلاك أو العناصر أو خواص الأعداد ويسمونه : الطلسمات وهو أضعف رتبة من الأول
والثالث : تأثير في القوى المتخيلة يعمد صاحب هذا التأثير إلى القوى المتخيلة فيتصرف فيها بنوع من التصرف ويلقي فيها أنواعا من الخيالات ( 2 / 321 ) والمحاكات وصورا مما يقصده من ذلك ثم ينزلها إلى الحسن من الرائين بقوة نفسه المؤثرة فيه فينظر الراؤون كأنها في الخارج وليس هناك شيء من ذلك

(2/320)


كما يحكي عن بعضهم أنه يرى البساتين والأنهار والقصور وليس هناك شيء من ذلك ويسمى هذا عند الفلاسفة : الشعوذة أو الشعبذة هذا تفصيل مراتبه
ثم هذه الخاصية تكون في الساحرة بالقوة شأن القوى البشرية كلها وإنما تخرج إلى الفعل بالرياضة ورياضة السحر كلها إنما تكون بالتوجه إلى الأفلاك والكواكب والعوالم العلوية والشياطين بأنواع التعظيم والعبادة والخضوع والتذلل فهي لذلك وجهه إلى غير الله وسجود له والوجهة إلى غير الله كفر
فلهذا كان السحر كفرا والكفر من مواده وأسبابه كما رأيت ولهذا اختلف الفقهاء في قتل الساحر هل هو لكفره السابق على فعله أو لتصرفه بالإفساد وما ينشأ عنه من الفساد في الأكوان والكل حاصل منه
ولما كانت المرتبتان الأوليان من السحر لهما حقيقة في الخارج والمرتبة الأخيرة الثالثة لا حقيقة لها اختلف العلماء في السحر هل هو حقيقة أو إنما هو تخييل ؟
فالقائلون بأن له حقيقة : نظروا إلى المرتبتين الأوليين
والقائلون بأن لا حقيقة له : نظروا إلى المرتبة الثالثة الأخيرة فليس بينهم اختلاف في نفس الأمر بل إنما جاء من قبل اشتباه هذه المراتب والله أعلم
واعلم أن وجود السحر لا مرية فيه بين العقلاء من أجل التأثير الذي ذكرناه وقد نطق به القرآن قال الله تعالى : ( ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله )
وسحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله وجعل سحره في مشط ومشاقة وجف طلعة ودفن في بئر ذروان فأنزل الله عز ( 2 / 322 ) وجل عليه في المعوذتين ( ومن شر النفاثات في العقد )
قالت عائشة رضي الله عنها : فكان لا يقرأ على عقدة من تلك العقد التي سحر فيها إلا انحلت
وأما وجود السحر في أهل بابل وهم الكلدانيون من النبط والسريانيون فكثير ونطق به القرآن وجاءت به الأخبار
وكان للسحر في بابل ومصر زمان بعثه موسى عليه السلام أسواق نافقة ولهذا كانت معجزة موسى من جنس ما يدعون ويتناغون فيه وبقي من آثار ذلك في البرابي بصعيد مصر شواهد دالة على ذلك ورأينا بالعيان من يصور صورة الشخص المسحور بخواص أشياء مقابلة لما نواه وحلوله موجودة بالمسحور وأمثال تلك المعاني من أسماء وصفات في التأليف والتفريق

(2/321)


ثم يتكلم على تلك الصورة التي أقامها مقام الشخص المسحور عينا أو معنى ثم ينفث من ريقه بعد اجتماعه في فيه بتكرير مخارج تلك الحروف من الكلام السوء ويعقد على ذلك المعنى في سبب أعده لذلك تفاؤلا بالعقد واللزام وأخذ العهد على من أشرك به من الجن في نفثه في فعله ذلك استشعارا للعزيمة ولتلك البنية والأسماء السيئة روح خبيثة تخرج منه مع النفخ متعلقة بريقه الخارج من فيه بالنفث فتنزل عنها أرواح خبيثة ويقع عن ذلك بالمسحور ما يحاوله الساحر
وشاهدنا أيضا من المنتحلين للسحر عمله من يشير إلى كساء أو جلد ويتكلم عليه في سره فإذا هو مقطوع مترف ويشير إلى بطون الغنم كذلك في مراعيها بالبعج فإذا أمعاؤها ساقطة من بطونها إلى الأرض
وسمعنا أن بأرض الهند لهذا العهد من يشير إلى إنسان فيتحتت قلبه ويقع ميتا وينقب عن قلبه فلا يوجد في حشاه ويشير إلى الرمانة وتفتح فلا يوجد من حبوبها شيء
وكذلك سمعنا أن بأرض السودان وأرض الترك من يسحر السحاب فيمطر الأرض المخصوصة ( 2 / 323 )
وكذلك رأينا من عمل الطلسمات عجائب في الأعداد المتحابة ( وهي رك رف د ) أحد العددين مائتان وعشرون والآخر مائتان وأربعة وثمانون
ومعنى المتحابة : أن أجزاء كل واحد التي فيه من نصف وثلث وربع وسدس وخمس وأمثالها إذا جمع كان مساويا للعدد الآخر صاحبه فيسمى لأجل ذلك : المتحابة

(2/322)


ونقل أصحاب الطلسمات : أن لتلك الأعداد أثرا في الإلفة بين المتحابين واجتماعهما إذا وضع لهما مثالان أحدهما بطالع الزهرة وهي في بيتها أو شرفها ناظرة إلى القمر نظر مودة وقبول ويجعل طالع الثاني سابع الأول ويضع على أحد التمثالين أحد العددين والآخر على الآخر ويقصد بالأكثر الذي يراد ائتلافه أعني المحبوب ما أدري الأكثر كمية أو الأكثر أجزاء فيكون لذلك من التأليف العظيم بين المتحابين ما لا يكاد ينفك أحدهما عن الآخر قاله صاحب ( ( الغاية ) ) وغيره من أئمة هذا الشأن وشهدت له التجربة
وكذا طابع الأسد ويسمى أيضا : طابع الحصى وهو أن يرسم في قالب هذا الطابع صورة أسد شائلا ذنبه عاضا على حصاة قد قسمها بنصفين وبين يديه صورة حية منسابة من رجليه إلى قبالة وجهه فاغرة فاها إلى فيه وعلى ظهره صورة عقرب تدب ويتحين برسمه حلول الشمس بالوجه الأول أو الثالث من الأسد بشرط صلاح النيرين وسلامتهما من النحوس فإذا وجد ذلك وعثر عليه طبع في ذلك الوقت في مقدار المثقال فما دونه من الذهب وغمس بعد في الزعفران محلولا بماء الورد ورفع في خرقة حرير صفراء فإنهم يزعمون أن لممسكه من العز على السلاطين في مباشرتهم وخدمتهم وتسخيرهم له ما لا يعبر عنه وكذلك السلاطين فيه من القوة والعز على من تحت أيديهم
ذكر ذلك أيضا أهل هذا الشأن في ( ( الغاية ) ) وغيرها وشهدت له التجرية
وكذلك وفق المسدس المختص بالشمس ذكروا أنه يوضع عند حلول ( 2 / 324 ) الشمس في شرفها وسلامتها من النحوس وسلامة القمر بطالع ملوكي يعتبر فيه نظر صاحب العاشر لصاحب الطالع نظر مودة وقبول ويصلح فيه ما يكون في مواليد الملوك من الأدلة الشريفة ويرفع خرقة حرير صفراء بعد أن يغمس في الطيب فزعموا أنه له أثرا في صحابة الملوك وخدمتهم ومعاشرتهم وأمثال ذلك كثيرة
وكتاب ( ( الغاية ) ) لمسلمة بن أحمد المجريطي هو مدون هذه الصناعة وفيه استيفاؤها وكمال مسائلها

(2/323)


وذكر لنا أن الإمام الفخر بن الخطيب وضع كتابا في ذلك وسماه : ( ( بالسر المكتوم ) ) وإنه بالمشرق يتداوله أهله ونحن لم نقف عليه والإمام لم يكن من أئمة هذا الشأن فيما نظن ولعل الأمر بخلاف ذلك وبالمغرب صنف من هؤلاء المنتحلين لهذه الأعمال السحرية يعرفون بالبعاجين وهم الذين ذكرت أولا أنهم يشيرون إلى الكساء أو الجلد فيتخرق ويشيرون إلى بطون الغنم بالبعج فتنبعج ويسمى أحدهم لهذا العهد باسم : البعاج لأن أكثر ما ينتحل من السحر بعج الأنعام يرتب بذلك أهلها ليعطوه من فضلها وهم متسترون بذلك في الغاية خوفا على أنفسهم من الحكام
لقيت منهم جماعة وشاهدت من أفعالهم هذه بذلك وأخبروني أن لهم وجهة ورياضة خاصة بدعوات كفرية وإشراك روحانيات الجن والكواكب سطرت فيها صحيفة عندهم تسمى ( ( الخزيرية ) ) يتدارسونها وإن بهذه الرياضة والوجهة يصلون إلى حصول هذه الأفعال لهم وإن التأثير الذي لهم إنما ( 2 / 325 ) هو فيما سوى الإنسان الحر من المتاع والحيوان والرقيق يعبرون عن ذلك بقولهم :
إنما انفعل فيما تمشي فيه الدراهم أي : ما يملك ويباع ويشترى من سائر الممتلكات هذا ما زعموه وسألت بعضهم فأخبرني به
وأما أفعالهم فظاهرة موجودة وقفنا على الكثير منها وعاينتها من غير ريبة في ذلك هذا شأن السحر والطلسمات وآثارهما في العالم
فأما الفلاسفة ففرقوا بين السحر والطلسمات بعد أن أثبتوا أنهما جميعا أثر للنفس الإنسانية واستدلوا على وجود الأثر للنفس الإنسانية بأن لها آثارا في بدنها على غير المجرى الطبعي وأسبابه الجسمانية بل آثار عارضة من كيفيات الأرواح تارة كالسخونة الحادثة عن الفرح والسرور من جهة التصورات النفسانية أخرى كالذي يقع من قبل التوهم فإن الماشي على حرف حائط أو على حبل منتصب إذا قوي عنده توهم السقوط سقط بلا شك
ولهذا تجد كثيرا من الناس يعودون أنفسهم ذلك حتى يذهب عنهم هذا الوهم فتجدهم يمشون على حرف الحائط والحبل المنتصب ولا يخافون السقوط فثبت أن ذلك من آثار النفس الإنسانية وتصورها للسقوط من أجل الوهم وإذا كان ذلك أثرا للنفس في بدنها من غير الأسباب الجسمانية الطبيعية فجائز أن يكون لها مثل هذا الأثر في غير بدنها إذ نسبتها إلى الأبدان في ذلك النوع من التأثير واحدة لأنها غير حالة في البدن ولا منطبعة فيه فثبت أنها مؤثرة في سائر الأجسام

(2/324)


وأما التفرقة عندهم بين السحر والطلسمات فهو : أن السحر لا يحتاج الساحر فيه إلى معين وصاحب الطلسمات يستعين بروحانيات الكواكب وأسرار الأعداد وخواص الموجودات وأوضاع الفلك المؤثرة في عالم العناصر كما يقوله المنجمون
ويقولون : السحر اتحاد روح بروح
والطلسم : اتحاد روح بجسم
ومعناه عندهم : ربط الطبائع العلوية السماوية بالطبائع السفلية ( 2 / 326 ) والطبائع العلوية هي : روحانيات الكواكب ولذلك يستعين صاحبه في غالب الأمر بالنجامة
والساحر عندهم : غير مكتسب لسحره بل هو مفطور عندهم على تلك الجبلة المختصة بذلك النوع من التأثير
والفرق عندهم بين المعجزة والسحر أن المعجزة إلهية تبعث في النفس ذلك التأثير فهو مؤيد بروح الله على فعله ذلك والساحر إنما يفعل ذلك من عند نفسه وبقوته النفسانية وبإمداد الشياطين في بعض الأحوال
فبينهما الفرق في المعقولية والحقيقة والذات في نفس الأمر وإنما نستدل نحن على التفرقة بالعلامات الظاهرة وهي : وجود المعجزة لصاحب الخير وفي مقاصد الخير وللنفوس المتمحضة للخير والتحدي بها على دعوى النبوة والسحر إنما يوجد لصاحب الشر وفي أفعال الشر في الغالب من التفريق بين الزوجين وضرر الأعداء وأمثال ذلك وللنفوس المتمحضة للشر
هذا هو الفرق بينهما عند الحكماء الإلهيين وقد يوجد لبعض المتصوفة وأصحاب الكرامات تأثير أيضا في أحوال العالم وليس معدودا من جنس السحر وإنما هو بالإمداد الإلهي لأن طريقتهم ونحلتهم من آثار النبوة وتوابعها ولهم في المدد الإلهي حظ على قدر حالهم وإيمانهم وتمسكهم بكلمة الله وإذا اقتدر أحد منهم على أفعال الشر فلا يأتيها لأنه متقيد فيما يأتيه ويذره للأمر الإلهي فما لا يقع لهم فيه الإذن لا يأتونه بوجه ومن أتاه منهم فقد عدل عن طريق الحق وربما سلب حاله
ولما كانت المعجزة بإمداد روح الله والقوى الإلهية فلذلك لا يعارضها شيء من السحر وانظر شأن سحرة فرعون مع موسى في معجزة العصا كيف تلقفت ما كانوا يأفكون وذهب سحرهم واضمحل كأن لم يكن
وكذلك لما أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في المعوذتين ( ومن شر النفاثات في العقد ) قالت عائشة رضي الله عنها : فكان لا يقرؤها على عقدة من العقد التي سحر فيها إلا انحلت فالسحر لا يثبت ( 2 / 327 ) مع اسم الله وذكره
وقد نقل المؤرخون أن زركش كاويان وهي راية كسرى كان فيه الوفق المئيني العددي منسوجا بالذهب في أوضاع فلكية رصدت لذلك الوفق ووجدت الراية يوم قتل رستم بالقادسية واقعة على الأرض بعد انهزام أهل فارس وشتاتهم وهو الطلسمات والأوفاق مخصوص بالغلب في الحروب وإن الراية التي يكون فيها أو معها لا تنهزم أصلا إلا أن هذه عارضها المدد الإلهي من إيمان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتمسكهم بكلمة الله فانحل معها كل عقد سحري ولم يثبت وبطل ما كانوا يعملون

(2/325)


وأما الشريعة فلم تفرق بين السحر والطلسمات وجعلتهما بابا واحدا محظورا لأن الأفعال إنما أباح لنا الشارع منها ما يهمنا في ديننا الذي فيه صلاح آخرتنا أو في معاشنا الذي فيه صلاح دنيانا وما لا يهمنا في شيء منهما فإن كان فيه ضرر ونوع ضرر كالسحر الحاصل ضرره بالوقوع يلحق به الطلسمات لأن أثرهما واحد
وكالنجامة التي فيها نوع ضرر باعتقاد التأثير فتفسد العقيدة الإيمانية برد الأمور إلى غير الله تعالى فيكون حينئذ ذلك الفعل محظورا على نسبته في الضرر وإن لم يكن مهما علينا ولا فيه ضرر فلا أقل من أن تركه قربة إلى الله فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه فجعلت الشريعة باب السحر والطلسمات والشعوذة بابا واحدا لما فيها من الضرر وخصته بالحظر والتحريم
وأما الفرق عندهم بين المعجزة والسحر : فالذي ذكره المتكلمون أنه راجع إلى التحدي وهو دعوى وقوعها على وفق ما ادعاه قالوا : والساحر مصروف عن مثل هذا التحدي فلا يقع منه وقوع المعجزة على وفق دعوى الكاذب غير مقدور لأن دلالة المعجزة على الصدق عقلية لأن صفة نفسها التصديق فلو وقعت مع الكذب لاستحال الصادق كاذبا وهو محال فإذا لا تقع المعجزة مع الكاذب بإطلاق
وأما الحكماء : فالفرق بينهما عندهم كما ذكرناه فرق ما بين الخير والشر في ( 2 / 328 ) نهاية الطرفين فالساحر لا يصدر منه الخير ولا يستعمل في أسباب الخير وصاحب المعجزة لا يصدر منه الشر ولا يستعمل في أسباب الشر فكأنهما على طرفي النقيض في أصل فطرتهم والله يهدي من يشاء وهو القوي العزيز لا رب سواه

(2/327)


ومن قبيل هذه التأثيرات النفسانية الإصابة بالعين وهو تأثير من نفس المعيان عندما يستحسن بعينه مدركا من الذوات أو الأحوال ويفرط في استحسانه وينشأ عن ذلك الاستحسان حينئذ أنه يروم معه سلب ذلك الشيء عمن اتصف به فيؤثر فساده وهو جبلة فطرية أعني هذه الإصابة بالعين
والفرق بينها وبين التأثيرات وإن كان منها ما لا يكتسب أن صدورها راجع إلى اختيار فاعلها والفطري منها قوة صدروها لا نفس صدروها ولهذا قالوا : القاتل بالسحر أو بالكرامة يقتل والقاتل بالعين لا يقتل وما ذلك إلا لأنه ليس مما يريده ويقصده أو يتركه وإنما هو مجبور في صدوره عنه والله أعلم بما في الغيوب ومطلع على ما في السرائر انتهى كلام ابن خلدون ومن عينه نقلت هنا وفي كل موضع من هذا الكتاب والله تعالى الموفق للحق والصواب

(2/328)


علم السلوك

(2/328)


هو : معرفة النفس ما لها وما عليها من الوجدانيات ويسمى : بعلم الأخلاق وبعلم التصوف أيضا وفي مجمع السلوك وأشرف العلوم علم الحقائق والمنازل والأحوال وعلم المعاملة والإخلاص في الطاعات والتوجه إلى الله تعالى من جميع الجهات
ويسمى هذا العلم : بعلم السلوك
فمن غلط في علم الحقائق والمنازل والأحوال المسمى : بعلم التصوف فلا يسأل عن غلطه إلا عالما منهم كامل العرفان ولا يطلب ذلك من البزدوي ( 2 / 329 ) والهداية والوقاية وغير ذلك وعلم الحقائق ثمرة العلوم كلها وغايتها فإذا انتهى السالك إلى علم الحقائق وقع في بحر لا ساحل له وهو أي علم الحقائق علم القلوب وعلم المعارف وعلم الأسرار ويقال له علم الإشارة
وموضوعه : أخلاق النفس إذ يبحث فيه عن عوارضها الذاتية مثلا حب الدنيا في قولهم : حبا الدنيا رأس كل خطيئة خلق من أخلاق النفس حكم عليه بكونه رأس الخطايا ورأس الأخلاق الرذيلة التي تضرر بسببها النفس وكذا الحال في قولهم : بغض الدنيا رأس الحسنات وغرضه التقرب والوصول إلى الله تعالى انتهى ما في ( ( كشاف اصطلاحات الفنون ) ) وتقدم الكلام على هذا العلم في باب التاء الفوقانية تحت علم التصوف فلا نعيده

(2/328)


علم السماء والعالم

(2/329)


هو من أصول الطبعي وهو : علم يبحث فيه عن أحوال الأجسام التي هي أركان العالم وهي السموات وما فيها والعناصر الأربعة من حيث طبائعها وحركاتها ومواضعها وتعرف الحكمة في صنعها وترتيبها
وموضوعه : الجسم المحسوس ومن حيث هو معرض للتغير في الأحوال والثبات فيها ويبحث فيه عما يعرض له من حيث هو كذلك كذا في التلويح وقيد الحيثية احترازا عن علم الهيئة

(2/329)


علم السياسية

(2/329)


اقتصر صاحب ( ( كشف الظنون ) ) على ذلك ولم يزد عليه
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : هو : علم يعرف منه أحوال السياسات والاجتماعات المدنية وأحوالها مثل أحوال السلاطين والملوك والأمراء وأهل الإحستاب ( 2 / 330 ) والقضاة والعلماء وزعماء الأموال ووكلاء بيت المال وما يجري مجرى هؤلاء
وموضوعه : المراتب المدنية وأحكامها
ومنفعته : معرفة الاجتماعات المدينة الفاضلة والمراد به وجه استيفاء كل واحد منها ودفع علل زوالها وجهات انتقالها ومن أعظم أسباب انتقال الدولة الإخلال بركن من أركان الشريعة وقواعد العمارات وكتاب السياسة الذي أرسله أرسطاطاليس إلى الإسكندر يشتمل على مهمات هذا العلم وكتاب آراء المدينة الفاضلة لأبي نصر الفارابي جامع لقوانينه

(2/329)


ومن الكتب الجامعة لهذه العلوم الثلاثة كتاب ( ( الأخلاق الناصرية ) ) لنضير الدين الطوسي و ( ( كتاب الأخلاق الجلالية ) ) لجلال الدين الدواني
ومن الكتب المختصرة الجامعة لأصول هذه الفنون الثلاثة : رسالة مولانا عضد الدين وشرحها تلميذه مولانا شمس الدين الكرماني وقد شرحها شرحا جامعا في عنفوان الشباب فعاد بحمد الله نافعا في هذا الباب انتهى
وأقول فيه كتاب ( ( السياسة الشرعية لإصلاح الراعي والرعية ) ) لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني رضي الله عنه وأرضاه مختصر وجدته في مكة المكرمة واستنسختها بيدي لنفسي ولمن أخلفه وهو موجود في دار الكتب لي والله الحمد
وترجمه بير محمد بن علي العاشق لإعلام حاله إلى السلطان سليم خان وبيان عجزه عن القضاء وسماه ( ( معراج الأيالة ومنهاج العدالة ) ) زاد فيه أشياء متعلقة بالحرب وبيت المال
وفي كتابنا ( ( إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة ) ) فصول مستقلة في هذا الباب ( 2 / 331 )

(2/330)


علم السير

(2/331)


قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : علم سير الصحابة والتابعين من فروع المحاضرات وفيها كتاب سير الصحابة والتابعين وهو كتاب عظيم لم يعهد مثله انتهى
قال في ( كشف الظنون ) : أول من صنف فيه الإمام المعروف بمحمد بن إسحاق رئيس أهل المغازي المتوفى سنة إحدى وخمسين ومائة . فإنه جمعها ودونها أبو محمد عبد الملك بن هشام الحميري المتوفى سنة ثمان عشرة ومائتين فأحسن وأجاد وله كتاب في شرح ما وقع في أشعار السير من الغريب
ثم اعتنى به المتأخرون فشرح الإمام أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي المتوفى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة غريب السير وسماه الروض الأنف وهو كتاب مفيد معتبر
ونظم أبو نصر فتح بن موسى الخضراوي القصري المتوفى سنة ثلاث وستين وستمائة سيرة ابن هشام . وعبد العزيز بن أحمد المعروف بسعد الديري المتوفى في حدود سنة سبع وتسعين وستمائة وأبو إسحاق الأنصاري التلمساني على قافية اللام وفتح الدين محمد بن إبراهيم المعروف بابن الشهيد المتوفى سنة ثلث وتسعين وسبعمائة في بضع عشر ألف بيت وسماه ( ( فتح الغريب في سيرة الحبيب ) )

(2/331)


وصنف علاء الدين علي بن محمد الخلاطي الحنفي المتوفى سنة ثمان وسبعمائة كتابا فيه وصنف فيه الحافظ الكبير عبد المؤمن بن خلف الدمياطي المتوفى سنة خمس وسبعمائة والشيخ ظهير الدين علي بن محمد الكازروني المتوفى سنة أربع وتسعين وستمائة وهو غير سعيد الكازروني صاحب ( ( المبتغى ) )
وصنف الشيخ محمد بن علي بن يوسف الشافعي الشامي المتوفى سنة ستمائة كتابا في السير وشرحه قطب الدين عبد الكريم الحنبلي الحلبي المتوفى سنة خمس ( 2 / 332 ) وثلاثين وسبعمائة وسماه ( ( المورد العذب الهني ) ) في الكلام على سيرة عبد الغني ومختصر سيرة ابن هشام البرهان إبراهيم بن محمد بن المرحل وزاد عليه أمورا ورتبه على ثمانية عشر مجلسا وسماه الذخيرة في مختصر السيرة
وممن صنف في السير ابن أبي طي يحيى بن حميدة الحلبي المتوفى سنة ثلاثين وستمائة في ثلاث مجلدات وسيرة مغلطائي لخصها قاسم بن قطلوبغا الحنفي المتوفى سنة خمس وخمسين وثمانمائة وشرح منها قطعة كبيرة العلامة بدر الدين محمود بن أحمد العيني الحنفي المتوفى سنة خمس وخمسين وثمانمائة وسماه ( ( كشف اللثام ) )
وصنف الشيخ عز الدين بن عمر بن جماعة الكناني مختصرا في السير أوله ( أما بعد حمد الله على جزيل أفضاله . . . )

(2/331)


علم السيميا

(2/332)


اعلم أنه قد يطلق هذا الاسم على ما هو غير الحقيقي من السحر وهو المشهور
وحاصله إحداث مثالات خيالية في الجو لا وجود لها في الحس وقد يطلق على إيجاد تلك المثالات بصورها في الحس فحينئذ يظهر بعض الصور في جوهر الهواء فتمول سريعة لسرعة تغير جوهر الهواء ولا مجال لحفظ ما يقبل من الصورة في زمان طويل لرطوبته فيكون سريع القبول وسريع الزوال
وأما كيفية إحداث تلك الصور وعللها فأمر خفي لا اطلاع عليه إلا
لأهله وليس المراد وصفه وتحقيق ههنا بل المقصود هنا الكشف وإزالة الالتباس عن أمثاله
وحاصله ومجمله أن يركب الساحر أشياء من الخواص والأدهان أو المانعات أو كلمات خاصة توجب بعض تخيلات خاصة كدارك الحواس بعض المأكول والمشروع وأمثاله ولا حقيقة له ( 2 / 333 )
وفي هذا الباب حكايات كثيرة عن ابن سينا والسهروردي المقتول انتهى ما في ( ( كشف المظنون ) )
وأطال ابن خلدون في بيان هذا العلم إلى أوراق لسنا بصدد نقله في هذا الموضع
قال : في ( ( المدينة ) ) ومن جملة ما حكى الأوزاعي عن يهودي لحقه في السفر وأنه أخذ ضفدعا فسحرها بطريقة علم السيميا حتى صارت خنزيرا فباعها من قوم من النصارى فلما صاروا إلى بيوتهم عاد ضفدعا فلحقوا اليهودي وهو مع الأوزاعي فلما قربوا منه رأوا رأسه قد سقط ففزعوا وولوا هاربين وبقي الرأس يقول للأوزاعي : يا أبا عمرو هل غابوا إلى أن بعدوا عنه فصار الرأس في الجسد . هذا ما حكاه ابن السبكي في رسالته ( ( معيد النعم ومبيد النقم ) )
ومنفعة هذا العلم وغرضه ظاهران جدا ولفظ سيميا عبراني معرب أصله سيم يه ومعناه : اسم الله وأما المقالات السبع عشرة للحلاج فإنما هي على سبيل الرمز وللشيخ ابن سينا أمور غريبة تنقل عنه في هذا العلم وكذا للشيخ شهاب الدين السهروردي المقتول انتهى
وقد حقق شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مؤلفاته أن الحلاج كان من الساحرين المشعبذين ولم يكن من أولياء الله تعالى كما زعم جماعة من الصوفية والله أعلم وعلمه أتم ( 2 / 334 )

(2/332)


باب الشين المعجمة

(2/334)


علم الشامات والخيلان

(2/334)


هكذا في ( ( كشف الظنون ) ) ولم يزد على ذلك قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : هو علم باحث عن أحوال العلامات المذكورة بحسب دلالتها على الأحوال الباطنة والأخلاق الموجودة في الإنسان بحسب الفطرة وقد صنف فيه بعض الحكماء رسائل لكنها قليلة الوجود جدا انتهى

(2/334)


علم شرح الحديث

(2/334)


هو : من فروع الحديث اعتنى العلماء بجمع حديث الأربعين وشرحه لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنة كنت له شفيعا يوم القيامة )
وفي رواية : ( من حمل عني من أمتي أربعين حديثا لقي الله عز وجل يوم القيامة فقيها عالما )
وفي رواية : ( من تعلم أربعين حديثا ابتغاء وجه الله تعالى ليعلم به أمتي في حلالهم وحرامهم حشره الله - سبحانه وتعالى - يوم القيامة عالما ) . انتهى ما في ( كشف الظنون ) ( 2 / 336 )
أقول وهذا الحديث من جميع طرقه ضعيف عند محققي أهل الحديث لا يعتمد عليه ولا يصير إليه إلا من لم يرسخ في علم الحديث قدمه

(2/334)


وقد تكلمنا عليه في غير هذا الموضع ولا يختص شرح الحديث بشرح أربعين حديثا بل كل من شرح كتابا من كتب السنة المطهرة وأتى بما ينبغي له وقضى حقه فقد شرح الحديث كما فعلنا في ( ( مسك الختام شرح بلوغ المرام ) ) و ( ( في عون الباري لحل أدلة البخاري ) ) وكما فعل قبلنا جماعة من الأئمة الحفاظ يطول ذكرهم
منها ( ( فتح الباري شرح صحيح البخاري ) ) للحافظ الإمام الحجة ابن حجر العسقلاني
و ( ( نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ) ) لشيخنا المجتهد القاضي محمد بن علي الشوكاني رضي الله عنهما
قال في ( ( مدنية العلوم ) ) : علم شرح الحديث علم باحث عن مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحاديثه الشريفة بحسب القواعد العربية والأصول الشرعية بقدر الطاقة البشرية ونفعه وغايته بمكان لا يخفى على إنسان والكتب المصنفة فيه أكثر من أن تحصى
وأشهرها ( ( شروح البخاري ) ) للكرماني والبرماوي وابن الملقن والعيني والحافظ ابن حجر والكوراني والسيوطي وغير ذلك وشرح مسلم النووي والسيوطي وشروح المصابيح للخلخالي والتوريشتي ومظهر وزين العرب وغير ذلك
ومن شروح المشارق المبارق وشرح صاحب القاموس وشرح أكمل الدين وشرح ابن الملك وغير ذلك انتهى
قلت : وقد استوفيت شروح الكتب الحديثة في كتابي ( ( إتحاف النبلاء ) ) تحت ذكر المتون فارجع إليه ( 2 / 337 )

(2/336)


علم الشرع

(2/337)


هو : علم صدر عن الشرع أو توقف عليه العلم الصادر عن الشرع توقف وجود كعلم الكلام أو توقف كمال كعلم العربية والمنطق كذا قال أبو حجر المكي في شرح أربعين النووي
ومن آلات هذا العلم : علم الصرف والنحو واللغة والمعاني والبيان
والعلم الشرعي عبارة عن التفسير والحديث
وأما الفقه : فهو من علوم الدنيا والشرع ما شرعه الله تعالى لعباده من الأحكام التي جاء بها كتابه المنزل ونبيه المرسل الموحي إليه منه تعالى سواء كانت متعلقة بكيفية عمل وتسمى : فرعية وعملية ودون لها علم الفقه أو بكيفية الاعتقاد وتسمى : أصلية واعتقادية ودون لها علم الكلام ويسمى الشرع أيضا : بالدين والملة
فإن تلك الأحكام من حيث أنها تطاع لها دين
ومن حيث أنها تملي وتكتب ملة
ومن حيث أنها مشروعة شرع فالتفاوت بينها بحسب الاعتبار لا بالذات إلا أن الشريعة والملة تضافان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى الأمة فقط استعمالا والدين يضاف إلى الله تعالى أيضا
وقد يعبر عنه بعبارة أخرى فيقال : هو وضع إلهي يسوق ذوي العقول باختبارهم المحمود إلى الخير بالذات وهو ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم
فإن الوضع الإلهي هو : الأحكام التي جاء بها نبي من الأنبياء عليهم السلام
وقد يخص الشرع بالأحكام العملية الفرعية وإليه يشعر ما في شرح العقائد النسفية
العلم المتعلق بالأحكام الفرعية يسمى : علم الشرائع والأحكام ( 2 / 338 )
وبالأحكام الأصلية يسمى : علم التوحيد والصفات انتهى

(2/337)


وما في التوضيح من أن الحكم بمعنى خطاب الله تعالى على قسمين : شرعي : أي خطاب الله بما يتوقف على الشرع ولا يدرك لولا خطاب الشارع كوجوب الصلاة
وغير شرعي : أي خطابه تعالى بما لا يتوقف على الشرع بل الشرع يتوقف عليه كوجوب الإيمان بالله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - انتهى
وما في شرح المواقف من أن الشرعي هو الذي يجزم العقل بإمكانه ثبوتا وانتفاء ولا طريق للعقل إليه ويقابله العقلي وهو ما ليس كذلك انتهى
وقد يطلق الشرع على القضاء أي حكم القاضي
ثم الشرعي كما يطلق على ما مر كذلك يطلق على مقابل الحسي
فالحسي : ما له وجود حسي فقط
والشرعي : ما له وجود شرعي مع الوجود الحسي كالبيع فإن له وجودا حسيا ومع هذا له وجود شرعي فإن الشرع يحكم بأن الإيجاب والقبول الموجودين حسا يرتبطان ارتباطا حكميا فيحصل معنى شرعي يكون الملك أثرا له فذلك المعنى هو البيع حتى إذا وجد الإيجاب والقبول في غير المحل لا يعتبره الشرع كذا في ( ( التوضيح ) ) وفي ( ( التلويح ) )
وقد يقال : إن الفعل إن كان موضوعا في الشرع لحكم مطلوب فشرعي وإلا فحسي انتهى
وقيل : الشرع المذكور على لسان الفقهاء بيان الأحكام الشرعية
والشريعة كل طريقة موضوعة بوضع إلهي ثابت من نبي من الأنبياء ويطلق كثيرا على الأحكام الجزئية التي يتهذب بها المكلف معاشا ومعادا سواء كانت منصوصة من الشارع أو راجعة إليه
والشرع كالشريعة كل فعل أو ترك مخصوص من نبي من الأنبياء صريحا أو ( 2 / 339 ) دلالة فإطلاقه على الأصول الكلية مجاز وإن كان بخلاف الملة فإن إطلاقها على الفروع مجاز وتطلق على الأصول حقيقة كالإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه وغيرها ولا يتطرق النسخ فيها ولا تختلف الأنبياء فيها
والشرع عند أهل السنة ورد منشأ للأحكام
وعند أهل الاعتزال ورد مجيزا لحكم العقل ومقررا له لا منشأ وقوله تعالى : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) قال ابن عباس : الشرعة ما ورد به القرآن والمنهاج ما ورد به السنة
والشريعة هي : الإئتمار بالتزام العبودية وقيل : هي الطريق في الدين وحينئذ الشرع والشريعة مترادفان كذا في ( ( الجرجاني ) ) وكذا في ( ( كشاف اصطلاحات الفنون ) )

(2/338)


علم الشروط والسجلات

(2/339)


هو : علم باحث عن كيفية ثبت الأحكام الثابتة عند القاضي في الكتب والسجلات على وجه يصح الاحتجاج به عند انقضاء شهود الحال
وموضوعه : تلك الأحكام من حيث الكتابة
وبعض مباديه مأخوذ من الفقه وبعضها من علم الإنشاء وبعضها من الرسوم والعادات والأمور الاستحسانية
وهو من فروع الفقه من حيث كون ترتيب معانيه موافقا لقوانين الشرع وقد يجعل من فروع الأدب والإنشاء باعتبار تحسين الألفاظ
وأول من صنف فيه هلال بن يحيى البصري الحنفي المتوفى سنة خمس وأربعين ومائتين
ولأبي زيد أحمد بن زيد الشروطي الحنفي فيه ثلاث كتب كبير وصغير ومتوسط وليحيى بن بكر الحنفي مؤلف ولأبي جعفر أحمد بن محمد الإمام ( 2 / 340 ) الطحاوي المتوفى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة مؤلف في أربعين جزءا أوله ( أما بعد حمد الله عز وجل ) ولمحمد بن أفلاطون الرومي البرسوي الشهير بأفلاطون المتوفى سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وكان مقدما فيه ذكر الجرجاني في ترجيح مذهب أبي حنيفة أن الشروطي لم يسبقه أحد وأجاب أبو منصور عبد القاهر ابن طاهر البغدادي في رده : بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أول من أملى كتب العهود والمواثيق

(2/339)


منها : عهده لنصارى إبلة بخط علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه واستقصى محمد ابن جرير الطبري الشروط في كتاب على أصول الشافعي وسرق أبو جعفر الطحاوي من كتابه ما أودعه كتابه وأخبرهم أنه من نتيجة أهل الري ثم جاء بعده شيخ الشروط والمواثيق أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي فصنف في أدب القضاء والشروط والمواثيق
وممن صنف في الشروط المزني أملى فيه كتابا جامعا وأبو ثور وكتابه فيها مبسوط وأبو علي الكرابيسي وبين في تأليفه ما وقع في كتب أهل الري من الخلل في شروطهم وداود بن علي الأصبهاني وشرح في كتابه أصول الشافعي وذكر ما عابه الأئمة على يحيى بن أكتم من الشروط وابنه أبو بكر وزاد على أبيه أبوابا وفصولا وقبله أبو عبد الرحمن الشافعي

(2/340)


علم الشعبذة

(2/340)


قد تقدم الكلام عليه في ذيل علم السحر
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : علم الشعبذة والتخيلات والأخذ بالعيون المخيلة لسرعة فعل صناعها برؤية الشيء على خلاف ما هو عليه
والشعبذة : وقد يقال : الشعوذة معرب شعبادة وهي اسم رجل ينسب إليه هذا العلم
وهو : علم مبني على خفة اليد بأن يرى الناس الأمر المكرر واحدا والواحد ( 2 / 341 ) مكرر بسرعة التحريك ويرى الجماد حيا ويخفي المحسوس عن أعين الناس بلا أخذ من عندهم باليد إلى غير ذلك من الأحوال التي تعارفها الناس بالآنية دون اللمية وهذا ليس من السحر في شيء لكن لشبهه به في رأي العين جعلناه من فروعه انتهى

(2/340)


علم الشعر

(2/341)


لم يتكلم عليه في ( كشف الظنون ) سوى ذكر اسمه وسيأتي في باب القاف
وفي المستطرف من كل فن مستطرف فصل في ذكر الشعر والشعراء وسرقاتهم وكذا في محاضرات الأدباء وغيرهما من كتب الأدب
والشعر بالكسر وسكون العين لغة الكلام الموزون المقفى كما في المنتخب
وعند أهل العربية الكلام الذي قصد إلى وزنه وتقفيته قصدا أوليا والمتكلم بهذا الكلام يسمى شاعرا
فمن يقصد المعنى فيصدر عنه كلام موزون مقفى لا يكون شاعرا وعلى هذا فلا يكون القرآن والحديث شعر العدم القصد إلى وزن اللفظ قصد أوليا ويؤيد ما ذكرنا أنك إذا تتبعت كلام الناس في الأسواق تجد فيه ما يكون موزونا واقعا في بحر من بحور الشعر ولا يسمى المتكلم به شاعرا ولا الكلام شعر العدم القصد إلى اللفظ أولا وبالجملة
فالشعر ما قصد وزنه أولا بالذات ثم يتكلم به مراعى جانب الوزن فيتبعه المعنى فلا يرد ما يتوهم من أن الله تعالى لا تخفى عليه خافية وفاعل بالاختيار فالكلام الموزون الصادر عنه سبحانه معلوم له تعالى كونه موزونا وصادرا عن قصد واختيار فلا معنى لنفي كون وزنه مقصودا لأن الكلام الموزون وإن صدر عنه تعالى عن قصد واختيار ولكن لم يصدر عن قصد أولي هو ( 2 / 342 ) المراد ههنا فتأمل كذا ذكره الحلبي في حاشية شرح المواقف
ولا بأس بالشعر إذا كان توحيدا أو حثا على مكارم الأخلاق من جهاد وعبادة وحفظ فرج وغض بصر وصلة رحم وشبهها أو مدحا للنبي - صلى الله عليه وسلم - والصالحين بما هو الحق وكان أبو بكر وعمر شاعرين وكان علي أشعر الثلاثة ولما نزل ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) الآية جاء حسان وابن رواحة وغيرهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان غالب شعرهم توحيدا وذكرا فقالوا : يا رسول الله قد نزلت هذه الآية والله يعلم إنا شعراء فقال - صلى الله عليه وسلم - : إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه وإن الذي ترمونهم به نضح النبل ) ذكره أحمد الرازي في تفسيره

(2/341)


وقال البيضاوي تحت قوله سبحانه : ( الشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ) لأن أكثر مقدماتهم خيالات لا حقيقة لها وأغلب كلماتهم في النسيب بالحرم وذكر صفات النساء والغزل والابتهاء وتمزيق الأعراض في القدح في الأنساب والوعد الكاذب والافتخار الباطل ومدح من لا يستحقه والإطراء فيه
ثم قال قوله : ( إلا الذين آمنوا ) الآية استثناء للشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله ويكون أكثر أشعارهم في التوحيد والثناء على الله والحث على طاعته ولو قالوا : اهجوا أرادوا به الانتصار ممن هجاهم مكافحة هجاة المسلمين كابن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن مالك وكعب بن زهير وكان عليه السلام يقول لحسان : ( قل وروح القدس معك ) . انتهى
ذكر أبو الحسن الأهوازي في كتاب القوافي أن الشعر عند العرب ينقسم إلى أربعة أقسام :
الأول : القصيدة وهو الوافي الغير المجز ولأنهم يصدوا به إثم ما يكون من ذلك الجنس
الثاني : الرمل وهو المجز و رباعيا كان أو سداسيا لأنه اقصر عن الأول فشبه بالرمل في الطواف وقد يسمى هذا أيضا قصيدة ( 2 / 343 )
والثالث : الرجز وهو ما كان على ثلاثة أجزاء كمشطور الرجز والسريع سمي بذلك لتقارب أجزائه وقلة حروفه تشبيها بالناقة التي في مشيها ضعف لداء يعتريها
الرابع : الخفيف وهو المنهوك وأكثر ما جاء في ترقيص الصبيان واستقاء الماء من الآبار وإنما يدعى الرامل شاعرا إذا كان الغالب على شعره القصيدة فإن كان الغالب عليه الرجز سمي راجزا انتهى

(2/342)


قلت : وللشعر أقسام كثيرة غير ما ذكر يعرفها الشاعرون وهي مدونة في كتب هذا الفن وقد تقدم الكلام منا على ذلك في القسم الأول من هذا الكتاب وإنما تعرضنا بالشعر في هذا المقام ضبطا لأطراف المعلوم
والشعر عند المنطقيين هو القياس المركب من مقدمات يحصل للنفس منها القبض والبسط ويسمى قياسا شعريا كما إذا قيل : الخمر ياقوتية سيالة تنبسط النفس ولو قيل العسل مرة مهوعة تنقبض والغرض منه ترغيب النفس وهذا معنى ما قيل هو قياس مؤلف من المخيلات . والمخيلات تسمى : قضايا شعرية وصاحب القياس الشعري يسمى : شاعرا كذا في ( ( شرح المطالع ) ) وحاشية السيد علي إيساغوجي
وشعراء العرب على طبقات
جاهليون : كامرئ القيس وطرفة وزهير
ومخضرمون : المخضرم من قال الشعر في الجاهلية ثم أدرك الإسلام كلبيد وحسان
ومتقدمون : ويقال الإسلاميون وهم الذين كانوا في صدر الإسلام كجرير والفرزدق
ومولدون : وهم من بعدهم كبشار
ومحدثون : وهم من بعدهم كأبي تمام والبحتري ( 2 / 344 )
ومتأخرون : كمن حدث بعدهم من شعراء الحجاز والعراق ولا يستدل في استعمال الألفاظ بشعر هؤلاء بالاتفاق كما يستدل بالجاهلين والمخضرمين والإسلاميين بالاتفاق
واختلف في المحدثين فقيل : لا يستشهد بشعرهم مطلقا واختاره الزمخشري ومن حذا حذوه وقيل لا يستهشد بشعرهم إلا بجعلهم بمنزلة الراوي فيما يعرف أنه لا مساغ فيه سوى الرواية ولا مدخل فيه للدراية
هذا خلاصة ما في الخفاجي وغيره من حواشي البيضاوي في تفسير قوله تعالى : ( كلما أضاء لهم مشوا فيه ) كذا في ( ( كشاف اصطلاحات الفنون ) ) والكلام على فن الشعر وحسنه وقبحه والشعراء يطول جدا لا يسع له هذه المقام ( 2 / 345 )

(2/343)


علم الشواذ

(2/345)


من فروع علم القراءة

(2/345)


باب الصاد المهلمة

(2/345)


علم الصرف

(2/345)


وهو : علم يعرف منه أنواع المفردات الموضوعة بالوضع النوعي ومدلولاتها والهيئات الأصلية العامة للمفردات والهيئات التغيرية وكيفية تغيراتها عن هيئاتها الأصلية على الوجه الكلي بالمقايس الكلية كذا في الموضوعات
وموضوعه : الصيغ المخصوصة من الحيثية المذكورة
وغرضه : ملكة يعرف بها ما ذكر من الأحوال
وغايته : الاحتراز عن الخطأ من تلك الجهات
ومباديه : مقدمات مستنبطة من تتبع استعمال العرب
وفي ( ( كشاف اصطلاحات الفنون ) ) علم الصرف ويسمى بعلم التصريف أيضا وهو : علم بأصول تعرف بها أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب ولا بناء هكذا قال ابن الحاجب

(2/345)


والمراد من بناء الكلمة وكذا من صيغتها ووزنها هيئتها التي يمكن أن يشاركها فيها غيرها وهي عدد حروفها المرتبة وحركاتها المعينة وسكونها مع اعتبار حروفها الزائدة والأصلية كل في موضعه
وموضوعه : هو الكلمة من حيث أن لها بناء ولا محذور في البحث عن قيد الحيثية إذا كانت بيانا للموضوع فلا محذور في البحث عن الأبنية في هذا العلم ( 2 / 346 ) ويؤيد هذا ما ذكروه في تقسيم العلوم العربية من أن الصرف يبحث فيه عن المفردات من حيث صورها وهيئاتها وكذا ما ذكر المحقق عبد الحكيم في حاشية شرح الجامي من أن التصريف والمعاني والبيان والبديع والنحو بل جميع العلوم الأدبية تشترك في أن موضوعها الكلمة والكلام إنما الفرق بينها بالحيثيات انتهى
وفي شرح الشافية للجار بردي أن موضوعه الأبنية من حيث تعرض الأحوال لها والأبنية عبارة عن الحروف والحركات والسكنات الواقعة في الكلمة فيبحث عن الحروف من حيث أنها ثلاثة أو أربعة أو خمسة ومن حيث أنها زائدة أو أصلية وكيف يعرف الزائد عن الأصلي وعن الحركات والسكنات من أنها خفيفة أو ثقيلة
فيخرج عن هذا العلم معرفة الأبنية ويدخل فيه معرفة أحوالها لأن الصرف علم بقواعد تعرف بها أحوال الأبنية أي الماضي والمضارع والأمر الحاضر إلى غير ذلك فإن جميع ذلك أحوال راجعة إلى أحوال الأبنية لا إلى نفس الأبنية انتهى
فعلى هذا إضافة أحوال الأبنية ليست بيانية ويرد عليه أن الماضي ونحوه ليس بناء ولا حال بناء بل هو شيء ذو بناء وأضعف منه ما وقع في بعض كتب الصرف من أن موضوعه الأصول والقواعد
ومباديه : حدود ما تتبنى عليه مسائله كحد الكلمة والاسم والفعل والحرف ومقدمات حججها أي أجزاء على المسائل كقولهم : إنما يوقع الإعلال في الكلمة لإزالة الثقل منها
ومسائله الأحكام المتعلقة بالموضوع كقولهم : الكلمة إما مجردة أو مزيدة أو جزئه كقولهم : ابتداء الكلمة لا يكون ساكنا أو جزئية كقولهم : الاسم إما ثلاثي أو رباعي أو خماسي أو عرضه كقولهم الإعلال إما بالقلب أو الحذف أو الإسكان

(2/345)


وغايته : غاية الجدوى حيث يحتاج إليه جميع العلوم العربية والشرعية كعلم ( 2 / 347 ) التفسير والحديث والفقه والكلام ولذا قيل أن الصرف أم العلوم والنحو أبوها
قال الرضي : إن التصريف جزء من أجزاء النحو بلا خلاف من أهل الصيغة والتصريف على ما حكى سيبويه عنهم هو أن تبني من الكلمة بناء لم تبنه العرب على وزن ما بنته ثم تعمل في البناء الذي بنيته ما يقتضيه قياس كلامهم كما يتبين في مسائل التمرين والمتأخرون على أن التصريف علم بأبنية الكلمة وبما يكون لحروفها من أصالة وزيادة وحذف وصحة وإعلال وإدغام وإمالة وبما يعرض لآخرها مما ليس بإعراب ولا بناء من الوقف وغير ذلك انتهى
فالصرف والتصريف عند المتأخرين مترادفان والتصريف على ما حكى سيبويه عنهم جزء من الصرف الذي هو جزء من أجزاء النحو انتهى ما في ( ( الكشاف ) ) وقد أطال الكلام على قيود حد الصرف تركنا ذكره ههنا لقلة فائدته في هذا الكتاب
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : إن أول من دون علم الصرف أبو عثمان المازني البصري ومن شعره :
شيئان يعجز ذو الرياضة عنهما ... رأي النساء وإمرة الصبيان
أما النساء فإنهن عواهر ... وأخو الصبا يجري بغير عنان
وصنف في التصريف أبو الفتح بن جني مختصرا سماه ( ( التصريف الملوكي ) ) وصنف ابن مالك في ضروري التصريف مختصرا وشرحه ووسمه بالتعريف من المتوسطات في هذا العلم كتاب ابن الحاجب المسمى ( ( بالشافية ) ) وأمثلها الممتع لابن عصفور علي بن مؤمن الإشبيلي وشرح الشافية لأحمد بن حسن الجاربردي ولرضي الدين الأسترآبادي ولحسن بن محمد النيسابوري المشهور بالنظام الأعرج ( 2 / 348 ) وشرحه ممزوج مشهور متداول

(2/346)


ومما اشتهر في ديارنا مختصر مسمى ( ( بالمقصد ) ) وهو كتاب مبارك مشهور بأيدي الناس اليوم وعليه شروح مفيدة مشهورة عند أبناء الزمان ومختصر لعز الدين عبد الوهاب بن إبراهيم الزنجاني وله التصريف المشهور بتصريف العزي وعلى مختصره شروح أفضلها وأحسنها شرح السعد التفتازاني والسيد الشريف الجرجاني
ومن المختصرات : ( ( مراح الأرواح ) ) لأحمد بن علي بن مسعود وعليه شروح مفيدة يعرفها المتأدبون من الصبيان
وأكثر المصنفات في علم النحو مذيلة بعلم التصريف ومختصر النجاح مفيد في الغاية لكنه غير مشهور وهو لحسام الدين الصغنافي شارح الهداية ومختصر نزهة الطرف في علم الصرف للميداني انتهى ملخصا
وتركت ما ذكر من تراجم علماء الصرف تحت كل كتاب مذكور فإنه ليس من غرضنا في هذا الموضع
قال في ( ( كشف الظنون ) ) ومن الكتب المصنفة في الصرف ( ( أساس الصرف ) ) ( ( تصريف الأفعال ) ) ( ( جامع الصرف ) ) ( ( عنقود للزواهر ) ) ( ( قصارى لامية الأفعال مقصود ) ) ( ( مضبوط ) ) ( ( مطلوب ) ) ( ( منازل الأبنية نجاح هارون ) ) انتهى
قلت : ومنها ( ( نقود الصرف ) ) للشيخ المفتي ولي الله الفرخ آبادي وفصول أكبري وشفاء الشافية للشيخ المولوي عبد الباسط القنوجي وبنج كنج وصرف مير للسيد الشريف الجرجاني - رحمه الله -
ورسائل أخرى وهي كثيرة جدا متداولة بين الصبيان ومؤدبيهم وهي بالفارسية والعربية

(2/348)


علم صلاة الحاجات

(2/348)


الواردة في الأحاديث وهي كثيرة جدا أشهرها :
الضحى والتهجد وصلاة ( 2 / 349 ) التسبيح وغير ذلك من نوافل الصلاة وقد دونها الشيخ فخر الدين الرومي في كتاب ( ( دعوات الليل والنهار ) ) ويجده من يطلبه هكذا في ( ( مدينة العلوم ) ) ولا حاجة تدعو إلى تسمية ذلك علما مستقلا فإنه داخل تحت كتاب الصلوات من كتب الحديث الشريف وشرح السنة صرحوا بما صح من ذلك وما لم يصح
وقد أكثر أهل البدع والضلالات في إيجاد الصلوات التي لا أصل لها في دين الإسلام كصلاة الرغائب وغيرها وأشنعها الصلاة التي تصلى إلى بغداد لأجل الشيخ الأجل السيد عبد القادر الجيلاني - رحمه الله - فهذه الصلاة وأمثالها مما تكون للعباد أشد كبا للناس في النار الحامية أعاذنا الله تعالى من الشرك والبدعة ووفقنا لاتباع صرائح الكتاب والسنة

(2/348)


علم صور الكواكب

(2/349)


هكذا في ( ( الكشف ) ) ولم يزد عليه شيئا
وقال في ( ( مدينة العلوم ) ) : هو : علم يتعرف منه الصور التي تخيلوها من اجتماع الكواكب الثابتة من تلك الصور اثني عشر صورة تخيلوها على منطقة فلك البروج وسموا البروج الإثني عشر بأسماء تلك الصور ومنها ثمانية وعشرون صورة هي منازل القمر وضبطوا لهذه الصور مواضع ألف واثنين وعشرين كوكبا من الكواكب الثابتة ولعبد الرحمن الصوفي كتاب نافع في هذا العلم وكذا لمحيي الدين المولى

(2/349)


علم الصيدلية

(2/349)


من فروع علم الطب وهو علم يبحث فيه عن تمييز المتشابهات من أشكال النباتات من حيث أنها صينية أو هندية أو رومية وعن معرفة زمانها صيفية ( 2 / 350 ) أو خريفية وعن تمييز جيدها عن الردي وعن معرفة خواصها
والغرض والفائدة منه ظاهران لمن تأمل
والفرق بينه وبين علم النباتات : أن علم الصيدلية باحث عن تمييز أحوالها أصالة وعلم النباتات باحث عن خواصها أصالة والأول أشبه للعمل والثاني أشبه للعلم وكل منهما مشترك بالآخر كذا في ( ( مدينة العلوم ) ) وغيرها
ومن الكتب الجديدة فيه : كتاب ( ( عمدة المطببين ) ) المعروف بالأقراباذين للشيخ منصور أحمد أفندي ترجمه من الفرنساوية وأفرغه في القوالب العربية وطبع بمصر القاهرة في سنة 1283 للهجرية في عهد إسماعيل باشا مصر قال فيه :
علم الصيدلية أي : علم الأقراباذين علم يبحث فيه عن جمع وانتخاب الجواهر الدوائية وتحضيرها ومزجها وتهيئتها للاستعمال الطبي بقطع النظر عن الظواهر الكيماوية التي قد تظهر مدة هذه العمليات انتهى
وقد وقفت على هذا الكتاب ووجدته أنفس الكتب المؤلفة في هذا الباب ولله الحمد حمدا كثيرا

(2/349)


علم الصيفي والشتائي

(2/350)


من فروع التفسير وموضوعه وغايته ومنفعته ظاهرة للناظرين
قال الواحدي : أنزل الله - سبحانه وتعالى - في الكلالة آيتين : إحداهما وهي التي في أول النساء في الشتائي والأخرى وهي التي في آخرها الصيفي ومن الصيفي : فأنزل في حجة الوداع كأول المائدة وقوله : ( اليوم أكملت لكم دينكم واتقوا يوما ترجعون فيه ) وآية الدين وسورة النصر والآيات التي في غزوة الخندق ( 2 / 351 )

(2/350)


باب الضاد المعجمة

(2/351)


علم ضروب الأمثال

(2/351)


قال الميداني : إن عقود الأمثال يحكم بأنها عديمة أشباه وأمثال تتحلى بفرائدها صدور المحافل والمحاضر ويتسلى بفوائدها قلب البادي والحاضر وتفيدوا بها في بطون الدفاتر والصحائف وتطير نواهضها في رؤوس الشواهق وظهور المنائف ويحتاج الخطيب والشاعر إلى إدماجها وإدراجها لاشتمالها على أساليب الحسن والجمال وكفى جلالة قدرها أن كتاب الله - سبحانه وتعالى - لم يعر من وشاحها وإن كلام نبيه - صلى الله عليه وسلم - لم يخل في إيراده وإصداره من مثل يحوز قصب السبق في حلبة الإيجاز وأمثال التنزيل كثيرة

(2/351)


وأما الكلام النبوي من هذا الفن فقد صنف العسكري فيه كتابا برأسه من أوله إلى آخره ومن المعلوم أن الأدب سلم إلى معرفة العلوم به يتوصل إلى الوقوف عليها ومن يتوقع الوصول إليها غير أن له مسالك ومدارج ولتحصيله مراقي ومعارج وإن أعلى تلك المراقي وأقصاها وأوعر تلك المسائل أعصاها هذه الأمثال الواردة كل مرتضع در الفصاحة يافعا ووليدا فينطق بما يعبر عنها حشوا في ارتقاء معارج البلاغة
ولهذا السبب خفي أثرها وظهر أقلها ومن حام حول حماها علم أن دون الوصول إليها أحرق من خرط القتاد وأن لا وقوف عليها إلا للكامل ( 2 / 352 ) المعتاد كالسلف الماضيين الذي نظموا من شملها ما تشتت وجمعوا من أمرها ما تفرق فلم يبقوا في قوس الإحسان منزعا

(2/351)


علم الضعفاء والمتروكين في رواة الحديث

(2/352)


صنف فيه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى بخرتنك سنة ست وخمسين ومائتين يرويه عنه أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي وأبو جعفر شيخ ابن سعيد وآدم بن موسى الجفاري وهو من تصانيفه الموجودة قاله الحافظ ابن حجر والإمام عبد الرحمن بن أحمد النسائي والإمام حسن بن محمد الصنعاني وأبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة . قال الذهبي في ( ( ميزان الاعتدال ) ) : إنه يسرد الجرح ويسكت من التوثيق وقد اختصره ثم ذيله كما قال
وذيله أيضا : علاء الدين مغلطائي بن قليج المتوفى سنة اثنتين وستين وسبعمائة
وصنف فيه علاء الدين علي بن عثمان المارديني المتوفى سنة خمسين وسبعمائة
وصنف فيه محمد بن حيان البستي ووضع له مقدمة قسم فيها الرواة إلى نحو عشرين قسما ذكره البقاعي في ( ( حاشية شرح الألفية ) ) ( 2 / 353 )

(2/352)


باب الطاء المهملة

(2/353)


علم الطب

(2/353)


هو : علم يبحث فيه عن بدن الإنسان من جهة ما يصح ويمرض لحفظ الصحة وإزالة المرض
قال جالينوس : الطب حفظ الصحة وإزالة العلة
وموضعه : بدن الإنسان من حيث الصحة والمرض
ومنفعته : لا تخفى وكفى بهذا العلم شرفا وفخرا أقوال الإمام الشافعي : العلم علمان : علم الطب للأبدان وعلم الفقه للأديان
ويروى عن علي كرم الله وجهه : العلوم خمسة :
الفقه للأديان والطب للأبدان والهندسة للبنيان والنحو للسان والنجوم للزمان ذكره في ( ( مدينة العلوم ) )
قال في ( ( كشاف اصطلاحات الفنون ) ) : وموضوع الطب : بدن الإنسان وما يشتمل عليه من الأركان والأمزجة والأخلاط والأعضاء والقوى والأرواح والأفعال وأحواله من الصحة والمرض وأسبابهما من المآكل والمشرب والأهوية المحيطة بالأبدان والحركات والسكنات والاستفراغات والاحتقانات والصناعات والعادات والواردات الغريبة والعلامات الدالة على أحواله من ضرر أفعاله ( 2 / 354 ) وحالات بدنه وما يبرز منه والتدبير بالمطاعم والمشارب واختيار الهواء وتقدير الحركة والسكون والأدوية البسيطة والمركبة وأعمال اليد لغرض حفظ الصحة وعلاج الأمراض بحسب الإمكان انتهى

(2/353)


قال : وعلم الطب من فروع الطبعي وهو : علم بقوانين تتعرف منها أحوال أبدان الإنسان من جهة الصحة وعدمها لتحفظ حاصلة وتحصل غير حاصلة ما أمكن وفوائد القيود ظاهرة وهذا أولى ممن قال من جهة ما يصح ويزول عنه الصحة فإنه يرد عليه : إن الجنين غير الصحيح من أول الفطرة لا يصح عليه أنه زال عن الصحة أو صحته زائلة كذا في السديدي ( ( شرح الموجز ) ) فالمراد هنا بالعلم : التصديق بالمسائل ويمكن أن يراد به الملكة أي : ملكة حاصلة بقوانين . . . الخ
وفي ( ( شرح القانوجه ) ) هو : علم بأحوال بدن الإنسان وما يتركب منه من حيث الصحة والمرض انتهى
اعلم : أن تحقيق أول حدوث الطب عسير لبعد العهد واختلاف آراء القدماء فيه وعدم المرجح فقوم يقولون بقدمه والذين يقولون بحدوث الأجسام يقولون بحدوثه أيضا وهم فريقان :
الأول : يقول أنه خلق مع الإنسان
والثاني : وهم الأكثر يقول : إنه مستخرج بعده إما بإلهام من الله - سبحانه وتعالى - كما هو مذهب بقراط وجالينوس وجميع أصحاب القياس وإما بتجربة من الناس كما ذهب إليه أصحاب التجربة والحيل وثاسلس المغالط وفنين وهم مختلفون في الموضع الذي به استخرج وبماذا استخرج

(2/354)


فبعضهم يقول : إن أهل مصر استخرجوه ويصححون ذلك من الدواء المسمى بالرأس
وبعضهم يقول : إن هرمس استخرجه مع سائر الصنائع
وبعضهم يقول : أهل تونس ( 2 / 355 )
وقيل : أهل سوريا وأفروجيا وهم أول من استخرج الزمر أيضا وكانوا يشفون بالألحان والإيقاعات آلام النفس
وقيل : أهل قو وهي الجزيرة التي كان بها بقراط وآباؤه وذكر كثير من القدماء : أنه ظهر في ثلاث جزائر إحداها : رودس والثانية : تسمى : قندس والثالثة : قو
وقيل : استخرجه الكلدانيون
وقيل : استخرجه السحرة من اليمن
وقيل : من بابل
وقيل : فارس
وقيل : استخرجه الهند
وقيل : الصقالبة
وقيل : أقريطش
وقيل : أهل طور سينا
والذين قالوا بإلهام يقول بعضهم : هو إلهام بالرؤيا واحتجوا بأن جماعة رأوا في الأحلام أدوية استعملوها في اليقظة فشفتهم من أمراض صعبة وشفت كل من استعملها
وبعضهم يقول : بإلهام من الله - سبحانه وتعالى - بالتجربة
وقيل : إن الله - سبحانه وتعالى - خلق الطب لأنه لا يمكن أن يستخرجه عقل إنسان وهو رأي جالينوس فإنه قال كما نقله عنه صاحب ( ( عيون الأنباء ) )

(2/354)


وأما نحن فالأصوب عندنا أن نقول : إن الله - سبحانه وتعالى - خلق صناعة الطب وألهمها الناس وهو أجل من أن يدرجه العقل لأنا نجد الطب أحسن من الفلسفة التي يرون أن استخراجها كان من عند الله - سبحانه وتعالى - بإلهام منه للناس فوجود الطب بوحي وإلهام من الله - سبحانه وتعالى -
قال ابن أبي صاد في آخر شرحه لمسائل حنين : وجدت الناس في قديم الزمان لم يكونوا يقنعون من هذا العلم دون ( 2 / 356 ) أن يحيطوا علما بجل أجزائه وبقوانين طرق القياس والبرهان التي لا غنى لشيء من العلوم عنها ثم لما تراجعت الهمم عن ذلك أجمعوا على أنه لا غنى لمن يزاول هذا العلم من أحكام ستة عشر كتابا لجالينوس كان أهل الإسكندرية لخصوها لنقبائها المتعلمين ولما قصرت الهمم بالمتأخرين عن ذلك أيضا وظف أهل المعرفة على من يقنع من الطب بأن يتعاطاه دون أن يتمهر فيه أن يحكم ثلاث كتب من أصوله
أحدها : مسائل حنين
والثاني : كتاب الفصول لبقراط
والثالث : أحد الكناشتين الجامعتين للعلاج وكان خيرها كناش ابن سرافيون

(2/355)


وأول من شاع عنه الطب إسقلنينوس عاش تسعين سنة منها وهو صبي وقبل أن تصح له القوة الإلهية خمسون سنة وعالما معلما أربعون سنة وخلف ابنين ماهرين في الطب وعهد إليهما أن لا يعلما الطب إلا لأولادهما وأهل بيته وعهد إلى من يأتي بعده كذلك
وقال ثابت : كان في جميع المعمور لإسقلنينوس اثنا عشر ألف تلميذ وإنه كان يعلم مشافهة وكان آل إسقلنينوس يتوارثون صناعة الطب إلى أن تضعضع الأمر في الصناعة على بقراط ورأى أن أهل بيته وشيعته قد قلوا ولم يأمن أن تنقرض الصناعة فابتدأ في تأليف الكتب على جهة الإيجاز
قال علي بن رضوان : كانت صناعة الطب قبل بقراط كنزا وذخيرة يكنزها الآباء ويدخرونها للأبناء وكانت في أهل بيت واحد منسوب إلى إسقلنينوس وهذا الاسم اسم لملك بعثه الله - سبحانه وتعالى - يعلم الناس الطب أو اسم قوة الله تعالى علمت الناس الطب
وكيف كان فهو أول من علم صناعة الطب ونسب المعلم الأول إليه على عادة القدماء في تسمية المعلم أبا للمتعلم وتناسل من المعلم الأول أهل هذا البيت المنسوبون إلى إسقلنينوس وكان ملوك اليونان والعظماء منهم ولم يكونوا غيرهم من تعلم الطب وكان تعليمهم إلى أبنائهم . فيفسر ذلك ( 2 / 357 ) اللغز للابن وكان الطب في الملوك والزهاد فقط يقصدون به الإحسان إلى الناس من غير أجرة ولم يزل ذلك إلى أن نشأ بقراط من أهل قو ودمقراط من أهل إيديرا وكانا متعاصرين
أما دمقراط فتزهد وأما بقراط فعمد إلى أن دونه بإغماض في الكتب خوفا على ضياعه وكان له ولدان : ثاسالوس ودراقر وتلميذ وهو : قولونس فعلمهم ووضع عهدا وناموسا ووصية عرف منها جميع ما يحتاج إليه الطبيب في نفسه
وعبارة ( ( مدينة العلوم ) ) : إن أول من دون علم الطب بقراط ثم ظهر من بعده جالينوس من مدينة فرغاموس من أرض اليونانيين ولا أعلم بعد أرسطاطاليس أعلم بالطبعي من هذين بقراط وجالينوس وظهر جالينوس بعد ستمائة وخمس وستين سنة من وفاة بقراط وبينه وبين المسيح سبع وخمسون سنة المسيح أقدم منه

(2/356)


واعلم : أن من وفاة جالينوس إلى هذا التاريخ - وهو ثمان وأربعون وتسعمائة سنة من هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم - : ألف وأربعمائة وستة وسبعون سنة تقريبا
ومن مشاهير العلماء في الطب : محمد بن زكريا أبو بكر الرازي ألف كتبا كثيرة في الطب
ومن الكتب المختصرة النافعة غاية النفع المباركة للطلاب كتاب ( ( الموجز ) ) لابن النفيس المصري ومن المبسوطة : ( ( القانون ) ) لابن سينا وعليه شرح لابن النفيس وللعلامة الشيرازي انتهى حاصله
قلت : يحتاج ( ( القانون ) ) إلى إصلاح عبارة وتلخيص وتهذيب فقد أطال فيه وجاء بعبارات سخيفة بشعة كما لا يخفى على الماهر فيه . ومن الكتب الجديدة التأليف : كتاب الحكيم أحمد بن حسن أفندي الرشيدي المطبوع بمصر القاهرة سماه ( ( بعمدة المحتاج في علمي الأدوية والعلاج ) ) ألفه باسم إسماعيل باشا مصر وهو في أجزاء جمعه من المؤلفات العربية والإفرنجية وله كتاب ( ( بهجة الرؤساء في علاج أمراض النساء ) ) طبع بمصر القاهرة في سنة 1260 ، ألفه باسم محمد علي باشا وأفاد ( 2 / 358 ) وأجاد . وله كتاب ( ( نزهة الإقبال في مداواة الأطفال ) ) وهو مجلد كبير طبع بمصر في سنة 1261 الهجرية باسم محمد علي باشا أيضا
ومن الكتب الجديدة كتاب ( ( المنحة في سياسة حفظ الصحة ) ) للحكيم الأجل محمد الهراوي طبع بمصر في سنة 1249 ، ترجمة من الفرنساوي إلى العربي وهو مجلد متوسط

(2/357)


والكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة جدا ذكرها ملا كاتب الجلبي في ( ( كشف الظنون ) ) على ترتيب حروف الأعجام
وأما الذي في ( ( مقدمة ابن خلدون ) ) فنصه هكذا : ومن فروع الطبيعيات : صناعة الطب وهي صناعة تنظر في بدن الإنسان من حيث يمرض ويصح فيحاول صاحبها حفظ الصحة وبرء المرض بالأدوية والأغذية بعد أن يتبين المرض الذي يخص كل عضو من أعضاء البدن وأسباب تلك الأمراض التي تنشأ عنها وما لكل مرض من الأدوية مستدلين على ذلك بأمزجة الأدوية وقواها على المرض بالعلامات المؤذنة بنضجه وقبوله الدواء أولا : في السجية والفضلات والنبض محاذين لذلك قوة الطبيعة فإنها المدبرة في حالتي الصحة والمرض
وإنما الطبيب يحاذيها ويعينها بعض الشيء بحسب ما تقتضيه طبيعة المادة والفصل والسن ويسمى العلم الجامع لهذا كله : علم الطب . وربما أفردوا بعض الأعضاء بالكلام وجعلوه علما خاصا كالعين وعللها وأكحالها
وكذلك ألحقوا بالفن من منافع الأعضاء ومعناها المنفعة التي لأجلها خلق كل عضو من أعضاء البدن الحيواني وإن لم يكن ذلك من موضوع علم الطب إلا أنهم جعلوه من لواحقه وتوابعه
وإمام هذه الصناعة التي ترجمت كتبه فيها من الأقدمين : جالينوس
يقال : إنه كان معاصرا لعيسى - عليه السلام - ويقال : إنه مات بصقلية في سبيل تغلب ومطاوعة اغتراب وتأليفه فيها هي الأمهات التي اقتدى بها جميع الأطباء بعده
وكان في الإسلام في هذه الصناعة أئمة جاؤوا من وراء الغاية مثل : الرازي ( 2 / 359 ) والمجوسي وابن سينا
ومن أهل الأندلس أيضا كثير وأشهرهم : ابن زهر وهي لهذا العهد في المدن الإسلامية كأنها نقصت لوقوف العمران وتناقصه وهي من الصنائع التي لا تستدعيها إلا الحضارة والترف
قف : وللبادية من أهل العمران طب يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص متوارثا عن مشائخ الحي وعجائزه وربما يصح منه البعض إلا أنه ليس على قانون طبيعي ولا على موافقة المزاج وكان عند العرب من هذا الطب كثير وكان فيهم أطباء معروفون كالحارث بن كلدة وغيره

(2/358)


والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل وليس من الوحي في شيء وإنما هو أمر كان عاديا للعرب ووقع في ذكر أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - من نوع ذكر أحواله التي هي عادة وجبلة لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل فإنه - صلى الله عليه وسلم - إنما بعث ليعلمنا الشرائع ولم يبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات وقد وقع له في شأن تلقيح النخل ما وقع فقال : ( أنتم أعلم بأمور دنياكم )
فلا ينبغي أن يحمل شيء من الطب الذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنه مشروع فليس هناك ما يدل عليه اللهم إلا إذا استعلم على جهة التبرك وصدق العقد الإيماني فيكون له أثر عظيم في النفع وليس ذلك في الطب المزاجي وإنما هو من آثار ( 2 / 360 ) الكلمة الإيمانية كما وقع في مداواة المبطون بالعسل والله الهادي إلى الصواب لا رب سواه

(2/359)


علم الطب الشرعي

(2/360)


قال في المنحة في سياسة حفظ الصحة : هو المعارف الطبية والطبيعية المستعملتان في الأحكام الواقعة بين الناس في المحاكم فمن ذلك يعلم أن تسميته بالطب الشرعي اصطلاح إفرنجي وحقه أن يسمى بالطب المحكمي ولذا سميناه بذلك في جميع ما يأتي
وهو فن به يهتدي أرباب المحاكم لما يناط بها من القضايا فيعرف كل من تصدر عنه حكومة كيف تكوين الحكومات والتراتيب القانوينة التي غايتها استراحة شعبه واطمئنانه وبه يهتدي القضاة لإدراك الأشياء التي تفعل على خلاف الشرع ولمعرفة الجاني وخلاص البريء المتهم ظلما بل ولمعرفة أحكام المشاجرات المدنية الواقعة في غير الجنايات أيضا وكل من القاضي ومن تصدر عنه الحكومة من حيث أنه غير عارف للأشياء التي تكون المعارف الطبية واسطة للاهتداء إليها محتاج للالتجاء للطبيب المحكمي ليهتدي به في فعل ما هو نافع للشعب حتى لا يحكم على إنسان بأنه مذنب بغير حق

(2/360)


وعلى الطبيب الذي يدعوه الحاكم لواقعة حكمية أن يحرر تقريرا بما يراه ليكون أساسا للحاكم يحكم بموجبه ومما تقدم من تفسير الطب المحكمي وما يتفرع عليه يعلم أن منفعته ليست قاصرة على تحرير التقارير التي يكتبها الطبيب بما يظهر له حين الكشف عن شيء ليتنور بذلك الحاكم فقط بل أعظم منافع هذا العلم أنه يلزم الناس باستعمال الرئيس من المعارف الطبية وما يتبعها في تكوين أحكام المشاجرات الواقعة أمام الحكام ومسائلها وسواء في الجنايات وغيرها
وفوائد الطب المحكمي لا حصر لها إذ لا توجد حركة من حركات الإنسان ( 2 / 361 ) في مدة معيشته مع الناس بدون أن يستدعي ذلك الطب الموجود في جميع الأماكن في كل الأزمان فهو أول الفنون الحكمية وأفضلها لأن غاية استراحة الناس واطمئنانهم وأساس المعارف الطبية المستعملة في الطب المحكمي استخراج ما هو أكثر تعلقا بالقضايا المحكمية من تلك المعارف أو ترتيبه وجعله طريقا ومذهبا يتبع ونظن أنه لا يوجد شيء تستفاد منه قواعد كلية بما يستعمل في المحاكم من المعارف الطبية أقرب من التفتيش في الفنون المحتوية على تلك المعارف

(2/360)


علم طب النبي صلى الله عليه وسلم

(2/361)


وهو علم باحث عن الطب الذي ورد في الأحاديث النبوية الذي داوى به المرضى وفيه الطلب البتوني لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني المتوفى سنة اثنين وثلاثين وأربعمائة ولجلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة أوله :
الحمد لله الذي أعطى كل نفس خلقها وهو مرتب على ثلاثة فنون :
الأول : في قواعد الطب
الثاني : في الأدوية والأغذية
الثالث : في علاج الأمراض
وكتب أبو الحسن علي بن موسى الرضا للمأمون رسالة مشتملة عليه والحبيب النيسابوري جمعه أيضا وابن السني وعبد الملك بن حبيب ولابن طرخان تصنيف في هذا الفن وكذا للإمام المستغفري ونفع هذا العلم لا يخفى على أحد فليتذكره ( 2 / 362 )

(2/361)


علم طبخ الأطعمة والشربة والمعاجين

(2/362)


هو علم يعرف به كيفية تركيب الأطعمة اللذيذة النافعة بحسب الأمزجة المتخالفة وكيفية تركيب المركبات الدوائية من جهة الوزن والوقت والتقديم والتأخير وفي المزج ومعرفة ما يسحق منه وما يذاب وكيفية ضبطه في الظروف ومعرفة بقاء نفعه وبطلان فائدته إلى غير ذلك من الأحوال التي يعرفها من يزاولها وهو من فروع الطب . غير طبخ الأطعمة

(2/362)


علم الطبقات

(2/362)


أي طبقات كل صنف من أهل العلم كالأدباء والأصوليين والأطباء والأولياء والبيانيين والتابعين والحفاظ والحكماء والحنفية والحنابلة والمالكية والشافعية والمفسرين والمحدثين والخطاطين والرواة والخواص والشعراء والصحابة والمجتهدين والصوفية والطالبين والأمم والعلوم والفرسان والعلماء والقرضيين والفقهاء ورؤساء الزمن والقراء والنحاة واللغويين والمتكلمين والمعبرين والمعتزلين والممالك والنسابين والنساك إلى غير ذلك
وفي كل من هذا كتب مستقلة تكفلت لبيان طبقة من تلك الطبقات قال في ( ( مدينة العلوم ) ) :

(2/362)


علم طبقات القراء

(2/362)


هو عمل يذكر فيه القراء السبعة بل العشرة بل الثلاثة عشر بل الخمسة عشر ورواة هؤلاء وغير ذلك من الشيوخ والمصنفين في هذا العلم ويذكر فيه أيضا قراء الصحابة والتابعين وتبع تابعيهم إلى هذا الآن وطبقات الحافظ الذهبي ( 2 / 363 ) تصنيف مفيد في هذا العلم ولا أجمع ولا أنفع من طبقات الشيخ الجزري رحمه الله تعالى

(2/362)


علم طبقات المفسرين

(2/363)


هو من فروع التواريخ أيضا فيه المجلدات الكبار للعلماء رحمهم الله تعالى

(2/363)


علم طبقات المحدثين

(2/363)


من فروع التواريخ أيضا وفيها المصنفات العظام

(2/363)


علم طبقات الشافعية

(2/363)


صنف فيها ابن السبكي الكبرى والصغرى وأطنب فيها وأجمع وأوعب كل من انتسب إلى مذهب الشافعية وقد اشتمل على فوائد لا تكاد توجد في كتاب

(2/363)


علم طبقات الحنفية

(2/363)


صنف فيها العلماء مثل الجواهر المضيئة في طبقات الخفية ومثل مختصر قاسم بن قطلوبغا سماه تاج التراجم وهو كان في الباب مع اشتمالها على المهمات

(2/363)


علم طبقات المالكية

(2/363)


صنف فيها ابن فرحون برهان الدين إبراهيم المتوفى سنة تسع وتسعين وسبعمائة سماه الديباج المذهب في علماء المذاهب ( 2 / 364 )

(2/363)


علم طبقات الحنابلة

(2/364)


صنف فيه ابن رجب الحنبلي وقد وقفت عليه في مكة المكرمة زادها الله سبحانه وتعالى شرفا

(2/364)


علم طبقات النحاة

(2/364)


صنف فيه كثيرون مثل ياقوت الحموي ومجد الدين الشيرازي وصلاح الدين الصفدي وجلال الدين عبد الرحمن السيوطي وغيرهم من العلماء

(2/364)


علم طبقات الحكماء

(2/364)


قد اعتنى بذلك كثيرون منهم الصاعد الذي من مشاهير الحكماء وصنف فيه كتاب صوان الحكمة ورأيته في عنفوان الشباب وهو كتاب لطيف لكني نسيت اسم مؤلفه

(2/364)


علم طبقات الأطباء

(2/364)


قد صنف في ذلك العلماء ورأيت في هذا العلم كتابا موسوما بعيون الأنباء في طبقات الأطباء
وطبقات هؤلاء المذكورين من فروع علم التواريخ وموضوع كل منها وغايتها ومنفعتها ظاهرة على من تتبع تلك العلوم
قلت قد قصر همم أبناء الزمان عن إدراك هذه العلوم وهي مما يحتاج إليه ( 2 / 365 ) العالم والعاقل في كل وقت وما أشد حاجة المحدثين إلى ذلك لكن طمست آثار كتبها واندرست معالم زبرها فلا يوجد منه إلا كتاب وأحد في بعض البلاد وعند أفراد من أهل العلم والله الموفق للصواب

(2/364)


علم الطبعي

(2/365)


هو علم يبحث فيه عن أحوال الأجسام الطبعية وموضوعه الجسم ويسمى أيضا بالعلم الأدنى وبالعلم الأسفل وهو علم بأحوال ما يفتقر إلى المادة في الوجودين
وموضوعه الجسم الطبعي من حيث إن يستعد للحركة والسكون
وفي إرشاد القاصد للشيخ الأكفاني السخاوي العلم الطبعي : علم يبحث فيه عن أحوال الجسم المحسوس من حيث هو معرض للتغير في الأحوال والثبات فيها
فالجسم من هذه الحيثية موضوعه
وأما العلوم التي تفرع عليه وتنشأ منه فهي عشرة
وذلك لأن نظره إما أن يكون فيما يفرع على الجسم البسيط أو الجسم المركب أو ما يعمهما
والأجسام البسيطة :
أما الفلكية فأحكام النجوم
وأما العنصرية فالطلسمات
والأجسام المركبة أما ما لا يلزمه مزاج وهو : علم السيميا
وما يلزمه مزاج فإما بغير ذي نفس فالكيمياء أو بذي نفس
فأما غير مدركة فالفلاحة
وأما مدركة فأما لها مع ذلك أن يعقل أولا الثاني البيطرة والبيزرة وما يجري مجراهما ( 2 / 366 )
والذي بذي النفس العاقلة هو الإنسان وذلك إما في حفظ صحته واسترجاعها وهو الطب أو أحواله الظاهرة الدالة على أحواله الباطنة وهو الفراسة أو أحوال نفسه حال غيبته عن حسه وهو تعبير الرؤيا والعام للبسيط والمركب السحر انتهى

(2/365)


وأصول الطبعي ثمانية :
الأول : العلم بأحوال الأمور العامة للأجسام
الثاني : العلم بأركان العالم وحركاتها وأماكنها المسمى بعلم السماء والعالم
الثالث : العلم بكون الأركان وفسادها
الرابع : العلم بالمركبات الغير التامة لكائنات الجو
الخامس : العلم بأحوال المعادن
السادس : العلم بالنفس النباتية
السابع : العلم بالنفس الحيوانية
الثامن : العلم بالنفس الناطقة
قال ابن خلدون : هو علم يبحث عن الجسم من جهة ما يلحقه من الحركة والسكون فينظر في الأجسام السماوية والعنصرية وما يتولد عنها من حيوان وإنسان ونبات ومعدن وما يتكون في الأرض من العيون والزلازل وفي الجو من السحاب والبخار والرعد والبرق والصواعق وغير ذلك وفي مبدأ الحركة للأجسام وهو النفس على تنوعها في الإنسان والحيوان والنبات
وكتب أرسطو فيه موجودة بين أيدي الناس مع ما ترجم من علوم الفلسفة أيام المأمون وألف الناس على حذوها
وأوعب من ألف في ذلك ابن سينا في كتاب ( ( الشفا ) ) جمع فيه العلوم السبعة للفلاسفة
ثم لخصه في كتاب النجاة ( 2 / 367 )

(2/366)


وفي كتاب الإشارات وكأنه يخالف أرسطو في الكثير من مسائلها ويقول برأيه فيها وأما ابن رشد فلخص كتب أرسطو وشرحها متبعا له غير مخالف وألف الناس في ذلك كثيرا لكن هذه هي المشهورة لهذا العهد والمعتبرة في الصناعة
ولأهل المشرق عناية بكتاب ( ( الإشارات ) ) لابن سينا وللإمام ابن الخطيب عليه شرح حسن وكذا الآمدي وشرحه أيضا نصير الدين الطوسي المعروف بخواجه من أهل المشرق وبحث مع الإمام في كثير من مسائله فأوفى على أنظاره وبحوثه وفوق كل ذي علم عليم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم

(2/367)


علم الطلسمات

(2/367)


قد تقدم الكلام عليه في بيان علم السحر ومعنى الطلسم : عقد لا ينحل وقيل : هو مقلوب اسمه أي : المسلط لأنه من جواهر القهر والتسلط
وهو علم باحث عن كيفية تركيب القوى السماوية الفعالة مع القوى الأرضية المنفعلة في الأزمنة المناسبة للفعل والتأثير المقصود مع بخورات مناسبة مقوية جالبة لروحانية ذلك الطلسم ليظهر من تلك الأمور في عالم الكون والفساد فعال غريبة وهو قريب المأخذ بالنسبة إلى علم السحر لكون مبادئه وأسبابه معلومة
وأما منفعته فظاهرة لكن طريق تحصيله شديد العنا وبسط المجريطي قواعد هذا الفن في كتابه غاية الحكيم فأبدع لكنه اختار جانب الإغلاق والدقة لفرط ضنته وكمال بخله في تعليمه
وللسكاكي كتاب جليل فيه
ونقل ابن الوحشية من النبط كتاب طبتانا في ذلك العلم ( 2 / 368 )

(2/367)


علم الطيرة والزجر

(2/368)


هذا ضد الفال إذ الفال سبب للإقدام وهذا سبب للإحجام وهو تشاؤم بشيء يرد المناظر والمسامع مما نفر منه النفس وأما ما ينفر منه الطبع كصرير الحديد وصوت الحمار فليس من ذلك والطيرة مأخوذ من الطير وهو الأصل في هذا الباب وألحق به ما عداه
وكانت العرب إذا أرادوا سفرا يطيرون طيرا فإذا طار عن اليمين يتوجهون إلى المقصد وإن طار عن اليسار يرجعون عن السفر ويسمون الأول السانح والثاني البارح والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الطيرة وأمر بالفال
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) قال الحافظ ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة :
إن التطير إنما يضر من أشفق منه وخاف وأما من لم يبال به ولم يخشه فلا يضره البتة لا سيما إن قال عند رؤية ما يتطير به أو عند سماعه : ( اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يذهب بالسيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك )
وقال ابن عبد الحكم : خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة والقمر في الدبران فكرهت أن أخرج به فقلت : ما أحسن استواء القمر في هذه الليلة فنظر فقال : كأنك أردت أن تخبرني أن القمر في الدبران إنا لا نخرج بشمس ولا بقمر ولكنا نخرج بالله الواحد القهار

(2/368)


قال في ( ( مفتاح دار السعادة ) ) أيضا وأما من كان معتنيا بالطيرة فهي أسرع إليه من السيل إلى منحدره قد فتحت له أبواب الوسواس فيما يسمعه ويراه ويفتح له الشيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة ما يفسد عليه دينه وينكر عليه معيشته هذا ما ذكره
واعلم أن بعضا من الناس قد فتح له باب الوسواس واعتبر أمورا بعيدة ( 2 / 369 ) يضحك منه الشيطان ويستهزئ به الصبيان مثلا يتشاءم بعضهم بالسفرجل إذا سمعه ورآه يقول : إنه سفرجل
وبعضهم يتشاءم بالياسمين ويقول : إنه يأس ومين
وبعضهم يتشاءم بالسوسنة ويقول : إنه سوء ويبقى سنة
حكي أن جعفر البرمكي اختار وقتا لينتقل إلى داره التي بناها فاختاروا له ساعة من ليلة عينوها فخرج في ذلك الوقت والطرق خالية إذ سمع منشدا يقول :
يدبر بالنجوم وليس يدري ... ورب النجم يفعل ما يريد
فتطير ودعا بالرجل وقال له : ما أردت بهذا ؟ قال : ما أردت به معنى من المعاني لكنه شيء عرض لي وجرى على لساني فأمر له بدينار ومضى لوجهه وقد تنغص سروره وتكدر عيشه فلم يمض إلا قليلا حتى أوقع به الرشيد ما هو المشهور انتهى ما في ( ( مدينة العلوم ) ) ( 2 / 370 )

(2/368)


باب الظاء المعجمة

(2/370)


علم الظاهر والباطن

(2/370)


أما الظاهر فهو علم الشرع وقد تقدم
وأما الباطن فيقال له علم الطريقة وعلم التصوف وعلم السلوك وعلم الأسرار وقد تقدم أيضا ولا حاجة لنا إلى الإعادة ولكن نتحفك هنا بفائدة جديدة وعائدة سديدة اشتملت على حكم هذا العلم
قال شيخنا الإمام العلامة القاضي محمد بن علي الشوكاني رضي الله عنه وأرضاه في الفتح الرباني ولفظه : اعلم أن معنى التصوف المحمود يعني : علم الباطن هو الزهد في الدنيا حتى يستوي عنده ذهبها وترابها
ثم الزهد فيما يصدر عن الناس من المدح والذم حتى يستوي عنده مدحهم وذمهم
ثم الاشتغال بذكر الله وبالعبادة المقربة إليه فمن كان هكذا فهو الصوفي حقا وعند ذاك يكون من أطباء القلوب فيداويها بما يمحو عنها الطواغيت الباطنية من الكبر والحسد والعجب والرياء وأمثال هذه الغرائز الشيطانية التي هي أخطر المعاصي أقبح الذنوب
ثم يفتح الله له أبوابا كان عنها محجوبا كغيره لكنه لما أماط عن ظاهره وباطنه في غشاوة صار حينئذ صافيا عن شوب الكدر مطهرا عن ( 2 / 372 ) دنس الذنوب فيبصر ويسمع ويفهم بحواس لا يحجبها عن حقائق الحق حاجب ولا يحول بينها وبين درك الصواب حائل ويدل على ذلك أتم دلالة وأعظم برهان ما ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يقول الله تعالى : من عادى لي وليا فقد بارزته بالمحاربة وفي رواية : فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضت عليه ولا زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه )

(2/370)


ومعلوم أن من كان يبصر بالله سبحانه ويسمع به ويبطش به ويمشي به له حال يخالف حال من لم يكن كذلك لأنها تنكشف له الأمور كما هي وهذا هو سبب ما يحكى عنهم من المكاشفة لأنه قد ارتفع عنهم حجب الذنوب وذهب عنهم أدران المعاصي
وغيرهم من لا يبصر ولا يسمعه به ولا يبطش به ولا يمشي به لا يدرك من ذلك شيئا بل هو محجوب عن الحقائق غير مهتد إلى مستقيم الطريق كما قال الشاعر :
وكيف ترى ليلى بعين ترى بها ... سواها وما طهرتها بالمدامع
وتلتذ منها بالحديث وقد جرى ... حديث سواها في خروق المسامع
أجلك يا ليلى عن العين إنما ... أراك بقلب خاشع لك خاضع
وأما من صفا عن الكدر وسمع وأبصر فهو كما قال الآخر :
ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه ... من المسك كافورا وأعواده رندا
وما ذاك إلا أن هندا عشية ... تمشت وجوت في جوانبه بردا ( 2 / 373 )
ومما يدل على هذا المعنى الذي أفاده حديث أبي هريرة حديث : ( ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله ) ) وهو حديث صححه الترمذي فإنه أفاد أن المؤمنين من عباد الله يبصرون بنور الله سبحانه وهو معنى ما في الحديث الأول من قوله صلى الله عليه وسلم : فبي يبصر
فما وقع من هؤلاء القوم الصالحين من المكاشفات هو من هذه الحيثية الواردة في الشريعة المطهرة وقد ثبت أيضا في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه في هذه الأمة محدثين وإن منهم عمر بن الخطاب
ففي هذا الحديث فتح باب المكاشفة لصالحي عباد الله وأن ذلك من الله سبحانه فيحدثون بالوقائع بنور الإيمان الذي هو من نور الله سبحانه فيعرفونها كما هي حتى كان محدثا يحدثهم بها ويخبرهم بمضمونها

(2/372)


وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقع له من ذلك الكثير الطيب في وقائع معروفة منقولة في دواوين الإسلام ونزل بتصديق ما تكلم به القرآن الكريم فمن كان من صالحي العباد متصفا بهذه الصفات متسما بهذه السمات فهو رجل العالم فرد الدهر وزين العصر والاتصال به مما تلين به القلوب وتخشع له الأفئدة وتنجذب بالاتصال به العقول الصحيحة إلى مراضي الرب سبحانه وكلماته هي الترياق المجرب وإشاراته هي طب القلوب القاسية وتعليماته كيمياء السعادة وإرشاداته هي الموصلة إلى الخير الأكبر والكرمات الدائمة التي لا نفاذ لها ولا انقطاع
ولم تصف البصائر ولا صلحت السرائر بمثل الاتصال بهؤلاء القوم الذين هم خيرة الخيرة وأشرف الذخيرة فيا لله قوم لهم السلطان الأكبر على ( 2 / 374 ) قلوب هذا العالم يجذبونها إلى طاعات الله سبحانه والإخلاص له والاتكال عليه والقرب منه والبعد عما يشغل عنه ويقطع عن الوصول إليه وقل أن يتصل بهم ويختلط بخيارهم إلا من سبقت له السعادة وجذبته العناية الربانية إليهم لأنهم يخفون أنفسهم ويطهرون في مظاهر الخمول ومن عرفهم لم يدل عليهم إلا من أذن الله له ولسان حاله يقول كما قال الشاعر :
وكم سائل عن سر ليلى كتمته ... بعمياي عن ليلى بعين يقين
يقولون خبرنا فأنت أمينها ... وما أنا إن خبرتهم بأمين
فيا طالب الخير إذا ظفرت يدك بواحد من هؤلاء الذين هم صفوة الصفوة وخيرة الخيرة فاشددها عليه واجعله مؤثرا على الأهل والمال والقريب والحبيب والوطن والسكن فإنا إن وزنا هؤلاء بميزان الشرع واعتبرناهم بمعيار الدين وجدناهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وقلنا لمعاديهم أو للقادح في علي مقامهم أنت ممن قال فيه الرب سبحانه كما حكاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وقد آذنته بالحرب ) لأنه لا عيب لهم إلا انهم أطاعوا الله كما يحب وآمنوا به كما يحب ورفضوا الدنيا الدنية وأقبلوا على الله عز وجل في سرهم وجهرهم وظاهرهم وباطنهم

(2/373)


وإذا فرضنا أن في المدعين للتصوف والسلوك من لم يكن بهذه الصفات وعلى هذا الهدى القويم فإن بدا منه ما يخالف هذه الشريعة المطهرة وينافي منهجها الذي هو الكتاب والسنة فليس من هؤلاء والواجب علينا رد بدعته عليه والضرب بها في وجهه كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( وكل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد ) وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كل بدعة ضلالة ) ومن أنكر علينا ذلك قلنا له وزنا هذا بميزان الشرع فوجدناه مخالفا له ورددنا أمره إلى الكتاب والسنة فوجدناه مخالفا لهما وليس المدين إلا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والخارج عنهما المخالف لهما ضال مضل ولا ( 2 / 375 ) يقدح على هؤلاء الأولياء وجود من هو هكذا فإنه ليس معدودا منهم ولا سالكا طريقتهم ولا مهديا بهديهم
فاعرف هذا فإن القدح في قوم بمجرد فرد أو أفراد منسوبين إليهم نسبة غير مطابقة للواقع لا تقع إلا ممن لا يعرف الشرع ولا يهتدي بهديه ولا يبصر بنوره
وبالجملة فمن أراد أن يعرف أولياء هذه الأمة وصالحي المؤمنين المتفضل عليهم بالفضل الذي لا يعد له فضل والخير الذي لا يساويه خير فليطالع الحلية لأبي نعيم وصفوة الصفوة لابن الجوزي فإنهما تحريا ما صح وأودعا كتأبيهما من مناقب الأولياء المروية بالأسانيد الصحيحة ما يجذب بعضه بطبع من يقف عليه إلى طريقتهم والاقتداء بهم
وأقل الأحوال أن يعرف مقادير أولياء الله وصالحي عباده ويعلم أنهم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أنت مع من أحببت ) فمحبة الصالحين قربة لا تهمل وطاعة لا تضيع وإن لم يعمل كعملهم ولا جهد نفسه كجهدهم انتهى حاصله
وأما ما يحدث من أولياء الله سبحانه وتعالى من الكرامات الظاهرة التي لا شك فيها ولا شبهة فهو حق صحيح لا يمتري فيه من له أدنى معرفة بأحوال صالحي عباد الله المخصوصين بالكرامات التي أكرمهم بها وتفضل بها عليهم
ومن شك في شيء من ذلك نظر في كتب الثقات المدونة في هذا الشأن كحلية الأولياء للشرجي وكتاب روض الرياحين لليافعي وسائر الكتب المصنفة في تاريخ العالم فإن كلها مشتملة على تراجم كثير منهم ويغني عن ذلك كله ما قصه الله إلينا في كتابه العزيز عن صالحي عباده الذين لم يكونوا أنبياء كقصة ذي القرنين وما تهيأ له مما تعجز عنه الطباع البشرية وقصة مريم كما حكاه الله تعالى

(2/374)


ومن ذلك قصة أصحاب كهف فقد قص الله علينا فيها أعظم كرامة وقصة آصف من برخيا حيث حكى عنه قوله : أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ( 2 / 376 ) وغير ذلك مما حكاه عن غير هؤلاء والجميع ليسوا بأنبياء وثبت في الأحاديث الثابتة في الصحيح مثل حديث الثلاثة الذي انطبقت عليهم الصخرة وحديث جريج الراهب الذي كلمه الطفل وحديث المرأة التي قالت سائلة الله عز وجل أن يجعل الطفل الذي ترضعه مثل الفارس فأجاب الطفل بما أجاب وحديث البقرة التي كلمت من أراد أن يحمل عليها وقالت إني لم أخلق لهذا
ومن ذلك وجود القطف من العنب عند خبيب الذي أسرته الكفار
وحديث أن أسيد بن حضير وعبادة بن بشر خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة ومعهما مثل المصاحبين وحديث رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره
وحديث لقد كان فيمن قبلكم محدثون
وحديث إن في هذه الأمة محدثين وإن منهم عمر
ومن ذلك كون سعد بن أبى وقاص مجاب الدعوة وهذه الأحاديث كلها ثابتة في الصحيح وورد لكثير من الصحابة رضي الله عنهم كرامات قد اشتملت عليها كتب الحديث والسير
ومن ذلك الأحاديث الواردة في فضلهم والثناء عليهم كما ثبت في الصحيح ( أنه قال رجل : أي الناس أفضل يا رسول الله ؟ قال : مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله قال : ثم من ؟ قال : ثم رجل معتزل في شعب من شعاب يعبد ربه )
وحديث كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وهذه الأحاديث كلها في الصحيح وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية ( 2 / 377 )

(2/375)


باب العين المهملة

(2/377)


علم عجائب القلب

(2/377)


وله معنيان أحدهما : اللحم الصنوبري المودع في الجانب الأيسر من الصدور وفي باطنه دم أسود ينبعث منه بخار لطيف يسري إلى سائر البدن ويحدث منه الحواس الظاهرة والباطنة والحيوانات كلها متشاركة في هذا النوع من القلب ولهذا يسمى الروح الحيواني
وثانيهما : لطيفة ربانية نورانية نازلة من عالم القدس يتعلق بالقلب بالمعنى الأول وهو المخاطب والمكلف وبه يثاب الإنسان ويعاقب ولهذا يسمى الروح الإنساني
ثم إن للإنسان نفسا وهي قوة حالة في البدن تنشأ منها الشهوة والغضب وبين الروح الإنساني والنفس مجادلة مستمرة ولكل منهما قوى تعين وتجادل مع الأخرى والعقل هو المميز بينهما وتفاصيل تلك القوى وكيفية المخاصمة بينهما وحكم العقل بين الطرفين مفصلة في موضعها ولسنا نحن بصدد بيانها في هذا المختصر ذكره في ( ( مدينة العلوم ) ) تحت ذكر الأخلاق المهلكات

(2/377)


علم العدد

(2/377)


هكذا في كشف الظنون ويسمى الأرتماطيقي وقد تقدم في باب الألف من ( 2 / 378 ) أول الكتاب وقال في ( ( كشاف اصطلاحات الفنون ) ) : علم العدد هو من أصول الرياضي ويسمى بعلم الحساب أيضا وهو نوعان :
نظري : وهو علم يبحث فيه من ثبوت الأعراض الذاتية للعدد وسلبها عنه وهو المسمى بالأرتماطيقي وتشتمل عليه المقالات الثلاث السابعة والثامنة والتاسعة من كتاب الأصول وموضوعه العدد مطلقا
وعملي : وهو علم يعرف به طرق استخراج المجهولات العددية من المعلومات العددية والمراد بها مجهولات لها نسبة إلى العدد نسبة الجزئي إلى الكلي وكذا الحال في المعلومات العددية مثلا : في الضرب المضروب والمضروب فيه معلومان ومنهما يستخرج الحاصل الذي هو عدد مجهول بالطريق المعين وكذا في سائر الأعمال
فهو علم تعرف به الطرق التي يستخرج بها عدد مجهول من عدد معلوم وقيد من المعلومات العددية احتراز عما إذا استخرج المجهول العددي بغير علم الحساب كاستخراج عدد الدراهم من علم الرمل ولا يخرج عنه علم المساحة لأنها علم بطرق استخراج المجهولات المقدارية من حيث عروض العدد لها فيؤول إلى المجهولات العددية عند التأمل
ثم اعلم أن الحساب العملي نوعان أحدهما هوائي تستخرج منه المجهولات العددية بلا استعمال الجوارح كالقواعد المذكورة في كتاب البهائية
ثانيهما : غير هوائي وهو المسمى بالتخت والتراب يحتاج إلى استعمال الجوارح كالشبكة وضرب المحاذاة
ثم النظري والعملي ههنا بمعنى ما لا يتعلق بكيفية العمل وما يتعلق بها فتسميه النوع الأول بالنظري ظاهرة وكذا تسمية القسم الثاني من النوع الثاني بالعملي

(2/377)


وأما تسمية القسم الأول منه بالعملي فعلى تشبيه الحركات الفكرية بالحركات ( 2 / 379 ) الصادرة عن الجوارح أو يقال المراد بالعمل في تعريفي النظري والعملي أعم من العمل الذهني والخارجي
ثم اعلم أن لاستخراج المجهولات العددية من معلوماتها طرقا مختلفة وهي إما محتاجة إلى فرض المجهول شيئا وهو الجبر والمقابلة وإما غير محتاجة إليه وهو علم المفتوحات وهي كمقدمات الحساب التي سوى المساحة أو مما يحصل ببعض من تلك المقدمات واستعانة بعض القوانين من النسبة وهو شامل أسئلة الخطأين أيضا
وموضوعه العدد مطلقا كما هو المشهور
والتحقيق أن موضوعه العدد المعلوم تتعقل عوارضه من حيث أنه كيف يمكن التأدي منه إلى بعض عوارضه المجهولة وأما العدد المطلق فإنما هو موضوع علم الحساب النظري هذا كله خلاصة ما في شرح خلاصة الحساب والله أعلم بالصواب

(2/378)


علم العرافة

(2/379)


هو معرفة الاستدلال ببعض الحوادث الخالية على الحوادث الآتية بالمناسبة أو المشابهة الخفية التي تكون بينهما أو الاختلاط أو الارتباط على أن يكونا معلولي أمر وأحد أو يكون ما في الحال علة لما في الاستقبال وشرط كون الارتباط المذكور خفيا أن لا يطلع عليه إلا الأفراد وذلك إما بالتجارب أو بالحالة المودعة في أنفسهم عند الفطرة بحيث عبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمحدثين المصيبين في الظن والفراسة
حكي أن الاسكندر حين أراد قتال ملك الفرس قال : ذلك الملك لا حاجة إلى مقابلة عساكرهم نقاتل معك فإما أن تقتلني وإما أن أقتلك ففرح الاسكندر بهذا الكلام حيث قدم ذلك الملك نفسه في ذكر القتل فكان كما قال ( 2 / 380 )
ويحكى عنه أيضا أنه لما دخل بلاد المغرب فمر على امرأة في مدينة تنسج ثوبا فقالت له : أيها الملك أعطيت ملكا ذا طول وعرض ثم مر عليها الملك الأول فقالت له : سيقطع الاسكندر ملكك فغضب الملك فقالت : لا تغضب إن النفوس قد تشاهد أمور قبل وقوعها بعلامات تحكم النفس بصدقها لما مر علي الاسكندر كنت أنسج طول الثوب وعرضه ولما مررت أنت فرغت وأردت قطعه وكان الأمر كما قالت

(2/379)


ويحكى أنه كان في زمن هارون الرشيد رجل أعمى من أهل العرافة وكان يستدل على المسئول عنه بكلام مصدر عن الحاضرين عقيب السؤال فسرق يوما من خزانة هارون بعض من الأشياء فطلب الرجل وأمر أن لا يتكلم أحد بعد السؤال أصلا ففعلوا كما أمر هارون والأعمى ألقى سمعه ولم يسمع شيئا فأمر يده على البساط فوجد فيه نواة تمرة فقال : إن المسئول عنه در وزبرجد وياقوت . فقال الرشيد : في أين هو ؟ قال : في بئر فوجدوه كما ذكر الأعمى فتحير الرشيد فيه
فسأل عن سبب معرفته
فقال : وجدت نواة تمرة وطلع النخل أبيض وهو كالدرة ثم يكون بسرا وهو أخضر وهو لون الزمرد ثم يكون رطبا وهو أحمر وهو لون الياقوت ثم لما سألتم عن مكان المسروق سمعت صوت دلو فعرفت أنه في بئر فاستحسن الرشيد فراسته فأعطاه مالا جزيلا
وحكي أن أبا معشر وصاحبه ذهبا إلى عراف فسألاه عن شيء فقال : أنكما سألتما عن مسجون فقالا : إنه يخلص قال : نعم يخلص فسألاه عن سبب معرفته فقال : إنكما لما سألتماني وقع نظري على قربة ماء فعرفت أن السؤال عن مسجون ولما سألتماني عن خلاصة نظرت فإذا هو قد فرغ قربته
وحكى عن المهدي أنه رأى رؤيا فنسيها فأمر بعراف فأحضر فسأله عن رؤياه فقال : يا أمير المؤمنين صاحب العرافة ينظر إلى الحركة فغضب المهدي من أنه ( 2 / 381 ) يدعي العرافة ولا يعرف شيئا فوضع يده على رأسه ثم مسح وجهه ثم ضرب يده على فخذه من شدة غضبه قال العراف : يا أمير المؤمنين أخبرك عن رؤياك
إنك صعدت على جبل ثم نزلت إلى أرض ملساء فيها عينان مالحتان ثم لقيت رجلا من قريش فسأله المهدي عن سبب معرفته فقال : مسحت الرأس وهو الجبل ومسحت الجبهة وهي أرض ملساء فيها عينان مالحتان ثم مسحت الفخذ وهي قبيلتك قال المهدي : صدقت وأمر له بمال جزيل
وأمثال هذه الحكايات كثيرة يعرفها من تتبع المحاضرات ذكر ذلك صاحب ( ( مدينة العلوم ) )

(2/380)


علم العروض

(2/381)


هو علم يبحث فيه عن أحوال الأوزان المعتبر للشعر العارضة للألفاظ والتراكيب العربية
وموضوعه الألفاظ العربية من حيث إنها معروضة للإيقاعات المعتبرة في البحور الستة عشر عند العرب على ما وضعه واضع هذا الفن خليل بن أحمد
فعلى الأول : يكون من فروع الموسيقى
وعلى الثاني : من فروع علم الشعر على مذهب المتأخرين
وإن اعتبرت في الأشعار العربية تكون من فروع العلوم الأدبية
وغايته الاحتراز عن الخطأ في إيراد الكلام على الإيقاعات المعتبرة
ومباديه مقدمات حاصلة من تتبع أشعار العرب كذا في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/381)


قال ابن صدر الدين الشرواني في الفوائد الخاقانية : هو علم يبحث فيه عن المركبات الموزونة من حيث وزنها
واعلم إن أول من اخترع هذا الفن الإمام خليل بن أحمد تتبع أشعار العرب وحصرها في خمسة عشر وزنا ويسمى كلا منها : بحرا قيل إنما وضعه أحمد ( 2 / 382 ) وهذبه الجوهري وزاد الأخفش بحرا آخر سماه المتدارك ولا حاكم في هذه الصناعة إلا استقامة الطبع وسلامة الذوق
فالذوق إن كان فطريا سليقيا فذاك وإلا احتيج في اكتسابه إلى طول خدمة هذا الفن
ومن الكتب المؤلفة فيه عروض ابن الحاجب والخطيب التبريزي
وعروض ابن القطاع
وعروض أبي الجيش الأندلسي
وعروض الخزرجي
وعروض الخيل بن أحمد النحوي إلى غير ذلك
وللآيكي مختصر بديع وشفاء العليل في علم الخليل لأمين الدين المحلي وفيما أورده السكاكي في تكملة مفتاح العلوم كفاية في هذا الفن والكتب والرسائل في هذا العلم بالفارسية والعربية كثيرة شهيرة متداولة بين أيدي الناس

(2/381)


علم العزائم

(2/382)


العزائم مأخوذ من العزم وتصميم الرأي والانطواء على الأمر والنية فيه والإيجاب على الغير يقال : عزمت عليك أي أوجبت عليك حتمت
وفي الاصطلاح : الإيجاب والتشديد والتغليظ على الجن والشياطين ما يبدو للحائم حوله المتعرض لهم به وكلما تلفظ بقوله : عزمت عليكم فقد أوجب عليهم الطاعة والإذعان والتسخير والتذليل لنفسه وذلك من الممكن والجائز عقلا وشرعا ومن أنكرها لم يعبأ به لأنه يفضي إلى إنكار قدرة الله سبحانه وتعالى ( 2 / 383 ) لأن التسخير والتذليل إليه وانقيادهم للإنس من بديع صنعه
وسئل آصف بن برخيا هل يطيع الجن والشياطين للإنس بعد سليمان عليه السلام ؟ فقال : يطيعونهم ما دام العالم باقيا وإنما يتسق بأسمائه الحسنى وعزائمه الكبرى وأقسامه العظام والتقرب إليه بالسير المرضية
ثم هو في أصله وقاعدته على قسمين محظور ومباح
الأول : هو السحر المحرم
وأما المباح فعلى الضد والعكس إذ لا يستم منه شيء إلا بورع كامل وعفاف شامل وصفاء خلوة وعزلة عن الخلق وانقطاع إلى الله تعالى
وقد علمت أن التسخير إلى الله تعالى غير أن المحققين اختلفوا في كيفية اتصاله بهم منه تعالى
فقيل : على نهج لا سبيل لأحد دونه عز وجل
وقيل : بالعزيمة كالدعاء وإجابته
وقيل : بها والسير المرضية
وقيل : بالجواسيس الطائعين المتهيئين
وقيل : بالمحتسبة والسيارة
وقيل : بالعمار هذا ما يعتمد من كلام المحققين

(2/382)


قال فخر الأئمة : أما الذي عندي أنه إذا استجمع الشرائط وصوب العزائم صيرها الله تعالى عليهم نارا عظيمة محرقة لهم مضيقة أقطار العالم عليهم كيلا يبقى لهم ملجأ ولا متسع إلا الحضور والطاعة فيما يأمرهم به وأعلى من هذا أنه إذا كان ما هو مسيرا في سيرة الرضية وأخلاقه الحميدة فإنه يرسل عليهم ملائكة أقوياء غلاظ أشداد ليزجروهم ويسوقوهم إلى طاعته وخدمته
وأثبت المتكلمون وغيرهم من المحققين هذه الأصول حيث قالوا
أما يمنع من أن يكون من الكلام أسماء الله تعالى أو غيرها في الكتب ( 2 / 384 ) والعزائم والطلمسات ما إذا حفظه الإنسان وتكلم به سخر الله تعالى بعض الجن وألزم قلبه وطاعته واختياره بما طلب منه من الأمور الكائنة فيما عرفه الجني وشاهده ليخبر به الإنسي وهذا هو بيان قول من قال : إن منهم متهيئين وجواسيس قالوا : وطاعتهم للإنس غير ممتعة في عقل ولا سمع

(2/383)


علم عقود الأبنية

(2/384)


علم يتعرف منه أحوال أوضاع الأبنية وكيفية أحكامها وطرق حسنها كبناء الحصون المحكمة وتنضيد المنازل البهية والقناطر المشيدة وأمثالها وأحوال كيفية شق الأنهار وتقنية القنئي وسد البثوق وإنباط المياه ونقلها من الأغوار إلى النجود وغير ذلك
ومنفعته في عمارة المدن والمنازل والقلاع وفي الفلاحة ظاهرة عظيمة . وفيه كتاب لابن الهيثم وكتاب آخر للكرخي وللنصارى حكام الهند وهم البرطانية يد طولى في هذا العلم

(2/384)


علم علل القراءات

(2/384)


علم باحث عن لمية القراءات كما إن علم القراءات باحث عن آنيتها فالأول دراية والثاني رواية
ولما كانت الرواية أصلا في العلوم الشرعية جعل الأول فرعا والثاني أصلا ولم يعكس الأمر وإن أمكن ذلك باعتبار آخر وموضوع هذا العلم وغايته ظاهران للمتأمل المتيقظ ذكره في ( ( مدينة العلوم ) ) . ( 2 / 385 )

(2/384)


علم عمل الإسطرلاب

(2/385)


علم يتعرف منه كيفية استخراجا الأعمال الفلكية من الإسطرلاب بطريق خاصة في كتبه وهذا أيضا علم نافع يستخرج منه كثير من الأعمال من معرفة ارتفاع الشمس ومعرفة المطالع والطوالع ومعرفة أوقات الصلاة وسمت القبلة ومعرفة طول الأشياء بالذراع وعرضها إلى غير ذلك وفي هذا العلم رسائل كثيرة مشهورة عند أهله

(2/385)


علم عمل ربع الدائرة

(2/385)


وهو علم يعرف منه كيفية استخراج الأعمال الفلكية بطرق مختصة وفي هذا العلم رسائل كثيرة أيضا يعرفها أهله
وصنفت فيه في عنفوان الشباب رسالة نافعة جامعة لجميع الأعمال وللأعمال الفلكية آلات أخر سوى ما ذكر كالعصا والزرقالة والشكازية وأمثالها فلا نطول الكلام بذكرها لأن الكلام فيها كالكلام فيما سبق ذكره في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/385)


علم العيافة

(2/385)


ويسمى قيافة الأثر وهو علم باحث عن تتبع آثار الأقدام والأخفاف والحوافر في المقابلة للأثر وهي التي تكون في تربة حرة يتشكل بشكل القدم
ونفع هذا العلم بين إذ القائف يجد بهذا العلم الفار من الناس والضوال من الحيوان يتتبع آثارها وقوائمها بقوة الباصرة وقوة الخيال والحافظة حتى يحكى أن بعض من اعتنى به يفرق بين أثر قدم الشاب والشيخ وقدم الرجل والمرأة وهو غريب كذا في ( ( مدينة العلوم ) ) لكن الذي يفيده المصباح والقاموس أن العيافة هي زجر الطير فلينظر في ذلك . ( 2 / 386 )

(2/385)


باب الغين المعجمة

(2/386)


علم غريب الحديث والقرآن

(2/386)


قال أبو سليمان محمد الخطابي الغريب من الكلام إنما هو الغامض البعيد من الفهم كما إن الغريب من الناس إنما هو البعيد عن الوطن المنقطع عن الأهل والغريب من الكلام يقال به على وجهين :
أحدهما : أن يراد به أأأنه بعيد المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن بعد ومعاناة فكر
والوجه الآخر يراد به كلام من بعدت به الدار من شواذ قبائل العرب فإذا وقعت إلينا الكلمة من كلامهم استغربناها انتهى
وقال ابن الأثير في النهاية : وقد عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفصح العرب لسانا حتى قال له علي رضي الله عنه وقد سمعه يخاطب وفد بني نمر : يا رسول الله نحن بنو أب واحد ونراك تكلم وفود الغرب بما لا نفهم أكثره فقال : أدبني ربي فأحسن تأديبي
فكان عليه الصلاة والسلام يخاطب العرب على اختلاف شعوبهم وقبائلهم بما يفهمونه فكان الله عز وجل قد أعلمه ما لم يكن يعلمه غيره وكان أصحابه يعرفون أكثر ما يقوله وما جهلوه سألوه عنه فيوضحه لهم واستمر عصره إلى حين وفاته عليه الصلاة والسلام . ( 2 / 388 )

(2/386)


وجاء عصر الصحابة جاريا على هذا النمط فكان اللسان العربي عندهم صحيحا لا يتداخله الخلل إلى أن فتحت الأمصار وخالط العرب غير جنسهم فامتزجت الألسن ونشأ بينهم الأولاد فتعلموا من عصر الصحابة وجاء التابعون فسلكوا سبيلهم فما انقضى زمانهم إلا واللسان العربي قد استحال أعجميا فلما أعضل الداء الهم الله سبحانه وتعالى جماعة من أولي المعارف انصرفوا إلى هذا الشأن طرفا من عنايتهم فشرعوا فيه حراسة لهذا العلم الشريف
فقيل إن أول من جمع في هذا الفن شيئا أبو عبيدة معمر بن المثنى التميمي البصري المتوفى سنة عشر ومائتين فجمع كتابا صغيرا ولم تكن قلته لجهله بغيره وإنما ذلك لأمرين :
أحدهما : إن كل مبتدئ بشيء لم يسيق إليه يكون قليلا ثم يكثر
والثاني : إن الناس كان فيهم يؤمئذ بقية وعندهم معرفة فلم يكن الجهل قد عم وله تأليف آخر في غريب القرآن وقد صنف عبد الواحد بن أحمد المليح المتوفى سنة اثنتين وستين وأربعمائة كتابا في رده وأبو سعيد أحمد بن خالد الضرير وموفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي المتوفى سنة تسع وعشرين وستمائة صنفا في رد غريب الحديث
ثم جمع أبو الحسن النضر بن شميل المازني النحوي بعده أكثر منه المتوفى سنة أربع ومائتين ثم جمع عبد الملك بن قريب الأصمعي كتابا أحسن فيه وأجاد وكذلك محمد بن المستنير المعروف بقطرب وغيره من الأئمة جمعوا أحاديث وتكلموا على لغتها في أوراق ولم يكد أحدهم ينفرد عن غيره بكثير حديث لم يذكره الآخر
ثم جاء أبو عبيد القاسم بن سلام بعد المائتين فجمع كتابه فصار هو القدوة في هذا الشأن فإنه أفنى فيه عمره حتى لقد قال فيما يروى عنه : أني جمعت كتابي هذا في أربعين سنة وربما كنت استفيد الفائدة من الأفواه فأضعها في موضعها فكان ( 2 / 389 ) خلاصة عمري وبقي كتابه في أيدي الناس يرجعون إليه في غريب الحديث

(2/388)


وعليه كتاب مختصر لمحب الدين أحمد بن عبد الله الطبري المتوفى سنة أربع وتسعين وستمائة سماه بقريب المرام في غريب القاسم بن سلام مبوبا على الحروف
ثم جاء عصر أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفى سنة ست وسبعين ومائتين فصنف كتابه المشهور حذا فيه حذو أبي عبيدة فجاء كتابه مثل كتابه أو أكبر
وقال في مقدمته : أرجو أن لا يكون بقي بعد هذين الكتابين من غريب الحديث ما يكون لأحد فيه مقال
وقد كان في زمانه الإمام إبراهيم بن إسحاق الحربي الحافظ وجمع كتابه فيه وهو كبير في خمس مجلدات بسط القول فيه واستقصى الأحاديث بطرق أسانيدها وأطاله بذكر متونها وإن لم تكن فيها إلا كلمة واحدة غريبة فطال ذلك كتابه فترك وهجر وإن كان كثير الفوائد توفي رحمه الله ببغداد سنة خمس وثمانين ومائتين
ثم صنف الناس غير من ذكر منهم شمر بن حمدويه وأبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب المتوفى سنة خمس وثمانين ومائتين وأبو بكر محمد بن قاسم الأنباري المتوفى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وأحمد بن حسن الكندي وأبو عمر ومحمد بن عبد الواحد الزاهد صاحب ثعلب المتوفى سنة خمس وأربعين وثلث مائة وغريبه غريب مسند الإمام أحمد . وغير هؤلاء أقول كأبي الحسين عمر بن محمد القاضي المالكي المتوفى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ولم يتم وأبي محمد سلمة بن عاصم النحوي وأبي مروان عبد الملك بن حبيب المالكي المتوفى سنة تسع وثلاثين ومائتين وأبي القاسم محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الملقب ببيان الحق وقاسم بن محمد الأنباري المتوفى سنة أربع وثلاثمائة وأبي شجاع محمد بن علي بن الدهان البغدادي المتوفى سنة تسعين وخمسمائة وهو كبير في ستة عشر مجلدا . وأبي الفتح سليم بن أيوب الرازي المتوفى سنة اثنتين وأربعين ( 2 / 390 ) وأربعمائة وابن كيسان محمد بن أحمد النحوي المتوفى سنة تسع وستين ومائتين ومحمد بن حبيب البغدادي النحوي المتوفى سنة خمس وأربعين ومائتين وابن درستويه عبد الله بن جعفر النحوي المتوفى سنة سبع وأربعين وثلاثمائة وإسماعيل بن عبد الغافر راوي صحيح مسلم المتوفى سنة خمس وأربعين وأربعمائة وكتابه جليل الفائدة مجلد مرتب على الحروف

(2/389)


واستمر الحال إلى عهد الإمام أبي سليمان أحمد بن محمد الخطابي البستي المتوفى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة فألف كتابه المشهور سلك فيه نهج أبي عبيدة وابن قتيبة فكانت هذه الثلاثة فيه أمهات الكتب إلا أنه لم يكن كتاب صنف مرتبا يرجع الإنسان عند طلبه إلا كتاب الحربي وهو على طوله لا يوجد إلا بعد تعب وعناء فلما كان زمان أبي عبيد أحمد بن محمد الهروي المتوفى سنة إحدى وأربعمائة صاحب الأزهري وكان في زمن الخطابي صنف كتابه المشهور في الجمع بين غريبي القرآن والحديث ورتبه على حروف المعجم على وضع لم يسبق فيه وجمع ما في كتب من تقدمه فجاء جامعا في الحسن إلا أنه جاء الحديث مفرقا في حروف كلماته فانتشر فصار هو العمدة فيه وما زال الناس بعده يتبعون أثره على عهد أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري فصنف الفائق ورتبه على وضع اختاره مقفى على حروف المعجم ولكن في العثور على طلب الحديث منه كلفة ومشقة لأنه جمع في التقفية بين إيراد الحديث مسرودا جميعه أو أكثره ثم شرح ما فيه من غريب فيجيء بشرح كل كلمة غريبة يشتمل عليها ذلك الحديث في حرف وأحد فرد الكلمة في غير حروفها وإذا طلبها الإنسان تعب حتى يجدها فكان كتاب الهروي أقرب متناولا وأسهل مأخذا
وصنف الحافظ أبو موسى محمد بن أبي بكر الأصفهاني كتابا فيه ما فات الهروي من غريب القرآن والحديث مناسبة وفائدة ورتبه كما رتبه ثم قال :

(2/390)


واعلم أنه سيبقى بعد كتابي أشياء لم تقع لي ولا وقفت عليها لأن كلام العرب لم ينحصر ( 2 / 391 ) . وتوفي سنة إحدى وثمانين وخمسمائة سماه كتاب الغث كمل به الغريبين ومعاصره أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الإمام ابن الجوزي صنف كتابا في غريب الحديث نهج فيه طريق الهروي مجردا عن غريب القرآن وكان فاضلا لكنه يغلب عليه الوعظ وقال فيه :
قد فاتهم أشياء فرأيت أن أبذل الوسع في جمع غريب وأرجو أن لا يشذ عني مهم من ذلك
قال ابن الأثير : ولقد تتبعت كتابه فرأيته مختصرا من كتاب الهروي منتزعا من أبوابه شيئا فشيئا ولم يزد عليه إلا الكلمة الشاذة وأما أبو موسى فإنه لم يذكر في كتابه مما ذكره الهروي لا كلمة اضطر إلى ذكرها فإن كتابه أيضا يضاهي كتاب الهروي لأن وضعه استدراك ما فات الهروي ولما وقفت على ذينك الكتابين وهما في غاية من الحسن وإذا أراد أحد كلمة غريبة يحتاج إليهما وهما كبيران ذوا مجلدات عدة
فرأيت أن أجمع بين ما فيهما من غريب الحديث مجرد من غريب القرآن وأضيف كل كلمة إلى أختها وتمادت بين الأيام فحينئذ أمعنت النظر في الجمع بين ألفاظهما فوجدتهما على كثرة ما أودع فيهما قد فاتهما الكثير فإني في بادئ الأمر مر بذكري كلمات غريبة من أحاديث البخاري ومسلم لم يرد شيء منها في هذين الكتابين فحيث عرفت نبهت لاعتبار ما سوى هذين من كتب الحديث فتتبعتها واستقصيت قديما وحديثا فرأيت فيها من الغريب كثيرا وأضفت ما عثرت عليه

(2/390)


وأنا أقول : كم يكون ما قد فاتني من الكلمات الغريبة تشتمل عليها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيهم ذخيرة لغيري انتهى كلام ابن الأثير من كتابه المسمى بالنهاية ملخصا
أقول : وصنف الأرموي بعده كتابه في تتمة كتابه وصنف مهذب الدين بن الحاجب عشر مجلدات وتصنيف قاسم بن ثابت بن حزم السرقسطي المتوفى سنة ثلاثين وثلاثمائة بسرقسطة كان في عصر الحربي ذلك في الشرق هذا في الغرب ولم يطلع أحدهما على ما صنع الأخر ذكره البقاعي رحمه الله تعالى ( 2 / 392 )

(2/391)


علم غرائب لغات الحديث

(2/392)


وهذا علم شريف موضوعه لطيف نفعه وغايته ولقد صنف فيه العلامة الزمخشري كتاب الفائق والإمام ابن الأثير الجزري كتاب النهاية قال في ( ( مدينة العلوم ) ) :
وقد ذكرنا هذين الكتابين في علم اللغة لأن هذا العلم قد يعد من فروع علم اللغة أيضا انتهى وهذا هو العلم المتقدم

(2/392)


علم الغنج

(2/392)


عده صاحب الموضوعات من فروع علم الموسيقى وقال :
هو علم باحث عن كيفية صدور الأفعال الموزونة المهيجة للشوق والميل الطبعي التي تصدر عن العذارى والنسوان الفائقات الجمال المتصفات بالظرف والكمال إذا اقترن الحسن الذاتي بالغنج الطبعي كاملا في الغاية وإن كان الغنج متكلفا أو عرضيا يكون دون الأول لكن كل شيء من المليح مليح وهذا الغنج إن وقع أثناء المباشرة وحال المخالطة والتقبيل وغير ذلك كان محركا لقوة الوقاع وينتفع به العاجزون عن القربان كل الانتفاع وهذا الغنج
مرخص في الشرع ويحمد هو من النساء في تلك الحال بل قد تؤجر هي عليه في الجماع الحلال . ونساء العرب مشهورات بين الرجال بحسن الغنج ولطف الدلال يتعلمنه في صغرهن ومثله في ( ( مدينة العلوم ) ) ( 2 / 393 )

(2/392)


باب الفاء

(2/393)


علم الفال

(2/393)


هو علم يعرف به بعض ما يحدث من الحوادث الآتية بطريق اتفاق حدوث أمر من جنس الكلام المسموع من الغير أو بفتح المصحف أو كتب الأنبياء والمشائخ كديوان الحافظ والمثنوي ونحوهما
وموضوع هذا العلم ظاهر من تعريفه
ومنفعته وفائدته كعلم الرمل
وقد اشتهر ديوان الحافظ بالتفاؤل حتى صنفوا فيه وهو ديوان معروف متداول بين أهل الفرس ويتفاءل به وكثيرا ما جاء بيت منه مطابقا بحسب حال المتفائل ولهذا يقال له لسان الغيب وقد ألف في تصديق هذا المدعا محمد بن الشيخ محمد الهروي رسالة مختصرة وأورد أخباره متعلقة بالتفاؤل به ووقع مطابقا لمتقضى حال المتفائل
وأفرط في مدح الشيخ المذكور وللكفري حسين المتوفى بعد سنة ثمانين وتسعمائة رسالة تركية في تفاؤلات ديوان الحافظ مشحونة بالحكايات الغريبة
وقد شرحه مصطفى بن شعبان المتخلص بسروري المتوفى سنة تسع وستين تسعمائة شرحا تركيا
وأما التفاؤل بالقرآن الكريم فجوزه بعضهم لما روي عن الصحابة وكان ( 2 / 394 ) عليه الصلاة والسلام يحب الفال وينهي عن الطيرة
ومنعه آخرون وقد صرح الإمام العلامة أبو بكر بن العربي في كتابه الأحكام في سورة المائدة بتحريم أخذ الفال وهو الحق ونقله الإمام القرافي عن الإمام الطرطوشي أيضا
قال الدميري : ومقتضى مذهبنا كراهيته لكن أباحه ابن بطة الحنبلي
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) :
الأصح الذي شهد الشرع بجوازه التجربة بصدقه هو التفاؤل بالقرآن العظيم وقد نقل عن الصحابة وعن السلف الصالحين وطريق فتح الفال من المصحف كثير مشهور عند الناس لكن الأحسن الاعتبار بالمعاني دون الألفاظ والحروف انتهى

(2/393)


قلت : والمعتمد عدم التفاؤل من كتاب الله ولم يرو عن السلف بطريق يعمد عليها في هذا الباب ولم يقل به أحد من أهل العلم بالحديث وإذا كان فتح الفال من التنزيل ممنوعا فكيف بغيره من كتب الأنبياء والأولياء والمشائخ ؟
وقد تدرب بهذا نوع من الشرك في عقائد المسلمين أعاذنا الله منه نعم كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه الفال ولا يتطير
( ولما هاجر إلى المدينة وقاربها سمع مناديا ينادي : يا سالم فقال لأصحابه : سلمنا
فلما دخل المدينة سمع قول الأخر يقول : يا غانم فقال : غنمنا
فلما نزل أتي برطب فقال : حلانا البلد )
رواه أهل السير والله أعلم بسنده وأمثال ذلك كثيرة والاقتصار على ما وردت به السنة أسلم وأصون للدين
وأما الطيرة والزجر فهو عكس الفال لأن المطلوب في الفال الإقدام وفي الطيرة والإحجام وأصل الزجر أن يتشاءم الإنسان من شيء تتأثر النفس من وروده على المسامع والمناظر تأثرا لا بالطبع فإن التنفر الطبيعي كالنفرة من صوت صرير الزجاج أو الحديد ليس من هذا القبيل ( 2 / 395 )
واشتقاق التطير من الطير لأن أصل الزجر في العرب كان من الطير كصوت الغراب فألحق به غيره في التعبير وأمثاله من الطيرة في العرب كثيرة

(2/394)


وقد تكون في غيرهم فيتكدر به عيشهم وينفتح عليهم أبواب الوسوسة من اعتبارهم إلى المناسبات البعيدة من حيث اللفظ والمعنى كالسفر والجلاء من السفرجل واليأس والمين من الياسمين وسوء سنة من السؤسنة والمصادفة إلى معلول حين الخروج وأمثال ذلك
قال ابن القيم رحمه الله في ( ( مفتاح السعادة ) ) اعلم : أن مضرة التطير وتأثيره لمن يخاف به ويتغير منه وأما من لم يكن له مبالاة منه فلا تأثير له أصلا خصوصا إذا قال عند المشاهدة أو السماع : اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك انتهى
قلت : وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن التطير وقال : ( لا طيرة ولا هامة ولا صفر ) والمسئلة مصرحة في كتب الأحاديث لا سيما في فتح الباري شرح صحيح البخاري ونيل الأوطار شرح منتقى الأخبار وغير ذلك

(2/395)


علم الفتاوى

(2/395)


هو من فروع علم الفقه
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : هو علم تروى فيه الأحكام الصادرة عن الفقهاء في الواقعات الجزئية ليسهل الأمر على القاصرين من بعدهم
والكتب المصنفة في هذا العلم أكثر من أن تحصى فلا مطمع لاستقصاء ما فيها وأشهر من أن تخفى فلا حاجة إلى التعرض لها انتهى
ولنا كتاب في آداب الفتوى المسمى بذخر المحتي من آداب المفتي وهو نفيس جدا وقد اشتمل كتب الفتاوى على قياسات وتفريعات لا تشهد له أدلة الكتاب ولا نصوص المنة وكثرت بحيث لا يمكن الإحاطة بها
واختلفت أقوال المفتين من أهل المذاهب فيها اختلافا لا تكاد تضبط والحق ( 2 / 396 ) ترك النظر في أمثال هذه الخرافات والأباطيل وعدم تضييع الأوقات في الاشتغال بها لعدم ابتنائها على الدليل والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل

(2/395)


علم الفراسة

(2/396)


عده صاحب ( ( مفتاح السعادة ) ) من فروع العلم الطبيعي وقال :
هو علم تعرف منه أخلاق الناس من أحوالهم الظاهرة من الألوان والأشكال والأعضاء وبالجملة الاستدلال بالخلق الظاهر على الخلق الباطن
وموضوعه ومنفعته ظاهران
ومن الكتب المؤلفة فيه كتاب الإمام الرازي خلاصة كتاب أرسطو مع زيادات مهمة ولأقليمون كتاب في الفراسة يختص بالنسوان وكتاب السياسة لمحمد بن الصوفي مختصر مفيد في هذا العلم وكفى بهذا العلم شرفا قوله تعالى : ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين ) وقوله سبحانه : ( تعرفهم بسيماهم ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا فراسة المؤمن بأنه ينظر بنور الله ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( كان فيمن كان قبلكم من الأمم المحدثون وإنه لو كان في أمتي لكان عمر )
قلت : المحدث المصيب في ظنه وفرسته كأنه حديث الأمر وهذا العلم نافع للملوك والصعاليك في اختيار الزوج والصديق والمماليك إلى غير ذلك ولا بد للإنسان من ذلك العلم لأنه مدني الطبع محتاج إلى معرفة الضار من النافع ذكره في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/396)


علم الفرائض

(2/396)


هو علم بقواعد وجزئيات تعرف بها كيفية صرف التركة إلى الوارث بعد معرفته وموضوعه التركة والوارث لأن الفرضي يبحث عن التركة وعن مستحقها بطريق الإرث من حيث إنها تصرف إليه إرثا بقواعد معينة شرعية ومن جهة قدر ما ( 2 / 397 ) يحرزه ويتبعها متعلقات التركة
ووجه الحاجة إليه الوصول إلى إيصال كل وارث قدر استحقاقه
وغايته الاقتدار على ذلك وإيجاده وما عنه البحث فيه هو مسائله
واستمداده من أصول الشرع كذا في أقدار الرائض
واختلف في قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنها نصف العلم ) فقال : طائفة سماهم في ضوء السراج وغيره وهم أهل السلامة لا ندري وليس علينا ذلك بل يجب علينا اتباعه عقلنا المعني أو لم نعقل لاحتمال خطأ التأويل
وأول الآخرون على أربعة عشر قولا
والأول : سماعا نصفا باعتبار البلوى رواه البيهقي
والثاني : لأن الخلو بين طوري الحياة والممات قاله في النهاية وعليه الأكثرون
الثالث : إن سبب الملك اختياري وضروري فالاختياري كالشراء وقبول الهبة والوصية والضروري كالإرث قاله صاحب الضوء وغيره
الرابع : تعظيما لها كذا في الابتهاج
الخامس : لكثرة شعبها وما يضاف إليها من الحساب قاله صاحب إغاثة اللهاج
السادس : لزيادة المشقة قاله نزيل حلب
السابع : باعتبار العلمين لأن العلم نوعان : علم يحصل به معرفة أسباب الإرث وعلم يعرف به جميع ما يجب قاله صاحب الضوء وغيره
الثامن : باعتبار الثواب لأنه يستحق الشخص بتعليم مسئلة واحدة من الفراض مائة حسنة وبتعليم مسئلة واحدة من الفقه عشر حسنات ولو قدرت جميع الفراض عشر مسائل وجميع الفقه مائة مسئلة يكون حسنات كل واحد منهما ألف حسنة وحينئذ تكون الفرائض باعتبار الثواب مساوية لسائر العلوم . ( 2 / 398 )

(2/396)


التاسع : باعتبار التقدير يعني أنك لو بسطت علم الفرائض كل البسط لبلغ حجم فروعه مثل حجم فروع سائر الكتب كما في شرح السراجية
العاشر : سماها نصف العلم ترغيبا لهم في تعلم هذا العلم لما علم أنه أول علم ينسى وينتزع من بين الناس
وورد أنها ثلث العلم وفي الجمع بينهما ما أجاب ابن عبد السلام المالكي في شرحه لفروع ابن الحاجب أن الجمع ليس واجبا على الفقيه قال الفقيه الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر المتوفى سنة تسع وعشرين وأربعمائة في كتاب ( الرد علي الجرجاني في ترجج مذهب أبي حنيفة ) :
إنه أدعى تقدمهم في الفرائض ونقض بسعيد بن جبير وعبيدة وأبو الزناد وفي زمن أبي حنيفة كان ابن أبي ليلى وابن شبرمة قد صنفا في الفرائض ولأصحاب مالك والشافعي أيضا كتب منها كتاب أبي ثور وكتاب الكرابيسي وكتاب رواه الربيع عن الشافعي وأبسط الكتب فيها كتب أبي العباس ابن سريج وأبسط من الجميع كتاب محمد بن نصر المروزي وما صنف فيها أتقن وأحكم منه وحجمه يزيد على خمسين جزءا قال :
وكتابنا في الفرائض يزيد على ألف ورقة . قال ابن السبكي : وهو كتاب جليل القدر لا مزيد على حسنه انتهى وبالله التوفيق

(2/398)


علم الفروع

(2/398)


هو المعروف بعلم الفقه وسيأتي قريبا

(2/398)


علم الفصد

(2/398)


علم باحث عن كيفية آلات الفصد ومعرفة أنواع العروق ومعرفة ما يخص ( 2 / 399 ) كل مرض من فصد عرق مخصوص إلى غير ذلك من الأحوال التي يعرفها مزاولها وغايته وغرضه ومنفعته لا تخفى كذا في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/398)


علم فضائل القرآن

(2/399)


أول من صنف فيه الإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة أربع ومائتين وأبو العباس جعفر بن محمد المستغفري المتوفى سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وداود بن موسى الأودني وأبو العطاء المليح وأبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي ولابن أبي شيبة ولأبي عبد القاسم بن سلام الجمحي المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين ولابن الغريس ولأبي الحسن بن صخر الأزدي ولأبي ذر وللضياء المقدسي ولأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي المتوفى سنة ثمان وستين وأربعمائة مختصر فهي أخذ شمس الدين محمد بن طولون الدمشقي أربعين حديثا منه وأدلة فضائل القرآن لبعض المتأخرين أولها الحمد لله الذي أمتن على عباده بنبيه المرسل

(2/399)


علم فضيلة كسر الشهوتين

(2/399)


المراد بهما شهوة البطن والفرج وإنما وجب كسرهما لأن للقلب جهتين جهة إلى عالم الغيب المبرأ عن الشهوات والعيب وجهة إلى عالم الشهادة للمتحلي بالألف والعادة وهي تعلقه بالبدن ويحتاج بحسب هذه الجهة إلى الشهوتين
فمن غلب ميله إليهما لن يلج الملكوت ويكون في عداد الحيوانات
ومن اكتفى منهما بقدر الحاجة كما فعله نبينا صلى الله عليه وسلم يكون سالكا لطريقه ويصل إلى المقامات العلمية والمراتب السنية وطريق كسرهما معروف عند أهل الطريق وليس هذا موضع تفصيله ذكره في ( ( مدينة العلوم ) ) وفي ( الإحياء ) للغزالي ما ( 2 / 400 ) يكفي في هذا الباب والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب

(2/399)


علم الفقه

(2/400)


قال في كشاف اصطلاحات الفنون
علم الفقه ويسمى هو وعلم أصول الفقه بعلم الدراية أيضا على ما في مجمع السلوك وهو معرفة النفس ما لها وما عليها هكذا نقل عن أبي حنيفة والمراد بالمعرفة : إدراك الجزئيات عن دليل فخرج التقليد
قال التفتازاني : القيد الأخير في تفسير المعرفة مما لا دلالة عليه أصلا لا لغة ولا اصطلاحا
وقوله : وما لها وما عليها يمكن أن يراد به ما تنتفع به النفس وما تتضرر به في الآخرة والمشعر بهذا شهرة أن علم الفقه من العلوم الدينية ويمكن أن يراد به ما يجوز لها وما يجب عليها أو ما يجوز لها وما يحرم عليها
ثم ما لها وما عليها يتناول الاعتقادات كوجوب الإيمان ونحوه
والوجدانيات أي : الأخلاق الباطنة والملكات النفسانية
والعمليات : كالصوم والصلاة والبيع ونحوها
فالأول : علم الكلام
والثاني : علم الأخلاق والتصوف
والثالث : هي الفقه المصطلح

(2/400)


وذكر الغزالي أن الناس تصرفوا في اسم الفقه فخصوه بعلم الفتاوى والوقوف على دلائلها وعللها واسم الفقه في العصر الأول كان مطلقا على علم الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس والاطلاع على الآخرة وحقارة الدنيا
قال أصحاب الشافعي : الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية والمراد بالحكم النسبة التامة الخبرية التي العلم بها تصديق وبغيرها تصور ( 2 / 401 )
فالفقه عبارة عن التصديق بالقضايا الشرعية المتعلقة بكيفية العمل تصديقا حاصلا من الأدلة التفصيلية التي نصبت في الشرع على تلك القضايا وهي الأدلة الأربعة : الكتاب والسنة والإجماع والقياس
ثم إن إطلاق العلم على الفقه وإن كان ظنيا باعتبار أن العلم قد يطلق على الظنيات كما يطلق على القطعيات كالطب ونحوه
ثم إن أصحاب الشافعي جعلوا للفقه أربعة أركان فقالوا : الأحكام الشرعية إما أن تتعلق بأمر الآخرة وهي العبادات أو بأمر الدنيا وهي إما أن تتعلق ببقاء الشخص وهي المعاملات أو ببقاء النوع باعتبار المنزل وهي المناكحات أو باعتبار المدينة وهي العقوبات وههنا أبحاث تركناها مخافة الإطناب فمن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى التوضيح والتلويح
وموضوعه فعل المكلف من حيث الوجوب والندوب والحل والحرمة وغير ذلك كالصحة والفساد وقيل موضوعه أعم من الفعل لأن قولنا : الوقت سبب أو وجوب الصلاة من مسائله وليس موضوعه الفعل وفيه أن ذلك راجع إلى بيان حال الفعل بتأويل إن الصلاة تجب لسبب الوقت كما أن قولهم النية في الوضوء مندوبة في قوة أن الوضوء يندب فيه النية
وبالجملة تعميم موضوع الفقه مما لم يقل به أحد ففي كل مسئلة ليس موضوعها راجعا إلى فعل المكلف يجب تأويله حتى يرجع موضوعها إليه كمسئلة المجنون والصبي فإنه راجع إلى فعل الولي هكذا في الخيالي وحواشيه ومسائله الأحكام الشرعية العملية كقولنا : الصلاة فرض
وغرضه النجاة من عذاب النار ونيل الثواب في الجنة وشرفه مما لا يخفى لكونه من العلوم الدينية انتهى كلام الكشاف
قال صاحب ( ( مفتاح السعادة ) ) : وهو علم باحث عن الأحكام الشرعية ( 2 / 402 ) الفرعية العملية من حيث استنباطها من الأدلة التفصيلية
ومباديه مسائل أصول الفقه
وله استمداد من سائر العلوم الشرعية والعربية

(2/400)


وفائدته : حصول العمل به على الوجه المشروع
والغرض منه : تحصيل ملكة الاقتدار على الأعمال الشرعية ولما كان الغاية والغرض في العلوم العملية يحصلان بالظن دون اليقين بناء على أن أقوى الأدلة الكتاب والسنة وإنه وإن كان علم الفقه قطعي الثبوت لكن أكثره ظني الدلالة فصار محلا للاجتهاد وجاز الأخذ فيه أولا بمذهب أي مجتهد أراد المقلد
والمذاهب المشهورة التي تلقتها الأمة بالقبول وقبلها أهل الإسلام بالصحة هي المذاهب الأربعة للأئمة الأربعة : أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل ثم الأحق والأولى من بينها مذهب أبي حنيفة رحمه الله لأنه المتميز من بينهم بالإتقان والإحكام وجودة القريحة وقوة الرأي في استبناط الأحكام وكثرة المعرفة بالكتاب والسنة وصحة الرأي في علم الأحكام إلى غير ذلك لكن ينبغي لمن يقلد مذهبا معينا في الفروع أن يحكم بأن مذهبه صواب يحتمل الخطأ ومذهب المخالف خطأ يحتمل الصواب
ويحكم في الاعتقاديات بأن مذهبه حق جزما ومذهب المخالف خطأ قطعا انتهى ونحوه في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/402)


أقول أحق المذاهب إتقانا وأحسنها اتباعا وأحكمها وأحراها بالتمسك به ما ذهب إليه أهل الحديث والقرآن والترجيح لمذهب دون مذهب تحكم لا دليل عليه بل المذاهب الأربعة كلها سواسية في الحقيقة والواجب على الناس كلهم اتباع صرائح الكتاب العزيز والسنة المطهرة دون اتباع آراء الرجال وأقوال العلماء والأخذ باجتهاداتهم سيما فيما يخالف القرآن الكريم والحديث الشريف ( 2 / 403 )
وقد حققنا هذا البحث في كتابنا الجنة في الأسوة الحسنة بالسنة وذكر الغزالي في بيان تبديل أسامي العلوم ما تقدم ذكره وتمام هذا البحث ذكرناه في كتابنا ( قصد السبيل إلى ذم الكلام والتأويل )
والكتب المؤلفة على المذاهب الأربعة كثيرة جدا لا تكاد تحصى . ودواوين الإسلام من كتب الحديث وشروحه تغني الناس كلهم قرويهم وبدويهم عالمهم وجاهلهم ودانيهم وقاصيهم عن كتب الرأي والاجتهاد
والأئمة الأربعة منعوا الناس عن تقليدهم ولم يوجب الله سبحانه وتعالى على أحد تقليد أحد من الصحابة والتابعين الذين هم قدوة الأمة وأئمتها وسلفها فضلا عن المجتهدين وآحاد أهل العلم بل الواجب على الكل اتباع ما جاء به الكتاب والسنة المطهرة وإنما احتيج إلى تقليد المجتهدين لكون الأحاديث والأخبار الصحيحة لم تدون ولكن الآن بحمد الله تعالى قد دون أهل المعرفة بالسنن علم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغنوا الناس عن غيره فلا حيا الله عبدا قلد ولم يتبع ولم يعرف قدر السنة وحمد على التقليد
ثم القول بأن المذهب الفلاني من المذاهب الأربعة أقدم وأحكم من أباطيل المقولات وأبطل المقالات وصدوره من مدعي العلم يدل على أنه ليس من أهل العلم لأن التقليد من صنيع الجاهل والمقلد ليس معدودا في العلماء انظر في الكتب التي الفت لرد التقليد كأعلام الموقعين عن رب العالمين وغير ذلك يتضح لك الصواب من الخطأ بلا ارتياب والكتب المؤلفة في الأخبار الصحاح والحسان والضعاف كثيرة جدا ذكرناها في كتابنا ( إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء المحدثين )

(2/402)


والمعتمد كل الاعتماد من بينها الأمهات الست وهي معروفة متيسرة في كل بلد وكذلك الكتب المؤلفة في أحكام السنة المطهرة خاصة كثيرة أيضا والمستند ( 2 / 404 ) كل الاستناد من بينها هو مثل منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار وبلوغ المرام وشرحه مسك الختام وسبل السلام والعمدة وشرحه العدة
وغير ذلك مما ألف في ضبط الأحكام الثابتة بالسنة وما يليها مثل السيل الجرار ووبل الغمام ومنح الغفار حاشية ضوء النهار والهدي النبوي وسفر السعادة وكذا مؤلفات شيوخنا اليمانيين فإن فيها ما يكفي والمقلد المسكين يظن الخرافات في الكتاب والسنة
وقد أطال الأرنيقي في ( ( مدينة العلوم ) ) في ذكر تراجم الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والفقهاء الحنفية كأبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني وابن المبارك وداود الطائي الكوفي ووكيع بن الجراح ويحيى بن زكريا وإسماعيل بن حماد ويوسف بن خالد وعافية بن يزيد وحبان ومندل ابني علي الغزي وعلي بن مسهرق القاسم بن معن وأسد بن عامر وأحمد بن حفص وخلف ابن أيوب وشداد بن حكم وموسى بن نصر وموسى بن سليمان الجوزجاني وهلال بن يحيى ومحمد بن سماعة وحكم بن عبد الله وأطال في ترجمة هؤلاء

(2/403)


وقال اعلم : أن الأئمة الحنفية أكثر من أن تحصى لأنهم قد طبقوا أكثر المعمورة حتى قيل إن للإمام أبي حنيفة سبعمائة وثلاثين رجلا من تلامذته وهذا ما عرف منهم وما لم يعرف أكثر من ذلك لكنا اكتفينا منهم ههنا بما سمح به الوقت والآن فلنذكر من الكتب المعتبرة في الفقه ما هو المشهور في الزمان انتهى
ثم ذكر كتبا سماها قال : وإن استقصاء الأئمة الحنفية وتصانيفهم خارج عن طوق هذا المختصر ولنذكر بعد ذلك نبذا من أئمة الشافعية ليكون الكتاب كامل الطرفين حائز الشرفين وهؤلاء صنفان أحدهما : من تشرف بصحبة الإمام الشافعي والآخر : من تلاهم من الأئمة انتهى
ثم ذكر هذين الصنفين وأطال في بيانهما وفضائلها إطالة حسنة والكتب التي ألفت في بيان طبقات أهل المذاهب الأربعة تغني عن ذكر جماعة خاصة من المقلدة المذهب واحد وإن كانوا أئمة أصحاب التصانيف ولا عبرة بكثرة المقلدة الذين قلدوا مذهبا واحدا من المذاهب ( 2 / 405 ) الأربعة بل الاعتبار باختيار الحق والصواب وهو ترك التقليد لآراء الرجال وإيثار الحق على الحق والتمسك بالسنة
وقد ألف جماعة كتبا كثيرة في طبقات المتبعين وتراجم الحفاظ والمحدثين وهم ألوف لا يحصيهم كتاب وإن طال الفصل والباب وهم أكثر وأطيب إن شاء الله تعالى بالنسبة إلى المقلدة
وقد تعصب أصحاب الطبقات المذهبية في تعداد أهل نحلتهم حيث أدخلوا فيها من ليس منهم وغالب أئمة المذاهب ليسوا بمقلدين وإن انتسبوا إلى بعضهم بل هم مجتهدون مختارون لهم أحسن الأقوال وأحق الأحكام وبعد النظر والاجتهاد فعدهم في زمرة المقلدة بأدنى شركة في العلم ليس من الإنصاف في شيء
وإنما خافوا فتنة العوام في ادعاء الاجتهاد أو عدم الاعتداد بالتقليد فصبروا على نسبتهم إلى مذهب من تلك المذاهب كما يعرف ذلك من له إلمام بتصانيف هؤلاء الكرام وليس هذا موضع بسط الكلام على هذا المرام وإلا أريتك عجائب المقام وأتيتك بما لم يقرع سمعك من الأمور العظام

(2/404)


واعلم أن أصول الدين اثنان لا ثالث لهما : الكتاب والسنة وما ذكروه من أن الأدلة أربعة : القرآن والحديث والإجماع والقياس فليس عليه إثارة من علم وقد أنكر إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه الإجماع الذي اصطلحوا عليه اليوم
وأعرض سيد الطائفة المتبعة داود الظاهري عن كون القياس حجة شرعية وخلاف هذين الإمامين نص في محل الخلاف ولهذا قال بقولهما عصابة عظيمة من أهل الإسلام قديما وحديثا إلى زماننا هذا ولم يروا الإجماع والقياس شيئا مما ينبغي التمسك به سيما عند المصادمة بنصوص التنزيل وأدلة السنة الصحيحة وهذه المسئلة من معارك المسائل بين المقلدة والمتبعة وأكثر الناس خلافا فيها الحنفية لأنهم أشد الناس تعصبا للمذهب وتقرير ذلك مبسوط في المبسوطات المؤلفة في هذا الباب ( 2 / 406 )
ومن له نظر في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه الواحد المتكلم الحافظ ابن القيم ومن حذا حذوهما من علماء الحديث والقرآن خصوصا أئمة اليمن الميمون وتلامذتهم فهو يعلم بأن هذا القول هو الحق المنصور والمذهب المختار والكلام المعتمد عليه ما سواه سراب وتباب ولولا مخافة الإطالة وخشية الملالة لذكرت ههنالك ما تذعن له من الأدلة على ذلك ومفاسد ما هنالك وبالله التوفيق وهو العاصم عن التنكيب عن سواء الطريق اللهم أرحم أمة محمد صلى الله عليه وسلم رحمة عامة
فصل

(2/405)


قال ابن خلدون رحمه الله تعالى : الفقه معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين بالوجوب والخطر والإباحة والندب والكراهة وهي متلقاة من الكتاب والسنة وما نصبه الشارع لمعرفتها من الأدلة على اختلاف فيها بينهم ولا بد من وقوعه ضرورة أن الأدلة غالبها من النصوص وهي بلغة العرب وفي اقتضاءات ألفاظها لكثير من معانيها اختلاف بينهم معروف و أيضا
فالسنة مختلفة الطرق في الثبوت وتتعارض في الأكثر أحكامها فتحتاج إلى الترجيح وهو مختلف أيضا فالأدلة من غير النصوص مختلف فيها وأيضا فالوقائع المتجددة لا توفي بها النصوص وما كان منها غير ظاهر في النصوص فحمل على منصوص لمشابهة بينهما وهذه كلها إشارات للخلاف ضرورية الوقوع ومن هنا وقع الخلاف بين السلف والأئمة من بعدهم

(2/406)


ثم إن الصحابة كلهم لم يكونوا أهل فتيا ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم ( 2 / 407 ) وإنما كان ذلك مختصا بالحاملين للقرآن العارفين بناسخه ومنسوخه ومتشابهة ومحكمة وسائر دلالته بما تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم سمعه منهم من عليتهم وكانوا يسمون لذلك القراء أي الذين يقرؤون الكتاب لأن العرب كانوا أمة أمية فاختص من كان منهم قارئا للكتاب بهذا الاسم لغرابته يومئذ وبقي الأمر كذلك صدر الملة ثم عظمت أمصار الإسلام وذهبت الأمية من العرب بممارسة الكتاب وتمكن الاستنباط وكمل الفقه وأصبح صناعة وعلما فبدلوا باسم الفقهاء والعلماء من القراء
وانقسم الفقه إلى طريقتين : طريقة أهل الرأي والقياس وهم أهل العراق
وطريقة أهل الحديث وهم أهل الحجاز
وكان الحديث قليلا في أهل العراق فاستكثروا من القياس ومهروا فيه فلذلك قيل أهل الرأي ومقدم جماعتهم الذي استقر المذهب فيه وفي أصحابه أبو حنيفة وإمام أهل الحجاز مالك بن أنس والشافعي من بعده
ثم أنكر القياس طائفة من العلماء وأبطلوا العمل به وهم الظاهرية وجعلوا المدارك كلها منحصرة في النصوص والإجماع وردوا القياس الجلي والعلة المنصوصة إلى النص لأن النص على العلة نص على الحكم في جميع محالها وكان إمام هذا المذهب داود بن علي وابنه وأصحابه

(2/406)


وكانت هذه المذاهب الثلاثة هي مذاهب الجمهور المشتهرة بين الأمة وشذ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وفقه انفردوا به وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح على قولهم بعصمة الأئمة ورفع الخلاف عن أقوالهم وهي كلها أصول واهية وشذ بمثل ذلك الخوارج ولم يحتفل الجمهور بمذاهبهم بل أوسعوها جانب الإنكار والقدح فلا نعرف شيئا من مذاهبهم ولا نروي كتبهم ولا أثر لشيء منهم إلا في مواطنهم فكتب الشيعة في بلادهم وحيث كانت دولتهم ( 2 / 408 ) قائمة في المغرب والمشرق واليمن والخوارج كذلك ولكل منهم كتب وتآليف وآراء في الفقه غريبة
ثم درس مذهب أهل الظاهر اليوم بدروس أئمته وإنكار الجمهور على منتحله ولم يبق إلا في الكتب المجلدة وربما يعكف كثير من الطالبين ممن تكلف بانتحال مذهبهم على تلك الكتب يروم أخذ فقههم منها ومذهبهم فلا يحلو بطائل ويصير إلى مخالفة الجمهور وإنكارهم عليه وربما عد بهذه النحلة من أهل البدع بنقله العلم من الكتب من غير مفتاح المعلمين . وقد فعل ذلك ابن حزم بالأندلس على علو رتبته في حفظ الحديث وصار إلى مذهب أهل الظاهر ومهر فيه باجتهاد زعمه في أقوالهم وخالف إمامهم داود وتعرض للكثير من أئمة المسلمين فنقم الناس ذلك عليه وأوسعوا مذهبه استهجانا وإنكارا وتلقوا كتبه بالإغفال والترك حتى إنها ليحظر بيعها بالأسواق وربما تمزق في بعض الأحيان ولم يبق إلا مذهب أهل الرأي من العراق وأهل الحديث من الحجاز
فأما أهل العراق فإمامهم الذي استقرت عنده مذاهبهم أبو حنيفة النعمان ابن ثابت ومقامه في الفقه لا يلحق شهد له بذلك أهل جلدته وخصوصا مالك والشافعي
وأما أهل الحجاز فكان إمامهم مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى واختص بزيارة مدرك آخر للأحكام غير المدارك المعتبرة عند غيره وهو عمل أهل المدينة لأنه رأى أنهم فيما يتفقون عليه من فعل أو ترك متابعون لمن قبلهم ضرورة لدينهم واقتدائهم وهكذا إلى الجيل المباشرين لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الآخذين ذلك عنه وصار ذلك عنده من أصول الأدلة الشرعية ( 2 / 409 ) ظن كثير أن ذلك من مسائل الإجماع فأنكره لأن دليل الإجماع لا يخص أهل المدينة ممن سواهم بل هو شامل للأمة

(2/407)


واعلم أن الإجماع إنما هو الاتفاق على الأمر الديني عن اجتهاد مالك رحمه الله لم يعتبر عمل أهل المدينة من هذا المعنى وإنما اعتبره من حيث اتباع الجيل بالمشاهدة للجيل إلى أن ينتهي إلى الشارع صلى الله عليه وسلم وضرورة اقتدائهم بعين ذلك يعم الملة ذكرت في باب الإجماع الأبواب بها من حيث ما فيها من الاتفاق الجامع بينها وبين الإجماع إلا أن اتفاق أهل الإجماع عن نظر واجتهاد في الأدلة واتفاق هؤلاء في فعل أو ترك مستندين إلى مشاهدة من قبلهم ولو ذكرت المسئلة في باب فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره أو مع الأدلة المختلف فيها مثل مذهب الصحابي وشرع من قبلنا والاستصحاب لكان أليق
ثم كان من بعد مالك بن أنس محمد بن إدريس المطلبي الشافعي رحل إلى العراق من بعد مالك ولقي أصحاب الإمام أبي حنيفة وأخذ عنهم ومزج طريقة أهل الحجاز بطريقة أهل العراق واختص بمذهب وخالف مالكا رحمه الله في كثير من مذهبه
وجاء من بعدهما أحمد بن حنبل وكان من علية المحدثين وقرأ أصحابه على أصحاب الإمام أبي حنيفة مع وفور بضاعتهم من الحديث فاختصوا بمذهب آخر ووقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة ودرس المقلدون لمن سواهم وسد الناس باب الخلاف وطرقه لما كثر تشعب الاصطلاحات في العلوم ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه فصرحوا بالعجز والأعواز وردوا الناس إلى تقليد هؤلاء كل من اختص به من المقلدين

(2/409)


وحظروا أن يتداول تقليدهم لما فيه من التلاعب ولم يبق إلا نقل مذاهبهم وعمل كل مقلد بمذهب من قلده منهم بعد تصحيح الأصول واتصال سندها بالرواية لا محصول اليوم للفقه غير هذا ومدعي الاجتهاد ( 2 / 410 ) لهذا العهد مردود على عقبه مهجور تقليده وقد صار أهل الإسلام اليوم على تقليد هؤلاء الأئمة الأربعة
فأما أحمد بن حنبل فمقلدوه قليلون لبعد مذهبه عن الاجتهاد وأصالته في معاضدة الرواية للأخبار بعضها ببعض وأكثرهم بالشام والعراق من بغداد ونواحيها وهم أكثر الناس حفظا للسنة ورواية الحديث
وأما أبو حنيفة فمقلدوه اليوم أهل العراق ومسلمة الهند والصين وما وراء النهر وبلاد العجم كلها لما كان مذهبه أخص بالعراق ودار السلام وكانت تلاميذه صحابة الخلفاء من بني العباس فكثرت تآليفهم ومناظراتهم مع الشافعية وحسن مباحثهم في الخلافيات وجاؤوا منها بعلم مستطرف وأنظار غريبة وهي بين أيدي الناس وبالمغرب منها شيء قليل نقله إليه القاضي ابن العربي وأبو الوليد الباجي في رحلتهما
وأما الشافعي رحمه الله فمقلدوه بمصر أكثر مما سواها وقد كان انتشر مذهبه بالعراق وخراسان وما وراء النهر وقاسموا الحنفية في الفتوى والتدريس في جميع الأمصار وعظمت مجالس المناظرات بينهم وشحنت كتب الخلافيات بأنواع استدلالاتهم ثم درس ذلك كله بدروس المشرق وأقطاره وكان الإمام محمد بن إدريس الشافعي لما نزل على بني عبد الحكم بمصر أخذ عنه جماعة من بني عبد الحكم وأشهب وابن القاسم وابن المواز وغيرهم ثم الحارث بن مسكين وبنوه

(2/409)


ثم انقرض فقه أهل السنة من مصر بظهور دولة الرافضة وتداول بها فقه أهل البيت وتلاشى من سواهم إلى أن ذهبت دولة العبيديين من الرافضة على يد صلاح الدين يوسف بن أيوب ورجع إليهم فقه الشافعي وأصحابه من أهل ( 2 / 411 ) العراق والشام فعاد إلى أحسن ما كان ونفق سوقه
واشتهر منهم محيي الدين النووي من الحلبة التي ربيت في ظل الدولة الأيوبية بالشام وعز الدين بن عبد السلام أيضا ثم ابن الرفعة بمصر وتقي الدين بن دقيق العيد ثم تقي الدين السبكي بعد هما إلى أن انتهى ذلك إلى شيخ الإسلام بمصر لهذا العهد وهو سراج الدين البلقيني فهو اليوم أكبر الشافعية بمصر كبير العلماء بل أكبر العلماء من أهل العصر
وأما مالك رحمه الله فاختص بمذهبه أهل المغرب والأندلس وإن كان يوجد في غيرهم إلا أنهم لم يقلدوا غيره إلا في القليل لما أن رحلتهم كانت غالبا إلى الحجاز وهو منتهى سفرهم والمدينة يومئذ دار العلم ومنها خرج العراق ولم يكن العراق في طريقهم فاقتصروا على الأخذ عن علماء المدينة وشيخهم يومئذ وإمامهم مالك رحمه الله وشيوخه من قبله وتلميذه من بعده فرجع إليه أهل المغرب والأندلس وقلدوه دون غيره ممن لم تصل إليهم طريقته
وأيضا فالبداوة كانت غالبة على أهل المغرب والأندلس ولم يكونوا يعانون الحضارة التي لأهل العراق فكانوا إلى أهل الحجاز أميل لمناسبة البداوة ولهذا لم يزل المذهب المالكي غضا عندهم ولم يأخذه تنقيح الحضارة وتهذيبها كما وقع في غيره من المذاهب
ولما صار مذهب كل إمام علما مخصوصا عند أهل مذهبه ولم يكن لهم سبيل إلى الاجتهاد والقياس فاحتاجوا إلى تنظير المسائل في الإلحاق وتفريقها عند الاشتباه بعد الاستناد إلى الأصول المقررة من مذهب إمامهم وصار ذلك كله يحتاج إلى ملكة راسخة يقتدر بها على ذلك النوع من التنظير أو التفرقة واتباع مذهب إمامهم فيهما ما استطاعوا وهذه الملكة هي علم الفقه لهذا العهد وأهل المغرب جميعا مقلدون لمالك رحمه الله
وقد كان تلامذته افترقوا بمصر والعراق فكان بالعراق منهم القاضي إسماعيل وطبقته مثل ابن خويز منداد وابن اللبان والقاضي أبو بكر الأبهري ( 2 / 412 ) والقاضي أبو الحسين بن القصار والقاضي عبد الوهاب من بعدهم وكان بمصر ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكيم والحارث بن مسكين وطبقتهم ورحل من الأندلس عبد الملك بن حبيب فأخذ عن ابن القاسم وطبقته وبث مذهب مالك في الأندلس ودون فيه كتاب الواضحة

(2/410)


ثم دون العتبي من تلامذته كتاب العتبية ورحل من إفريقية أسد بن الفرات فكتب عن أصحاب أبي حنيفة أولا ثم انتقل إلى مذهب مالك وكتب علي بن القاسم في سائر أبواب الفقه وجاء إلى القيروان بكتابه وسمى الأسدية نسبة إلى أسد بن الفرات فقرا بها سحنون على أسد ثم ارتحل إلى المشرق ولقي ابن القاسم وأخذ عنه وعارضه بمسائل الأسدية فرجع عن كثير منها وكتب سحنون مسائلها ودونها وأثبت ما رجع عنه وكتب لأسد أن يأخذ بكتاب سحنون فأنف من ذلك فترك الناس كتابه واتبعوا مدونة سحنون على ما كان فيها من اختلاط المسائل في الأبواب فكانت تسمى المدونة والمختلطة وعكف أهل القيروان على هذه المدونة وأهل الأندلس على الواضحة والعتبية
ثم اختصر ابن أبي زيد المدونة والمختلطة في كتابة المسمى بالمختصر ولخصه أيضا أبو سعيد البرادعي من فقهاء القيروان في كتابه المسمى بالتهذيب واعتمده المشيخة من أهل إفريقية وأخذوا به وتركوا ما سواه وكذلك اعتمد أهل الأندلس كتاب العتبية وهجروا الواضحة وما سواها ولم تزل علماء المذهب يتعاهدون هذه الأمهات بالشرح والإيضاح والجمع
فكتب أهل إفريقية على المدونة ما شاء الله أن يكتبوا مثل ابن يونس واللخمي وابن محرز التونسي وابن بشير وأمثالهم
وكتب أهل الأندلس على العتبية ما شاء الله أن يكتبوا مثل ابن رشد وأمثاله وجمع ابن أبي زيد جميع ما في الأمهات من المسائل والخلاف والأقوال في كتاب النوادر فاشتمل على جميع أقوال المذهب وفرع الأمهات كلها في هذا الكتاب ( 2 / 413 )
ونقل ابن يونس معظمه في كتابه على المدونة وزخرت بحار المذهب المالكي في الأفقين إلى انقراض دولة قرطبة والقيروان ثم تمسك بهما أهل المغرب بعد ذلك إلى أن جاء كتاب أبي عمرو بن الحاجب لخص فيه طرق أهل المذهب في كل باب وتعديد أقوالهم في كل مسئلة فجاء كالبرنامج للمذهب
وكانت الطريقة المالكية بقيت في مصر من لدن الحارث بن مسكين وابن المبشر وابن اللهيث وابن رشيق وابن شاس وكانت بالإسكندرية في بني عوف وبني سند وابن عطاء الله ولم أدر عمن أخذها أبو عمرو بن الحاجب لكنه جاء بعدا نقراض دولة العبيديين وذهاب فقه أهل البيت وظهور فقهاء السنة من الشافعية والمالكية

(2/412)


ولما جاء كتابه إلى المغرب آخر المائة السابعة عكف عليه الكثير من طلبة المغرب وخصوصا أهل بجاية لما كان كبير مشيختهم أبو علي ناصر الدين الزواوي هو الذي جلبه إلى المغرب فإنه كان قرأ على أصحابه بمصر ونسخ مختصره ذلك فجاء به وانتشر بقطر بجاية في تلاميذه ومنهم انتقل إلى سائر الأمصار المغربية
وطلبة الفقه بالمغرب لهذا العهد يتداولون قراءته ويتدارسونه لما يؤثر عن الشيخ ناصر الدين من الترغيب فيه وقد شرحه جماعة من شيوخهم كابن عبد السلام وابن رشد وابن هارون وكلهم من مشيخة أهل تونس وسابق حلبتهم في الإجادة في ذلك ابن عبد السلام وهم مع ذلك يتعاهدون كتاب التهذيب في دروسهم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم

(2/413)


علم الفلاحة

(2/413)


قال صاحب ( ( مفتاح السعادة ) ) : هو علم يتعرف منه كيفية تدبير النبات من أول نشؤه إلى منتهى كماله وبدء كونه إلى تمام نشؤه بإصلاح الأرض إما بالماء أو بما يخلخلها ويحميها من المعفنات كالسماد والرماد ونحوهما أو يحميها في أوقات البرد مع مراعات الأهوية فيختلف باختلاف الأماكن ولذلك تختلف قوانين ( 2 / 414 ) الفلاحة باختلاف الأقاليم ومنفعته زكاة الحبوب والثمار ونحوها وهو ضروري للإنسان في معاشه ولذلك اشتق اسمه من الفلاح وهو البقاء انتهى
وقال ابن خلدون : هذه الصناعة من فروع الطبيعيات وهي النظر في النبات من حيث تنمسته ونشؤه بالسقي والعلاج وتعهده بمثل ذلك وكان للمتقدمين بها عناية كثيرة وكان النظر فيها عندهم عاما في النبات من جهة غرسه وتنميته ومن جهة خواصه وروحانيته ومشاكلتها لروحاينات الكواكب والهياكل المستعمل ذلك كله في باب السحر فعظمت عنايتهم به لأجل ذلك وترجم من كتب اليونانيين كتاب الفلاحة النبطية منسوبة لعلماء النبط مشتملة من ذلك على علم كبير

(2/413)


ولما نظر أهل الملة فيما اشتمل عليه هذا الكتاب وكان باب السحر مسدودا والنظر فيه محظورا فاقتصروا منه على الكلام في النبات من جهة غرسه وعلاجه وما يعرض له في ذلك وحذفوا الكلام في الفن الآخر منه مغفلا تقل منه مسلمة في كتبه السحرية أمهات من مسائله وكتب المتأخرين في الفلاحة كثيرة ولا يعدون فيها الكلام في الغراس والعلاج وحفظ النبات من حوائجه وعوائقه وما يعرض في ذلك كله وهي موجودة انتهى كلامه
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : ومن لطائف علم الفلاحة اتخاذ بعض نتائجه في غير أوقاته واستخراج بعض مباديه من غير أصله وتركيب الأشجار بعضها ببعض إلى غير ذلك ذكر أبو بكر بن وحشة في كتابه المسمى : ( ( بالفلاحة ) ) عن النبط أن من دار حول شجرة الخطمي وتطلع بالنظر إلى وردها وأدام ذلك فإنها تحدث فرحا في النفس وتزيل عنه الهم والحزن والغم انتهى

(2/414)


علم الفلسفيات

(2/414)


العلوم الفلسفية أربعة أنواع : رياضية ومنطقية وطبيعية وإلهية . فالرياضية على أربعة أقسام ( 2 / 415 ) :
الأول : علم الأرتماطيقي وهو معرفة خواص العدد وما يطابقها من معاني الموجودات التي ذكرها فيثاغورس نيقوماخس وتحته علم الوفق وعلم الحساب الهندي وعلم الحساب القبطي والزنجي وعلم عقد الأصابع
الثاني : علم الجومطريا وهو علم الهندسة بالبراهين المذكورة في إقليدس ومنها علمية وعملية وتحتها علم المساحة وعلم التكسير وعلم رفع الأثقال وعلم الحيل المائية والهوائية والمناظر والحزب
الثالث : علم الإسطرلاب قوميا وهو : علم النجوم بالبراهين المذكورة في المجسطي وتحت علم الهيئة والميقات والزيج والتحويل
الرابع : علم الموسيقى وتحته علم الإيقاع والعروض
والثاني العلوم المنطقية وهي خمسة أنواع :
الأول : أنولوطيقيا وهو معرفة صناعة الشعر
الثاني : بطوريقا وهو معرفة صناعة الخطب
الثالث : بوطيقيا وهو معرفة صناعة الجدل
الرابع : الولوطيقي وهو معرفة صناعة البرهان
الخامس : سوفسطيقا وهو معرفة المغالطة
والثالث العلوم الطبيعية وهي سبعة أنواع :

(2/414)


الأول : علم المبادئ وهو : معرفة خمسة أشياء لا ينفك عنها جسم وهي : الهيولى والصورة والزمان والمكان والحركة
الثاني : علم السماء والعالم وما فيه
الثالث : علم الكون والفساد
الرابع : علم حوادث الجو
الخامس : علم المعادن
السادس : علم النبات ( 2 / 416 )
السابع : علم الحيوان ويدخل فيه علم الطب وفروعه
الرابع : العلوم الإلهية وهي خمسة أنواع :
الأول : علم الواجب وصفته
الثاني : علم الروحانيات وهي معرفة الجواهر البسيطة العقلية الفعالة التي هي الملائكة
الثالث : العلوم النفسانية وهي معرفة النفوس المتجسدة والأرواح السارية في الأجسام الفلكية والطبيعية من الفلك المحيط إلى مركز الأرض
الرابع : علم السياسات وهي خمسة أنواع علم سياسة النبوة
الثاني : علم سياسة الملك وتحته الفلاحة والرعايا وهو الأول المحتاج إليه في أول الأمر لتأسيس المدن وعلم قود الجيش ومكائد الحرب والبيطرة والبيزرة وآداب الملوك
الرابع : العلم المدني كعلم سياسة العامة وعلم سياسة الخاصة وهي سياسة المنزل
الخامس : علم سياسة الذات وهو علم الأخلاق

(2/415)


فصل في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها
من كلام ابن خلدون رحمه الله وهذا الفصل مهم لأن هذه العلوم عارضة في العمران كثيرة في المدن وضررها في الدين كثير فوجب أن يصدع بشأنها ويكشف عن المعتقد الحق فيها وذلك أن قوما من عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله الحسي منه وما وراء الحسي تدرك ذواته وأحواله بأسبابها وعلل بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية وإن تصحيح العقائد الإيمانية من قبل النظر لا من جهة السمع فإنها بعض من مدارك العقل وهؤلاء يسمون فلاسفة جمع فيلسوف وهو باللسان اليوناني محب الحكمة فبحثوا عن ذلك وشمروا له ( 2 / 417 ) وحوموا على إصابة الغرض منه ووضعوا قانونا يهتدي به العقل في نظره إلى التمييز بين الحق والباطل وسموه بالمنطق
ومحصل ذلك أن النظر الذي يفيد تمييز الحق من الباطل إنما هو للذهن في المعاني المنتزعة من الموجودات الشخصية فيجرد منها أولا صورا منطبقة على جميع الأشخاص كما ينطبق الطابع على جميع النقوش التي ترسمها في طين أو شمع وهذه المجردة من المحسوسات تسمى المعقولات الأوائل ثم تجرد من تلك المعاني الكلية إذا كانت مشتركة مع معاني أخرى وقد تميزت عنها في الذهن فتجرد منها معاني أخرى وهي التي اشتركت بها ثم تجرد ثانيا أن شاركها غيرها وثالثا إلى أن ينتهي التجريد إلى المعاني البسيطة الكلية المنطبقة على جميع المعاني والأشخاص ولا يكون منها تجريد بعد هذا وهي الأجناس العالية
وهذه المجردات كلها من غير المحسوسات هي من حيث تأليف بعضها مع بعض لتحصيل العلوم منها تسمى المعقولات الثواني
فإذا نظر الفكر في هذه المعقولات المجردة وطلب تصور الوجود كما هو فلا بد للذهن من إضافة بعضها إلى بعض ونفي بعضها عن بعض بالبرهان العقلي اليقيني ليحصل تصور الوجود تصورا صحيحا مطابقا إذا كان ذلك بقانون صحيح كما مر وصنف التصديق الذي هو تلك الإضافة والحكم متقدم عندهم على صنف التصور في النهاية والتصور متقدم عليه في البداية والتعليم لأن التصور التام عندهم هو غاية لطلب الإدراك وإنما التصديق وسيلة له وما تسمعه في كتب المنطقيين من تقدم التصور وتوقف التصديق عليه فبمعنى الشعور لا بمعنى العلم التام وهذا هو مذهب كبيرهم أرسطو

(2/416)


ثم يزعمون أن السعادة في إدراك الموجودات كلها في الحس وما وراء الحس بهذا النظر وتلك البراهين
وحاصل مداركهم في الوجود على الجملة وما آلت إليه وهو الذي فرعوا ( 2 / 418 ) عليه قضايا أنظارهم أنهم عثروا أولا على الجسم السفلي بحكم الشهود والحس
ثم ترقى إدراكهم قليلا فشعروا بوجود النفس من قبل الحركة والحس والحيوانات ثم أحسوا من قوى النفس بسلطان العقل ووقف إدراكهم فقضوا على الجسم العالي السماوي بنحو من القضاء على أمر الذات الإنسانية ووجب عندهم أن يكون للفلك نفس وعقل كما للإنسان
ثم أنهوا ذلك نهاية عدد الآحاد وهي العشر تسع مفصلة ذواتها جمل واحد أول مفرد وهو العاشر ويزعمون أن السعادة في إدراك الوجود على هذا النحو من القضاء مع تهذيب النفس وتخلقها بالقضاء وإن ذلك ممكن للإنسان ولو لم يرد شرع لتمييزه بين الفضيلة والرذيلة من الأفعال بمقتضى عقله ونظره وميله إلى المحمود منها واجتنابه للمذموم بفطرته وذلك إذا حصل للنفس حصلت لها البهجة واللذة وإن الجهل بذلك هو الشقاء السرمدي وهذا عندهم هو معنى النعيم والعذاب في الآخرة إلى خبط لهم في تفاصيل ذلك معروف من كلماتهم
وأمام هذه المذاهب الذي حصل مسائلها ودون علمها وسطر حجاجها فيما بلغنا في هذه الأحقاب هو أرسطو المقدوني من أهل مقدونية من بلاد الروم من تلاميذ أفلاطون وهو معلم الإسكندر ويسمونه المعلم الأول على الإطلاق ( 2 / 419 ) ويعنون معلم صناعة المنطق إذ لم تكن قبله مهذبة وهو أول من رتب قانونها واستوفى مسائلها وأحسن بسطها ولقد أحسن في ذلك القانون ما شاء لو تكفل له بقصدهم في الإلهيات

(2/417)


ثم كان من بعده في الإسلام من أخذ بتلك المذاهب واتبع فيها رأيه حذو النعل بالنعل إلا في القليل وذلك أن كتب أولئك المتقدمين لما ترجمها الخلفاء من بني العباس من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي تصفحها كثير من أهل الملة وأخذ من مذاهبهم من أضله الله من منتحلي العلوم وجادلوا عنها واختلفوا في مسائل من تفاريعها
وكان من أشهرهم أبو نصر الفارابي في المائة الرابعة لعهد سيف الدولة . أبو علي بن سينا في المائة الخامسة لعهد نظام الملك من بني بويه بأصبهان وغيرهما
واعلم : إن هذا الرأي الذي ذهبوا إليه باطل بجميع وجوهه فأما إسنادهم الموجودات كلها إلى العقل الأول واكتفائهم به في الترقي إلى الواجب فهو قصور عما وراء ذلك من رتب خلق الله فالوجود أوسع نطاقا من ذلك ويخلق ما لا تعلمون وكأنهم في اقتصارهم على إثبات العقل فقط والغفلة عما وراءه بمثابة الطبيعيين المقتصرين على إثبات الأجسام خاصة المعرضين عن النقل والعقل المعتقدين أنه ليس وراء الجسم في حكمة الله شيء
وأما البراهين التي يزعمونها على مدعياتهم في الموجودات ويعرضوا على مغيار المنطق وقانونه فهي قاصرة وغير وافية بالغرض
أما ما كان منها في الموجودات الجسمانية ويسمونه العلم الطبيعي فوجه ( 2 / 420 ) قصوره أن المطابقة بين تلك النتائج الذهنية التي تستخرج بالحدود والأقيسة كما في زعمهم وبين ما في الخارج غير يقينية لأن تلك أحكام ذهنية كلية عامة

(2/419)


والموجودات الخارجية متشخصة بموادها ولعل في المواد ما يمنع من مطابقة الذهني الكلي للخارجي الشخصي اللهم إلا ما يشهدوا له الحس من ذلك فدليله شهوده لا تلك البراهين فأين اليقين الذي يجدونه فيها وربما يكون تصرف الذهن أيضا في المعقولات الأول المطابقة للشخصيات بالصور الخيالية لا في المعقولات الثواني التي تجريدها في الرتبة الثانية فيكون الحكم حينئذ يقينيا بمثابة المحسوسات إذ المعقولات الأول أقرب إلى مطابقة الخارج لكمال الانطباق فيها فنسلم لهم حينئذ دعاويهم في ذلك إلا أنه ينبغي لنا الإعراض عن النظر فيها إذ هو من ترك المسلم لما لا يعنيه فإن مسائل الطبيعيات لا تهمنا في ديننا ولا معاشنا فوجب علينا تركها
وأما ما كان منها في الموجودات التي وراء الحس وهي الروحانيات ويسمونه العلم الإلهي وعلم ما بعد الطبيعة فإن ذواتها مجهولة رأسا ولا يمكن التوصل إليها ولا البرهان عليها لأن تجريد المعقولات من الموجودات الخارجية الشخصية إنما هو ممكن فيما هو مدرك لها ونحن لا ندرك الذوات الروحانية حتى نجرد منها ماهيات أخرى بحجاب الحس بيننا وبينها فلا يتأتى لنا برهان عليها ولا مدرك لنا في إثبات وجودها على الجملة إلا ما نجده بين جنبينا من أمر النفس الإنسانية وأحوال مداركها وخصوصا في الرؤيا التي هي وجدانية لكل أحد وما وراء ذلك من حقيقتها وصفاتها فأمر غامض لا سبيل إلى الوقوف عليه وقد صرح بذلك محققوهم حيث ذهبوا إلى أن ما لا مادة له لا يمكن البرهان عليه لأن مقدمات البرهان من شرطها أن تكون ذاتية
وقال كبيرهم أفلاطون : إن الإلهيات لا يوصل فيها إلى يقين وإنما يقال فيها بالأحق الأولى يعني الظن وإذا كنا إنما نحصل بعد التعب والنصب على الظن ( 2 / 421 ) فقط فيكفينا الظن الذي كان أولا فأي فائدة لهذه العلوم والاشتغال بها ونحن إنما عنايتنا بتحصيل اليقين فيما وراء الحسن من الموجودات على ما هي عليه بتلك البراهين فقول مزيف مردود وتفسيره أن الإنسان مركب من جزئين :

(2/420)


أحدهما : جسماني والآخر روحاني ممتزج به ولكل واحد من الجزئين مدارك مختصة به والمدرك فيهما واحد وهو الجزء الروحاني يدرك تارة مدارك روحانية وتارة مدارك جسمانية إلا أن المدارك الروحانية يدركها بذاته بغير واسطة والمدارك الجسمانية بواسطة آلات الجسم من الدماغ والحواس
وكل مدرك فله ابتهاج بما يدركه واعتبره بحال الصبي في أول مداركه الجسمانية التي هي بواسطة كيف يبتهج بما يبصره من الضوء وبما يسمعه من الأصوات فلا شك أن الاتبهاج بالإدراك الذي للنفس من ذاتها بغير واسطة يكون أشد وألذ فالنفس الروحانية إذا شعرت بإدراكها الذي لها من ذاتها بغير واسطة حصل لها ابتهاج ولذة لا يعبر عنها وهذا الإدراك لا يحصل بنظر ولا علم وإنما يحصل بكشف حجاب الحس ونسيان المدارك الجسمانية بالجملة والمتصوفة كثيرا ما يعنون بحصول هذا الإدراك للنفس حصول هذه البهجة فيحاولون بالرياضة أمانة القوى الجسمانية ومداركها حتى الفكر من الدماغ ليحصل للنفس إدراكها الذي لها من ذاتها عند زوال الشواغب والموانع الجسمانية فيحصل لهم بهجة ولذة لا يعبر عنها وهذا الذي زعموه بتقدير صحته مسلم لهم وهو مع ذلك غير واف بمقصودهم
فأما قولهم إن البراهين والأدلة العقلية محصلة لهذا النوع من الإدراك والابتهاج عنه فباطل كما رأيته إذ البراهين والأدلة من جملة المدارك الجسمانية لأنها بالقوى الدماغية من الخيال والفكر والذكر
ونحن أول شيء نعني به في تحصيل هذا الإدراك إماتة هذه القوى الدماغية كلها لأنها منازعة له فادحة فيه وتجد الماهر منهم عاكفا على كتاب الشفاء والإشارات والنجاة وتلاخيص ابن رشد ( 2 / 422 ) للقص من تأليف أرسطو وغيره يبعثر أوراقها ويتوثق من براهينها ويلتمس هذا القسط من السعادة فيها ولا يعلم أنه يستكثر بذلك الموانع عنها ومستندهم في ذلك ما ينقلونه عن أرسطو والفارابي وابن سينا أن من حصل له إدراك العقل الفعال واتصل به في حياته فقد حصل حظه من هذه السعادة والعقل الفعال عندهم عبارة عن أول رتبة ينكشف عنها الحس من رتب الروحانيات ويحملون الاتصال بالعقل الفعال على الإدراك العلمي وقد رأيت فساده

(2/421)


وإنما يعني أرسطو وأصحابه بذلك الاتصال والإدراك إدراك النفس الذي لها من ذاتها وبغير واسطة وهو لا يحصل إلا بكشف حجاب الحس
وأما قولهم إن البهجة الناشئة عن هذا الإدراك هي عين السعادة الموعود بها فباطل أيضا لأنا إنما تبين لنا بما قرروه إن وراء الحس مدركا آخر للنفس من غير واسطة وإنها تبتهج بإدراكها ذلك ابتهاجا شديدا وذلك لا يعين لنا أنه عين السعادة الأخروية ولا بد بل هي من جملة الملاذ التي لتلك السعادة
وأما قولهم أن السعادة في إدراك هذه الموجودات على ما هي عليه فقول باطل مبني على ما كنا قدمناه في أصل التوحيد من الأوهام والأغلاط في أن الوجود عند كل مدرك منحصر في مداركه وبينا فساد ذلك وأن الوجود أوسع من أن يحاط به أو يستوفي إدراكه بجمله روحانيا أو جسمانيا
والذي يحصل من جميع ما قررناه من مذاهبهم أن الجزء الروحاني إذا فارق القوى الجسمانية أدرك إدراكا ذاتيا له مختصا بصنف من المدارك وهي الموجودات التي أحاط بها علمنا وليس بعام الإدراك في الموجودات كلها إذ لم تنحصر وأنه يبتهج بذلك النحو من الإدراك ابتهاجا شديدا كما يبتهج الصبي بمداركه الحسية في أول نشرة ومن لنا بعد ذلك بإدراك جميع الموجودات أو بحصول السعادة التي وعدنا به الشارع إن لم نعمل لها هيهات هيهات لما توعدون
وأما قولهم إن الإنسان مستقل بتهذيب نفسه وإصلاحها بملابسة المحمود ( 2 / 423 ) من الخلق ومجانبة المذموم فأمر مبني على أن ابتهاج النفس بإدراكها الذي لها من ذاتها هو عين السعادة الموعود بها لأن الرذائل عائقة للنفس عن تمام إدراكها ذلك بما يحصل لها من الملكات الجسمانية والروحانية فهذا التهذيب الذي توصولنا إلى معرفته إنما نفعه في البهجة الناشئة عن الإدراك الروحاني فقط الذي هو على مقاييس وقوانين

(2/422)


وأما ما وراء ذلك من السعادة التي وعدنا به الشارع على امتثال ما أمر به من الأعمال والأخلاق فأملا يحيط به مدارك المدركين وقد تنبه لذلك زعميهم أبو علي بن سينا فقال في كتاب المبدأ والمعاد ما معناه أن المعاد الروحاني وأحواله هو مما يتوصل إليه بالبراهين العقلية والمقاييس لأنه على نسبة طبيعية محفوظة ووتيرة واحدة قلنا في البراهين عليه سعة
وأما المعاد الجسماني أحواله فلا يمكننا إدراكه بالبرهان لأنه ليس على نسبة واحدة وقد بسطته لنا الشريعة الحقة المحمدية فلينظر فيها ولنرجع في أحواله إليها فهذا العلم كما رأيته غير واف بمقاصدهم التي حوموا عليها مع ما فيه من مخالفة الشرائع وظواهرها وليس له فيما علمنا إلا ثمرة واحدة وهي شحذ الذهن في ترتيب الأدلة والحجاج لتحصيل ملكة الجودة والصواب في البراهين وذلك أن نظم المقاييس وتركيبها على وجه الإحكام والإتقان هو كما شرطوه في صناعتهم المنطقية وقولهم بذلك في علومهم الطبيعية وهم كثيرا ما يستعلمونها في علومهم الحكمية من الطبيعيات والتعاليم وما بعدها فيستولي الناظر فيها بكثرة استعمال البراهين بشروطها على ملكه الإتقان والصواب في الحجاج والاستدلالات لأنها وإن كانت غير وافية بمقصودهم هم فهي أصح ما علمناه من قوانين الأنظار
هذه هي ثمرة هذه الصناعة مع الاطلاع على مذاهب أهل العلم وآرائهم ومضارها ما علمت فليكن الناظر فيها متحرزا جهده من معاطيها فليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشرعيات والإطلاع على التفسير والفقه ولا يكبن أحد عليها وهو خلو عن علوم الملة فقل أن يسلم لذلك من معاطيها والله الموفق ( 2 / 424 ) للصواب وللحق والهادي إليه وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله

(2/423)


قال الغزالي في الإحياء : الفلسفة ليست علما برأسها بل هي أربعة أجزاء
أحدها : الهندسة والحساب وهما مباحان ولا يمنع عنهما إلا من يخاف عليه أن يتجاوز بهما إلى علوم مذمومة فإن أكثر الممارسين لهما قد خرجوا منهما إلى البدع فيصان الضعيف عنهما لا لعينهما خوفا عليه من أن القوي يندب إلى مخالطتهم
قال الثاني : المنطق وهو بحث عن وجه الدليل وشروطه ووجه الحد وشروطه وهما داخلان في علم الكلام
الثالث : الإلهيات وهو بحث عن ذات الله تعالى وصفاته وهو داخل في الكلام أيضا والفلاسفة لم ينفردوا فيها بنمط آخر من العلم بل انفرد بمذاهب بعضها كفر وبعضها بدعة
الرابع : الطبيعيات بعضها مخالف للشرع والدين الحق فهو جهل وليس بعلم حتى يورد في أقسام العلوم وبعضها بحث عن صفات الأجسام وخواصها وكيفية استحالتها وتغييرها وهو شبيه بنظر الأطباء ولا حاجة إليها وإنما حدث ذلك بحدوث البدع إلى آخر ما قال والله أعلم

(2/424)


علم الفلقطيرات

(2/424)


وهو خطوط طويلة عقدت عليها حروف وأشكال أي حلق ودوائر وزعموا أن لها تأثيرات بالخاصة وبعضها مقروء الخطوط
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : وقد خفي علي طريق هذا العلم لمية وانية ولم نر فيه تصنيفا يبين حاله انتهى ( 2 / 425 )
وقال صاحب المفتاح في موضوعاته : وقد رأينا كثيرا منها على الأوراق المتفرقة لكن لم نر فيها تصنيفا مفردا ولم نقف أيضا على كيفية وضعها وما جرينا بها تأثيرا أم لا فبقيت عندنا مجهولة الحال أولا وآخرا انتهى

(2/424)


علم فواصل الآي

(2/425)


قال في ( ( مفتاح السعادة ) ) : الفاصلة : كلمة آخر الآية كقافية الشعر وفقرة السجع
وفرق بين الفواصل ورؤوس الآي بأن الفاصلة هي الكلام المنفصل عما بعده والكلام المنفصل قد يكون رأس آية وقد يكون غيره ورؤوس الآي قد تكون منفصلة وقد لا تكون انتهى
( وفواصل الآيات ) كتاب للطوفي سليمان بن عبد القوي الحنبلي المتوفى سنة سبعمائة وعشرة ( 2 / 426 )

(2/425)


باب القاف

(2/426)


علم القافية

(2/426)


قال في الموضوعات : هو علم يبحث فيه عن تناسب إعجاز البيت وعيوبها
وغرضه تحصيل ملكة إيراد الأبيات على أعجاز متناسبة خالية عن العيوب التي ينفر عنها الطبع السليم على الوجه الذي اعتبره العرب
وغايته الاحتراز عن الخطأ فيه ومباديه مقدمات حاصلة عن تتبع إعجاز أشعار العرب انتهى ومثله في ( ( مدينة العلوم ) )
وقال العلامة ابن الصدر الشرواني في الفوائد الخاقانية : هو علم يبحث فيه عن المركبات الموزونة من حيث أواخر أبياتها
واعلم أن الأدباء اختلفوا في تفسير القافية فعند الخليل من آخر حرف في البيت إلى اقرب ساكن إليه مع المتحرك الذي قبل الساكن
وعند الأخفش هي الكلمة الأخيرة من البيت
وعند قطرب الرومي هي الحرف الذي تبنى عليه القصيدة وتنسب إليه فيقال : دالية ولامية فالقافية في قوله ( 2 / 428 ) :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
عند الخليل من الخاء إلى اللام وعند الأخفش هي لفظ حومل وعند قطرب هي اللام انتهى
ومن الكتب المختصرة فيه كتاب ( ( الأيكي ) ) ومن المتوسطة كتاب ( ( المعروف ) ) لابن القطاع الصقيلي ومن المبسوطة كتاب لابن سيده وكتاب ( ( الكافي في علمي العروض والقوافي ) ) في شرح القصيدة الغراء والخريدة الحسناء لصدر الدين الشاوي ولابن عصفور كتاب ( ( جم الفوائد ) ) وما أورده السكاكي في كتاب ( ( المفتاح ) ) كاف وفيه أكثر كتب العروض مذيلة بعلم القوافي

(2/426)


علم القراءة

(2/428)


هو : علم يبحث فيه عن صور ونظم كلام الله تعالى من حيث وجوه الاختلاف المتواترة ومباديه مقدمات وتواترية وله أيضا استمداد من العلوم العربية
والغرض : منه تحصيل ملكة ضبطا الاختلافات المتواترة
وفائدته : صون كلام الله تعالى عن تطريق التحريف والتغيير وقد يبحث أيضا عن صور نظم الكلام من حيث اختلافات الغير المتواترة الواصلة إلى حد الشهرة
ومباديه مقدمات مشهورة أو مروية عن الآحاد الموثوق بهم ذكره صاحب ( ( مفتاح السعادة ) ) ومثله في ( ( مدينة العلوم ) ) ( 2 / 429 )
وقال : وأشهر الكتب في هذا الفن القصيدة اللامية للشيخ أبي القاسم بن فيرة الشاطبي ومعناه بلغة عجم الأندلس الجديد
وشاطبة : قرية قريبة من أندلس
ولد رحمه الله أعمى وله قصيدة رائية ضمنها رسوم المصحف وهي أخت القصيدة المذكورة في الشهرة ونباهة الشأن ولها شروح منها لأبي الحسن السخاوي وسماه بفتح الوصيد في شرح القصيد ولأبي إسحاق الجعبري سماه بكنز المعاني وله شرح القصيدة الرائية
ومنها شرح الإمام محمد بن محمد الجزري ولها شروح كثيرة غير هذا بحيث لا يمكن تعدادها ومن أتقن الشروح المذكورة فله غنى عن غيرها
وفي هذا الفن مصنفات غير القصيدة المذكورة منها التيسير
ومنها : النشر في القراءات العشر للجزري وغير ذلك من المختصرات والمطولات انتهى
قال في ( ( كشف الظنون ) ) : قال الجعبري في شرح الشاطبية : واعلم أن القراء اصطلحوا على أن يسموا القراءة باسم الإمام والرواية للأخذ عنه مطلقا والطريق للأخذ عن الرواية فيقال : قراءة نافع رواية قالون طريق أبي نشيط ليعلم منشأ الخلاف فكما أن لكل إمام راو فلكل راو طريق انتهى

(2/428)


قال ابن الجزري في نشره : كان أول إمام معتبر جمع القراءات في كتاب أبو عبيد القاسم بن سلام وجعلها فيما أحسب خمسة وعشرين قراءة مع السبعة مات سنة أربع وعشرين ومائتين انتهى
وقال ابن خلدون : القرآن هو كلام الله تعالى المنزل على نبيه المكتوب بين دفتي المصحف وهو متواتر بين الأمة إلا أن الصحابة رووه عن رسول الله صلى ( 2 / 430 ) الله عليه وسلم على طرق مختلفة في بعض ألفاظه وكيفيات الحروف في أدائها وتنوقل ذلك واشتهر إلى أن استقرت منها سبع طرق معينة تواتر نقلها أيضا بأدائها واختصت بالانتساب إلى من اشتهر بروايتها من الجم الغفير فصارت هذه القراءات السبع أصولا للقراءة
وربما زيد بعد ذلك قراءات أخر لحقت بالسبع إلا أنها عند أئمة القراءة لا تقوى قوتها في النقل وهذه القراءات السبع معروفة في كتبها وقد خالف بعض الناس في تواتر طرقها لأنها عندهم كيفيات للأداء وهو غير منضبط وليس ذلك عندهم بقادح في تواتر القرآن وأباه الأكثر وقالوا بتواترها وقال آخرون بتواتر غير الأداء منها كالمد والتسهيل لعدم الوقوف على كيفيته بالسمع دونت فكتبت فيما كتب من العلوم وصارت صناعة مخصوصة وعلما منفردا وتناقله الناس بالمشرق والأندلس في جيل بعد جيل
إلى أن ملك بشرق الأندلس مجاهد من موالي العامريين واجتهد في تعليمه وعرضه على من كان أئمة القراء بحضرته فكان سهمه في ذلك وافرا واختص مجاهد بعد ذلك بإمارة دانية والجزائر الشرقية فنفقت بها سوق القراء خصوصا فظهر لعهده أبو عمرو الداني وبلغ الغاية فيها وعول الناس عليها وعدلوا عن غيرها واعتمدوا من بينها كتاب التيسير له
ثم ظهر بعد ذلك فيما يليه من العصور والأجيال أبو القاسم ابن فيرة من أهل شاطبة فعمد إلى تهذيب ما دونه أبو عمرو وتلخيصه فنظم ذلك كله في قصيدة لغز فيها أسماء القراء بحروف ( ا ب ج د ) ترتيبا أحكمه ليتيسر عليه ما قصده من الاختصار وليكون أسهل للحفظ الأجل نظمها فاستوعب فيها الفن استيعابا حسنا وعنى الناس بحفظها وتلقينها للولدان المتعلمين وجرى العمل على ذلك في أمصار المغرب والأندلس
وربما أضيف إلى فن القراءات فن الرسم أيضا وهي أوضاع حروف القرآن في المصحف ورسومه الخطية لأن فيه حروفا كثيرة وقع ( 2 / 431 ) رسمها على غير المعروف من قياس الخط كزيادة الياء في بأييد وزيادة الألف في لا أذبحنه ولا أوضعوا والواو في جزاؤ الظلمين وحذف الألفات في مواضع دون أخرى وما رسم فيه من التاءات ممدودا والأصل فيه مربوط على شكل الهاء وغير ذلك

(2/429)


وقد مر تعليل هذا الرسم المصحفي عند الكلام في الخط فلما جاءت هذه المخالفة لأوضاع الخط وقانونه احتيج إلى حصرها فكتب الناس فيها أيضا عند كتبهم في العلوم وانتهت بالمغرب إلى أبي عمرو الداني المذكور فكتب فيها كتاب من أشهرها كتاب المقنع وأخذ به الناس وعولوا فيه ونظمه أبو القاسم الشاطبي في قصيدته المشهورة على روي الراء وولع الناس بحفظها
ثم كثر الخلاف في الرسم في كلمات وحروف أخرى ذكرها أبو داود سليمان بن نجاح من موالي مجاهد في كتبه وهو من تلاميذ أبي عمرو الداني والمشتهر بحمل علومه ورواية كتبه
ثم نقل بعده خلاف آخر فنظم الخراز من المتأخرين بالمغرب أرجوزة أخرى زاد فيها على المقنع خلافا كثيرا وعزاه لناقليه واشتهرت بالمغرب واقتصر الناس على حفظها وهجروا بها كتب أبي داود وأبي عمرو والشاطبي في الرسم والله أعلم

(2/431)


علم القرانات

(2/431)


قال صاحب ( ( مفتاح السعادة ) ) : اعلم أن القرآن هو اجتماع كوكبين أو أكثر الكواكب السبعة السيارة في درجة واحدة من برج واحد ( 2 / 432 )
ويبحث في هذا العلم عن الأحكام الجارية في هذا العالم بسبب قران السبعة كلها أو بعضها في درجة واحدة من برج معين انتهى
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : وزعموا أن لقرانات الكواكب كلها أو بعضها آثارا في عالم الكون والفساد كحدوث طوفان عظيم مثل : طوفان نوح عليه السلام أو تبدل ملة : كبعثة الأنبياء أو تبدل دولة : كغلبة الاسكندر وجنكيز خان وتيمور وأمثال ذلك
وزعموا أن منها ما يكون في كل عشرين سنة ومنها ما يكون في كل مائتين وأربعين سنة ومنها ما يكون في كل سبعمائة وستين سنة ومنها ما يكون في ثلاثة آلاف سنة وثمانية وأربعين سنة مرة
ومنها ما يكون في كل سبعة آلاف سنة مرة والله أعلم بحقيقة الحال فيبحث في هذا العلم عن الأحكام الجارية في هذا العالم بسبب القرانات المذكورة
ولنصير الدين الطوسي تأليف في هذا الباب وكذا الجاماسب الحكيم انتهى
أقول : وفي كتاب حجج الكرامة في آثار القيامة جملة كافية في ضبط حوادث القرانات الخالية فانظر إليه يتسل قلبك

(2/431)


علم قرض الشعر

(2/432)


وهو : علم باحث عن أحوال الكلمات الشعرية لا من حيث الوزن والقافية بل من حيث حسنها وقبحها من حيث أنها شعر
وحاصله تتبع أحوال خاصة بالشعر من حيث الحسن والقبح والجواز ( 2 / 433 ) والامتناع وأمثالها قاله في ( ( مفتاح السعادة ) ) و ( ( مدينة العلوم ) )
قال ابن الصدر في الفوائد : هو معرفة محاسن الشعر ومعائبه كما عاب الصاحب أبا تمام في قوله :
كريم متى أمدحه أمدحه والورى ... معي إذا ما لمته لمته وحدي
حيث قابل المدح باللوم والصواب مقابلته بالذم والهجاء وأيضا عيب على أبي تمام التكرير في أمدحه مع الجمع بين الحاء الهاء وهما من حروف الحلق انتهى . وغرضه تحصيل ملكة إيراد الشعر على تلك الأحوال الخاصة
وغايته الاحتراز عن الخطأ في ذلك الإيراد
ومباديه مقدمات حاصلة من تتبع أشعار الغرب واستحسانات تقبلها الطباع السليم
قال الأرنيقي في المدينة : رأيت كتابا منظوما في هذا العلم وأنا في عنفوان الشباب في زمن اشتغالي بالعلوم الأدبية لكن لم أتذكر اسمه واسم مصنفه في هذا الآن والله المستعان

(2/432)


علم القرعة

(2/433)


وهو : علم يعرف به الاستدلال على الأحوال الحادثة في الاستقبال بكتابة الحروف على شكل من الأشكال ثم يستدل بوقوعه على وقوع المطلوب وهو كالرمل فتعتبر أحواله فيه أيضا لكن دلالاته أضعف من دلالات الرمل والله أعلم ( 2 / 434 )

(2/433)


علم القضاء

(2/434)


هو : علم يبحث فيه عن آداب القضاة في أحوالهم وقضاياهم وفصل الخصومات ونحو ذلك واشهر الكتب فيه كتاب أدب القاضي للخصاف كذا في ( ( مدينة العلوم ) ) قلت : وأحسنها وأجمعها دليلا كتابنا ظفر اللاضي بما يجب في القضاء على القاضي

(2/434)


علم قلع الآثار

(2/434)


وتعريفه من اسمه ظاهر لكنه علم شريف يقتدر به الإنسان على إزالة الأدهان والصموغ والألوان التي يعسر إزالتها عن الثياب ونحوها بأدنى شيء أو أدنى حيلة ويقتدر أيضا على إزالة الخط من الأوراق من غير كشط ولا بقاء أثر فيها وهذا من أعظم الحيل ولا بد من كتمانها إذ يؤول إلى إبطال الصكوك والسجلات وأمثالها
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : دبغ التوت الشامي يزول بورقها وكذا دبغ التوت الحلو يزول بورق التوت الحلو ودبغ العنب الأبيض يزول بالعنب الأسود وبالعكس والآثار المجهولة في الثياب تزول بالنقع في خرء الحمام طول الليل ثم يغسل بكرة بالصابون فإنه ينقلع انتهى

(2/434)


علم قوانين الكتابة

(2/434)


قال أبو الخير في موضوعاته : هو علم يعرف منه كيفية نقش صور الحروف البسائط وكيف يوضع القلم ومن أي جانب يبتدئ في الكتابة وكيف يسهل تصدير تلك الحروف وفيه من المصنفات الباب الواحد من كتاب صبح الأعشى انتهى ومثله في ( ( مدينة العلوم ) ) ( 2 / 435 )
وكتاب صبح الأعشى جعله مؤلفه سبعة أجزاء قال الأرنيقي :
لم يغادر صغيرة ولا كبيرة مما يتعلق بعلم الإنشاء إلا أوردها وزعم أن المنشئ لا بد له من معرفة جميع العلوم والأخبار والأحوال فأتى في كتابه ما أمكن له التعرض انتهى

(2/434)


علم القوافي

(2/435)


قد مر تعريفه في علم القافية

(2/435)


علم قود العساكر والجيوش

(2/435)


هو علم باحث عن ترتيب العساكر ونصب الرؤساء لضبط أحوالهم وتهيئة أرزاقهم وتمييز الشجاع عن الجبان والقوي عن الضعيف
ومن آدابه أن يحسن إلى الأقوياء والشجعان فوق إحسان الضعفاء من الأقران ثم يستميل قلوب الشجعان بأنواع اللطف والإحسان ويهيئ لهم ألبسة الحروب وما يليق بهم من السلاح ثم يأمر كلا منهم بالزهد والصلاح ليفوز بالخير والفلاح ويأمرهم أن لا يظلموا أحدا ولا ينقصوا عهدا ولا يهملوا ركنا من أركان الشريعة فإنه إلى استئصال الدولة ذريعة أي ذريعة ذكره أبو الخير ومثل له مثالا في موضوعاته ومثله في ( ( مدينة العلوم ) )
قال : وفي كتاب الأحكام السلطانية للماوردي ما يكفي في هذا الباب

(2/435)


علم قوس قزح

(2/435)


هو علم باحث عن كيفية حدوثه وسبب حدوثه وسبب استدارته واختلاف
ألوانه وحصوله عقيب الأمطار وطرفي النهار وحصوله في النهار كثيرا وفي ضوء ( 2 / 436 ) القمر في الليل أحيانا وأحكام حدوثه في عالم الكون والفساد إلى غير ذلك من الأحوال ذكره أبو الخير وعده من علم الطبيعي ومثله في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/435)


علم القيافة

(2/436)


هو على قسمين :
قيافة الأثر ويقال لها العيافة وقد مرت
وقيافة البشر وهي المرادة ههنا وهو علم باحث عن كيفية الاستدلال بهيئات أعضاء الشخصين على المشاركة والاتحاد بينهما في النسب والولادة في سائر أحوالهما وأخلاقهما
والاستدلال بهذا الوجه مخصوص ببني مدلج وبني لعب ومن العرب وذلك لمناسبة طبيعة حاصلة فيهم لا يمكن تعلمه
وحكمة الاختصاص تؤول إلى صيانة النسبة النبوية كما قال بعض الحكماء
وخص ذلك بالعرب ليكون سببا لارتداع نسائهم عما يورث خبث الحس وشوب النسب من فساد البذر والزرع وحصول هذا العلم بالحدس والتخمين لا بالاستدلال واليقين والله سبحانه وتعالى أعلم
حكي أن الإمام الشافعي ومحمد بن الحسن رأيا رجلا فقال محمد : أنه نجار
وقال الشافعي : إنه حداد فسألاه عن صنعته فقال : كنت حدادا والآن نجار
وإنما سمي بقيافة البشر لكون صاحبه متتبع بشرات الإنسان وجلوده وأعضاءه وأقدامه
وهذا العلم لا يحصل بالدراسة والتعليم ولهذا لم يصنف فيه
وذكروا أن إقليمون صاحب الفراسة كان يزعم في زمانه أنه يستدل بتركيب الإنسان على أخلاقه فأراد تلامذة بقراط أن يمتحنوه به فصوروا صورة بقراط ثم ( 2 / 437 ) نهضوا بها إليه وكانت يونان تحكم الصورة بحيث تحاكي المصورة من جميع الوجوه في قليل أمرها وكثيره لأنهم كانوا يعظمون الصورة ويعبدونها فلذلك يحكمونها
وكل الأمم تبع لهم في ذلك ولذلك يظهر التقصير من التابعين في التصوير وظهورا بينا فلما حضروا عند إقليمون ووقف على الصورة وتأملها وأمعن النظر فيها قال : هذا رجل يحب الزنا وهو لا يدري من هو فقالوا له : كذبت هذه صورة بقراط فقال : لا بد لعملي أن يصدق فاسألوه فلما رجعوا إليه وأخبروه بما كان قال : صدق إقليمون أنا أحب الزنا ولكن أملك نفسي كذا في تاريخ الحكماء
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : ومبنى هذا العلم ما يثبت في المباحث الطبية من وجود المناسبة والمشابهة بين الولد ووالديه وقد تكون تلك المناسبة في الأمور الظاهرة بحيث يدركها كل أحد وقد يكون في أمور خفية لا يدركها إلا أرباب الكمال
ولهذا اختلف أحوال الناس في هذا العلم كمالا وضعفا إلى حيث لا يشتبه عليه شيء أصلا لسبب كماله في القوتين أي القوة الباصرة والقوة الحافظة اللتين لا يحصل هذا العلم إلا بهما وهذا العلم موجود في قبائل العرب ويندر في غيرهم لأن هذا العلم لا يحصل إلا بالتجارب والمزاولة عليه مددا متطاولة ولهذا لم يقع في هذا العلم تصنيف وإنما هو متوارث ولاهتمام العرب بهذا العلم اختص بهم وتوارثه خلف عن سلف ولهذا لم يوجد في غيرهم انتهى

(2/436)


أقول : وقد اعتبر القيافة الشارع أيضا في بعض الأحكام كما ورد في الصحيح من حديث مجزز الأسلمي أنه دخل فرأى أسامة بن زيد وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامها فنظر إليهما مجزز الأسلمي وقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
وجه إدخال هذا الحديث في كتاب الفرائض الرد على من زعموا أن القائف لا يعتبر به فإن اعتبر قوله فعمل به لزم منه حصول التوارث بين الملحق والملحق به انتهى . وقد بسط القول في ذلك القاضي العلامة محمد بن علي الشوكاني في مؤلفاته فارجع إليها ( 2 / 438 ) ( 2 / 439 )

(2/437)


باب الكاف

(2/438)


باب كتابة التقاويم
هو علم يتعرف به كيفية إثبات ما خرج من حساب الزيج في الأوراق الإثني عشر على وجه خاص وترتيب خاص يعرفه أهل هذا الشأن وبين نصير الدين الطوسي جميع أحوال التقويم ومصطلحاته في رسالة له ورتبها على ثلاثين فصلا

(2/438)


علم الكحالة

(2/438)


هو من فروع علم الطب وهو علم باحث عن حفظ صحة العين وإزالة مرضها وموضوعه عين الإنسان وغرضه ونفعه ظاهران لا يخفيان على المتأمل والكتب التي ألفت فيه كثيرة حسنة
ومنها تذكرة الكحالين وتركيب العين ورسالة الكي وشفاء العيون وكشف الرين في أحوال العين وصور العيون ونتيجة الفكر في أحوال البصر ونور العين والمهذب وغير ذلك ومن الكتب الجديدة التأليف فيه كتاب ( ( ضياء النيرين في مداواة العينين ) ) طبع بمصر ووقفت عليه فوجدته أنفس الكتب في علاج أمراض العين وهو للشيخ العالم الماهر أحمد بن حسن الرشيدي ألفه باسم محمد علي باشا مصر ( 2 / 440 )

(2/438)


علم الكسر والبسط

(2/440)


هو علم بوضع الحروف المقطعة بأن يقطع الإنسان حروف اسم من أسماء الله تعالى ويمزج تلك الحروف مع حروف مطلوبة ويوضع في سطر ثم يعمل على طريقة يعرفها أهلها حتى يغير ترتيب الحروف الموجودة في السطر الأول وفي السطر الثاني ثم وثم إلى أن ينتظم عين السطر الأول فيؤخذ منه أسماء ملائكة ودعوات يشتغل بها حتى يتم مطلوبه قاله صاحب ( ( مفتاح السعادة ) ) ونحوه في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/440)


علم الكشف

(2/440)


لم يزد في الكشف على هذا والظاهر أنه من فروع علم الباطن

(2/440)


علم كشف الدك وإيضاح الشك

(2/440)


قال في ( ( مفتاح السعادة ) ) هو علم تعرف منه الحيل المتعلقة بالصنائع الجزئية
من التجارات وصنعة السمن واللازورد واللعل والياقوت وتغرير الناس في ذلك ولما كان مبناه محرما في الشرع أضربنا عن تفصيله وإن أردت الوقوف عليه فارجع إلى كتاب المختار في كشف الأستار فإنه بالغ في كشف هذه الأسرار انتهى ومثله في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/440)


علم الكلام

(2/440)


قال أبو الخير في الموضوعات : هو علم يقتدر به على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج عليها ودفع الشبه عنها وموضوعه ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته عند المتقدمين . ( 2 / 441 ) وقيل : موضوعه الموجود من حيث هو موجود
وعند المتأخرين موضوعه المعلوم من حيث ما يتعلق به من إثبات العقائد الدينية متعلقا قريبا أو بعيدا أو أرادوا بالدينية المنسوبة إلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم انتهى ملخصا
والكتب المؤلفة فيه كثيرة ذكرها صاحب كشف الظنون
وللسيد الإمام العلامة محمد بن الوزير كتاب ( ترجيح أساليب القرآن لأهل الإيمان على أساليب اليونان ) وبيان ذلك بإجماع الأعيان بأوضح التبيان وكتاب البرهان القاطع في إثبات الصانع وجميع ما جاءت به الشرائع رد في هذين الكتابين على المتكلمين والكلام وأثبت أن جميع مسائل هذا العلم تثبت بالسنة والقرآن ولا يحتاج معهما إلى قوانين المتكلمين وقواعد الكلام وهما نفيسان جدا وما أحسن ما قال الغزالي في ( ( الإحياء ) )

(2/440)


وحاصل ما يشتمل عليه علم الكلام من الأدلة التي ينتفع بها فالقرآن والأخبار مشتملة عليه وما خرج عنهما فهو إما مجادلة مذمومة وهي من البدع وإما مشاغبة بالتعلق بمناقضات الفرق وتطويل بنقل المقالات التي أكثرها ترهات وهذيانات تزدريها الطباع وتمجها الأسماع وبعضها خوض فيما لا يتعلق بالدين ولم يكن شيئا منها مألوفا في العصر الأول وكان الخوض فيه بالكلية من البدع انتهى
قال ابن خلدون : علم الكلام هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة وسر هذه العقائد الإيمانية هو التوحيد فلنقدم هنا لطيفة في برهان عقلي يكشف لنا عن التوحيد على أقرب الطرق والمآخذ ثم نرجع إلى تحقيق علمه وفيما ينظر ويشير إلى حدوثه في الملة وما دعا إلى وضعه
فنقول إن الحوادث في عالم الكائنات سواء كانت من الذوات أو من ( 2 / 442 ) الأفعال البشرية أو الحيوانية فلا بد لها من أسباب متقدمة عليها بها تقع في مستقر العادة وعنها يتم كونه وكل واحد من هذه الأسباب حادث أيضا فلا بد له من أسباب أخر ولا تزال تلك الأسباب مرتقية حتى تنتهي إلى مسبب الأسباب وموجدها وخالقها سبحانه لا إله إلا هو وتلك الأسباب في ارتقائها تتفسح وتتضاعف طولا وعرضا ويحار العقل في إدراكها وتعديدها فإذا لا يحصرها إلا العلم المحيط سيما الأفعال البشرية والحيوانية فإن من جملة أسبابها في الشاهد المقصود والإرادات إذ لا يتم كون الفعل إلا بإرادته والقصد إليه
والقصود والإرادات أمور نفسانية ناشئة في الغالب عن تصورات سابقة يتلو بعضها بعضا وتلك التصورات هي أسباب قصد الفعل وقد تكون أسباب تلك التصورات تصورات أخرى وكل ما يقع في النفس من التصورات مجهول سببه إذ لا يطلع أحد على مبادئ الأمور النفسانية ولا على ترتيبها إنما هي أشياء يلقيها الله في الفكر يتبع بعضها بعضا والإنسان عاجز عن معرفة مباديها وغاياتها وإنما يحيط علما في الغالب بالأسباب التي هي طبيعية ظاهرة يوقع في مداركها على نظام وترتيب لأن لا طبيعة محصورة للنفس وتحت طورها
وأما التصورات فنطاقها أوسع من النفس لأنها للعقل الذي هو فوق طور النفس فلا تدرك الكثير منها فضلا عن الإحاطة بها وتأمل من ذلك حكمة الشارع في نهيه عن النظر إلى الأسباب والوقوف معها فإنه واد يهيم فيه الفكر ولا يحلو منه بطائل ولا يظفر بحقيقة ( قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ) وربما انقطع في وقوفه عن الارتقاء إلى ما فوقه فزلت قدمه وأصبح من الضالين الهالكين نعوذ بالله من الحرمان والخسران المبين
ولا تحسبن أن هذا الوقوف أو الرجوع عنه في قدرتك واختيارك بل هو لون يحصل للنفس وصبغة تستحكم من الخوض في الأسباب على نسبة لا نعلمها إذ لو عملناها لتحرزنا منها فلنتحرز من ذلك بقطع النظر عنها جملة وأيضا فوجه تأثير هذه الأسباب في الكثير من مسبباتها مجهول لأنها ( 2 / 443 ) إنما يوقف عليها بالعادة لاقتران الشاهد بالاستناد إلى الظاهر وحقيقة التأثير وكيفية مجهولة ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) فلذلك أمرنا بقطع النظر عنها وإلغائها جملة والتوجه إلى مسبب الأسباب كلها وفاعلها وموجدها لترسخ صفة التوحيد في النفس على ماعلمنا الشارع الذي هو أعرف بمصالح ديننا وطرق سعادتنا لاطلاعه على ما وراء الحس قال صلى الله عليه وآله وسلم :
( من مات يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة ) فإن وقف عند تلك الأسباب فقد انقطع وحقت عليه كلمة الكفر وإن سبح في بحر النظر والبحث عنها وعن أسبابها وتأثيراتها واحدا بعد واحد فأنا الضامن له أن لا يعود إلا بالخيبة فلذلك نهانا الشارع عن النظر في الأسباب وأمرنا بالتوحيد المطلق ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن كفوا أحد )

(2/441)


ولا تثقن بما يزعم لك الفكر من أنه مقتدر على الإحاطة بالكائنات وأسبابها والوقوف على تفصيل الوجود كله وسفه رأيه في ذلك
واعلم أن الوجود عند كل مدرك في بادئ رأيه منحصر في مداركه لا يعدوها والأمر في نفسه بخلاف ذلك والحق من ورائه ألا ترى الأصم كيف ينحصر الوجود عنده في المحسوسات الأربع والمعقولات ويسقط من الوجود عنده صنف المسموعات
وكذلك الأعمى أيضا يسقط عنده صنف المرئيات
ولولا ما يردهم إلى ذلك تقليد الآباء هذه الأصناف لا بمقتضى فطرتهم وطبيعة إدراكهم ولو سئل الحيوان الأعجم ونطق لوجدناه منكرا للمعقولات وساقطة لديه بالكلية فإذا علمت هذا فلعل هناك ضربا من الإدراك غير مدركاتنا لأن إدراكاتنا مخلوقة محدثة وخلق الله أكبر من خلق الناس والحصر مجهول الوجود أوسع نطاقا من ذلك والله من ورائهم محيط فاتهم إدراكك ومدركاتك في الحصر واتبع ما أمرك الشارع به من اعتقادك وعملك فهو أحرص على سعادتك واعلم بما ينفعك لأنه من طور فوق إدراكك ومن نطاق أوسع من نطاق عقلك وليس ذلك بقادح في العقل ومداركه بل العقل ميزان صحيح فأحكامه يقينية لا كذب فيها غير أنك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد والآخرة وحقيقة النبوة وحقائق الصفات ( 2 / 444 ) الإلهية وكل ما وراء طوره فإن ذلك طمع في محال
ومثال ذلك : مثال رجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب فطمع أن يزن به الجبال وهذا لا يدرك على أن الميزان في أحكامه غير صادق لكن العقل قد يقف عنده ولا يتعدى طوره حتى يكون له أن يحيط بالله وبصفاته فإنه ذرة من ذرات الوجود الحاصل منه وتفطن في هذا الغلط من يقدم العقل على السمع في أمثال هذه القضايا وقصور فهمه واضمحلال رأيه فقد تبين لك الحق من ذلك

(2/443)


إذا تبين ذلك فلعل الأسباب إذا تجاوزت في الارتقاء نطاق إدراكنا ووجودنا خرجت عن أن تكون مدركة فيضل العقل في بيداء الأوهام ويحار وينقطع فإذا التوحيد هو العجز عن إدراك الأسباب وكيفيات تأثيرها وتفويض ذلك إلى خالقها المحيط بها إذ لا فاعل غيره وكلها ترتقي إليه وترجع إلى قدرته وعلمنا به إنما هو من حيث صدورنا عنه وهذا هو معنى ما نقل عن بعض الصديقين العجز عن الإدراك إدراك
ثم إن المعتبر في هذا التوحيد ليس هو الإيمان فقط الذي هو تصديق حكمي فإن ذلك من حديث النفس وإنما الكمال فيه حصول صفة منه تتكيف بها النفس كما أن المطلوب من الأعمال والعبادات أيضا حصول ملكة الطاعات والانقياد وتفريغ القلب عن شواغل ما سوى المعبود حتى ينقلب المريد السالك ربانيا
والفرق بين الحال والعلم في العقائد فرق ما بين القول والاتصاف
وشرحه أن كثيرا من الناس يعلم أن رحمة اليتيم والمسكين قربة إلى الله تعالى مندوب إليها ويقول بذلك ويعترف به ويذكر مأخذه من الشريعة وهو لو رأى يتيما أو مسكينا من أبناء المستضعفين لفر عنه واستنكف أن يباشره فضلا عن التمسح عليه للرحمة وما بعد ذلك من مقامات العطف والحنو والصدقة
فهذا إنما حصل له من رحمة اليتيم مقام العلم ولم يحصل له مقام الحال والاتصاف ومن الناس من يحصل له مع مقام العلم والاعتراف بأن رحمة المسكين قربة إلى الله تعالى مقام آخر ( 2 / 445 ) أعلى من الأول وهو الاتصاف بالرحمة وحصول ملكتها فمتى رأى يتيما أو مسكينا بادر إليه ومسح عليه والتمس الثواب في الشفقة عليه لا يكاد يصبر عن ذلك ولو دفع عنه ثم يتصدق عليه بما حضره من ذات يده وكذا علمك بالتوحيد مع اتصافك وليس الاتصاف ضرورة هو أوثق مبني من العلم الحاصل قبل الاتصاف
وليس الاتصاف بحاصل عن مجرد العلم حتى يقع العمل ويتكرر مرارا غير منحصرة فترسخ الملكة ويحصل الاتصاف بحاصل عن مجرد العلم حتى يقع العمل ويتكرر مرارا غير منحصرة فترسخ الملكة ويحصل الاتصاف والتحقيق ويجيء العلم الثاني النافع في الآخرة فان العلم الأول المجرد عن الاتصاف قليل الجدوى والنفع وهذا علم أكثر النظار والمطلوب إنما هو العلم الحالي الناشئ عن العادة

(2/444)


واعلم أن الكمال عند الشارع في كل ما كلف به إنما هو في هذا فما طلب اعتقاده فالكمال في العلم الثاني الحاصل عن الاتصاف وما طلب عمله من العبادات فالكمال فيها في حصول الاتصاف والتحقق بها ثم إن الإقبال على العبادات والمواظبة عليها هو المحصل لهذه الثمرة الشريفة قال صلى الله عليه وسلم في رأس العبادات :
( جعلت قرة عيني في الصلاة ) فإن الصلاة صارت له صفة وحالا يجد فيها منتهى لذته وقرة عينه وأين هذا من صلاة الناس ومن لهم بها ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) اللهم وفقنا واهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
فقد تبين لك من جميع ما قررنا أن المطلوب في التكاليف كلها حصول ملكة راسخة في النفس يحصل عنها علم اضطراري للنفس هو التوحيد وهو : العقيدة الإيمانية وهو : الذي تحصل به السعادة وإن ذلك سواء في التكاليف القلبية والبدنية ويتفهم منه أن الإيمان الذي هو أصل التكاليف وينبوعها هو بهذه المثابة ذو مراتب ( 2 / 446 ) :
أولها : التصديق القلبي الموافق اللسان
وأعلاها : حصول كيفية من ذلك الاعتقاد القلبي وما يتبعه من العمل مستولية على القلب فيستتبع الخوارج وتندرج في طاعتها جميع التصرفات حتى تنخرط الأفعال كلها في طاعة ذلك التصديق الإيماني
وهذا ارفع مراتب الإيمان وهو الإيمان الكامل الذي لا يقارف المؤمن معه صغير ولا كبيرة إذ حصول الملكة ورسوخها مانع من الانحراف عن مناهجه طرفة عين قال صلى الله عليه وسلم :
( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) وفي حديث هرقل لما سأل أبا سفيان بن حرب عن النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله فقال في أصحابه : هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه ؟ قال : لا قال : وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب
ومعناه : أن ملكة الإيمان إذا استقرت عسر على النفس مخالفتها شأن الملكات إذا استقرت فإنها تحصل بمثابة الجبلة والفطرة وهذه هي المرتبة العالية من الإيمان وهي في المرتبة الثانية من العصمة لأن العصمة واجبة للأنبياء وجوبا سابقا وهذه حاصلة للمؤمنين حصولا تابعا لأعمالهم وتصديقهم

(2/445)


وبهذه الملكة ورسوخها يقع التفاوت في الإيمان كالذي يتلى عليك من أقاويل السلف وفي تراجم البخاري رضي الله عنه في باب الإيمان كثير منه مثل :
أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص وأن الصلاة والصيام من الإيمان وأن تطوع رمضان من الإيمان والحياء من الإيمان والمراد بهذا كله الإيمان الكامل الذي أشرنا إليه وإلى ملكته وهو فعلي
وأما التصديق الذي هو أول مراتبه ومن اعتبروا آخر الأسماء وحمله على هذه الملكة التي هي الإيمان الكامل ظهر له التفاوت وليس ذلك بقادح في اتحاد حقيقته الأولى التي هي التصديق إذ التصديق موجود في جميع رتبه لأنه أقل ما يطلق عليه ( 2 / 447 ) اسم الإيمان وهو المخلص من عهدة الكفر والفيصل بين الكافر والمسلم فلا يجزى أقل منه وهو في نفسه حقيقة واحدة لا تتفاوت وإنما التفاوت في الحال الحاصلة عن الأعمال كما قلناه فافهم
واعلم أن الشارع وصف لنا هذه الإيمان الذي في المرتبة الأولى الذي هو تصديق وعين أمورا مخصوصة كلفنا التصديق بها بقلوبنا واعتقادها في أنفسنا مع الإقرار بألسنتنا وهي العقائد التي تقررت في الدين قال صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإيمان فقال :
( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ) وهذه هي العقائد الإيماينة المقررة في علم الكلام
ولنشر إليها بجملة لتتبين لك حقيقة هذا الفن وكيفية حدوثه فنقول :

(2/446)


اعلم أن الشارع لما أمرنا بالإيمان بهذا الخالق الذي رد الأفعال كلها إليه وأفرده به كما قدمناه وعرفنا أن في هذا الإيمان نجاتنا عند الموت إذا حضرنا لم يعرفنا بكنه حقيقة هذا الخالق المعبود إذ ذاك متعذر على إدراكنا ومن فوق طورنا فكلفنا أولا اعتقاد تنزيهه في ذاته عن مشابهة المخلوقين وإلا لما صح أنه خالق لهم لعدم الفارق على هذا التقديم ثم تنزيهه عن صفات النقص وإلا لشابه المخلوقين ثم توحيده بالاتحاد وإلا لم يتم الخلق للتمانع ثم اعتقاد أنه عالم قادر فبذلك تتم الأفعال شاهد قضيته لكمال الاتحاد والخلق
ومريد وإلا لم يخصص شيء من المخلوقات
ومقدر لكل كائن وإلا فالإرادة حادثة
وأنه يعيدنا بعد الموت
ثم اعتقاد بعثة الرسل لنجاة من شقاء هذا المعاد لاختلاف أحواله بالشقاء والسعادة وعدم معرفتنا بذلك وتمام لطفه بنا في الإيتاء بذلك وبيان الطريقين وأن الجنة للنعيم وجهنم للعذاب
هذه أمهات العقائد الإيمانية معللة بأدلتها العقلية وأدلتها من الكتاب ( 2 / 448 ) والسنة كثيرة وعن تلك الأدلة أخذها السلف وأرشد إليها العلماء وحققتها الأئمة إلا أنه عرض بعد ذلك خلاف في تفاصيل هذه العقائد أكثر مثارها من الآي المتشابهة فدعا ذلك إلى الخصام والتناظر . والاستدلال بالعقل زيادة إلى النقل فحدث بذلك علم الكلام ولنبين لك تفصيل هذا المجمل وذلك
أن القرآن ورد فيه وصف المعبود بالتنزيه المطلق الظاهر الدلالة من غير تأويل في آي كثيرة وهي سلوب كلها وصريحة في بابها فوجب الإيمان بها ووقع في كلام الشارع صلوات الله عليه وكلام الصحابة والتابعين تفسيرها على ظاهرها

(2/447)


ثم وردت في القرآن آي أخر قليلة توهم التشبيه مرة في الذات وأخرى في الصفات
فأما السلف فغلبوا أدلة التنزيه لكثرتها ووضح دلالتها وعلموا استحالة التشبيه وقضوا بأن الآيات من كلام الله فآمنوا بها ولم يتعرضوا لمعناها ببحث ولا تأويل وهذا معنى قول الكثير منهم اقرؤوها كما جاءت أي : آمنوا بأنها من عند الله ولا تتعرضوا لتأويلها ولا تفسيرها لجواز أن تكون ابتلاء فيجب الوقف والإذعان له
وشذ لعصرهم مبتدعة اتبعوا ما تشابه من الآيات وتوغلوا في التشبيه
ففريق أشبهوا في الذات باعتقاد اليد والقدم والوجه عملا بظاهر وردت بذلك فوقعوا في التجسيم الصريح ومخالفة آي التنزيه المطلق التي هي أكثر موارد وأوضح دلالة لأن معقولية الجسم تقتضي النقص والافتقار وتغليب آيات السلوب في التنزيه المطلق الذي هي أكثر موارد وأوضح دلالة أولى من التعلق بظواهر هذه التي لنا عنها غنية
وجمع بين الدليلين بتأويلهم ثم يفرون من شناعة ذلك بقولهم جسم لا كالأجسام وليس ذلك بدافع لأنه قول متناقض وجمع بين نفي وإثبات إن كان بالمعقولية واحدا من الجسم وإن خالفوا بينهما ونفوا المعقولية المتعارفة فقد وافقونا في التنزيه ولم يبق إلا جعلهم لفظ الجسم اسما من أسمائه ( 2 / 449 ) ويتوقف مثله على الأذن
وفريق منهم ذهبوا إلى التشبيه في الصفات كثبات الجبهة والاستواء والنزول والصوت والحرف وأمثال ذلك وآل قولهم إلى التجسيم فنزعوا مثل الأولين إلى قولهم وصوت لا كالأصوات جهة لا كالجهات ونزول لا كالنزول يعنون من الأجسام واندفع ذلك بما اندفع به الأول ولم يبق في هذه الظواهر إلا اعتقادات السلف ومذاهبهم والإيمان بها كما هي لئلا يكر النفي على معانيها بنفيها مع أنها صحيحة ثابتة من القرآن ولهذا تنظر ما تراه في عقيدة الرسالة لابن أبي زيد وكتاب المختصر له وفي كتاب الحافظ ابن عبد البر وغيرهم فإنهم يحومون على هذا المعنى ولا تغمض عينك عن القرائن الدالة على ذلك في غصون كلامهم

(2/448)


ثم لما كثرت العلوم والصنائع وولع الناس بالتدوين والبحث في سائر الأنحاء وألف المتكلمون في التنزيه حدثت بدعة المعتزلة في تعميم هذا التنزيه في آي السلوب
فقضوا بنفي صفات المعاني من العلم والقدرة والإرادة والحياة زائدة على أحكامها لما يلزم على ذلك من تعدد القديم بزعمهم وهو مردود بأن الصفات ليست عين الذات ولا غيرها
وقضوا بنفي السمع والبصر لكونهما من عوارض الأجسام وهو مردود لعدم اشتراط البينة في مدلول هذا اللفظ وإنما هو إدراك المسموع أو المبصر
وقضوا بنفي الكلام لشبه ما في السمع والبصر ولم يعقلوا صفة الكلام التي تقوم بالنفس فقضوا بأن القرآن مخلوق بدعة صرح السلف بخلافها وعظم ضرر هذه البدعة ولقنها بعض الخلفاء عن أئمتهم فحمل الناس عليها وخالفهم أئمة السلف فاستحل لخلافهم أيسار كثير منهم ودماءهم كان ذلك سببا لإنتهاض أهل السنة بالأدلة العقلية على هذه العقائد دفعا في صدور هذه البدع ( 2 / 450 )
وقام بذلك الشيخ أبو الحسن الأشعري ما المتكلمين فوسط بين الطرق ونفي التشبيه وأثبت الصفات المعنوية وقصر التنزيه على ما قصره عليه السلف وشهدت له الأدلة المخصصة لعمومه فأثبت الصفات الأربع المعنوية والسمع والبصر والكلام القائم بالنفس بطريق النقل والعقل ورد على المبتدعة في ذلك كله وتكلم معهم فيما مهدوه لهذه البدع من القول بالصلاح والأصلح والتحسين والتقبيح وكمل العقائد في البعثة وأحوال الجنة والنار والثواب والعقاب وألحق بذلك الكلام في الإمامة لما ظهر حينئذ من بدعة الإمامية من قولهم : أنها من عقائد الإيمان وأنه يجب على النبي تعيينها والخروج عن العهدة في ذلك لمن هي له وكذلك على الأمة
وقصارى أمر الإمامة أنها قضية مصلحية إجماعية لا تلحق بالعقائد فلذلك ألحقوها بمسائل هذا الفن وسموا مجموعة علم الكلام
أما لما فيه من المناظرة على البدع وهي كلام صرف وليست براجعة إلى عمل
وأما لأن سبب وضعه والخوض فيه هو تنازعهم في إثبات الكلام النفسي
وكثر اتباع الشيخ أبي الحسن الأشعري واقتفى طريقته من بعده تلميذه كابن مجاهد وغيره وأخذ عنهم القاضي أبو بكر الباقلاني فتصدر للأمة في طريقتهم وهذبها ووضع المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة والأنظار وذلك مثل إثبات الجوهر الفرد والخلاء وإن العرض لا يقوم بالعرض وأنه لا يبقى زمانين وأمثال ذلك مما تتوقف عليه أدلتهم وجعل هذه القواعد تبعا للعقائد الإيمانية في وجوب اعتقادها لتوقف تلك الأدلة عليها

(2/449)


وإن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول وجملت هذه الطريقة وجاءت من أحسن الفنون النظرية والعلوم الدينية إلا أن صور الأدلة تعتبر بها الأقيسة ولم تكن حينئذ ظاهرة في الملة ولو ظهر منها بعض الشيء فلم يأخذ به المتكلمون لملابستها للعلوم الفلسفية المباينة للعقائد ( 2 / 451 ) الشرعية بالجملة فكانت مهجورة عندهم لذلك
ثم جاء بعد القاضي أبي بكر الباقلاني إمام الحرمين أبو المعالي فأملى في الطريقة كتاب الشامل وأوسع القول فيه ثم لخصه في كتاب الإرشاد واتخذه الناس إماما لعقائدهم ثم انتشرت من بعد ذلك علوم المنطق في الملة وقرأه الناس وفرقوا بينه وبين العلوم الفلسفية بأنه قانون ومعيار للأدلة فقط يسير به الأدلة منها كما يسير من سواها
ثم نظروا في تلك القواعد والمقدمات في فن الكلام للأقدمين فخالفوا الكثير منها بالبراهين التي أدلت إلى ذلك وربما أن كثيرا منها مقتبس من كلام الفلاسفة في الطبيعيات والإلهيات فلما سيروها لمعيار المنطق ردهم إلى ذلك فيها ولم يعتقدوا بطلان المدلول من بطلان دليله كما صار إليه القاضي فصارت هذه الطريقة من مصطلحهم مباينة للطريقة الأولى وتسمى طريقة المتأخرين وربما أدخلوا فيها الرد على الفلاسفة فيما خالفوا فيه من العقائد الإيمانية وجعلوهم من خصوم العقائد لتناسب الكثير من مذاهب المبتدعة ومذاهبهم
وأول من كتب في طريقة الكلام على هذا المنحى الغزالي رحمه الله وتبعه الإمام ابن الخطيب وجماعة قفوا أثرهم واعتمدوا تقليدهم ثم توغل المتأخرون من بعدهم في مخالطة كتب الفلسفة والتبس عليهم شأن الموضوع في العلمين فحسبوه فيها واحدا من اشتباه المسائل فيهما

(2/450)


واعلم أن المتكلمين لما كانوا يستدلون في أكثر أحوالهم بالكائنات وأحوالها على وجود الباري وصفاته وهو نوع استدلالهم غالبا والجسم الطبيعي ينظر فيه الفيلسوفي في الطبيعيات وهو بعض من هذه الكائنات إلا أن نظره فيها مخالف لنظر المتكلم وهو ينظر في الجسم من حيث يتحرك ويسكن
والمتكلم ينظر فيه من حيث يدل على الفاعل
وكذا نظر الفيلسوفي في الإلهيات إنما هو نظر في الوجود المطلق وما يقتضيه لذاته ( 2 / 452 )
ونظر المتكلم في الوجود من حيث أنه يدل على الموجد وبالجملة فموضوع علم الكلام عند أهله إنما هو العقائد الإيمانية بعد فرضها صحيحة من الشرع من حيث يمكن أن يستدل عليها بالأدلة العقلية فترفع البدع وتزول الشكوك والشبه عن تلك العقائد
وإذا تأملت حال الفن في حدوثه وكيف تدرج كلام الناس فيه صدرا بعد صدر وكلهم يفرض العقائد صحيحة ويستنهض الحجج والأدلة علمت حينئذ ما قررناه لك في موضوع الفن وأنه لا يعدوه
ولقد اختلطت الطريقتان عند هؤلاء المتأخرين والتبست مسائل الكلام بمسائل الفلسفة بحيث لا يتميز أحد الفنين من الآخر ولا يحصل عليه طالبه من كتبهم كما فعله البيضاوي في الطوالع ومن جاء بعده من علماء العجم في جميع تآليفهم إلا أن هذه الطريقة قد يعني بها بعض طلبة العلم للاطلاع على المذاهب والإغراق في معرفة الحجاج لوفور ذلك فيها
وأما محاذاة طريقة السلف بعقائد علم الكلام فإنما هو الطريقة القديمة للمتكلمين وأصلها كتاب الإرشاد وما حذا حذوه
ومن أراد إدخال الرد على الفلاسفة في عقائده فعليه بكتب الغزالي والإمام ابن الخطيب فإنها وإن وقع فيها مخالفة للاصطلاح القديم فليس فيها من الاختلاط في المسائل والالتباس في الموضوع ما في طريقة هؤلاء المتأخرين من بعدم

(2/451)


وعلى الجملة فينبغي أن يعلم أن هذا العلم الذي هو علم الكلام غير ضروري لهذا العهد على طالب العلم إذ الملحدة والمبتدعة قد انقرضوا والأئمة من أهل السنة كفونا شأنهم فيما كتبوا ودونوا والأدلة العقلية إنما احتاجوا إليها حين دافعوا ونصروا وأما الآن فلم يبق منها إلا كلام تنزه الباري عن كثير إيهاماته وإطلاقه
ولقد سئل الجنيد رحمه الله عن قوم مر بهم من المتكلمين يفيضون فيه فقال ( 2 / 453 ) : ما هؤلاء ؟ فقيل : قوم ينزهون الله بالأدلة عن صفات الحدوث وسمات النقص فقال : نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب
لكن فائدته في آحاد الناس وطلبة العلم فائدة معتبرة إذ لا يحسن بحامل السنة الجهل بالحجج النظرية على عقائدها والله تعالى ولي المؤمنين

(2/452)


علم الكون والفساد

(2/453)


هو علم باحث عن كيفية الأمطار والثلوج والرعد وأمثالها ووجودها في بعض البلاد دون بعض وفي بعض الأزمان دون آخر وسبب نفع بعضها وضرر الآخر إلى غير ذلك من الأحوال ذكره الأرنيقي في كتابه المسمى ( ( بمدينة العلوم ) )

(2/453)


علم الكهانة

(2/453)


المراد منه مناسبة الأرواح البشرية مع الأرواح المجردة من الجن والشياطين والاستعلام بهم عن الأحوال الجزئية الحادثة في عالم الكون والفساد المخصوصة بالمستقبل وأكثر ما يكون في العرب
وقد اشتهر فيهم كاهنان أحدهما : شق والآخر سطيح وقصتهما مشهورة في السير
وقيل كان وجود ذلك في العرب أحد أسباب معجزات النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يخبر به ويحث على اتباعه كما يحكى منهم أخبار مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ولادته المباركة وكونه نبي آخر الزمان وخاتم الأنبياء
وفي هذا الباب حكايات غريبة لا يليق إيرادها بهذا المختصر فمن أراد الإطلاع عليها فعليه بكتب السير والتواريخ ولا سيما كتاب أعلام النبوة للماوردي لكنهم كانوا محرومين بعد بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام من الإطلاع على المغيبات ومحجوبين عنها بغلبة نور النبي صلى الله عليه وسلم حتى ورد في بعض الروايات أنه لا كهانة بعد النبوة

(2/453)


فلا يجوز الآن ( 2 / 454 ) تصديق الكهنة والإصغاء إليهم بل هو من إمارات الكفر والمصدق يكون كافرا لقوله عليه الصلاة والسلام : ( من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد )
لكن المفهوم من كتاب السر المكتوم للفخر الرازي جواز ذلك في الشرع حيث جوز النبي صلى الله عليه وسلم إصابة العين وقال : ( العين حق )
قال الرازي : إن الكهانة على قسمين :
قسم يكون من خواص بعض النفوس فهو ليس بمكتسب
وقسم يكون بالعزائم ودعوة الكواكب والاشتغال بهما فبعض طرقه مذكورة فيه وإن السلوك في هذا الطريق محرم في شريعتنا فعلى ذلك وجب الاحتراز عن تحصيله واكتسابه والقسم الأول داخل في علم العرافة وقد تنبه عليه في محله فلا تغفل
حكي أن السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين حاصر حصنا فصعب عليه فتحها فخرج من ذلك الحصن رجل فقال : لا يمنعكم عن فتحها إلا أصحاب الأوهام والساكنون فيها ولا يمنعهم عن ذلك إلا تشويشهم بما يمنعهم عن توجيه الأوهام من ضروب الطبول المزعجة وغلبات العساكر المقلقة عند طلوع الشمس ففعلوا كما قاله وانفتح لهم الحصن كذا في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/454)


علم كيفية الأرصاد

(2/454)


علم يعرف به كيفية التوصل إلى تحصيل مقادير الحركات الفلكية وأوضاع الأفلاك ومقادير أجرامها وأبعادها بآلات مخصوصة يعرفها أهلها ومنفعته تكميل علم الهيئة وتحصيل الزيجات والاقتدار على تدوينها وحصول عمله بالفعل وكتاب الأرصاد لابن الهيثم يشتمل على نظري هذا الفن ورسالة غياث الدين جمشيد تشتمل على ترتيب الآلات الرصدية ( 2 / 455 )
علم كيفية إنزال القرآن
قال صاحب ( ( مفتاح السعادة ) ) وفي معرفة كيفية إنزاله ثلاثة أقوال :
الأول : وهو الأصح الأشهر أنه نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ثم نزل بعد ذلك منجما في ثلث أو خمس وعشرين سنة على حسب الاختلاف في مدة إقامته بمكة بعد البعثة
الثاني : أنه نزل إلى سماء الدنيا في عشرين ليلة قدرا وثلث وعشرين أو خمس وعشرين في كل ليلة ما يقدر الله إنزاله في كل السنة ثم نزل بعد ذلك منجما في جميع السنة وهذا القول نقله مقاتل وقال به الحليمي والماوردي وذكره فخر الدين الرازي بقوله : ويحتمل ثم توقف هل هذا أولى أو الأول ؟
الثالث : أنه ابتدأ إنزاله ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجما في أوقات مختلفة من سائر الأوقات

(2/454)


واعلم أن العلماء اختلفوا في معنى الإنزال :
فمنهم من قال : هو إظهار القراءة
ومنهم قال : ألهم صلى الله عليه وسلم كلامه وعلم قراءته
ومنهم من قال : يتلقفه الملك من الله تلقفا روحانيا أو يحفظه من اللوح المحفوظ فينزل به إلى الرسول ويلقيه عليه
ومنهم من قال : إن الذين يقولون القرآن معنى قائم بذاته يقولون إنزاله إيجاد الكلمات والحروف الدالة على ذلك المعنى وإثباته في اللوح به
وأما الذين يقولون : إنه اللفظ فإنزاله عندهم مجرد إتيانه في اللوح ثم في المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه اللفظ والمعنى
وثانيها : أن جبرئيل نزل بالمعاني خاصة وأنه صلى الله عليه وسلم علمها وعبر عنها بلغة العرب وتمسك صاحب هذا القول بظاهر قوله تعالى : ( نزل به الروح الأمين على ( 2 / 456 ) قلبك )
وثالثها : أن جبريل ألقى عليه المعنى وأنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب وأن أهل السماء يقرؤونه بالعربية ثم نزل به كذلك انتهى
وفيه أقوال غير ذلك إن أردتها وجدتها في التفاسير و ( ( حواشي ) ) البيضاوي و ( ( الإتقان ) ) للسيوطي رحمهما الله

(2/455)


علم الكيمياء

(2/456)


هو علم يعرف به طرق سلب الخواص من الجواهر المعدنية وجلب خاصية جديدة إليها وإفادتها خواصا لم تكن لها والاعتماد فيه عن أن الفلزات كلها مشتركة في النوعية والاختلاف الظاهر بينها إنما هو باعتبار أمور عرضية يجوز انتقالها
قال الصفدي في شرح لامية العجم : وهذه اللفظة معربة من اللفظ العبراني وأصله كيم يه معناه أنه من الله وذكر الاختلاف في شأنه بامتناعه عنهم
وحاصل ما ذكره أن الناس فيه على طريقتين
فقال : كثير ببطلانه منهم الشيخ الرئيس ابن سينا أبطله بمقدمات من كتاب الشفاء والشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه الله صنف رسالة في إنكاره وصنف يعقوب الكندي أيضا رسالة في إبطاله جعلها مقالتين وكذلك غيرهم لكنهم لم يوردوا شيئا يفيد الظن لامتناعه فضلا عن اليقين بل لم يأتوا إلا بما يفيد الاستبعاد
وذهب آخرون إلى إمكانه منهم الإمام فخر الدين الرازي فإنه في المباحث المشرقية عقد فصلا في بيان إمكانه

(2/456)


والشيخ نجم الدين بن أبي الدر البغدادي رد على الشيخ ابن تيمية وزيف ما قاله في رسالته
ورد أبو بكر محمد بن زكريا الرازي على يعقوب الكندي ردا غير طائل ومؤيد الدين أبو إسماعيل الحسين بن علي المعروف بالطغرائي صنف فيه كتبا منها ( 2 / 457 ) حقائق الإشهادات وبين إثباته ورد على ابن سينا
ثم ذكر الصفدي نبذة من أقوال المثبتين والمنكرين
وقال الشيخ الرئيس : نسلم إمكان صبغ النحاس بصبغ الفضة والفضة بصبغ الذهب وأن يزال عن الرصاص أكثر ما فيه من النقص فأما أن يكون المصبوغ يسلب أو يكسى أما الأول فحال وأما الثاني فلم يظهر إلى إمكانه بعد إذ هذه الأمور المحسوسة يشبه أن لا تكون هي الفصول التي تصير بها هذه الأجساد أنواعا بل هي أعراض ولوازم وفصولها مجهولة وإذا كان الشيء مجهولا كيف يمكن أن يقصد قصد إيجاد أو إفناء
وذكر الإمام حججا أخرى للفلاسفة على امتناعه وأبطل بعد ذلك ما قرره الشيخ وغيره وقرر إمكانه واستدل في الملخص أيضا على إمكانه فقال :
الإمكان العقلي ثابت لأن الأجسام مشتركة الجسمية فوجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على الكل على ما ثبت
وأما الوقوع فلأن انفصال الذهب عن غيره باللون والرزانة وكل واحد منهما يمكن اكتسابه ولا منافاة بينهما نعم الطريق إليه عسير
وحكى أبو بكر بن الصائغ المعروف بابن ماجة الأندلسي في بعض تآليفه عن الشيخ أبي نصر الفارابي أنه قال : قد بين أرسطو في كتابه من المعادن أن صناعة الكيمياء داخلة تحت الإمكان إلا أنها من الممكن الذي يعسر وجوده بالفعل اللهم إلا أن تتفق قرائن يسهل بها الوجود وذلك أنه فحص عنها أولا على طريق الجدل فأثبتها بقياس وأبطلها بقياس على عادته فيما يكثر عناده من الأوضاع ثم أثبتها أخيرا بقياس ألفه من مقدمتين بينهما في أول الكتاب
وهما أن الفلزات واحدة بالنوع والاختلاف الذي بينها ليس في ماهياتها وإنما هو في أعراضها فبعضه في أعراضها الذاتية وبعضه في أعراضها العرضية ( 2 / 458 )
والثانية : أن كل شيئين تحت نوع واحد اختلفا بعرض فإنه يمكن انتقال كل واحد منهما إلى الآخر فإن كان العرض ذاتيا عسر الانتقال وإن كان مفارقا سهل الانتقال والعسير في هذه الصناعة إنما هو لاختلاف أكثر هذه الجواهر في أعراضها الذاتية ويشبه أن يكون الاختلاف الذي بين الذهب والفضة يسير جدا انتهى كلامه

(2/456)


وقال الإمام شمس الدين محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري : إذا أراد المدبر أن يصنع ذهبا نظير ما صنعته الطبيعة من الزيبق والكبريت الظاهرين فيحتاج إلى أربعة أشياء :
كمية كل واحد من ذنيك الجزئين
وكيفيته
ومقدار الحرارة الفاعلة للطبخ
وزمانه وكل واحد منها عسر التحصيل
وأما إن أراد ذلك بأن يدبر دواء وهو المعبر عنه بالإكسير مثلا ويلقيه على الفضة ليمتزج بها ويستقر خالدا حال جميع المعدنيات وخواصها وإن استخرجه بالقياس فمقدماته مجهولة ولا خفاء في عسر ذلك ومشقته انتهى
وقال الصفدي : زعم الطبيعون في علة كون الذهب في المعدن إن الزيبق لما كمل طبخه جذبه إليه كبريت المعدن فاجنه في جوفه لئلا يسيل سيلان الرطوبات فلما اختلطا واتحدا وزالت الحرارة الفاعلة للطبخ وزمان تكون الذهب وكل منهما عسر التحصيل
وأما إن أراد ذلك بأن يدبر دواء وهو المعبر عنه بالإكسير مثلا ويلقيه على الفضة في طبخها ونضجها انعقد من ذلك ضروب المعادن فإن كان الزئبق صافيا والكبريت نقيا واختلطت أجزاؤهما على النسبة وكانت حرارة المعدن معتدلة لم يعرض لها عارض من البرد واليبس ولا من الملوحات والمرارت والحموضات ( 2 / 459 ) انعقد من ذلك على طول الزمان الذهب الإبريز
وهذا المعدن لا يتكون إلا في البراري الرملة والأحجار الرخوة ومراعاة الإنسان النار في عمل الذهب بيده على مثل هذا النظام مما تشق معرفة الطريق إليه والوصول إلى غايته :
فيا دارها بالخيف إن مزراها ... قريب ولكن دون ذلك أهوال
وذكر يعقوب الكندي في رسالته : تعذر فعلل الناس لما انفردت الطبيعة بفعله وخداع أهل هذه الصناعة وجهلهم وبطل دعوى الذين يدعون صنعة الذهب والفضة
قال المنكرون : لو كان الذهب الصباغي مثلا للذهب الطبيعي لكان ما بالصناعة مثلا لما بالطبيعة ولو جاز ذلك لجاز أن يكون ما بالطبيعة مثلا لما بالصناعة فكنا نجد سيفا أو سريرا أو خاتما بالطبيعة وذلك باطل
وقالوا أيضا : الجواهر الصابغة إما أن تكون أصبر على النار من المصبوغ أو يكون المصبوغ أصبر أو تكونا متساويين
فإن كان الصابغ أصبر وجب أن يكون المصبوغ أصبر ووجب أن يفنى الصابغ ويبقى المصبوغ على حاله الأول عريا من الصبغ
وإن تساويا في الصبر على النار فهما من جنس واحد لاستوائهما في المصابرة عليها فلا يكون أحدهما صابغا ولا مصبوغا وهذه الحجة الثانية من أقوى حجج المنكرين

(2/458)


والجواب من المثبتين عن الأولى : إنا نجد النار تحصل بالقدح واصطكاك الأجرام والريح تحصل بالمراوح وأكواز الفقاع والنوشادر قد تتخذ من الشعر وكذلك كثير من الزاجات ثم بتقدير أن لا يوجد بالطبيعة ما لا يوجد بالصناعة لا يلزمنا الجزم بنفي ذلك ولا يلزمنا من إمكان حصول الأمر الطبعي بالصناعة إمكان ( 2 / 460 ) العكس بل الأمر موقوف على الدليل
وعن الثانية : أنه لا يلزم من استواء الصابغ . والمصبوغ على النار استواؤهما في الماهية لما عرفت أن المختلفين يشتركان في بعض الصفات وفي هذا الجواب نظر
وحكى بعض من أنفق عمره في الطلب أن الطغرائي ألقى المثقال من الإكسير أولا على ستين ألف مثقال من معدن آخر فصار ذهبا ثم أنه ألقى آخر المثقال على ثلاثمائة ألف وأن مر يانس الراهب معلم خالد بن يزيد ألقى المثقال على ألف ألف ومائتي ألف مثقال وقالت مارية القبطية : والله لولا الله لقلت أن المثقال بملأ ما بين الخافقين . والجواب الفصل ما قاله الغزي
كجوهر الكيمياء ليس ترى ... من ناله والأنام في طلبه
وصاحب الشذور من جملة أئمة هذا الفن صرح بأن نهاية الصبغ إلقاء الواحد على الألف في قوله :
فعاد بلطف الحل والعقد جوهرا ... يطاع في النيران واحده الألفا
وزعم بعضهم أن المقامات للحريري وكليلة ودمنة رموز في الكيمياء ويزعمون أن الصناعة مرموزة في صورة البراري وقد كتب بعض من جرب وتعب وأقلقه الجد وظن أن جدها لعب على مصنفات جابر تلميذ إمام جعفر الصادق :
هذا الذي مقاله ... غر الأوائل والأواخر
ما أنت إلا كاسر ... كذب الذي سماك جابر
وكان قد شغل نفسه بطلب الكيمياء فأفنى بذلك عمره
وذكر الصفدي أن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وإمام الحرمين كان كل منهما مغرى به

(2/459)


واعلم أن المعتنين به بعضهم يدبر مجموع الكبريت والزيبق في حر النار ( 2 / 461 ) لتحصل امتزاجات كثيرة في مدة يسيرة لا يحصل في المعدن إلا في زمان طويل وهذا أصعب الطرق لأنه يحتاج إلى عمل شاق
وبعضهم يؤلف المعادن على نسبة أوزان الفلزات وحجمها
وبعضهم يجهل القياس فيحصل لهم الاشتباه والالتباس فيستمدون بالنباتات والجمادات والحيوانات كالشعر والبيض والمرارة وهم لا يهتدون إلى النتيجة
ثم إن الحكماء أشاروا إلى طريقة صنعة الإكسير على طريق الأحاجي والألغاز والتعمية لأن في كتمه مصلحة عامة فلا سبيل إلى الاهتداء بكتبهم والله يهدي من يشاء
قال أبو الأصبع عبد العزيز بن تمام العراقي يشير إلى مكانة الواصل لهذه الحكمة :
فقد ظفرت بما لم يؤته ملك ... لا المنذران ولا كسرى بن ساسان
ولا ابن هند ولا النعمان صاحبه ... ولا ابن ذي يزن في رأس غمدان
قال الجلدكي في شرح المكتسب بعد أن بين انتسابه إلى الشيخ جابر وتحصيله في خدمته : وبالله تعالى أقسم أنه أراد بعد ذلك أن ينقلني عن هذا العلم مرارا عديدة ويورد علي الشكوك يريد لي بذلك الإضلال بعد الهداية ويأبى الله إلا ما أراد
فلما فهمت مراده وعلمت أن الحسد قد داخله مني حصرته في ميدان البحث ومددت إليه سنان اللسان وعجز عن القيام بسيف الدليل ونادى عليه برهان الحق بالإفحام فجنح للسلم وقام واعتنقني وقال :
إنما أردت أن اختبرك وأعلم حقيقة مكان الإدراك منك ولتكن من أهل هذا العلم على حذر ممن يأخذه عنك

(2/460)


واعلم أن من لا مفترض علينا كتمان هذا العلم وتحريم إذاعته لغير المستحق من بني نوعنا وأن لا نكتمه عن أهله لأن وضع الأشياء في محالها من الأمور الواجبة ولأن في إذاعته خراب العالم وفي كتمانه عن أهله تضييع لهم ( 2 / 462 )
وقد رأينا أن الحكمة صارت في زماننا مهدمة البنيان لا سيما وطلبة هذا الزمان من أجهل الحيوان قد اجتمعوا على المحال فإنهم ما بين سوقة وباعة وأصحاب دهاء وشعبذة لا يدرون ما يقولون فأخذوا يتذاكرون الفقر ويذكرون أن الكيمياء غناء الدهر ويأتون على ذلك بزخارف الحكايات ومع ذلك لا يجتمع أحد منهم مع الآخر على رأي واحد ولا يدرون كيف الطلب مع أن حجر القوم لا يعد . وهذه المولدات الثلاث لكن جهالاتهم أوقعتهم في الضلال البعيد ورأينا أنه وجب علينا النصيحة على من طلب الحكمة الإلهية وهذه الصناعة الشريفة الفلسفية فوضعنا لهم كتابنا الموسوم ( ( ببغية الخبير في قانون طلب الإكسير ) ) ثم وضعنا ( ( الشمس المنير في تحقيق الإكسير ) )
وفي هذا الفن رسالة للبخاري ذكر فيها حملة دلائل نقلية وعقلية تبلغ ستة وثلاثين
وفيه أيضا : رسالة ابن سينا المسماة بمرآة العجائب وأول من تكلم في علم الكيمياء ووضع فيها الكتب وبين صنعة الإكسير والميزان ونظر في كتب الفلاسفة من أهل الإسلام خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان
وأول من اشتهر هذا العلم عنه جابر بن حيان الصوفي من تلامذة خالد كما قيل :
حكمة أورثناها جابر ... عن إمام صادق القول وفي
لوصي طاب في تربته ... فهو مسك في تراب النجف
وذلك لأنه وفي لعلي واعترف له بالخلافة وترك الإمارة
واعلم أنه فرقها في كتب كثيرة لكنه أوصل الحق إلى أهله ووضع كل شيء في محله وأوصل من جعله الله سبحانه وتعالى سببا له في الإيصال ولكن اشغلهم بأنواع التدهيش والمحال لحكمة ارتضاها عقله ورأيه بحسب الزمان ومع ذلك فلا يخلو كتاب من كتبه عن فوائد عديدة ( 2 / 463 )
وأما من جاء بعد جابر من حكماء الإسلام مثل مسلمة بن أحمد المجريطي وأبي بكر الرازي وأبي الأصبع بن تمام العراقي والطغرائي والصادق محمد بن أميل التميمي والإمام أبي الحسن علي صاحب الشذور فكل منهم قد اجتهد غاية الاجتهاد في التعلم والجلدكي متأخر عنهم

(2/461)


ثم اعلم أن جماعة من الفلاسفة كالحكيم هرمس وأرسطاطاليس وفيثاغورس لما أرادوا استخراج هذه الصناعة الإلهية جعلوا أنفسهم في مقام الطبيعة فعرفوا بالقوة المنطقية والعلوم التجاربية ما دخل على كل جسم من هذه الأجسام من الحر والبرد واليبوسة وما خالطه أيضا من الأجسام الأخر . فعملوا الحيلة في تنقيص الزائد وتزييد الناقص من الكيفيات الفاعلة والمفعولة والمنفعلة لعلة تلك الأجسام على ما يراد منها بالأكاسير الترابية والحيوانية والنباتية المختلفة في الزمان والمكان وأقاموا التكليس مقام حرق المعادن والتهابها والتسقية مقام التبريد والتجميد والتساوي مقام التجفيف والتشميع مقام الترطيب والتليين والتقطير مقام التجوهر والتفصيل مقام التصفية والتخليص والسحق والتحليل مقام الالتيام والتمزيج والعقد مقام الاتحاد والتمكين واتخذوا جواهر الأصول شيئا واحدا فاعلا فعلا غير منفعل محتويا على تأثيرات مختلفة شديدة القوة نافذة الفعل والتأثير فيما يلاقي من الأجسام بحصول معرفة ذلك بالإلهامات السماوية والقياسات العقلية والحسية
وكذلك فعل أيضا أسقليقندر يونس وأبدروماخس وغيرهم في تراكيب الترياق المعاجين والحبوب والأكحال والمراهم فإنهم قاسوا قوى الأدوية بالنسبة إلى مزاج أبدان البشر والأمراض الغامضة فيها وركبوا من الحار والبارد والرطب واليابس دواء واحدا ينتفع به في المداواة بعد مراعاة الأسباب كما فعل ذي مقراط أيضا في استخراج صنعة إكسير الخمر فإنه نظر أولا في أن الماء لا يقارب الخمر في شيء من القوام والاعتدال لأنه ماء العنب ووجد من خواص الخمر خمسا :
والطعم والرائحة والتفريح والإسكار فأخذ إذ شرع من أول تركيبه ( 2 / 464 ) للأدوية العقاقير الصابغة للماء بلون الخمر ثم المشاكلة في الطعم ثم المعطرة للرائحة ثم المفرحة ثم المسكرة فسحق منها اليابسات وسقاها بالمائعات حتى اتحدت فصارت دواء واحدا يابسا أضيف منه القليل إلى الكثير صبغه انتهى من رسالة أرسطو

(2/463)


قال الجلدكي في نهاية الطب : إن من عادة كل حكيم أن يفرق العلم كله في كتبه كلها ويجعل له من بعض كتبه خواص يشير إليها بالتقدمة على بقية الكتب لما اختصوا به من زيادة العلم
كما خص جابر من جميع كتبه كتابه المسمى ب ( ( الخمسمائة ) )
وكما خص مؤيد الدين من كتبه كتابه المسمى ب ( ( المصابيح والمفاتيح ) )
وكما خص المجريطي كتابه ( ( الرتبة ) )
وكما خص ابن أميل كتابه ( ( المصباح ) )
ثم قال الجلدكي : ومن شروط العالم أن لا يكتم ما علمه الله تعالى من المصالح التي يعود نفعها على الخاص والعام إلا هذه الموهبة فإن الشرط فيها أن لا يظهرها بصريح اللفظ أبدا ولا يعلم بها الملوك لا سيما الذين لا يفهمون
ومن العجب أن المظهر لهذه الموهبة مرصد لحلول البلاء به من عدة وجوه
أحدها : أنه إن أظهرها لم ينم عليه فقد حل به البلاء لأن ما عنده مطلوب الناس جميعا فهو مرصد لحلول البلاء لأنهم يرون انتزاع مطلوبهم من عنده وربما حملهم الحسد على إتلافه إن أظهره للملك يخاف عليه منه فإن الملوك أحوج الناس إلى المال لأن به قوام دولتهم فربما يخيل منه أنه يخرج عنه دولته بقدرته على المال لا سيما ومال الدنيا كله حقير عند الواصل لهذه الموهبة
قال صاحب كنز الحكمة : فأما الواصل إلى حقيقته فلا ينبغي له أن يعترف به لأنه يضره وليس له منفعة البتة في إظهاره وإنما يصل إليه كل عالم بطريق يستخرجها لنفسه إما قريبة وإما بعيدة والإرشاد إنما يكون نحو الطريق العام ( 2 / 465 ) وأما الطريق الخاص فلا يجوز أن يجتمع عليه اثنان اللهم إلا أن يوفق إنسان بسعادة عظيمة وعناية إلهية لأستاذ يلقنه إياها تلقينا وهيهات من ذلك إلا من جهة واحدة لا غير وهو أن يجتمع فيلسوفان أحدهما واصل والآخر طالب ولا يسعه أن يكتمه إياه وهذا أعز من الكبريت الأحمر وطلب الأبلق العقوق . انتهى
ونحن اقتفينا أثر الحكماء في كل ما وضعناه من كتبنا
قال في شرح المكتسب إلا أن كتابنا هذا امتن من كل كتبنا ما خلا الشمس المنير وغاية السرور فإن لكل واحد منهم مزية في العلم والعمل فمن ظفر بهذه الكتب الثلاثة فقط من كتبنا فلعله لا يفوته شيء من تحقيق هذا العلم
والكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة منها حقائق الاستشهادات وشرح المكتسب وبغية الخبير والشمس المنير في تحقيق الإكسير ورسالة للبخاري ومرآة العجائب لابن سينا والتقريب في أسرار التركيب وغاية السرور شرح الشذور والبرهان وكنز الاختصاص والمصباح في علم المفتاح ونهاية الطلب في شرح المكتسب ونتائج الفكرة ومفاتيح الحكمة ومصابيح الرحمة وفردوس الحكمة وكنز الحكمة انتهى . ما في ( ( كشف الظنون ) )
وقد أطال ابن خلدون في بيان علم الكيمياء ثم عقد فصلا في إنكار ثمرتها واستحالة وجودها وما ينشأ من المفاسد عن انتحالها

(2/464)


ثم قال وتحقيق الأمر في ذلك أن الكيمياء إن صح وجودها كما تزعم الحكماء المتكلمون فيها مثل جابر بن حيان ومسلمة بن أحمد المجريطي وأمثالهما فليست من باب الصنائع الطبيعية ولا تتم بأمر صناعي وليس كلامهم فيها من منحى الطبيعيات إنما هو من منحى كلامهم في الأمور السحرية وسائر ( 2 / 466 ) الخوارق وما كان من ذلك للحلاج وغيره وقد ذكر مسلمة في كتاب الغاية ما يشبه ذلك وكلامه فيها في كتاب رتبة الحكيم من هذا المنحى وهذا كلام جابر في رسائله ونحو كلامهم فيه معروف ولا حاجة بنا إلى شرحه
وبالجملة فأمرها عندهم من كليات المواد الخارجة عن حكم الصنائع فكما لا يتدبر ما منه الخشب والحيوان في يوم أو شهر خشبا أو حيوانا فيما عدا مجرى تخليقه كذلك لا يتدبر ذهب من مادة الذهب في يوم ولا شهر ولا يتغير طريق عادته إلا بإرفاد مما وراء عالم الطبائع وعمل الصنائع
فكذلك من طلب الكيمياء طلبا صناعيا ضيع ماله وعمله ويقال لهذا التدبير الصناعي : التدبير العقيم لأن نيلها إن كان صحيحا فهو واقع مما وراء الطبائع والصنائع فهو كالمشي على الماء وامتطاء الهواء والنفوذ في كثائف الأجساد ونحو ذلك من كرامات الأولياء الخارقة للعادة أو مثل تخليق الطير ونحوها من معجزات الأنبياء قال تعالى : ( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني )
وعلى ذلك فسبيل تيسيرها مختلف بحسب حال من يؤتاها فربما أوتيها الصالح ويؤتيها غيره فتكون عنده معارة
وربما أوتيها الصالح ولا يملك إيتاءها فلا تتم في يد غيره ومن هذا الباب يكون عملها سحريا فقد تبين أنها إنما تقع بتأثيرات النفوس وخوارق العادة إما معجزة أو كرامة أو سحرا ولهذا كان كلام الحكماء كلهم فيها ألغاز لا يظفر بحقيقته إلا من خاض لجة من علم السحر واطلع على تصرفات النفس في عالم الطبيعة

(2/465)


وأمور خرق العادة غير منحصرة ولا يقصد أحد إلى تحصيلها والله بما يعملون محيط
وأكثر ما يحمل على التماس هذه الصناعة وانتحالها العجز عن الطرق الطبيعية للمعاش وابتغاؤه من غير وجوهه الطبيعية كالفلاحة والنجارة والصناعة فيستصعب العاجز ابتغاؤه من هذه ويروم الحصول على الكثير من المال دفعة بوجوه غير طبيعية من الكيمياء وغيرها وأكثر من يعني بذلك الفقراء من ( 2 / 467 ) أهل العمران حتى في الحكماء المتكلمين في إنكارها واستحالتها
فإن ابن سينا القائل باستحالتها كان عليه الوزراء فكان من أهل الغنى والثروة
والفارابي القائل بإمكانها كان من أهل الفقر الذين يعوزهم أدنى بلغة من المعاش وأسبابه وهذه تهمة ظاهرة في أنظار النفوس المولعة بطرقها وانتحالها والله الرزاق ذو القوة المتين لا رب سواه
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : إ ن علم الكيمياء كان معجزة لموسى عليه السلام علمه القارون فوقع منه ما وقع ثم ظهر في جبابرة قوم هود وتعاطوا ذلك وبنوا مدينة من ذهب وفضة لم يخلق مثلها في البلاد
وممن اشتهر بالوصول إليه مؤيد الدين الطغرائي يقال : أنه وصل إلى الإكسير وهو الدواء الذي يدبره الحكماء ويلقونه على الجسد حال انفعاله بالذوبان فيحيله كإحالة السم الجسد الوارد عليه لكن إلى الصلاح دون الفساد ويعبرون عن مادة هذا الدواء بالحجر المكرم وربما يقولون حجر موسى لأنه الذي علمه موسى عليه السلام لقارون ويختلف حال هذا الدواء بقدر قوة التدبير وضعفه
يحكى أن واحدا سأل من مشائخ هذا الصنعة أن يعلمه هذا العلم وخدمه على ذلك سنين فقال :
إن من شرط هذه الصنعة تعليمها لأفقر من في البلد فاطلب رجلا لا يكون أفقر منه في البلد حتى نعلمه وأنت تبصرها فطلب مدة مثل ما يقول الأستاذ فوجد رجلا يغسل قميصا له في غاية الرداءة والدرن وهو يغسله بالرمل ولم يقدر على قطعة صابون فقال في نفسه :
لم أر أفقر منه فأخبر الأستاذ فقال : وجدت رجلا حاله وصفته كيت وكيت فقال الأستاذ : والله إن الذي وصفته هو شيخنا جابر بن حيان الذي تعلمت منه هذه الصنعة وبكى
قال إن من خاصية هذه الصنعة إن الواصلين إليها يكونون في غاية الإفلاس
كما نقل عن الإمام الشافعي من طلب المال بالكيمياء أو الإكسير فقد ( 2 / 468 ) أفلس

(2/466)


إلا أنهم يقولون : إن حب الدنانير تفع عن قلب من عرفها ولا يؤثر التعب في تحصيلها على الراحة في تركها حتى قالوا : إن معرفة هذه الصنعة نصف السلوك لأن نصف السلوك رفع محبة الدنيا عن القلب وذلك يحصل بمعرفتها أي : حصول ومن قصد الوصول إلى ذلك بكتبهم وبتعبيراتهم وإشاراتهم فقد صار منخرطا في ( الأخسرين أعمالا الذي ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يسحبون أنهم يحسنون صنعا )
بل الوقوف على ذلك إن كان فبموهبة عظيمة من الملك المنان أو بواسطة الكشف والإلهام من الله ذي الجلال الإكرام أو بإنعام من الواصلين إلى هذا الأمر المكتوم إشفاقا وإحسانا ولا تتمن الوصول إلى ذلك بالجد والاهتمام وإنما نذكر بعضا من كتبه إكمالا للمرام لا إطماعا في الوصول إلى ذلك السول
منها : كتاب جابر بن حيان وتذكرة لابن كمونة
وكتاب ( ( الحكيم ) ) المجريطي
وشرح الفصول لعيون بن المنذر وتصانيف الطغرائي كثيرة في هذا الفن ومعتبرة عند أربابها والكتب والرسائل في هذا الباب كثيرة لكن لا خير في الاستقصاء فيها وإنما التعرض لهذا القدر لئلا يخلو الكتاب عنها بالمرة نسأل الله تعالى خيري الدنيا والآخرة انتهى حاصله . والله أعلم بالصواب ( 2 / 469 )

(2/468)


باب اللام

(2/469)


علم اللدني

(2/469)


هو العلم الذي تعمله العبد من الله تعالى من غير واسطة ملك ونبي بالمشافهة والمشاهدة كما كان الخضر عليه السلام قال تعالى : ( وآتيناه من لدنا علما )
وقيل : هو معرفة ذات الله تعالى وصفاته علما يقينيا من مشاهدة وذوق ببصائر القلوب كذا في مجمع السلوك وهكذا في كشاف اصطلاحات الفنون

(2/469)


علم اللغة

(2/469)


هو : علم باحث عن مدلولات جواهر المفردات وهيئاتها الجزئية التي وضعت تلك الجواهر معها لتلك المدلولات بالوضع الشخصي وعما حصل من تركيب كل جوهر وهيئاتها من حيث الوضع والدلالة على المعاني الجزئية
وغايته : الاحتراز عن الخطأ في فهم المعاني الوضعية والوقوف على ما يفهم من كلمات العرب
ومنفعته : الإحاطة بهذه المعلومات وطلاقة العبارة وجزالتها والتمكن من التفنن في الكلام وإيضاح المعاني بالبيانات الفصيحة والأقوال البليغة ( 2 / 470 )
فإن قيل : علم اللغة عبارة عن تعريفات لفظية والتعريف من المطالب التصورية وحقيقة كل علم مسائله وهي قضايا كلية أو التصديقات بها وأيا ما كان فهي من المطالب التصديقية فلا تكون اللغة علما
أجيب : بأن التعريف اللفظي لا يقصد به تحصيل صورة غير حاصلة كما في سائر التعاريف من الحدود والرسوم الحقيقية أو الاسمية بل المقصود من التعريف اللفظي : تعيين صورة من بين الصور الحاصلة ليلتفت إليه ويعلم أنه موضوع له اللفظ فما له إلى التصديق بأن هذا اللفظ موضوع بإزاء ذلك المعنى فهو من المطالب التصديقية
لكن يبقى أنه حينئذ يكون علم اللغة عبارة عن قضايا شخصية حكم فيها على الألفاظ المعينة المشخصة بأنها وضعت بإزاء المعنى الفلاني والمسئلة لا بد وأن تكون قضية كلية

(2/469)


واعلم : أن مقصد علم اللغة مبني على أسلوبين :
لأن منهم : من يذهب من جانب اللفظ إلى المعنى بأن يسمع لفظا ويطلب معناه
ومنهم : من يذهب من جانب المعنى إلى اللفظ فلكل من الطريقين قد وضعوا كتبا ليصل كل إلى مبتغاه إذ لا ينفعه ما وضع في الباب الآخر
فمن وضع بالاعتبار الأول فطريقه ترتيب حروف التهجي
إما باعتبار أواخرها أبوابا وباعتبار أوائلها فصولا تسهيلا للظفر بالمقصود كما اختاره الجوهري في الصحاح ومجد الدين في القاموس
وإما بالعكس أي : باعتبار أوائلها أبوابا واعتبار أواخرها فصولا كما اختاره ابن فارس في المجمل والمطرزي في المغرب
ومن وضع بالاعتبار الثاني فالطريق إليه أن يجمع الأجناس بحسب المعاني ويجعل لكل جنس بابا كما اختاره الزمخشري في قسم الأسماء من مقدمة الأدب
ثم إن اختلاف الهمم قد أوجب أحداث طرق شتى ( 2 / 471 )
فمن واحد أدى رأيه إلى أن يفرد لغات القرآن
ومن آخر إلى أن يفرد غريب الحديث
وآخر إلى أن يفرد لغات الفقه كالمطرزي في المغرب
وأن يفرد اللغات الواقعة في أشعار العرب وقصائدهم وما يجري مجراها كنظام الغريب والمقصود هو الإرشاد عند مساس أنواع الحاجات

(2/470)


والكتب المؤلفة في اللغة كثيرة ذكرها صاحب كشف الظنون على ترتيب حروف الهجاء وألفت كتابا في أصول اللغة سميته ( ( البلغة ) ) وذكرت فيه كل كتاب ألف في هذا العلم إلى زمني هذا وذكر صاحب ( ( مدينة العلوم ) ) كتاب في هذا العلم وأورد لكل كتاب ترجمة مؤلفه وبسط فيها فليراجعه
قال ابن خلدون : علم اللغة هو بيان الموضوعات اللغوية
وذلك أنه لما فسدت ملكة اللسان العربي في الحركات المسماة عند أهل النحو بالإعراب واستنبطت القوانين لحفظها كما قلناه ثم استمر ذلك الفساد بملابسة العجم ومخالطتهم حتى تأدى الفساد إلى موضوعات الألفاظ فاستعمل كثير من كلام العرب في غير موضوعه عندهم ميلا مع هجنة المتعربين في اصطلاحاتهم المخالفة لصريح العربية
فاحتيج إلى حفظ الموضوعات اللغوية بالكتاب والتدوين خشية الدروس وما ينشأ عنه من الجهل بالقرآن والحديث فشمر كثير من أئمة اللسان لذلك وأملوا فيه الدواوين وكان سابق الحلبة في ذلك الخليل بن أحمد الفراهيدي ألف فيها كتاب العين فحصر فيه مركبات حروف المعجم كلها من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي وهو غاية ما ينتهي إليه التركيب في اللسان العربي وتأتي له حصر ذلك بوجوه عددية حاصرة
وذلك أن جملة الكلمات الثنائية تخرج من جميع الأعداد على التوالي من واحد إلى سبعة وعشرين وهو دون نهاية حروف المعجم بواحد لأن الحرف الواحد منها يؤخذ مع كل واحد من السبعة والعشرين فتكون سبعة وعشرين كلمة ( 2 / 472 ) ثنائية ثم يؤخذ الثاني مع الستة والعشرين كذلك ثم الثالث والرابع ثم يؤخذ السابع والعشرون مع الثامن والعشرين فيكون واحدا فتكون كلها أعدادا على توالي العدد من واحد إلى سبعة وعشرين

(2/471)


فتجمع كما هي بالعلم المعروف عند أهل الحساب ثم تضاعف لأجل قلب الثنائي لأن التقديم والتأخير بين الحروف معتبر في التركيب فيكون الخارج جملة الثنائيات وتخرج الثلاثيات من ضرب عدد الثنائيات فيما يجمع من واحد إلى ستة وعشرين لأن كل ثنائية يزيد عليها حرفا فتكون ثلاثية فتكون الثنائية بمنزلة الحرف الواحد مع كل واحد من الحروف الباقية وهي ستة وعشرون حرفا بعد الثنائية فتجمع من واحد إلى ستة وعشرين على توالي العدد ويضرب فيه جملة الثنائيات ثم يضرب الخارج في ستة جملة مقلوبات الكلمة الثلاثية فيخرج مجموع تراكيبها من حروف المعجم
وكذلك في الرباعي والخماسي فانحصرت له التراكيب بهذا الوجه ورتب أبوابه على حروف المعجم بالترتيب المتعارف
واعتمد فيه ترتيب المخارج فبدأ بحروف الحلق ثم ما بعده من حروف الحنك ثم الأضراس ثم الشفة وجعل حروف العلة آخرا وهي : الحروف الهوائية
وبدأ من حروف الحلق بالعين لأنه الأقصى منها فلذلك سمى كتابه بالعين لأن المتقدمين كانوا يذهبون في تسمية دواوينهم إلى مثل هذا وهو تسمية بأول ما يقع فيه من الكلمات والألفاظ ثم بين المهمل منها من المستعمل وكان المهمل في الرباعي والخماسي أكثر لقلة استعمال العرب له لثقله تلحق به الثنائي لقلة دورانه وكان الاستعمال في الثلاثي أغلب فكانت أوضاعه أكثر لدورانه
وضمن الخليل ذلك في كتاب ( ( العين ) ) واستوعبه أحسن استيعاب وأوعاه

(2/472)


وجاء أبو بكر الزبيدي وكتب لهشام المؤيد بالأندلس في المائة الرابعة فاختصر مع المحافظة على الاستيعاب وحذف منه المهمل كله وكثيرا من شواهد المستعمل ( 2 / 473 ) ولخصه للحفظ أحسن تلخيص
وألف الجوهري من المشارقة كتاب الصحاح على الترتيب المتعارف لحروف المعجم فجعل البداءة منها بالهمزة وجعل الترجمة بالحروف على الحرف الأخير من الكلمة لاضطرار الناس في الأكثر إلى أواخر الكلم وحصر اللغة اقتداء بحصر الخليل
ثم ألف فيها من الأندلسيين ابن سيدة من أهل دانية في دولة علي بن مجاهد كتاب المحكم على ذلك المنحى من الاستيعاب وعلى نحو ترتيب كتاب العين وزاد فيه التعرض لاشتقاقات الكلم وتصاريفها فجاء من أحسن الدواوين
ولخصه محمد بن أبي الحسن صاحب المستنصر من ملوك الدولة الحفصية بتونس وقلب ترتيبه إلى ترتيب كتاب الصحاح في اعتبار أواخر الكلم وبناء التراجم عليها فكانا توأمي رحم وسليلي أبوة
هذه أصول كتب اللغة فيما علمناه
وهناك مختصرات أخرى مختصة بصنف من الكلم مستوعبة لبعض الأبواب أو لكلها إلا أن وجه الحصر فيها خفي ووجه الحصر في تلك جلي من قبل التراكيب كما رأيت
ومن الكتب الموضوعة أيضا في اللغة : كتاب الزمخشري في المجاز بين فيه كل ما تجوزت به العرب من الألفاظ وفيما تجوزت به من المدلولات وهو كتاب شريف الإفادة
ثم لما كانت العرب تضع الشيء على العموم ثم تستعمل في الأمور الخاصة ألفاظا أخرى خاصة بها فرق ذلك عندنا بين الوضع والاستعمال واحتاج إلى فقه في اللغة عزيز المأخذ كما وضع الأبيض بالوضع العام لكل ما فيه بياض ثم اختص ما فيه بياض من الخيل بالأشهب ومن الإنسان بالأزهر ومن الغنم بالأملح حتى صار استعمال الأبيض في هذه كلها لحنا وخروجا عن لسان العرب ( 2 / 474 )

(2/472)


واختص بالتأليف في هذا المنحى الثعالبي وأفرده في كتاب له سماه فقه اللغة وهو من آكد ما يأخذ به اللغوي نفسه أن يحرف استعمال العرب عن مواضعه فليس معرفة الوضع الأول بكاف في التركيب حتى يشهد له استعمال العرب لذلك وأكثر ما يحتاج إلى ذلك الأديب في فني نظمه ونثره حذرا من أن يكثر لحنه في الموضوعات اللغوية في مفرداتها وتراكيبها وهو أشد من اللحن في الإعراب وأفحش
وكذلك ألف بعض المتأخرين في الألفاظ المشتركة وتكفل بحصرها وإن لم يبلغ إلى النهاية في ذلك فهو مستوعب للأكثر
وأما المختصرات الموجودة في هذا الفن المخصوصة بالمتداول من اللغة الكثير الاستعمال تسهيلا لحفظها على الطالب فكثيرة مثل : الألفاظ لابن السكيت والفصيح لثعلب وغيرهما وبعضها أقل لغة من بعض لاختلاف نظرهم في الأهم على الطالب للحفظ والله الخلاق العليم لا رب سواه انتهى
وذكر في ( ( مدينة العلوم ) ) من المختصرات : كتاب العين للخليل بن أحمد والمنتخب والمجرد لعلي بن حسن المعروف بكراع النمل والمنضد في اللغة المجرد
ومن المتوسطات : المجمل لابن حسن الفارس وديوان الأدب للفارابي
ومن المبسوطات : المعلم لأحمد بن أبان اللغوي والتهذيب والجامع للأزهري والعباب الزاخر للصغاني والمحكم لابن سيدة والصحاح للجوهري واللامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب والقاموس المحيط قال
ومن الكتب الجامعة : لسان العرب جمع فيه بين التهذيب والمحكم والصحاح وحواشيه والجمهرة والنهاية للشيخ محمد بن مكرم بن علي وقيل ( 2 / 475 ) : رضوان بن أحمد بن أبي القاسم
ومن المختصرات : السامي في الأسامي للميداني والدستور ومرقاة الأدب والمغرب في لغة الفقهيات خاصة للمطرزي ومختصر الإصلاح لابن السكيت وكتاب طلبة الطلبة لنجم الدين أبي حفص عمر بن محمد ويختص بالفقهيات

(2/474)


ومما يختص بغريب الحديث : نهاية الجزري والغريبين جمع فيه وبين غريب الحديث والقرآن
ومنهم من أفرد اللغات الواقعة في أشعار العرب وقصائدهم إلى غير ذلك انتهى
وذكر تراجم اللغويين تحت الكتب المذكورة ومن أبسط الكتب في اللغة وأنفعها كتاب تاج العروس في شرح القاموس للسيد مرتضى الزبيدي المصري البلجرامي وبلجرام قصبة بنواحي قنوج موطن هذا العبد الضعيف . وكتاب المصباح ومختار الصحاح
وفي كتابنا البلغة كفاية لمن يريد الإطلاع على كتب هذا العلم ( 2 / 476 ) ( 2 / 477 )

(2/475)


باب الميم

(2/476)


علم مبادي الإنشاء وأدواته

(2/476)


هو علم باحث عما يحتاج إليه المنشي من الخط والعربية والعلوم الشرعية والتواريخ وما يناسب ذلك
وموضوعه وغايته وغرضه ظاهرة للمتدبر
ومن المصنفات في هذا العلم بحيث لا يغادر قليلا ولا كثيرا إلا أحصاه ولا يدع شيئا من المهمات إلا كشف عنها واستقصاها كتاب صبح الأعشى في صناعة الإنشاء للشيخ الإمام العلامة جامع أشتات الفنون أبي العباس أحمد بن علي القلقشيدي الشافعي وهو كتاب نافع في بابه في الغاية
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : ولقد طالعت بعضا منه وانتفعت به لكن لم أقف على ترجمة مصنفه إلا أنه مصري الدار مات في جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثمانمائة عن خمس وستين سنة كذا في تاريخ السخاوي
ومن الكتب النافعة المختصرة فيه كتاب مناظر الإنشاء لمحمود الشهير بخواجه جهان إلا أنه وقع باللسان الفارسي وصاحبه من مشاهير الدنيا كان ذا ثروة ومال عظيم وكان يصل إحسانه من الهند إلى علماء الروم وفضلاء العجم ويقال أنه كان وزيرا في بلاد الهند انتهى ( 2 / 478 )

(2/476)


علم مبادئ الشعر

(2/478)


هو علم باحث عن مقدمات تخييلية يحصل منها الترغيب أو الترهيب وتختلف تلك المقدمات بحسب قوم وقوم
وموضوعه : الشعر من حيث مقدماته المناسبة من تتبع الأمور التخييلية
ومباديه تحصل من تتبع أشعار الناس بحسب قوم وقوم والغرض منه تحصيل ملكة إيراد الكلام الشعري على مواد متناسبة وغايته الاحتراز عن الخطأ فيها وكتاب الشعر من مواد الأقيسة المذكورة في الكتب الحكمية نافع في هذا الباب

(2/478)


علم مبهمات القرآن

(2/478)


قال أبو الخير : اعلم أن علم المبهمات مرجعه النقل المحض لا مجال للرأي فيه قال وللإبهام في القرآن أسباب ثم سرد أسبابه وذكر ستة أسباب
ومبهمات القرآن للسهيلي ولابن عساكر وللقاضي بدر الدين بن جماعة
وللسيوطي فيه تأليف جمع فيه فوائد الكتب المذكورة مع زوائد أخرى كما ذكره في الإتقان

(2/478)


علم متشابه القرآن

(2/478)


أول من صنف فيه الكسائي كما قال السيوطي في ( ( الإتقان ) ) ونظمه السخاوي ومن الكتب المصنفة فيه البرهان : ودرة التنزيل وكشف المعاني وقطف الأزهار وغير ذلك ( 2 / 479 )

(2/478)


علم متن الحديث

(2/479)


المتن ما اكتنف الصلب من الحيوان فمتن كل شيء ما يتقوم به ذلك الشيء فمتن الحديث ألفاظه التي يتقوم بها المعنى

(2/479)


علم المحاضرات

(2/479)


قال أبو الخير في ( ( مفتاح السعادة ) ) : هو علم يحصل منه ملكة إيراد كلام للغير مناسب للمقام من جهة معانيه الوضعية أو من جهة تركيبة الخاص
والغرض منه تحصيل تلك الملكة
وفائدته الاحتراز عن الخطأ في تطبيق كلام منقول عن الغير على ما يقتضيه مقام التخاطب من جهة معانيه الأصلية ومن جهة خصوص ذات التركيب نفسه انتهى
والفرق بينه وبين علم المعاني
إن المعاني تطبيق المكلم كلام على مقتضى الحال وكلام الغير على خواص لائقة بحاله

(2/479)


والمحاضرات : استعمال كلام البلغاء أثناء الكلام في محل مناسب له على طريق الحكاية
وموضوعه وغايته وغرضه ومباديه ظاهرة للمتدبر
ومن الكتب المصنفة فيه : ربيع الأبرار لجار الله الزمخشري
وفنون المحاضرة للراغب الأصفهاني
والتذكرة الحمدونية لأبي المعالي
وريحانة الأدب لابن سعد
والعقد الفريد لابن عبد ربه وهو من الكتب الممتعة حوى من كل ( 2 / 480 ) شيء وقد طبع في هذا الزمان بمصر القاهرة
و ( ( فصل الخطاب ) ) للتيفاشي
و ( ( نثر الدر ) ) للأيلي
و ( ( الأغاني ) ) لابن الفرج الأصفهاني وطبع بمصر أيضا ووقع الاتفاق على أنه لم يعمل في بابه مثله يقال : جمعه في خمسين سنة وحمله إلى سيف الدولة فأعطاه ألف دينار واعتذر إليه
وحكي عن الصاحب بن عباد : أنه كان في أسفاره وتنقلاته يستصحب حمل ثلاثين جملا من الكتب فلما وصل إليه كتاب الأغاني استغنى به عنها
و ( ( السكردان ) ) لابن أبي حجلة وكان حنفي المذاهب حنبلي المعتقد وكان كثير الحط على الاتحادية وصنف كتابا عارض به قصائد ابن فارض كلها نبوية وكان يحط عليه لأنه لم يمدح النبي صلى الله عليه وسلم ويحط على أهل نحلته ويرميه ومن يقول بمقالته ومن يقول بمقالته بالغطائم وقد امتحن بسبب ذلك على يد سراج الدين الهندي وكان يقول الشعر ولا يحسن العروض وجمع مجامع حسنة منها ديوان الصبابة وطبع بمصر

(2/479)


وله مصنفات كثيرة ذكرها في ( ( مدينة العلوم ) ) وحياة الحيوان لكمال الدين الدميري وقد طبع بمصر أيضا ومونس الوحيد للثعالبي ومحاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار لابن عربي الطائي والفتوحات المكية له وضمن فيها غرائب المعارف الكشفية والذوقية وطبع بمصر وسلوان المطاع في عدوان الاتباع لابن ظفر محمد الصقلي المنعوت بحجة الدين وله مصنفات جليلة أخرى وكتاب المحاضرات والمناظرات وكتاب ( ( الإمتاع والموانسة ) ) كلاهما لأبي حيان التوحيدي نسبة إلى نوع من التمر يسمى التوحيد وقال ابن حجر : يحتمل أن ينسب إلى التوحيد الذي هو الدين فإن المعتزلة يسمون أنفسهم أهل التوحيد ( 2 / 481 )
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : بعد ذكر تلك الكتب المذكورة وكتب المحاضرات كثيرة مثل نزهة الأصحاب في معاشرة الأحباب وأوثق المجالس وأنيس المحاضرة والروض الخصيب ومونس الحبيب ونظم السلوك في مسامرة الملوك ونشوان المحاضرات وعجائب الغرائب وترويح الأرواح غير ذلك مما يطول تعدادها انتهى

(2/480)


علم مخارج الألفاظ

(2/481)


لا يخفى أن للألفاظ مخارج تخصها مغايرة لمخارج الحروف يعرفها أهلها ولا يعرف هذين العلمين إلا من أحدهما من أفواه المشائخ وهذا العلم أيضا ربما يجعل من فروع علم الألفاظ

(2/481)


علم مخارج الحروف

(2/481)


وهذا علم يبحث فيه عن أحوال الألفاظ العربية خارجة وإنها من أي موضع تخرج ويبحث عن صفاتها من الجهر والهمس وأمثالهما وقد تقدم في فروع علم الألفاظ لأنه يمكن أن يجعل فرعا لهذين العلمين لكن من جهتين هكذا في ( ( مدينة العلوم ) ) في آخر الكتاب
وقال في ( ( كشف الظنون ) ) : هو من فروع القراءة والتصريف ثم قال في المدينة بموضع آخر ما لفظه : وهو تصحيح مخارج الحروف كيفية وكمية وصفاتها العارضة لها بحسب ما تقتضيه طباع العرب
فموضوعه بسائط الحروف العربية بحسب مخارجها وصفاتها ومباديه بعضها بديهي وبعضها استقرائي
ويستمد من العلم الطبيعي وعلم التشريح
وغرضه تحصيل ملكة إيراد تلك الحروف في المخارج على ما هي عليه في ( 2 / 482 ) لسان العرب
وغايته الأولية الاحتراز عن الخطأ في لفظ كلام العرب بحسب مخارج حروفه وغايته الأخرية القدرة على قراءة القرآن كما أنزل بحسب مخارج حروفها وصفاتها ولقد صنف الشيخ الجزري في هذا العلم أرجوزة هي مقدمة لهذا الفن وعليها شرح لولد المصنف
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : وشرحتها أنا في عنفوان الشباب وانتفع بذلك بحمد الله تعالى كثير من الأحباب ولقد أدرج الشيخ الشاطبي في قصيدته ما فيه كفاية في هذا الفن ولا يرجى المزيد عليها انتهى كلام الأرنيقي رحمه الله تعالى

(2/481)


علم مخارج اللسان

(2/482)


ذكره في الكشف ولم يكشفه

(2/482)


علم المراحيات

(2/482)


هكذا في ( ( كشف الظنون ) )

(2/482)


علم مراكز الأثقال

(2/482)


قال أبو الخير في ( ( مفتاح السعادة ) ) : هو علم يتعرف منه كيفية استخراج مركز ثقل الجسم المحمول والمراد بمركز الثقل حد في الجسم عنده يتعادل بالنسبة إلى الحامل
ومنفعته معرفة كيفية معادلة الأجسام العظيمة بما دونها لتوسط المسافة انتهى
وفيه كتاب لأبي سهيل الكوهي تساهل في مقدمات براهينه ولابن الهيثم في ( 2 / 483 ) كتاب مفيد

(2/482)


علم المرايا المحرقة

(2/483)


قال أبو الخير : هو علم يتعرف منه أحوال الخطوط الشعاعية المنعطفة والمنعكسة والمنكسرة ومواقعها وزواياها ومراجعها وكيفية عمل المرايا المحرقة بانعكاس أشعة الشمس عنها ونصبها وحاذاتها ومنفعته بليغة في محاصرات المدن والقلاع انتهى
ومثله في ( ( كشاف اصطلاحات الفنون ) ) وقد كانت القدماء تعمل المرايا من أسطحة مستوية بعضهم من مقعر كرة إلى أن ظهر ونوقلس وبرهن على أنها : إذا كانت أسطحتها مقعرة بحسب القطع المكاني فإنها تكون في غاية القوة والإحراق وكتاب ابن الهيثم في المرايا المحرقة على هذا الرأي قاله في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/483)


علم المساحة

(2/483)


هكذا في الكشف وأقول : هو من فروع علم الهندسة وهو فن يحتاج إليه في مسح الأرض
ومعناه استخراج مقدار الأرض المعلومة بنسبة شبر أو ذراع أو غيرهما أو نسبة أرض من أرض إذا قويست بمثل ذلك ويحتاج إلى ذلك في توظيف الخراج على المزارع والفدن وبساتين الغراسة وفي قسمة الحوائط والأراضي بين الشركاء أو الورثة وأمثال ذلك وللناس فيها موضوعات حسنة كثيرة والله الموفق للصواب بمنه وكرمه انتهى ما في ابن خلدون ( 2 / 484 )
وعبارة ( ( مدينة العلوم ) ) هكذا هو علم يتعرف منه مقادير الخطوط والسطوح والأجسام بما يقدرها من الخط والمربع والمكعب
ومنفعته جليلة في أمر الخراج وقسمة الأرضيين وتقدير المساكن وغيرها
ومن الكتب المختصرة فيه : كتاب لابن محلي الموصلي
ومن المتوسطة : كتاب لابن المختار وكتاب شميدس انتهى
وهذا العلم متداول اليوم في الناس وأكثرهم علما به النصارى حكام الهند والله تعالى أعلم بالصواب

(2/483)


علم مسالك البلدان والأمصار

(2/484)


علم باحث عن أحوال الطرق الواقعة بين البلاد وإنها برية أو بحرية عامرة أو غامرة سهلية أو جبلية مستقيمة أو منحرفة والعلامات المنصوبة لتلك الطرق من الجبال والتلال وأمثالهما ومعرفة ما في تلك المسالك من المخاوف الحيوانية أو النباتية وأمثال ذلك
ومنفعة هذا العلم لا تخفى على أحد ذكره في ( ( مدينة العلوم ) ) ورأيت فيه كتابا بالفارسي لبعض علماء الهند

(2/484)


علم مسامرة الملوك

(2/484)


هذا من فروع المحاضرات وهو علم باحث عن أحوال يرغب فيها الملوك من القصص والأخبار والمواعظ والعبر والأمثال وغرائب الأقاليم وعجائب البلدان وغير ذلك من الأحوال التي فيها ترغب الملوك والأمراء والرؤساء وأهل الرفاهة والأتراف
ومن الكتب المصنفة فيه سلوان المطاع في عدوان الاتباع لابن ظفر وكتاب مفاكهة الخلفاء وكتاب نظم السلوك في مسامرة الملوك ( 2 / 485 )
وأكثر كتب المحاضرات وافية بهذا المطلب سيما كتاب ( ( حياة الحيوان ) ) ومحاضرات الراغب
وموضوعه وغايته وغرضه ومنفعته ظاهرة للعاقل الذكي

(2/484)


علم مشكل القرآن

(2/485)


هكذا في ( ( كشف الظنون ) )

(2/485)


علم المعادن

(2/485)


أي : معادن الإبريز والجواهر وغير ذلك قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : المعادن سبعمائة معدن وهو علم يتعرف منه أحوال الفلزات من طبائعها وألوانها وكيفية تولدها في المعادن وكيفية استخراجها واستخلاصها عن الأجزاء الأرضية وتفاوت طبائعها وأوزانها وغايته
ومنفعته لا تخفى على أحد حتى العوام والتصانيف فيه كثير ولا أنفع ولا أجمع من تأليف الطوسي

(2/485)


علم المعاد

(2/485)


أي دار الآخرة

(2/485)


علم المعاني

(2/485)


سبق في حرف الباء في علم البيان قال في ( ( مدينة العلوم ) ) ( 2 / 486 ) :
هو تتبع خواص تراكيب الكلام ومعرفة تفاوت المقامات حتى يمكن من الاحتراز عن الخطأ في تطبيق الأولى على الثانية وذلك لأن للتراكيب خواص مناسبة لها يعرفها الأدباء إما بسيلقتهم أو بممارسة علم البلاغة وتلك الخواص بعضها ذوقية وبعضها استحسانية وبعضها توابع ولوزام المعاني الأصلية لكن لزوما معتبرا في عرف البلغاء وإلا لما اختص فهمها بصاحب الفطرة السليمة وكذا مقامات الكلام متفاوتة كمقام الشكر والشكاية والتهنية والتعزية والجد والهزل وغير ذلك من المقامات وكيفية تطبيق الخواص على المقامات تستفاد من علم المعاني ومداره على الاستحسانات العرفية
وموضوعه : التراكيب الخبرية والطلبية من حيث تطبيق خواصها على مقتضى الحال

(2/485)


ومسائله : القواعد التي يتعرف منها أن أي مقام يقتضي أي خاصة من الخواص ومباديه المسائل النحوية واللغوية
وبالجملة المسائل الأدبية كلها ودلائله استقراء تراكيب البلغاء
والغرض منه : تطبيق الكلام على مقتضى الحال
وغايته : الاقتدار على التطبيق المذكور وتمام تفصيل هذا المقام لا يسعه نطاق الكلام
وأما الكتب المصنفة في علم المعاني فلما لم يفرز عن البيان والبديع ذكرناها هناك ولابن الهيثم الجزي كتاب في علم المعاني انتهى
قال في ( ( كشاف اصطلاحات الفنون ) ) : علم المعاني : علم تعرف به أحوال اللفظ العربي التي يطابق بها اللفظ لمتقضى الحال هكذا ذكر الخطيب في التلخيص
والمراد بأحوال اللفظ الأمور العارضة المتغيرة كما يقتضيه لفظ الحال من التقديم والتأخير والتعريف والتنكير وغير ذلك وأحوال الإسناد أيضا ( 2 / 487 ) من أحوال اللفظ باعتبار أن كون الجملة مؤكدة أو غير مؤكدة اعتبار راجع إليها
وموضوعه العلم ليس مطلق اللفظ العربي كما توهمه العبارة بل الكلام من حيث أنه يفيد زوائد المعاني فلو قال : أحوال الكلام العربي لكان أوفق وعرف صاحب المفتاح المعاني بأن تتبع خواص تراكيب الكلام في الإفادة وما يتصل بها من الاستحسان وغيره ليحترز بالوقف عليها عن الخطأ في تطبيق ما يقتضي الحال ذكره والتعريف الأول أخصر وأوضح كما لا يخفى وأيضا التعريف بالتتبع تعريف بالمبائن إذا لنتتبع ليس بعلم ولا صادق عليه وإن شئت التوضيح فارجع إلى المطول والأطول انتهى حاصله

(2/486)


علم المعاملات

(2/487)


من فروع علم الحساب وهو تصريف الحساب في معاملات المدن في البياعات والمساحات والزكوات وسائر ما يعرض فيه العدد من المعاملات يصرف في ذلك صناعتا الحساب في المجهول والمعلوم والكسر والصحيح والجذور وغيرها
والغرض من تكثير المسائل المفروضة فيها حصول المران والدربة بتكرار العمل حتى ترسخ الملكة في صناعة الحساب
ولأهل الصناعة الحسابية من أهل الأندلس تآليف فيها متعددة من أشهرها : معاملات الزهراوي وابن السمح وأبي مسلم بن خلدون من تلاميذ مسلمة المجريطي وأمثالهم

(2/487)


علم المعاملة

(2/487)


هو علم أحوال القلب إما ما يحمد منها كالصبر والشكر والخوف والرضاء والزهد والتقوى والسخاء ومعرفة المنة لله تعالى في جميع الأحوال ( 2 / 488 ) وحسن الظن والصدق والإخلاص . . فمعرفة حقائق هذه الأحوال وحدودها وأسبابها التي بها تكتسب وثمرتها وعلاماتها ومعالجة ما ضعف منها حتى يقوى وما زال حتى يعود من علم الآخرة
وأما ما يذم فخوف الفقر وسخط المقدر والغل والحسد والحقد والغش وطلب العلو وحب الثناء وحب طول البقاء والفخر والخيلاء والتنافس والمباهات والأنفة والعداوة والبغضاء والطمع والبخل والرغبة والبذخ والأشر والبطر وتعظيم الأغنياء والاستهانة بالفقراء إلى غير ذلك مما ذكره الغزالي في الأحياء
فالعلم بحدود هذه الأمور وحقائقها وأسبابها وثمرتها وعلاجها هو علم الآخرة

(2/487)


وهو فرض عين في فتوى علماء الآخرة فالمعرض عنها هالك بسطوة ملك الملوك في الآخرة كما أن العرض عن الأعمال الظاهرة هالك بسيف سلاطين الدنيا بحكم فتوى فقهاءها
ولو سئل فقيه عن معنى هذه المعاني حتى عن الإخلاص مثلا أو عن التوكل أو عن وجه الاحتراز عن الرياء لتوقف فيه مع أنه فرض عينه الذي في إهماله هلاكه في الآخرة
ولو سألته عن اللعان والظهار والسبق والرمي لسرد عليك مجلدات من التفريعات الدقيقة التي تنقضي الدهور ولا يحتاج إلى شيء منها وإن احتيج لم يخل البلد عمن يقوم بها ويكفيه مؤنة التعب فيها فلا يزال يتعب فيها ليلا ونهارا وفي حفظه ودرسه ويغفل عما هو مهم نفسه في الدين هيهات هيهات قد اندرس علم الدين بتلبيس العلماء السوء فالله المستعان وإليه الملاذ في أن يعيذنا من هذا الغرور الذي يسخط الرحمن ويضحك الشيطان ( 2 / 489 )

(2/488)


علم معرفة الأرضي والسماوي

(2/489)


أما الأرضي : فظاهر
وأما السماوي : فما نزل ليلة المعراج كالآيتين من آخر سورة البقرة
قال ابن العربي : إن من القرآن سمائيا وأرضيا وما نزل بين السماء والأرض وما نزل تحت الأرض في الغار
أما الأرضي والسمائي فظاهران
وأما ما نزل بين السماء والأرض فلعله أراد في الفضاء بين السماء والأرض كالتي نزلت ليلة المعراج
وأما ما نزل تحت الأرض في الغار فسورة المرسلات كما في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه

(2/489)


علم معرفة أول ما نزل

(2/489)


والأمر في أحواله ظاهر وفي أول ما نزل أقوال أصحها : ( أنه اقرأ باسم ربك )
وقيل : ( يا أيها المدثر )
والتوفيق أول سورة نزلت المدثر فلا ينافي أن يكون صدر سورة القلم أول ما نزل على الإطلاق والمدثر أول بالنسبة إلى ما بعد فترة الوحي لا مطلقا
وقيل : أول ما نزل سورة الفاتحة وإليه ذهب أكثر المفسرين
وقيل : أول ما نزل بسم الله الرحمن الرحيم
وأما آخر سورة نزلت براءة ( 2 / 490 )
وآخر آية نزلت ( يستفتونك )
وقيل : أنها آخر سورة نزلت في الفرائض
وأما آخر آية نزلت على الإطلاق فقيل : آية الربا وقيل آخر آية نزلت ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ) إلى آخر السورة
وقيل : ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا )

(2/489)


علم معرفة أسماء القرآن وأسماء سوره

(2/490)


اعلم أن الله تعالى سمى القرآن بخمسة وخمسين اسما
أما السور فمنها ما له اسم واحد وهو الأكثر ومنها ما له اسمان وأكثر لأن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى من ذلك الفاتحة ولها نيف وعشرون اسما وتفصيل الأسماء مذكور في كتاب ( ( الإتقان ) ) للسيوطي رحمه الله

(2/490)


علم معرفة الإمالة والفتح وما بينهما

(2/490)


وكذا علم معرفة الإشمام والإدغام والإظهار والإخفاء والإقلاب كل هذه مفصلة في علم القراءة
وكذا علم معرفة المد والقصر
وكذا علم معرفة تخفيف الهمزة وقد أفرد جماعة بالتصنيف في هذه العلوم الثلاثة

(2/490)


علم معرفة آداب تلاوة القرآن وتاليه

(2/490)


أفرده بالتصنيف جماعة منهم النووي في البيان وتلك نيف وثلاثون آدابا ( 2 / 491 )

(2/490)


علم معرفة الاقتباس وما جرى مجراه

(2/491)


حرمه المالكية مطلقا هذا هو المشهور من مذهب مالك إلا أن استعمال القاضي عياض الاقتباس في مواضع من خطبة الشفاء يدل على جوازه وقد يخصص إنكارهم بالنظم دون النثر صرح بذلك القاضي أبو بكر من المالكية فأما قدماء الشافعية فلم يتعرضوا له وكذا أكثر متأخريهم مع شيوع الاقتباس في أعصارهم وأجازه عز الدين بن عبد السلام
قال : بأن حجة الاقتباس ثلاثة أنواع : مقبول ومباح ومردود
فالأول : ما كان في الخطب والمواعظ والعهود
والثاني : ما كان في الغزل والرسائل والقصص
والثالث : على ضربين :
أحدهما : ما نسبه الله إلى نفسه وينقله القائل إلى نفسه فنعوذ بالله
وثانيهما : تضمين آية كلاما فيه معنى الهزل ونعوذ بالله من ذلك

(2/491)


علم معرفة إعرابه

(2/491)


أفرده جماعة بالتصنيف
منهم مكي وكتابه في المشكل خاصة
والحوفي وكتابه أوضحها
وأبو البقاء العكبري وكتابه أشهرها
والسمين وكتابه أجلها على ما فيه من حشو وتطويل ولخصه السفاقسي ( 2 / 492 ) فأوجزه وتفسير أبي حيان مشحون بذلك

(2/491)


علم معرفة الإيجاز والإطناب

(2/492)


وهما من أعظم أنواع البلاغة والتفصيل في علم المعاني مذكور

(2/492)


علم معرفة الآيات المشتبهات

(2/492)


صنف فيه جماعة أولهم الكسائي ونظمه السخاوي وألف في توجيهه الكرماني كتاب البرهان في متشابه القرآن وأحسن من منه درة التنزيل وغرة التأويل لأبي عبد الله الرازي وأحسن من هذا ملاك التأويل لأبي جعفر بن الزبير
وللقاضي بدر الدين بن جماعة كتاب لطيف سماه كشف المعاني عن متشابه المثاني وفي كتاب أسرار التنزيل المسمى بقطف الأزهار في كشف الأسرار والقصد به أسرار القصة الواحدة في صور شتى يعرف ذلك بالتتبع في هذه المؤلفات النفيسة

(2/492)


علم معرفة إعجاز القرآن

(2/492)


صنف فيه خلائق منهم الخطابي والرماني والزملكاني والإمام الرازي وابن سراقة والقاضي أبو بكر الباقلاني قال ابن العربي : ولم يصنف مثل كتابه

(2/492)


علم معرفة أمثال القرآن

(2/492)


والمثل تصور المعاني بصورة الأشخاص وفائدته جمة منها تقرير المراد وتقريبه للعقل وتصويره بصورة المحسوس إلى غير ذلك قال الماوردي : من أعظم علم ( 2 / 493 ) القرآن علم أمثاله والناس في غفلة عنه

(2/492)


علم معرفة أقسام القرآن

(2/493)


صنف فيه ابن القيم رحمه الله مجلدا سماه : ( ( التبيان ) ) والمراد بالقسم تحقيق الخبر وتأكيده والتفصيل في كتاب ( ( الإتقان ) )

(2/493)


علم معرفة أسماء من نزل فيهم القرآن

(2/493)


وأفرده بالتأليف بعض القدماء لكنه وقع غير محرر وكتاب أسباب النزول والمبهمات يغنيان عن ذلك

(2/493)


علم معرفة أفضل القرآن وفاضله

(2/493)


اتفق العلماء على إن جميع سور القرآن وآياته متساوية في الفضيلة من حيث إنها كلام الله تعالى منزلة على رسوله صلى الله عليه وسلم لهداية أمته لكنهم اختلفوا في أن بعضها أفضل من بعض أم لا
ومن القائلين بالأول : إسحاق بن راهويه وأبو بكر بن العربي والغزالي والقرطبي وعز الدين بن عبد السلام وغيرهم
ومن القائلين بالثاني : الإمام أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني وأبو حيان وروي المنع عن مالك وقال ابن عبد البر : السكوت في هذه المسئلة أفضل من الكلام فيها ( 2 / 494 )

(2/493)


علم معرفة بيان الموصول لفظا والمفصول معنى

(2/494)


وهذا العلم من أعظم مهمات الدين قال الله تعالى : ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها )
وساق الآية في قصة آدم وحواء وختمها بقوله : ( جعلا له شركاء فيما أتاهما فتعالى الله عما يشركون ) وآخر الآية مشكل حيث نسب الإشراك إليهما مع أن الإجماع منعقد على أن الأنبياء معصومون من الشرك قبل النبوة وبعدها فظهر أن آخر الآية مفصول عن قصة آدم وحواء نزل آخرها في آلهة العرب كذا قال السدي ولهذا غير نظير في القرآن فلا تغفل

(2/494)


علم معرفة بدائع القرآن

(2/494)


أورد فيها أبو الأصبع نحو مائة نوع وصنف فيه مستقلا فارجع إليه وذكره أهل البيان في أواخر علم البيان أن المتأخرين زادوا عليها شيئا كثيرا وابن الأصبع والسيوطي ذكرا منها ما وجد في القرآن والتفصيل في كتاب ( ( الإتقان ) ) للسيوطي رحمه الله

(2/494)


علم معرفة تشبيه القرآن واستعاراته

(2/494)


وتفسيرهما وأقسامهما مذكورة في علم البيان وكلاهما واقعان في القرآن بحيث لا يرتاب فيه أحد وهما من مراتب البلاغة ولطائفها ولم يذكر في المدينة كتاب في هذا العلم

(2/494)


علم معرفة تفسير القرآن وتأويله وبيان شرفه والحاجة إليه

(2/494)


قد بين معنى التفسير والتأويل والفرق بينهما في علم الأصول وأما شرف ( 2 / 495 ) تفسير القرآن فأظهر من أن يخفى وأما وجه الحاجة إلى التفسير فلأنه لا يمكن لكل عالم أن يفهم معنى القرآن بدون تفسيره

(2/494)


علم معرفة جمعه وترتيبه

(2/495)


قال الحاكم في المستدرك : جمع القرآن ثلاث مرات :
الأول : بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يكتبون في العسب واللخاف والرقاع وقطع الأديم والأكتاف والأضلاع
والثاني : لأبي بكر جمع القرآن في صحف
والثالث : ترتيب السور في زمن عثمان رضي الله عنه فإنه كتب مصاحف بإجماع الصحابة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا أرسل إلى مكة والشام واليمن والبصرة والكوفة والبحرين وحبس بالمدينة واحدا

(2/495)


علم معرفة جدل القرآن

(2/495)


صنف فيه نجم الدين الطوفي قال العلماء : اشتمل القرآن على جميع أنواع البراهين والأدلة إلا أن الوارد في القرآن أوضحها وأقواها لينتفع بها الخاصة والعامة والعدول إلى الدقيق هو للعاجز عن القوي الجلي والله أعلم بالصواب

(2/495)


علم معرفة الحضري والسفري

(2/495)


وموضوعه ونفعه وغايته في غاية الظهور أما أمثلة الحضري فكثيرة وأما أمثلة السفري فقد ضبطوها وارتقت إلى نيف وأربعين استقصاها السيوطي في ( ( الإتقان في علوم القرآن ) ) ( 2 / 496 )

(2/495)


علم معرفة حفاظه ورواته

(2/496)


هم خلق كثير من الصحابة ولكن المشتهرين بأقرأ القرآن منهم سبعة : عثمان وعلي وأبي وزيد بن ثابت وابن مسعود وأبو الدرداء وأبو موسى الأشعري كذا ذكرهم الذهبي

(2/496)


علم معرفة حقيقة القرآن ومجازها

(2/496)


لم يختلف أحد في وقوع الحقائق في القرآن واختلف العلماء في وقوع المجاز فيه والأصح وقوعه فيه والتفصيل في علم الأصول

(2/496)


علم معرفة حصر القرآن والاختصاص

(2/496)


أما الحصر فيقال له : القصر : وهو تخصيص أمر بآخر بطريق مخصوص ويقال أيضا : إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه وقد يفرق بين الحصر والاختصاص والتفصيل في علم المعاني والسيوطي ذكر في كتاب ( ( الإتقان ) ) تفاصيل أقسامهما

(2/496)


علم معرفة حكم الشرائع

(2/496)


علم يبحث فيه عن حكم الشرائع ومحاسنها والفقهاء لم يتعرضوا لها إذ وظيفة العباد معرفة دلائل الأحكام والعمل بها حتى قال قائلهم :
لم يخلق العقل درا كالحكمة ... لكن ليقبل ما يأتيه من حكم
إلا أن بعض العلماء استنبطوا حكم الشرائع ومحاسنها على وجه يطابق قواعد الشريعة بقدر الطاقة البشرية ليزداد نشاط العباد في قبولها ومن الكتب ( 2 / 497 ) المصنفة فيه كتاب محاسن الشرائع والإسلام للشيخ العلامة أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن البخاري روح الله روحه ذكره في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/496)


علم معرفة الخبر والإنشاء

(2/497)


وقد بين تفاصيلهما في المعاني وفصل السيوطي في ( ( الإتقان ) ) في بيان أحوالهما

(2/497)


علم معرفة خواتم السور

(2/497)


هي أيضا مثل الفواتح في الحسن لتضمنها المعاني البديعة من الحكم والمواعظ والعبر ونحوها ووقوعها بحيث ينبئ عن الانتهاء لئلا يتشوق ذهن السامع إلى ما بعدها ويظهر ذلك لمن تأمل ببصيرة تامة نافذة

(2/497)


علم معرفة خواص القرآن

(2/497)


صنف فيه جماعة من المتقدمين منهم التميمي وحجة الإسلام الغزالي ومن المتأخرين اليافعي سماه الدر النظيم في خواص القرآن العظيم وغالب ما يذكر في ذلك كان مستنده تجارب الصالحين وورد في ذلك بعض من الأحاديث أوردها السيوطي في ( ( الإتقان ) )

(2/497)


علم معرفة الخواص الروحانية

(2/497)


من العددية والحرفية والتكسيرات العددية والحرفية وهو : علم باحث عن كيفية تمزيج الأعداد والحروف على التناسب والتعادل بحيث يتعلق بواسطة هذا ( 2 / 498 ) التعديل أرواح متصرفة تؤثر في القوابل حسبما يراد ويقصد عن ترتيب الأعداد والحروف وكيفياتها وموضوعه الأعداد والحروف وغايته الوصول إلى المطالب الدينية أو الدنيوية أو الأخروية
وغرضه وفائدته لا يخفى وكتب عبد الرحمن الأنطاكي نافعة في هذا الباب وكذا كتب الشيخ أحمد البوني وغير ذلك من المشائخ الكرام ذكره في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/497)


علم معرفة سبب النزول

(2/498)


وفائدته : أنه ربما لا يمكن الوقوف على تفسير الآية بدون معرفة قصتها وصنف فيه على بن المديني شيخ البخاري وصنف فيه الواحدي واختصره الجعبري وألف فيه شيخ الإسلام ابن حجر إلا أنه مات فبقي في المسودة وألف فيه السيوطي كتابا حافلا سماه ( ( لباب النقول في أسباب النزول ) )

(2/498)


علم معرفة شروط المفسر وآدابه

(2/498)


ومن شروطه يجب أن يطلب تفصيل المجمل في موضع آخر من القرآن لأن القرآن يفسر بعضه بعضا وكذا يطلب تفصيل ما اختصر في موضع آخر لأن القرآن يفصل بعضه بعضا وإن أعياه ذلك فليطلب من السنة لأن السنة تفسير القرآن وإن لم يجد في السنة رجع إلى أقوال الصحابة لأنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله ولما اختصوا به من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح وإذا تعارضت أقوالهم فإن أمكن الجمع فذاك وإلا فقدم ابن ( 2 / 499 ) عباس لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حقه :
( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) وإن لم يوجد قول من الصحابي فيعتمد على أقوال التابعين وإلا فيجتهد مراعيا للمدلولات اللغوية والاستعمالات العربية ومراعيا لوجه الإعجاز
وأما آداب المفسر فصحة الاعتقاد ومتابعة السنة ظاهرا وباطنا ويجب أن يكون اعتماده على النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ومن عاصرهم ويجتنب المحدثات والبدعات كلها

(2/498)


علم معرفة الشتائي والصيفي

(2/499)


وأمر موضوعه وغايته ومنفعته لا يخفى وقد استقصى تلك الآيات السيوطي في ( ( الإتقان ) )

(2/499)


علم معرفة الشواذ وتفرقتها من المتواتر

(2/499)


والمتواتر عند الأكثرين : سبعة أحدهم : نافع وله راويان قالون وورش
وثانيهم : ابن كثير وله راويان البزي وقنبل
وثالثهم : أبو عمرو وله راويان الدوري والسوسي
ورابعهم : ابن عامر وله راويان هشام وابن ذكوان
وخامسهم : عاصم وله راويان شعبة وحفص
وسادسهم : حمزة وله راويان خلف وخلاد
وسابعهم : الكسائي وله راويان أبو الحارث والدوري
ولا تظنن أن لكل من هؤلاء المشائخ راويين فقط حتى إذا وجدت لهم راويا غير هؤلاء تحكم بالشذوذ بل لكل منهم رواة كثيرة وإنما اختاروا منهم اثنين لشهرتهما ثم إن في انحصار ( 2 / 500 ) المتواتر في السبعة خلافا إذ بعض العلماء الحقوا بهم يعقوب الحضرمي وأما ما وراء هؤلاء الثمانية إلى الثلاثة عشر بل إلى ما فوقها فقد اتفقوا على شذوذها كذا في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/499)


علم معرفة طبقات المفسرين

(2/500)


أولهم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وهم عشرة : الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم ويليهم التابعون وهؤلاء من الكثرة بحيث لا يحصون :
كمجاهد وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير وطاؤس وغيرهم وهم علماء مكة وطبقة أخرى تجمع أقوال الصحابة والتابعين : كسفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح وشعبة بن الحجاج ويزيد بن هارون وآخرين
وبعد هؤلاء : ابن جرير الطبري وكتابه أجل التفاسير وأعظمها ثم ابن أبي حاتم وابن ماجة والحاكم وابن مردويه وأبو الشيخ وابن حبان وابن المنذر في آخرين
ثم أتت بعد هؤلاء جماعة ألفوا التفاسير واختصروا الأسانيد ونقلوا الأقوال بتراء فدخل من ههنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل هذا الذي ذكرته من فروع علم التفسير هو ما وقع في كتاب ( ( الإتقان ) ) وهذا بعض من علوم عدوها من فروع علم التفسير بأدنى الملابسة كذا في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/500)


علم معرفة عدد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه

(2/500)


أما سوره فمائة وأربع عشرة بإجماع من يعتد به وأما عدد الآي فستة آلاف وستمائة آية وست عشرة آية وجميع حروفه ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألف ( 2 / 501 ) حرف وستمائة حرف واحد وسبعون حرفا
وأما كلمات القرآن فسبعة وسبعون ألف كلمة وستمائة وأربع وثلاثون كلمة وفائدة معرفة عدد الآي معرفة الوقف ولأن الإجماع انعقد على أن الصلاة لا تصح بنصف آية
وقال جمع من العلماء تجزي بآية وآخرون بثلاث آيات والآخرون لا بد من سبع والإعجاز لا يقع بدون آية فللعدد غاية عظيمة وفي الأعداد المذكورة اختلافات ذكرها السيوطي في الإتقان في علوم القرآن

(2/500)


علم معرفة العالي والنازل من أسانيده

(2/501)


وأعلاها القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم القرب من الأئمة المشهورين
ثم العلو بالنسبة إلى الكتب المشهورة كالتيسير والشاطبية
ومن أقسام العلو تقدم وفاة الشيخ عن قرينه الذي أخذ عن شيخ ذلك الشيخ
ومن أقسامه أيضا العلو بموت الشيخ لا مع الالتفات إلى أمر آخر وشيخ آخر متى يكون
وإذا عرفت العلو بأقسامه عرفت النزول فإنه ضده وههنا تفاصيل ذكرها السيوطي رحمه الله في كتابه ( ( الإتقان ) )

(2/501)


علم معرفة عام القرآن وخاصه ومجمله ومبينه

(2/501)


ومباحث هذا العلم في علم الأصول ( 2 / 502 )

(2/501)


علم معرفة العلوم المستنبطة من القرآن

(2/502)


وقد أفرد الناس كتبا في ذلك كالقاضي إسماعيل وبكر بن العلاء وأبي بكر الرازي والكيا الهراسي وأبي بكر بن العربي وعبد المنعم بن القرس وابن خويز منداد وأفراد آخرون كتبا فيما فيه من علوم الباطن وأفرد ابن برجان كتابا فيما تضمنه من معاضدة الأحاديث
وألف جلال الدين السيوطي رحمه الله كتابا سماه ( ( الإكليل في استنباط التنزيل ) ) ذكر فيه كل ما استنبط منه من مسئلة فقهية أو أصلية أو اعتقادية وبعضا مما سوى ذلك كثير الفائدة جم العائدة يجري مجرى الشرح لما أجمل من أنواعه في ( ( الإتقان ) ) فليراجعه

(2/502)


علم معرفة غريب القرآن

(2/502)


وهذا العلم وإن كان مذكورا في كتب اللغة إلا أن بعض العلماء أفردوه بالتصنيف منهم : أبو عبيدة وأبو عمر والزاهد وابن دريد العزيزي وهذا أشهرها
قيل : قد أقام العزيزي في تأليف غريب القرآن خمس عشرة سنة يحرره هو وشيخه أبو بكر بن الأنباري
ومن أحسنها مفردات الراغب ولأبي حيان في ذلك مختصر مقدار كراسين

(2/502)


علم معرفة غرائب التفسير

(2/502)


ألف فيه محمود بن حمزة الكرماني كتابا في مجلدين سماه ( ( العجائب والغرائب ) ) ( 2 / 503 ) لكن يجب أن تكون الغرائب المستنبطة من القرآن واردة على القواعد العربية والمدلولات اللفظية وإلا فلا عبرة لها كما فعله بعض السفهاء ممن يدعي المعرفة وقد أورد السيوطي بعضا منها في ( ( الإتقان ) )

(2/502)


علم معرفة الفراشي والنومي

(2/503)


أمر الموضوع والنفع لا يخفى والتفصيل مذكور في ( ( الإتقان ) ) للسيوطي رحمه الله

(2/503)


علم معرفة فواصل الآي

(2/503)


الفاصلة كلمة آخر الآية كقافية الشعر وقرينة السجع وفرق بين الفواصل ورؤوس الآي بأن الفاصلة هي الكلام المنفصل عما بعده والكلام المنفصل قد يكون رأس آية وغير رأس وكذلك الفواصل تكون رؤوس آي وغيرها وكل رأس آية فاصلة وليس كل فاصلة رأس آية

(2/503)


علم معرفة فواتح السور

(2/503)


صنف فيه ابن أبي الأصبع كتابا سماه ( ( خواطر السوانح في أسرار الفواتح ) ) وقسمها إلى عشرة أنواع ذكره السيوطي في ( ( الإتقان ) )

(2/503)


علم معرفة فضائل القرآن

(2/503)


صنف فيه أبو بكر بن أبي شيبة والنسائي وأبو عبيدة القاسم بن سلام وابن الضريس صنف فيه جلال الدين السيوطي كتابا سماه ( ( حمائل الزهر في فضائل السور ) ) ( 2 / 504 )

(2/503)


علم معرفة قواعد مهمة

(2/504)


يحتاج إليها المفسر وقد فصلها السيوطي في ( ( الإتقان ) ) ولا بد للمفسر من معرفتها

(2/504)


علم معرفة كيفية إنزال القرآن

(2/504)


وفيها ثلاثة أقوال : الأول وهو الأصح : أنه نزل إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ونزل منجما
الثاني : أنه نزل إلى سماء الدنيا في عشرين ليلة القدر أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين في كل ليلة ما يقدر الله إنزاله في كل السنة ثم نزل بعد ذلك منجما في جميع السنة
الثالث : أنه ابتدأ إنزاله ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجما في أوقات مختلفة من سائر الأوقات

(2/504)


علم معرفة كيفية تحمل القرآن

(2/504)


اعلم أن حفظ القرآن فرض كفاية على الأمة لئلا ينقطع عدد التواتر فيه وتعليمه أيضا فرض كفاية وهو من أفضل القرب وأوجه التحمل في القرآن السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه والسماع عليه بقراءة غيره والقراءة على الشيخ هي المسئلة سلفا وخلفا وأما السماع منه فلم يأخذ به أحد من القراء لاحتياجهم إلى التمرن في الأداء واكتفاء الصحابة بالسماع فلنزول القرآن على لغتهم وعدم احتياجهم إلى التمرن لفصاحتهم

(2/504)


علم معرفة كنايات القرآن وتريضاته

(2/504)


وتفسيرهما أيضا في علم البيان وهما عند أهل المعاني من أنواع البلاغة ( 2 / 505 ) وأساليب الفصاحة ومن الكناية شيء كثير في القرآن

(2/504)


علم معرفة المعاد

(2/505)


وهو علم باحث عن أحوال النفس بعد المفارقة عن البدن حيث تتعلق بالبدن الآخر أم لا وهل تمكن لها السعادة أو الشقاوة ؟ وهل يتبدل إحداهما بالأخرى ؟ وما سبب كل منهما ؟ وموضوعه ونفعه وغرضه لا يحتاج إلى بيان

(2/505)


علم معرفة الملائكة

(2/505)


هي العلم الباحث عن أحوال المجردات التي لا تتصرف في البدن وأحوالها وكيفية صدورها عن مبدئها وموضوعه وغايته وغرضه ظاهرة لمن تمهر في العلم الإلهي

(2/505)


علم معرفة المكي والمدني

(2/505)


وفائدة معرفة المؤخر أن يكون ناسخا أو مخصصا صنف فيه جماعة منهم : مكي والعز الديري وله أقسام يطول ذكرها وقد استقصاها أبو القاسم الحسن بن محمد ابن حبيب النيسابوري في كتاب ( ( التنبيه ) ) ( 2 / 506 )

(2/505)


علم معرفة ما نزل على لسان بعض الصحابة

(2/506)


هو في الحقيقة من أسباب النزول وقد أفرد بالتصنيف جماعة موافقات عمر رضي الله تعالى عنه قال عمر : وافقت ربي في ثلاث قلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) وقلت : يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر الفاجر فلو أمرتهن أن يحجبن فنزلت آية الحجاب واجتمعت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهن : عسى إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت كذلك وأمثاله كثيرة يعرفها أهلها

(2/506)


علم معرفة تكرر نزوله

(2/506)


قال الزركشي في البرهان : قد ينزل الشيء مرتين تعظيما لشأنه وتذكيرا عند حدوث سبب خوف نسيانه قيل الأحرف السبعة للقرآن من قبيل تكرار النزول

(2/506)


علم معرفة تأخر حكمه عن نزوله وما تأخر نزوله عن حكمه

(2/506)


مثال الأول : قوله تعالى : ( لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ) فالسورة مكية وقد ظهر أثر الحل يوم فتح مكة
وقوله تعالى : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) نزلت بمكة وظهر حكمها في يوم بدر . و
مثال الثاني : آية الوضوء وإنها مدنية إجماعا وفرضه كان بمكة مع فرض الصلاة وكآية الجمعة فإنها مدنية والجمعة فرضت بمكة قيل والحكمة في ذلك تأكيدا الحكم السابق بالآية المتلوة ( 2 / 507 )

(2/506)


علم معرفة ما نزل مفرقا وما نزل جمعا

(2/507)


مثال الأول : ( اقرأ ) إلى قوله : ( ما لم يعلم ) وأول ( والضحى ) إلى قوله : ( فترضى )
ومثال الثاني : من القصار : سورة الفاتحة والإخلاص والكوثر وتبت والمعوذتان نزلتا معا ومن الطوال : المرسلات وسورة الصف وسورة الإنعام

(2/507)


علم معرفة ما نزل مشيعا وما نزل مفردا

(2/507)


وغالب القرآن نزل به جبريل عليه مفردا بلا تشييع وأما المشيع : فسورة الإنعام شيعها سبعون ألف ملك وفاتحة الكتاب نزلت ومعها ثمانون ألف ملك وآية الكرسي نزلت ومعها ثلاثون ألف ملك وسورة يونس نزلت ومعها ثلاثون ألف ملك وآية ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ) نزلت معها عشرون ألف ملك قيل وسورة الكهف أيضا شيعها سبعون ألف ملك

(2/507)


علم معرفة ما أنزل منه على بعض الأنبياء وما لم ينزل منه على أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم

(2/507)


ومن الثاني : فاتحة الكتاب وآية الكرسي وخاتمة البقرة ومن الأول : سبح اسم ربك الأعلى وأول سورة الجمعة وعشر آيات من سورة الإنعام وهي : ( قل تعالوا أتل ما حرم عليكم ربكم . . . الخ ) فإنها مكتوبة فالتوراة وتفصيل هذا الباب مذكور في كتاب ( ( الإتقان في علوم القرآن ) ) للسيوطي رحمه الله

(2/507)


علم معرفة المتواتر والمشهور والآحاد والشاذ

(2/507)


قال البلقيني القراءة المتواترة هي السبعة المشهورة والآحاد هي الثلاثة التي ( 2 / 508 ) هي تمام العشر والشاذ قراءات التابعين
قال ابن الجوزي : في النشر كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه وافقت إحدى المصاحف العثمانية ولو احتمالا وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحمل إنكارها بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين . ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها شاذة أو ضعيفة أو باطلة سواء كانت عن السبعة أم عمن هو أكثر منهم والتفصيل في كتاب ( ( الإتقان ) )

(2/507)


علم معرفة ما وقع في القرآن من غير لغة الحجاز

(2/508)


وقد أفردوه بالتصنيف ذكره السيوطي في ( ( الإتقان ) ) قال أبو بكر الواسطي في كتابه ( ( الإرشاد في القراءات العشر في القرآن ) ) : من اللغات العربية خمسون لغة وقد عدها السيوطي في ( ( الإتقان ) ) ومن غير العربية الفرس والروم والقبط والحبشة والبربر والسريانية والعبرانية وقد فصلها السيوطي في ( ( الإتقان ) )

(2/508)


علم معرفة ما وقع في القرآن من غير لغة العرب

(2/508)


أفرده بالتصنيف السيوطي وسماه ( ( المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب ) ) وأنكر بعض العلماء منهم الشافعي وقوع المعرب في القرآن مستدلين بقوله تعالى : ( قرآنا عربيا )
وذهب آخرون إلى وقوعه فيه وقالوا : الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تنافي واستدل بمنع صرف إبراهيم للعجمة والعلمية ورد بأن الكلام في غير الأعلام والحكمة في وقوعه أن القرآن حوى علوم الأولين والآخرين ونبأ كل شيء فلا بد أن ( 2 / 509 ) تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات والألسن إلا أنه اختير من كل لغة أعذبها أخفها وأكثرها استعمالا للعرب والتفصيل في كتاب ( ( الإتقان ) ) للسيوطي رحمه الله

(2/508)


علم معرفة معاني الأدوات التي يحتاج إليها المفسر

(2/509)


والمراد بالأدوات : الحروف وما شاكلها من الأسماء والأفعال والظروف
وقد صنف فيها جماعة كالهروي في الأزهية وابن أم قاسم في الجني الداني وأدرجه السيوطي في ( ( الإتقان ) )

(2/509)


علم معرفة المحكم والمتشابه

(2/509)


وقد بين تفسيرهما في الأصول واختلفت عباراتهم في تفسيرهما وبيانهما في الإتقان

(2/509)


علم معرفة مقدم القرآن ومؤخره

(2/509)


وهو أقسام : ما أشكل معناه ظاهرا واتضح بالتقديم والتأخير نحو قوله تعالى : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) والأصل هواه إلهه لأنه من اتخذ إلهه هواه غير مذموم فقدم المفعول
الثاني : للعناية به وقوله تعالى : ( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ) والأصل لولا أن رأى برهان ربه لهم بها
والثالث : ما ليس كذلك وقد ألف فيه العلامة شمس الدين بن الصائغ كتاب المقدمة في سر الألفاظ المقدمة والحكمة في الكل الاهتمام بشأن المقدم لكن الاهتمام أمر إجمالي يقتضي تفصيلا بحسب المقام والتفصيل في كتاب الإتقان للسيوطي ( 2 / 510 )

(2/509)


علم معرفة مطلق القرآن ومقيده

(2/510)


قالوا : متى وجد دليل على تقييد المطلق صير إليه وإلا فلا بل يبقى كل منهما على حاله والتفصيل في كتب الأصول

(2/510)


علم معرفة مناسبات الآيات والسور

(2/510)


صنف فيه أبو جعفر بن الزبير شيخ أبي حيان في كتاب سماه ( ( البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن ) ) وصنف فيه أيضا الشيخ جلال الدين كتابا سماه ( ( تناسق الدرر في تناسب السور ) ) وذكر مناسبات السور والآيات وكتابه في ( ( أسرار التنزيل ) ) كافل بذلك جامع لمناسبات السور والآيات مع ما تضمنه من بيان جميع وجوه الإعجاز وأساليب البلاغة

(2/510)


علم معرفة ما وقع في القرآن من الأسماء والكنى والألقاب

(2/510)


ذكر الله تعالى أسماء الأنبياء والرسل خمسا وعشرين من مشاهيرهم وذكر فيه من أسماء الملائكة بعضا ومن أسماء الشياطين والأصنام بعضا والتفصيل في ( ( الإتقان ) )

(2/510)


علم معرفة مبهمات القرآن

(2/510)


والمراد بالمبهم ما ذكر الموصولية نحو قوله تعالى : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) أو بطريق العموم نحو قوله تعالى : ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) ونحو ذلك
وطريق تعيين مبهمات القرآن الرواية لا غير وأسباب الإبهام إما الاستغناء عن بيانه لذكره في مقام آخر أو تعيينه لاشتهاره أو قصد الستر أو نحو ( 2 / 511 ) ذلك صنف فيه السهيلي وابن العسكر وابن جماعة والسيوطي رحمه الله

(2/510)


علم معرفة مفردات القرآن

(2/511)


وهو علم يبحث فيه عن أحوال آية آية من جهة أحكامها ومعانيها كالبحث عن آية هي أعظم القرآن وعن آية هي أحكم القرآن وعن آية هي أجمع القرآن وعن آية هي أحزن آيات القرآن وعن آية هي أرجى من آيات القرآن ونحو ذلك

(2/511)


علم معرفة مرسوم الخط وآداب كتابته

(2/511)


وهذا العلم قد يعد من فروع علم القراءة أيضا وقد فصلناه هناك فلا نعيده

(2/511)


علم معرفة مشكل القرآن وموهم الاختلاف والتناقض

(2/511)


وصنف في هذا العلم قطرب وإنما قلنا موهم الاختلاف والتناقض إذ كلام الله تعالى عنهما حقيقة وإنما يكون ذلك بالنسبة إلى الأوهام القاصرة

(2/511)


علم معرفة النهاري والليلي

(2/511)


وموضوعه ومنفعته وغايته ظاهرة على الناظرين قالوا : أنزل أكثر القرآن نهارا وأما الليلي فقد تتبعوه فبلغ إلى خمسة عشر آية ذكرت في ( ( الإتقان في علوم القرآن ) )

(2/511)


علم معرفة ناسخ القرآن ومنسوخه

(2/511)


ولا يجوز تفسير القرآن إلا لمن يعرفهما وقد أفرده بالتصنيف جماعة منهم : أبو عبيد القاسم بن سلام وأبو داود السجستاني وأبو جعفر النحاس وابن الأنباري ( 2 / 512 ) ومكي وابن العربي وآخرون رحمهم الله تعالى

(2/511)


علم معرفة وجوه مخاطبات القرآن

(2/512)


والخطاب : إما عام وإما خاص والعام قد يراد به الخصوص والخاص قد يراد به العموم ولهما أقسام أخر استوفاها السيوطي في كتابه ( ( الإتقان في علوم القرآن ) )

(2/512)


علم المعمى

(2/512)


كتاب المعمى المسمى بألفية الشريف للسيد الشريف المعمائي فارسي ذكر فيه أنه صنع بيتا واحدا خرج منه ألف اسم بطريق التعمية مع التزام تعدد الإيهام في كل اسم والبيت هذا :
أزقد وأبر وبديد آن ماه جهر ... موج آبى ديده أم بالآي مهر
جون : أغلب وأكثر آنست كه أزيك معمايك اسم بيدا آيد بنابر آن خر وخرده وان برسبيل استعجاب بزبان مي آروع كه بيك خانة تنك اين همه مهمان عجب ست . ثم بين استخراج الأسماء من هذا البيت في مجلد ضخم وقال في اسمه وتاريخه :
بيتي كه يك كتاب بوددر بيان أو ... معلوم نسيت كفته كسى غيراين ضعيف
كرده شريف تعميه دروى هزار نام ... زان رو لمقب ست بالفية الشريف
ألفه في سنة ثمان وتسعمائة ورتبه على مقدمة وثمان وعشرين مقالة وخاتمة ( 2 / 513 ) والكتب المؤلفة في المعميات كثيرة ما بين مطول منها ومختصر قال في ( ( مدينة العلوم ) ) علم المعمى مثاله
الأخذ عد موسى مرتين ... وضع أصل الطبائع تحت ذين
وسكن خان شطرنج فخذها ... وادرج بين ذين المدرجين
فهذا اسم من يهواه قلبي ... وقلب جميع من في الخافقين

(2/512)


واعلم أن أكثر من يعتني باللغز العرب لكن لم يدونوه في الكتب وأكثر من يعتني بالمعمى أهل فارس ولهذا وقع جل التصانيف في المعمى على لسان الفرس وقد رتبوا له قواعد عجيبة وتقسيمات غريبة وتنويعات لطيفة وأما ما يوجد في لسان العرب فشيء نزر جدا
ولقد وجدت في لسان العرب خمسة معميات فقط مع شدة تنقيري له وكثرة تتبعي عنه على أنه لم يقع في مرتبة لطافة أهل فارس الذي لو كان العلم عند الثريا لتناوله رجال منهم وإن أردت صدق هذا المقال فارجع إلى كتاب مولانا عبد الرحمن الجامي قدس سره خصوصا كتاب مولانا حسين المعمائي فإنك إن طالعته وجدته السحر الحلال وترى فيه العجب العجاب انتهى
أقول : علم المعمى واللغز ليس مبنيا على أصل كلي وليست له قواعد وضوابط معينة مشخصة حتى يرجع إليها بل بناءه على خيال المعمائي وفكره وما أشده خرافة في العلوم وأكثره إضاعة للوقت بلا فائدة ترجع إلى أمر من الدين والدنيا وأكثر من ضيع به أوقاته الفرس ولهذا لا يوجد في علوم العرب إلا أقل قليل وهو أيضا باتباع العجم . والحديث المتقدم ليس المراد به علم المعمى وما يليه كما زعم صاحب ( 2 / 514 ) ( ( مدينة العلوم ) ) بل المقصود منه علم الدين من الكتاب والسنة المطهرة كما ظهر مصداقه في أصحاب الحديث سيما البخاري ومسلم وليس المعمى من العلم في شيء حتى يستدل بالحديث عليه فما أبرد هذا الاستدلال وما أضعفه من الأقوال

(2/513)


علم المغازي والسير

(2/514)


أي مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعها محمد بن إسحاق أولا ويقال أول من صنف فيها عروة بن الزبير وجمعها أيضا وهب بن منبه وأبو عبد الله محمد بن عائذ القرشي الدمشقي الكاتب وأبو محمد يحيى بن سعيد بن أبان الأموي الكوفي الحنفي المتوفى سنة إحدى وتسعين ومائة عن ثمانين سنة
ومنها : مغازي محمد بن مسلم الزهري وابن عبد البر القرطبي المتوفى سنة ثلث وستين وأربعمائة وعبد الرحمن بن محمد الأنصاري وأبي الحسن علي بن أحمد الواقدي المتوفى سنة ثمان وستين وأربعمائة موسى بن عقبة بن أبي عياش المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائة ومغازيه أصح المغازي كذا في المقتفى وهو من فروع علم التواريخ
وموضوعه ومنفعته وغايته وغرضه لا يخفى على كل واحد من ذي اللب ولكن لما كان ثبوتها بالأحاديث والآثار جعلناها من فروع علم الحديث وفي هذا العلم مصنفات كثيرة أجلها وأفضلها تصنيف عبد الملك بن هشام ومغازي ابن إسحاق وغير ذلك ذكره في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/514)


علم مفردات القرآن الكريم والفرقان الحكيم علم المقادير والأوزان

(2/514)


المستعملة في علم الطب من الدراهم والأوقية والرطل وغير ذلك ولقد ( 2 / 515 ) صنف له كتب مطولة ومختصرة يعرفها مزاولها وقد تقدم في باب الألف

(2/514)


علم مقادير العلويات

(2/515)


هكذا في الكشف وقال في ( ( مدينة العلوم ) ) : هو : علم باحث عن قدر الكواكب والأفلاك بالأميال والفراسخ وقدر الشمس والقمر والأرض وبعد كل من هذه الأجرام بعضها عن بعض واعتنى القدماء بهذا العلم وبينوا مسائله ببراهين قطعية لا يرتاب من يتولاها في صحتها انتهى

(2/515)


علم مقالات الفرق

(2/515)


هو : علم باحث عن ضبط المذاهب الباطلة المتعلقة بالاعتقادات الإلهية وهي على ما أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم عن هذه الأمة اثنتان وسبعون فرقة
وموضوعه وغايته وغرضه ومنفعته ظاهرة جدا وقد تكفل بتفصيل مجملاته القاضي عضد الدين في آخر كتاب الموقف من علم الكلام وممن أورد فرق المذاهب في العلم كلها : محمد الشهرستاني في كتاب ( ( الملل والنحل ) ) وله ( ( نهاية الأقدام في علم الكلام والمناهج والبينات
) ) وكتاب ( ( المصارعة ) ) وتلخيص ( ( الأقسام لمذاهب الأنام ) )
وشهرستان مدينة بخراسان ولنا كتاب مختصر في بيان فرق الإسلام سميناه خبية الأكوان في افتراق الأمم على المذاهب والأديان وهو نفيس نافع جدا وفقنا الله للقول الصدق والمذهب الحق وأن لا تزل أقدامنا عن الصراط السوي والمنهج الواضح القوي والمسلك القويم النبوي والطريق المستبين السني ويسر لنا الاهتداء بهدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والاقتفاء بمن اتبع سنته واختار شريعته واقتدى بسيرته اللهم آمين ( 2 / 516 )

(2/515)


علم المقلوب

(2/516)


هكذا في ( ( كشف الظنون ) ) وهو من فروع علم البديع والمحاضرات كما عرفت في علم التصحيف وهو :
أن يكون الكلام بحيث إذا قلبته وابتدأت من حرفه الأخير إلى الحرف الأول كان الحاصل بعينه هو هذا الكلام وهذا مغائر لتجنيس القلب المذكور في علم البديع فإن المقلوب ههنا يجب أن يكون اللفظ الذي ذكر بخلافه ثمه ويجب ثمه ذكر اللفظين جميعا بخلافه هنا
والقلب قد يكون في النثر كقوله تعالى : ( وربك فكبر )
أما في النظم : فقد يكون بحيث يكون كل من المصراعين قلبا للآخر كقوله : أرانا الإله هلالا أنارا . وقد لا يكون كذلك بل يكون مجموع البيت قلبا لمجموعه كقول الأرجاني :
مودته تدوم لكل هول ... وهل كل مودته تدوم
وقول الحريري :
اس ارملا إذا عرى ... وارع إذا المرء اسا
إلا أن في قول الحريري نوع تكلف وهو زيادة همزة مرء وحذفها في القلب

(2/516)


وأما في النثر : فإما في مفرد نحو : سلس أو مركب كما في قوله تعالى : ( وربك فكبر ) وقوله تعالى : ( كل في فلك ) وللحروف المشددة في هذا الباب حكم المخفف لأن المعتبر هو الحروف المكتوبة ومنه : سر فلا كبا بك الفرس وهو قول عماد الكاتب ( 2 / 517 )
وقوله القاضي الفاضل دام علاء العماد
ومنه كمالك تحت كلامك ومنه عقرب تحت برقع
ومنه كبر رجا اجر ربك
ومنه لابقا للإقبال وله نظائر كثيرة وأمثال غير قليلة كذا في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/516)


علم المكاشفة

(2/517)


ويسمى بعلم الباطن وهو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة وينكشف من ذلك النور أمور كثيرة كان يسمع من قبل وأسماءها فيتوهم لها معان مجملة غير متضحة فتتضح إذ ذاك حتى تحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه وبصفاته الباقيات التامات وبأفعاله وبحكمته في خلق الدنيا والآخرة إلى غير ذلك مما يطول تفصيله إذ للناس في معاني هذه الأمور بعد التصديق بأصولها مقامات شتى ذكرها الغزالي في ( ( الإحياء ) )
قال : وهذه العلوم هي التي لا تسطر في الكتب ولا يتحدث بها من أنعم الله تعالى عليه بشيء منها إلا مع أهله قال بعض العارفين : من لم يكن له نصيب من هذا العلم أخاف عليه سوء الخاتمة وأدنى نصيب منه التصديق به وتسليمه لأهله
وقال آخر : من كان فيه خصلتان لم يفتح له شيء من هذا العلم : بدعة أو كبر
وقيل : من كان محبا للدنيا أو مصرا على هوى لم يتحقق به وقد يتحقق بسائر العلوم وأقل عقوبة من ينكره أنه لا يذوق منه شيئا وهو علم الصديقين والمقربين

(2/517)


علم الملاحة

(2/517)


هو علم باحث عن كيفية صنعة السفن وكيفية ترتيب الانتهاء وكيفية ( 2 / 518 ) أجرائها في البحر وإن مقدار هذا الثقل بهذا المقدار من الريح كم فرسخا يتحرك في مقدار هذه الساعات ويتوقف على معرفة سموت البحار والبلدان والأقاليم ومعرفة ساعات الأيام والليالي ومعرفة مهاب الرياح وعواصفها ورخائها وممطرها وغير ممطرها
ومن مباديه علم الميقات وعلم الهندسة
ويتوقف على معرفته عجائب البحر وطبائعها وخواصها وصور الأقاليم وغير ذلك مما يعرفه أهله وهذا العلم عظيم النفع وفيه كتب موجودة عند أهله وأكثر مباديه مستندة إلى التجربة

(2/517)


علم الملاحم

(2/518)


جمع ملحمة وهي : الواقعة العظيمة في الفتنة مثل وقعة بخت نصر ووقعة جنكيزخان وهلاكو وتيمور فيبحث في هذا العلم عن معرفة أوقات الفتن بالدلائل النجومية وقد عرفت أن علم أحكام النجوم من أضعف العلوم دلالة فلا تعويل عليه أصلا وإن أردت الوقوف على معرفة الملاحم فعليك بالأحاديث الواردة فيها ولا ينبئك مثل خبير هذه عبارة ( ( مدينة العلوم ) )
وأقول : ليست ملحمة ولا فتنة صغرى أو كبرى من الملاحم والفتن التي تكون إلى يوم القيامة وقيام الساعة في مطلع الشمس ومغربها وسائر أقطار الأرض إلا وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بها في أحاديثه الشريفة كما في حديث حذيفة بن اليمان المروي في السنن . وقد وقعت منها ملاحم وفتن كثيرة وسيقع ما بقي منها ولكن العلم بمواقيتها مما استأثر الله سبحانه وتعالى بعلمه ولا يتيسر لبشر أن يعلم بوقتها إلا بعد وقوعها وحصول التطبيق بالأحاديث الواردة فيها
وقد أوعبت الفتن الواقعة منذ عهد الخلفاء الراشدين إلى الآن في كتابي حجج الكرامة بالفارسي وكتبت رسالة نافعة جدا في ذكر الفتن على ما وردت به السنة المطهرة بالعربي المبين ( 2 / 519 ) وسميتها ( ( بالإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة ) ) فعليك بهذين الكتابين فإنهما كافيان وافيان في بابيهما ولا تحتاج معهما إلى كتاب آخر يشفي علتك ويسقي غلتك وفيهما حكم الفتن وما ينبغي في زمنها للمسلم وكلها من مفاهيم الأخبار والآثار

(2/518)


ولا ينبغي لمن يعتقد دين الإسلام بقلبه السليم أن يميل عند حدوث أمثال تلك الحوادث والأحوال إلى أقوال المشائخ وآراء الرجال بل الذي يجب على كل مؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر أن يستعلم حكم الفتن قبل الابتلاء بها من السنة كما قيل : أعط القوس باريها ولا منجأ من حوادث الدنيا لأحد كائنا من كان ولا ملجأ له إلا من الله تعالى وهو الذي يتولى الصالحين من عباده ويأمنهم من المخاوف والهلكة في أرضه وبلاده وبالله التوفيق

(2/519)


علم منازل القمر

(2/519)


هكذا في كشف الظنون وقال في ( ( مدينة العلوم ) ) : هو : علم يتعرف منه صور المنازل الثمانية والعشرين وأسماؤها وخواص كل واحد منها وأحكام نزول القمر في كل منها إلى غير ذلك . انتهى

(2/519)


علم مناسبات الآيات والسور

(2/519)


من متعلقات علم التفسير

(2/519)


علم المناظر

(2/519)


من فروع الهندسة وهو علم يتبين به أسباب الغلط في الإدراك البصري بمعرفة كيفية وقوعها بناء على أن إدراك البصر يكون بمخروط شعاعي رأسه يقطعه الباصر وقاعدته المرئي ثم يقع الغلط كثيرا في رؤية القريب كبيرا والبعيد صغيرا ( 2 / 520 ) أو كذا رؤية الأشباح الصغيرة تحت الماء ووراء الأجسام الشفافة كبيرة ورؤية النقطة النازلة من المطر خطا مستقيما والشعلة دائرة وأمثال ذلك فيتبين في هذا العلم أسباب ذلك وكيفياته بالبراهين الهندسية ويتبين به أيضا اختلاف المنظر في القمر باختلاف العروض الذي يبتنى عليه معرفة رؤية الأهلة وحصول الكسوفات وكثير من أمثال هذا
وقد ألف في هذا الفن كثير من اليونانيين
واشهر من ألف فيه من الإسلاميين ابن الهيثم ولغيره فيه أيضا تأليف وهو من هذه الرياضة وتفاريعها ذكره ابن خلدون
وعبارة ( ( مدينة العلوم ) ) في بيان علم المناظر : هكذا هو علم يتعرف منه أحوال المبصران في كميتها وكيفيتها باعتبار قربها وبعدها عن الناظر واختلاف أشكالها وأوضاعها وما يتوسط بين الناظر والمبصرات وغلظته ورقته علل تلك الأمور ومنفعته معرفة أحوال الأبصار وتفاوت المبصرات والوقوف على سبب الأغاليط الحسية الواقعة فيها ويستعان بهذا العلم على مساحة الأجرام البعيدة والمرايا المحرقة
ومن الكتب المختصرة فيه كتاب إقليدس ومن المتوسط كتاب علي ابن عيسى الوزير ومن المبسوطة كتاب لابن الهيثم انتهى . ونحوه في ( ( كشاف اصطلاحات الفنون ) ) على وجه الاختصار

(2/519)


علم مناظر الإنشاء

(2/520)


وفيه تأليف لمحمود بن الشيخ محمد الكيلاني المعروف بخواجه جهان رتبه على مقدمة ومقالتين وخاتمة وهو من الكتب النافعة ( 2 / 521 )

(2/520)


علم المناظرة

(2/521)


علم باحث عن أحوال المتخاصمين ليكون ترتيب البحث بينهما على وجه الصواب حتى يظهر الحق بينهما ذكره في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/521)


علم المنطق

(2/521)


ويسمى علم الميزان أيضا وهو : علم يتعرف منه كيفية اكتساب المجهولات التصورية والتصديقية من معلوماتها
وموضوعه : المعقولات الثانية من حيث الإيصال إلى المجهول أو النفع فيه
والغرض منه : عصمة الذهن عن الخطأ في الفكر
ومنفعته : الإصابة في جميع العلوم
قال في الكشف : الغرض منه ومنفعته ظاهران من الكتب المبسوطة في المنطق كذا قال في ( ( مفتاح السعادة ) ) انتهى
والمنطق لكون حاكما على جميع العلوم في الصحة والسقم والقوة والضعف وأجلها نفعا وأعظمها سماه أبو نصر الفارابي : رئيس العلوم
ولكونه آلة في تحصيل العلوم الكسبية النظرية والعملية لا مقصودا بالذات سماه الشيخ الرئيس ابن سينا بخادم العلوم
وحكى أبو حيان في تفسيره البحر : إن أهل المنطق بجزيرة الأندلس كانوا يعبرون عن المنطق بالمفعل تحررا عن صولة الفقهاء حتى إن بعض الوزراء أراد أن يشتري لابنه كتابا من المنطق فاشتراه خفية خوفا منهم مع أنه أصل كل علم وتقويم كل ذهن انتهى
قال الغزالي : من لم يعرف المنطق فلا ثقة له في العلوم أصلا حتى روي عن بعضهم أنه فرض كفاية وعن بعضهم فرض عين بناء على أن معرفة الله تعالى ( 2 / 522 ) بطريق البرهان واجبة وإنها لا تتم إلا بعلم المنطق فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب قال القائل :
إن رمت إدراك العلوم بسرعة ... فعليك بالنحو القويم ومنطق
هذا الميزان العقول مرجح ... والنحو إصلاح اللسان بمنطق

(2/521)


قال في ( ( كشف الظنون ) ) : قال الشيخ أبو علي بن سينا : المنطق نعم العون على إدراك العلوم كلها وقد رفض هذا العلم وجحد منفعته من لم يفهمه ولا اطلع عليه عداوة لما جهل وبعض الناس ربما يتوهم أنه يشوش العقائد مع أنه موضوع للاعتبار والتحرير
وسبب هذا التوهم أن من الأغبياء الأغمار الذين لم تؤدبهم الشريعة من اشتغل بهذا العلم واستضعف حجج بعض العلوم واستخف بها وبأهلها ظنا منه أنها برهانية لطيشه وجهله بحقائق العلوم ومراتبها فالفساد لا من العلم
قالوا : ويستغنى عنه المؤيد من الله تعالى ومن علمه ضروري ويحتاج إليه من عداهما
فإن قلت : إذا كان الاحتياج بهذه المرتبة فما بال الأئمة المقتدى بهم كمالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل رحمهم الله لم ينقل عنهم الاشتغال به وإنما هو من العلوم الفلسفية وقد شنع العلماء على من عربها وأدخلها في علوم الإسلام
ونقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي رحمه الله أنه كان يقول : ما أظن الله تعالى يغفل عن المأمون العباسي ولا بد أن يعاقبه بما أدخل على هذه الأمة
فجوابه إن ذلك مركوز في جبلاتهم السليمة وفطرتهم المستقيمة ولم يفتهم إلا العبارات والاصطلاحات كما ذكر في علم النحو
وأصول المنطق تسعة على المشهور
الأول : باب الكليات الخمس
الثاني : باب التعريفات ( 2 / 523 )
الثالث : باب التصديقات
الرابع : باب القياس
الخامس : البرهان
السادس : الخطابة
السابع : الجدل
الثامن : المغالطة
التاسع : الشعر هذا خلاصة ما في العلمي حاشية شرح هداية الحكمة الميبذية وشرح حكمة العين وغيرها
والكتب المصنفة في المنطق كثيرة منها : ( ( إيساغوجي ) ) ( ( وبحر الفرائد ) ) و ( ( تيسير الفكر ) ) و ( ( جامع الدقاق ) ) و ( ( الشمسية ) ) ( ( غرة النجاة ) ) و ( ( القواعد الجلية ) ) و ( ( لوامع الأفكار ) ) و ( ( المطالع ) ) و ( ( مجل النظر ) ) و ( ( معيار الأفكار ) ) و ( ( ناظر العين ) ) و ( ( نخبة الفكر ) ) وغير ذلك انتهى ما في ( ( الكشف ) ) و ( ( كشاف اصطلاحات الفنون ) )

(2/522)


ومن كتبه المرقاة للشيخ الفاضل فضل إمام الخير آبادي وهو مختصر مفيد وعليه شرح لحفيده المولوي عبد الحق
وتهذيب المنطق للتفتازاني والصغرى والكبرى بالفارسية للسيد السند الشريف الجرجاني رحمه الله إلى غير ذلك
قال بعضهم : والذي أجاب به شيخ الإسلام من كون المنطق مرتكزا في نفوسهم جواب ضعيف لا يخفى ضعفه على من يعقل ويعرف مقاصد الشريعة الغراء انتهى
أقول : ارجع إلى كتاب رد المنطقيين لابن تيمية رحمه الله واعلم أن جواباته كثيرة وكلها صواب حق لا يسع ذكرها هذا المقام وهذا الجواب أيضا صواب يعرفه من منحه الله طبعا سليما لا اعوجاج فيه وصاحب القلب الصحيح والفكر السليم لا يحتاج إلى علم المنطق بل يصدر عنه العلم المطابق له من غير درية بهذا الفن كما ( 2 / 524 ) يصدر الكلام الموزون ممن لا يعلم بعلم العروض والقافية ولا يحسن تقطيعات الأشعار ويقول نظما كثيرا وينظم قصائد طويلة ولا يعرف أوزان الشعر ولا بحوره فأي استبعاد في كون المنطق مرتكزا في نفوس بعض العباد الصحيح الفؤاد السلم المراد
وقد اختلف أهل العلم في أن المنطق من العلم أم لا فتدبر

(2/523)


قال ابن خلدون في بيان هذا العلم : هو قوانين يعرف بها الصحيح من الفاسد في الحدود والمعرفة للماهيات والحجج المفيدة للتصديقات وذلك أن الأصل في الإدراكات إنما هو المحسوسات بالحواس الخمس وجميع الحيوانات مشتركة في هذا الإدراك من الناطق وغيره
وإنما يتميز الإنسان عنها بإدراك الكليات وهي مجردة من المحسوسات وذلك بأن يحصل في الخيال من الأشخاص المتفقة صورة منطبقة على جميع تلك الأشخاص المحسوسة هي الكلي ثم ينظر الذهن بين تلك الأشخاص المتفقة وأشخاص أخرى توافقها في بعض فيحصل له صورة تنطبق أيضا عليهما باعتبار ما اتفقا فيه ولا يزال يرتقي في التجريد إلى الكل الذي لا يجد كليا آخر معه يوفاقه فيكون لأجل ذلك بسيطا . وهذا مثل ما يجرد من أشخاص الإنسان صورة النوع المنطبقة عليها ثم ينظر بينه وبين الحيوان ويجرد صورة الجنس المنطبقة عليهما ثم بينهما وبين النبات إلى أن ينتهي إلى الجنس العالي وهو الجوهر فلا يجد كليا يوافقه في شيء فيقف العقل هنالك عن التجريد
ثم إن الإنسان لما خلق الله له الفكر الذي به يدرك العلوم والصنائع وكان العلم إما تصور للماهيات ويعني به إدراك ساذج من غير حكم معه
وأما تصديقا أي : حكما بثبوت أمر لأمر فصار سعي الفكر في تحصل المطلوبات
إما بأن تجمع تلك الكليات بعضها إلى بعض على جهة التأليف فتحصل صورة في الذهن كلية منطبقة على أفراد في الخارج فتكون تلك الصورة الذهنية ( 2 / 525 ) مفيدة لمعرفة ماهية تلك الأشخاص
وإما بأن يحكم بأمر على أمر فيثبت له ويكون ذلك تصديقا وغايته في الحقيقة راجعة إلى التصور لأن فائدة ذلك إذا حصل إنما هي معرفة حقائق الأشياء التي هي مقتضى العلم
وهذا السعي من الفكر قد يكون بطريق صحيح
وقد يكون بطريق فاسد فاقتضى ذلك تمييز الطريق الذي يسعى به الفكر في تحصيل المطالب العلمية ليتميز فيها الصحيح من الفاسد فكان ذلك قانون المنطق

(2/524)


وتكلم فيه المتقدمون أول ما تكلموا به جملا جملا ومتفرقا ولم تهذب طرقه ولم تجمع مسائله حتى ظهر في يونان أرسطو فهذب مباحثه ورتب مسائله وفصوله وجعله أول العلوم الحكمية وفاتحتها ولذلك يسمى بالمعلم الأول وكتابه المخصوص بالمنطق يسمى النص وهو يشمل على ثمانية كتب أربعة منها في صورة القياس وأربعة في مادته
وذلك إن المطالب التصديقية على أنحاء
فمنها ما يكون المطلوب فيه اليقين بطبعه
ومنها ما يكون المطلوب فيه الظن وهو على مراتب فينظر في القياس من حيث المطلوب الذي يفيده وما ينبغي أن تكون مقدماته بذلك الاعتبار ومن أي جنس يكون من العلم أو من الظن وقد ينظر في القياس لا باعتبار مطلوب مخصوص بل من جهة إنتاجه خاصة
ويقال للنظر الأول : إنه من حيث المادة ونعني به المادة المنتجة للمطلوب المخصوص من يقين أو ظن ويقال للنظر الثاني : إنه من حيث الصورة وإنتاج القياس على الإطلاق فكانت لذلك كتب المنطق ثمانية
الأول : في الأجناس العالية التي ينتهي إليها تجريد المحسوسات وهي التي ( 2 / 526 ) ليس فوقها جنس ويسمى كتاب المقولات
والثاني : في القضايا التصديقية وأصنافها ويسمى : كتاب العبارة
والثالث : في القياس وصورة إنتاجه على الإطلاق ويسمى كتاب القياس وهذا آخر النظر من حيث الصورة
ثم الرابع : كتاب ( ( البرهان ) ) وهو النظر في القياس المنتج لليقين وكيف يجب أن تكون مقدماته يقينية ويختص بشروط أخرى لإفادة اليقين مذكورة فيه مثل كونها ذاتية وأولية وغير ذلك وفي هذا الكتاب الكلام في المعرفات والحدود إذ المطلوب فيها إنما هو اليقين لوجوب المطابقة بين الحد والمحدود لا تحتمل غيرها فلذلك اختصت عند المتقدمين بهذا الكتاب

(2/525)


والخامس : كتاب الجدل وهو القياس المفيد قطع المشاغب وإفحام الخصم وما يجب أن يستعمل فيه من المشهورات ويختص أيضا من جهة إفادته لهذا الغرض بشروط أخرى من حيث إفادته لهذا الغرض وهي مذكورة هناك وفي هذا الكتاب يذكر المواضع التي يستنبط منها صاحب القياس قياسه ومنه عكوس القضايا
والسادس : كتاب السفسطة : وهو القياس الذي يفيد خلاف الحق ويغالط به المناظر صاحبه وهو فاسد وهذا إنما كتب ليعرف به القياس المغالطي فيحذر منه
والسابع : كتاب الخطابة وهو القياس المفيد ترغيب الجمهور وحملهم على المراد منهم وما يجب أن يستعمل في ذلك من المقالات
والثامن : كتاب الشعر وهو القياس الذي يفيد التمثيل والتشبيه خاصة للإقبال على الشيء أو النفرة عنه وما يجب أن يستعمل فيه من القضايا التخييلية هذه هي كتب المنطق الثمانية عند المتقدمين
ثم أن حكماء اليونانيين بعد أن تهذبت الصناعة ورتبت رأوا أنه لا بد من الكلام في الكليات الخمس المفيدة للتصور فاستدركوا فيها مقالة تختص بها مقدمة بين يدي الفن فصارت تسعا وترجمت كلها في الملة الإسلامية وكتبها وتداولها ( 2 / 527 ) فلاسفة الإسلام بالشرح والتلخيص كما فعله الفارابي وابن سينا ثم ابن رشد من فلاسفة الأندلس ولابن سينا كتاب الشفا استوعب فيه علوم الفلسفة السبعة كلها

(2/526)


ثم جاء المتأخرون فغيروا اصطلاحات المنطق والحقوا بالنظر في الكليات الخمس ثمرته وهي : الكلام في الحدود والرسوم نقولها من كتاب البرهان وحدقوا كتاب المقولات لأن نظر المنطقي فيه بالعرض لا بالذات وألحقوا في كتاب العبارة الكلام في العكس لأنه من توابع الكلام في القضايا ببعض الوجوه
ثم تكلموا في القياس من حيث إنتاجه للمطالب على العموم لا بحسب المادة وحدقوا النظر فيه بحسب المادة وهي الكتب الخمسة : البرهان والجدول والخطابة والشعر والسفسطة وربما يلم بعضهم باليسير منها إلماما وأغفلوها كأن لم تكن وهي المهم المعتمد في الفن
ثم تكلموا فيما وضعوه من ذلك كلاما مستبحرا نظروا فيه من حيث أنه فن برأسه لا من حيث أنه آلة للعلوم فطال الكلام فيه واتسع
وأول من فعل ذلك الإمام فخر الدين بن الخطيب ومن بعده فضل الدين الخونجي وعلى كتبه معتمد المشارقة لهذا العهد وله في هذه الصناعة كتاب ( ( كشف الأسرار ) ) وهو طويل واختصر فيها مختصر الموجز وهو حسن في التعليم ثم مختصر المجمل في قدر أربعة أوراق أخذ بمجمامع الفن وأصوله فتداوله المتعلمون لهذا العهد فينتفعون به وهجرت كتب المتقدمين وطرقهم كأن لم تكن وهي ممتلئة من ثمرة المنطق وفائدته كما قلناه والله الهادي للصواب انتهى كلام ابن خلدون
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) :
وقد صح بشهادة أهل التواريخ والندماء أن أول من دون المنطق أرسطو وقد بذل ملك زمانه في مقابلة ذلك خمسمائة ألف دينار وأدر عليه في كل سنة مائة وعشرين ألف دينار
وقيل : أنه تنبه لوضعه وترتيبه من نظم كتاب إقليدس في الهندسة ثم إن ( 2 / 528 ) أرسطو بعدما دون المنطق صارت كتبه مخزونة في أبنية ولاية موره من بلاد الروم عند ملك من ملوك اليونان ولما رغب الخليفة المأمون في علوم الأوائل أرسل إلى الملك المذكور وطلب الكتب فلم يرسل فغضب المأمون وجمع العساكر وبلغ الخبر إلى الملك فجمع البطاريق وشاورهم في الأمر فقالوا :

(2/527)


إن أردت الكسر في دين المسلمين وتزلزل عقائدهم فلا تمنعهم عن الكتب فاستحسن الملك فأرسلها إلى المأمون فجمع المأمون مترجمي مملكته كحنين بن إسحاق وثابت ابن قرة وغيرهما فترجموها بتراجم مختلفة بحيث لا يوافق ترجمة أحدهم ترجمة الآخر فبقيت التراجم غير محررة إلى أن التمس منصور بن نوح الساماني من أبي نصر الفارابي أن يحررها ويخصها ففعل كما أراد ولهذا لقب بالمعلم الثاني وكانت كتبه في خزانة الكتب المبنية بأصبهان المسماة بصوان الحكمة إلى زمان السلطان مسعود لكن كانت غير مبيضة لأن الفارابي كان غير ملتفت إلى جمع التصانيف ونشرها بل غلب عليه السياحة
ثم إن الشيخ أبا علي تقرب عند السلطان مسعود بسبب الطب حتى استوزره واستولى على تلك الخزانة وأخذ ما في تلك الكتب ولخص منها كتاب الشفا وغير ذلك من تصانيفه وقد اتفق إن احترقت تلك الكتب فاتهم أبو علي بأنه أحرقها لينقطع انتساب تلك العلوم عن أربابها ويختص بنفسه لكن هذا كلام الحساد الذين ليس لهم هاد
واعلم أن الأوائل من الملوك كانوا يهتمون بجمع الكتب وخزانتها فحدثت في الإسلام خزائن ثلاث :
إحداها : بمدينة دار السلام ببغداد وكانت فيها من الكتب ما لا يحصى كثرة وقد ذهب الكل في وقعة تاتار ببغداد
وثانيتها : خزانة الفاطميين بمصر وكانت من أعظم الخزائن وأكثرها جمعا للكتب النفيسة ولما انقضت دولتهم باستيلاء الملك صلاح الدين على مصر فاشترى القاضي الفاضل أكثر كتب هذه الخزانة ووقفها على مدرسته بمصر فبقيت ( 2 / 529 ) فيها إلى أن استولت عليها الأيدي فلم يبق منها إلا القليل

(2/528)


وثالثتها : خزانة بني أمية بالأندلس وكانت من أجل خزائن الكتب أيضا ولما انقرضت دولتهم باستيلاء ملوك الطوائف على الأندلس ذهب كلها
أو من الكتب المبسوطة في المنطق : البحر الخضم ومنطق الشفاء لأبي علي بن سينا كتبه بلا مطالعة كتاب وكان يكتب كل يوم خمسين ورقة من حفظه وله كتاب النجاة والقانون والإشارات
ومنها كتاب بيان الحق ومطالع الأنوار والمناهج كلها في المنطق والحكمة للأمور كان شافعيا وكتاب كشف الأسرار لمحمد بن عبد الملك الخونجي وهو صاحب الموجز في المنطق ومن الكتب اللطيفة التلويحات والمطارحات لأبي الفتوح يحيى بن حنش الملقب بشهاب الدين السهروردي الحكيم المقتول وقيل اسمه عمر
ومنها : الملخص وشرح الإشارات للرازي والمعتبر لأبي البركات البغدادي اليهودي أولا في أكثر عمره والمهتد إلى الإسلام في آخر عمره أتى في المعتبر بأقسام الحكمة غير الرياضي وهو أحسن كتاب في هذا الشأن في هذا الزمان استولت عليه آفات لو وضع واحد منها على رضوى لتخلخلت أصولها الرواسخ وتدكدكت رؤوسها الشوامخ وذلك أنه عمى وطرش وبرص وتجذم فنعوذ بالله من نقمة لا تطيقها الأبدان ومن زوال العافية وتقلب الإحسان
ولما أحس بالموت أوصى من يتولاه أن يكتب على قبره : هذا قبر أوحد الزمان أبي البركات ذي العبر صاحب المعتبر فسبحان من لا يغلبه غالب ولا ينجو من قضائه متحيل ولا هارب نسأل الله في حياتنا العافية وفي مماتنا حسن العاقبة رب قد أحسنت فيما مضى فلك أن تحسن فيما بقي ولم يتحقق تاريخ وفاته إلا أنه كان في أوسط المائة السادسة

(2/529)


ومنها جامع الدقائق للكاتبي وتنزيل الأفكار وحواشي ملخص الرازي ( 2 / 530 ) له أيضا وإن أردت بلوغ الغاية في المنطق فعليك بتعديل الميزان وهو أحد أقسام تعديل العلوم لصدر الشريعة وقد كشف في هذا الكتاب عن غوامض طالما تحير فيها عقول الأقدمين وأبرز قواعد لم يهتد إليها أحد من الأوحدين ومع هذا فهو لعلوم الشريعة أبو عذرها وابن بجدتها وكتب المنطق أكثر من أن تحصى وأجل من أن تستقصي انتهى حاصله

(2/529)


علم مواسم السنة

(2/530)


قال الأرنيقي : إن لكل أمة من الأمم ولكل طائفة من الأقوام مواسم وأعياد يعينون لكل منها شغلا مخصوصا فالعلم المذكور يعرف به أعياد كل قوم وإنها من السنة في أي يوم ويعرف شغل أهلها في ذلك ومن جملة ذلك يوم النيروز والمهرجان عند أهل الفارس وكان أهل القبط يأتي ملكهم في يوم النيروز ويرصدون من الليل فيقدمون رجلا حسن الاسم والوجه طيب الرائحة فيقف على الباب حتى يصبح فإذا أصبح دخل على الملك بغير أذن فيقف عنده
فيقول له الملك : ما اسمك ؟ ومن أين أنت أقبلت ؟ وأين تريد ؟ ولأي شيء وردت وما معك ؟
فيقول : أنا المنصور واسمي المبارك ومن قبل الله أقبلت والملك السعيد أردت وبالهنا والسلامة وردت ومعي السنة الجديدة ثم يجلس ويدخل بعده رجل معه طبق من فضة وفيه حنطة وشعير وجلبان وذرة وحمص وسمسم وأرز من كل سبع سنابل وسبع حبات وقطعة سكر ودينار فيضع الطبق بين يدي الملك ثم يدخل عليه الهدايا ويبتدئ من الوزير ثم الناس على قدر مراتبهم ثم يقدم الملك برغيف كبير مصنوع من تلك الحبوب فيأكل منه ويطعم من حضره ثم يقول :
هذا يوم جديد من شهر جديد من عام جديد من زمان جديد يحتاج أن يجدد فيه ما أخلقه الزمان وأحق الناس بالفضل والإحسان الرأس لفضله على ( 2 / 531 ) سائر الأعضاء ثم يخلع على وجوه دولته ويصلهم ويصرف عليهم ما حمل إليه من الهدايا
وكان من عادة الفرس في عيدهم أن يدهن الملك بدهن البان تبركا ويلبس القصب والوشي ويضع على رأسه تاجا فيه صورة الشمس ويكون أول من يدخل عليها المؤبد بطبق عليه أترجة وقطعة سكر ونبق وسفرجل وتفاح وعناب وعنقود عنب أبيض وسبع باقات آس ثم يدخل الناس مثل الأول على طبقاتهم
ومن عادتهم في يوم النيروز أنهم : يجمعون بين سبع أشياء أول أسمائهن سينات يأكلونها هي السكر والسفرجل السمسم والسحاق والسذاب والسقنقور وعادات الناس في الأعياد خارجة عن التعداد انتهى

(2/530)


قلت : وقد ذكر الشيخ الإمام العلامة المقريزي في كتاب الخطط والآثار كثيرا من أعيادهم وبسط في بيان ذلك ولكن الشرع الشريف قد ورد بإبطال كل عيد للناس على اختلاف فرقهم وقبائلهم وعشائرهم إلا ما وردت به السنة المطهرة من الجمعة والعيدين والحجج وعليه عمل المسلمين إلى الآن
ولشيخ الإسلام أحمد بن تيمية رضي الله عنه كتاب سماه ( ( اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ) ) في رد أعياد الأقوام ونهي المسلمين عن اعتياد عادات هؤلاء الطعام وفي الحديث ( من تشبه بقوم فهو منهم ) والتشبه يشمل كل شبه يكون في الأعياد والأخلاق وهيأت اللبس والآكل والركوب والبناء والكلام وقد تساهل الناس المسلمون اليوم في التحرز عن التشبه إلى الغاية وشابهوا الكفار وأهل الكتاب في مراسمهم ومواسهم إلى النهاية إلا من عصمه الله وقليل ما هم وتأويل هذا الحديث يستدعي بسطا تاما وليس هذا موضع بيان المسائل والأحكام فعليك بالنظر في اقتضاء الصراط المستقيم يتضح لك الحق مما هو باطل في دين الإسلام وبالله التوفيق ( 2 / 532 )

(2/531)


علم المواقيت

(2/532)


كذا في كشف الظنون قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : وهو علم يتعرف منه أزمنة الأيام والليالي وأحوالها وكيفية التوصل إليها ومنفعته معرفة أوقات العبادات والطوالع والمطالع من أجزاء البروج والكوكب الثابتة التي منها منازل القمر ومقادير الأظلال والارتفاعات وانحراف البلدان بعضها عن بعض وسموتها ومن المصنفات فيه ( ( نفائس البواقيت في أحوال المواقيت ) ) و ( ( جامع المبادئ والغايات ) ) لأبي علي المراكشي انتهى

(2/532)


علم مواقيت الصلاة

(2/532)


علم يتعرف منه أوقات الصلوات الخمس على الوجه الوارد في الشرع ويفترض علم تلك المواقيت تقريبا وأما علمه تحقيقا ففرض كفاية فلا بد في كل بلد من يعرفها على وجه التحقيق كذا في ( ( مدينة العلوم ) )
قلت للسيد الإمام العلامة المجتهد شيخ شيوخنا محمد بن إسماعيل الأمير اليماني رحمه الله رسالة سماها ( ( اليواقيت في المواقيت ) ) ألفها في ذكر أوقات الصلوات الخمس على ما وردت به السنة المطهرة صرح فيها بأن العمل في الصلاة والصوم على علم المواقيت بدعة قبيحة من أحداث الملوك ولا يتوقف عليه معرفة أوقات الصلاة وهذه الرسالة نفيسة جدا

(2/532)


علم الموسيقى

(2/532)


قال صاحب الفتحية الموسيقى : علم رياضي يبحث فيه عن أحوال النغم من حيث الاتفاق والتنافر وأحوال الأزمنة المتخللة بين النقرات من حيث الوزن وعدمه ليحصل معرفة كيفية تأليف اللحن هذا ما قاله الشيخ في شفاءه إلا إن لفظه بين النقرات زيدت على كلامه ( 2 / 533 )
وعبارته بعينها أي : معرفة النغم الحاصل من النقرات ليعم البحث عن الأزمنة التي تكون نقراتها منغمة أو ساذجة وكلامه يشعر بكون البحث عن الأزمنة التي تكون نقراها منغمة فقط
وعرفها الشيخ أبو نصر : بأنها صوت واحد لابث لزمان فإذا قدر محسوسا في الجسم الذي فيه يوجد والزمان قد يكون غير محسوس القدر لصغره فلا مدخل للبحث والصوت اللابث فيه لا يسمى نغمة والقوم قدروا أقل المرتبة المحسوسة في زمان يقع بين حرفين متحركين ملفوظين على سبيل الاعتدال فظهر لنا أنه يشتمل على بحثين البحث : الأول : عن أحوال النغم والبحث الثاني : عن الأزمنة فالأول يسمى : علم التأليف . والثاني : علم الإيقاع
والغاية والغرض منه حصول معرفة كيفية تأليف الألحان وهو في عرفهم أنغام مختلفة الحدة والثقل رتبت ترتيبا ملائما وقد يقال : وقرنت بها ألفاظ دالة على معان محركة للنفس تحريكا ملذا وعلى هذا فما يترنم به الخطباء والقراء يكون لحنا بخلاف التعريف الثالث : وهو وقرنت بها ألفاظ منظومة مظروفة الأزمنة بالأول أعم من الثاني والثالث وبين الثاني والثالث عموم من وجه

(2/532)


وقال في ( ( مدينة العلوم ) ) : وهو علم تعرف منه أحوال النغم والإيقاعات وكيفية تأليف اللحون وإيجاد الآلات الموسيقائية وإنما وضعوا هذه الآلات لما ليس فيه الطبيعة فلم يرخصوا الإخلال به
وموضوعه : الصوت من جهة تأثيره في النفس إما بالبسط أو بالقبض لأن الصوت إما أن يحرك النفس عن المبدأ فيحدث البسط من السرور واللذة وما يناسبها وإما إلى مبدئها فيحدث القبض والفكر في العواقب وما يناسب ذلك ومن الكتب المصنفة فيه كتاب الفارابي وهو أشهرها وأحسنها وكذا كتاب الموسيقي من أبواب الشفاء لابن سينا ولصفي الدين عبد المؤمن مختصر لطيف ولثابت بن قرة تصنيف نافع ولأبي الوفاء الجوزجاني مختصر نافع في فن ( 2 / 534 ) الإيقاع والكتب في هذا الفن كثيرة وفيما ذكرناه كفاية انتهى كلامه
وقد اتفق الجمهور على أن واضع هذا الفن
أولا : فيثاغورس من تلامذة سليمان عليه السلام وكان رأى في المنام ثلاثة أيام متوالية أن شخصا يقول له : قم واذهب إلى ساحل البحر الفلاني وحصل هناك علما غريبا فذهب من غد كل ليلة من الليالي إليه فلم ير أحدا فيه وعلم أنها رؤيا ليست مما يؤخذ جدا فانعكس وكان هناك جمع من الحدادين يضربون بالمطارق على التناسب فتأمل ثم رجع وقصد أنواع مناسبات بين الأصوات ولما حصل له ما قصده بتفكر كثير وفيض إلهامي صنع آلة وشد عليها إبريسما وأنشد شعرا في التوحيد وترغيب الخلق في أمور الآخرة فأعرض بذلك كثير من الخلائق عن الدنيا وصارت تلك الآلة معززة بين الحكماء وبعد مدة قليلة صار حكيما محققا بالغا في الرياضة بصفاء جوهره وأصلا إلى مأوى الأرواح وسعة السماوات وكان يقول : إني أسمع نغمات شهية وألحانات بهية من الحركات الفلكية وتمكنت تلك النغمات في خيالي وضميري فوضع قواعد هذا العلم
وأضاف بعده الحكماء مخترعاتهم إلى ما وضعه إلى أن انتهت النوبة إلى أرسطاطاليس فتفكر أرسطو فوضع الأغنون وهو آلة لليونانيين تعمل من ثلاثة زقاق كبار من جلود الجواميس يضم بعضها إلى بعض ويركب على رأس الزق الأوسط زق كبير آخر ثم يركب على هذه الزقاق أنابيب لها ثقب على نسب معلومة تخرج منها أصوات طيبة مطربة على حسب استعمال المستعمل

(2/533)


وكان غرضهم من استخراج قواعد هذا الفن تأنيس الأرواح والنفوس الناطقة إلى عالم القدس لا مجرد اللهو والطرب فإن النفس قد يظهر فيها باستماع واسطة حسن التأليف وتناسب النغمات بسط فتذكر مصاحبة النفوس العالية ومجاورة العالم العلوي وتسمع هذا النداء وهو :
ارجعي أيتها النفس الغريقة في الأجسام المدلهمة في فجور الطبع إلى ( 2 / 535 ) العقول الروحانية والذخائر التوراتية والأماكن القدسية في مقعد صدق عند مليك مقتدر
ومن رجال هذا الفن من صار له يد طولى كعبد المؤمن فإن له فيه شرفية وخواجه عبد القادر بن غيبي الحافظ المراغي له فيه كتب عديدة وقد أطال ابن خلدون في بيان صناعة الغناء فمن شاء ليرجع إليه فأنه بحث نفيس

(2/534)


علم الموعظة

(2/535)


ويقال : علم المواعظ وهو علم يعرف به ما هو سبب الإنزجار عن المنهيات والانزعاج إلى المأمورات من الأمور الخطابية المناسبة لطباع عامة الناس
ومباديه الأحاديث المروية عن سيد المرسلين وحكايات العباد والزهاد والصالحين وكذا حكايات الأشرار المبتلين بالبليات بسوء أعمالهم وفساد أحوالهم ذكره في ( ( مدينة العلوم ) )
قال ابن الجوزي في ( ( المنتخب ) ) : لما كانت المواعظ مندوبا إليها بقوله عز وجل : ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعماله : ( تعاهدوا الناس التذكرة ) ولأن أدواء القلوب تفتقر إلى أدوية كما تحتاج أمراض البدن إلى معالجة ألفت في هذا الفن كتبا تشتمل على أصوله وفروعه وكان السلف يقتنعون من المواعظ باليسير من غير تحسين لفظ أو زخرفة نطق
ومن تأمل مواعظ الحسين بن علي رضي الله عنهما وغيره علم ما أشرت إليه وكذلك كان الفقهاء في قديم الزمان يتناظرون من غير مفاوضة في تسمية قياس علة أو قياس شبه وأرجو أن يكون ما أخذته من الألفاظ والأسامي لا يخرج عن مرضاة الأوائل وكذلك ما أخذته عن علماء المذكورين من تحسين لفظ أو تسجيع وعظ لا يخرج عن قانون الجواز وما ذاك إلا بمثابة جمع القرآن الذي ابتدأ به أبو بكر رضي الله عنه وثنى به عثمان وجمع عمر الناس على قرائه في شهر رمضان وأذن لتميمي الداري أن ( 2 / 536 ) يقص ومثل هذه لا تذم لكونها ابتدعت إذ ليست بخارجة عن أصل المشروع وقال الحسن : القصص بدعة كم من أخ يستفيد ودعوة يستجاب انتهى

(2/535)


وذكر الشيخ الأجل مسند الوقت أحمد ولي الله المحدث الدهولي رحمه الله في كتابة ( ( القول الجميل في بيان سواء السبيل ) ) فصل في بيان آداب الوعظ والواعظ وعبارته هذه قال الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : ( فذكر إنما أنت مذكر ) وقال لكليمه موسى عليه السلام : وذكرهم بأيام الله
فالتذكير ركن عظيم ولنتكلم في صفة المذكر وكيفية التذكير والغاية التي يلمحها المذكر ومن أي علم استمداده وماذا أركانه وما آداب المستمعين وما الآفات التي تعتري في وعاظ زماننا ومن الله الاستعانة
أما المذكر : فلا بد أن يكون مكلفا عدلا كما اشترطوا في راوي الحديث والشاهد محدثا مفسرا عالما بجملة كافية من أخبار السلف الصالح وسيرتهم ونعني بالمحدث المشتغل بكتب الحديث بأن يكون قرأ لفظها وفهم معناها وعرف صحتها وسقمها ولو بإخبار حافظ أو استنباط فقيه وكذلك بالمفسر المشتغل بشرح غريب كتاب الله وتوجيه مشكلة وبما روي عن السلف في تفسيره
ويستحب مع ذلك أن يكون فصيحا لا يتكلم مع الناس إلا قدر فهمهم وأن يكون لطيفا ذا وجه ومروة
وأما كيفية التذكير : فهو أن لا يذكر إلا غبا ولا يتكلم وفيهم ملال بل إذا عرف فيهم الرغبة ويقطع عنهم وفيهم رغبة وأن يجلس في مكان ظاهر كالمسجد وأن يبدأ الكلام بحمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويختم بها ويدعو للمؤمنين عموما وللحاضرين خصوصا ولا يخص في الترغيب والترهيب فقط بل يشوب كلامه من هذا ومن ذلك كما هو سنة الله من إرداف الوعد بالوعيد والبشارة بالإنذار وأن يكون ميسرا لا معسرا ويعم بالخطاب ولا يخص طائفة دون طائفة ( 2 / 537 ) وأن لا يشافه بذم قوم أو الإنكار على شخص بل يعرض مثل أن يقول :
ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ولا يتكلم بسقط وهزل ويحسن الحسن ويقبح القبيح ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولا يكون إمعة

(2/536)


وأما الغاية التي يلمحها المذكر فينبغي أن يزور في نفسه صفة المسلم في أعماله وحفظ لسانه وأخلاقه وأحواله القلبية ومداومته على الأذكار ثم ليتحقق فيهم تلك الصفة بكمالها بالتدريج على حسب فهمهم فيأمر أولا بفضائل الحسنات ومساوئ السيئات في اللباس والزي والصلوات وغيرها فإذا تأدبوا فليأمر بالأذكار فإذا أثر فيهم فليحرضهم على ضبط اللسان والقلب وليستعن في تأثير هذه في قلوبهم بذكر أيام الله ووقائعه من باهر أفعاله وتصريفه وتعذيبه لأمم في الدنيا ثم بهول الموت وعذاب القبر وشدة يوم الحساب وعذاب النار وكذلك بترغيبات على حسب ما ذكرنا
وأما استمداده فليكن من كتاب الله على تأويله الظاهر وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المعروفة عند المحدثين وأقاويل الصحابة والتابعين وغيرهم من صالح المؤمنين وبيان سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يذكر القصص المجازفة فإن الصحابة أنكروا على ذلك اشد الإنكار وأخرجوا أولئك المساجد وضربوهم وأكثر ما يكون هذا في الإسرائيليات التي لا تعرف صحتها وفي السيرة وشأن نزول القرآن
وأما أركانه : فالترغيب والترهيب والتمثيل بالأمثال الواضحة والقصص المرققة والنكات النافعة فهذا طريق التذكير والشرح والمسئلة التي يذكرها إما من الحلال والحرام أو من باب آداب الصوفية أو من باب الدعوات أو من عقائد الإسلام فالقول الجلي أن هناك مسئلة يعلمها وطريقها في تعليمها
وأما آداب المستمعين : فإن يستقبلوا المذكر ولا يلعبوا ولا يلغطوا ولا يتكلموا فيها بينهم ولا يكثروا السؤال من المذكر في كل مسئلة بل إذا عرض خاطر
فإن كان لا يتعلق بالمسئلة تعلقا قويا أو كان دقيقا لا يتحمله فهوم العامة ( 2 / 538 ) فليسكت عنه في المجلس الحاضر فإن شاء سأله في الخلوة
وإن كان له تعلق قوي كتفصيل إجمال وشرح غريب فلينتظر حتى إذا انقضى كلامه وليعد المذكر كلامه ثلث مرات فإن كان هناك أهل لغات شتى والمذكر يقدر أن يتكلم على ألسنتهم فليفعل ذلك . وليجتنب دقة الكلام وإجماله

(2/537)


وأما الآفات التي تعتري الوعاظ في زماننا فمنها :
عدم تمييزهم بين الموضوعات وغيرها بل غالب كلامهم الموضوعات والمحرفات وذكر الصلوات والدعوات التي عدها المحدثون من الموضوعات
ومنها : مبالغتهم في شيء من الترغيب والترهيب
ومنها : قصصهم قصة كربلا والوفاة وغير ذلك وخطبهم فيها انتهى
قلت : ويشمل قوله غير ذلك مجالس قصة الولادة وما يكون فيها من القيام وعند ذكر ولادته صلى الله عليه وسلم
وقد صرح جماعة من أهل العلم بالكتاب والسنة بأن محفل الميلاد بدعة لم يرد دليل ولم يدل عليه نص من الشرع
منهم الشيخ الأجل والصوفي الأكمل مجدد الألف الثاني الشيخ أحمد الفاروقي السهرندي وجم غفير من أتباعه
ومنهم : الإمام العلامة المجتهد المطلق الفهامة شيخنا القاضي محمد بن علي الشوكاني اليماني وجمع كثير من تلامذته
ومنهم : سيدي الوالد الماجد حسن بن علي الحسيني البخاري القنوجي رضي الله عنهم وعصابة من مستفيديه وأخلافه
وما ذهب إليه طائفة من العلماء المقلدة من أن البدعة تنقسم إلى كذا وكذا فهو قول ساقط مردود لا يعتد به ولا يلتفت إليه كيف والحديث الصحيح ( كل بدعة ضلالة ) نص قاطع وبرهان ساطع لرد البدع كلها كائنا ما كان ( 2 / 539 )
والدليل في ذلك على من قال بالقسمة والمانع يكفيه القيام في مقام المنع حتى يظهر ما يخالفه ظهورا بينا لا شك فيه ولا شبهة

(2/538)


وأما آراء الرجال وأقوال الناس وروايات الكتب الفقهية والفتاوى المذهبية فلا تسأل عنها فإنها لكثرة العبائر ووفرة الوجوه والنظائر لا تكاد تنحصر في صحف السماء والأرض فضلا عن الأوراق ومن قلد ولم يتبع فقد ضل عن الحق وغاب عن الصواب ودخل في الباطل وهوى في مهوى التباب وبالله العصمة والتوفيق

(2/539)


علم الميزان

(2/539)


ويسمى علم المنطق تقدم وإنما سمي بالميزان إذ به توزن الحجج والبراهين
وكان أبو علي يسميه : خادم العلوم إذ ليس مقصودا بنفسه بل هو وسيلة إلى العلوم فهو كخادم لها
وأبو نصر يسميه : رئيس العلوم لنفاذ حكمه فيها فيكون رئيسا حاكما عليها وإنما سمي بالمنطق لأن النطق يطلق على اللفظ وعلى إدراك الكليات وعلى النفس الناطقة
ولما كان هذا الفن يقوي الأول ويسلك بالثاني مسلك السداد ويحصل بسببه كمالات الثالث اشتق له اسم منه وهو المنطق
وهو : علم بقوانين تفيد معرفة طرق الانتقال من المعلومات إلى المجهولات وشرائطها بحيث لا يعرض الغلط في الفكر
والمعلومات : تتناول الضرورية والنظرية
والمجهولات : تتناول التصورية والتصديقية وهذا أولى مما ذكره صاحب الكشف تفيد معرفة طرق الانتقال من الضروريات إلى النظريات لأنه يوهم ( 2 / 540 ) بالانتقال الذاتي علم ما يتبادر من العبارة والمراد الأعم من أن يكون بالذات أو بالواسطة
وأما احترازاته : فقد ذكرها صاحب كشاف اصطلاحات الفنون وليس إيرادها ههنا من غرضنا في هذا الكتاب

(2/539)


والمنطق من العلوم الآلية لأن المقصود منه تحصيل المجهول من المعلوم ولذا قيل : الغرض من تدوينه العلوم الحكمية فهو في نفسه غير مقصود ولذا قيل المنطق آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر
وموضوعه : التصورات والتصديقات أي : المعلومات التصورية والتصديقية لأن بحث المنطقي عن أعراضها الذاتية فإنه يبحث عن التصورات من حيث إنها توصل إلى تصور مجهول إيصالا قريبا أي بلا واسطة كالحد والرسم أو إيصالا بعيدا ككونها كلية وجزئية وذاتية وعرضية ونحوها فإن مجرد أمر من هذه الأمور لا يوصل إلى التصور ما لم ينضم إليه آخر يحصل منها حد أو رسم
ويبحث عن التصديقات من حيث أنها توصل إلى تصديق مجهول إيصالا قريبا كالقياس والاستقراء والتمثيل أو بعيد ككونها قضية وعكس قضية ونقيضها فإنها ما لم تنضم إليه ضميمة لا توصل إلى التصديق
ويبحث عن التصورات من حيث أنها توصل إلى التصديق إيصالا أبعد ككونها موضوعات ومحمولات لا خفاء في أن إيصال التصورات والتصديقات إلى المطالب قريبا أو بعيدا من العوارض الذاتية لها فتكون هي موضوع المنطق
وذهب أهل التحقيق إلى أن موضوعه المعقولات الثانية لا من حيث إنها ما هي في أنفسها ولا من حيث أنها موجودة في الذهن فإن ذلك وظيفة فلسفية بل من حيث أنها توصل إلى المجهول أو يكون لها نفع في الإيصال

(2/540)


فإن المفهوم الكلي إذا وجد في الذهن وقيس إلى ما تحته من الجزئيات فباعتبار دخوله في ماهياتها يعرض له الذاتية وباعتبار خروجه عنها العرضية وباعتبار ( 2 / 541 ) كونه نفس ماهياتها النوعية وما عرض له الذاتية جنس باعتبار اختلاف أفراده وفصل باعتبار آخر وكذلك ما عرض له العرضية إما خاصة أو عرض عام باعتبارين مختلفين
وإذا ركبت الذاتيات والعرضيات إما منفردة أو مختلطة على وجوه مختلفة عرض لذلك المركب الحدية والرسمية ولا شك أن هذه المعاني أعني كون المفهوم الكلي ذاتيا أو عرضيا أو نوعا ونحو ذلك ليست من الموجودات الخارجية بل هي مما يعرض للطبائع الكلية إذا وجدت في الأذهان وكذا الحال في كون القضية حملية أو شرطية وكون الحجة قياسا أو استقراء أو تمثيلا فإنها بأسرها عوارض تعرض لطبائع النسب الجزئية في الأذهان إما وحدها أو مأخوذة مع غيرها فهي أي المعقولات الثانية موضوع المنطق
ويبحث المنطقي عن المعقولات الثالثة وما بعدها من المراتب فإنها عوارض ذاتية للمعقولات الثانية فقط
فالقضية مثلا معقول ثان يبحث عن انقسامها وتناقضها وانعكاسها وإنتاجها إذا ركبت بعضها مع بعض فالانعكاس والإنتاج والانقسام والتناقض معقولات واقعة في الدرجة الثالثة من التعقل وإذا حكم على أحد الأقسام أو أحد المتناقضين مثلا في المباحث المنطقية بشيء كان ذلك الشيء في الدرجة الرابعة من التعقل وعلى هذا القياس
وقيل : موضوعه الألفاظ من حيث أنها تدل على المعاني وهو ليس بصحيح لأن نظر المنطقي ليس إلا في المعاني ورعاية جانب اللفظ إنما هي بالعرض

(2/540)


والغرض من المنطق : التمييز بين الصدق والكذب في الأقوال والخير والشر في الأفعال والحق والباطل في الاعتقادات
ومنفعته : القدرة على تحصيل العلوم النظرية والعملية
وأما شرفه : فهو أن بعضه فرض وهو البرهان لأنه لتكميل الذات وبعضه ( 2 / 542 ) فأول من نص على ذلك الإمام الشافعي ونص عليه من أصحابه إمام المحرمين والغزالي في آخر أمره وابن الصباغ صاحب ( ( الشامل ) ) وابن القشيري ونصر المقدسي والعماد بن يونس وحفيده والسلفي وابن بندار وابن عساكر وابن الأثير وابن الصلاح وابن دقيق العيد والبرهان الجعبري وأبو حيان والشرف الدمياطي والذهبي والطيبي والملوي والأسنوي والأذرعي والولي العراقي والشرف المقري قال : وأفتى به شيخنا قاضي القضاة شرف الدين المناوي
ونص عليه من أئمة المالكية ابن أبي زيد صاحب ( ( الرسالة ) ) والقاضي أبو بكر بن العربي وأبو بكر الطرطوسي وأبو الوليد الباجي وأبو طالب المكي صاحب ( ( قوت القلوب ) ) وأبو الحسن بن الحصار وأبو عامر بن الربيع وأبو الحسن بن حبيب وأبو حبيب المالقي وابن المنير وابن رشد وابن أبي حمزة وعامة أهل المغرب
ونص عليه من الأئمة الحنفية : أبو سعيد السيرافي والسراج القزويني وألف في ذمه كتابا ( ( سماه نصيحة المسلم المشفق لمن ابتلى بعلم المنطق ) )
ونصل عليه من أئمة الحنابلة : ابن الجوزي وسعد الدين الحارثي والتقي ابن تيمية وألف في ذمه ونقض قواعده مجلدا كبيرا اسمه ( ( نصيحة ذوي الإيمان في الرد على منطق اليونان ) ) انتهى كلامه
ومن عرف معنى الهيولي الذي جعله سببا لتحريم هذا الفن لابتناء بعضه عليه . علم أن السيوطي رحمه الله تعالى في هذا الفن ناقة ولا جمل ورجل ولا حمل فهو معذور . وقد قال بقول هؤلاء جماعة من أهل البيت وابن حزم الظاهري قال في الجوهرة : وقد فرط الغزالي وأفرط
وأما تفريطه : فكونه زعم أنه لا حاجة إلى علم الكلام
وأما إفراطه : فلأنه شرط للمجتهد ما لم يشترط أحد من علماء الإسلام من ( 2 / 543 ) نقل . وهو ما سوى البرهان من أقسام القياس لأنه للخطاب مع الغير ومن أتقن المنطق فهو على درجة من سائر العلوم ومن طلب العلوم الغير المتسقة وهي ما لا يؤمن فيها من الغلط ولا يعلم المنطق فهو كحاطب ليل . وكرامد العين لا يقدر على النظر إلى الضوء لا لبخل من الموجد بل لنقصان في الاستعداد

(2/541)


والصواب الذي يصدر من غير المنطقي كرمي من غير رام وقد يندر للمنطقي خطأ في النوافل دون المهمات لكنه يمكنه استدراكه بعرضه على القوانين المنطقية
ومرتبته في القراءة أن يقرأ بعد تهذيب الأخلاق وتقويم الفكر ببعض العلوم الرياضية مع الهندسة والحساب
وأما الأول : فلما قال أبقراط : البدن ليس بنقي كلما غذوته إنما يزيد شرا ووبالا ألا ترى أن الذين لم يهذبوا أخلاقهم إذا شرعوا في المنطق سلكوا منهج الضلال وانخرطوا في سلك الجهال وأنفوا أن يكونوا مع الجماعة ويتقلدوا ذل الطاعة فجعلوا الأعمال الطاهرة والأقوال الظاهرة من البدائع التي وردت بها الشرائع وقر آذانهم والحق تحت أقدامهم
وأما الثاني : فلتستأنس طبائعهم إلى البرهان كذا في شرح إشراق الحكمة ومؤلف المنطق ومدونه أرسطو انتهى . ما في ( ( كشاف اصطلاحات الفنون ) )
ولشيخنا الإمام العلامة قاضي القضاة محمد بن علي الشوكاني رسالة في هذا الباب سماه ( ( أمنية المتشوق في حكم المنطق ) ) قال فيها :
الخلاصة في ذلك أنه ذهب إلى لزوم تعلم المنطق الغزالي وجماعة
وذهب إلى تكريهه قوم
وقال بإباحته جمع جم وصرح بتحريمه جماعة
قال السيوطي في ( ( الحاوي ) ) : المنطق هو : فن خبيث مذموم يحرم الاشتغال به مبني بعض ما فيه على القول بالهيولي الذي هو كفر يجر إلى الفلسفة والزندقة . وليس له ثمرة دينية أصلا بل ولا دنيوية نص على جميع ما ذكرته أئمة الدين وعلماء الشريعة ( 2 / 544 ) معرفة صناعة المنطق ولهذا قال المهدي في أوائل البحر : وأما المنطق فالمحققون لا يعدونه لإمكان البرهان دونه يعني لا يعدونه من علوم الاجتهاد

(2/543)


وفي منهاج القرشي : أن الفلاسفة وضعوا علم المنطق خديعة وتوصلا إلى إبطال مسائل التوحيد لأنهم جعلوا قياس الغائب على الشاهد ظنيا وجميع مسائل التوحيد مبنية عليه فتوصلوا بهذا إلى أن الكلام في إثبات الصانع وصفاته ظني لا يمكن العلم به وتوصلا إلى إبطال مسائل العدل لأنهم جعلوا الحكم بقبح المظلم والكذب ونحو ذلك والحكم بحسن العدل ووجوب رد الوديعة وشكر المنعم ونحو ذلك أمورا مشهورات مسلمات ليس فيها إلا ظن ضعيف فلا يحكم الإنسان بقبح الظلم إلا لرقة قلبه أو الحمية أو لمحبة التعاون على المعاش ونحو ذلك
فتوصلوا بذلك إلى إبطال العدل والوعيد والشرائع وتكلفوا للتوصل إلى هذه الخديعة فنا من أدق الفنون والبراهين الحاصلة عن أشكالهم نوع واحد من أنواع العلوم وهو إلحاق التفصيل بالجملة وهو أقل العلوم كلفة وإن لم يكن ضروريا كمن يعلم أن كل ظلم قبيح ثم يعلم في وقت معين أنه ظلم فإنه يعلم أن هذا المعين قبيح إلحاقا للتفصيل بالجملة ولا يحتاج إلى إيراد مقدمتين في شكل مخصوص انتهى
قال القاضي علي بن عبد الله بن رادع : ولقد عرفت صحة ما ذكره في المنهاج بسماعي لمعظم كتب المنطق كالرسالة الشمسية وشرحها وغيرهما ووجدت ما يذكرونه في أشكالهم لا فائدة فيه إلى آخر ما قال في شرحه للأثمار ولقد عجبت من قول هذا القاضي حيث قال : بسماعي لمعظم كتب المنطق ثم تكلم بعد ذلك بكلام يشعر بعدم معرفته لأول بحث من مباحث الرسالة الشمسية
وكثيرا من يظن أنه قد عرف علم المنطق وهو لا يعرفه لأنه علم دقيق لا يفتح هذه الإشكالات الباردة

(2/544)


قال ابن رادع في ( ( شرح الأثمار ) ) : روي عن المؤلف أيده الله أنه قال : إن ( 2 / 545 ) العلماء المتقدمين كانوا إذا اطلعوا على شيء من ألفاظ الفلاسفة في أي كلام يرد عليهم اكتفوا في رده وإبطاله بكون فيه شيء من عبارة الفلاسفة ولم يتشاغلوا ببيان بطلانه وإن كثيرا من العلماء المتقدمين وكثيرا من المتأخرين نهوا عن الخوض فيه أشد النهي
وصنف الشيخ جلال الدين السيوطي كتابا سماه ( ( القول المشرق في تحريم الاشتغال بالمنطق ) ) ولم يشتغل من اشتغل من المتأخرين إلا لما كثر التعبير بقواعده من المخالفين واستعانوا بالخوض فيه على تيسير الرد عليهم بالطريق التي سلكوها وكان الأولى السلوك في طريقة المتقدمين لأن قواعد التعبير بعبارة المنطق كثيرة الغلط وخارجة عن عبارة الكتاب والسنة واللسان العربي مع أنه مفسدة في كل من الأديان
وقد روي أن بعض الخلفاء العباسيين لما طلب الفلاسفة ترجم علم المنطق باللغة العربية شاور كبيرا لهم فقال : ترجموه لهم فإن علمنا هذا لا يدخل في دين إلا أفسده
قال المؤلف رحمه الله : وقد وجد ذلك الكلام صحيحا فإن كثيرا من المتعمقين في علم المنطق من المسلمين قد مال في كثير من الأصول إلى ما يفكر به قطعا

(2/544)


وأما غير المسلمين من أهل الكتاب فقد تفلسف أكثرهم ولهذا إن كل من خرج عن الأصول الشرعية والعقلية لا يعتمد غيره مثل الباطنية والصوفية وغيرهم انتهى
وقال جماعة من العلماء : القول الفصل فيه أنه كالسيف يجاهد به شخص في سبيل الله ويقطع به آخر الطريق
قال الإمام يحيى بن حمزة : إن كان الإطلاع عليه لقصد حل شبهة ونقضها جاز ذلك بل هو الواجب على علماء الإسلام
وإن كان الإطلاع عليه لقصد حل شبهة ونقضها جاز ذلك بل هو الواجب ( 2 / 546 ) والمنطق أصلا
وعلى الجملة فاستعمال المتأخرين لفن المنطق في كتبهم معلوم لكل باحث ومن أنكر هذا بحث أي كتاب شاء من الكتب المتداولة بين الطلبة التي هي مدارس أهل العصر في هذه العلوم فإنه يجد معرفة ذلك متعسرة إن لم تكن متعذرة بدون علم المنطق خصوصا علم الأصول . فإنها قد جرت عادة مؤلفيه باستفتاح كتبهم بهذا العلم كابن الحاجب في مختصر المنتهى وشرحه وابن الإمام في غاية السول وشرحها وغيرهما دع عنك المطولات والمتوسطات هذه المختصرات التي هي مدرس المبتدئ في زماننا كالمعيار للإمام المهدي وشروحه والكافل لابن بهران وشروحه قد اشتمل كل واحد منها على مباحث من هذا العلم لا يعرفها إلا أربابه ومن ادعى معرفتها بدون هذا العلم فهو يعرف كذب نفسه
الطرف الثالث : إن كتب المنطق التي يدرسها طلبة العلوم في زماننا كرسالة إيساغوجي للأبهري وشروحها التهذيب للسعد وشروحه والرسالة الشمسية وشروحها وما يشابه هذه الكتب قد هذبها أئمة الإسلام تهذيبا صفت به عن كدورات أقوال المتقدمين فلا ترى فيها إلا مباحث نفيسة ولطائف شريفة تستعين بها على دقائق العلوم وتحل بها إيجازات المائلين إلى تدقيق العبارات فإن حرمت نفسك معرفتها فلاحظ لك بين أرباب التحقيق ولا صحة لنظرك بين أهل التدقيق فاصطبر على ما تسمعه من وصفك بالبلة والبلادة وقلة الفطنة وقصور البابع
فإن قلت : السلف أعظم قدوة وفي التشبه بهم فضيلة قلت : لا أشك في قولك ولكنه قد حال بينك وبينهم مئات من السنين وكيف لك بواحدة من أهل القرن الأول والثاني أو الثالث تأخذ عنه المعارف الصافية عن كدر المنطق هيهات هيهات حال بينك وبينهم عصور ودهور فليس في زمانك رجل يسبح في لجج مقدمات علم الكتاب والسنة إلا وعلم المنطق من أول محفوظاته ولا كتاب من ( 2 / 547 ) على علماء الإسلام

(2/545)


وإن كان لغرض غير ذلك كالاقتفاء لآثارهم والتدين بدينهم فهو الكفر والفرية التي لا شبهة فيها ولا مرية وفي هذا القدر من أقوال العلماء كفاية وإن كان المجال يتسع لأضعاف أضعاف ذلك وليس مرادنا إلا الإشارة إلى الاختلاف في هذا العلم
وأما ما هو الحق من هذه الأقوال فاعلم أنه لا يشك من له مسكة في صحة أطراف ثلاثة نذكرها هاهنا نجعلها كالمقدمة لما نرجحه
الطرف الأول : إن علم المنطق علم كفري واضعه الحكيم أرسطاطاليس اليوناني وليس من العلوم الإسلامية بإجماع المسلمين والمنكر لهذا منكر للضرورة وليس للمشتهرين بمعرفته المكبين على تحقيق مطالبه من المسلمين كالفارابي وابن سينا ومن نحا نحوهم إلا التفهم لدقائقه والتعريف بحقائقه ولهذا قال الفارابي وهو أعلم المسلمين بهذا الفن لما قال له قائل : أيما أعلم أنت أم أرسطاطايس ؟ فقال : لو أدركته لكنت من أكبر تلامذته
الطرف الثاني : إن المتأخرين من علماء الإسلام ولا سيما أئمة الأصول والبيان والنحو والكلام والجدل من أهل البيت وغيرهم قد استكثروا من استعمال القواعد المنطقية في مؤلفاتهم في هذه الفنون وغيرها وبالغ المحقق ابن الإمام الحسين بن القاسم في شرح غاية السول فقال :
وهاهنا أبحاث يحتاج إليها
أما الأول : فلان هذا العلم لما كان علما بكيفية الاستنباط وطريقة الاستدلال عن دلائل وكان المنطق علما بكيفية مطلق الاستدلال والاستنباط شارك المنطق وشابهه من هذه الجهة حتى كأنه جزئي من جزئيات المنطق وفرع من فروعه ولا ريب في أن إتقان الأصل وتدبره أدخل لإتقان الفرع والتبصر فيه انتهى بلفظه

(2/547)


فانظر كيف جعل علم الأصول جزئيا من جزئيات المنطق وجعله فرعا ( 2 / 548 ) فنون هذه المقدمات إلا وقد اشتمل على أبحاث منه فأنت بخير النظرين
أما الجهل بالعلوم التي لا سبيل إلى معرفة الكتاب والسنة إلا بها
أو الدخول فيما دخل فيه أبناء عصرك والكون في أعدادهم ولا أقول لك : لا سبيل لك إلى كتب المتقدمين التي لم تشب بهذا لعلم بل ربما وجده منها ما يكفيك عن كتب المتأخرين ولكنك لا تجد أحدا من أبناء عصرك تأخذها عنه بسنده المتصل بطريق السماع كما تجد كتب المتأخرين كذلك ولا أقول لك أيضا : إن علم الكتاب والسنة متوقف لذاته على معرفة علم المنطق فإن دين الله أيسر من أن يستعان على معرفته بعلم كفري ولكن معرفة علم الأصول والبيان والنحو والكلام على التمام والكمال متوقفة على معرفته في عصرنا لما أخبرناك به ومعرفة كتاب الله وسنة نبيه متوقفة على معرفتها على نزاع والمتوقف على المتوقف متوقف
وسبب التوقف بهذه الواسطة محبة المتأخرين للتدقيق والإغراب في العبارات واستعمال قواعد المناطقة واصطلاحاتهم وليتهم لم يفعلوه فإنه قد تسبب عن ذلك بعد الوصول إلى المطلوب على طالبه وطول المسافة وكثرة المشقة حتى إن طالب الكتاب والسنة بما لا يبلغ حد الكفاءة لقراءتهما إلا بعد تفويت أعوام عديدة ومعاناة معارف شديد فيذهب في تحصيل الآلات معظم مدة الرغبة واشتغال القريحة وجودة الذكاء فيقطعه ذلك عن الوصول إلى المطلوب وقد يصل إليهما بذهن كليل وفهم عليل فيأخذ منه بأنزر نصيب وأحقر حظ
وهذا هو السبب الأعظم في إهمال علمي الكتاب والسنة في المتأخرين لأنهم قد أذهبوا رواء الطلب وبهاء الرغبة في غيرهما ولو أنفقوا فيهما بعض ما أنفقوا في آلاتهما لوجدت فيهم الحفاظ المهرة والأئمة الكملة والله المستعان ( 2 / 549 )

(2/547)


وحاصل البحث : أنه لم يأت من قال بتحريم علم المنطق بحجة مرضية إلا قوله أنه علم كفري ونحن نسلم ذلك ولكنا نقول : قد صار في هذه الأعصار بذلك السبب من أهم آلات العلوم حلال أو حرام بل يتوقف كثير من المعارف عليه فاشتغل به اشتغالك بفن من فنون الآلات ولا تعبأ بتشغيبات المتقدمين وبتشنيعات المقصرين وعليك بمختصرات الفن كالتهذيب والشمسية واحذر من مطولاته المستخرجة على قواعد اليونان كشفاء ابن سينا وما يشابهه من كتبه وكتاب الشفاء والإشارات وما يليهما من المطولات والمتوسطات التي خلط فيها أهلها المنطق بالحكمة اليونانية والفلسفة الكفرية يضل أكثر المشتغلين بها ويبعدهم عن الصراط السوي والهدي النبوي الذي أمرنا باتباعه بنصوص الكتاب والسنة والله تعالى أعلم بالصواب

(2/549)


علم الميقات

(2/549)


ذكره في ( ( كشف الظنون ) ) ولم يبينه ولعل المراد به علم مواقيت الصلوات الخمس أو ميقات الناس على اختلاف مساكنهم وبلدانهم عند إرادة الحج والعمرة وقد رود في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم قال : فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذلك أهل مكة يهلون منها )
وفائدة التوقيت : المنع عن تأخير الإحرام فلو قدم عليه جاز
والغرض منه والمنفعة والغاية ظاهرة لمن يعرف دين الإسلام
وميقات العمرة هو : الحل وأفضل بقاع الحل الجعرانة ثم التنعيم ثم الحديبية وقال في العالمكيرية : التنعيم أفضل انتهى ( 2 / 550 )
لكن قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله : لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أحد يخرج من مكة ليعتمر إلا لعذر لا في رمضان ولا في غيره والذين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فيهم من اعتمر بعد الحج من مكة إلا عائشة رضي الله عنها ولا كان هذا من فعل الخلفاء الراشدين انتهى

(2/549)


وزاد تلميذه الحافظ الواحد المتكلم محمد بن أبي بكر بن القيم رحمه الله : أنه لم تكن في عمره صلى الله عليه وسلم عمرة واحدة خارجا من مكة كما يفعله كثير من الناس وإنما كانت عمرة كلها داخلا إلى مكة وقد قام بعد الوحي ثلاث عشرة سنة لم ينقل أنه اعتمر خارجا من مكة ولم يفعله أحد على عهده قط إلا عائشة لأنها أهلت بالعمرة فحاضت فأمرها فقرنت وأخبر أن طوافها بالبيت وبالصفا وبالمروة قد وقع عن حجتها وعمرتها فوجدت في نفسها أن ترجع صواحبها بحجة وعمرة مستقلتين فإنهن كن ممتعات ولم يحضن وترجع هي بعمرة في ضمن حجتها فأمر أخاها أن يعمرها من التنعيم مطيبا لقلبها والله تعالى أعلم انتهى
ولأسماء الميقات تفسير وتحقيق ذكره أهل الحديث في شروحه وذكرته في رسالتي ( ( رحلة الصديق إلى البيت العتيق ) ) مبسوطا فارجع إليه واعتمد عليه فأنه ينفعك نفعا تاما ( 2 / 551 )

(2/550)


باب النون

(2/551)


علم النباتات

(2/551)


ذكره في ( ( كشف الظنون ) )
وقال في ( ( مدينة العلوم ) ) : هو : علم يبحث فيه عن خواص نوع النباتات وعجائبها وأشكالها ومنافعها ومضارها
وموضوع نوع النبات
وفائدته ومنفعته التداوي بها ولابن البيطار فيه تصنيف فائق ولا أجمع ولا أنفع من كتاب ما لا يسع الطبيب جهله ويوجد نبذ من خواصها في الصحف الطبية

(2/551)


علم النجوم

(2/551)


هو : من فروع الطبعي وهو وعلم بأصول تعرف بها أحوال الشمس والقمر وغيرهما من بعض النجوم كذا في بعض حواشي الشافية قاله في ( ( كشاف اصطلاحات الفنون ) )
وفي ( ( كشف الظنون ) ) هو : علم يعرف به الاستدلال على حوادث علم الكون والفساد بالتشكلات الفلكية وهي أوضاع الأفلاك والكواكب كالمقارنة والمقابلة ( 2 / 552 ) والتثليث والتسديس والتربيع إلى غير ذلك وهو عند الإطلاق ينقسم إلى ثلاثة أقسام حسابية وطبيعيات ووهميات
أما الحسابيات : فهي يقينية في علمها قد يعمل بها شرعا
وأما الطبيعيات : كالاستدلال بانتقال الشمس في البروج الفلكية على تغيير الفصول كالحر والبرد والاعتدال فليست بمردودة شرعا أيضا

(2/551)


أما الوهميات : كالاستدلال على الحوادث السفلية خيرها وشرها من اتصالات الكواكب بطريق العموم والخصوص فلا استناد لها إلى أصل شرعي ولذلك هي مردودة شرعا كما قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا ذكر النجوم فامسكوا ) . وقال : ( تعلموا من النجوم ما تهتدون به في البر والبحر ثم انتهوا ) . الحديث
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من آمن بالنجوم فقد كفر ) لكن قالوا هذا إن اعتقد أنها مستقلة في تدبير العالم
وقال الشافعي رحمه الله : إذا اعتقد المنجم أن المؤثر الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى لكن عادته سبحانه وتعالى جارية بوقوع الأحوال بحركاتها وأوضاعها المعهودة في ذلك لا بأس عندي . كذا ذكره السبكي في طبقاته الكبرى
وعلى هذا يكون استناد التأثير حقيقة إلى النجوم مذموما فقط
قال بعض العلماء : إن اعتقاد التأثير إليها بذاتها حرام
وذكر صاحب ( ( مفتاح السعادة ) ) أن الحافظ ابن القيم الجوزي أطنب في الطعن فيه والتنفير عنه
فإن قيل : لم لا يجوز أن تكون بعض الأجرام العلوية أسباب للحوادث السفلية فيستدل النجم العاقل من كيفية حركات النجوم واختلافات مناظرها وانتقالاتها من برج إلى برج على بعض الحوادث قبل وقوعها ؟
يقال : يمكن على طريق إجراء العادة أن يكون بعض الحوادث سببا لبعضها لكن لا دليل فيه على كون الكواكب أسبابا للعادة وعللا للنحوسة لا حسا ولا عقلا ( 2 / 553 ) ولا سمعا
أما حسا : فظاهر أن أكثر أحكامهم ليست بمستقيمة كما قال بعض الحكماء : جزئياتها لا تدرك وكلياتها لا تتحقق
وإما عقلا : فإن علل الأحكاميين وأصولهم متناقضة حيث قالوا : إن الأجرام العلوية ليست بمركبة من العناصر بل هي طبيعية خاصة ثم قالوا ببرودة زحل ويبوسته وحرارة المشتري ورطوبته فأثبتوا الطبيعة للكواكب وغير ذلك

(2/552)


وأما شرعا : فهو مذموم بل ممنوع كما قال صلى الله عليه وسلم : ( من آتي كاهنا بالنجوم أو عرافا أو منجما فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد ) . الحديث
وسبب المبالغة في النهي عن هذه الثلاثة ذكره الشيخ علاء الدولة في ( العروة الوثقى ) وقال علي بن أحمد النسوي : علم النجوم أربع طبقات :
الأولى : معرفة رقم التقويم ومعرفة الإسطرلاب حسبما هو يتركب
والثانية : معرفة المدخل إلى علم النجوم ومعرفة طبائع الكواكب والبروج ومزاجاتها
والثالثة : معرفة حسنات أعمال النجوم وعمل الزيج والتقويم
والرابعة : معرفة الهيئة والبراهين الهندسية على صحة أعمال النجوم ومن تصور ذلك فهو المنجم التام على التحقيق وأكثر أهل زماننا قد اقتصروا من علم التنجيم على الطبقتين الأوليين وقليل منهم يبلغ الطبقة الثالثة
والكتب المصنفة فيه كثيرة منها : الأحكام وأبو قماش وأدوار وإرشاد والبارع ومختصر البارع وتحاويل وتنبيهات المنجمين وتفهيم الجامع الصغير ودرج الفلك والسراج والقرانات ولطائف الكلام ومجمل الأصول ومجموع ابن شرع ومسائل القصر وغير ذلك انتهى ما في ( ( كشف الظنون ) )
وفي ( ( كشاف اصطلاحات الفنون ) )
موضوعه : النجوم من حيث يمكن أن تعرف بها أحوال العالم ومسائله ( 2 / 554 ) كقولهم : كلما كان الشمس على هذا الموضع المخصوص فهي تدل على حدوث أمر كذا في هذا العالم انتهى
وقال ابن خلدون : هذه الصناعة يزعم أصحابها أنهم يعرفون بها الكائنات في عالم العناصر قبل حدوثها من قبل معرفة قوى الكواكب وتأثيرها في المولدات العنصرية مفردة ومجتمعة فتكون لذلك أوضاع الأفلاك والكواكب دالة على ما سيحدث من نوع من أنواع الكائنات الكلية والشخصية
فالمتقدمون منهم يرون أن معرفة قوى الكواكب وتأثيراتها بالتجربة وهو أمر تقصر الأعمار كلها لو اجتمعت عن تحصيله إذ التجربة إنما تحصل في المرات المتعددة بالتكرار ليحصل عنها العلم أو الظن وأدوار الكواكب منها ما هو طويل الزمن فيحتاج تكرره إلى آماد وأحقاب متطاولة يتقاصر عنها ما هو طويل من أعمار العالم وربما ذهب ضعفاء منهم إلى أن معرفة قوى الكواكب وتأثيراتها كانت بالوحي وهو رأي قائل وقد كفونا مؤنة إبطاله

(2/553)


ومن أوضح الأدلة فيه : أن تعلم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أبعد الناس عن الصنائع وأنهم لا يتعرضون للأخبار عن الغيب إلا أن يكون عن الله فكيف يدعون استنباطه بالصناعة ويشيرون بذلك لتابعيهم من الخلق
وأما بطليموس ومن تبعه من المتأخرين فيرون أن دلالة الكواكب على ذلك دلالة طبيعية من قبل مزاج يحصل للكواكب في الكائنات العنصرية قال : لأن فعل النيرين وأثرهما في العنصريات ظاهر لا يسع أحدا جحده مثل فعل الشمس في تبدل الفصول وأمزجتها ونضج الثمار والزرع وغير ذلك
وفعل القمر في الرطوبات والماء وإنضاج المواد المتعفنة وفواكه القناء وسائر أفعاله
ثم قال : ولنا فيما بعدهما من الكواكب طريقان :
الأولى : التقليد لمن نقل ذلك عنه من أئمة الصناعة إلا أنه غير مقنع للنفس ( 2 / 555 )
الثانية : الحدس والتجربة بقياس كل واحد منها إلى النير الأعظم الذي عرفنا طبيعته وأثره معرفة ظاهرة فننظر هل يزيد ذلك الكوكب عند القرآن في قوته ومزاجه فتعرف موافقته له في الطبيعة أو ينقص عنها فتعرف مضادته ثم إذا عرفنا قواها مفردة عرفناها مركبة وذلك عند تناظرها بأشكال التثليث والتربيع وغيرهما ومعرفة ذلك من قبل طبائع البروج بالقياس أيضا إلى النير الأعظم
وإذا عرفنا قوى الكواكب كلها فهي مؤثرة في الهواء وذلك ظاهر والمزاج الذي يحصل منها للهواء يحصل لما تحتها من المولدات وتتخلق به النطف والبزر فتصير حالا للبدن المتكون عنها وللنفس المتعلقة به الفائضة عليه المكتسبة لما لها منه ولما يتبع النفس والبدن من الأحوال لأن كيفيات البزرة والنطفة كيفيات لما يتولد عنهما وينشأ منهما
قال : وهو مع ذلك ظني وليس من اليقين في شيء وليس هو أيضا من القضاء الإلهي يعني : القدر إنما هو من جملة الأسباب الطبيعية للكائن والقضاء الإلهي سابق على كل شيء هذا محصل كلام بطليموس وأصحابه وهو منصوص في كتبه الأربع وغيره ومنه يتبين ضعف مدارك هذه الصناعة وذلك أن العلم الكائن أو الظن به إنما يحصل عن العلم بجملة أسبابه من الفاعل والقابل والصورة والغاية على ما تبين في موضعه

(2/554)


والقوى النجومية على ما قرروه إنما هي فاعلة فقط والجزء العنصري هو القابل ثم إن القوى النجومية ليست هي الفاعلة بجملتها بل هناك قوى أخرى فاعلة معها في الجزء المادي مثل : قوة التوليد للأب والنوع التي في النطفة وقوى الخاصة التي تميز بها صنف صنف من النوع وغير ذلك فالقوى النجومية إذا حصل كمالها وحصل العلم فيها إنما هي فاعل واحد من جملة الأسباب الفاعلة للكائن ثم إنه يشترط مع العلم بقوى النجوم وتأثيراتها مزيد حدس وتخمين وحينئذ يحصل عنده الظن بوقوع الكائن والحدس والتخمين قوى للناظر في فكره وليس من علل الكائن ولا من أصول الصناعة فإذا فقد هذا الحدس والتخمين رجعت أدراجها عن الظن إلى الشك هذا إذا حصل العلم بالقوى النجومية على ( 2 / 556 )
سداد ولم تعترضه آفة وهذا معوز لما فيه من معرفة حسبانات الكواكب في سيرها لتتعرف به أوضاعها ولما أن اختصاص كل كوكب بقوة لا دليل عليه ومدرك بطلميوس في إثبات القوى للكواكب الخمسة بقياسها إلى الشمس مدرك ضعيف لأن قوة الشمس غالبة لجميع القوى للكواكب الخمسة بقياسها إلى الشمس مدرك ضعيف لأن قوة الشمس غالبة لجميع القوى من الكواكب ومستولية عليها فقل أن يشعر بالزيادة فيها أو النقصان منها عند المقارنة كما قال وهذه كلها قادحة في تعريف الكائنات الواقعة في عالم العناصر بهذه الصناعة

(2/555)


ثم إن تأثير الكواكب فيما تحتها باطل إذ قد تبين في باب التوحيد أن لا فاعل إلا الله بطريق استدلالي كما رأيته واحتج له أهل علم الكلام بما هو غني عن البيان من أن إسناد الأسباب إلى المسببات مجهول الكيفية والعقل متهم على ما يقضي به فيما يظهر بادي الرأي من التأثير فلعل استنادها على غير صورة التأثير المتعارف والقدرة الإلهية رابطة بينهما كما ربطت جميع الكائنات علوا وسفلا سيما والشرع يرد الحوادث كلها إلى قدرة الله تعالى ويبرأ مما سوى ذلك
والنبوات أيضا منكرة لشأن النجوم وتأثيراتها واستقراء الشرعيات شاهد بذلك في مثل قوله : ( إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ) وفي قوله : ( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال : مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب ) . الحديث الصحيح
فقد بان لك بطلان هذه الصناعة من طريق الشرع وضعف مداركها مع ذلك من طريق العقل مع ما لها من المضار في العمران الإنساني بما تبعث في عقائد العوام من الفساد إذا اتفق الصدق من أحكامها في بعض الأحايين اتفاقا لا يرجع إلى تعليل ولا تحقيق فيلهج بذلك من لا معرفة له ويظن اطراد الصدق في سائر أحكامها وليس كذلك فيقع في رد الأشياء إلى غير خالقها ثم ما ينشأ عنها كثيرا في الدول من توقع القواطع وما يبعث عليه ذلك ( 2 / 558 ) التوقع من تطاول الأعداء والمتربصين بالدولة إلى الفتك والثورة
وقد شاهدنا من ذلك كثيرا فينبغي أن تحظر هذه الصناعة على جميع أهل العمران لما ينشأ عنها من المضاد في الدين والدول ولا يقدح في ذلك كون وجودها طبيعيا للبشر بمقتضى مداركهم وعلومهم فالخير والشرط طبيعتان موجودتان في العالم لا يمكن نزعهما وإنما يتعلق بالتكليف بأسباب حصولهم فيتعين السعي في اكتساب الخير بأسبابه ودفع أسباب الشر والمضار هذا هو الواجب على من عرف مفاسد العلم ومضاره وليعلم من ذلك أنها وإن كانت صحيحة في نفسها فلا يمكن أحدا من أهل الملة تحصيل علمها ولا ملكتها بل إن نظر فيها ناظر وظن الإحاطة بها فهو في غاية القصور في نفس الأمر
فإن الشريعة لما حظرت النظر فيها فقد الاجتماع من أهل العمران لقراءتها والتحليق لتعليمها وصار المولع بها من الناس وهم الأقل وأقل من الأقل إنما يطالع كتبها ومقالاتها في كسر بيته متسترا عن الناس وتحت ربقه الجمهور مع تشعب الصناعة وكثرة فروعها واعتياصها على الفهم فكيف يحصل منها على طائل ونحن نجد الفقه الذي علم نفعه دينا ودنيا وسهلت مآخذه من الكتاب والسنة وعكف الجمهور على قراءته وتعليمه ثم بعد التحقيق والتجميع وطول المدارسة وكثرة المجالس وتعددها إنما يحذق فيه الواحد في الأعصار والأجيال فكيف بعلم مهجور للشريعة مضروب دونه سد الحظر والتحريم مكتوم عن الجمهور صعب المآخذ محتاج بعد الممارسة والتحصيل لأصوله وفروعه إلى مزيد حدس وتخمين يكتنفان به من الناظر فأين التحصيل والحذق فيه مع هذه كلها ومدعى ذلك من الناس مردود على عقبه

(2/556)


ولا شاهد له يقوم بذلك لغرابة الفن بين أهل الملة وقلة حملته فاعتبر ذلك يتبين لك صحة ما ذهبنا إليه والله أعلم بالغيب فلا يظهر على غيبة أحدا ومما وقع في هذا المعنى لبعض أصحابنا من أهل العصر عندما غلب العرب عساكر السلطان أبي الحسن وحاصروه بالقيروان وكثر إرجاف الفريقين الأولياء والأعداء وقال في ذلك أبو القاسم الروحي من شعراء أهل تونس :
استغفر الله كل حين ... قد ذهب العيش والهناء
أصبح في تونس وأمسى ... والصبح لله والمساء
الخوف والجوع والمنايا ... يحدثها الهرج والوباء
والناس في مرية وحرب ... وما عسى ينفع المراء
فاحمدي ترى عليا ... حل به الهلك والتواء
وآخر قال سوف يأتي ... به إليكم صبا رخاء
والله من فوق ذا وهذا ... يقضي لعبديه ما يشاء
يا راصد الخنس الجواري ... ما فعلت هذه السماء
مطلتمونا وقد زعمتم ... أنكم اليوم أملياء
من خميس على خميس ... وجاء سبت وأربعاء
ونصف شهر وعشرتان ... وثالث ضمه القضاء
ولا نرى غير زور قول ... أذاك جهل أم ازدراء
إنا إلى الله قدر علمنا ... أن ليس يستدفع القضاء
رضيت بالله لي إلها ... حسبكم البدر أو ذكاء
ما هذه الأنجم السواري ... إلا عباديد أو إماء
يقضي عليها وليس تقضي ... وما لها في الورى اقتضاء
ضلت عقول ترى قديما ... ما شأنه الجرم والفناء
وحكمت في الوجود طبعا ... يحدثه الماء والهواء
لم ترحلوا إزاء مر ... تغذوهمو تربة وماء
الله ربي ولست أدري ... ما الجوهر الفرد والخلاء
ولا الهيولي التي تنادي ... ما لي عن صورة عراء
ولا وجود ولا انعدام ... ولا ثبوت ولا انتفاء

(2/558)


ولست أدري ما الكسب إلا ... ما جلب البيع والشراء ( 2 / 559 )
وإنما مذهبي وديني ... ما كان والناس أولياء
إذ لا فصول ولا أصول ... ولا جدال ولا ارتياء
ما تبع الصدر واقتفنينا ... يا حبذا كان الاقتفاء
كانوا كما يعلمون منهم ... ولم يكن ذلك الهذاء
يا أشعري الزمان إني ... أشعرني الصيف والشتاء
أنا أجزي بالشر شرا ... والخير عن مثله جزاء
وإنني إن أكن مطيعا ... فرب أعصي ولي رجاء
وإنني تحت حكم بار ... أطاعه العرش والثراء
ليس باستطاركم ولكن ... أتاحه الحكم والقضاء
لو حدث الأشعري عمن ... له إلى رأيه انتماء
فقال أخبرهم بأني ... مما يقولونه براء
انتهى كلامه الشريف ولله دره وعلى الله أجره

(2/558)


علم النحو

(2/559)


علم باحث عن أحوال المركبات الموضوعة وضعا نوعيا لنوع نوع من المعاني التركيبية النسبية من حيث دلالتها عليها
وغرضه : تحصيل ملكة يقتدر بها على إيراد تركيب وضع وضعا نوعيا لما أراده المتكلم من المعاني وعلى فهم معنى أي مركب كان بحسب الوضع المذكور
وغايته : الاحتراز عن الخطأ في تطبيق التراكيب العربية على المعاني الوضعية الأصلية
ومباديه : المقدمات الحاصلة من تتبع الألفاظ المركبة في موارد الاستعمالات
وموضوعه : المركبات والمفردات من حيث وقوعها في التراكيب والأدوات ( 2 / 560 ) لكونها روابط التراكيب وإنما يبحث عنها في النحو على وجه المبدئية لأنها من مسائل اللغة حقيقة كذا في ( ( مدينة العلوم ) )
وقال في ( ( كشف الظنون ) ) : وتعريفه وموضوعه مستغن عن التعريف فأنه مشهور والكتب المؤلفة فيه كثيرة معروفة
قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : علم النحو من فروض الكفايات إذ يحتاج إليه الاستدلال بالكتاب والسنة

(2/559)


وفي ( ( كشاف اصطلاحات الفنون ) ) علم النحو ويسمى : علم الإعراب أيضا على ما في شرح اللب وهو علم يعرف به كيفية التركيب العربي صحة وسقما وكيفية ما يتعلق بالألفاظ من حيث وقوعها فيه من حيث هو هو أولا وقوعها فيه كذا في الإرشاد
وموضوعه : اللفظ الموضوع مفردا كان أو مركبا وهو الصواب كذا قيل
يعني موضوع النحو : اللفظ الموضوع باعتبار هيئته التركيبية وتأديتها لمعانيها الأصلية لا مطلقا فإنه موضوع العلوم العربية
وقيل : الكلمة والكلام
وقيل : هو المركب بإسناد أصلي
ومباديه : حدود ما تبتني عليه مسائله كحد المبتدأ والخبر مقدمات حججها أي أجزاء علل المسائل كقولهم في حجة رفع الفاعل أنه أقوى الأركان والرفع أقوى الحركات ومسائله الأحكام المتعلقة بالموضوع كقولهم
الكلمة : إما معرب أو مبني أو جزئه كقولهم آخر الكلمة محل الأعراب أو جزئية كقولهم : الاسم بالسببين يمتنع عن الصرف أو عرضه كقولهم الخبر
إما مفردا وجملة أو خاصته كقولهم الإضافة تزاحم التنوين ولو بواسطة أو وسائط أي ولو كان تعلق الأحكام بأحد هذه الأمور ثابتا بواسطة أو وسائط كقولهم الأمر يجاب بالفاء فالأمر جزئي من الإنشاء والإنشاء جزئي من الكلام ( 2 / 561 )
والغرض منه : الاحتراز عن الخطأ في التأليف والاقتدار على فهمه والإفهام به هكذا في الإرشاد وحواشيه وغيرها انتهى حاصله
قال ابن خلدون رحمه الله : اعلم أن اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصوده وتلك العبارة فعل الساني فلابد أن تصير ملكة متقررة في العضو الفاعل لها وهو اللسان وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم
وكانت الحاصلة للعرب من ذلك أحسن الملكات وأوضحها إبانة عن المقاصد لدلالة غير الكلمات فيها على كثير من المعاني مثل : الحركات التي تعين الفاعل من المفعول ومن المجرور أعني المضاف ومثل : الحروف التي تفضي بالأفعال إلى الذوات من غير تكلف ألفاظ أخرى وليس يوجد ذلك إلا في لغة العرب وأما غيرها من اللغات فكل معنى أو حال لا بد له من ألفاظ تخصه بالدلالة

(2/560)


ولذلك نجد كلام العجم في مخاطباتهم أطول مما نقدره بكلام العرب وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا ) . فصار للحروف في لغتهم والحركات والهيئات أي : الأوضاع اعتبار في الدلالة على المقصود غير متكلفين فيه لصناعة يستفيدون ذلك منها إنما ملكة في ألسنتهم يأخذها الآخر عن الأول كما تأخذ صبياننا لهذا العهد لغاتنا
فلما جاء الإسلام وفارقوا الحجاز لطلب الملك الذي كان في أيدي الأمم والدول وخالطوا العجم تغيرت تلك الملكة بما ألقي إليه السمع من المخالفات التي للمتعربين والسمع أبو الملكات اللسانية ففسدت بما ألقي إليها مما يغايرها لجنوحها إليه باعتياد السمع وخشي أهل العلوم منهم أن تفسد تلك الملكة رأسا ويطول العهد بها فينغلق القرآن والحديث على الفهوم فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكة مطردة شبه الكليات والقواعد يقيسون عليها سائر أنواع الكلام ويلحقون الأشباه بالأشباه مثل : أن الفاعل مرفوع المفعول منصوب والمبتدأ مرفوع
ثم رأوا تغير الدلالة بتغيير حركات هذه الكلمات فاصطلحوا على تسميته ( 2 / 562 ) إعرابا وتسمية الموجب لذلك التغير عاملا وأمثال ذلك وصارت كلها اصطلاحات خاصة بهم فقيدوها بالكتاب وجعلوها صناعة لهم مخصوصة واصطلحوا على تسميتها بعلم النحو
وأول من كتب فيها : أبو الأسود الدؤلي من بني كنانة ويقال : بإشارة علي رضي الله عنه لأنه رأى تغير الملكة فأشار عليه بحفظها ففرغ إلى ضبطها بالقوانين الحاضرة المستقرأة
ثم كتب فيها الناس من بعده إلى أن انتهت إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي أيام الرشيد أحوج ما كان الناس إليها لذهاب تلك الملكة من العرب فهذب الصناعة وكمل أبوابها
وأخذها عنه سيبويه فكمل تفاريعها واستكثر من أدلتها وشواهدها ووضع فيها كتابه المشهور الذي صار إماما لكل ما كتب فيها من بعده

(2/561)


ثم وضع أبو علي الفارسي وأبو القاسم الزجاج كتبا مختصرة للمتعلمين يحذون فيها حذو الإمام في كتابه
ثم طال الكلام في هذه الصناعة وحدث الخلاف بين أهلها في الكوفة والبصرة المصرين القديمين للعرب وكثرت الأدلة والحجاج بينهم وتباينت الطرق في التعليم وكثر الاختلاف في أعراب كثير من أي القرآن باختلافهم في تلك القواعد وطال ذلك على المتعلمين
وجاء المتأخرون بمذاهبهم في الاختصار فاختصروا كثيرا من ذلك الطول مع استيعابهم لجميع ما نقل . كما فعله ابن مالك في كتاب ( ( التسهيل ) ) وأمثاله
أو اقتصارهم على المبادئ للمتعلمين كما فعله الزمخشري في ( ( المفصل ) ) وابن الحاجب في المقدمة له وربما نظموا ذلك نظما مثل ابن مالك في الأرجوزتين الكبرى والصغرى وابن معطي في الأرجوزة الألفية
وبالجملة فالتأليف في هذا الفن أكثر من أن تحصى أو تحاط بها وطرق ( 2 / 563 ) التعليم فيها مختلفة فطريقة المتقدمين غايرة لطريقة المتأخرين والكوفيون والبصريون والبغداديون والأندلسيون مختلفة طرقهم كذلك
وقد كادت هذه الصناعة أن تؤذن بالذهاب لما رأينا من النقص في سائر العلوم والصنائع بتناقص العمران
ووصل إلينا بالمغرب لهذه العصور ديوان من مصر منسوب إلى جمال الدين بن هشام من علمائها استوفى فيه أحكام الأعراب مجملة ومفصلة وتكلم على الحروف والمفردات والجمل وحذف ما في الصناعة من المتكرر في أكثر أبوابها وسماه ( ( بالمغني ) ) في الإعراب وأشار إلى نكت إعراب القرآن كلها وضبطها بأبواب ومفصول وقواعد انتظمت سائرها فوقفنا منه على علم جم يشهد بعلو قدره في هذه الصناعة ووفور بضاعته منها وكأنه ينحو في طريقته منحاة أهل الموصل الذين اقتفوا أثر ابن جني واتبعوا مصطلح تعليمه فأتى من ذلك بشيء عجيب دال على قوة ملكته واطلاعه والله يزيد في الخلق ما يشاء انتهى

(2/562)


قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : ومن الكتب المشهورة في علم النحو مقدمة لابن الحاجب المسماة ( ( بالكافية ) ) والناس قد اعتنوا بالكافية أشد الاعتناء بحيث لا يمكن إحصاء شروحها وأجلها الذي سار ذكره في الأمصار والأقطار مسير الصبا والأمطار شرح العرمة نجم الأئمة رضي الدين الإسترآبادي وهو شرح عظيم الشأن جامع لكل بيان وبرهان تضمن من المسائل أفضلها وأعلاها ولم يغادر من الفوائد صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها
قال السيوطي في ( ( طبقات النحاة ) ) : لم يؤلف عليها ولا في غالب كتب النحو مثله جمعا وتحقيقا وحسن تعليل وقد أكب الناس عليه وتداولوه واعتمده شيوخ العصر في مصنفاتهم ودروسهم وله فيه أبحاث كثيرة مع النحاة واختيارات جمة ومذاهب ينفرد بها وله شرح على الشافية انتهى
ويروى : أن رضي الدين كان على مذهب الرفض يحكى أنه : كان يقول العدل في عمر ليس بتحقيقي موضع قوله العدل في عمر تقديري نعوذ بالله من الغلو في ( 2 / 564 ) البدعة والعصبية في الباطل
ومن شروح الكافية شرح السيد ركن الدين كبير ومتوسط صغير وهذا المتوسط متداول بين الناس على أيدي المبتدئين
وشرح الفاضل السامي الشيخ عبد الرحمن الجامي بلغ غاية لا يمكن الزيادة عليها في لطف التحرير وحسن الترتيب وشهرة حاله في بلادنا أغنتنا عن التعرض لترجمته
وشرح جلال الدين الغجدواني أحمد بن علي قال السيوطي هذا الشرح مشهور بأيدي الناس
وشرح النجم السعيدي
وشرح تقي الدين النيلي وشرح المصنف للمتن وفيه أبحاث حسنة
ومن المختصرات ( ( لب الألباب ) ) وعليه شروح أحسنها شرح السيد عبد الله العجمي نقره كار ومعناه : صانع الفضة
و ( ( لب الإعراب ) ) لتاج الدين الإسفرائيني وله شروح منها شرح قطب الدين الفالي وشرح الإمام الزوزني محمد بن عثمان وزوزن بلدين هراة ونيسابور

(2/563)


وشرح الشيخ علي الشهير بمصنفك كان من أولاد الإمام فخر الدين الرازي والرازي يصرح في مصنفاته بأنه من أولاد عمر بن الخطاب وذكر أهل التاريخ أنه من أولاد أبي بكر الصديق
ومن المختصرات أيضا : المصباح للإمام المطرزي وشرحه ضوء المصباح للإسفرايئني
و ( ( العمدة ) ) لابن مالك وعليه شروح منها : شرح ابن جابر الأندلسي
وألفية جلال الدين السيوطي ومن المنظومات ( ( ملحة الإعراب ) ) لأبي القاسم الحريري
وأرجوزة الشيخ ابن الحاجب نظم الكافية على أحسن وجه خاليا عن ( 2 / 565 ) تكلف النظم
ومن المبسوطات : شروح المفصل منها : ( ( الإيضاح ) ) لابن الحاجب وشرح ابن يعيش و ( ( الإقليد ) ) للجندي وكتاب ( ( مغنى اللبيب عن كتب الأعازيب ) ) لابن هشام وله مختصر سماه ( ( قواعد الإعراب ) ) وعليهما شروح نافعة
قال ابن خلدون : ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له : ابن هشام أنحى من سيبويه وكان كثير المخالفة لأبي حيان شديد الانحراف عنه اشتهر في حياته وأقبل الناس عليه قال السيوطي : وقد كتبت عليه حاشية وشرحا لشواهده انتهى حاصل ما في ( ( مدينة العلوم ) ) وقد أطال في بيان تراجم النحاة المذكورين

(2/564)


علم نزول الغيث

(2/565)


هو : علم باحث عن كيفية الاستدلال بأحوال الرياح والسحاب والبرق على نزول المطر وأخص الناس بهذا العلم العرب لاشتداد حاجتهم إلى الغيوث التي بها حصول معايشهم من السقي والرعي وقد حصل لهم هذا العلم بكثرة التجارب ودليله الدوران بين أحوال السحب والأمطار
وجاء في غريب أبي عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن سحابة مرت وقال : ( كيف ترون قواعدها وبواسقها أجون أم غير ذلك ؟ ثم سأل عن البرق : أخفوا أم وميضا أم يشق شقا ؟ فقالوا : بل يشق شقا فقال صلى الله عليه وسلم جاءكم الحياء ) . هكذا في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/565)


علم النظر

(2/565)


هو : علم يبحث فيه عن كيفية إيراد الكلام بين المناظرين
وموضوعه : الأدلة من حيث إنها يثبت بها المدعي على الغير ( 2 / 566 )
ومباديه : أمور بينة بنفسها
والغرض منه : تحصيل ملكة طرق المناظرة لئلا يقع الخبط في البحث فيصبح الصواب خطأ
ومن الكتب المختصرة فيه : ( ( غاية الاختصار ) ) رسالة لمولانا عضد الدين وقد بين قواعدها كلها في مقدار عشرة أسطر وشرحها بعض الفضلاء المعاصرين لنا شرحا حسنا وهو مولانا محمد بن محمد البردعي وكان ذكيا في الغاية مات سنة 927 ، ورسالة شمس الدين السمرقندي صاحب قسطاس الميزان وهذه الرسالة أشهر كتب هذا الفن وعليها شروح وكتاب مولانا سنان الدين الكنجي وكنجة : قرية من قرى بردع ولم يتفق له شرح إلى الآن قاله في ( ( مدينة العلوم ) ) وفيه في موضع آخر

(2/565)


علم النظر

(2/566)


وهو : القواعد المنطقية من حيث إجرائها في الأدلة السمعية فصورة تلك القواعد وإن كانت جارية على منهاج العقل لكن موادها مستنبطة من الشرع ولهذا الاعتبار جعل ابن الحاجب القواعد المنطقية من مبادئ أصول الفقه

(2/566)


علم النفوس

(2/566)


أي : معرفة النفوس الإنسانية بدأ وعودا وأنها قديمة أو حادثة أو محشورة وموضوعا وغرضه لا يخفى على الفطن ( 2 / 567 )

(2/566)


باب الواو

(2/567)


علم الوجوه والنظائر

(2/567)


هو من فروع علم التفسير ومعناه : أن تكون الكلمة واحدة ذكرت في مواضع من القرآن على لفظ واحد وحركة واحدة وأريد بها في كل مكان معنى غير الآخر فلفظ كل كلمة ذكرت في موضع نظير لفظ الكلمة المذكورة في الموضع الآخر هو النظائر
وتفسير كل كلمة بمعنى غير معنى الآخر هو الوجوه
فإذا النظائر اسم الألفاظ والوجوه اسم المعاني
وقد صنف فيه جماعة : منهم الشيخ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي فأنه جمع أجود ما جمعوه في مختصر سماه ( ( نزهة الأعين في علم الوجوه والنظائر ) ) ورتبه على الحروف قال : وقد نسب كتاب فيه إلى عكرمة عن ابن عباس وكتاب آخر إلى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وألف فيه مقاتل بن سليمان وأبو الفضل العباس بن الفضل الأنصاري وروى مطروح بن محمد بن شاكر عن عبد الله هارون الحجازي عن أبيه كتابا فيه وألف فيه أبو بكر محمد بن الحسن النقاش وأبو علي بن البنا وأبو الحسن علي بن عبيد الله بن الراغوني . انتهى كلام ابن الجوزي رحمه الله ( 2 / 568 )

(2/567)


علم وحدة الوجود

(2/568)


قيل : إن بعض كلماتها خارجة عن طور العقل وظاهرها مخالف لتبادر النقل فصارت سببا بين الناس للفتنة خصوصا هذه المسئلة وبسببها يكفر بعض الناس بعضا وأمرها يورث بين الطوائف عداوة وبغضا بعض يقبلها ويرد مقابلها وبعض ينكرها ويكفر قائلها لكن الكثيرون في فهمها على ظن وتخمين وبمعزل عن تحقيق ما أرادوا منها على اليقين فلا يكون الرد والقبول مقبولا ولا لها غير التباغض والتحاسد محصولا وفيها تأليفات وتحريرات منها
رسالة المولوي الجامي ورسالة بدرا لدين زاده انتهى ما في ( ( كشف الظنون ) )

(2/568)


وأقول : الحق في الباب ترك الخوض في هذه المسئلة وأمثالها مما لم تخض فيه الصحابة والتابعون ولم يدخل فيه سلف الأمة وأئمتها الصالحون ولم ينطق به الكتاب العزيز لا دلالة ولا إشارة ولم ترد به السنة المطهرة لا صراحة ولا كناية ولم يلهج به المحققون من أهل العلم المتقدمين والمتأخرين ولم يتمسك بذيله إلا أفراد من المتصوفين الذين ليسوا من أهل الدراسة ولا من مزاولة العلوم النبوية في شيء . فرحم الله امرأ اتبع ظاهر القرآن والحديث ولم يمل عن الصراط السوي وصان نفسه عن الوقوع في الألغاز والأحاجي ومن الغرق في بحار الضلالة والمناهي
وأحسن ما تكلم به أهل العلم من إقليم الهند في هذه المسئلة كلام الشيخ أحمد السهرندي المعروف بمجدد الألف الثاني رحمه الله ثم كلام الشاه ولي الله المحدث الدهلوي ثم كلام اتباع هؤلاء من العلماء الكملاء فإنه صفة الصفة وفيه صيانة الإيمان والاعتقاد عن طغيان الهوى والفساد وبالله التوفيق

(2/568)


علم الوصايا

(2/568)


ذكره في ( ( كشف الظنون ) ) ( 2 / 569 )

(2/568)


علم الوضع

(2/569)


هكذا في ( ( كشف الظنون ) ) وقال في ( ( مدينة العلوم ) ) : هو : علم باحث عن تفسير الوضع وتقسيمه إلى الشخصي والنوعي والعام والخاص وبيان حال وضع الذوات ووضع الهيئات إلى غير ذلك
وموضوعه وغايته ومنفعته لا تخفى على المتدرب وكتب فيه مولانا عضد الدين رسالة لكنها قطرة من بحر وكان في خلدي أن أؤلف فيه رسالة أبين فيها مقاصد هذا الفن بكمالها فلم يتيسر لي إلى الآن ونسأل الله التوفيق لهذا المرام أنه ميسر لكل عسير

(2/569)


علم وضع الأصطرلاب

(2/569)


علم باحث عن كيفية وضعه ومعرفة رسم خطوطه على الصفائح ومعرفة كيفية الرسم في كل عرض من الأقاليم وقد يعمل أصطرلاب شامل لجميع البلاد وهذا عظيم النفع جدا وفي هذا الفن رسائل كثيرة مشهورة عند أهله ذكره في ( ( مدينة العلوم ) )

(2/569)


علم وضع ربع الدائرة

(2/569)


وهو نوعان : أحدهما :
المسمى : بالمقنطرات ويرسم عليها ربع الدوائر المرسومة على الكرة وهي تختلف باختلاف عروض البلدان
والآخر : الربع المجيب : ويرسم عليه خطوط مستقيمة متقاطعة وفي هذا العلم رسائل مشهورة عند أهله كذا في ( ( مدينة العلوم ) ) ( 2 / 570 )

(2/569)


علم الوعظ

(2/570)


ذكره في ( ( كشف الظنون ) )

(2/570)


علم الوفق

(2/570)


كذا في الكشف ولم يزد على ذلك مع أنه وعد تحت علم أعداد الوفق أنه يأتي بيانه في علم الوفق وقد تقدم منا بيانه هنالك فراجعه . وكتبت جوابا عن سؤال ورد إلي من أهل البصرة في هذا الزمان وحاصله النهي عن استعمال الوفق وكونه نوعا من السحر وقسما من الشرك والله أعلم

(2/570)


علم وقائع الأمم ورسومهم

(2/570)


كأنه من فروع علم التاريخ قال في ( ( مدينة العلوم ) ) : هذا من فروع المحاضرات والتواريخ هو : علم يبحث فيه عن أماكن أقوام مخصوصين ومواضع طوائف معنيين ورسوم مألوفة وعادات معروفة لكل قوم ومباديه : مأخوذة من الاستقراء والتواتر من الثقات وغرضه : تحصيل ملكة ضبط تلك الأمور وغايته : الاحتراز عن الخطأ فيها
والكتب المؤلفة في هذا الفن كثيرة صنف فيه أبو عبيدة والأصمعي كتبا كثيرة وأكثر تقربهما عند الخليفة هارون الرشيد بسبب هذا انتهى

(2/570)


علم الوقوف

(2/570)


قال في ( ( كشف الظنون ) ) : هو من فروع القراءة
وقال في ( ( مدينة العلوم ) ) : الوقف عبارة عن قطع الصوت عن الكلمة زمانا يتنفس فيه عادة بنية الاستئناف لأبنية الأعراض ويكون في رؤوس الآي وأوساطها ولا يتأتى في وسط الكلمة ولا فيما اتصل رسما ( 2 / 571 )
قيل : معرفة وقوف القرآن واجب حيث قال الله تعالى : ( ( ورتل القرآن ترتيلا ) ) قال علي كرم الله وجهه : الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف
قال ابن الأنباري : من تمام معرفة القرآن معرفة الوقف والابتداء فيه . قال النكزاوي : لا يتأتى لأحد معرفة معنى القرآن ولا استنباط الأدلة الشرعية منه إلا بمعرفة الفواصل وللوقف أقسام مذكورة في كتب الوقوف وما تعرضت لذكر تلك الكتب ههنا لشهرتها عند أهلها ( 2 / 572 )

(2/570)


باب الهاء

(2/572)


علم الهندسة

(2/572)


هو : علم بقوانين تعرف منه الأصول العارضة للكم من حيث هو كم وقال في ( ( مدينة العلوم ) )
هو : علم يعرف منه أحوال المقادير ولواحقها وأوضاع بعضها عند بعض ونسبتها وخواص أشكالها والطرق إلى عمل ما سبيله أن يعمل بها واستخراج ما يحتاج إلى استخراجه بالبراهين اليقينية
وموضوعه المقادير المطلقة أعني : الخط والسطح والجسم التعليمي ولواحق هذه من الزاوية والنقطة والشكل
ومنفعته : الاطلاع على الأحوال المذكورة من الموجودات وأن يكسب الذهن حدة ونفاذا ويروض بها الفكر رياضة قوية لما اتفقوا على أن أقوى العلوم برهانا هي العلوم الهندسية
ومن جملة منافعها العلاج عن الجهل المركب لما أنها علوم يقينية لا مدخل فيها للوهم فيعتاد الذهن على تسخير الوهم والجهل المركب ليس إلا من غلبة الوهم على العقل
والمصنفات فيه كثيرة أشهرها وأصحها : ( ( تحرير الطوسي ) ) لكتاب إقليدس ( 2 / 574 ) وأخصرها وأحسنها : ( ( شرح أشكال التأسيس ) ) للأبهري وشرحه لقاضي زادة الرومي وقد ذكر ابن سينا في كتاب الشفاء جملة كافية منها ثم إن للهندسة عدة فروع وكذا ذكر العلامة في كتبه من حقائق هذا الفن ما فيه كفاية انتهى
والهندسة معرب أندازه ووجه التسمية ظاهر

(2/572)


وأما العلوم المتفرعة عليه فهي عشرة
وذلك لأنه إما يبحث عن إيجاد ما يتبرهن عليه في الأصول الكلية بالفعل أولا
والثاني : إما يبحث عما ينظر إليه أولا
الثاني : علم عقود الأبنية والباحث عن المنظور إليه إن اختص بانعكاس الأشعة فهو علم المرايا المحرقة وإلا فهو علم المناظر
وأما الأول : وهو ما يبحث عن إيجاد المطلوب من الأصول الكلية بالفعل فإما من جهة تقديرها أو لا
والأول : منهما إن اختص بالنقل فهو علم مراكز الأثقال وإلا فهو علم المساحة
والثاني : منهما فإما إيجاد الآلات أو لا
الثاني : علم أنباط المياه والآلات إما تقديرية أو لا
والتقديرية : إما ثقيلة وهو جر الأثقال
أو زمانية : وهو علم البنكامات
والتي ليست تقديرية فإما خربية أولا
الثاني : علم الآلات الروحانية
الأول : علم الآلات الحربية وقد ذكرنا هذه العلوم في هذا الكتاب على الترتيب الهجائي فارجع إليها
قال ابن خلدون رحمه الله : هذا العلم هو النظر في المقادير إما المتصلة : كالخط ( 2 / 575 ) والسطح والجسم وإما المنفصلة : كالأعداد وفيما يعرض لها من العوارض الذاتية
مثل : أن كل مثلث فزواياه مثل قائمتين
ومثل : أن كل خطين متوازيين لا يلتقيان في وجه ولو خرجا إلى غير نهاية
ومثل : أن كل خطين متقاطعين فالزاويتان المتقابلتان منهما متساويتان
ومثل : أن الأربعة المقادير المتناسبة ضرب الأول منها في الثالث كضرب الثاني في الرابع وأمثال ذلك

(2/574)


والكتاب المترجم لليونانيين في هذه الصناعة كتاب إقليدس ويسمى كتاب : الأصول وكتاب : الأركان وهو أبسط ما وضع فيها للمتعلمين
وأول ما ترجم من كتاب اليونانيين في الملة أيام أبي جعفر المنصور ونسخه مختلفة باختلاف المترجمين فمنها لحنين بن إسحاق ولثابت بن قرة وليوسف بن الحجاج ويشتمل على خمس عشرة مقالة : أربعة في السطوح وواحدة في الأقدار المتناسبة وأخرى في نسب السطوح بعضها إلى بعض وثلث في العدد والعاشرة في المنطقات والقوى على المنطقات ومعناه الحذور وخمس في المجمسات
وقد اختصره الناس اختصارات كثيرة كما فعله ابن سينا في تعاليم الشفاء أفرد له جزء منها اختصه به وكذلك ابن الصلت في كتاب الاقتصاد وغيرهم
وشرحه آخرون شروحا كثيرة وهو مبدأ العلوم الهندسية بإطلاق
واعلم : أن الهندسة تفيد صاحبها إضاءة في عقله واستقامة في فكره لأن براهينها كلها بينة الانتظام جلية الترتيب لا يكاد الغلط يدخل أقيسها لترتيبها وانتظامها فيبعد الفكر بممارستها عن الخطأ وينشأ لصاحبها عقل على ذلك المهيع وقد زعموا أنه كان مكتوبا على باب أفلاطون من لم يكن مهندسا فلا يدخلن منزلنا

(2/575)


وكان شيوخنا رحمهم الله تعالى يقولون : ممارسة علم الهندسة للفكر بمثابة ( 2 / 576 ) الصابون للثوب الذي يغسل منه الأقذار وينقيه من الأوضار والأدران وإنما ذلك لما أشرنا إليه من ترتيبه وانتظامه ومن فروع هذا الفن الهندسة المخصوصة بالأشكال الكرية والمخروطات
أما الأشكال الكرية : ففيها كتابان من كتب اليونانيين لثاوذوسيوس ميلاوش في سطوحها وقطوعها وكتاب ثاوذوسيوس مقدم في التعليم على كتاب ميلاوش لتوقف كثير من براهينه عليه ولا بد منهما لمن يريد الخوض في علم الهيئة لأن براهينها متوقفة عليهما فالكلام في الهيئة كله كلام في الكرات السماوية وما يعرض فيها من القطوع والدوائر بأسباب الحركات كما نذكره فقد يتوقف على معرفة أحكام الأشكال الكرية سطوحها وقطوعها
وأما المخروطات : فهو من فروع الهندسة أيضا وهو علم ينظر في ما يقع في الأجسام المخروطة من الأشكال والقطوع ويبرهن على ما يعرض لذلك من العوارض ببراهين هندسية متوقفة على التعليم الأول
وفائدتها : تظهر في الصنائع العملية التي موادها الأجسام مثل : النجارة والبناء وكيف تصنع التماثيل الغريبة والهياكل النادرة وكيف يتحيل على جر الأثقال ونقل الهياكل بالهندام والمنجال وأمثال ذلك
وقد أفرد بعض المؤلفين في هذا الفن كتابا في الحيل العملية يتضمن من الصناعات الغريبة والحيل المستطرفة كل عجيبة وربما استغلق على الفهوم لصعوبة براهينه الهندسية وهو موجود بأيدي الناس ينسبونه إلى بني شاكر والله تعالى أعلم

(2/575)


علم الهيئة

(2/576)


ذكره ( ( في كشف الظنون ) ) ولم يزد على ذلك
وقال في ( ( مدينة العلوم ) ) : هو علم يعرف منه أحوال الأجرام البسيطة العلوية ( 2 / 577 ) والسفلية وأشكالها وأوضاعها ومقاديرها وأبعادها
وموضوعه الأجرام المذكورة من الحيثية المذكورة وقد يذكر هذا العلم تارة مع براهينها الهندسية كما هو الأصل وهذا هو المذكور في المجسطي لبطليموس ولخصه الأبهري وعربه
ومن الكتب المختصرة : فيه هيئة ابن أفلح
ومن المبسوطة : القانون المسعودي لأبي ريحان البيروتي وشرح المجسطي للنيروزي وقد تجرد عن البراهين ويقتصر على التصور والتخيل دون اليقين ويسمى هيئة بسيطة
ومن المختصر فيه : التذكرة لنصير الدين الطوسي
ومن المتوسط : هيئة العرضي ومن المبسوطة : أيضا التحفة ونهاية الإدراك كلاهما للعلامة قطب الدين الشيرازي
ومن المختصرة : الملخص المشهور لمحمود الجغميني وعليه شروح منها : شرح لفضل الله العبيدي وكمال الدين الزاكاني والشريف الجرجاني

(2/576)


وأحسن الشروح شرح الفاضل قاضي زادة الرومي
ومن المختصرة النافعة فيه : غاية النفع كتاب النخبة لعلي بن محمد القوشجي وعليه شرح لمولانا سنان الدين وشرحه أستاذي محمود بن محمد بن قاضي زاده الرومي وهو ابن بنت المصنف علي بن محمد القوشجي كتبه عند قراءتي عليه الكتاب المذكور وهذا الشرح من أحسن المؤلفات في هذا الفن وكانت القدماء قد اقتصروا في هيئة الأفلاك على الدوائر المجردة وتسمى : هيئة مسطحة وفيه كتاب لأبي علي بن الهيثم انتهى كلامه
قال في ( ( كشاف اصطلاحات الفنون ) ) : علم الهيئة : هو
من أصول الرياضي وهو علم يبحث فيه عن أحوال الأجرام البسيطة العلوية والسفلية من حيث الكمية والكيفية والوضع والحركة اللازمة لها وما يلزم منها ( 2 / 578 )
فالكمية إما منفصلة : كأعداد الأفلاك وبعض الكواكب دون أعداد العناصر فإنها مأخوذة من الطبعيات
وأما متصلة : كمقادير الأجرام والأبعاد واليوم وأجزاءه وما يتركب منها
وأما الكيفية : فكالشكل إذ تتبين فيه استدارة هذه الأجسام وكلون الكواكب وضوئها
وأما الوضع : فكقرب الكواكب وبعدها عن دائرة معينة وانتصاب دائرة وميلانها بالنسبة إلى سمت رؤوس سكان الأقاليم وحيلولة الأرض بين النيرين والقمر بين الشمس والأبصار ونحو ذلك
وأما الحركة فالمبحوث عنه في هذا الفن منها هو قدرها وجهتها
وأما البحث عن أصل الحركة وإثباتها للأفلاك فمن الطبعيات والمراد باللازمة الدائمة على زعمهم وهي حركات الأفلاك والكواكب واحترز بها عن حركات العناصر كالرياح والأمواج والزلازل فإن البحث عنها من الطبعيات

(2/577)


وأما حركة الأرض من المغرب إلى المشرق وحركة الهواء بمشايعتها وحركة النار بمشايعة الفلك فمما لم يثبت ولو ثبت فلا يبعد أن يجعل البحث عنها من حيث القدر والجهة من مسائل الهيئة والمراد بما يلزم من الحركة الرجوع والاستقامة التذكرة هذا القيد - أعني قيد ما يلزم منها - والظاهر أنه لا حاجة إليه
والغرض من قيد الحيثية : الاحتراز عن علم السماء والعالم فإن موضوعه البسائط المذكورة أيضا لكن يبحث فيه عنها لا عن الحيثية المذكورة بل من حيث طبائعها ومواضعها والحكمة في ترتيبها ونضدها وحركاتها إلا باعتبار القدر والجهة
وبالجملة فموضوع الهيئة الجسم البسيط من حيث إمكان عروض الأشكال والحركات المخصوصة ونحوها وموضوع علم السماء والعالم الذي هو من أقسام الطبعي الجسم البسيط أيضا لكن من حيث إمكان عروض التغير والثبات ( 2 / 579 ) وإنما زيد لفظ الإمكان إشارة إلى أن ما هو من جزء الموضوع ينبغي أن يكون مسلم الثبوت وهو إمكان العروض لا العروض بالفعل
وقيل : موضوع كل من العلمين الجسم البسيط من حيث إمكان عروض الأشكال والحركات والتمايز بينهما إنما هو بالبرهان فإن أثبت المطلوب بالبرهان الآني يكون من الهيئة وإن أثبت بالبرهان اللمي يكون من علم السماء والعالم فإن تمايز العلوم كما يكون بتمايز الموضوعات كذلك قد يقع بالمحمولات والقول بأن التمايز في العلوم إنما هو بالموضوع فأمر لم يثبت بالدليل بل هو مجرد رعاية مناسبة
واعلم أن الناظر في حركات الكواكب وضبطها وإقامة البراهين على أحوالها يكفيه الاقتصار على اعتبار الدوائر ويسمى ذلك ( هيئة غير مجسمة ) ومن أراد تصور مبادئ تلك الحركات على الوجه المطابق لقاعد الحكمة فعليه تصور الكرات على وجه تظهر حركات مراكز الكواكب وما يجري مجراها في مناطقها ويسمى ذلك ( هيئة مجسمة ) وإطلاق العام على المجسمة مجاز ولهذا قال صاحب التذكرة :
إنها ليست بعلم تام لأن العلوم هو التصديق بالمسائل على وجه البرهان فإذا لم يورد بالبرهان يكون حكاية للمسائل المثبتة بالبرهان في موضع آخر هذا كله خلاصة ما ذكره عبد العلي البرجندي في حواشي شرح الملخص

(2/578)


والمذكور في علم الهيئة ليس مبينا على المقدمات الطبعية والإلهية وما جرت به العادة من تصدير المصنفين كتبهم بها إنما هو بطريق المتابعة للفلاسفة وليس ذلك أمرا واجبا بل يمكن إثباته من غير ملاحظة الابتناء عليها فإن المذكور فيه بعضه مقدمات هندسية لا يتطرق إليها شبهة مثلا : مشاهدة التشكلات البدرية والهلالية على الوجه المرصود توجب اليقين بان نور القمر مستفاد من نور الشمس وبعضه مقدمات يحكم بها العقل بحسب الأخذ لما هو الأليق ( 2 /

(2/579)


580 - ) والأحرى كما يقولون : إن محدب الحامل يماس محدب الممثل على نقطة مشتركة وكذا مقعره بمقعره ولا مستند لهم غير أن الأولى أن لا يكون في الفلكيات فضل لا يحتاج إليه وكذا الحال في أعداد الأفلاك من أنها تسعة وبعضه مقدمات يذكرونها على سبيل التردد دن الجزم كما يقولون أن اختلاف حركة الشمس بالسرعة والبطء إما بناء على أصل الخارج أو على أصل التدوير من غير جزم بأحدهما فظهر أن ما قيل :
من أن إثبات مسائل هذا الفن مبني على أصول فاسدة مأخوذة من الفلاسفة من نفي القادر المختار وعدم تجويز الخرق والالتئام على الأفلاك وغير ذلك ليس بشيء ومنشأه عدم الاطلاع على مسائل هذا الفن ودلائله . وذلك لأن مشاهدة التشكلات البدرية والهلالية على الوجه المرصود توجب اليقين بأن نور القمر حاصل من نور الشمس وإن الخسوف إنما هو بسبب حيلولة الأرض بين النيرين والكسوف إنما هو بسبب حيلولة القمر بين الشمس والبصر مع القول بثبوت القادر المختار ونفي تلك الأصول المذكور فإن ثبوت القادر المختار وانتفاء تلك الأصول لا ينفيان أن يكون الحال ما ذكر غاية الأمر أنهما يجوزان الاحتمالات الآخر مثلا :

(2/579)


على تقدير ثبوت القادر المختار يجوز أن يسود القادر بحسب أرادته وينور وجه القمر على ما يشاهد من التشكلات البدرية والهلالية وأيضا يجوز على تقدير الاختلاف في حركات الفلكيات وسائر أحوالها أن يكون أحد نصفي كل من النيرين مضيئا والآخر مظلما ويتحرك النيران على مركزيهما بحيث يصير وجهاهما المظلمان مواجهين لنا في حالتي الخسوف والكسوف إما بالتمام إذا كانا تامين أو بالبعض إن كانا ناقصين
وعلى هذا القياس حال التشكلات البدرية والهلالية لكنا نجزم مع قيام الاحتمالات المذكور أن الحال على ما ذكر من استفادة القمر النور من الشمس وأن الخسوف والكسوف بسبب الحيلولة ومثل هذا الاحتمال قائم في العلوم العادية والتجريبية أيضا بل في جميع الضروريات مع أن القادر المختار يجوز أن يجعلها كذلك بحسب ( 2 / 581 ) إرادته بل على تقدير أن يكون المبدأ موجبا يجوز أن يتحقق وضع غريب من الأوضاع الفلكية فيقتضي ظهور ذلك الأمر الغريب على مذهب القائلين بالإيجاب من استناد الحوادث إلى الأوضاع الفلكية وغير ذلك مما هو مذكور في شبه القادحين في الضروريات
ولو سلم أن إثبات مسائل هذا الفن يتوقف على تلك الأصول الفاسدة فلا شك أنه إنما يكون ذلك إذا ادعى أصحاب هذا الفن أنه لا يمكن إلا على الوجه الذي ذكرنا
أما إذا كان دعواهم أنه يمكن أن يكون على ذلك الوجه ويمكن أن يكون على الوجوه الآخر فلا يتصور التوقف حينئذ وكفى بهم فضلا أنهم تخيلوا من الوجوه الممكنة ما تنضبط به أحوال تلك الكواكب مع كثرة اختلافاتها على وجه تيسر لهم أن يعينوا مواضع تلك الكواكب واتصالات بعضها ببعض في كل وقت وأرادوا بحيث يطابق الحس والعيان مطابقة تتحير فيها العقول والأذهان كذا في شرح التجريد

(2/579)


وهكذا يستفاد من شرح المواقف في موقف الجواهر في آخر بيان محدد الجهات
وفي إرشاد القاصد الهيئة : وهو علم تعرف به أحوال الأجرام البسيطة العلوية والسفلية وأشكالها وأوضاعها وأبعاد ما بينها وحركات الأفلاك والكواكب ومقاديرها
وموضوعه : الأجسام المذكورة من حيث كميتها وأوضاعها وحركاتها اللازمة لها
وأما العلوم المتفرعة عليه فهي خمسة وذلك لأنه إما أن يبحث عن إيجاد ما تبرهن بالفعل أولا
الثاني : كيفية الأرصاد
والأول : إما حساب الأعمال أو التوصل إلى معرفتها بالآلات ( 2 / 582 )
فالأول منهما : إن اختص بالكواكب المجردة فهو علم الزيجات والتقاويم وإلا فهو علم المواقيت
والآلات : إما شعاعية أو ظلية فإن كانت شعاعية فهو علم تسطيح الكرة وإن كانت ظلية فعلم الآلات الظلية وقد ذكرنا هذه العلوم في هذا الكتاب على نهج الترتيب المختار فيه

(2/581)


وقال ابن خلدون : هو علم ينظر في حركات الكواكب الثابتة والمتحركة والمتحيرة ويتسدل بكيفيات تلك الحركات على أشكال وأوضاع للأفلاك لزمت عنها هذه الحركات المحسوسة بطرق هندسة
كما يبرهن على أن مركز الأرض مبائن لمركز فلك الشمس بوجود حركة الإقبال والأدبار وكما يستدل بالرجوع والاستقامة للكواكب على وجود أفلاك صغيرة حاملة لها متحركة داخل فلكها الأعظم وكما يبرهن على وجود الفلك الثامن بحركة الكواكب الثابتة وكما يبرهن على تعدد الأفلاك للكوكب الواحد بتعدد الميلول له وأمثال ذلك وإدراك الموجود من الحركات وكيفياتها وأجناسها إنما هو بالرصد فإنا إنما علمنا حركة الإقبال والأدبار به وكذا ترتيب الأفلاك في طبقاتها وكذا الرجوع والاستقامة وأمثال ذلك
وكان اليونانيون يعتنون بالرصد كثيرا ويتخذون له الآلات التي توضع ليرصد بها حركة الكوكب المعين وكانت تسمى عندهم : ذات الحلق وصناعة عملها والبراهين عليه في مطابقة حركتها بحركة الفلك منقول بأيدي الناس
وأما في الإسلام : فلم تقع به عناية إلا في القليل وكان في أيام المأمون شيء منه وصنع الآلة المعروفة للرصد المسماة : ( ذات الحلق ) وشرع في ذلك فلم يتم ولما مات ذهب رسمه وأغفل واعتمد من بعده على الأرصاد القديمة وليست بمغنية لاختلاف الحركات باتصال الأحقاب
وإن مطابقة حركة الآلة في الرصد بحركة الأفلاك والكواكب إنما هو ( 2 / 583 ) بالتقريب ولا يعطى التحقيق فإذا طال الزمان ظهر تفاوت ذلك بالتقريب

(2/582)


وهذه الهيئة صناعة شريفة وليست على ما يفهم في المشهور إنها تعطي صورة السموات وترتيب الأفلاك والكواكب بالحقيقة بل إنما تعطي أن هذه الصور والهيئات للأفلاك لزمت عن هذه الحركات وأنت تعلم أنه لا يبعد أن يكون الشيء الواحد لازما لمختلفين وإن قلنا :
إن الحركات لازمة فهو استدلال باللازم على وجود الملزوم ولا يعطي الحقيقة بوجه على أنه علم جليل وهو أحد أركان التعاليم
ومن أحسن التآليف فيه : كتاب المجسطي منسوب لبطليموس وليس من ملوك اليونان الذين أسماهم بطليموس على ما حققه شراح الكتاب وقد اختصره الأئمة من حكماء الإسلام كما فعله ابن سينا وأدرجه في تعاليم الشفاء ولخصه ابن رشد أيضا من حكماء الأندلس وابن السمح وابن الصلت في كتاب الاقتصار ولابن الفرغاني هيئة ملخصة قربها وحذف براهينها الهندسية والله علم الإنسان ما لم يعلم سبحانه لا إله إلا هو رب العلمين انتهى كلام ابن خلدون . وقد بسطنا القول في الهيئة في كتابنا لقطة العجلان فمن شاء أن يطلع عليه فعليه به والله الموفق ( 2 / 584 )

(2/583)


باب الياء التحتانية

(2/584)


علم اليوم والليلة

(2/584)


علم يبحث فيه عن اختلاف الليل والنهار ومقدار زمانهما وأيهما أقدم في الوجود وأفضل من الآخر وما يتصل بذلك
والغرض والغاية منه ظاهران
وموضوعه : الزمان من حيث كونه منحصرا في الأيام والليالي
وقد أقسم الله سبحانه بهما في كتابه وأناط الأحكام الشرعية باختلافهما في كريم خطابه فقال : ( والشمس وضحها والقمر إذا تلها والنهار إذا جلها والليل إذ يغشها ) ( 2 / 586 )
وقال : ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى )
وقال : ( والضحى والليل إذا سجى ) فقدم النهار مرة والليل أخرى وأخر الليل تارة وقدم النهار كرة بعد أولى
واليوم عبارة عن عود الشمس بدوران الكل إلى دائرة قد فرضت
وقد اختلف فيه فجعله العرب من غروب الشمس إلى غروبها من الغد من أجل أن شهور العرب مبنية على مسير القمر وأوائلها مقيدة برؤية الهلال والهلال يرى لدن غروب الشمس صارت الليلة عندهم قبل النهار
وعند الفرس والروم اليوم بليلته من طلوع الشمس بارزة من أفق الشرق إلى وقت طلوعها من الغد فصار النهار عندهم قبل الليل
واحتجوا على قولهم : بأن النور وجود الظلمة عدم والحركة تغلب على السكون لأنها وجود لا عدم وحياة لا موت والسماء أفضل من الأرض والعامل الشاب أصح والماء الجاري لا يقبل العفونة كالراكد

(2/584)


واحتج الآخرون : بأن الظلمة أقدم من النور والنور طار عليها فالأقدم يبدأ به وغلبوا السكون على الحركة بإضافة الراحة والدعة إليه قال قائلهم :
بقدر هر سكون راحت بود بنكر مراتب را ... دويدن رفتن استادن نشستن خفتن ومردن
وقالوا : الحركة إنما هي للحاجة والضرورة والتعب نتيجة الحركة والسكون إذا دام في الاستقصاءات مدة ولم يولد فسادا فإذا دامت الحركة في الاستقصاءات واستحكمت فسدت وذلك كالزلازل والعواصف والأمواج وشبهها
وعند أصحاب التنجيم أن اليوم بليلته من موافاة الشمس فلك نصف النهار إلى موافاتها إياه في الغد وذلك من وقت الظهر إلى وقت العصر وبنوا على ذلك حساب أزياجهم وبعضهم ابتدأ باليوم من نصف الليل وهذا هو حد ( 3 / 2 ) اليوم على الإطلاق إذا اشترط الليلة في التركيب فإما على التفصيل فاليوم بانفراده والنهار بمعنى واحد وهو من طلوع جرم الشمس إلى غروب جرمها والليل خلاف ذلك وعكسه
وحد بعضهم أول النهار بطلوع الفجر وآخره بغروب الشمس لقوله تعالى : ( كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ) وعورض بأن الآية إنما فيها بيان طرفي الصوم لا تعريف أول النهار وبأن الشفق من جهة المغرب نظير الفجر من جهة المشرق وهما متساويان في العلة فلو كان طلوع الفجر من أول النهار لكان غروب الشفق آخره وقد التزم ذلك بعض الشيعة
وفي ( ( بدائع الفوائد ) ) للحافظ ابن القيم رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما من يوم إلا وليلته قبله إلا يوم عرفة فإن ليلته بعده

(2/586)


قلت : هذا مما اختلف فيه فحكي عن طائفة أن ليلة اليوم بعده والمعروف عند الناس أن ليلة اليوم قبله
ومنهم من فصل بين الليلة المضافة إلى اليوم كليلة الجمعة والسبت والأحد وسائر الأيام والليلة المضافة إلى مكان أو حال أو فعل كليلة عرفة وليلة النفر ونحو ذلك فالمضافة إلى اليوم قبله والمضافة إلى غيره بعده
واحتجوا بهذا الأثر المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ونقض عليهم بليلة العيد والذي فهمه الناس قديما وحديثا من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ولا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ) إنها الليلة التي يسفر صبحها عن يوم الجمعة فإن الناس يتسارعون إلى تعظيمها وكره التعبد فيها عن سائر الليالي فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن تخصيصها بالقيام كما نهاهم عن تخصيص يومها بالصيام والله أعلم بالصواب وهذا آخر الجزء الثاني من الكتاب والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات

(2/586)


المجلد الثالث : الرحيق المختوم من تراجم أئمة العلوم

(3/2)


[ مقدمة المؤلف ]

(3/2)


بسم الله الرحمن الرحيم ( 3 / 3 )
بسملة باب الوجود حمد من اسمه الأقدس فاتحة كل كتاب وفهرسة نسخة الشهود ثناء من باكورة حمده في رياض الخير مطلع كل باب ونسائم التصلية والتسليم سارية إلى حمى النبي الكريم وأزهار التحية باسمة على عريش الأصحاب والآل ما برق ذكاء ولمع آل
وبعد فهذا هو القسم الثالث من كتاب ( أبجد العلوم ) وكنا قد قسمناه على قسمين من قبل ولكن لما انتهى بنا الكلام إلى آخر القسم الآخر عن لنا أن نجعل له قسما ثالثا في تراجم أكابر أئمة العلوم المتداولة ليكون له كالمسك على الختام و يبلغ به الناظر فيه إلى غاية المرام وسميت هذا الثالث من الأقسام : الرحيق المختوم من تراجم أئمة العلوم وبالله التوفيق وإليه مصير كل موجود معدوم
فؤادي داع واللسان مترجم ... ويا رب يا رحمن فضلك أكرم
وإني لمضطر وصنعي عاقني ... وهل غير رب العبد للعبد يرحم
قال في كتاب الجواهر المضيئة : إن ذكر فضائل العلماء تعرض لنفحات الوهب من الله تعالى فإن ذكرهم بالفضائل ذكر الله بالإنعام والإفضال وثمرة ذكر الله طمأنينة القلب كما نطق به الكتاب المبين ومن الحديث الدائر على ( 3 / 4 ) الألسنة عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة رحمنا الله برحمته التي وسعت كل شيء
وفي رسالة الشيخ المسند حسن العجيمي ما معناه : من ورخ أحدا من أهل الفضل والكمال فهو في شفاعته
قال الشاعر :
أرخهم تظفر بأجر وافر ... فبذكرهم يجلى عن القلب الصدأ
وفي كتاب تحقيق الصفا لمحب الدين الطبري : أن من ورخ مؤمنا فضلا عن عالم عامل فكأنما أحياه ومن أحيى مؤمنا فكأنما أحيى الناس جميعا . انتهى
أرخت أحبابي لكي ألقاهم ... ما دمت في الأحياء نصيب نواظري
وينال سمعي من لذيذ حديثهم ... خيرا وإن لم يبرحوا عن خاطري
ولبعضهم :
إن كان قد رحلوا عني وقد بعدوا ... فليس عن حبهم قلبي بمرتحل
في حبهم أنا موقوف على رشد ... ميل الغصون وميل الشارب الثمل

(3/3)


علماء اللغة

(3/4)


خليل بن أحمد البصري صاحب كتاب العين في اللغة أستاذ سيبويه

(3/4)


وهو أول من استخرج العروض وأخرجه إلى الوجود وحصر الأشعار بها في خمس دوائر يستخرج منها خمسة عشر بحرا ثم زاد فيه الأخفش بحرا واحد وسماه الخبب وله معرفة بالإيقاع والنغم وتلك المعرفة أحدثت له علم العروض فإنهما متقاربان في المآخذ . وكان دعا بمكة أن يرزقه الله تعالى علما لم يسبق إليه ولا يؤخذ إلا عنه فرجع من حجه وفتح عليه بالعروض
وكان من الزهاد في الدنيا والمنقطعين إلى العلم
قال تلميذه نضر بن شميل : أقام الخليل في خص بالبصرة لا يقدر على ( 3 / 5 ) فلسين وتلامذته يكتسبون بعلمه الأموال وكان الناس يقولون : لم يكن في العرب بعد الصحابة أذكى منه
وكان يحج سنة ويفرد سنة وأبوه : أول من سمي أحمد بعد النبي صلى الله عليه وسلم
وكان يقول : أكمل ما يكون الإنسان عقلا وذهنا إذا بلغ أربعين سنة وهي السن التي بعث الله فيها محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ثم يتغير وينقص إذا بلغ ثلاثا وستين سنة وهي السن التي قبض فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصفى ما يكون ذهن الإنسان في وقت السحر
ومن شعره :
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني ... أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني ... وعلمت أنك جاهل فعذرتكا
وأنشد :
يقولون لي : دار الأحبة قد دنت ... وأنت كئيب إن ذا لعجيب
فقلت : وما تغني الديار وقربها ... إذا لم يكن بين القلوب قريب ؟
ذكر له ابن خلكان ترجمة حافلة في وفيات الأعيان
توفي الخليل سنة خمس وستين أو سبعين ومائة وله أربع وسبعون
وسبب موته أنه قال : أريد أن أعمل نوعا من الحساب تمضي به الجارية إلى البقال فلا يمكن أن يظلمها فدخل المسجد وهو يعمل فكره فصدمته سارية وهو غافل فانصدع ومات و رئي في النوم فقيل له : ما صنع الله بك ؟ فقال : أرأيت ما كنا فيه لم يكن شيئا أو ما وجدت أفضل من : سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر

(3/4)


علي بن حسن الهناني المعروف بكراع النمل

(3/5)


بضم الكاف أبو الحسن النحوي اللغوي قال ياقوت : هو من أهل مصر أخذ عن البصريين وكان نحويا كوفيا كتب المنضد في لغة المجرد سنة سبع وثلاثمائة . ( 3 / 6 )

(3/5)


أحمد بن فارس بن زكريا

(3/6)


أبو الحسين اللغوي الرازي القزويني كان نحويا على طريقة الكوفي سمع أباه وعلي بن إبراهيم بن سلمة وقرأ عليه الأديب الهمذاني وكان إماما في علوم شتى خصوصا باللغة فإنه أتقنها وألف كتابه المجمل في اللغة وهو على اختصاره جمع شيئا كثيرا وله مسائل في اللغة وكان مقيما بهمذان فحمل منها إلى الري ليقرأ عليه أبو طالب بن فخر الدولة فسكنها وعليه اشتغل بديع الزمان صاحب المقامات وكان شافعيا فتحول مالكيا وقال : أخذتني الحمية لهذا الإمام أن يخلو مثل هذا البلد عن مذهبه وكان الصاحب بن عباد تلمذ له ويقول : شيخنا ممن رزق حسن التصنيف وكان كريما جودا ربما سئل فيهب ثيابه وفرش بيته
قال الذهبي : مات سنة 395 وهو أصح ما قيل في وفاته
ومن شعره :
مرت بنا هيفاء مجدولة ... تركية تنمي لتركي
ترنو بطرف فاتر فاتن ... أضعف من حجة نحوي

(3/6)


إسحاق بن إبراهيم الفارابي

(3/6)


أبو إبراهيم صاحب ديوان الأدب في اللغة خال أبي نصر الجوهري ترامى به الاغتراب إلى أرض اليمن وسكن زبيد وبها صنف كتاب المجمل ومات قبل أن يروى عنه قريبا من سنة 350 ، وقيل : في حدود السبعين
وقال ياقوت : رأيت نسخة من هذا الكتاب بخط الجوهري وقد ذكر فيها : أنه قرأه إلى إبراهيم بقاراب
وله رحمه الله تعالى أيضا : شرح أدب الكتاب وبيان الأعراب

(3/6)


أحمد بن أبان بن سيد اللغوي الأندلسي

(3/6)


صاحب المعلم في اللغة أخذ عن أبي علي القالي وغيره وكان عالما إماما في اللغة والعربية حاذقا أديبا سريع الكتابة
روى عنه الأفليطي صنف المعلم مائة مجلد مرتبا على الأجناس بدأ فيه بالفلك وختم بالذرة وشرح كتاب الأخفش وغير ذلك
مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة . ( 3 / 7 )

(3/6)


محمد بن أحمد بن الأزهر

(3/7)


: طلحة بن نوح الهروي اللغوي الشافعي أبو منصور الأزهري ولد سنة 282
وأخذ عن ربيع بن سليمان ونفطويه وابن السراج وأدرك ابن دريد ولم يرو عنه وورد بغداد وأسرته القرامطة فبقي فيهم دهرا طويلا وكان رأسا في اللغة واشتهر بها
أخذ عنه الهروي صاحب الغريبين وكان قد رحل وطاف في أرض العرب في طلب اللغة وكان جامعا لشتات اللغة مطلعا على أسرارها ودقائقها وصنف في اللغة كتاب التهذيب وهو من الكتب المختارة يكون أكثر من عشر مجلدات وله تصنيف في غريب الألفاظ التي استعملها الفقهاء في مجلد واحد وهو عمدة الفقهاء في تفسير ما يشكل عليهم من اللغة المتعلقة بالفقه وكان عارفا بالحديث عالي الإسناد ثخين الورع
ولد في سنة 282 ، ومات في ربيع الآخر سنة 370 ، وقيل سنة 371 بمدينة هراة وله أيضا تفسير ألفاظ مختصر المزني والتقريب في التفسير وغير ذلك ورأى ببغداد أبا إسحاق الزجاج وأبا بكر بن الأنباري ولم ينقل أنه رحمه الله تعالى أخذ عنهما شيئا

(3/7)


علي بن إسماعيل بن سيده

(3/7)


اللغوي النحوي المرسي الأندلسي أبو الحسن الضرير صاحب المحكم في اللغة وله كتاب المخصص في اللغة أيضا قيل : اسم أبيه : محمد وقيل : إسماعيل وكان أبوه ضريرا أيضا قيما بعلم اللغة اشتغل ولده كان حافظا لم يكن في زمانه أعلم منه بالنحو واللغة والأشعار وأيام العرب وما يتعلق بها متوفرا على علوم الحكمة
روى عن أبيه وأبي العلاء صاعد بن الحسن البغدادي وله شرح إصلاح المنطق و شرح الحماسة وشرح كتاب الأخفش
مات سنة 358 ، عن نحو ستين سنة ( 3 / 8 ) أو نحوها وكان له في الشعر حظ وتصرف

(3/7)


إسماعيل بن حماد الإمام أبو نصر الفارابي الجوهري

(3/8)


صاحب الصحاح
قال ياقوت : كان من أعاجيب الزمان ذكاء وفطنة وعلما أصله من فاراب الترك وكان إماما في اللغة والأدب وخطه يضرب به المثل وكان يؤثر السفر على الحضر ويطوف الآفاق لأجل العلم صنف كتابا في العروض ومقدمة في النحو قبل تغير عقله في آخر عمره فعمل لنفسه جناحين فصعد مكانا عليا فأراد أن يطير فوقع ميتا وبقي الصحاح في المسودة فبيضه تلميذه إبراهيم بن صلاح الوراق فغلط فيه في مواضع
قال ياقوت : وقد رأيت كتاب الصحاح بخطه عند الملك الأعظم وقد كتبه في سنة 392
قال ابن فضل الله في المسالك : مات سنة 396

(3/8)


عبد الله بن بري

(3/8)


ابن عبد الجبار أبو محمد المقدسي المصري النحوي اللغوي علق نكتا مفيدة على صحاح الجوهري وشاع ذكره واشتهر ولم يكن في الديار المصرية مثله كان قيما في النحو واللغة والشواهد
صنف اللباب للرد على ابن الخشاب في رده على درة الغواص للحريري
قال الصفدي : لم يكمل هو حواشي الصحاح وإنما وصل إلى وقس وهو ربع الكتاب فأكملها الشيخ عبد الله بن محمد البطي
مات ابن بري سنة 582 ، وللصحاح تكملة وحواش للصغاني رحمه الله تعالى وجمع بينها وبين الصحاح مجمع البحرين

(3/8)


محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم الشيرازي الفيروزآبادي

(3/8)


صاحب المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب والقاموس المحيط والقاموس الوسيط الجامع لما ذهب من لغة العرب شماطيط والعباب وقد بلغ تمامه ستين مجلدة والقاموس معظم البحر . ( 3 / 9 )
والقابوس الرجل الجميل الحسن الوجه الحسن اللون يقال : رجل وسيط فيهم أي : أوسطهم نسبا وأرفعهم محلا ويقال : قوم شماطيط أي : متفرقة و جاءت الخيل شماطيط أي : أرسالا
وهو العلامة مجد الدين أبو الطاهر إمام عصره في اللغة
قال الحافظ ابن حجر : كان يرفع نسبه إلى الشيخ أبي إسحاق الشيرازي صاحب التنبيه ثم ارتقى وادعى بعد أن ولي قضاء اليمن أنه من ذرية أبي بكر الصديق وكتب بخطه الصديقي ولد سنة 729 بكازرون وتفقه ببلاده وسمع بها من محمد بن يوسف الزرندي المدني ونظر في اللغة إلى أن مهر وفاق واشتهر اسمه وهو شاب في الآفاق وطلب الحديث وسمع من الشيوخ منهم : الحافظ الإمام الواحد المتكلم الحجة ابن القيم تلميذ شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني رحمهم الله تعالى وسمع بالشام من الشيخ تقي الدين أبي الحسن السبكي الكبير وولده أبي النصر تاج الدين السبكي الصغير وابن نباتة وابن جماعة وغيرهم وجال في البلاد الشمالية والشرقية ولقي جماعة من الفضلاء وأخذ عنهم وأخذوا عنه وظهرت فضائله وكتب الناس تصانيفه ودخل الهند ثم زبيد فتلقاه ملكها الأشرف إسماعيل بالقبول وقرره في قضائها وبالغ في إكرامه ولم يدخل بلدة إلا وكرمه متوليها وكان معظما عند الملوك أعطاه تيمورلنك خمسة آلاف دينار ودخل الروم فأكرمه ملكها ابن عثمان وحصل له مال جزيل ومع ذلك فإنه كان قليل المال لسعة نفقاته وكان يدفعه إلى من يمحقه بالإسراف ولا يسافر إلا وصحبته عدة أجمال من الكتب يخرج أكثرها في منزل ينظر إليه ويعيده إذا رحل وكان إذا أملق باعها وكان سريع الحفظ
يحكى عنه أنه كان يقول : ما كنت أنام حتى أحفظ مائتي سطر ومصنفاته كثيرة وقد عد منها بضع وأربعون مصنفا من اللغة والتفسير والحديث
توفي بزبيد سنة ست أو سبع عشرة وثمانمائة وهو متمتع بحواسه ودفن بتربة الشيخ ( 3 / 10 ) إسماعيل الجبرتي
قلت : ومن مؤلفاته : كتاب سفر السعادة وهو بالعربية وبالفارسية وما أجمعه وأصحه وأوعاه لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وما أليقه للعمل لمريد السنة

(3/8)


محمد بن مكرم بن علي - وقيل : رضوان - بن أحمد بن أبي القاسم بن حنفية بن منظور

(3/10)


الأنصاري الأفريقي المصري جمال الدين أبو الفضل صاحب كتاب لسان العرب في اللغة الذي جمع فيه بين التهذيب والمحكم والصحاح وحواشيه والجمهرة والنهاية
ولد في محرم سنة 63 ، وسمع من أبي المعز وغيره وجمع وعمر وحدث واختصر كثيرا من كتب الأدب المطولة كالأغاني والعقد والذخيرة ومفردات ابن البيطان
يقال : أن مختصراته خمسمائة مجلد وخدم في ديوان الإنشاء مدة عمره وولي قضاء طرابلس وكان صدرا رئيسا فاضلا في الأدب مليح الإنشاء
روى عنه السبكي والذهبي تفرد بالعوالي وكان عارفا بالنحو واللغة والتاريخ والكتابة واختصر تاريخ دمشق في نحو ربعه وعنده تشيع بلا رفض
مات في شعبان سنة إحدى عشر وسبعمائة

(3/10)


أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الميداني

(3/10)


النيسابوري أبو الفضل الأديب النحوي اللغوي صاحب كتاب السامي في الأسامي
قال ياقوت : قرأ على الواحدي صاحب التفسير وغيره وأتقن اللغة والعربية و صنف كتاب الأمثال ولم يعلم مثله في بابه والأنموذج في النحو والمصادر ونزهة الطرف في علم الصرف وكان قد سمع الحديث ورواه وكان ينشد كثيرا وأظنهما له :
تنفس صبح الشيب في ليل عارضي ... فقلت : عساه يكتفي بعذاري
فلما فشا عاتبته فأجابني ... ألا هل ترى صبحا بغير نهار
وقرأ عليه ابنه
مات في رمضان سنة 518 . والميداني : نسبة إلى ميدان زياد ( 3 / 11 ) بن عبد الرحمن وهي محلة بنيسابور قلت : وقد طبع كتابه الأمثال بمصر القاهرة لهذا العهد وابنه أبو سعد سعيد بن أحمد كان أيضا فاضلا دينا وله كتاب الأسماء في الأسماء وتوفي رحمه الله سنة تسع وثلاثين وخمسمائة

(3/10)


ناصر بن عبد السيد بن علي بن المطرزي الحنفي

(3/11)


أبو الفتح النحوي الأديب من أهل خوارزم قرأ على الزمخشري والموفق وبرع في النحو واللغة والشعر وأنواع الأدب والفقه على مذهب الحنفية ويقال : أنه كان خليفة الزمخشري وكان معتزليا تام المعرفة بفنه رأسا في الاعتزال داعيا إليه ينتحل مذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع فصيحا فاضلا في الفقه صنف شرح المقامات للحريري وهو على وجازته مفيد محصل للمقصود وله كتاب المغرب تكلم فيه على الألفاظ التي يستعملها الفقهاء من الغريب وهو للحنفية بمثابة كتاب الأزهري للشافعية وما قصر فيه فإنه أتى جامعا للمقاصد وله مختصر الإقناع في اللغة والمصباح في النحو ومختصر الإصلاح لابن السكيت وغير ذلك وانتفع الناس بكتبه ودخل بغداد حاجا سنة 601 ، وكان سائر الذكر مشهور السمعة بعيد الصيت له شعر كثير يستعمل فيه التجانس
والمطرزي : نسبة إلى من يطرز الثياب ويرقمها ولا أعلم هل كان يتعاطى ذلك بنفسه أم كان في آبائه من يتعاطى ذلك فنسب إليه ؟ قاله ابن خلكان
ولد في رجب سنة 38 ه ومات بخوارزم في يوم الثلاثاء حادي عشر جمادى الأولى سنة 610 ، ورثي بأكثر من ثلاثمائة قصيدة

(3/11)


عمر بن محمد بن أحمد

(3/11)


ابن إسماعيل أبو حفص نجم الدين الإمام الزاهد قال السمعاني : كان إماما فاضلا مبرزا متقنا لغويا
سمع أبا مجد محمد التنوخي وأبا الحسين محمد البزدوي وغيرهما
وصنف في كل نوع من العلم في التفسير والحديث واللغة والشروط صنف قريبا من مائة مصنف ( 3 / 12 )
ولد بنسف في شهور سنة اثنتين وستين وأربعمائة وتوفي سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وفي هذه السنة توفي أيضا الزمخشري صاحب الكشاف

(3/11)


مبارك بن محمد بن محمد مجد الدين أبو السعادات الجزري الإرملي المشهور بابن الأثير

(3/12)


أشهر العلماء ذكرا وأكبر النبلاء قدرا أحد الأفاضل المشار إليهم وفرد الأماثل المعتمد في الأمور عليهم كان نائب المملكة ولد سنة 544 ه بالجزيرة وانتقل إلى الموصل وأخذ النحو عن ابن دهان ويحيى بن سعدون القرطبي وسمع الحديث متأخرا وتنقل في الولايات وكتب في الإنشاء
وله النهاية في غريب الحديث وجامع الأصول في أحاديث الرسول والبديع في النحو وكتاب الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف في التفسير وكتاب المصطفى والمختار في الأدعية والأذكار وكتاب في صفة الكتابة صنف هذه الكتب وكان عنده جماعة يعينونه عليها في الاختيار والكتابة وله شعر يسير
مات سنة 606 رحمه الله تعالى

(3/12)


أبو الفيض محمد مرتضى بن محمد الحسيني صاحب تاج العروس شرح القاموس

(3/12)


السيد الواسطي البلجرامي نزيل مصر شريف النجار عظيم المقدار كريم الشمائل غزير الفواضل والفضائل
أخذ العلوم النقلية والعقلية في مدينة زبيد على جماعة أعلام منهم : السيد العلامة أحمد بن محمد مقبول الأهدل ومن في طبقته : كالشيخ عبد الخالق ابن أبي بكر المزجاجي والشيخ محمد بن علاء الدين المزجاجي
قال في النفس اليماني والروح الريحاني : وأخذ عمن أخذ عنهم : كشيخنا الوالد رحمه الله ثم توجه إلى ( 3 / 13 ) إقليم مصر واستكمل فيها العلوم النقلية والعقلية وبرع في جميع العلوم سيما علمي الحديث واللغة وأدرك شيوخنا من أهل الأسانيد العالية وألف التآليف النافعة الواسعة واستجاز لي منه شيخنا الوالد وأجاز وكذلك استجاز لي منه السيد العلامة عبد الله السعدي مقبول الأهدل وأجاز واستجاز منه لنفسه ولأولاد شيخنا الوالد القاضي العلامة محمد بن إسماعيل الربعي
وأجاز وكتب هذه الإجازة :
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أجاز على العمل الصحيح المقبول أحسن إجازة ووعد بوجادة ذلك يوم مناولة الكتاب باليمين وعدا لا يخلف سبحانه إنجازه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يسندها عن القلب اللسان ويرفع إسنادها على متن مسندها راية روايتها التي هي علم الإيمان والصلاة والسلام على سيدنا محمد المرفوع قدره على كل نبي مرسل المطهر نسبه الزكي المسلسل وعلى آله وصحبه الذين قامت لهم بمتابعته شواهد التفضيل وأضحى مدرجا في إجمال ما شهد به كل تفصيل
وبعد فلما أشرق سبحانه على من أسعده شمس العناية وجلى قلبه بنور التوفيق بكمال الرعاية ووالى عليه طول إمداده عند بزوغ هلاله ولم يزل يعرج في منازل العز إلى أن بلغ أوج كماله كان من أصدق ما صدقت عليه هذه العبارة وأحرى من تنصرف إليه هذه الإشارة السالك بمقتضى التوفيق أبهج المسالك النبوية الراقي بهمته ذرى التحقيق فظفر منه بالغاية المقبولة المرضية وتحلى بالفضائل ما أوضح شاهده الدليل حيث صرف أوقاته النفيسة في التحصيل وأرق فكره في التفريع والتأصيل إلى أن اكتال من المعارف بالصاع الأوفى وروي من منهلها الأعذب الأصفى وتفيأ بظلال رياض العلوم بالمدد وروى حديث الفضل عالي السند وجاء مجليا في حلبة الفواضل محرزا قصب السبق بأطراف الأنامل ألا وهو النجيب الكامل صفي الإسلام أبو الإمداد محمد نجل شيخنا الإمام العلامة قاضي القضاة عماد الإسلام إسماعيل ابن ( 3 / 14 ) الشهاب أحمد بن المرحوم إبراهيم بن عمر بن عبد القادر الربعي الأشعري وهو زاكي الحسب عريق في النسب إذ أم جده إبراهيم هي : آمنة ابنة الفقيه العلامة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل العلوي وقد تولى القضاء من أسلافهم جماعة في مور والمهجم وبعضهم عند البدر الأهدل مترجم نفعنا الله ببركات السلف الصالح وأعز جناب هذا الخلف الفالح وأدام النفع به ووصل أسباب الخيرات بسببه آمين
وقد دعاه حسن الظن بي أن كتب إلي كتابا يستدعي فيه الإجازة مني حرصا على الانتظام في سلك من تحلى بما خصت به هذه الأمة من الإسناد والتمسك بسلسلته الموصلة لأشرف الرسل إلى العباد ولقد ذكرني - حفظه الله - بشيء كاد أن يكون نسيا منسيا ورعيا له فقد شوقني لما كان أمرا ظاهرا فعاد خفيا فقد كان فيما عبر من الزمان يرحل إلى الإسناد العالي إلى شاسع البلدان وتطلب الإجازة من بعيد تلك الديار وأطراف تلك الأقطار أما الآن فقد زال ذلك الانضباط وطوي ذلك البساط وتقاعدت الهمم عن طلبه وركت عن السعي في تحصيل رتبه وذهب المسدون الخلة ومن كانت تزدهي بوجودهم الملة كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفاء أنيس ولم يسمر بمكة سامر ولكن بقي من آثارهم بقايا في زوايا الزمان ممن تحمل عنهم خبايا والعبد بحمد الله ممن تردد إلى مشائخ علم الحديث والإسناد قديما وصبغ بالتحمل عنهم في ساحته أديما وقد قرت عيني به الآن وابتهج خاطري بوجود طالب هذا الشان فلله الحمد على ذلك والشكر له على سلوك ( 3 / 15 ) هذه المسالك فإنه الموفق لما هنالك المعطي المانع الملك المالك وقد أجبت لسيدنا المشار إليه إلى مطلوبه وسعفته بتحصيل مرغوبه وأجزته أن يروي عني جميع ما تجوز لي وعني روايته من مقروء ومسموع ومجاز ومناولة ووجادة وكتابة ووصية ومراسلة وفروع وأصول ومعقول ومنقول ومنثور منظوم وتأليف وتخريج وكلام وتصوف ولغة ونحو وتصريف ومعاني وبيان وبديع وتاريخ ودواوين وما ألفته وخرجته ونظمته ونثرته بشرطه الذي عليه عند أرباب هذا الشأن يعتمد وقرنت ذلك الاقتصار من الطرق التي رويت بها أعلى السند وكذلك أجزت بكل ما ذكر أولاد شيخنا الإمام العلامة نفيس الإسلام سليمان بن يحيى بن عمر - حفظه الله - وحاطهم بحسن رعايته ولطيف كلاءته ذكورا وإناثا وأنا أسأل من فضله أن لا ينساني من خالص دعواته في خلواته وجلواته وأتوسل إلى الله تعالى بخاتم أنبيائه عليه أفضل الصلاة والسلام أن يرزقني وإياهم وجميع المسلمين حسن الختام آمين
فأقول : أخبرني ما بين قراءة وسماع وإجازة خاصة وعامة مشائخنا الأئمة الأعلام : السيد نجم الدين أبو حفص عمر بن أحمد بن عقيل الحسيني والشهابان : أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف بن عمر المجري الملوي وأحمد بن حسن بن عبد الكريم بن محمد بن يوسف الخالدي وعبد الله بن محمد الشبراوي والسيد عبد الحي بن الحسن بن زين العابدين البهنسي خمستهم عن : مسند الحجاز عطاء بن سالم البصري والشهاب أحمد بن محمد النخلي وشيخنا : النجم أبو المكارم محمد بن سالم بن أحمد الحنفي عن المسند عبد العزيز بن إبراهيم الزيادي وشيخنا المتفنن : أحمد بن عبد المنعم بن صيام الدمنهوري عن الشمس محمد بن منصور الأطفيحي وشيخنا : أبو المعالي الحسن بن علي المدابغي عن عبد الجواد بن القاسم المحلي وشيخنا المعمر : السيد محمد بن محمد التليدي ( 3 / 16 ) عن أبي عبد الله محمد بن عبد الباقي الزرقاني وشيخنا : الشهاب أحمد بن شعبان بن غرام الرعيلي الشهير بالسابق قال : هو وهو أعلى بدرجة والزرقاني والمحلي والأطفيحي والزيادي والنخلي والبصري
أخبرنا الحافظ شمس الدين محمد بن علاء الدين البابلي وزاد الزرقاني والأطفيحي والزيادي فقالوا : وأبو الضياء علي بن علي الشبراملسي
وأخبرنا شيخنا عبد الله بن محمد بن أحمد العشماوي عن أبي العز محمد العجمي عن أبيه محدث القاهرة الشهاب أحمد بن محمد العجمي قال : هو والبابلي أخبرنا المسند نور الدين علي بن يحيى الزيادي عن كل من السندين : يوسف بن زكريا ويوسف بن عبد الله الأرميوني كلاهما عن الحافظ شمس الدين أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي وبرواية البابلي والشبراملسي عن الشهاب أحمد بن خليل السبكي وبرواية البابلي خاصة عن خاله سليمان ابن عبد الدائم البابلي وأبي النجا سالم بن محمد السنهوري وعبد الرؤوف بن تاج العارفين المناوي والشهاب أحمد بن محمد بن يونس الحنفي والمعمر محمد بن محمد بن عبد الله القلقشندي الواعظ خمستهم : عن نجم السنة محمد بن أحمد بن علي الغيطي عن شيخ الإسلام زكريا بن محمد الأنصاري وبرواية السنهوري عن الشهاب أحمد بن محمد بن علي بن حجر المكي عن شيخ الإسلام وعن عبد الحق بن محمد السنباطي وبرواية الواعظ أيضا عن أحمد بن محمد السبكي عن الجمال إبراهيم بن أحمد ابن إسماعيل القلقشندي وبرواية شيخ مشائخنا البصري عن علي بن عبد القادر الطبري عن عبد الواحد بن إبراهيم الخطيب عن الشمس محمد بن إبراهيم العمري هو والجمال القلقشندي والسنباطي وشيخ الإسلام والسخاوي عن حافظ الأمة شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني الشهير بابن حجر - قدس الله سره - بأسانيده المتفرعة إلى أئمة الكتب الستة وغيرهم مما أوردها في كتاب المعجم ( 3 / 17 ) المفهرس وهو في جزء حافل وبرواية عبد الواحد الخطيب أيضا عن الجلال عبد الرحيم بن عبد الرحمن العباسي هو والأرميوني وأبو زكريا أيضا عن الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي بأسانيده المذكورة في معجمه
ومن مشائخي : الإمامان الفقيهان : محمد بن عيسى ابن يوسف الدنجاوي ومصطفى بن عبد السلام المنزلي أخذت عنهما بثغر دمياط وهما يرويان عن الإمام أبي حامد بن محمد البديري عن الشيخ إبراهيم الكوراني وقريش بنت عبد القادر الطبري ومحمد بن عمر الشوبري ومحمد بن داود العناني والمقري : محمد بن قاسم البقري وأحمد بن عبد اللطيف البشيشي بأسانيدهم
ومن مشائخي : سالم بن أحمد النفراوي وسليمان ابن مصطفى المنصوري وأبو السعود محمد بن علي الحسني وعبد الله بن عبد الرزاق الحريري ومحمد بن الطيب الفاسي ومحمد بن عبد الله بن أيوب التلمساني الشهير بالمنور وعلي بن العربي السقاط وعمر بن يحيى الطحلاوي وغيرهم
وممن كتب بالإجازة إلي جماعة أجلهم : الشهاب أحمد بن علي الميني الحنفي من دمشق وعلي بن محمد السلمي من صالحيتها وأبو المواهب محمد صالح بن رجب القادري ومحمد بن إبراهيم الطرابلسي النقيب ومحمد بن طه العقاد وأحمد بن محمد الحلوي أربعتهم من حلب والمسند أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي من نابلس وأحمد بن عبد الله السنوسي ومحمد بن علي بن خليفة الفريابي كلاهما من تونس
و لي غيرهم من الشيوخ ذي الرسوخ الموصوفين بالصلاح المنتظمين في سلك ذوي الفلاح تغمدهم الله بعفوه وزادهم من سلسبيل الجنة بصفوه وأسانيدهم مشهورة وفي صحف السماعات مسطورة أوزعنا الله وإياهم شكر نعمته وجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمته على بساط أنسه وحضرة قدسه . ( 3 / 18 )
ومما نسب إليه من التأليف والتخريج : فشرح القاموس المسمى بتاج العروس في عشرة أسفار كبار أتممته في أربع عشرة سنة
وشرح إحياء علوم الدين أعانني الله على إكماله وقد وصلت فيه إلى كتاب الصلاة
وتكملة القاموس مما فاته من اللغة لم يكمل
وشرح حديث أم زرع أحد عشر مجلسا
ورفع الكلل عن العلل
وتخريج حديث : شيبتني هود
وتخريج حديث : نعم الإدام الخل
والمواهب الجلية فيما يتعلق بحديث الأولية
والمرقاة العملية في شرح الحديث المسلسل بالأولية
والعروس المجلية في طرق حديث الأولية
وشرح الحزب الكبير للشاذلي المسمى : بتنبيه المعارف البصير على أسرار الحزب الكبير وإنالة المنى في سر الكنى
والقول المبتوت في تحقيق لفظ التابوت
وحسن المحاضرة في آداب البحث والمناظرة
ورسالة في أصول الحديث
ورسالة في أصول المعمى
وكشف الغطا عن الصلاة الوسطى
والاحتفال بصوم الست من شوال
وإيضاح المدارك عن نسب العواتك
وإقرار العين بذكر من نسب إلى الحسن والحسين والابتهاج بذكر أمر الحاج . ( 3 / 19 )
والفيوضات العلية بما في سورة الرحمن من أسرار الصيغة الإلهية
والتعريف بضروري علم التصريف
والعقد الثمين في طرق الإلباس والتلقين
وإتحاف الأصفياء بسلاسل الأولياء
وإتحاف بني الزمن في حكم قهوة اليمن
وإتحاف الإخوان في حكم الدخان
والمقاعد العندية في المشاهد النقشبندية مائة وخمسون بيتا
والدرة المضيئة في الوصية المرضية مائتان وعشرون بيتا
وإرشاد الإخوان إلى الأخلاق الحسان مائة وعشرون بيتا
وألفية السند في ألف وخمسمائة بيت وشرحها في عشرة كراريس
وشرح صيغة ابن مشيش
وشرح صيغة السيد البدوي
وشرح ثلاث صيغ لأبي الحسن البكري
وشرح سبع صيغ المسمى : بدلائل القرب للسيد مصطفى البري
والأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة
وتحفة العيد في كراس
وتفسير سورة يونس على لسان القوم
ولقطة العجلان في ليس في الإمكان أبدع مما كان
والقول الصحيح في مراتب التعديل والتجريح
والتحبير في الحديث المسلسل بالتكبير
والأمالي الحنفية في مجلد
والأمالي الشيخونية في مجلدين
وقد بلغت أربعمائة مجلس إلى وقت تاريخ الكتابة إلى غير ذلك من رسائل منظومة ومنثورة مما لست أحصي أسماءها الآن . ( 3 / 20 )
وقد أجزت السيد المشار إليه ومن ذكر معه بكل ما ذكر إجمالا وتفصيلا إجازة عامة وخاصة قاله بفمه ورقمه بقلمه : الفقير لمولاه الشاكر لما أولاه أبو الفيض محمد مرتضى بن محمد الحسيني نزيل مصر وخادم علم الحديث بها غفر الله زلله وأصلح خلله وتقبل عمله وبلغه أمله في مجلس واحد من ليلة خروج المحمل الشريف وهي ليلة الاثنين تاسع شهر شوال سنة 1195 ، أحسن الله تمامها وأسعد عامها والحمد الله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وحسبنا الله ونعم الوكيل
ووصل من السيد المذكور إلى شيخنا الوالد هذا الكتاب المشتمل على شرح بعض أحواله ومن أدركه من أهل الأسانيد العالية وصورته
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم أستخدم نسائم الكمائم في إبلاغ تحياتي إلى جناب ذي الفضائل من مناهل المعارف من ندى مسائله
وأستودع لمعان البوارق أمام الغوادي تسليماتي على حمال أهل الفواضل الناهض بأعباء علوم الشريعة على كاهله
من قد كوكب فضله وأشرق
وماس غصن شمائله فأورق
وتساوى في الثناء عليه يومه والأمس
وأضاءت به أفلاك المكارم - ولا بدع - فإنه الشمس
مستوطن سنام المجد الباذخ
مقتعد صهوة الشرف الشامخ
مشكاة العلوم إذا أظلمت سيل الجهالة
ضياء العلوم إذا دارت على بدرها المنير هالة
السيد الشريف الجهيد العلامة العفيف شيخنا وأستاذنا : السيد سليمان بن يحيى . ( 3 / 21 )
لازالت ربوع المكارم بحسن أنظاره تحيى . آمين
أما بعد فقد وصل كتابكم أولا وثانيا وكانا مع الفرح توأمين وقرأناهما فقرت بمضمونها العين وزال الغين وماذا أصف ؟ وحسبي أن أقف فالطوامير بالنسبة إلى شكره قصاصات عصفت بها الرياح والمناشير ولو كانت طلاع ما بين الثرى والأثير نبذت في جوانب فيافي البطاح وأشواقي إلى مشاهدة تلك الربوع الأنيسة ومشاهدة جماله الباهي فيها مع الاستئناس بحضرة الأحباب الكرام في تلك المشاهد الزكية المأهولة لا قدرة على إبراز مجملها فضلا عن مفصلها كيف وقد ترادفت جيوشها وتلاطمت أمواجها ولمعت بوارقها ولكني أسأل الواهب المنان كثير الجود والإحسان أن يقدر لي الوصول إلى تلك الديار لأجدد عهدي و أنسي بأولئك السادة الأبرار فإن هذا القدر الذي وصلت إليه إنما هو من بركات ملاحظاتهم وأسرار مشاهداتهم
وقد اتفق أني حررت الجواب الذي ورد علينا سابقا مع الكتاب المرسل إلى حضرة شيخنا المرحوم قطب المكارم السيد الوجيه العيدروس وأرسلناهما وفيه بيان بعض الأخبار وإفشاء نبذ من الأسرار ثم أخبرت فيما بعد أن جواب مكتوبي لم يصل إلى حضرتكم قال ذلك بعض طلبة العلم : الشيخ علي العديني فقلت : لعله خير وإنما يمنعني من إرسال المكاتيب كثرة أشغالي وتضاعيف الهموم والأحزان بالقلب البالي والتي لا يخلو الإنسان منها ولو كان في أجل النعم ثم الذي أخبركم مما من الله تعالى به علي : أني حين وصولي إلى مصر افترصت المدة وانتهزت القعدة فأكببت على تحصيل العلوم وتكميل منطوقها والمفهوم وتشرفت بالسماع والصحيح على مسنديها الموجودين
فمن الطبقة الأولى - وهم الذين أدركوا البصري والنخلي والبنا والبقري والعجيمي - جماعة وهم : الشيخ أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف المجري الملوي ( 3 / 22 ) ورفيقه في الأخذ : الشهاب أحمد ابن حسن بن عبد الكريم الخالدي الجوهري وعبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي والشمس محمد بن أحمد بن حجازي العشماوي والشهاب بن عبد المنعم صائم الدمنهوري وسابق بن رمضان بن غرام الرعيلي الشافعيون والأخير : أدرك الحافظ البابلي وأجازه لأنه ولد سنة 1068 ، والبابلي وفاته سنة 1078 ، وتوفي شيخنا المذكور في سنة 1083 ، بعد وفاة شيخنا الشبراوي فهذا الرجل أعلى من وجدته سندا بالديار المصرية وكان له درس لطيف بالجامع الأزهر يحضر عليه الإفراد ولم يتنبه لعلو سنده إلا القليل لاشتغالهم بأحوالهم
ثم أدركت الطبقة الثانية وهي مضاهية للأولى ومشاركة لهم فمنهم : الشيخ سليمان بن مصطفى المنصوري الحنفي والشيخ حسن بن علي المدابغي الشافعي والسيد محمد بن محمد التليدي الحسيني المالكي وعمر بن علي بن يحيى الطحلاوي المالكي والقطب عبد الوهاب بن عبد السلام المرزوقي العفيفي المالكي وعبد الحي بن الحسن الحسني البهنسي المالكي وعلي بن موسى الحسني المقدسي الحنفي ومحمد بن سالم الحنفي
ثم أدركت بعد هؤلاء طبقة أخرى مشاركة لهم وهم كثيرون ورحلت إلى بيت المقدس فحطت بها جماعة مسندين وفي الرملة وثغريا ودمياط ورسد والحلة وسهنود والمنصورة وأبو صير و دمنهور وعدة من قرى مصر سمعت بها الحديث كما هو مذكور في المعجم الكبير الذي ذكرت فيه تفصيل ذلك
ورحلت إلى أسيوط وجرجان وفرشوط وسمعت في كل منها وأجازني من مدينة حلب جماعة ومن مدينة فاس وتونس وسولا وتلمسان جماعة وأدركت من شيوخ المغاربة جماعة مسندين بمصر وغيرها
وممن كتب إليه أستجيز منه لي ولحضرتكم ولأخيكم السيد أبكر ومحبنا ( 3 / 23 ) العلامة عثمان الجبيلي خاتمة المحدثين بمدينة نابلس من الشام : الشمس محمد ابن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي وذلك في سنة تسع وسبعين ومائة وألف فوصلت منه الإجازة وفيها أساميكم مسطرة على التفصيل في نحو كراس أخذها مني الشيخ عبد القادر بن خليل المدني وصل إليكم من مدة ثلاث سنوات وفي ظني الغالب أنه اجتمع بكم وأراكم هذه الإجازة ثم إن المذكور ورد علينا من اليمن وتوجه إلى نابلس وتوفي هناك وبقيت الإجازة في جملة كتبه فإن اطلعتم عليها وكتبتم منها نسخة فيها وإن لم تطلعوا عليها فإن أسانيد الشيخ المشار إليه المجيز لكم محفوظة عندي فإن سمحت نفسكم بالعمل بهذه الإجازة وطلبتم شيوخه أرسلت لكم ذلك
ومما من الله تعالى علي : أني كتبت على القاموس شرحا غريبا في عشر مجلدات كوامل جملتها خمسمائة كراس مكثت مشتغلا به أربعة عشر عاما وشهرين واشتهر أمره جدا حتى استكتبه ملك الروم نسخة وسلطان دافور نسخة وملك الغرب نسخة ونسخة منها موجودة في وقف أمير اللوا محمد بيك بمصر بذل في تحصيله ألف ريال وإلى الآن الطلب من ملوك الأطراف غير متناه واتفق أنه جاءني كتاب من السيد العلامة فخر السادة الملوك الأشراف مولانا السيد عبد القادر الكوكباني صحبة فخر السادة الأشراف السيد علي الفتاوي يطلب نسخة من الكتاب فحصلت له الجزء الأخير منه وهو مشتمل على شرح الواو والياء المسمى : بالإعياء إلى آخر الكتاب وهذا العام قد توجه به السيد المذكور إلى بلاد اليمن فإن سمح خاطركم بإرسال مكتوب إلى السيد عبد القادر المشار إليه بتحصيله بالاستكتاب فلا بأس وإن قدر الله الإرسال إليكم بشيء من أوله فعلت وسأفعل إن شاء الله تعالى . ( 3 / 24 )
ثم أذن لي بالقاهرة في درس الحديث فشرعت في إقراء صحيح البخاري في مسجد شيخون بالصليبية مع إملاء حديث عقب الدرس على طريقة الحفاظ بسنده والكلام عليه بمقتضى الصناعة الحديثة فحررت تلك الأمالي إلى الآن فبلغت نحو أربعمائة مجلس في كل جمعة يومان فقط : الاثنين والخميس وقد جمع ذلك في مجلدات ونقلها الناس وأنا إلى الآن مستمر على هذه الطريقة ودرس آخر في الشمائل للترمذي في مقام القطب شمس الدين أبي محمود الحنفي - قدس الله سره -
ولما وصلت إلى حديث أم زرع أمليت عليه نحو سبعة كراريس وأكثر في أربعة عشر مجلسا ونقلته الطلبة واشتهر بينهم وكتبت إجازة إلى غزة ودمشق وحلب وعين ناب وأذربيجان وتونس وحرار ونادلا وديار بكر وسناد ودارفور ومدراس وغيرها من البلدان على يد جماعة من أهلها الذين وفدوا علي وسمعوا مني واستجازوا لمن هناك من أفاضل العلماء فأرسلت إليهم مطلوبهم وتلك الأسانيد غالبها ما استفدنا منكم ومن حضرة شيخنا : المرحوم عبد الخالق بن أبي بكر المزجاجي ولقد حصلت الأسانيد شهرة في الديار المصرية والشامية والرومية والمغربية وأطرافها مما لا أحصي بيانه والحمد لله الذي وفقني لإحياء مراسم أشياخي وإنعاش ذكرهم على ممر الزمان ولم أزل في مجالسي أحييها بذكركم وأشوق الناس إلى زكي محاسنكم وكتبت في هذه المدة عدة رسائل ما بين مختصر ومطول
فمن ذلك :
جزء في تخريج حديث : شيبتني هود
وجزء في تخريج حديث : نعم الإدام الخل
وجزء في تحقيق الصلاة الوسطى
وجزء في تخريج هذا العلم من كل خلف عدوله
والأربعين المنتقى من العلل للدارقطني والكلام معه بمقتضى الصناعة . ( 3 / 25 )
ومعارف الأبرار فيما للكنى والألقاب من الأسرار
وجزء في تخريج حديث : اسمح يسمح لك
والعقد المنظم في أمهات النبي صلى الله عليه وسلم
والعقد الثمين في رجال الخرقة والذكر والتلقين
والفوائد الجليلة على مسلسلات ابن عقيلة عشرة كراريس
والمرقاة العلية في شرح المسلسل بالأولية وضعتها على ترتيب : منتهى الآمال في حديث إنما الأعمال للحافظ السيوطي وغير ذلك مما لم يحضرني حال تسطير الأحرف وهي كثيرة
ومن أعظم ذلك : أني شرعت في شرح كتاب الإحياء للغزالي وأمليته درسا فأتممت شرح كتاب العلم وحده في نحو سبعين كراسا والعام الماضي جاءني كتاب من عالم مكة وصالحها : مولانا الشيخ إبراهيم الزمزمي يطلب ما تيسر منه فنقل له من المسودة نحو عشرين كراسا وأرسلت إليه هذا العام ولكن بعد إرسال ذلك إليه حين التبييض زدت فيه من فوائده المغلقة به شيئا كثيرا حتى إن الكتاب مغائر له وقد عزمت في هذه السنة على إرسال ما بيضته وزدت عليه ليكون الاعتماد على النسخة الأخيرة فإذا أرسلتم إلى مكة من يستكتب لكم منه نسخة فإنه قريب الحصول ومع ذلك فإني نويت على إرسال شرح كتاب العلم منه إلى حضرتكم السعيدة مع شيء من شرح القاموس فإن ساعدت الأقدار بحصول أمنيتي فعلت ذلك وسأفعله إن شاء الله تعالى وهذا الشرح يا مولانا غريب الشكل والوصف فإنه قد حضرت لي المواد المتعلقة به مالا أحصيها لكثرة وغرابة وهي مذكورة في أوله ثم إنه شرح ممزوج متكفل لبيان رموزه ونسخه وإشاراته ومآخذه ونرجو من علو همتكم أن لا تنسوا تلميذكم من صالح الأدعية وبالتوفيق والرضا والتيسير للعمل الصالح خصوصا إتمام هذا الشرح على الوتيرة المرضية وساعة تاريخ الجواب كنت أشرح الرسالة القدسية وهو ثاني كتاب بعد كتاب العلم وقد بقي منه شيء قليل وسنشرع في كتاب ( 3 / 26 ) أسرار الطهارة إن شاء الله تعالى كل ذلك ببركة نفسكم الطاهر ودعائكم الفاخر فالبعد الظاهر لا عبرة به عند أرباب القلوب والله علام الغيوب
ونخبر شيخنا - أدام الله فضله علينا - : أن في جواب الكتاب السابق الذي لم يصل إليكم كنت أرسلت أستجيز منكم لي على سبيل التجديد ثم الجماعة من خواص أحبابي الذي يترددون علي للتلقي ولهم بنا صحبة ومحبة واشتياقهم لحضرتكم شديد وإنما منعهم من الوصول إليكم بعد الديار وكثرة الأخطار وأرجو من فضلكم إرسال إجازة لي منكم ولمن يسمى بعد في هذه المحلة وإذا كتبتم الإجازة في كراريس فليكتب عليها كذلك من بقي الآن بمدينة زبيد - حرسها الله - من المسندين المعمرين كل ذلك بهمتكم ويكون إرسالها على يد من يعتمد عليه من الثقات لا زلتم أهلا لإنجاح الحاجات
وهذه أسامي المجازين بعد كاتبه الفقير :
معيد دروسنا : السيد الفاضل أبو الصلاح الحسين بن عبد الرحمن الحسيني الشيخوني
وأبو العدل موسى بن داود بن سليمان الحنفي خطيب المسجد الذي أنا أقرأ فيه
والشيخ الصالح : أبو البر أحمد بن يوسف الحسيني الشنواني
وأبو الصلاح يوسف بن نور الدين الطحلاوي المالكي خطيب جامع توضون
ورضوان بن عبد الله الدفراوي مولى نعم ولأولاده : أبو البقاء وعثمان ومحمد وأحمد وسلمان ونفيسة
وأبو العرفان عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الحلواني الحنفي ولوالده المذكور وفتاي : بلال الحبشي وزوجي : زبيدة بنت المرحوم ذو العفار الدمياطي وفتياتي : سعادة ورحمة الحبشيتان كل ذلك بتصريح أساميهم تفصيلا مع ذكر ما ينبغي ذكره من اللطائف الإسنادية والغرائب الحديثة وذكر بعض الكتب من أسانيد والدكم المرحوم ومشائخكم الذي أخذتم عنهم والله ( 3 / 27 ) يجزيكم عنا كل خير ويمد في حياتكم وعمركم ويجعلكم ملجأ الوافدين
ثم المسؤول إبلاغ شريف سلامي وتحياتي إلى حضرة سلالة المشائخ الكرام : العارف بالله سيدنا الوجيه عبد الرحمن المشرع وقد كنت حررت له جوابا في طي جوابكم ولم يتفق وصوله وإلى حضرة أخيكم وصنوكم : السيد أبي بكر ومحبنا الفقيه العلامة عثمان الجبيلي ثم إلى حضرة شيخنا العلامة عبد الله الجوهري ثم إلى حضرة سيدنا الإمام العلامة القاضي إسماعيل الربعي ثم إلى أولاد شيخنا المرحوم عبد الخالق بن أبي بكر وإلى أولاد شيخنا المرحوم محمد بن علاء الدين ثم كل من يسأل عنا ويحويه مجلسكم السعيد وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم . انتهى ما في ( النفس اليماني والروح الريحاني )
وأقول : أن السيد أصله من السادة الواسطية من قصبة بلكرام وهي على خمس فراسخ من بلدتنا قنوج ما وراء نهر كنك
قال السيد العلامة مير غلام علي آزاد البلجرامي - قدس سره السامي - في مآثر الكرام تاريخ بلجرام تحت ترجمة السيد قادري ما تعريبه :
ومن نيائره : السيد محمد مرتضى بن السيد محمد بن السيد قادري حصل الكتب العربية ووفق في حداثة السن لمزيارة الحرمين الشريفين في سنة أربع وستين ومائة وألف الهجرية واكتسب علم الحديث الشريف في أماكن متبركة وهو نزيل زبيد اليمن في هذه الأيام يستند فن الحديث عند الشيخ عبد الخالق الزبيدي - بارك الله في عمره وأولاده - الترقيات الدينية . انتهى
قلت : وقد أقام رحمه الله بزبيد حتى قيل له : الزبيدي واشتهر بذلك واختفى على كثير من الناس كونه من الهند ومن بلجرامها وقد ذكر في برنامجه الذي كتبه للسيد باسط علي بن السيد علي بن السيد محمد بن السيد قادري بمصر نحوا من ثلاثمائة شيخ له الذين أخذ عنهم العلم وسمى منهم من علماء الهند ومشائخها : الشيخ المحدث العلامة محمد فاخر بن محمد يحيى الإله آبادي ( 3 / 28 ) المتخلص بالزائر ومسند الوقت : الشيخ ولي الله المحدث الدهلوي صاحب كتاب حجة الله البالغة قال : وحضرت بمنزله في دهلي
وقد أجاز له مشائخ المذاهب الأربعة وعلماء البلاد الشاسعة ولقي الشيخ أبا الحسن بن محمد صادق السندي المدني صاحب الشروح على الصحاح الستة والمولوي خير الدين السورتي بن محمد زاهد وغيرهما
ومؤلفاته المذكورة في البرنامج تزيد على مائة كتاب وذكر مشائخه وكتبه فيه على ترتيب حروف الأعجام وقد طبع كتابه : تاج العروس شرح القاموس لهذا العهد بمصر القاهرة لكن خمس مجلدات منه فقط وهو شاع في الأمصار وبلغ إلى الأقطار يتضح من النظر فيه علو كعبه في علم اللغة وكونه إماما فيه وشرحه هذا يغني عن حمل جملة الدفاتر المؤلفة في فن اللغة
وقد وقع تأليفه في علم الفقه والحديث وأصولهما والتصوف والسير وكلها نافعة مفيدة على اختصار في أكثرها وعندي منها نحو سبع عشرة رسالة واستجاز منه الملك الأعظم أبو الفتح نظام الدين عبد الحميد خان سلطان الروم لكتب الحديث فكتب له الإجازة وسند الحديث المسلسل المأثور المشهور : ( الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ) مع غيره من الإجازات أولها : الحمد الله الذي رفع مقام أهل الحديث مكانا عليا . . . الخ وكان ذلك في سنة 1193 ، وأتحف معها إلى السلطان قصيدة نظمها في مدحه أولها :
سقى الله ربعا كان لي فيه مربعا ... ومغنى به غصن الشبيبة أينعا
وحيا مقاما كان لي فيه جيرة ... بهم كان كأسي بالفضائل مترعا
ألا و رعا دهرا تقضى بأنسهم ... ولولا الهوى ما قلت يوما له : رعا
خليلي ما لي كلما لاح بارق ... تكاد حصاة القلب أن تتصدعا
وإن نسمت ريح الصبا من ديارهم ... بكت أعيني دمعا يساجل أدمعا
إلى آخر الأبيات
وكتب إجازة أخرى أيضا للدستور الأعظم أبي المظفر ( 3 / 29 ) محمد باشا صدر الوزارة ونظام الملك أولها : الحمد لله الذي دل على الخيرات والبرنامج المشار إليه عليه خطه بقلمه الشريف مؤرخة لسنة 1300 ، وكان وفاته رحمه الله بعد تلك السنة
ولي منه رحمه الله قرابة قريبة من جهة الأخوات يصل نسبنا إلى سيد الساجدين الإمام زين العابدين علي بن حسين بن علي السبط رضي الله عنه وينتهي نسبه إلى زيد الشهيد بن الإمام زين العابدين السبط فهو شبل ذاك الأسد ونخبة أهل هذا البيت المجد
وإنما أطلت الكلام في ترجمته هذه لجهل أكثر أهل العلم عن حاله ومآله وقد أفنى - رحمه الله - عمره في اشتغال العلم والتدريس بمصر والعلم عند الله سبحانه وتعالى

(3/12)


أبو عبد الله محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي

(3/29)


الكوفي صاحب اللغة وهو من موالي بني هاشم كان أحد العالمين باللغة المشهورين بمعرفتها
أخذ الأدب عن الكسائي وغيره
وأخذ عنه ثعلب وابن السكيت وغيرهما وناقش العلماء واستدرك عليهم وخطأ كثيرا من نقلة اللغة وكان رأسا في الكلام الغريب وكان يزعم أن أبا عبيدة والأصمعي لا يحسنان شيئا وكان يقول : جائز في كلام العرب أن يعاقبوا بين الضاد والظاء فلا يخطأ من يجعل هذه في موضع هذه وينشد :
إلى الله أشكو من خليل أوده ... ثلاث خلال كلها لي غائض بالضاد
ويقول : هكذا سمعته من فصحاء العرب
وكان يحضر مجلسه خلق كثير من المستفيدين ويملي عليهم
ولد في الليلة التي مات فيها الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - وذلك في رجب سنة 150 ، وتوفي سنة 231 بسر من رأى
والأعرابي : نسبة إلى الأعراب يقال : رجل أعرابي إذا كان بدويا وإن لم يكن ( 3 / 30 ) من العرب . ورجل عربي : منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدويا ورجل أعجم وأعجمي : إذا كان في لسانه عجمة وإن كان من العرب ورجل عجمي : منسوب إلى العجم وإن كان فصيحا

(3/29)


أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد

(3/30)


الأزدي اللغوي البصري إمام عصره في اللغة والأدب والشعر الفائق أورد أشياء في اللغة لم توجد في كتب المتقدمين
له كتاب الجمهرة وهو من الكتب المعتبرة في اللغة وله كتاب الاشتقاق وكتاب اللغات
وكان يقال : هو أعلم الشعراء وأشعر العلماء
ولد بالبصرة سنة 223 ، وتعلم فيها أخذ عن أبي حاتم السجستاني والرياشي والأصمعي ثم سكن عمان ثم خرج إلى نواحي فارس ثم انتقل إلى فارس ذكر له ابن خلكان ترجمة حافلة توفي رحمه الله سنة 321 ببغداد

(3/30)


أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي الزمخشري

(3/30)


صاحب الكشاف الذي لم يصنف قبله مثله
كان إماما في اللغة والنحو وعلم البيان من غير مدافع تشد إليه الرحال في فنونه
له الفائق في غريب الحديث وأساس البلاغة في اللغة وربيع الأبرار وضالة الناشد والرائض في الفرائض والمفصل في النحو وشقائق النعمان في حقائق النعمان وشافي العي من كلام الشافعي - رحمه الله - والقسطاس في العروض ومعجم الحدود والمنهاج في الأصول ومقدمة الأدب وغير ذلك
وكان قد سافر إلى مكة - حرسها الله تعالى - وجاور بها زمانا فصار يقال له : جار الله لذلك وكان هذا الاسم علما عليه
قال ابن خلكان : وسمعت من بعض المشائخ : أن إحدى رجليه كانت ساقطة وأنه كان يمشي في جارن خشب ثم ذكر لذلك قصة وكان معتزلي الاعتقاد ( 3 / 31 ) متظاهرا به ولد سنة 467 بزمخشر : قرية كبيرة من قرى خوارزم وتوفي سنة 538 بجرجانية : وهي قصبة خوارزم وهي على شاطئ جيحون - رحمه الله تعالى

(3/30)


أبو عبيدة معمر بن المثنى

(3/31)


البصري اللغوي النحوي العلامة قال الجاحظ : لم يكن في الأرض خارجي ولا جماعي أعلم بجميع العلوم منه وكان يبغض العرب وألف في مثالبها كتبا وكان يرى رأي الخوارج وكان أبو نواس يتعلم منه ويصفه ويسب الأصمعي ويهجوه وكان إذا أنشد بيتا لا يقيم وزنه وإذا تحدث أو قرأ ألحن ويقول : النحو محدود ولم يزل يصنف حتى مات وتصانيفه تقارب مائتي مصنف ذكر منها عدد وافر في ابن خلكان وقال : ولولا خوف الإطالة لذكرت جميعها
وكان الأصمعي إذا أراد الدخول إلى المسجد قال : انظروا لا يكون فيه ذاك يعني أبا عبيدة خوفا من لسانه فلما مات لم يحضر جنازته أحد لأنه لم يكن يسلم من لسانه أحد لا شريف ولا غيره وكان وسخا ألثغ مدخول النسب مدخول الدين وأخباره كثيرة ذكر جملة صالحة منها في وفيات الأعيان ولد في سنة 110 في الليلة التي توفي بها الحسن البصري وتوفي في سنة 209

(3/31)


أبو يوسف يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السكيت

(3/31)


صاحب كتاب إصلاح المنطق وغيره ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق وكان يؤدب أولاد المتوكل
روى عن الأصمعي وأبي عبيدة والفراء وكتبه جيدة صحيحة ولم يكن له نفاذ في علم النحو وكان يميل في رأيه واعتقاده إلى مذهب من يرى تقديم علي بن أبي طالب
قال ثعلب : كان ابن السكيت يتصرف في أنواع العلوم وكان من أصحاب الكسائي حسن المعرفة بالعربية ولم يكن بعد ابن الأعرابي أعلم باللغة منه وله شعر حسن وكتب كثيرة ذكر جملة منها ابن خلكان
قال بعض العلماء : ما عبر على جسر بغداد كتاب في اللغة مثل إصلاح المنطق ( 3 / 32 ) ولا شك أنه من الكتب النافعة الممتعة الجامعة لكثير من اللغة ولا نعرف في حجمه مثله في بابه
قتل بأمر المتوكل في سنة 244 ، وبلغ عمره ثمانيا وخمسين سنة لأن المتوكل كان كثير التحامل على علي بن أبي طالب وابنيه وكان ابن السكيت من المغالين في محبتهم والتوالي لهم فقال : والله إن قنبرا خادم علي رضي الله عنه خير منك ومن ابنيك فقال المتوكل : سلوا لسانه من قفاه ففعلوا ذلك به فمات - رحمه الله

(3/31)


علماء التصريف

(3/32)


مازن أبو عثمان بكر المازني

(3/32)


بصري
روى عن أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد
وروى عنه المبرد وجماعة وهو أول من دون علم الصرف وكان إماما في العربية متسعا في الرواية يقول بالإرجاء وكان لا يناظره أحد إلا قطعه بقدرته على الكلام وقد ناظر الأخفش في أشياء كثيرة فقطعه
قال المبرد : ولم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو منه
وأخذ عن الأخفش وقيل : عن الجرمي واختلف إليه إلى أن برع وكان يناظره وكان يقول : من أراد أن يصنف كتابا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستحي مات في سنة 248 ، كذا قال الخطيب البغدادي وقال غيره : مات سنة 230

(3/32)


عثمان بن جني أبو الفتح

(3/32)


كان من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف وعلمه بالصرف أقوى وأكمل من علمه بالنحو
وسببه : أنه كان يقرأ النحو بجامع الموصل فمر به أبو علي الفارسي فسأله عن مسألة في التصريف فقصر فيها فقال له أبو علي : ( تزببت قبل أن تحصرم ) فلزمه من يومئذ مدة أربعين سنة واعتنى بالتصريف ولما مات أبو علي تصدر ابن جني ( 3 / 33 ) مكانه ببغداد وأخذ عنه عبد السلام البصري وأبو الحسن السمسمي
قال في دمية القصر : وليس لأحد من أئمة الأدب في فتح المخلقات وشرح المشكلات ما له سيما في علم الإعراب وكان يحضر عند المتنبي ويناظره في النحو من غير أن يقرأ عليه شيئا من شعره أنفة وإكبارا لنفسه وكان المتنبي يقول فيه : هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس صنف الخصائص في النحو وغيره مولده قيل : سنة 303 ، ومات في صفر من سنة 392

(3/32)


محمد بن عبد الله بن مالك

(3/33)


جمال الدين أبو عبد الله الطائي الجياني الشافعي النحوي نزيل دمشق إمام النحاة وحافظ اللغة
قال الذهبي : ولد سنة 600 ، أو سنة 601 ، وسمع بدمشق من السخاوي والحسن الصباح وجماعة
وأخذ العربية عن غير واحد وجالس بحلب ابن عمرون وغيره وتصدر بها لإقراء العربية وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وحاز قصب السبق وأربى على المتقدمين
وكان إماما في القراءة وعللها
وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقد غريبها والاطلاع على وحشيها
وأما النحو والتصريف فكان فيه بحرا لا يجارى وبرا لا يبارى
وأما أشعار العرب التي يستشهد بها على اللغة والنحو فكان الأئمة الأعلام يتحيرون فيه ويتعجبون من أين يأتي بها وكان نظم الشعر سهلا عليه رجزه وطويله وبسيطه وغير ذلك هذا ما هو عليه من الدين المتين وصدق اللهجة وكثرة النوافل وحسن السمت ورقة القلب وكمال العقل والوقار والتؤدة
أقام بدمشق مدة يصنف ويشغل
روى عنه ابنه الإمام بدر الدين والشمس بن أبي الفتح والبدر بن جماعة ( 3 / 34 ) والعلاء بن العطاء وخلق . انتهى كلام الذهبي
قال أبو حيان : لم يكن لابن مالك شيخ مشهور يعتمد عليه إلا أن بعض تلامذته ذكر أنه قال : قرأت على ثابت بن حيان وجلست في حلقة أبي علي بن الشلوبين نحوا من ثلاثة عشر يوما ولم يكن ثابت بن حيان من أئمة النحو وإنما كان من أئمة المعربين
قال السيوطي : وله شيخ جليل هو : ابن يعيش الحلبي
وأما تصانيفه فكثيرة جدا منها : الألفية في النحو تسمى الخلاصة والعمدة وإكمال العمدة وشرحها والتسهيل وشرحه ولم يتم وقصيدة في الأفعال وأرجوزة في المثلث وقصيدة في المقصور والمدود وشرحها وإعراب بعض أحاديث صحيح البخاري وقصيدة في الضاد والظاء وأخرى فيما هو مهموز وغير مهموز وتعريف في الصرف وشرحه وسبك المنظوم وفلك المحتوم إلى غير ذلك تصدر بالتربة العادلية والجامع المعمور وتخرج به جماعة كثيرة وصنف تصانيف مشهورة وإذا صلى بالعادلية - وكان إمامها - يشيعه قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان إلى بيته تعظيما له وكان آية في الاطلاع على الحديث وإذا لم يجد شاهدا في القرآن عدل إلى الحديث ثم إلى أشعار العرب وكان كثير العبادة والنوافل حسن السمت كامل العقل
وانفرد عن المغاربة بشيئين : الكرم ومذهب الشافعية وكان الشيخ زكي الدين القريع يقول : إن ابن مالك ما خلى للنحو حرمة توفي ابن مالك رحمه الله ثاني عشر شعبان سنة 672 ، اثنتين وسبعين وستمائة

(3/33)


عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس العلامة جمال الدين أبو عمر بن الحاجب

(3/34)


الكردي الدويني الأصل الأسنائي المولد المقري النحوي المالكي الأصولي الفقيه صاحب التصانيف المنقحة ولد سنة 570 ، أو سنة ( 3 / 35 ) 571 بأسنا من الصعيد
قال الذهبي : وكان أبوه جنديا كرديا حاجبا للأمير عز الدين موسك ( الصلاحي ) - ( قال مازن بن مرشد الصلاحي محقق هذا الكتاب : و هو أحد أجدادنا القدماء ) - اشتغل في صغره بالقاهرة وحفظ القرآن وأخذ بعض القراءة عن الشاطبي وسمع منه اليسير وقرأ بالسبع على أبي الجود وسمع من البوصيري وجماعة وتفقه على أبي منصور الأنباري وغيره وتأدب على ابن البناء ولزم الاشتغال حتى برع في الأصول والعربية وأتقنها غاية الإتقان وكان من أذكياء العالم
ثم قدم دمشق ودرس بجامعها في زاوية المالكية وأكب الفضلاء على الاشتغال عليه والأخذ عنه وكان الأغلب عليه النحو والعربية وصنف في الفقه مختصرا وفي الأصول مختصرا آخر أكبر منه سماه : المنتهى وفي النحو الكافية وشرحها ونظمها الوافية وشرحها وفي التصريف الشافية وشرحها إلى غير ذلك وكل مصنفاته في غاية الحسن والإفادة ورزقت قبولا تاما لحسنها وجزالتها
وقد خالف النحاة في مواضع وأورد عليهم إشكالات وإلزامات مفحمة يعسر الجوابات عنها وكان فقيها مناظرا مفتيا مبرزا في عدة علوم متبحرا ثقة دينا ورعا متواضعا مطرحا للتكلف
ثم دخل مصر هو والشيخ عز الدين بن عبد السلام وتصدر هو بالفاضلية ولازمه الطلبة
قال ابن خلكان : وكان من أحسن خلق الله ذهنا وجاءنا مرارا بسبب أداء شهادات وسألته عن مواضع في العربية مشكلة فأجاب أبلغ إجابة بسكون كثير وتثبت تام . انتهى
ثم انتقل إلى الإسكندرية ليقيم بها فلم تطل مدته هناك ومات بها في سنة 646 ، وأسنا : بلدة صغيرة من أعمال القوصية بالصعيد الأعلى من مصر

(3/34)


علي بن مؤمن بن محمد بن علي أبو الحسن بن عصفور

(3/35)


النحوي الحضرمي ( 3 / 36 ) الإشبيلي كان لواء العربية في زمانه بالأندلس
قال ابن الزبير : أخذ عن الرباح والشلوبين ولازمه مدة ثم كانت بينهما منافرة ومقاطعة وتصدر للاشتغال مدة وأقبل عليه الطلبة وكان أصبر الناس على المطالعة لا يمل من ذلك ولم يكن عنده ما يؤخذ عنه غير النحو ولا تأهل لغير ذلك
وقال الصفدي : ولم يكن عنده ورع وجلس في مجلس شراب فلم يزل يرجم بالتاريخ إلى أن مات في رابع عشر ذي القعدة سنة 669 ، أو سنة 661 ، ومولده سنة 599 ، وصنف الممتع في التصريف

(3/36)


أحمد بن الحسن الشيخ فخر الدين الجاربردي

(3/36)


قال السبكي في طبقات الشافعية : نزيل تبريز كان إماما فاضلا دينا خيرا وقورا مواظبا على العلم وإفادة الطلبة
أخذ عن القاضي ناصر الدين البيضاوي وصنف شرح منهاجه وشرح الحاوي في الفقه لم يكمل وشرح الشافية لابن الحاجب وشرح الكشاف
مات في رمضان سنة ست وأربعين وسبعمائة بتبريز - رحمه الله

(3/36)


عبد الوهاب بن إبراهيم بن أبي المعالي الخزرجي الزنجاني

(3/36)


صاحب شرح الهادي المشهور الذي أكثر الجاربردي من النقل عنه في شرح الشافية
قال السيوطي : وقفت عليه بخطه وذكر في آخره : أنه فرغ عنه في بغداد سنة 654 ، ومتن الهادي له أيضا وله التصريف المشهور : بالغربي وله مؤلفات في العروض والقوافي وخطه في غاية الجودة وعلى مختصره في التصريف شروح مفيدة مشهورة عند أبناء الزمان أفضلها وأحسنها شرحا السعد التفتازاني والسيد الشريف الجرجاني - رحمهما الله تعالى

(3/36)


حسن بن محمد النيسابوري المشهور بالنظام الأعرج

(3/36)


شرح الشافية مزجا وهو مشهور متداول
قال السيوطي : لم أقف له على ترجمة . ( 3 / 37 )

(3/36)


أحمد بن علي بن مسعود

(3/37)


صاحب مراح الأرواح
قال السيوطي : لم أقف له على ترجمة وعليه شروح مفيدة يتداولها المتأدبون من الصبيان والمراح : طبع بالهند مرارا

(3/37)


علماء النحو

(3/37)


ظالم بن عمرو بن ظالم - وقيل : ابن سفيان - أبو الأسود الدؤلي

(3/37)


الكوفي المولد البصري المنشأ كان من سادات التابعين ومن أكمل الرجال رأيا وأسدهم عقلا شيعيا سريع الجواب ثقة في حديثه
روى عن أبي ذر وغيره وصحب علي بن أبي طالب وشهد معه صفين وقدم على معاوية فأكرمه وأعظم جائزته
وولي قضاء البصرة وهو أول من وضع علم النحو ونقط المصحف
مات سنة 69 للهجرة بطاعون الجارف وعمره خمس وثمانون سنة وقيل : إنه مات قبل الطاعون بعلة الفالج
وتخرج به : معاذ بن مسلم الهراء وخلف أبو الأسود خمسة نفر أدبوا الناس
أولهم : عيينة بن معدان الفيل ولم يكن فيمن أخذ عنه النحو أبرع منه
وثانيهم : ميمون الأقرن
وثالثهم : يحيى بن يعمر العدواني التابعي
قال الحاكم : فقيه أديب نحوي مبرز سمع ابن عمر وجابرا وأبا هريرة
ورابعهم
وخامسهم : ابنا أبي الأسود : عطاء وأبو حزب
ثم خلف هؤلاء رجالا أحدهم : عبد الله الحضرمي أحد الأئمة في القراءة والعربية . ( 3 / 38 )
وثانيهم : عيسى الثقفي إمام في النحو وأخذ عنه الأصمعي وصنف في النحو : الإكمال والجامع يقال : إن له نيفا وسبعين مصنفا ذهبت كلها مات سنة 149 ، أو سنة 150
ثالثهم : أبو عمرو بن العلاء المازني النحوي المقري أحد القراء السبعة والأصح أن اسمه : ريان
قال أبو عبيدة : كان أعلم الناس بالقراءة والعربية وأيام العرب والشعر وكانت دفاتره تملأ بيته إلى السقف ثم تنسك فأحرقها وكان من أشراف العرب مدحه الفرزدق ووثقه يحيى بن معين
قال الذهبي : قليل الرواية للحديث وهو صدوق حجة في القراءة وكان نقش خاتمه :
وإن امرأ دنياه أكبر همه ... لمستمسك منها بحبل غرور
مات سنة 154 ، أو سنة 159 ، ثم خلفهم : خليل بن أحمد وتقدم ترجمته ثم أخذ منه سيبويه وجمع العلوم التي استفاد منها في كتابه فجاء كتابه أحسن من كل كتاب صنف في النحو إلى الآن

(3/37)


عمرو بن عثمان بن قنبر المعروف بسيبويه

(3/38)


أبو بشر وقيل : أبو الحسن مولى بني الحارث بن كعب
وسيبويه : لقب فارسي ومعناه : رائحة التفاح كانت أمه ترقصه بذلك في صغره
وقيل : كان تشم منه رائحة الطيب
وقيل : كان يعتاد شم التفاح
وقيل : للطافته لأن التفاح من لطاف الفواكه
وقيل : لأن وجنتيه كأنهما تفاحتان وكان في غاية الجمال ونظائره : نفطويه وعمرويه وخالويه وغير ذلك . ( 3 / 39 )
والعجم يقولون : سيبويه بضم الباء وسكون الواو وفتح الياء لأنهم يكرهون أن يقع في آخر الكلمة : ويه فإنها للندبة قاله ابن خلكان
وكان أصله من بيضاء من أرض فارس نشأ بالبصرة وأخذ عن الخليل ويونس وأبي الخطاب الأخفش وعيسى بن عمر وكان في لسانه حبسة وقلمه أبلغ من لسانه وناظر هو والكسائي في قولهم : ( كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي أو : هو إياها )
فاختار سيبويه الرفع
وقال الكسائي : النصب
و رجح العرب جانب الكسائي
ومات بالبيضاء وقيل : بشيراز سنة 180 ، وعمره اثنتان وثلاثون سنة
وقيل : نيف على أربعين وقيل : مات بالبصرة سنة 161 ، وقيل : سنة 188
وقال ابن الجوزي : مات بساوة سنة 179 ، تسع وسبعين ومائة

(3/38)


علي بن حمزة الكسائي

(3/39)


من ولد : بهمن بن فيروز إمام الكوفيين في النحو واللغة وأحد القراء السبعة
وسمي الكسائي : لأنه أحرم في كساء واستوطن بغداد وتعلم النحو على كبر وخدم عمرو بن العلاء سبع عشرة سنة وجلس في حلقة خليل وكان يديم شرب النبيذ ويأتي الغلمان وأدب الأمين : ولد هارون الرشيد ولم يكن له زوجة ولا جارية وجرى بينه وبين أبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الفقيه الحنفي مجالس حكاها في طبقات النحاة وغيرها وله مع سيبويه وأبي محمد اليزيدي مجالس ومناظرات ذكر ابن خلكان بعضها في تراجم أربابها ومات هو ومحمد بن الحسن بالري في يوم واحد وكانا خرجا مع الرشيد فقيل : دفن النحو والفقه في يوم واحد وذلك سنة اثنتين أو ثلاث أو تسع وثمانين ومائة أو اثنتين وتسعين ومائة . ( 3 / 40 )
ثم صار الناس فريقين :
كوفيا : وشيخهم الكسائي وتلميذه المبرد
وبصريا : وشيخهم سيبويه والأخفش تلميذه

(3/39)


محمد بن يزيد أبو العباس الأزدي البصري المبرد

(3/40)


إمام العربية ببغداد في زمانه كان إماما في النحو واللغة
والمبرد : لقب عرف به واختلف العلماء في سبب تلقيبه بذلك ذكر له ابن خلكان ترجمة حافلة في تاريخه
أخذ عن الكسائي والأزدي وأبي حاتم السجستاني
وروى عنه : إسماعيل الصفار ونفطويه والصولي
وكان فصيحا بليغا مفوها ثقة إخباريا علامة صاحب نوادر وظرافة
وكان جميلا لا سيما في صباه
وكان الناس بالبصرة يقولون : ما رأى المبرد مثل نفسه
له تصانيف كثيرة منها : الرد على سيبويه والكامل ومعاني القرآن
وكان بينه وبين ثعلب من المنافرة ما صار مثلا حتى قال الشاعر :
وأبداننا في بلدة والتقاؤنا ... عسير كأنا ثعلب ومبرد

(3/40)


نفطويه الواسطي أبو عبد الله إبراهيم النحوي

(3/40)


المتوفى سنة 323 - رحمه الله تعالى

(3/40)


إبراهيم الإفليلي القرطبي

(3/40)


النحوي اللغوي المتوفى سنة 441 - رحمه الله

(3/40)


سعيد بن مسعدة أبو الحسن الأخفش الأوسط

(3/40)


تلميذ سيبويه من أهل بلخ وكان أجلع : وهو الذي لا تنضم شفتاه ولا تنطبق على أسنانه والأخفش : الصغير العينين مع سوء بصرهما سكن البصرة وكان أسن من سيبويه وكان معتزليا يقول : ما وضع سيبويه في كتابه شيئا إلا وعرضه علي وكان يرى أنه أعلم به مني وأنا اليوم أعلم به منه
وهذا الأخفش : هو الذي زاد في العروض بحر الخبب . ( 3 / 41 )
له كتاب المقاييس في النحو وكتاب الاشتقاق وكتاب العروض والقوافي وغير ذلك
ودخل بغداد وقام بها مدة وروى بها وصنف وقرأ عليه الكسائي كتاب سيبويه سرا صنف الأوسط في النحو مات سنة عشر أو إحدى وعشرين أو خمس عشرة ومائتين
والأخافش ثلاثة :
الأكبر : عبد الحميد بن عبد المجيد
الأوسط : هذا السعيد
الأصغر : علي بن سليمان
وقيل : أربعة :
والرابع : أحمد بن عمران
وقيل : أحد عشر :
الخامس : أحمد بن محمد الموصلي
السادس : خلف بن عمرو
والسابع : عبد الله بن محمد
الثامن : عبد العزيز بن أحمد
التاسع : علي بن محمد المغربي الشاعر
العاشر : علي بن إسماعيل الفاطمي

(3/40)


الحادي عشر : هارون بن موسى بن شريك

(3/41)


- كذا في مدينة العلوم للأرنيقي رحمه الله - محمد بن المستنير بن أحمد أبو علي النحوي المعروف : بقطرب اللغوي البصري مولى سالم بن زياد لازم سيبويه وكان يدلج إليه فإذا خرج رآه على بابه فقال له : ما أنت إلا قطرب ليل فلقب به
وقطرب : اسم دويبة لا تزال تدوب ولا تفتر و كان من أئمة عصره
وله من التصانيف : كتاب معاني القرآن وكتاب الاشتقاق وكتاب العلل ( 3 / 42 ) في النحو وكتاب غريب الحديث
وهو أول من وضع المثلث في اللغة وكتابه - وإن كان صغيرا - لكن له فضيلة السبق وروى له ابن المنجم في كتاب البارع بيتين وهما :
إن كنت لست معي فالذكر منك معي ... يراك قلبي إذا ما غبت عن بصري
والعين تبصر من تهوى وتفقده ... وباطن القلب لا يخلو عن النظر
وكان يرى رأي المعتزلة النظامية فأخذ عن النظام مذهبه واتصل بأبي دلف العجلي وأدب ولده ولم يكن ثقة وله تصانيف في النحو واللغة وغيرهما مات سنة ست ومائتين - رحمه الله

(3/41)


صالح بن إسحاق أبو عمرو الجرمي

(3/42)


البصري مولى جرم بن ربان من قبائل اليمن وقيل : مولى بجيلة وفي بجيلة : جرم بن علقمة بن أنمار والله أعلم بالصواب وكان يلقب : بالكلب وبالنباح : لصياحه حال المناظرة
قال الخطيب : كان فقيها عالما بالنحو واللغة دينا ورعا حسن المذهب صحيح الاعتقاد روى الحديث قدم بغداد وأخذ عن الأخفش ويونس واللغة عن الأصمعي ولم يلق سيبويه
وحدث عنه المبرد وناظر الفراء وانتهى علم النحو في زمانه مات سنة خمس وعشرين ومائتين
له من التصانيف : التنبيه وغيره
وله في النحو : كتاب جيد يعرف : بالفرخ معناه : فرخ كتاب سيبويه
وكان يقول في قوله تعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) قال : لا تقل سمعت ولم تسمع ولا رأيت ولم تر ولا علمت ولم تعلم
وكان عالما باللغة حافظا لها وله كتب انفرد بها وكان جليلا في الحديث والأخبار وله كتاب في السير عجيب وكتاب العروض ومختصر في النحو وكتاب غريب سيبويه . ( 3 / 43 )
والجرمي : نسبة إلى عدة قبائل كل واحدة منها يقال لها : جرم ولا أعلم إلى أيهم ينسب هذا الجرمي ولم يكن منهم وإنما نزل فيهم فنسب إليهم قاله ابن خلكان

(3/42)


إبراهيم بن محمد بن السري أبو إسحاق الزجاج

(3/43)


قال الخطيب : كان من أهل الفضل والدين حسن الاعتقاد جميل المذهب كان يخرط الزجاج مات سنة 311 ، وسئل عن سنه عند العرفات : فعقد سبعين وسمع منه يقول : اللهم احشرني على مذهب أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - له كتاب مختصر في النحو وكتاب فعلت وأفعلت وكتاب ما ينصرف ومالا ينصرف أخذ الأدب عن المبرد وثعلب وغير ذلك

(3/43)


محمد بن السري أبو بكر المعروف بابن السراج البغدادي النحوي

(3/43)


قال المرزباني : كان أحدث أصحاب المبرد مع ذكاء وفطنة قرأ عليه كتاب سيبويه ثم اشتغل عليه بالموسيقى وعول على مسائل الأخفش والكوفيين وخالف أصول البصريين في مسائل كثيرة يقال : ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله
أخذ عنه السيرافي والفارسي والرماني مات شابا في ذي الحجة سنة 316 ، وكان أحد الأئمة المشاهير المجمع على فضله ونبله وجلالة قدره في النحو والأدب
أخذ عنه جماعة من الأعيان منهم : السيرافي والرماني وغيرهما ونقل عنه الجوهري في كتاب الصحاح في مواضع عديدة
وله التصانيف المشهورة في النحو
منها : كتاب الصحاح في مواضع عديدة
وله التصانيف المشهورة في النحو
منها : كتاب الأصول وهو من أجود الكتب المصنفة في هذا الشأن وإليه المرجع عند اضطراب النقل واختلافه وشرح كتاب سيبويه وكان يلثغ في الراء فيجعلها غينا والسراج : بفتح السين والراء المشددة وبعد الألف جيم : هذه النسبة إلى عمل السروج . ( 3 / 44 )

(3/43)


عبد الله بن جعفر بن درستويه

(3/44)


أبو جعفر النحوي الفارسي أحد من اشتهر وعلا قدره وكثر علمه جيد التصنيف صحب المبرد ولقي ابن قتيبة
وأخذ عنه الدارقطني وغيره
وكان شديد الانتصار للبصريين في النحو واللغة
وثقه ابن مندة وغيره
ضعفه هبة الله اللالكائي ولد سنة 258 ، ومات سنة 347 ، وصنف الإرشاد في النحو والرد على المفضل في الرد على الخليل وغريب الحديث وغيرها
ضبطه السمعاني : درستويه : بضم الدال والتاء وقال ابن ماكولا : درستويه : بفتح الثلاث الأول

(3/44)


محمد بن يزيد الخزاعي المعروف بابن الأزهر

(3/44)


النحوي قال الخطيب : حدث عن المبرد وكان مستمليه وروى عنه أبو الفرج الأصبهاني والدارقطني
قال : كان ضعيفا يروى المناكير وقال غيره : كان كذا بأقبح الكذب مات سنة 325 ، عن نيف وتسعين

(3/44)


محمد بن مرزبان

(3/44)


ولد بطريق رامهرمز
وأخذ عن المبرد وأكثر بعده عن الزجاج وكان قيما بالنحو
أخذ عنه الفارسي والسيرافي وكان ضنينا لا يقري كتاب سيبويه إلا بمائة دينار وكان مع علمه ساقط المروءة سخيفا وإذا أراد أن يمضي إلى مكان بعيد طرح نفسه في طريق حمال وشده بحبل وربما كان معه تمر وغيره فيأكل ويرمي الناس بالنوى يتعمد رؤوسهم وربما بال على رأس الحمال فإذا قيل له يعتذر له شرح كتاب سيبويه لم يتم
قال الزبيدي : توفي سنة 365 - رحمه الله

(3/44)


محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان

(3/44)


النحوي قال الزبيدي : وليس هذا بالقديم الذي له العروض والمعمى
قال الخطيب : كان يحفظ المذهبين البصري والكوفي في النحو لأنه أخذ عن المبرد وثعلب وكان أبو بكر بن مجاهد يقول : كان أنحى منهما . ( 3 / 45 )
قال ياقوت : لكنه إلى مذهب البصريين أميل
وقال ابن الأنباري : خلط المذهبين فلم يضبط منهما شيئا
قال أبو حيان التوحيدي : ما رأيت مجلسا أكثر من فائدة وأجمع لأصناف العلوم والتحف من مجلسه وكان يجتمع على بابه نحو من مائة رأس من الدواب للرؤساء والأشراف الذين يقصدونه وكان إقباله على صاحب الرقعة والخلق كإقباله على صاحب الديباج والدابة والغلام مات رحمه الله سنة 32 ه

(3/44)


حسن بن أحمد بن الفارسي أبو علي

(3/45)


ويقال له : الفسوي أيضا لأنه ولد بمدينة فسا من أعمال فارس
أخذ عنه : السيرافي والرماني ثم تتلمذ له : عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني وفاق أكثر من تقدمه في التحقيق والتدقيق ولو لم يكن له سوى كتاب أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز لكفاه شرفا وفخرا كان أوحد زمانه في علم العربية
أخذ عن الزجاج وابن السراج وطوف بلاد الشام وأقام بحلب عند سيف الدولة وجرت بينه وبين المتنبي مجالس قال تلامذته : إنه أعلم من المبرد وكان متهما بالاعتزال انتقل إلى بلاد فارس وصحب عضد الدولة وتقدم عنده وله كتاب الإيضاح والتكملة في النحو وقصته فيه مشهورة والكلمة في التصريف توفي ببغداد سنة 377 ، ذكر له ابن خلكان ترجمة حسنة في تاريخه فليرجع إليه

(3/45)


زيد بن علي بن عبد الله الفارسي أبو القاسم الفسوي النحوي اللغوي

(3/45)


قال ابن عساكر في تاريخ دمشق وابن العديم في تاريخ حلب : كان فاضلا يعلم اللغة والنحو عارفا بعلوم كثيرة شرح الإيضاح وسكن دمشق وأقرأ بها ومات بطرابلس سنة سبع وستين وأربعمائة - رحمه الله

(3/45)


حسن بن عبد الله بن المرزبان المعروف بالقاضي

(3/45)


أبو سعيد السيرافي النحوي
قال ياقوت : كان أبوه مجوسيا اسمه : بهزاد فأسلم فسماه ابنه : أبو سعيد عبد الله وكان بينه وبين أبي الفرج الأصبهاني - صاحب كتاب الأغاني - ما جرت العادة ( 3 / 46 ) بمثله بين الفضلاء من التنافس وسيراف : بكسر السين : بلدة من بلاد فارس على ساحل المجر مما يلي كرمان خرج منها جماعة من العلماء وكان يدرس ببغداد : علوم القرآن والنحو واللغة والفقه والفرائض
أخذ اللغة عن ابن دريد والنحو عن أبي السراج
قال أبو حيان التوحيدي : السيرافي : شيخ الشيوخ وإمام الأئمة له معرفة بالنحو والفقه واللغة والشعر والعروض والقوافي والقرآن والحديث والكلام والحساب والهندسة أفتى في جامع الرصافة خمسين سنة على مذهب أبي حنيفة فما وجد له خطأ ولا عثر له على زلة وقضى ببغداد - مع الثقة والديانة والأمانة والرزانة - أربعين سنة أو أكثر الدهر وكان نزها عفيفا جميل الأمر حسن الأخلاق معتزليا ولم يظهر منه شيء وكان لا يأكل إلا من كسب يده ينسخ ويأكل منه
وقال في محاضرات العلماء : شيخ الدهر قريع العصر العديم المثل المفقود الشكل ما رأيت أحفظ منه نظما ونثرا وكان دينا ورعا تقيا زاهدا عابدا خاشعا له دأب بالنهار من القراءات والخشوع وورد بالليل من القيام والخضوع ما قرئ عليه شيء قط فيه ذكر الموت والبعث ونحوه إلا بكى وجزع ونغص عليه يومه وليلته وامتنع من الأكل والشرب وما رأيت أحدا من المشائخ كان أذكر لأحيان الشباب وأكثر تأسفا على ذهابه منه
وكان إذا رأى أحدا من أقرانه عاجله الشيب تسلى به
قال في الإمتاع : هو أجمع لشمل العلم ونظم مذاهب العرب وأدخل في كل باب وأخرج من طريق وألزم للجادة الوسطى في الخلق والدين وأروى للحديث وأقضى للأحكام وأفقه في الفتوى كتب إليه ملوك عدن كتبا مصدرة بتعظيمه تسأله فيها عن مسائل في الفقه والعربية واللغة وكان حسن الخط طلب أن يقرر في ديوان الإفتاء فامتنع وقال : هذا من يحتاج إلى درية وأنا عار منها وسياسة وأنا غريب فيها . ( 3 / 47 )
وقال الخطيب : كان زاهدا ورعا لا يأخذ على الحكم أجرا إنما كان يأكل من كسب يمينه فكان لا يخرج إلى مجلسه حتى ينسخ عشر ورقات بعشرة دراهم تكون قدر مؤونته وكان أبو علي وأصحابه يحسدونه كثيرا مولده بسيراف قبل السبعين ومائتين وفيها ابتدأ طلب العلم وخرج إلى عمان وتفقه بها وأقام بالعسكر مدة ثم ببغداد إلى أن مات بها في خلافة الطائع ثاني رجب يوم الإثنين سنة 368
وله من التصانيف : شرح كتاب سيبويه لم يسبق إلى مثله وحسده عليه أبو علي الفارسي وغيره من معاصريه - رحمه الله تعالى رحمة واسعة

(3/45)


علي بن عيسى بن علي أبو الحسن الرماني

(3/47)


كان يعرف أيضا : بالإخشيدي وبالوراق وهو : بالرماني أشهر
كان إماما في العربية علامة في الأدب في طبقة الفارسي والسيرافي معتزليا ولد في سنة 374
وأخذ عن : الزجاج وابن السراج وابن دريد
قال أبو حيان التوحيدي : لم ير مثله قط علما بالنحو وغزارة بالكلام وبصيرة بالمقالات واستخراجا للعويص وإيضاحا للمشكل مع تنزه ودين وفصاحة وعفاف ونظافة وكان يمزج النحو بالمنطق حتى قال الفارسي :
إن كان النحو ما يقول الرماني فليس معنا منه شيء وإن كان ما نقوله نحن فليس معه منه شيء
قال السيوطي : النحو ما يقوله الفارسي وهذه مؤلفات الخليل وسيبويه ومعاصريهما ومن بعدهما بدهر لم يعهد فيها شيء من ذلك مات الرماني سنة 384
وله تصانيف مفيدة منها : شرح أصول ابن السراج وشرح مختصر الجرمي وشرح المقتضب وغير ذلك مما لا يحصى وأصله من سر من رأى . ( 3 / 48 )
والرماني : نسبة إلى الرمان وبيعه أو إلى قصر الرمان : وهو قصر بواسط معروف وقد نسب إلى هذا وهذا خلق كثير من الناس

(3/47)


محمد بن الحسين الفارسي

(3/48)


النحوي ابن أخت أبي علي الفارسي
قال ياقوت : أخذ عن خاله علم العربية وطوف الآفاق ورجع إلى الوطن وكان خاله أوفده على الصاحب بن عباد إلى الري فارتضاه وأكرم مثواه وورد بخراسان ونزل بنيسابور دفعات وأملى بها من الأدب والنحو ما سارت به الركبان وآل أمره إلى أن اختص بالأمير إسماعيل بن سبكتكين بغزنة ووزره ثم عاد إلى نيسابور ثم جاور مكة ثم عاد إلى غزنة ورجع إلى نيسابور ثم انتقل إلى إسفرائن ثم استوطن جرجان إلى أن مات
قرأ عليه أهلها منهم : عبد القاهر الجرجاني وليس له أستاذ سواه
وله تصانيف منها : الهجاء وكتاب مائة الشعر مات - رحمه الله - سنة 421 ، إحدى وعشرين وأربعمائة

(3/48)


عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني النحوي

(3/48)


الإمام المشهور أخذ النحو عن محمد الفارسي المذكور ولم يأخذ عن غيره لأنه لم يخرج عن بلده وكان من كبار أئمة العربية والبيان شافعيا أشعريا صنف : المغني في شرح الإيضاح والمقتصد في شرح إعجاز القرآن والعوامل المائة والعمدة في التصريف ومن مصنفاته : دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة في علمي المعاني والبيان وهما : الآية الكبرى واليد البيضاء في العلمين المذكورين وإليهما ينتهي علم من تأخر في ذينك العلمين وغير ذلك من التصانيف مات سنة 471 ، أو سنة 476
و من شعره :
كبر على العلم يا خليلي ... و مل إلى الجهل ميل هائم
وعش حمارا تعش سعيدا ... فالسعد في طالع البهائم ( 3 / 49 )
وقال أيضا :
لا تأمن النفثة من شاعر ... ما دام حيا سالما ناطقا
فإن من يمدحكم كاذبا ... يحسن أن يهجوكم صادقا
ذكر له الصلاح الكتبي ترجمة مختصرة في فوات الوفيات وهؤلاء الأعلام الذين ذكرتهم كلهم : من تلامذة سيبويه إمام أهل البصرة وأما تلامذة الكسائي إمام أهل الكوفة فأشهر هؤلاء : الفراء وبعده : أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب وبعده : القاسم بن محمد الأنباري

(3/48)


أما الفراء فهو : يحيى بن زياد الديلمي

(3/49)


إمام العربية كان أعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائي
أخذ عنه وعليه اعتمد وأخذ عن يونس وأهل الكوفة يدعون : أنه استكثر عنه وأهل البصرة يدفعون ذلك
وكان يحب الكلام ويميل إلى الاعتزال وكان متدينا متورعا على تيه وعجب وتعظيم كان زائد العصبية على سيبويه وكان كتابه تحت رأسه وكان يتفلسف في تصانيفه ويسلك ألفاظ الفلاسفة وكان أكثر مقامه ببغداد فإذا كان آخر السنة أتى الكوفة فأقام بها أربعين يوما يفرق في أهله ما جمعه وكان شديد المعاش لا يأكل وجمع مالا خلفه لابن له شاطر
له تصانيف مفيدة منها : معاني القرآن التي يلحن فيها العامة مات بطريق مكة سنة 207 ، عن سبع وستين سنة
قال ثعلب : لولا الفراء لما كانت عربية لأنه خلصها وضبطها ذكر له ابن خلكان ترجمة طويلة
قال الفراء : إن طباع أهل البدو الإعراب وطباع أهل الحضر اللحن فإذا تحفظت لم ألحن وإذا رجعت إلى الطباع لحنت وإنما قيل له : الفراء - ولم يكن ( 3 / 50 ) يعمل الفراء ولا يبيعها - لأنه كان يفري الكلام ذكره السمعاني في كتاب الأنساب

(3/49)


أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني أبو العباس ثعلب

(3/50)


إمام الكوفيين في النحو واللغة ولد سنة مائتين وابتدأ النظر في العربية والشعر واللغة سنة ست عشر وحفظ كتب الفراء فلم يشذ منها حرف وعني بالنحو أكثر من غيره فلما أتقنه أكب على الشعر والمعاني ولازم ابن الأعرابي بضع عشرة سنة وسمع من نفطويه وغيره قيل : إنما فضل أهل عصره بالحفظ للعلوم التي تضيق عنها الصدور
قال أبو الطيب اللغوي : كان ثعلب يعتمد على ابن الأعرابي في اللغة وعلى سلمة بن عاصم في النحو ويوري عن ابن أبي نجدة كتب أبي زيد وعن الأثرم كتب أبي عبيد وعن أبي فص كتب الأصمعي وعن عمرو بن أبي عمر كتب أبيه
وكان ثقة حجة صالحا مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة والمعرفة بالعربية ورواية الشعر القديم مقدما عند الشيوخ منذ هو حدث متفننا يستغني بشهرته عن نعته وكان ضيق النفقة
قال أبو بكر بن مجاهد : قال لي ثعلب : يا أبا بكر اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا وأصحاب الحديث بالحديث ففازوا وأصحاب الفقه بالفقه ففازوا واشتغلت أنا بزيد وعمرو فليت شعري ماذا تكون حالي ؟ فانصرفت من عنده فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة فقال لي : أقرئ أبا العباس عني السلام وقل له : أنت صاحب العلم المستطيل
وقال أبو عمرو الزاهد : سئل ثعلب عن شيء فقال : لا أدري فقيل له : أتقول لا أدري وإليك تضرب أكباد الإبل وإليك الرحلة من كل بلد ؟ فقال : لو كان لأمك بعدد ما لا أدري بعر لاستغنت
صنف : الفصيح وهو صغير الحجم كثير الفائدة
وثقل سمعه في آخر عمره ثم صم انصرف يوم الجمعة من الجامع بعد العصر وإذا بدواب من ورائه فلم يسمع صوت حافرها فصدمته فسقط على رأسه ( 3 / 51 ) في هوة من الطريق فلم يقدر على القيام فحمل إلى منزله ومات منه سنة 291 ، وذكره الداني في طبقات القراء
ومن تصانيفه : كتاب المصون وكتاب اختلاف النحويين وكتاب معاني القرآن وكتاب ما تلحن فيه العامة وكتاب ما يجري وما لا يجري إلى غير ذلك

(3/50)


محمد بن أبي محمد القاسم بن محمد بن بشار أبو محمد الأنباري

(3/51)


النحوي كان محدثا إخباريا عارفا بالأدب والنحو والغريب ثقة مات في سنة 327
كان علامة وقته في العربية وأكثر الناس حفظا لها وكان صدوقا دينا ثقة خيرا من أهل السنة صنف كتبا كثيرة في : علوم القرآن وغريب الحديث أثنى عليه الخطيب في تاريخ بغداد سكن بغداد وروى عنه جماعة من العلماء وكان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهد لما في القرآن الكريم وقال : أحفظ ثلاثة عشر صندوقا وكان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا للقرآن بأسانيدها
وله غريب الحديث خمسة وأربعون ألف ورقة
وكتاب شرح الكافي نحو ألف ورقة والمذكر والمؤنث ما عمل أحد أتم منه ورسالة المشكل رد فيها على ابن قتيبة وأبي حاتم
وكانت ولادته سنة 271
هذه مشاهير علماء الأدب وهذه ترجمتهم بالاختصار ولم يخلف من بعدهم مثلهم إلا قليلا وستعرفهم إن شاء الله تعالى

(3/51)


رضي الدين الإسترابادي

(3/51)


محمد بن الطاهر الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق - عليه السلام - المعروف بالموسوي صاحب ديوان الشعر ذكره الثعالبي في كتاب اليتيمة وهو الإمام المشهور شارح الكافية لابن الحاجب الذي لم يؤلف عليها ولا في غالب كتب النحو مثله جمعا وتحقيقا وحسن تعليل ولقبه : نجم الأئمة
قال السيوطي : لم أقف ( 3 / 52 ) على اسمه ولا على شيء من ترجمته إلا أنه فرغ من تأليف هذا الشرح سنة 483 ، وأخبرني صاحبنا المؤرخ شمس الدين بن عزم بمكة : أن وفاته سنة 684 ، أو سنة 686 - الشك مني - وله شرح على الشافية . انتهى
قال في مدينة العلوم : يروى أن الرضي كان على مذهب الرفض يحكى عنه أنه كان يقول : العدل في عمر ليس بتحقيق موضع - قوله : العدل في عمر تقديري نعوذ بالله من الغلو في البدعة والعصبية في الباطل - يقال : إنه ليس في المتأخرين من اطلع على تدقيقات كتاب سيبويه مثله . انتهى
وذكر له ابن الوردي في تاريخه ترجمة وقال : ذاكره شيخه السيرافي يوما وهو صبي فقال : رأيت عمرا ما علامة النصب في عمرو ؟ فقال الرضي : بغض علي - أشار إلى عمرو بن العاص وبغضه لعلي - فعجب الحاضرون من ذهنه مولده سنة 359 ببغداد ومات في سنة 406
قلت : ولو قال بدل قوله : ( بغض علي ) : خفض علي لكان أبدع وهو أشعر الطالبيين على كثرة شعرائهم المفلقين . انتهى
وذكر له ابن خلكان ترجمة حسنة وأثنى عليه وكان أنجب سادات العراق يتحلى مع محتده الشريف ومفخره المنيف بأدب ظاهر وفضل باهر وحظ من جميع المحاسن وافر ولو قيل : ( إنه أشعر قريش ) لم يبعد عن الصدق يشهد بذلك شاهد عدل من شعره العالي القدح الممتنع عن القدح الذي يجمع إلى السلامة متانة وإلى السهولة رصانة ويشتمل على معان يقرب جناها ويبعد مداها وديوانه في أربع مجلدات
توفي بكرة يوم الأحد سادس المحرم وقيل : صفر ببغداد ودفن في داره بخط مسجد الأنباريين بالكرخ وقد خربت الدار ودرس القبر ومضى أخوه المرتضى إلى ( 3 / 53 ) مشهد موسى بن جعفر لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته ودفنه

(3/51)


حسن بن محمد بن شهنشاه

(3/53)


العلوي الإسترابادي أبو الفضائل السيد ركن الدين شارح الكافية
قال ابن رافع في تاريخ بغداد : قدم مراغة واشتغل على نصير الدين وكان يتوقد ذكاء وفطنة
أخذ أصول الفقه عن السيف الآمدي مات سنة 715
وقال الأسنوي : سنة 718
قال الصفدي : كان شديد التواضع يقوم لكل أحد حتى السقاء شديد الحلم وافر الجلالة عند التتار عاش بضعا وسبعين سنة

(3/53)


أبو بكر الخبيصي

(3/53)


صاحب شرح الحاجبية سماه : الموشح
قال السيوطي : لا أعرف من ترجمته زيادة على هذا
قلت : خبيص : قرية من قرى كرمان ونسبته إليها لا إلى بائع الخبيصة - كما توهمه بعض الناس - وعلى هذا الشرح فوائد مهمة للشريف الجرجاني - رحمه الله

(3/53)


عبد الرحمن الجامي

(3/53)


شارح الكافية بلغ غاية لا يمكن الزيادة عليها في لطف التحرير وحسن الترتيب وشهرة حاله أغنتنا عن التعرض لترجمته - قدس سره

(3/53)


علي مجد الدين بن مسعود

(3/53)


ابن محمد البسطامي من أولاد الإمام فخر الدين الرازي المعروف : بمصنفك لأنه صنف كتبا شريفة في حداثة سنه والكاف : في لغة العجم : للتصغير وكان الفخر الرازي يصرح في مصنفاته : بأنه من أولاد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وذكر أهل التاريخ : أنه من أولاد أبي بكر الصديق ولد مصنفك في سنة 803 ، وسافر مع أخيه إلى هراة لتحصيل العلم في سنة 823 ، ذكر له في مدينة العلوم تصانيف كثيرة يجل وصفها وهي بالعربية والفارسية وفي علم النحو والأدب والمعاني والبيان والفقه والأصول والمنطق والحكمة والتفسير إلى غير ذلك

(3/53)


أبو البقا يعيش بن علي بن يعيش

(3/53)


النحوي الحلبي موفق الدين المشهور : بابن ( 3 / 54 ) يعيش وكان يعرف : بابن الصائغ ولد في رمضان في سنة 553 بحلب كان من كبار أئمة العربية ماهرا في النحو والتصريف
سمع الحديث على الخطيب الطوسي بالموصل وقدم دمشق وجالس تاج الدين الكندي وتصدر بحلب للإقراء زمانا وطال عمره وشاع ذكره وغالب فضلاء حلب تلامذته وكان حسن الفهم لطيف الطبع طويل الروح على المبتدي والمنتهي ظريف الشمائل كثير المجون
حدث عنه جماعة آخرهم : أبو بكر الدشتي مات في سنة 643
قال ابن خلكان : لما وصلت إلى حلب لأجل الاشتغال بالعلم الشريف - وكان دخولي إليها سنة 628 ، وهي إذ ذاك أم البلاد مشحونة بالعلماء والمشتغلين وكان الشيخ موفق الدين شيخ الجماعة في الأدب لم يكن فيهم مثله - فشرعت في القراءة عليه وكان يقرئ بجامعها في المقصورة الشمالية بعد العصر وبين الصلاتين بالمدرسة الرواحية وكان عنده جماعة قد تنبهوا وتميزوا به وهم ملازمون مجلسه لا يفارقونه في وقت الإقراء وابتدأت بكتاب اللمع لابن جني فقرأت عليه معظمها مع سماعي لدروس الجماعة الحاضرين وله شرح كتاب المفصل للزمخشري شرحه شرحا مستوفيا وليس في جملة الشروح مثله وشرح تصريف الملوكي لابن جني شرحا جيدا وانتفع به خلق كثير من أهل حلب وغيرها حتى أن الرؤساء الذين كانوا بحلب ذلك الزمان كانوا تلامذته - رحمه الله

(3/53)


عبد الله بن يوسف بن أحمد الشيخ جمال الدين الحنبلي النحوي الأنصاري أبو محمد الشهير : بابن هشام

(3/54)


صاحب كتاب مغني اللبيب
قال في الدرر الكامنة : ولد سنة 708 ، ولزم الشهاب عبد اللطيف بن المرحل وسمع على ابن حيان ديوان زهير بن أبي سلمى وحضر دروس التاج التبريزي وقرأ على التاج الفاكهاني شرح الإشارة له إلا الورقة الأخيرة وتفقه ( 3 / 55 ) للشافعي ثم تحنبل وذلك قبل موته بخمس سنين وأتقن العربية ففاق الأقران بل الشيوخ
وتخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم وتصدر لنفع الطالبين وانفرد بالفوائد الغريبة والمباحث الدقيقة . انتهى ملخصا
قال ابن خلدون : ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له : ابن هشام أنحى من سيبويه وكان كثير المخالفة لأبي حيان شديد الانحراف عنه صنف : مغني اللبيب عن كتب الأعاريب واشتهر في حياته وأقبل الناس عليه . انتهى
قال السيوطي : وقد كتبت عليه حاشية وشرحا لشواهده توفي ليلة الجمعة خامس ذي القعدة سنة إحدى وستين وسبعمائة الهجرية

(3/54)


أبو جعفر أحمد بن إسماعيل بن يونس النحاس

(3/55)


النحوي كان من الفضلاء وله تصانيف مفيدة وكتاب في النحو اسمه : التفاحة وكتاب الكافي في النحو وكتاب الناسخ والمنسوخ
روى عن النسائي وأخذ النحو عن أبي الحسن الأخفش والزجاج وابن الأنباري ونفطويه وأعيان أدباء العراق وكان قد رحل إليهم من مصر وكانت فيه خساسة وتقتير على نفسه وإذا وهب عمامة قطعها ثلاث عمائم بخلا وشحا وكان يلي شراء حوائجه بنفسه ويتحامل فيها على أهل معرفته مع هذا فكان للناس رغبة كبيرة في الأخذ عنه فنفع وأفاد
وأخذ عنه خلق كثير توفي بمصر سنة 338
والنحاس : نسبة إلى من يعمل النحاس وأهل مصر يقولون لمن يعمل الأواني الصفرية : النحاس - والله أعلم بالصواب - . ( 3 / 56 )

(3/55)


علماء المعاني والبيان

(3/56)


يوسف بن أبي بكر محمد بن علي سراح الدين أبو يعقوب

(3/56)


السكاكي كان علامة بارعا في علوم شتى خصوصا المعاني والبيان وله كتاب مفتاح العلوم اشتمل على اثني عشر علما من العلوم العربية ونقل عنه أبو حيان في الارتشاف في مواضع وقال فيه : إن السكاكي من خوارزم وذكره الشيخ سراج الدين البلقيني فقال : هو الخوارزمي إمام في النحو والتصريف والمعاني والبيان والاستدلال والعروض والشعر وله النصيب الوافر من علم الكلام وسائر العلوم من رأى مصنفه علم تبحره وفضله ونبله مات بخوارزم في أوائل رجب سنة ست وعشرين وستمائة وكانت ولادته سنة 555 الهجرية

(3/56)


محمود بن مسعود بن مصلح الفارسي الشهير : بقطب الدين الشيرازي

(3/56)


الشافعي العلامة ولد بشيراز سنة 634 ، وكان أبوه طبيبا فقرأ عليه وعلى عمه ثم سافر إلى نصير الطوسي فقرأ عليه وبرع ثم دخل الروم فأكرمه صاحبها وولي قضاء سيواس وملطية وقدم الشام ثم سكن تبريز وأقرأ بها العلوم العقلية وحدث بجامع الأصول عن الصدر القونوي عن يعقوب الهندباني عن المصنف
وكان ينظر في شرح السنة للبغوي وكان يخالط الملوك ظريفا مزاحا لا يحمل درهما ولا يغير زي الصوفية وكان من بحور العلم ومن أذكياء العالم يخضع للفقهاء ويلازم الصلاة في جماعة وإذا صنف كتابا صام ولازم السهر ومسودته مبيضة ثم انقطع عن أبواب الأمراء والملوك إلى أن مات
وله شرح كليات القانون لابن سينا وشرح حكمة الإشراق وصنف : كتاب درة التاج على لسان الفرس أدرج فيه جميع أقسام الحكمة النظرية والعملية وصنف في الهيئة : التحفة ونهاية الإدراك وغير ذلك ومصنفاته كثيرة كلها في غاية الحسن والإتقان مات - رحمه الله - في أربع وعشرين من رمضان سنة 716 . ( 3 / 57 )

(3/56)


مسعود بن القاضي فخر الدين عمر بن برهان الدين الشهير : بسعد الدين التفتازاني

(3/57)


الإمام العلامة عالم بالنحو والتصريف والمعاني والبيان والأصلين والمنطق وغيرها شافعي
قال ابن حجر الحافظ : ولد سنة 712 ، وأخذ عن القطب والعضد وتقدم في الفنون واشتهر ذكره وطار صيته وانتفع الناس بتصانيفه
وله : شرح العضدي وشرح التلخيص مطول وآخر مختصر وشرح القسم الثالث من المفتاح وله : التلويح شرح التوضيح وشرح العقائد النسفية وشرح الشمسية في المنطق وشرح تصريف الزنجاني والإرشاد في النحو وتهذيب المنطق والكلام وحاشية الكشاف ولم يتم وغير ذلك وتصانيفه كثيرة وكان في لسانه لكنة وانتهت إليه معرفة العلوم بالمشرق مات بسمرقند سنة 791 ، ذكره فتح الله الشرواني في أوائل شرحه للإرشاد وقال : لقد زرت مرقده المقدس بسرخس فوجدت مكتوبا على صندوق مرقده من جانب القدوم : ولد في صفر سنة 722 ، وتوفي سنة 791 بسمرقند ونقل إلى سرخس . انتهى ثم ذكر تاريخ تأليف سائر مؤلفاته - رحمه الله تعالى

(3/57)


علي بن محمد بن علي الحنفي الشريف الجرجاني

(3/57)


قال العيني في تاريخه : عالم بلاد الشرق كان علامة دهره وفهامة عصره وكان بينه وبين الشيخ سعد الدين التفتازاني مباحثات ومحاورات في مجلس تيمورلنك
وله تصانيف مفيدة منها : شرح المواقف للعضد وحواشي شرح الأصفهاني على التجريد للطوسي ويقال : إن مصنفاته زادت على خمسين كتابا مات سنة 814 . انتهى
قال السيوطي : ومن مصنفاته : شرح القسم الثالث من المفتاح وحاشية المطول والمختصر وحاشية الكشاف ولم يتم وله : رسالة في تحقيق معاني الحروف وأفادني سيدنا المؤرخ شمس الدين بن عزم : أن مولد الشريف الجرجاني بجرجان من ولاية إستراباد سنة 740 ، وأنه توفي بشيراز في سادس ربيع ( 3 / 58 ) الثاني سنة 816
قلت : فمدة عمره - رحمه الله - ست وسبعون سنة
نقل السيوطي عن شيخه محمد الكافيجي أنه قال : السيد الشريف وقطب الدين الرازي : لم يرزقا علم العربية بل كانا حكيمين
قال في مدينة العلوم : قلت : وهذا الكلام خروج عن الإنصاف ولا يلزم من عدم انفرادهما بعلم العربية ومشاركتهما لسائر العلوم عدم معرفتهما بها فانظر بالإنصاف في تصانيفهما مباحث تتعلق بالعربية وقد عجز عنها القدماء من أرباب العلوم العربية
وعين البغض تبرز كل عيب ... وعين الحب لا تجد العيوبا . انتهى

(3/57)


برهان الدين حيدر الشيرازي

(3/58)


ثم الرومي كان علامة بالمعاني والبيان والعربية
أخذ عن التفتازاني وشرح الإيضاح للقزويني شرحا ممزوجا وقدم الروم وأقرأ وأفتى على مذهب أبي حنيفة ومات بعد العشرين وثمانمائة
قال السيوطي : أخذ عنه شيخنا : محيي الدين الكافيجي - رحمه الله

(3/58)


عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار

(3/58)


القاضي عضد الدين أبو يحيى العلامة الشافعي المشهور : بالعضد
قال في الدرر الكامنة : وكان إماما في المعقول قائما بالأصول والمعاني والعربية مشاركا في الفنون كريم النفس كثير المال جدا كثير الإنعام على الطلبة
ولد بعد السبعمائة وأخذ عن مشائخ عصره ولازم الشيخ زين الدين تلميذ البيضاوي وولي قضاء المماليك ومن تلامذته : الشيخ شمس الدين الكرماني وسيف الدين الأبهري والتفتازاني وجرت له محنة مع صاحب كرمان حبسه في القلعة ومات مسجونا سنة 756
وأورد ابن السبكي في الطبقات ( 3 / 59 ) الشافعية : ما كتبه عضد الدين يستفتي به أهل عصره فيما وقع في الكشاف في قوله تعالى : ( فأتوا بسورة من مثله ) حيث قال : ( من مثله ) متعلق بسورة صفة لها أي : بسورة كائنة من مثله والضمير : لما نزلنا أو لعبده ويجوز أن يتعلق بقوله : ( فأتوا ) والضمير : للعبد حيث جوز في الوجه الأول كون الضمير لما نزلنا تصريحا وحظره في الوجه الثاني تلويحا فليت شعري فما الفرق بين : فأتوا بسورة كائنة من مثله فأنزلناه وفأتوا من مثل ما نزلنا بسورة ؟
وكتب الجواب كثير من الفضلاء - سيما فخر الدين الجاربردي - ثم رد جواب عضد الدين إبراهيم ولد الجاربردي وأطالوا الكلام فيه تركنا ذكرها لطولها وعدم تعلق غرضنا بها في هذا المقام وله تصانيف جمة كثيرة الفوائد منها : الفوائد الغياثية مختصر المفتاح

(3/58)


محمد بن يوسف بن علي بن سعيد شمس الدين الكرماني

(3/59)


ثم البغدادي شارح البخاري الإمام العلامة في الحديث والتفسير والأصلين والفقه والمعاني والعربية
قال ابنه في ذيل المسالك : ولد يوم الخميس سنة 717 ، وقرأ على والده بهاء الدين ثم انتقل إلى كرمان وأخذ عن العضد وغيره وبهر وفاق أقرانه وفضل غالب أهل زمانه ثم دخل دمشق ومصر وقرأ بها البخاري على ناصر الدين الفارقي
وسمع من جماعة وحج ورجع إلى بغداد واستوطنها وكان تام الخلق فيه بشاشة وتواضع للفقراء والعلماء غير مكترث بأهل الدنيا ولا ملتفت إليهم ويأتي إليه السلاطين في بيته ويسألونه : الدعاء والنصيحة
وله من التصانيف : شرح البخاري أربع مجلدات
وشرح المواقف وشرح الفوائد الغياثية في المعاني والبيان وحاشية على تفسير البيضاوي ورسالة في مسألة الكحل مات يوم الخميس سنة 786 ، فنقل ( 3 / 60 ) إلى بغداد ودفن بقبر أعده لنفسه بقرب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي

(3/59)


محمد بن علي بن السيد الشريف الجرجاني

(3/60)


صاحب التصانيف
قرأ على والده وبرع وأكمل حاشية أبيه على المتوسط وشرح الإرشاد في النحو للتفتازاني وشرح هداية الحكمة
وله : رسالة مختصرة في المنطق أورد فيها ما يحتاج إليه كتبها على أسلوب رسالة والده في المنطق مع زيادات شريفة لكن والده كتبها بالفارسية وشرح الفوائد الغياثية ممزوجا - رحمهما الله تعالى رحمة واسعة

(3/60)


علماء العروض والقوافي

(3/60)


أبو القاسم هبة الله بن الفضل المعروف : بابن القطان

(3/60)


الشاعر المشهور البغدادي
سمع الحديث من جماعة من المشائخ
وسمع عليه وكان غاية في الخلاعة والمجون كثير المزاح والمداعبة والهجاء مغرى بالولوع بالمتعجرفين ولم يسلم منه أحد لا الخليفة ولا غيره و لهم و له في ذلك نوادر ووقائع وحكايات ظريفة وله ديوان شعر عبث فيه بجماعة من الأعيان وثلبهم وله مع حيص بيص ماجريات وله كتاب عروض أكثره جيد
ولد سنة 477 ، وتوفي سنة 558 ببغداد ودفن بمقبرة معروف الكرخي يوم العيد
قال ابن خلكان : ولولا إيثار الاختصار لذكرت من أحواله ومضحكاته شيئا كثيرا فإنه كان آية في هذا الباب . ( 3 / 61 )

(3/60)


محمد بن علي بن عبد الرحمن الشيخ أمين الدين المحلي

(3/61)


قال الذهبي : أحد أئمة النحو بالقاهرة تصدر لإقرائه وانتفع به الناس وله شعر حسن وتصانيفه حسنة منها : أرجوزة في العروض وشفاء العليل في علم الخليل مات سنة 673 ، عن ثلاث وسبعين سنة

(3/61)


يحيى بن علي بن محمد المعروف : بابن الخطيب التبريزي

(3/61)


قال ياقوت : وربما يقال له : الخطيب وهو وهم صاحب العروض كان أحد الأئمة في النحو واللغة والأدب حجة صدوقا ثبتا
هاجر إلى أبي العلاء المعري وأخذ عنه وعن عبيد الله الرقي وابن البرهان وعبد القاهر الجرجاني وغيرهم
وسمع الحديث وكتب الأدب على خلق منهم : القاضي أبو الطيب الطبري وأبو القاسم التنوخي والخطيب البغدادي
وروى عنه السلفي وتخرج عليه خلق كثير وتتلمذوا له ذكره السمعاني في كتاب الذيل وذكر فضائله
وله : تهذيب غريب الحديث وله في النحو مقدمات حسنة وكتاب في إعراب القرآن سماه : الملخص
قال ابن خلكان : رأيته في أربع مجلدات وكان قد دخل مصر في عنفوان شبابه فقرأ عليه بها ابن بابشاذ النحوي شيئا من اللغة ثم عاد إلى بغداد واستوطنها إلى الممات وولي تدريس الأدب بالنظامية وخزانة الكتب بها وانتهت إليه الرياسة في فنه وشاع ذكره في الأقطار وكان الناس يقرؤون عليه تصانيفه
صنف : شرح القصائد العشر والكافي في العروض والقوافي وثلاثة شروح على الحماسة وشرح شعر المتنبي وشعر أبي تمام وغير ذلك
ولد سنة 441 ، ومات فجاءة في سنة 502 الهجرية . ( 3 / 62 )

(3/61)


علي بن جعفر بن علي السعدي المعروف : بابن القطاع

(3/62)


الصيقلي المولد المصري الدار والوفاة كان أحد أئمة الأدب خصوصا اللغة صاحب الكتاب المعروف : الشافي في علم القوافي
قال ياقوت : كان إمام وقته بمصر في علم العربية وفنون الأدب قرأ على أبي بكر الصيقلي وروى عنه الصحاح للجوهري وكان نقاد المصريين ينسبونه إلى التساهل في الرواية صنف : الأفعال أحسن فيه كل الإحسان وهو أجود من الأفعال لابن القوطية وإن كان ذلك قد سبقه إليه وله : كتاب أبنية الأسماء جمع فيه فأوعى وفيه دلالة على كثرة اطلاعه
وله حواشي الصحاح والدرة الخطيرة في المختار من شعر شعراء الجزيرة وكتاب لمح الملح جمع فيه خلقا من شعراء الأندلس وغير ذلك وأجاد في النحو غاية الإجادة ورحل عن صقلية لما أشرف على تملكها الفرنج ووصل إلى مصر في حدود سنة 500 ، وبالغ أهل مصر في إكرامه وله شعر كثير ذكر طرفا صالحا منه ابن خلكان في تاريخه
ولد سنة 433 بصقلية ومات سنة 515 ، أو سنة 514 ، ودفن بقرب ضريح الإمام الهمام : محمد بن إدريس الشافعي - رحمهما الله تعالى رحمة واسعة

(3/62)


علماء الإنشاء والأدب

(3/62)


أبو الفتح نصر الله بن أبي الكرم محمد بن محمد المعروف : بابن الأثير الجزري

(3/62)


الملقب : بضياء الدين
كان مولده بجزيرة ابن عمرو نشأ بها وانتقل مع والده إلى الموصل وبها اشتغل وحصل العلوم وحفظ : كتاب الله الكريم وكثيرا من الأحاديث النبوية ومن النحو واللغة وعلم البيان وشيئا كثيرا من الأشعار
وله : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر وهو في مجلدين
ولد سنة 558 ، ( 3 / 63 ) وتوفي سنة 632 ببغداد وكان له أخوان :
أحدهما : مجد الدين أبو السعادات المبارك تقدم ذكره في اللغة
والآخر : أبو الحسن علي الملقب : عز الدين يأتي ذكره في التواريخ وكان الإخوة الثلاثة كلهم فضلاء نجباء أصحاب التصانيف المقبولة قلما يتفق إخوة مثل هؤلاء وهم مشهورون بابن الأثير - رحمهم الله تعالى

(3/62)


أبو القاسم علي بن محمد الحريري

(3/63)


صاحب المقامات ولد في حدود سنة 446 ، وكان غاية في الذكاء والفطنة والفصاحة والبلاغة تصانيفه تشهد بفضله وكفى له شاهدا على ذلك : المقامات التي فاق بها الأوائل وأعجز الأواخر
وكان مولده ببلد قريب من البصرة يقال له : المشان وكان دميما مبتلى بنتف اللحية
قيل : إنه كتب سبعمائة نسخة من المقامات بخطه وقرئت عليه وله ديوان شعر مات بالبصرة في سادس رجب سنة 515
ذكر له ابن الوردي في تاريخه ترجمة وأشعارا له وقال : إمام في النحو واللغة وله عدة مصنفات منها : المقامات طبقت الأرض شهرة أمره بتصنيفها أنوشيروان بن خالد بن محمد وزير السلطان محمود وكان خصيصا به قدم بغداد ونزل الحريم
والحريري : بصري المولد والمنشأ من بني ربيعة الفرس وكان من أهل اليسار يقال : إنه كان له ثماني عشرة ألف نخلة بمشان البصرة وأصله منها وخلف ابنين : الواحد : عبد الله من رواة المقامات والثاني : كان متفقها . انتهى . - رحمهما الله

(3/63)


أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابئ

(3/63)


صاحب الرسائل المشهورة والنظم البديع كان كاتب الإنشاء ببغداد عن الخليفة وعن عز الدولة بن بويه الديلمي ( 3 / 64 ) تقلد ديوان الرسائل وله كل شيء حسن من المنظوم والمنثور توفي سنة 384 ببغداد وعمره : إحدى وسبعون سنة
قيل : إن صديقا له دخل عليه فرآه في شغل شاغل من التعليق والتسويد والتبييض فسأله : عما يعمل ؟ فقال : أباطيل أنمقها وأكاذيب الفقهاء

(3/63)


أبو الفضل أحمد بن الحسين المعروف : ببديع الهمداني

(3/64)


صاحب الرسائل الرائقة والمقامات الفائقة وعلى منواله نسج الحريري مقاماته واحتذى حذوه واقتفى أثره واعترف في خطبته بفضله وأنه الذي أرشده إلى سلوك ذلك المنهج وهو أحد الفضلاء الفصحاء وله النظم المليح
روى عن أحمد بن فارس صاحب المجمل في اللغة وسكن هراة من بلاد خراسان وله كل معنى مليح حسن من نظم ونثر
فمن رسائله : الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه وإذا سكن متنه تحرك نتنه وكذلك الضيف : يسمج لقاؤه إذا طال ثواؤه ويثقل ظله إذا انتهى محله والسلام
ومنها : حضرته التي هي كعبة المحتاج لا كعبة الحجاج ومشعر الكرم لا مشعر الحرم ومنى الضيف لا منى الخيف وقبلة الصلات لا قبلة الصلاة
وكانت وفاته سنة 398 ، مسموما بمدينة هراة
ويحكى : أنه مات من السكتة وعجل دفنه فأفاق في قبره وسمع صوته بالليل وأنه نبش عنه فوجدوه قد قبض على لحيته ومات من هول القبر - والله أعلم

(3/64)


أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الأندلسي الداني

(3/64)


كان فاضلا في علوم الأدب صنف كتابه الذي سماه : الحديقة على أسلوب يتيمة الدهر للثعالبي
وكان عارفا بفن الحكمة فكان يقال له : الأديب الحكيم سكن الإسكندرية ذكره العماد في الخريدة وأثنى عليه وذكر أشياء من نظمه
توفي - رحمه الله - سنة تسع وعشرين وخمسمائة . ( 3 / 65 )

(3/64)


أبو أحمد بن عبد الله بن السعيد العسكري

(3/65)


أحد الأئمة في الآداب والحفظ وهو صاحب أخبار ونوادر وله التصانيف المفيدة منها : كتاب التصحيف الذي جمع فيه فأوعى وكتاب الحكم والأمثال
توفي سنة 382 ، والعسكري : نسبة إلى عدة مواضع أشهرها : عسكر مكرم الباهلي : وهي مدينة من كور الأهواز

(3/65)


أبو علي الحسن بن رشيق المعروف : بالقيرواني

(3/65)


أحد الأفاضل البلغاء له التصانيف المليحة منها : كتاب الأنموذج والرسائل الفائقة والنظم الجيد وأبوه : مملوك رومي من موالي الأزد
توفي سنة 463 - رحمه الله تعالى -
ومن شعره :
يارب لا أقوى على دفع الأذى ... وبك استعنت على الضعيف المؤذي
ما لي بعثت إلي ألف بعوضة ... وبعثت واحدة إلى نمروذ
وله أيضا :
وقائلة : ماذا الشحوب وذا الضنا ؟ ... فقلت لها قول المشوق المتيم :
هواك أتاني وهو ضيف أعزه ... فأطعمته لحمي وأسقيته دمي
ومن تصانيفه أيضا : قراضة الذهب وهو لطيف الجرم كثير الفائدة وله : كتاب الشذوذ في اللغة يذكر فيه كل كلمة جاءت شاذة في بابها

(3/65)


الشيخ المجيد : أبو علي الحسن بن عبد الصمد بن الشحناء العسقلاني

(3/65)


صاحب الخطب المشهورة والرسائل المحبرة كان من فرسان النثر وله فيه اليد الطولى
ذكره العماد في الخريدة فقال : المجيد : مجيد كنعته قادر على ابتداع الكلام ونحته له الخطب البديعة والملح الصنيعة
وذكره ابن بسام في الذخيرة وسرد جملة من رسائله
توفي مقتولا بخزانة البنود : وهي سجن بمدينة القاهرة المعزية في سنة 482
ومن شعره : ( 3 / 66 )
حجاب وإعجاب وفرط تصلف ... ومد يد نحو العلا بتكلف
ولو كان هذا من وراء كفاية ... عذرنا ولكن من وراء تخلف

(3/65)


أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الملقب : بتاج الدين البغدادي

(3/66)


كان أوحد عصره في فنون الآداب وعلو السماع وكان يبتاع الخليع ويسافر به إلى بلاد الروم ويعود إليها واستوطن دمشق وقصده الناس وأخذوا عنه
توفي - رحمه الله تعالى - سنة 613 الهجرية

(3/66)


أبو غالب عبد الحميد بن يحيى بن سعد الكاتب

(3/66)


المشهور به يضرب المثل في البلاغة حتى قيل : فتحت الرسائل بعبد الحميد وختمت بابن العميد وكان في كل فن من العلم والأدب إماما وهو من أهل الشام وعنه أخذ المترسلون ولطريقته لزموا ولآثاره اقتفوا وهو الذي سهل سبيل البلاغة في الترسل ومجموع رسائله مقدار ألف ورقة
وهو أول من أطال الرسائل واستعمل التمهيدات في فصول الكتب فاستعمل الناس ذلك بعده وكان كاتب مروان بن الحكم الأموي : آخر ملوك بني أمية المعروف : بالجعدي
ومن كلامه : القلم شجرة ثمرتها الألفاظ والفكر بحر لؤلؤه الحكمة وخير الكلام : ما كان لفظه فحلا ومعناه بكرا
ثم إنه قتل مع مروان في سنة اثنتين وثلاثين ومائة

(3/66)


الشريف المرتضى : أبو القاسم علي بن الطاهر

(3/66)


كان إماما في علم الكلام والأدب والشعر وهو أخو الشريف الرضي
وله تصانيف على مذهب الشيعة ومقالة في أصول الدين وله ديوان شعر كبير
وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب هل هو جمعه أم جمع أخيه الرضي ؟ وقد قيل : إنه ليس من كلام علي وإنما ( 3 / 67 ) الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه وله : كتاب الغرور والدرر هي مجالس أملاها تشتمل على فنون من معاني الأدب تكلم فيها على النحو واللغة وغير ذلك وهو كتاب ممتع يدل على فضل كثير وتوسع في الاطلاع على العلوم
ولد في سنة 355 ، وتوفي في سنة 436 ببغداد ودفن في داره عشية ذلك النهار

(3/66)


أبو نصر الفتح بن عبد الله بن خاقان القيسي الإشبيلي

(3/67)


صاحب كتاب قلائد العقيان له : عدة تصانيف منها : القلائد جمع فيه من شعراء المغرب طائفة كثيرة وتكلم على ترجمة كل واحد منهم بأحسن عبارة وألطف إشارة وكلامه في مؤلفاته تدل على غزارة فضله وسعة مادته
وكان كثير الأسفار سريع التنقلات
توفي في سنة 525 ، بمدينة مراكش
قال ابن دحية : كان خليع العذار في دنياه لكن كلامه في تواليفه كالسحر الحلال والماء الزلال قتل ذبحا في مسكنه بفندق من حضرة مراكش في سنة 529 . انتهى

(3/67)


الصاحب : أبو القاسم إسماعيل بن عباد الطالقاني

(3/67)


كان نادرة الدهر وأعجوبة العصر في فضائله ومكارمه وكرمه
أخذ الأدب عن : ابن فارس اللغوي وابن العميد وغيرهما
قال الثعلبي في اليتيمة : ليست تحضرني عبارة أرضاها للإفصاح عن علو محله في العلم والأدب . انتهى
نشأ من الوزارة في حجرها ودب ودرج في وكرها وكان وزير ابن بويه الديلمي واجتمع عنده من الشعراء ما لم يجتمع عند غيره ومدحوه بغرر المدائح
صنف في اللغة : كتبا سماها : المحيط وهو في سبع مجلدات اشتمل من اللغة على جزء متوفر وله : رسائل بديعة ونظم جيد فمنه قوله :
وشادن جماله تقصر عنه صفتي ... أهوى لتقبيل يدي فقلت : قبل شفتي ( 3 / 68 )
وله في رقة الخمر :
رق الزجاج ورقت الخمر ... وتشابها فتشاكل الأمر
فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر
ولد سنة 326 ، وتوفي سنة 385 ، بالري ثم نقل إلى أصبهان والطالقان : اسم لمدينتين أحدهما : بخراسان والأخرى : من أعمال قزوين والصاحب من الأخرى

(3/67)


علماء المحاضرة

(3/68)


مفضل بن محمد الأصفهاني أبو القاسم الراغب

(3/68)


كان في أوائل المائة الخامسة له : المحاضرات وأفانين البلاغة وغير ذلك والناس يظنون أنه معتزلي لكن نقل السيوطي عن الفخر الرازي : أنه من أئمة السنة وقرنه بالغزالي وهذه فائدة حسنة فلا عبرة بظنون الناس - وإن بعض الظن إثم

(3/68)


أبو المعالي محمد بن أبي سعيد بن الحسن بن حمدون

(3/68)


الكاتب الملقب : كافي الكفاءة بهاء الدين البغدادي صاحب : التذكرة الحمدونية في علم المحاضرات كان فاضلا ذا معرفة تامة بالأدب والكتابة من بيت مشهور بالرياسة وكتابه : التذكرة من أحسن المجامع يشتمل على التاريخ والأدب والنوادر والأشعار لم يجمع أحد من المتأخرين مثله
ولد في سنة 495 ، وتوفي سنة 562 ، وكان موته في الحبس

(3/68)


أبو عمرو أحمد بن محمد بن عبد ربه

(3/68)


مولى هشام القرطبي صاحب كتاب العقد الفريد كان من العلماء المكثرين من المحفوظات والاطلاع على أخبار الناس وكتابه : العقد من الكتب الممتعة حوى من كل شيء طبع في هذا الزمان بمصر القاهرة وله ديوان شعر جيد تشمل أشعاره كل معنى مليح وكل لفظ فصيح . ( 3 / 69 )
ولد في سنة 246 ، وتوفي في سنة 328 ، وكان قد أصابه الفالج قبل ذلك بأعوام وقرطبة : بالضم : مدينة كبيرة من بلاد الأندلس وهي دار مملكتها

(3/68)


أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الكاتب الأموي الأصبهاني

(3/69)


صاحب كتاب الأغاني الذي طبع بمصر حالا
ولد بأصبهان ونشأ ببغداد وكان من أعيان أدبائها وأفراد مصنفيها عالما بأيام الناس والأنساب والسير
روى عن عالم كثير من العلماء يطول تعدادهم
قال التنوخي : وكان من المتشيعين الذي شاهدناهم وكان يحفظ من اللغة والنحو والمغازي والسير والأغاني والخرافات والأخبار والآثار والأحاديث المسندة والنسب مالم أر قط يحفظه مثله ويحفظ دون ذلك من علوم أخر ومن آلات المنادمة شيئا كثيرا مثل : البيطرة وعلم الجوارح وطرف من الطب والنجوم والأشربة وغيرها وشعره يجمع إتقان العلماء وإحسان الظرفاء
وله من المصنفات المستملحة : كتاب الأغاني في المحاضرات الذي وقع الاتفاق على أنه لم يعمل في بابه مثله يقال : إنه جمعه في خمسين سنة وحمله إلى سيف الدولة بن حمدان فأعطاه ألف دينار واعتذر إليه
وحكي : عن الصاحب بن عباد أنه كان في أسفاره وتنقلاته يستصحب حمل ثلاثين جملا من كتب الأدب ليطالعها فلما وصل إليه كتاب الأغاني لم يكن بعد ذلك يستصحب سواه استغناء به عنها
ومنها : كتاب القيان وكتاب الديارات وكتاب دعوة الأطباء
ومنها : كتاب جمهرة النسب وكتاب الغلمان المغنين وكتاب الإماء الشواعر وحصل له ببلاد الأندلس كتب صنفها لبني أمية ملوك الأندلس وكان منقطعا إلى الوزير المهلبي وله فيه مدائح وشعره كثير ومحاسنه شهيرة
ولد في سنة 284 ، وتوفي سنة 356 ببغداد وكان قد خلط قبل أن يموت ( 3 / 70 ) وكان من أولاد مروان بن الحكم الأموي آخر خلفاء بني أمية وهو : أصبهاني الأصل بغدادي المنشأ

(3/69)


أحمد بن يحيى بن أبي بكر التلمساني المعروف : بابن أبي حجلة

(3/70)


نزيل دمشق ثم القاهرة
ولد سنة 725 ، واشتغل ثم قدم إلى الحج فلم يرجع ومهر في الأدب ونظم الكتب ونثر فأجاد وترسل ففاق وعمل المقامات وغيرها وكان حنفي المذهب حنبلي المعتقد وكان كثير الحط على الاتحادية صنف : كتابا عارض به قصائد ابن الفارض كلها النبوية وكان يحط عليه لكونه لم يمدح النبي صلى الله عليه وسلم ويحط على أهل نحلته ويرميه ومن يقول بمقالته بالعظائم وقد امتحن بسبب ذلك على يد سراج الهندي وكان يقول الشعر ولا يحسن العروض وجمع مجاميع حسنة منها : ديوان الصبابة ومنطق الطير وسكردان السلطان في علم المحاضرات والأدب الغض وأطيب الطيب والنعمة الشاملة في العشرة الكاملة وقصيرات الحجال وغير ذلك
مات في مستهل ذي الحجة سنة 776 ، وله إحدى وخمسون سنة

(3/70)


كمال الدين محمد بن موسى الدميري

(3/70)


الشافعي المصري صاحب كتاب حياة الحيوان في علم المحاضرة وله : تصانيف مفيدة في علوم عديدة كان كثير العبادة قائما بالصوم عدم النظير في وقته وكان يكتسب أولا بالخياطة ثم تركه ولم يتقلد القضاء أصلا ولا لبس لبسا فاخرا
أخذ عن الأسنوي والعراقي وأعيان العلماء ومن تأمل كتابه : حياة الحيوان وما أودعه فيه من الغرائب والفوائد عرف فضله
ولد سنة 743 ، وتوفي بالقاهرة سنة 808 ، والدميري : بكسر الدال والميم وقيل : بفتحها وكسر الميم قال في مدينة العلوم : ولعل الصواب هو الأخير لأني قد وجدته مضبوطا بخط بعض الثقات . ( 3 / 71 )

(3/70)


أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري

(3/71)


صاحب كتاب : يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر وهو أكبر كتبه وأحسنها وأجمعها
والثعالبي : نسبة إلى خياطة جلود الثعالب وعملها
وله : كتاب فقه اللغة وسحر البلاغة وسر البراعة
قال ابن بسام صاحب الذخيرة في حقه : كان في وقته راعي تلعات العلم وجامع أشتات النثر والنظم رأس المؤلفين في زمانه وإمام المصنفين بحكم أقرانه سار ذكره سير المثل وضربت إليه آباط الإبل وتواليفه أشهر مواضع وأبهر مطالع وأكثر راو لها وجامع طلعت دواوينه في المشارق والمغارب طلوع النجم في الغياهب
ولد سنة 350 ، وتوفي سنة 429 ، وله كتاب : مؤنس الوحيد في المحاضرات وشيء كثير جمع فيه أشعار الناس ورسائلهم وأخبارهم وأحوالهم وفيها دلالة على كثرة اطلاعه وله أشعار كثيرة ذكر طرفا منها ابن خلكان في تاريخه

(3/71)


محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي الطائي الأندلسي يعرف : بابن عربي

(3/71)


عمدة الواصلين وسند السالكين كان جليل الشأن في العلم والعمل وله المصنفات الوافرة والمؤلفات الزاخرة منها :
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار من كتب علم المحاضرة
مولده سنة 560
وعنه أخذ : الشيخ شرف الدين بن الفارض والشيخ صدر الدين القونوي . ( 3 / 72 )
وتوفي سنة 638 ، ودفن بالصالحية بسفح قاسيون بتربة بني الزكي وقبره بها يزار بدمشق

  علماء الشعر

  حبيب بن أوس بن الحارث أبو تمام الطائي

  صاحب الحماسة
و كان أبو تمام أسمر طويلا فصيحا حلو الكلام فيه تمتمة يسيرة و اشتغل و تنقل إلى أن صار منه ما صار
وتوفي بالموصل سنة 231 ، أو سنة 228 ، أو سنة 229 ، وقيل : سنة 232 ، كذا قاله ابن خلكان في تاريخه : وفيات الأعيان

(3/72)


أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور

(3/72)


المعروف : بالبسام الشاعر المشهور صاحب الذخيرة
كانت أمه : أمامة : ابنة حمدون النديم وهو من أعيان الشعراء وأفاضل الظرفاء لسنا مطبوعا في الهجاء لم يسلم منه أمير ولا وزير ولا صغير ولا كبير
توفي سنة 303 ، أو 302 ، عن نيف وسبعين سنة

(3/72)


أحمد بن عبد الله بن سيلمان التنوخي أبو العلاء المعري

(3/72)


من معرة النعمان من الشام بالقرب من حماة غزير الفضل شائع الذكر وافر العلم غاية في الفهم عالما باللغة حاذقا بالنحو جيد الشعر جزل الكلام شهرته تغني عن صفته
وله التصانيف المشهورة والرسائل المأثورة وله من النظم : لزوم مالا يلزم وهو كبير في خمسة أجزاء أو ما يقاربها وله : سقط الزند وشرحه بنفسه وسماه : ضوء السقط وله : كتاب الأيك والغصون في الأدب يقارب المائة جزء وكان علامة عصره متضلعا من فنون الأدب
ولد يوم الجمعة عند الغروب لثلاث بقين من ربيع الأول سنة 363 ، بالمعرة وجدر في السنة الثالثة من عمره فعمي منه وهو مجدر الوجه نحيف الجسم وكان يقول : لا أعرف من الألوان إلا الأحمر لأني ألبست في الجدري ثوبا مصبوغا بالعصفر قال الشعر وهو ابن إحدى أو اثنتي عشرة سنة . ( 3 / 73 )
وأخذ النحو واللغة عن أبيه وعن محمد بن سعد النحوي بحلب وهو من بيت علم ورياسة وكان متهما في دينه يرى رأي البراهمة والحكماء المتقدمين لا يرى أكل اللحم ولا يؤمن بالبعث والنشور وبعث الرسل وشعره المتضمن للإلحاد كثير
قال ابن العميل في كتابه : وقع التجري على المعري : كان يرميه أهل الحسد بالتعطيل ويعملون على لسانه الأشعار يضمنونها أقوال الملاحدة قصدا لهلاكه وقد نقل عنه أشعار تتضمن صحة عقيدته وكذب ما ينسب إليه من إسناد الإلحاد إليه
وقال الذهبي : إنه ملحد وحكم بزندقته
وقال السلفي : أظنه تاب وأناب
وله من التصانيف : ديوان الشعر وشرح شعر المتنبي وسماه : معجز أحمد وشرح شعر البحتري وسماه : عبث الوليد واختصر ديوان أبي تمام وشرحه وسماه : ذكرى حبيب
والتنوخي : نسبة إلى تنوخ وهو : اسم لعدة قبائل اجتمعوا قديما بالبحرين وتحالفوا على التناصر وأقاموا هناك فسموا : تنوخا والتنوخ : الإقامة وهذه القبيلة : إحدى القبائل الثلاث التي هي نصارى العرب وهم : بهراء وتنوخ وتغلب
مات ليلة الجمعة سنة 449 ، وذكر له ابن الوردي ترجمة حافلة في تاريخه فليعلم

(3/72)


أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي الكوفي أبو الطيب المتنبي

(3/73)


الشاعر المشهور وقيل : أحمد بن الحسين بن مرة بن عبد الجبار وهو من أهل الكوفة قدم إلى الشام في صباه وجال في أقطاره واشتغل بفنون الأدب ومهر فيها وكان من المكثرين في نقل اللغة والمطلعين على غريبها وحوشيها لا يسأل عن شيء إلا واستشهد فيه بكلام العرب من النظم والنثر حتى قيل : إن الشيخ أبا علي الفارسي قال له يوما : كم لنا من الجموع على وزن فعلى ؟
فقال في الحال : حجلى وظربى . ( 3 / 74 )
قال أبو علي : فطالعت كتب اللغة ثلاث ليال على أن أجد لهذين الجمعين ثالثا فلم أجد
قال ابن خلكان : وحسبك أن يقول في حقه أبو علي هذه المقالة وكان شعره بلغ الغاية من الفصاحة والبلاغة والحكمة وسائر المحاسن بحيث لا حاجة إلى مدحه
والناس في شعره على اختلاف :
منهم : من يرجحه على شعر أبي تمام ومن بعده
ومنهم : من يرجح شعر أبي تمام عليه
اعتنى العلماء بشرح ديوانه حتى قال بعضهم : وقفت له على أكثر من أربعين شرحا ما بين مطول ومختصر ولم يفعل هذا بديوان غيره ولا شك أنه كان رجلا مسعودا رزق السعادة التامة في شعره وإنما قيل له : المتنبي لأنه ادعى النبوة في بادية السماوة وتبعه خلق كثير من بني كلب وغيرهم حتى حبس ثم تاب وأطلق وهذا أصح وقيل : لقوله : أنا أول نبي بالشعر وقيل : لقوله : أنا في أمة - تداركها الله - غريب كصالح في ثمود وكان سبب قتله قوله :
الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والحرب والضرب والقرطاس والقلم
وذلك في رمضان سنة 354 ، ومولده بالكوفة سنة 303 ، بمحلة كندة
ويقال : إن أباه كان سقاء بالكوفة وبالجملة : فسمو نفسه وعلو همته وأخباره وماجرياته : كثيرة والاختصار أولى

(3/73)


أبو عبادة وليد بن عبيد بن يحيى الطائي البحتري

(3/74)


الشاعر المشهور صاحب الديوان
مدح كثيرا من الخلفاء أولهم : المتوكل على الله وكثيرا من الأكابر والرؤساء وأقام ببغداد زمانا ثم عاد إلى الشام وله أشعار كثيرة فيها ذكر حلب ونواحيها وكان يتغزل بها . ( 3 / 75 )
روى عنه أشياء من شعره : المبرد والمحاملي والحكيمي والصولي
قيل له : أيهما أشعر أنت أم أبو تمام ؟ قال : جيده خير من جيدي ورديي خير من رديه
وقيل للمعري : أي الثلاثة أشعر أبو تمام أم البحتري أم المتنبي ؟ فقال : هما حكيمان والشاعر البحتري
قال ابن خلكان : ولعمري ما أنصفه ابن الرومي في قوله :
والفتى البحتري يسرق مآقا ... مثل ابن أوس في المدح والتشبيب
كل بيت له يجود معنا ... ه فمعناه لابن أوس حبيب
وشعره سائر وديوانه موجود دائر فلا حاجة إلى الإكثار في مدح شعره
وجمع شعره على الحروف : أبو بكر الصولي
وعلى الأنواع : علي بن حمزة
وللبحتري : كتاب الحماسة على مثال حماسة أبي تمام وله : كتاب معاني الشعر
ولد سنة ست أو سبع أو خمس أو ثلاث أو اثنتين ومائتين والأول : أصح
وكان يقال لشعره : سلاسل الذهب وهو في الطبقة العليا
قال ابن الجوزي - في كتاب أعمار الأعيان - : توفي البحتري وهو ابن ثمانين سنة وكان موته بمنيح - أطال ابن خلكان في ترجمته

(3/74)


جرير بن عطية بن الخطفي التميمي

(3/75)


الشاعر المشهور صاحب ديوان الشعر كان من فحول شعراء الإسلام وكانت بينه وبين الفرزدق مهاجاة ونقائض وهو أشعر منه عند أكثر أهل العلم بهذا الشأن
وأجمعت العلماء على : أنه ليس في شعراء الإسلام مثل ثلاثة : جرير والفرزدق والأخطل ويقال : إن بيوت الشعر أربعة : فخر ومديح ونسيب وهجاء وفي الأربعة : فاق جرير على غيره ويلقب : بابن المراغة وهذا لقب لأمه هجاه ابن الأخطل ونسبها إلى أن الرجال يتمرغون عليها
ولما مات الفرزدق وبلغ خبره جريرا بكى وقال : أما والله إني لأعلم أني قليل ( 3 / 76 ) البقاء بعده وقل ما مات ضد أو صديق إلا تبعه صاحبه وكذلك كان فتوفي سنة 110 ، وفيها مات الفرزدق وكان وفاته باليمامة وعمره نيفا وثمانين سنة ذكر له ابن خلكان ترجمة حافلة في تاريخه : وفيات الأعيان

(3/75)


أبو فراس همام بن غالب التميمي الشاعر المشهور : بالفرزدق

(3/76)


صاحب جرير وكان بينهما من المهاجاة والمعاداة ما هو المشهور في كتب المحاضرات وقد جمع لهما كتاب يسمى : النقائض وهو من الكتب المشهورة
توفي بالبصرة سنة 110 ، قبل جرير بأربعين أو ثمانين يوما
قال ابن الجوزي : إنهما توفيا في سنة 111 ، قيل :
لقي الفرزدق علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - وقد قارب المائة
والفرزدق : قطع العجين وإنما لقب به : لغلظه وقصره وقيل : لأنه كان جهم الوجه وقد أصابه جدري في وجهه وهذا القول : أصح وقصائده مشهورة موجودة منها : قصيدته في مدح الإمام زين العابدين التي سارت بها الركبان وشرحها جمع جم من الأعيان أولها :
هذا سليل حسين وابن فاطمة ... بنت الرسول الذي انجابت به الظلم
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم . . . الخ
وقد اختلف أهل المعرفة بالشعر في الفرزدق وجرير والمفاضلة بينهما والأكثرون على : أن جرير أشعر منه وأخبار الفرزدق كثيرة والاختصار أولى
وذكر له ابن خلكان ترجمة حافلة وذكر قصيدته المذكورة مع قصتها ولهذه القصيدة ترجمة بالنظم للشيخ عبد الرحمن الجامي ولها شرح للمولوي جميل أحمد البلجرامي بالفارسي
قال ابن خلكان : وكان الفرزدق كثير التعظيم لقبر أبيه فما جاءه أحد واستجار به إلا نهض معه وساعده على بلوغ غرضه . انتهى

(3/76)


أبو نواس حسن بن هاني

(3/76)


ابن عبد الأول الشاعر المشهور ولد بالبصرة ونشأ بها . ( 3 / 77 )
وقيل : ولد بالأهواز ثم خرج إلى الكوفة ثم إلى بغداد
وأمه : هوازية اسمها : جلبان وكان أبوه من جند مروان بن محمد - آخر ملوك بني أمية - وكان من أهل دمشق وانتقل إلى الأهواز للرباط فتزوج جلبان وأولدها عدة أولاد منهم : أبو نواس وأبو معاذ
وروي أن الخصيب - صاحب ديوان الخراج بمصر - سأل أبا نواس : عن نسبه ؟ فقال : أغناني أدبي عن نسبي فأمسك عنه
قال إسماعيل بن نوبخت : ما رأيت قط أوسع علما من أبي نواس ولا أحفظ منه - مع قلة كتبه - ولقد فتشنا منزله بعد موته فما وجدنا له إلا قمطرا فيه جزاز مشتمل على غريب ونحو لا غير
وكان في الطبقة الأولى من المولدين وشعره عشرة أنواع وهو مجيد فيها وقد اعتنى بجمع شعره طائفة من الفضلاء منهم : الصولي وتوزون ولهذا يوجد ديوانه مختلفا وأخباره كثيرة وأشعاره شهيرة
ولد في سنة 145 ، أو سنة 136 ، وتوفي سنة خمس أو ست وثمانين أو تسعين ومائة ببغداد وإنما قيل له : أبو نواس لذؤابتين كانتا تنوسان على عاتقيه وما أحسن ظنه بربه عز وجل حيث قال :
تكثر ما استطعت من الخطايا ... فإنك بالغ ربا غفورا
ستبصر إن وردت عليه عفوا ... وتلقى سيدا ملكا كبيرا
تعض ندامة كفيك مما ... تركت مخافة النار السرورا
قال ابن خلكان : وهذا من أحسن المعاني وأغربها وأخباره كثيرة ومن شعره الفائق : قصيدته الميمية أولها :
يا دار ما صنعت بك الأيام ... لم تبق فيك بشاشة تستام

(3/76)


أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد الملقب : مؤيد الدين عميد الملك فخر الكتاب الأصبهاني المنشي المعروف : بالطغرائي==

4. [ أبجد العلوم - القنوجي ]
الكتاب : أبجد العلوم الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم
المؤلف : صديق بن حسن القنوجي

كان غزير الفضل لطيف الطبع ( 3 / 78 ) فاق أهل عصره بصنعة النظم والنثر ذكره السمعاني وأثنى عليه
له ديوان شعر جيد ومن محاسن شعره : قصيدته المعروفة : بلامية العجم وكان عملها ببغداد في سنة 505 ، يصف حاله ويشكو زمانه أولها :
أصالة الرأي ضانتني عن الخطل ... وحلية الفضل زانتني لدى العطل
وهي مذكورة في تاريخ ابن خلكان بتمامها
وذكره أبو المعالي الخطيري في كتاب زينة الدهر وذكر له مقاطيع
وذكره أبو البركات في المستوفي في تاريخ إربل وقال : إنه ولي الوزارة في مدينة إربل مدة وذكر العماد الكاتب في نصرة الفترة وعصرة القطرة - وهو تاريخ الدولة السلجوقية - : إن الطغرائي كان ينعت بالأستاذ وكان وزير السلطان مسعود بن محمد السلجوقي بالموصل قتل سنة ثلاث أو أربع أو ثماني عشرة وخمسمائة وقد جاوز ستين سنة
والطغرائي : نسبة إلى من يكتب الطغراء : وهي الطرة التي تكتب في أعلى الكتب فوق البسملة بالقلم الغليظ ومضمونها : نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه وهي لفظة أعجمية
قال ابن الأثير في الكامل : كان الأستاذ يميل إلى صنعة الكيمياء وله فيها تصانيف قد ضيعت من الناس أموالا لاتحصى قيل : وتلك التصانيف معتبرة عند أهلها
منها : كتاب مفاتيح الرحمة ومصابيح الحكمة ومنها : جامع الأسرار وتراكيب النوار وكتاب حقائق الاستشهادات بين فيه إثبات صناعة الكيمياء ورد على ابن سينا في إبطالها بمقدمات من كتاب الشفاء يقال : إنه ألقى مثقالا من الإكسير على ستين ألف وأخرى على ثلاثمائة ألف فصار ذهبا
وإنما سمى قصيدته : لامية العجم تشبيها بلامية العرب التي مطلعها : ( 3 / 79 )
أقيموا بني أمي صدور مطيكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميل
واللاميات كثيرة منها : لامية حسان الهند مير غلام علي آزاد البلجرامي في ديوانه - ولله درها - وما أبلغها وأفصحه ؟

(3/77)


أبو نصر عبد العزيز بن عمر بن محمد

(3/79)


وفي ابن خلكان : أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة
كان شاعرا مجيدا إماما في علوم الأدب ورزق السعادة في خطبه التي وقع الإجماع على أنه ما عمل مثلها جمع فيها بين حسن السبك وجودة المعاني وفيها دلالة على غزارة علمه وقوة قريحته وهو من أهل ميافارقين وكان خطيب حلب وبها اجتمع بأبي الطيب المتنبي وقالوا : إنه سمع عليه بعض ديوانه طاف البلاد ومدح الملوك والوزارء والرؤساء وله في سيف الدولة بن حمدان غر القصائد ونخب المدائح ومعظم شعره جيد وله ديوان كبير
وكان سيف الدولة كثير الغزوات فلهذا أكثر الخطيب من خطب الجهاد ليحض الناس عليه ويحثهم على نصرته وكان رجلا صالحا
ذكر الشيخ تاج الدين الكندي - بإسناده المتصل إلى الخطيب - أنه قال : لما عملت خطبة المنام وخطبت بها يوم الجمعة رأيت ليلة السبت في منامي كأني بظاهر ميافارقين عند الجبانة فقلت : ما هذا الجمع ؟
فقال لي قائل : هذا النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه فقصدت إليه لأسلم عليه فلما دنوت منه التفت فرآني فقال : مرحبا يا خطيب الخطباء كيف تقول ؟ وأومى إلى القبور قلت : لا يخبرون بما إليه آلوا ولو قدروا على المقال لقالوا : . . . - إلى آخر ما ذكره ابن خلكان - فقال لي : أحسنت ادن فدنوت منه صلى الله عليه وسلم فأخذ وجهي وقبله وتفل في فمي وقال : وفقك الله
قال : فانتبهت من النوم وبي من السرور ما يجل عن الوصف فأخبرت أهلي بما رأيت . ( 3 / 80 )
قال الكندي : وبقي الخطيب بعد هذا المنام ثلاثة أيام لا يطعم طعاما ولا يشتهيه وتوجد في فيه رائحة المسك ولم يعش إلا مدة يسيرة ولما استيقظ من منامه كان على وجهه أثر نور وبهجة لم يكن قبل ذلك وقص رؤياه على الناس وقال : سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا وعاش ثمانية عشر يوما لا يستطعم فيها طعاما ولا شرابا من أجل تلك التفلة وبركتها
قال الوزير أبو القاسم بن المغربي : رأيت ابن نباتة في المنام بعد موته فقلت له : ما فعل الله بك ؟ فقال : دفع لي ورقة فيها سطران بالأحمر وهما :
قد كان أمن لك من قبل ذا ... واليوم أضحى لك أمنان
والصفح لا يحسن عن محسن ... وإنما يحسن عن جاني
ولد سنة 335 ، وتوفي سنة 374 ، ببغداد
قال : كنت يوما قائلا في دهليزي فدق علي الباب فقلت : من ؟ فقال : رجل من أهل الشرق فقلت : ما حاجتك ؟ فقال : أنت القائل :
ومن لم يمت بالسيف مات بعلة ... تنوعت الأسباب والداء واحد
فقلت : نعم فقال : أرويه عنك ؟ قلت : نعم فما كان آخر النهار دق علي الباب فقلت : من ؟ فقال : رجل من أهل تاهرت من الغرب
فقلت : ما حاجتك ؟ فقال : أنت القائل :
ومن لم يمت . . . الخ . . . ؟
فقلت : نعم فقال : أرويه عنك ؟ فقلت : نعم وعجبت كيف وصل شعري إلى الشرق والغرب ؟
قلت : وعدم القدرة على الشعر ونظمه ثلمة في كون العالم من الطبقة الأولى لأهل العلم كما حرره وقدره شيخنا وبركتنا : محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله تعالى رحمة واسعة - وتقدم . ( 3 / 81 )

(3/79)


أبو العباس عبد الله بن محمد المعتز بالله

(3/81)


ابن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد الهاشمي أخذ الأدب عن المبرد وثعلب وغيرهما كان أديبا بليغا شاعرا مطبوعا مقتدرا على الشعر قريب المأخذ سهل اللفظ جيد القريحة حسن الإبداع للمعاني مخالطا للعلماء والأدباء معدودا في جملتهم شديد السمرة مسنون الوجه يخضب بالسواد رخي البال في عيش رغيد إلى أن خلع المقتدر وبويع ابن المعتز ولقبوه : المرتضي بالله
وقيل : المنصف بالله
وقيل : الغالب بالله
وقيل : الراضي بالله
أقام يوما وليلة ثم أعيد المقتدر واختفى ابن المعتز ثم أخذه المقتدر وقتله يوم الخميس ثاني شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين والقصة مشهورة وفيها طول وهذه خلاصتها
وله من التصانيف : كتاب الزهر والرياض وكتاب البديع وكتاب مكاتبات الإخوان وكتاب الجوارح والصيد وكتاب السرقات وكتاب أشعار الملوك وكتاب الآداب وكتاب حلى الأخبار وكتاب طبقات الشعراء وكتاب الجامع في الغناء وغير ذلك وله أشعار رائقة وتشبيهات بديعة فائقة وله الأبيات المشهورة :
سقى المطيرة ذات الظل والشجر ... ودير عبدون هطال من المطر
فطالما نبهتني بالصبوح لها ... في غرة الفجر والعصفور لم يطر
أصوات رهبان دير في صلاتهم ... سود المدارع نعارين في السحر
مزمزمين على الأوساط قد جعلوا ... على الرؤوس أكاليلا من الشعر
كم فيهم من مليح الوجه مكتحل ... بالسحر يطبق جفنيه على حور
لاحظته بالهوى حتى استقاد له ... طوعا وأسلفني الميعاد بالنظر
وجاءني في قميص الليل مستترا ... يستعجل الخطو أذيالي على الأثر ( 3 / 82 )
ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا ... مثل القلامة قد قدت من الظفر
وكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر

(3/81)


عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد أبو حفص بن الفارض

(3/82)


الحموي الأصل المصري المولد والدار والوفاة شيخ الصوفية وصوفي الشعراء له ديوان شعر لطيف وأسلوبه فيه رائق طريف ينحو ينحى طريقة الفقراء وله قصيدة مقدار ستمائة بيت مشتملة على اصطلاحهم ومنهجهم
قال ابن خلكان : سمعت أنه كان رجلا صالحا كثير الخير على قدم التجرد ثلاثة بمكة زمانا وكان حسن الصحبة محمود العشرة . أخبرني بعض أصحابه : أنه ترنم يوما وهو في خلوة ببيت الحريري - صاحب المقامات - :
من ذا الذي ما ساء قط ... ومن له الحسنى فقط
فسمع قائلا يقول ولم ير شخصه :
محمد الهادي الذي ... عليه جبريل هبط
ولد في الرابع من ذي القعدة سنة 576 ، بالقاهرة وتوفي بها يوم الثلاثاء في الثاني من جمادى الأولى سنة 632 ، ودفن من الغد بسفح المقطم
والفارض : هو الذي يكتب الفروض للنساء على الرجال . انتهى
قلت : وهو أيضا ممن اختلف في إسلامه وكفره أهل العلم بناء على مقالاته التي تقضي بالإلحاد والوحدة وهو تلميذ الشيخ محي الدين بن عربي الطائف - عفا الله عنهما - وله دوبيت ومواليا وألغاز وقد طبع ديوانه مع الشرح لهذا العهد بمصر وهو موجود عندي وما ألطف قوله من جملة قصيدة طويلة :
أهلا بمن لم أكن أهلا بموقعه ... قول المبشر بعد اليأس بالفرج
لك البشارة فاخلع ما عليك فقد ... ذكرت ثم على ما فيك من عوج ( 3 / 83 )
وله من قصيدة أخرى :
لم أخل من حسد عليك فلا تضع ... سهري بتشييع الخيال المرجف
وأسأل نجوم الليل زار الكرى ... جفني وكيف يزور من لم يعرف ؟
ومنها :
على تفنن واصفيه بحسنه ... يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف

(3/82)


بهاء الدين زهير بن محمد بن علي بن يحيى الكاتب

(3/83)


أبو الفضل
من فضلاء عصره وأحسنهم نظما ونثرا وخطا وأكبرهم مروءة كان قد اتصل بخدمة السلطان الملك الصالح نجم الدين أبي الفتح أيوب بالديار المصرية وتوجه في خدمته إلى البلاد الشرقية ثم عاد معه إلى القاهرة
ولد في سنة 581 بمكة - حرسها الله تعالى - وتوفي عصر يوم الأحد سنة 656
قال ابن خلكان : اجتمعت به ورأيته فوق ما سمعت عنه عن مكارم الأخلاق وكثرة الرياضة ودماثة السجايا وكان متمكنا من صاحبه كبير القدر عنده لا يطلع على سره الخفي غيره ومع هذا كله فإنه كان لا يتوسط عنده إلا بالخير ونفع خلقا كثيرا بحسن وساطته وجميل سفارته وأنشدني كثيرا من شعره منه :
يا روضة الحسن صلي فما عليك ضير ... فهل رأيت روضة لبس بها زهير
وشعره كله لطيف وهو كما يقال : السهل الممتنع وأجازني رواية ديوانه . انتهى ملخصا

(3/83)


أبو علي دعبل بن علي الخزاعي

(3/83)


الشاعر المشهور أصله من الكوفة ويقال : من قرقيسا وأقام ببغداد وقيل : دعبل : لقب واسمه : الحسن أو عبد الرحمن أو محمد
كان أطروشا وفي قفاه سلعة وكان شاعرا مجيدا إلا أنه كان بذيء اللسان مولعا بالهجو والحط من أقدار الناس وهجا الخلفاء فمن دونهم منهم : المأمون ( 3 / 84 ) وطال عمره وشاع ذكره وكان يقول : لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك
ومن كلامه : من فضل الشعر أنه : لم يكذب أحد قط إلا اجتواه الناس إلا الشاعر فإنه كلما زاد كذبه زاد المدح له ثم لا يقنع له بذلك حتى يقال له : أحسنت والله فلا يشهد له شهادة زور إلا ومعها يمين بالله تعالى
ولد سنة 148 ، وتوفي سنة 246 ، ودعبل : بكسر الدال : اسم الناقة الشارف
ومدح دعبل علي بن موسى الرضا بقصيدة أولها :
مدارس آيات خلت عن تلاوة ... ومهبط وحي مقفر العرصات
فأمر له بجائزة سنية فقال : ما قلتها إلا لوجه الله وسأل منه قميصا يباشر جسده الشريف ليجعله في كفنه لعل الله يبرد به مضجعه فأعطاه ذلك
ولما سمعه فضل بن سهل حمل إلى دعبل ثلاثين ألف درهم وحمل إليه المأمون مالا جزيلا - غفر الله له ذنوبه

(3/83)


القاضي التنوخي

(3/84)


أبو علي المحسن بن أبي القاسم علي بن محمد صاحب كتاب : الفرج بعد الشدة وله ديوان شعر جيد أكبر من ديوان أبيه وكتاب نشوان المحاضرة وكتاب المستجاد من فعلات الأجواد نزل بغداد وأقام بها وحدث إلى حين وفاته وكان سماعه صحيحا وكان أديبا شاعرا إخباريا تقلد القضاء والأعمال من قبل الإمام المطيع لله
ولد سنة 327 ، بالبصرة وتوفي ببغداد سنة 384 ، ذكره وأباه الثعالبي ثم قال في حقه : هلال ذلك القمر وغصن هاتيك الشجر والشاهد العدل بمجد أبيه وفضله والفرع المشيد لأصله والنائب عنه في حياته والقائم مقامه بعد وفاته ومن المنسوب إليه :
قل للمليحة في الخمار المذهب : ... أفسدت نسك أخي التقي المترهب ( 3 / 85 )
نور الخمار ونور خدك تحته ... عجبا لوجهك كيف لم يلتهب ؟
وجمعت بين المذهبين فلم يكن ... للحسن عن ذهبيهما من مذهب
وإذا أتت عين لتسرق نظرة ... قال الشعاع لها : اذهبي لا تذهبي
قال ابن خلكان : وما ألطف قوله : اذهبي لا تذهبي
وأما ولده : أبو القاسم علي بن المحسن فكان أيضا أديبا فاضلا له شعر صحب أبا العلاء المعري
وأخذ عنه كثيرا وهم أهل بيت كلهم : فضلاء أدباء ظرفاء
ولد في منتصف شعبان سنة خمس وستين وثلاثمائة بالبصرة وتوفي مستهل المحرم يوم الأحد سنة سبع وأربعين وأربعمائة . انتهى

(3/84)


إبراهيم بن العباس بن محمد الصولي

(3/85)


كان أحد الشعراء المجيدين وله ديوان شعر كله نخب وهو صغير ومن رقيق شعره قوله :
دنت بأناس عن تناء زيارة ... وشط بليلى عن دنو مزارها
وإن مقيمات بمنعرج اللوى ... لأقرب من ليلى وهاتيك دارها
وله نثر بديع فمن ذلك ما كتبه عن أمير المؤمنين إلى بعض البغاة الخارجين يهددهم ويتوعدهم وهو :
أما بعد فإن لأمير المؤمنين أناة فإن لم تغن عقب بعدها وعيدا فإن لم يغن أغنت عزائمه والسلام
وهذا الكلام مع وجازته في غاية الإبداع فإنه ينشأ منه بيت شعر له أوله :
أناة فإن لم تغن عقب بعدها ... وعيدا فإن لم يغن أغنت عزائمه
وله كل مقطوع بديع توفي بسر من رأى في سنة 243

(3/85)


أبو إسحاق إبراهيم بن علي المعروف : بالحصري القيرواني

(3/85)


الشاعر المشهور ( 3 / 86 ) له ديوان شعر وكتاب زهر الآداب وثمر الألباب جمع فيه كل غريبة وكتاب المصون في سر الهوى المكنون ومن شعره :
إني أحبك حبا ليس يبلغه ... فهم ولا ينتهي وصفي إلى صفته
أقصى نهاية علمي فيه معرفتي ... بالعجز مني عن إدراك معرفته
توفي في سنة 213 ، والقيروان : بفتح القاف : مدينة بأفريقية بناها عقبة بن عامر الصحابي - رضي الله عنه - وهو في اللغة : القافلة وهو : فارسي معرب : كاروان
وقال ابن القطاع اللغوي : بالفتح : الجيش وبضمها : القافلة يقال : إن قافلة نزلت بذلك المكان ثم بنيت المدينة في موضعها فسميت بها وهو : اسم للجيش أيضا

(3/86)


أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الأندلسي

(3/86)


الشاعر له ديوان شعر أحسن فيه كل الإحسان ذكره ابن بسام في الذخيرة وأثنى عليه وقال : كان مقيما بشرق الأندلس ولم يتعرض لاستماحة ملوك طوائفها مع تهافتهم على أهل الأدب ومن شعره في عشية أنس وقد أبدع فيه :
وعشي أنس أضجعتني نشوة ... في تمهد مضجعي وتدمث
خلعت علي به الأراكة ظلها ... والغصن يصغي والحمام يحدث
والشمس تجنح للغروب مريضة ... والرعي يرقى والغمامة تنفث
ولد في سنة 450 بها سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة

(3/86)


أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن عثمان الأشهبي

(3/86)


الغزي شاعر محسن ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق له ديوان شعر اختاره لنفسه وذكر في خطبته : أنه ألف ( 3 / 87 ) بيت وذكره العماد الكاتب في الخريدة وأثنى عليه وقال : إنه جاب البلاد وتغرب وأكثر النقل والحركات وتغلغل في أقطار خراسان وكرمان وبقي الناس ومن شعره :
من آلة الدست لم يعط الوزير سوى ... تحريك لحيته في حال إيماء
إن الوزير ولا أزر يشد به ... مثل العروض له بحر بلا ماء
وله :
إشارة منك تغنيني وأحسن ما ... رداك لام غداة البين بالعنم
حتى إذا طاح عنها المرط من دهش ... وانحل بالضم سلك العقد في الظلم
تبسمت فأضاء الليل فالتقطت ... حبات منتثر في ضوء منتظم
وهو ما تستملحه الأدباء وتستظرفه الظرفاء
ولد بغزة سنة 441 ، وتوفي سنة 524 ، وكان يقول لما حضرته الوفاة : أرجو أن يغفر الله لي ثلاثة أشياء : كوني من بلد الإمام الشافعي وأني شيخ كبير وأني غريب - رحمه الله وحقق رجاه -
وإنما قال : إني غريب : لأنه مات بين مرو وبلخ من بلاد خراسان ونقل إلى بلخ ودفن بها

(3/86)


الشيخ عبد العزيز اللبناني

(3/87)


لم أقف له على ترجمة وذكره السيد أزاد في كتابه : الخزانة العامرة وقال : طالعت ديوانه الذي صدر من إيران إلى هند وتاريخ كتابته : سنة ست وسبعين وستمائة وهو في غاية المتانة وعليه ديباجة حررها ولده بالعربية في نهاية البلاغة والفطانة وهي : اللهم يا واسم اليوادي بأطواق الأيادي وناقع غلة الصوادي بالروائح والغوادي ودافع معرة العوادي من الحواضر والبوادي صل على نبينا الهادي محمد خير من حضر النوادي وعلى آله وصحبه بدور الظلم والدادي ما غنى الحمام الشادي وارتجز بأذناب القلائص الحادي وأنلني منية ( 3 / 88 ) فؤادي يوم ينادي المنادي . . . الخ ومن أشعار اللبناني ما حكاها أزاد في كتابه المذكور وهو تشبيب في قصيدة منها :
بالله يا حادي الأنضاء ما الخبر ؟ ... أعرس الركب بالبطحاء أم عبروا ؟
إلا نشدت فؤادي عند كاظمة ... فإنه ضل حيث الضال والسمر
أما مررت بوادي الأثل من إضم ؟ ... أما دعتك بها الآرام والعفر ؟
خريدة ما جننت بالحسن وحبتها ... إلا ومقلتها بالسحر تعتذر
طالت نواها كما طالت غدائرها ... وفي خطاها كما في وصلها قصر
وإذا انتهيت إلى هذا المقام فلعلك تسأم من هذا النوع من الكلام مع أن إحصاء شعراء الإسلام أمر تنبو عنه الأوهام انظر في قلائد العقيان لأبي الفتح ابن خاقان وريحانة الألباء للخفاجي ونفحة الريحانة وغير ذلك مما ألف في هذا الباب وهو أكثر من أن يحصى وكذلك الدواوين في ا لشعر مما لا يستقصى يتضح لك حقيقة المرام

(3/87)


وأما الشعراء القدماء :

(3/88)


فأشعرهم نذكر أسماءهم هاهنا :
منهم : امرؤ القيس الكندي وهو الذي فتح لهم أفانين الشعر
ومنهم : النابغة الذبياني واسمه : زياد بن عمر وقد قدمه بعض الرواة على امرئ القيس لرقة شعره
ومنهم : زهير بن أبي سلمى - بضم السين - المازني هو أشدهم أمرا وأمدحهم وأجرؤهم على الكلام
وابنه : كعب بلغه الإسلام فأسلم ومدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما هجاه وتاب بعد ما عصاه وأنشد عنده قصيدته المشهورة : ( بانت سعاد ) فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أهدر دمه وأجازه ببردة له صلى الله عليه وسلم وأسلم فحسن إسلامه ( 3 / 89 ) ذكره في مدينة العلوم وتكلم أهل الحديث على صحة هذه الرواية - والله أعلم -
ومنهم : الأعشى واسمه : ميمون بن قيس بن ثعلبة كان لا يمدح أحدا إلا رفع منه ولا يهجو أحدا إلا وضع عنه
ومنهم : طرفة بن العبد بن سفيان فضله بعض الشعراء على غيره وزعم لبيد : أنه أشعر الناس
ومنهم : أوس بن حجر من بني أسد أدرك زهيرا و النابغة وكان شاعر تميم
ومنهم : لبيد بن ربيعة من بني عامر بن صعصعة لم يدرك أحد من هؤلاء الإسلام غيره لطول عمره وكان أتقاهم تكلفا وأقلهم سقطا
ومنهم : عدي بن زيد من بني امرئ القيس كان الفضل بن محمد يقدمه عليهم بحسن استعاراته وحلاوة عباراته
ومنهم : عبيد بن الأبرص هو أقدمهم سنا وقد جعلوه امرؤ القيس
ومنهم : بشر الأسدي وهو عاشرهم وأهل الحجاز يقدمونه عليهم ويرون أنه أشعرهم وأسدهم سياقا للحديث - والله أعلم بالصواب

(3/88)


علماء التواريخ

(3/89)


أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي

(3/89)


البصري ثم الدمشقي الفقيه الشافعي الحافظ عماد الدين بن الخطيب شهاب الدين المعروف : بالحافظ ابن كثير
ولد سنة سبعمائة وقدم دمشق وله نحو سبع سنين مع أخيه بعد موت أبيه وحفظ التنبيه ومختصر ابن الحاجب
وتفقه بالبرهان ابن الفزاري والكمال ابن شهبة ثم صاهر المزي وصحب شيخ الإسلام ابن تيمية ومدحه في كتابه ( الباعث الحثيث ) أحسن مدح
وقرأ في الأصول على الأصبهاني وكان كثير الاستحضار وقليل النسيان ( 3 / 90 ) جيد الفهم مشاركا في العربية ينظم نظما وسطا
قال ابن حجي : ما اجتمعت به قط إلا استفدت منه وقد لازمته ست سنين وذكره الذهبي في معجمه المختص فقال :
الإمام المحدث المفتي البارع ووصفه بحفظ المتون وسمع من ابن عساكر وغيره
ولازم الحافظ المزي وتزوج بابنته وسمع عليه أكثر تصانيفه
وأخذ عن الشيخ تقي الدين بن تيمية فأكثر عنه وصنف التصانيف الكثيرة في التفسير والتاريخ والأحكام
وقال ابن حبيب فيه : إمام ذوي التسبيح والتهليل وزعيم أرباب التأويل سمع وجمع وصنف وأطرب الأسماع بأقواله وشنف وحدث وأفاد وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد واشتهر بالضبط والتحرير وانتهت إليه رياسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير
مات بدمشق خامس عشر شعبان فقد أجاز لمن أدركه حيا وهو القائل :
تمر بنا الأيام تترى وإنما ... تساق إلى الآجال والعين تنظر
ولا عائد ذاك الشباب الذي مضى ... ولا زائل هذا المشيب المكدر
ولو قال : فلا عائد صفو الشباب لكان أصنع

(3/89)


أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري

(3/90)


وقيل : يزيد بن كثير بن غالب صاحب التاريخ الشهير والتفسير الكبير
كان إماما في فنون كثيرة منها : الحديث والفقه والتاريخ والتفسير وغير ذلك
وله مصنفات مليحة في فنون عديدة تدل على سعة علمه وغزارة فضله
وكان من الأئمة المجتهدين لم يقلد أحدا وكان أبو الفرح المعافى بن ( 3 / 91 ) زكريا النهرواني المعروف : بابن طرار على مذهبه وكان ثقة في نقله وتاريخه أصح التواريخ وأثبتها وذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء في جملة المجتهدين
ولد سنة 224 ، بآمل طبرستان وتوفي في شوال سنة 310 ، ببغداد - رحمه الله - كذا في ابن خلكان

(3/90)


عز الدين أبو الحسن علي بن محمد المعروف : بابن الأثير الجزري

(3/91)


صاحب التاريخ المسمى : بالكامل المطبوع بمصر حالا ولد بالجزيرة ونشأ بها ثم سار إلى الموصل مع والده وأخويه وسمع بها وقدم بغداد مرارا حاجا ورسولا من صاحب الموصل وسمع من فضلائها ثم رحل إلى الشام والقدس وسمع هناك من جماعة ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته منقطعا إلى التوفر على النظر في العلم والتصنيف وكان بيته مجمع الفضل لأهل الموصل والواردين عليها
وكان إماما في حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به حافظا للتواريخ المتقدمة والمتأخرة خبيرا بأنساب العرب ووقائعهم وأخبارهم وأيامهم
صنف في التاريخ كتابا كبيرا سماه : الكامل ابتدأ فيه من : أول الزمان إلى آخر سنة ثمان وعشرين وستمائة وهو من خيار التواريخ وقفت عليه
واختصر كتاب الأنساب لأبي سعد السمعاني وزاد عليه أشياء أهملها ونبه على أغلاط واستدرك عليه فيه في مواضع وله : كتاب أخبار الصحابة في ست مجلدات
ولد في سنة 555 ، ومات في سنة 630
وقال ابن خلكان : اجتمعت به فوجدته رجلا مكملا في الفضائل وكرم الأخلاق وكثرة التواضع فلازمت الترداد إليه وكان بينه وبين الوالد مؤانسة أكيدة فكان بسببها يبالغ في الرعاية والإكرام . انتهى

(3/91)


أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التميمي الجوزي

(3/91)


الصديقي البغدادي الفقيه المحدث المفسر الواعظ الحنبلي المعروف : بابن الجوزي . ( 3 / 92 )
الحافظ الملقب : جمال الحفاظ كان علامة عصره وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ صنف متونا في فنون عديدة
منها : زاد المسير في علم التفسير أربعة أجزاء أتى فيه بأشياء غريبة
وله في الحديث تصانيف كثيرة حسنة نافعة
منها : الموضوعات في أربعة أجزاء أورد فيها كل حديث موضوع لكن تعقب عليه في بعضها
وله : تلبيس إبليس وهو نافع جدا مفيد لمن يريد الآخرة
والمنتظم في تواريخ الأمم وهو كبير
وكتاب تلقيح فهوم الأثر على وضع كتاب المعارف لابن قتيبة
ولقط المنافع في الطب
وبالجملة : فكتبه أكثر من أن تعد وكتب بخطه شيئا كثيرا والناس يغالون في ذلك حتى يقال : إنه جمعت الكراريس التي كتبها وحسبت مدة عمره وقسمت الكراريس عليها فكان ما خص كل يوم تسعة كراريس وهذا شيء عظيم لا يكاد يقبله العقل ويقال : إنه جمعت براية أقلامه التي كتب بها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصل منها شيء كثير وأوصى أن يسخن بها الماء الذي يغسل به بعد موته ففعل ذلك فكفت وفضل منها وله أشعار كثيرة وكانت له في مجالس الوعظ أجوبة نادرة
فمن أحسن ما يحكى عنه : أنه وقع النزاع ببغداد بين أهل السنة والشيعة في المفاضلة بين أبي بكر وعلي - رضي الله عنهما - فرضي الكل بما يجيب به الشيخ ( 3 / 93 ) فأقاموا شخصا سأله عن ذلك وهو على الكرسي في مجالس وعظه فقال :
أفضلهما من كانت ابنته تحته وفي رواية : من كانت ابنته في بيته ونزل في الحال حتى لا يراجع في ذلك
فقال السنية : هو أبو بكر لأن ابنته عائشة تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقالت الشيعة : هو علي بن أبي طالب لأن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحته وهذه من لطائف الأجوبة ولو حصل بعد الفكر التام وإمعان النظر كان في غاية الحسن فضلا عن البديهة وله محاسن كثيرة يطول شرحها قاله ابن خلكان
وزاد في مدينة العلوم : وسئل : ما لنا نرى الكوز الجديد إذا صب فيه الماء ينش ويخرج منه صوت ؟ فقال : يشكو ما لاقاه من أذى النار
وسئل : إن الكوز إذا ملأ فاه لا يبرد فإذا نقص برد ؟ فقال : حتى تعلموا أن الهوى لا يدخل إلا على ناقص
وسئل : كيف نسب قتل الحسين إلى يزيد وهو بدمشق ؟ فأنشد :
سهم أصاب وراميه بذي سلم ... من بالعراق لقد أبعدت مرماك
وله من هذا النوع أجوبة لطيفة كثيرة
وله : كتاب نزهة الناظر للمقيم والمسافر في المحاضرات كتبه سيدي الوالد العلامة : حسن بن علي الحسيني القنوجي البخاري - رحمه الله - بيده الشريفة لحسن سبكه ولطف مطالبه
ولد سنة ثمان أو عشرة وخمسمائة وتوفي ثاني عشر رمضان سنة 592 ، ببغداد ودفن بباب حرب وتوفي والده سنة 514 ، والجوزي : نسبة إلى فرضة الجوز وهو موضع مشهور

(3/91)


سبط ابن الجوزي شمس الدين أبو المظفر

(3/93)


يوسف بن قزاوغلي الواعظ المشهور حنفي المذهب له صيت وسماع في مجالس وعظه وقبول عند الملوك وغيرهم . ( 3 / 94 )
روى عن جده ببغداد وسمع ابن طبرزد وسمع بالموصل ودمشق وحدث بها وبمصر وله : تاريخ : مرآة الزمان
قال ابن خلكان : رأيته بخطه في أربعين مجلدا
وقال صاحب مدينة العلوم : وأنا رأيته في ثمان مجلدات لكن ضخام بخط دقيق وله : كتاب إيثار الإنصاف ومنتهى السول في سيرة الرسول واللوامع في أحاديث المختصر والجامع وتفسير القرآن توفي سنة 653 ، بدمشق ومولده في سنة 581 ، ببغداد وكان يقول : أخبرتني أمي أن مولدي سنة اثنتين وثمانين - والله أعلم

(3/93)


ابن خلكان شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم

(3/94)


ابن أبي بكر بن خلكان البرمكي الشافعي كان ذا فضل في كل فن موصوفا بكرم الأخلاق والديانة ثقة في نقله صنف تاريخا سماه : ( وفيات الأعيان ) في مجلدين كبيرين قد طبع بمصر القاهرة لهذا العهد وهو بخطه في خمس مجلدات رآه صاحب مدينة العلوم وكان قاضيا بالقاهرة مدة ذكره في تاريخه
ولد بعد صلاة العصر يوم الخميس حادي عشر ربيع الآخر سنة 608 ، بمدينة إربل بالمدرسة المظفرية ذكر تاريخ ولادته في ترجمة زينب بنت الشعري في آخر الأسامي المذكورة في حروف الزاي
وتوفي يوم السبت السادس والعشرين من رجب سنة 681 ، بدمشق المحروسة
تفقه أولا على أبيه بإربل ثم انتقل بعده إلى الموصل وحضر درس كمال الدين بن يونس ثم انتقل إلى حلب
وقرأ النحو على أبي البقاء يعيش بن علي النحوي والفقه على أبي المحاسن يوسف بن شداد ثم قدم دمشق واشتغل على ابن الصلاح
ثم انتقل إلى القاهرة ثم ولي قضاء المحلة ثم صار قاضي القضاة بالشام وله في الأدب اليد الطولى وشعره أرق وأحسن وأعذب - رحمه الله تعالى - . ( 3 / 95 )

(3/94)


شيخ الإسلام : أبو الفضل أحمد بن شيخ الإسلام علاء الدين علي المعروف : بابن حجر العسقلاني

(3/95)


المصري صاحب : فتح الباري شرح صحيح البخاري الإمام العلامة الحجة هادي الناس إلى المحجة له تصانيف على أكف القبول مرفوعة وآثار حسنة لا مقطوعة ولا ممنوعة
جمع من العلوم والفضائل والحسنات والكمالات والمبرات والتصنيفات والتأليفات مالا يأتي عليه الحصر
كان حافظا دينا ورعا زاهدا عابدا مفسرا شاعرا فقيها أصوليا متكلما ناقدا بصيرا جامعا
حرر ترجمته جمع من الأعيان وعدوه في جملة البالغين إلى درجة الاجتهاد في هذا الشأن منها : كتاب الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر
وتشهد بفضائله وغزارة علومه وكثرة فواضله تآليفه الموجودة بأيدي الناس وقد رزق السعادة التامة والإتقان الكبير والإنصاف الكامل فيها منها : بلوغ المرام من أدلة الأحكام وهو كتاب لو خط بماء الذهب وبيع بالأرواح والمهج لما أدى حقه
وقد شرحته بالفارسية وسميته : مسك الختام
ومنها : الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة
وكتاب : تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير
وتعجيل المنفعة في رجال الأربعة إلى غير ذلك من الرسائل المختصرة والدفاتر المطولة - والله يختص برحمته من يشاء - وقد ذكرت له ترجمة في أول مسك الختام في إتحاف النبلاء المتقين
وهو الإمام العلامة حافظ العصر قاضي القضاة شيخ الإسلام
ولد سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة وتوفي ليلة السبت المسفر صباحها في ثامن عشر ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وثمانمائة وكان عمره إذ ذاك تسعة وسبعين سنة وأربعة أشهر وعشرة أيام ( 3 / 96 ) وصلى عليه خلق كثير
قال في مدينة العلوم : ومن جملتهم : أبو العباس الخضر عليه السلام رآه عصابة من الأولياء . انتهى
قلت : وفيه نظر واضح عند من يقتدي بأهل الحديث
وتصانيفه أكثر من أن تحصى وكلها أتقن من تأليفات السيوطي وشهرته تغني عن إكثار المدح له وإطالة ترجمته وهو من مشائخي في علم الحديث وقد انتفعت بكتبه كثيرا ولله الحمد

(3/95)


خليل بن أيبك الشيخ : صلاح الدين الصفدي

(3/96)


الشافعي الإمام الأديب الناظم الناثر صاحب التاريخ الكبير وهو بخطه أكثر من خمسين مجلدا ولد سنة 669 ، وقرأ يسيرا من الفقه والأصلين وبرع في الأدب : نظما ونثرا وكتابة وجمعا وتتلمذ على الشيخ : تقي الدين أبي الحسن علي بن عبد الكافي السبكي ولازم الحافظ فتح الدين بن سيد الناس وبه تمهر في الأدب
وقال : كتبت أزيد من ستمائة مجلد تصنيفا
مات بالطاعون ليلة عاشر شوال سنة 794 - رحمه الله تعالى

(3/96)


الحافظ : أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي المعروف : بالخطيب

(3/96)


صاحب تاريخ بغداد
كان من الحفاظ المتقنين والعلماء المتبحرين ولو لم يكن له سوى التاريخ لكفاه فإنه يدل على اطلاع عظيم وصنف قريبا من مائة مصنف وفضله أشهر من أن يوصف
أخذ الفقه عن : أبي الحسن المحاملي والقاضي أبي الطيب الطبري وغيرهما
وكان فقيها فغلب عليه الحديث والتاريخ . ( 3 / 97 )
ولد يوم الخميس في سنة 393 ، وتوفي يوم الاثنين سابع ذي الحجة وقيل : في شوال سنة 463 ، ببغداد وحكايته في إبطال خط النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخرجه اليهود لإسقاط الجزية عنهم - واحتجوا به - مشهورة
وإن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي من جملة من حمل نعشه لأنه انتفع به كثيرا وكان يراجعه في تصانيفه والعجب أنه كان في وقته : حافظ الشرق وأبو عمرو يوسف بن عبد البر - صاحب كتاب الاستيعاب - : حافظ المغرب وماتا في سنة واحدة وقد كان تصدق بجميع ماله : وهو مائتا دينار فرقها على أرباب الحديث والفقهاء والفقراء في مرضه وأوصى أن يتصدق عنه بجميع ماله وما عليه من الثياب ووقف جميع كتبه على المسلمين ولم يكن له عقب وصنف أكثر من ستين كتابا ورؤيت له منامات حسنة صالحة بعد موته وكان قد انتهى إليه علم الحديث وحفظه في وقته هذا آخر ما نقلته من كتاب ابن النجار - رحمه الله تعالى

(3/96)


الحافظ : محب الدين بن النجار صاحب : ذيل تاريخ بغداد

(3/97)


جاوز ثلاثين مجلدا وذيله : دال على سعة حفظه وعلو شأنه
وهو : محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله الحافظ الكبير الثقة له : مصنف حافل في مناقب الشافعي وتصانيف أخر في السنن والأحكام
ولد في سنة 578 ، وله : الرحلة الواسعة إلى الشام ومصر والحجاز ومرو وأصبهان وهراة ونيسابور وكانت رحلته سبعا وعشرين سنة توفي ببغداد في سنة ثلاث وأربعين وستمائة

(3/97)


تاج الإسلام : أبو سعيد السمعاني عبد الكريم بن أبي بكر محمد بن أبي المظفر المروزي الفقيه الشافعي

(3/97)


رحل في طلب العلم والحديث إلى شرق الأرض وغربها وجنوبها وشمالها و سافر إلى ما وراء النهر وسائر بلاد خراسان عدة دفعات وإلى قومس والري وأصبهان وهمذان وبلاد الجبال والعراق والحجاز والموصل والجزيرة والشام وغيرها من المدن التي يطول ذكرها ويتعذر حصرها . ( 3 / 98 )
ولقي العلماء وأخذ عنهم وجالسهم وروى عنهم واقتدى بأفعالهم الجميلة وآثارهم الحميدة وكان عدة شيوخه تزيد على أربعة آلاف شيخ
وصنف التصانيف الحسنة الغزيرة الفائدة منها : ذيل تاريخ بغداد وهو نحو خمسة عشر مجلدا وتاريخ مرو يزيد على عشرين مجلدا وكذلك : الأنساب نحو ثمان مجلدات وقد وقفت عليه - ولله الحمد -
ولد سنة 506 ، وتوفي بمرو سنة 562 وكان أبوه وجده أيضا من الفضلاء العلماء النبلاء ذكرهما ابن خلكان

(3/97)


محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز شمس الدين أبو عبد الله الذهبي

(3/98)


محدث العصر إمام الوجود حفظا وذهبي العصر معنى ولفظا
ولد سنة 673 ، وطلب الحديث وهو ابن ثمان عشرة
سمع بدمشق ومصر وبعلبك والإسكندرية
وسمع منه الجمع الكثير وكان شديد الميل إلى رأي الحنابلة كثير الإزراء بأهل الرأي فلذلك لايصفهم في التراجم
له التصانيف الجزيلة في الحديث وأسماء الرجال قرأ القرآن وأقرأه بالروايات صنف : التاريخ الكبير ثم الأوسط المسمى : بالعبر والصغير المسمى : بدول الإسلام وتاريخه من أجل التواريخ
وقف الشيخ كمال الدين بن الزملكاني على تاريخ الإسلام له جزءا بعد جزء إلى أن أنهاه مطالعة فقال : هذا كتاب جليل وتاريخه المذكور : عشرون مجلدا وكتاب تاريخ النبلاء عشرون مجلدا
وله : طبقات القراء
وطبقات الحفاظ مجلدين
وميزان الاعتدال ثلاث مجلدات . ( 3 / 99 )
والمثبت في الأسماء والأنساب مجلد
ونبأ الرجال مجلد
وتهذيب التهذيب مجلد
واختصار سنن البيهقي خمس مجلدات
وتنقيح أحاديث التعليق لابن الجوزي
والمستحلي اختصار المحلي
والمقتنى في الضعفاء
واختصار المستدرك للحاكم مجلدان
واختصار تاريخ الخطيب مجلدان
وتوقيف أهل التوفيق على مناقب الصديق مجلد
ونعم السمر في سيرة عمر مجلد
والتبيان في مناقب عثمان مجلد
وفتح الطالب في أخبار علي بن أبي طالب مجلد
ومعجم أشياخه وهو ألف وثلاثمائة شيخ
واختصار كتاب الجهاد لابن عساكر مجلد
وما بعد الموت مجلد
وهالة البدر في عدد أهل بدر
وله في تراجم الأعيان : مصنف لكل واحد منهم قائم الذات مثل : الأئمة الأربعة ومن يجري مجراهم لكن أدخل الكل في تاريخ النبلاء
ومن شعره :
إذا قرأ الحديث علي شخص ... وأخلى موضعا لوفاة مثلي
فما جازى بإحسان لأني ... أريد حياته ويريد قتلي
وله :
العلم : قال الله قال رسوله ... إن صح والإجماع فاجهد فيه
وحذار من نصب الخلاف جهالة ... بين الرسول وبين رأي فقيه ( 3 / 100 )
توفي ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة سنة 748
ذكر له ابن شاكر الكتبي ترجمة حسنة في : فوات الوفيات إن شئت فراجعه

(3/98)


عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان القشيري مولى بني أمية يعرف : بابن أبي الدنيا

(3/100)


ولد سنة 208 ، وتوفي سنة 383
وكان يؤدب المكتفي بالله في حداثته
وهو أحد الثقات المصنفين للأخبار والسير والتاريخ له كتب كثيرة تزيد على مائة كتاب
سمع من المشائخ
وروى عنه جماعة قال ابن أبي حاتم : كتبت عنه مع أبي وكان صدوقا إذا جالس أحدا : إن شاء أضحكه وإن شاء أبكاه - رحمه الله تعالى

(3/100)


عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر

(3/100)


ابن داود بن مهران أبو محمد بن أبي حاتم التميمي الحنظلي الإمام ابن الإمام والحافظ ابن الحافظ سمع أباه وغيره
قال ابن مندة : صنف المسند ألف جزء وله : كتاب الزهد والكنى والفوائد الكبرى ومقدمة الجرح والتعديل والتاريخ
وصنف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار وهذا يدل على سعة حفظه وإمامته وكتاب الرد على المجسمة وتفسير كبير سائر آثاره مسندة في أربع مجلدات
قال أبو يعلى الخليلي : كان يعد من الأبدال وقد أثنى عليه جماعة بالزهد والورع التام والعلم والعمل توفي في المحرم سنة 327 - رحمه الله تعالى

(3/100)


أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد المعروف : بابن حبان الصدقي

(3/100)


المحدث المؤرخ المصري كان خبيرا بأحوال الناس ومطلعا على تواريخهم عارفا بما يقوله جمع لمصر تاريخين وما قصر فيهما . ( 3 / 101 )
ولد سنة 281 ، وتوفي سنة 347 ورثاه الخولاني الخشاب بما منه قوله :
ما زلت تلهج بالتاريخ تكتبه ... حتى رأيناك في التاريخ مكتوبا
أرخت موتك في ذكري وفي صحفي ... لمن يؤرخني إذا كنت محسوبا

(3/100)


هارون بن علي بن يحيى بن أبي منصور المنجم البغدادي

(3/101)


الأديب الفاضل صاحب كتاب : البارع في أخبار الشعراء المولدين جمع فيه مائة وواحدا وستين شاعرا وافتتحه بذكر بشار بن برد العقيلي وختمه بمحمد ابن عبد الملك بن صالح واختار فيه من شعر كل واحد عيونه
وبالجملة : فإنه من الكتب النفيسة يغني عن دواوين الجماعة الذين ذكرهم فإنه اختصر أشعارهم وأثبت منها زبدتها وترك زبلتها وكتاب الخريدة
وكتاب الخطيري والباخرزي والثعالبي : فروع عليه وهو الأصل الذي نسجوا على منواله
وله : كتاب النساء وما جاء فيهن من الخير ومحاسن ما قيل فيهن من الشعر والكلام الحسن وكان أبو منصور - جد أبيه - منجم أبي جعفر المنصور - أمير المؤمنين - وكان مجوسيا وهم أهل بيت فيهم : جماعة من الفضلاء والأدباء والشعراء جالسوا الخلفاء ونادموهم وقد عقد لهم الثعالبي في كتاب اليتيمة بابا مستقلا ذكر فيه جماعة منهم
وكان حافظا راوية للأشعار حسن المنادمة لطيف المجالسة توفي وهو حديث السن في سنة 288 - رحمه الله تعالى

(3/101)


أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب الباخرزي

(3/101)


الشاعر المشهور صاحب : دمية القصر وعصرة أهل العصر وهو ذيل : يتيمة الدهر للثعالبي
كان أوحد عصره في فضله وذهنه السابق إلى حيازة القصب في نظمه ونثره وكان في شبابه مشتغلا بالفقه فاختص بملازمة الشيخ : أبي محمد الجويني والد إمام الحرمين على مذهب الشافعي . ( 3 / 102 )
ثم شرع في فن الكتابة وغلب أدبه على الفقه فاشتهر به واختلف إلى ديوان الرسائل وارتفعت به الأحوال وانخفضت ورأى من الدهر العجائب سفرا وحضرا وعمل الشعر وسمع الحديث
وقد وضع على ( دميته ) شرف الدين علي بن يزيد أبو الحسن البيهقي كتابا سماه : وشاح الدمية وهو : كالذيل له وديوان شعره : مجلد كبير والغالب عليه الجودة
وقتل الباخرزي في مجلس الأنس بباخرز في سنة 467 ، وذهب دمه هدرا
وباخرز : ناحية من نواحي نيسابور تشتمل على قرى ومزارع خرج منها جماعة من الفضلاء الكرام والأجلة العظام وغيرهم

(3/101)


أبو المعالي سعد بن علي بن القاسم الأنصاري الخزرجي الوراق الخطيري المعروف : بدلال الكتب

(3/102)


كانت لديه معارف وله نظم جيد وألف مجاميع ما قصر فيها منها : كتاب زينة الدهر وعصرة أهل العصر وذكر ألطاف شعر العصر الذي ذيله على : دمية القصر للباخرزي جمع فيه جماعة كثيرة من أهل عصره ومن تقدمهم وأورد لكل واحد طرفا من أحواله وشيئا من شعره
ذكره عماد الدين الكاتب في الخريدة وأنشد له عدة مقاطيع وروى عنه لغيره شعرا كثيرا
وكان مطلعا على أشعار الناس وأحوالهم وله : كتاب ملح الملح يدل على كثرة اطلاعه وله كل معنى مليح مع جودة السبك
توفي سنة 568 ، ببغداد ودفن بمقبرة باب حرب
والخطيري : نسبة إلى موضع فوق بغداد يقال له : الخطيرة ينسب إليه كثير من العلماء والثياب الخطيرية : منسوبة إليه أيضا

(3/102)


عماد الدين الكاتب محمد بن صفي الدين الأصفهاني

(3/102)


كان فقيها شافعي المذهب تفقه بالمدرسة النظامية وأتقن الخلاف وفنون الأدب وله من ( 3 / 103 ) الشعر والرسائل ما يغني عن الإطالة في شرحه ثم بلغ الرفعة عند السلطان صلاح الدين ونور الدين محمود بن أتابك زنكي وتقلبت به الأحوال إلى أن عظم أمره
وصنف التصانيف النافعة منها : كتاب خريدة القصر وجريدة العصر جعله ذيلا على : زينة الدهر للخطيري وجعله في عشر مجلدات
وله : كتاب البرق الشامي في سبع مجلدات في التاريخ وكتاب الفتح البستي في فتح القدسي
وصنف السيد على الذيل جعله ذيلا على خريدة القصر وله ديوان رسائل وديوان شعر
توفي سنة 597 ، بدمشق وولد سنة 510 - رحمه الله تعالى

(3/102)


قاضي القضاة بدر الدين العيني

(3/103)


الحنفي تفقه واشتغل بالفنون وبرع ومهر وولي قضاء الحنفية بالقاهرة وكان إماما عالما علامة عارفا بالعربية والتصريف وغيرهما وله : شرح البخاري والتاريخ المسمى : بالعيني وشرح معاني الآثار وشرح الهداية ومختصر تاريخ ابن عساكر
مات بعين في ذي الحجة سنة 855 - رحمه الله تعالى

(3/103)


ثقة الدين الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف : بابن عساكر

(3/103)


الدمشقي كان محدث الشام في وقته ومن أعيان الفقهاء الشافعية غلب عليه الحديث فاشتهر به وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره ورحل وطوف وجاب البلاد ولقي المشائخ وكان رفيق الحافظ : أبي سعد السمعاني في الرحلة وكان حافظا دينا جمع بين المتون والأسانيد
سمع ببغداد ثم رجع إلى دمشق ثم إلى خراسان ودخل نيسابور وهراة وأصبهان والجبال
وصنف التصانيف المفيدة وخرج التخاريج وكان حسن الكلام على الأحاديث محفوظا في الجمع والتأليف . ( 3 / 104 )
صنف : التاريخ الكبير لدمشق في ثمانين مجلدا بخطه أتى فيه بالعجائب
قيل : إنه جمع هذا منذ عقل نفسه وإلا فالعمر لا يتسع لوضعه بعد الاشتغال
ولد في أول المحرم سنة 499 وتوفي في رجب سنة 571 ، بدمشق وحضر الصلاة عليه السلطان صلاح الدين
وله شعر لا بأس به وتواليف حسنة وأجزاء ممتعة

(3/103)


وأما الشيخ : عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله الإمام المفتي أبو منصور الدمشقي المعروف : بابن عساكر

(3/104)


فله أيضا : مؤلفات في الفقه والحديث توفي سنة 620 ومولده سنة 550

(3/104)


وأما : عبد الصمد بن عبد الوهاب بن زين الأمناء حسن بن محمد بن عساكر

(3/104)


فهو : الإمام المحدث الزاهد : أمين الدين أبو اليمن الدمشقي الشافعي نزيل الحرم سمع من جده ومن ابن التين وحدث بالحرمين بأشياء وكان عالما فاضلا جيد المشاركة في العلوم
ولد سنة 614 وتوفي سنة 680 وكان شيخ الحجاز في وقته له تآليف في الحديث
قال الشيخ علاء الدين علي بن إبراهيم بن داود العطار - قدس سره - : لما ودعت الشيخ محي الدين النووي بنوى - حين أردت السفر إلى الحجاز - حملني رسالة في السلام عنه للإمام ابن عساكر المذكور فلما بلغته سلامه رد عليه السلام وسألني عنه : أين تركته ؟ فقلت : ببلدة نوى فأنشدني بديها :
أمخيمين على نوى أشتاقكم ... شوقا يجدد لي الصبابة والجوى
وأريد قربكم لأني مرتجى ... يا سادتي قرب المقيم على نوى

(3/104)


عبد الله بن أسعد المازني الشافعي اليافعي

(3/104)


الرجل الصالح محب الصلحاء خادم أولياء الله تعالى المناضل عنهم والمنافح عن شأنهم صاحب المصنفات الكثيرة ( 3 / 105 ) وكل تصنيفه نافع في بابه وتاريخه من أصح التواريخ وأحسنها وألطفها لوروده بعبارات عذبة وأنفعها للناس لاشتمالها على المهمات وهو مجلدتان كبيرتان
ومن لطيف مصنفاته : مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام
وكتاب : روض الرياحين في حكايات الصالحين
وبالجملة : هو رجل صالح مبارك عزيز الوجود فرد في زمانه ونادرة في أوانه أشعري العقيدة سالك طريقة الصوفية والمعاشر مع أهل الخير والزهد والصلاح
قال ابن السبكي - في طبقاته الكبرى - : اجتمعت به بمنى سنة 747 وتوفي بمكة سنة 767 - روح الله روحه وزاد في أعلى الجنة فتوحه - وتاريخه مشهور موجود بأيدي الناس وقفت عليه

(3/104)


علماء الحكمة

(3/105)


فمن القدماء :

(3/105)


أرسطو وأستاذه : أفلاطون ومن يليهما

(3/105)


ومن المسلمين :

(3/105)


الفارابي وابن سينا والفخر الرازي ونصير الطوسي

(3/105)


ومن يلي هؤلاء في معرفة الحكمة :

(3/105)


الشيخ : شهاب الدين المقتول السهروردي

(3/105)


وممن خرط في سلكهم :

(3/105)


القطب الشيرازي والقطب الرازي والسعد التفتازاني والشريف الجرجاني ثم الجلال الدواني وخواجه زاده ومصطفى الشهير : بالقسطلاني
وقد تقدم تراجم بعضهم في القسم الثاني من هذا الكتاب تحت علم الألفي فتذكر - وبيده النفع والضر - . ( 3 / 106 )

(3/105)


علماء المنطق

(3/106)


وهم علماء الحكمة غالبا لكن ذكرنا هاهنا : بعض من له تصنيف في علم المنطق واشتهر به مع مشاركته في سائر العلوم - رحمهم الله تعالى

(3/106)


محمود بن أبي بكر بن أحمد الأموي

(3/106)


الشيخ : سراج الدين أبو السنا صاحب كتاب : مطالع الأنوار وبيان الحق كان شافعيا قرأ بالموصل على كمال الدين بن يونس
مولده : سنة 594 ، أربع وتسعين وخمسمائة ووفاته : سنة 682 ، بمدينة قونية

(3/106)


محمد قطب الدين الرازي المعروف : بالتحتاني

(3/106)


وهذه النسبة : لتميزه عن قطب آخر فوقاني وكانا يسكنان في مدرسة واحدة أحدهما : في الطبقة الفوقانية والآخر : في التحتانية
وهو : إمام مبرز في المعقولات اشتهر اسمه وبعد صيته ورد إلى دمشق في سنة 763
قال ابن السبكي : بحثنا معه في دمشق فوجدناه إماما في المنطق والحكمة عارفا بالتفسير والمعاني والبيان مشاركا في النحو يتوقد ذكاء وله على الكشاف حواش مشهورة وله : شرح على المطالع للأرموي في المنطق وهذا شرح عظيم الشأن وله : شرح على الرسالة الشمسية للكاتبي في المنطق
توفي سنة 776 ، بظاهر دمشق عن نحو أربع وسبعين سنة وكان له عبد رباه من صغره وعلمه حتى كان مدرسا فاضلا في كل العلوم وكان يدعى : بمبارك شاه المنطقي وهذا الذي أخذ عنه الشريف الجرجاني شرح المطالع لقطب الدين الرازي - رحمه الله

(3/106)


أبو الفتوح يحيى بن حبش بن أميرك الملقب : بشهاب الدين المقتول

(3/106)


السهروردي وقيل اسمه : أحمد وقيل : عمر
كان من علماء عصره قرأ الحكمة وأصول الفقه على الشيخ مجد الدين الجيلي ( 3 / 107 ) - أستاذ فخر الدين الرازي - بمدينة مراغة من أعمال أذربيجان إلى أن برع فيهما وعليه تخرج وبصحبته انتفع
وكان إماما في فنونه قال في طبقات الأباء : وكان السهروردي أوحد زمانه في العلوم الحكيمية جامعا للعلوم الفلسفية بارعا في الأصول الفقهية مفرط الذكاء فصيح العبارة وكان علمه أكثر من عقله
ويقال : إنه يعرف علم السيمياء ويحكى عنه في أشياء غريبة حكي بعضها في : مدينة العلوم ووفيات الأعيان
وله تصانيف : منها : التلويحات والمطارحات في المنطق والحكمة وهياكل النور وحكمة الإشراق في الحكمة والتنقيحات في أصول الفقه إلى غير ذلك وله في النظم والنثر أشياء لطيفة لا حاجة إلى الإطالة بذكرها
وكان شافعي المذهب وكان يلقب : ( بالمؤيد بالملكوت ) وكان يتهم باختلال العقيدة والتعطيل ويعتقد مذهب الحكماء المتقدمين واشتهر ذلك عنه فلما وصل إلى حلب أفتى علماؤها بإباحة دمه وقتله بسبب اعتقاده وما ظهر لهم من سوء مذهبه وكان أشد الجماعة عليه الشيخان : زين الدين ومجد الدين ابنا حميد
قال سيف الدين الآمدي : اجتمعت به في حلب فقال لي : لا بد أن أملك الأرض فقلت له : من أين لك هذا ؟ قال : رأيت في المنام كأني شربت ماء البحر فقلت : لعل هذا يكون اشتهار العلم وما يناسب هذا فرأيته لا يرجع عما وقع في نفسه ورأيته كثير العلم قليل العقل وقال : إنه لما تحقق القتل كان كثيرا ما ينشد :
أرى قدمي أراق دمي ... وهان دمي فها ندمي
وكان ذلك في دولة الملك المظفر - صاحب حلب - ابن السلطان صلاح الدين فحبسه ثم خنقه في خامس رجب سنة 582 ، بقلعة حلب وعمره ثمان وثلاثون سنة وكان الناس مختلفين في حقه :
منهم : من نسبه إلى الزندقة والإلحاد . ( 3 / 108 )
ومنهم : من يشهد له بحسن الاعتقاد
قال القاضي بهاء الدين المعروف : بابن شداد - قاضي حلب - : إن السهروردي كان كثير التعظيم لشعائر الدين وأطال الكلام في ذلك وذكر نفسه في آخر ( التلويحات ) في وصايا ذكرها هناك : و اتق شر من أحسنت إليه من اللئام ولقد أصابني منهم شدائد
قال شارحها : أراد به بعضا من تلامذته الذين يصاحبون معه السفر والحضر وينقلون عنه أشياء مخالفة للشرع ولعل قتله كان بسبب هؤلاء - نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة وأن يجعلنا من أهل الحق والرشاد وأن يعصمنا من شر أهل الزيغ والفساد إنه ولي الهداية والإرشاد -
ومن كلامه : الفكر في صورة قدسية يتلطف بها طالب الأريحية ونواحي القدس دار لا يطأها القوم الجاهلون وحرام على الأجساد المظلمة أن تلج ملكوت السموات فوحد الله وأنت بتعظيمه ملآن واذكره وأنت من ملابس الأكوان عريان ولو كان في الوجود شمسان لانطمست الأركان وأبى النظام أن يكون غير ما كان :
فخفيت حتى قلت : لست بظاهر ... وظهرت من سعيي على الأكوان
لو علمنا أننا ما نلتقي ... لقضينا من سليمى وطرا
اللهم خلص لطيفي من هذا العالم الكثيف
وذكر له ابن خلكان أشعارا لطيفة لا نطول الكلام بذكرها هاهنا

(3/106)


أبو البركات البغدادي

(3/108)


تقدم ترجمته تحت : علم المنطق فراجعه

(3/108)


علماء الجدل

(3/108)


أبو بكر محمد بن علي القفال بن إسماعيل الشاشي

(3/108)


الفقيه الشافعي
أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء كان إمام عصره بلا مدافعة فقيها محدثا أصوليا لغويا شاعرا لم يكن بما وراء النهر للشافعيين مثله في وقته . ( 3 / 109 )
رحل إلى خراسان والعراق والحجاز والشام والثغور وسار ذكره في البلاد
أخذ الفقه عن ابن سريح وله مصنفات كثيرة في الجدل وكتاب في أصول الفقه وعنه انتشر مذهب الشافعي في بلاده
روى عن : محمد بن جرير الطبري وأقرانه
وروى عنه : الحاكم وابن مندة وجماعة كثيرة
توفي سنة 336 ، وقيل : توفي في الشاش في سنة خمس وستين وثلاثمائة
وشاش : مدينة ما وراء نهر سيحون في أرض الترك خرج منها جماعة من العلماء
وهذا القفال غير القفال المروزي وهو متأخر عن هذا كذا قال ابن خلكان في تاريخ وفيات الأعيان

(3/108)


علماء الخلاف

(3/109)


عبد الله بن عمر بن عيسى أبو زيد الدبوسي

(3/109)


بفتح الدال وتخفيف الباء الموحدة نسبة إلى دبوسه : وهي بلدة بين بخارى وسمرقند نسب إليها جماعة من الأدباء كان من أكابر أصحاب الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - ممن يضرب به المثل وهو : أول من أخرج علم الخلاف في الدنيا وأبرزه إلى الوجود
له : كتاب الأسرار وتقويم الأدلة وغيره من التصانيف والتعاليق
وروي أنه ناظر بعض الفقهاء فكان كلما ألزمه أبو زيد إلزاما تبسم وضحك فأنشد أبو زيد :
ما لي إذا ألزمته حجة ... قابلني بالضحك والقهقهه ؟
إن كان ضحك المرء من فقهه ... فالضب في الصحراء ما أفقهه ( 3 / 110 )
قال الذهبي : كان ممن يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج
وله : كتاب الأمد الأقصى
توفي ببخارى سنة 430 ، وهو ابن ثلاث وستين ذكر له ابن خلكان ترجمة مختصرة

(3/109)


أبو الفتح أسعد بن أبي نصر الميهني الملقب : مجد الدين

(3/110)


كان إماما مبرزا في الخلاف والفقه وله فيه تعليقة مشهورة
تفقه بمرو ثم رحل إلى غزنة واشتهر بتلك الديار وشاع فضله وقد مدحه الغزي ثم ورد إلى بغداد وفوض إليه تدريس المدرسة النظامية مرتين واشتغل الناس عليه وانتفعوا به وبطريقته الخلافية
والميهني : نسبة إلى ميهنة : قرية من قرى خابران وهي : ناحية بين سرخس وأبيورد من إقليم خراسان

(3/110)


أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الملقب : حجة الإسلام

(3/110)


زين الدين الطوسي تلميذ إمام الحرمين : الجويني جد في الاشتغال حتى تخرج في مدة قريبة وصار من الأعيان المشار إليهم في زمن أستاذه ولقي الوزير نظام الملك فأكرمه وعظمه وبالغ في الإقبال عليه واشتهر اسمه وسارت بذكره الركبان وأعجب به أهل العراق وارتفعت عندهم منزلته ثم ترك جميع ما كان عليه وسلك طريق الزهد والانقطاع وقصد الحج فلما رجع توجه إلى الشام فأقام بمدينة دمشق مدة يذكر الدروس وانتقل منها إلى بيت المقدس واجتهد في العبادة ثم أقام بالإسكندرية مدة ثم عاد إلى وطنه طوس واشتغل بنفسه وصنف الكتب المفيدة في عدة فنون منها : إحياء العلوم وهو من أنفس الكتب وأجملها وكان إماما في الخلاف وأصول الفقه والجدل والكلام
ومن شعره :
حلت عقارب صدغه في خده ... قمرا فجل بها عن التشبيه ( 3 / 111 )
ولقد عهدناه يحل ببرجها ... فمن العجائب كيف حلت فيه ؟
ومن قوله أيضا :
فديتك لولا الحب كنت فديتني ... ولكن بحسر المقلتين سبيتني
أتيتك لما ضاق صدري من الهوى ... ولو كنت تدري كيف حالي أتيتني
ولد سنة 450 ، وقيل : سنة 451 وتوفي سنة 505 ، بالطابران : وهي قصبة طوس - رحمه الله تعالى

(3/110)


أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن الرازي الملقب : فخر الدين المعروف : بابن الخطيب

(3/111)


صاحب التفسير الكبير فاق أهل زمانه وعلم الأوائل والأواخر وله التصانيف المفيدة في فنون عديدة منها : تفسير القرآن الكريم جمع فيه كل غريب وغريبة حتى قيل : فيه كل شيء إلا التفسير وهو كبير جدا وقد طبع لهذا العهد بمصر
قال ابن خلكان : لكنه لم يكمله ثم ذكر كتبا من تصانيفه
قال : وله طريقة في الخلاف وله في أصول الفقه : المحصول في علم الأصول ونهاية العقول في دراية الأصول والمطالب العلية في الكلام وله مؤاخذات جيدة على النحاة وكل كتبه ممتعة وانتشرت تصانيفه في البلاد ورزق فيها سعادة عظيمة فإن الناس اشتغلوا بها ورفضوا كتب المتقدمين
وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبه وأتى فيها بما لم يسبق إليه وكان له في الوعظ اليد الطولى ويعظ باللسانين : العربي والعجمي وكان يلحقه الوجد في حال الوعظ ويكثر البكاء وكان يحضر مجلسه بمدينة هراة أرباب المذاهب والمقالات ويسألونه وهو يجيب كل سائل بأحسن إجابة ورجع بسببه خلق كثير من الطائفة الكرامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنة وكان يلقب بهراة : شيخ الإسلام وكان العلماء يقصدونه من البلاد وتشد إليه الرحال من الأقطار
ولد بالري سنة 544 وتوفي بهراة في سنة 606 قال ابن خلكان : رأيت له وصية أملاها في مرض موته على أحد تلامذته تدل على حسن العقيدة . انتهى . وأطال في ترجمته . - رحمه الله تعالى - . ( 3 / 112 )

(3/111)


أبو حامد محمد بن محمد بن محمد العميد ركن الدين الفقيه الحنفي

(3/112)


كان إماما في فن الخلاف خصوصا : الجست
وهو أول من أفردها بالتصنيف ومن تقدمه : كان يمزجه بخلاف المتقدمين وصنف في هذا الفن طريقة وهي مشهورة بأيدي الفقهاء وكان كريم الأخلاق كثير التواضع طيب المعاشرة توفي في سنة 615 ، خمس عشرة وستمائة ببخارى

(3/112)


أبو طالب محمود بن علي بن أبي الرجاء التيمي الأصبهاني

(3/112)


صاحب الطريقة في الخلاف برع فيه وصنف التعليقة التي شهدت بفضله وتحقيقه وتبريره على أكثر نظرائه وجمع فيها بين الفقه والتحقيق وكان عمدة المدرسين في إلقاء الدروس عليها واشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به وصاروا علماء مشاهير وكان له في الوعظ اليد الطولى وكان متفننا في العلوم خطيبا بأصبهان مدة طويلة
توفي في سنة خمس وثمانين وخمسمائة

(3/112)


علماء المقالات

(3/112)


أبو الفتح محمد بن أبي القاسم عبد الكريم الشهرستاني

(3/112)


صاحب كتاب : الملل والنحل
أورد فيه : فرق المذاهب في العالم كلها وهو المتكلم على مذهب الأشعري
وكان إماما مبرزا فقيها متكلما
تفقه على أحمد الخوافي وعلى أبي نصر القشيري وغيرهما وبرع في الفقه
وقرأ الكلام على أبي القاسم الأنصاري وتفرد فيه صنف : كتاب نهاية الإقدام في علم الكلام والمناهج والبيان وكتاب المضارعة وتلخيص الأقسام لمذاهب الأنام
وكان كثير المحفوظ حسن المحاورة ويعظ الناس . ( 3 / 113 )
دخل بغداد سنة 510 ، وأقام بها ثلاث سنين وظهر له قبول كثير عند العوام وسمع الحديث من : علي بن أحمد المديني بنيسابور ومن غيره وكتب عنه : الحافظ أبو سعد عبد الكريم السمعاني
ولد سنة 467 ، أو سنة 479 ، بشهرستان وتوفي بها في آخر شعبان سنة 548 ، أو سنة 549
وشهرستان : اسم لثلاث مدن
الأولى : شهرستان خراسان : بين نيسابور وخوارزم في آخر حدود خراسان وأول الرمل المتصل بناحية خوارزم وهي المشهورة ومنها : أبو الفتح المذكور وأخرجت خلقا كثيرا من العلماء - رحمهم الله -
الثانية : شهرستان : قصبة ناحية سابور من أرض فارس
الثالثة : مدينة جي بأصبهان ومعناه : مدينة الناحية لفظة أعجمية

(3/112)


علماء الطب

(3/113)


بقراط الحكيم

(3/113)


أول من دون علم الطب وهو حكيم مشهور معتن ببعض علوم الفلسفة سيد الطبيعيين في عصره كان قبل الإسكندر بنحو مائة وسنة وله في الطب تصانيف شريفة وكان فاضلا متألها ناسكا يعالج المرضى احتسابا طوافا في البلاد وكان في زمن أردشير - من ملوك الفرس - وكان يسكن حمص من مدن الشام وكان يتوجه إلى دمشق ويقيم في غياضها للرياضة والتعلم والتعليم وفي بساتينها : موضع يعرف : بصفة بقراط وكان طبيبا فيلسوفا فاضلا كاملا معلما لسائر الأشياء قوي الصناعة والقياس والتجربة
ولما خاف أن يفنى الطب من العالم علم الغرباء الطب وجعلهم بمنزلة أولاده
وظهر بقراط سنة 96 لتاريخ : بخت نصر وهي : سنة 14 من ملك بهمن وعاش خمسا وتسعين سنة وله كتب نافعة مفسرة بالعربية . ( 3 / 114 )

(3/113)


جالينوس الحكيم

(3/114)


الفيلسوف الطبيعي اليوناني ظهر بعد بقراط من مدينة فرغاموس من أرض اليونانيين إمام الأطباء في عصره ورئيس الطبيعيين في وقته مؤلف الكتب الجليلة في الطب وغيره : من علم الطبيعة وعلم البرهان ومؤلفاته : تنيف على ستين مؤلفا وكان بعد المسيح عليه السلام بنحو مائتي سنة وبعد الإسكندر بنحو خمسمائة سنة ونيف ولا يعلم بعد أرسطاطاليس أعلم بالطبيعي من هذين : بقراط وجالينوس قيل : هو من بلاد إيشيا شرقي قسطنطينية في دولة القيصر السادس وجاب البلاد وبرع في الطب والفلسفة والرياضة وهو ابن سبع عشرة سنة وجدد علم بقراط وفاق في علم التشريح وكان أبوه أعلم بالمساحة في زمانه وكانت ديانته النصرانية
مات في مدينة سلطانية وقبره بها وعاش ثمان وثمانين سنة وكان يأخذ نفسه في كل يوم بقراءة جزء من الحكمة ولم يأخذ من الملوك شيئا ولا داخلهم ولولا هو ما بقي العلم والدرس ودثر من العالم جملته ولكنه أقام أوده وشرح غامضه وبسط مستصعيه وكان في زمانه فلاسفة مات ذكرهم عند ذكره وانتهت إليه الرياسة في عصره

(3/114)


أبو بكر محمد بن زكريا الرازي

(3/114)


من مشاهير العلماء في الطب طبيب المسلمين غير مدافع مهر في المنطق والهندسة وغيرها : من علوم الفلسفة وكان في شبيبته يضرب بالعود ويغني ثم أقبل على تعلم الفلسفة ودراسة كتب الطب فنال منها كثيرا وقرأها قراءة رجل متعقب على مؤلفيها فبلغ من معرفة غوائرها الغاية واعتقد الصحيح منها وعلل السقيم وكان إمام وقته في علم الطب والمشار إليه في ذلك العصر وكان متقنا لهذه الصناعة حاذقا بها عرافا بأوضاعها وقوانينها تشد إليه الرحال لأخذها وألف كتبا أكثرها في الطب وتوغل في الآلهة ولم يفهم غرضه فتقلد آراء سخيفة واتخذ مذاهب ضعيفة ودبر مارستان الري ثم مارستان بغداد في أيام المكتفي ثم عمي في آخر عمره وتوفي في سنة 311 . ( 3 / 115 )
قيل له : لو قدحت عينيك ؟ قال : لا قد أبصرت من الدنيا حتى مللت
وأحسن صناعة الكيمياء وذكر أنها أقرب إلى الممكن منها إلى الممتنع وألف فيها اثني عشر كتابا وكان كريما متفضلا بارا بالناس حسن الرأفة بالفقراء ولم يكن يفارق النسخ إما يسود أو يبيض
وتصانيفه : تبلغ مائة وستة عشر من الكتب والرسائل في الطب والفلسفة وكلها نافع في بابه - والله أعلم -
ومن كلامه : مهما قدرت أن تعالج بالأغذية فلا تعالج بالأدوية ومهما قدرت أن تعالج بدواء مفرد فلا تعالج بدواء مركب
قال : وإذا كان الطبيب عالما والمريض مطيعا فما أقل لبث العلة
وقال : عالج في أول العلة بما لا تسقط به القوة
ولم يزل رئيس هذا الشأن وكان اشتغاله به على كبر يقال : إنه لما شرع فيه كان قد جاوز أربعين سنة من العمر وطال عمره

(3/114)


علي بن أبي الحزم علاء الدين بن النفيس الطبيب المصري

(3/115)


صاحب كتاب : الموجز في الطب وشرح كليات القانون وغيرهما
كان فقيها على مذهب الشافعي صنف شرحا على التنبيه وصنف في الطب غير ما ذكرناه كتابا سماه : الشامل قيل : لو تم لكان ثلاثمائة مجلدة تم منه ثمانون مجلدة
وصنف في أصول الفقه والمنطق
وبالجملة : كان مشاركا في الفنون وأما الطب : فلم يكن على وجه الأرض مثله في زمانه قيل : ولا جاء بعد ابن سينا مثله قالوا : وكان في العلاج أعظم من ابن سينا وكان شيخه في الطب : الشيخ مهذب الدين
توفي سنة 687 ، عن نحو ثمانين سنة وخلف أموالا جزيلة ووقف كتبه وأملاكه على المارستان المنصوري

(3/115)


أبو يعقوب إسحاق بن حنين العبادي

(3/115)


الطبيب المشهور كان أوحد عصره في علم الطب وكان يعرف كتب الحكمة التي بلغه اليونانيين إلى اللغة العربية وله المصنفات المفيدة في الطب ولحقه الفالج في آخر عمره فتوفي في سنة 398
والعبادي : نسبة إلى عباد الحيرة وهم : عدة بطون من قبائل شتى نزلوا حيرة ( 3 / 116 ) وكانوا نصارى ينسب إليهم خلق كثير والحيرة : مدينة قديمة كانت لبني المنذر

(3/115)


أبو زيد حنين بن إسحاق العبادي

(3/116)


الطبيب المشهور كان إمام وقته في صناعة الطب وكان يعرف لغة اليونانيين معرفة تامة وهو الذي عرب كتاب إقليدس وجاء ثابت بن قرة فنقحه وهذبه وكذلك كتاب المجسطي
وله في الطب مصنفات مفيدة وتقدم ذكر ولده : إسحاق آنفا وكان المأمون مغرما بتعريبها
واليونانيون : كانوا حكماء متقدمين على الإسلام وهم أولاد : يونان ابن يافث بن نوح
توفي حنين في سنة 260

(3/116)


أبو الحسن هبة الله بن أبي الغنائم بن التلميذ الطبيب البغدادي

(3/116)


ذكره العماد الأصفهاني في الخريدة فقال : سلطان الحكماء ومقصد العالم في علم الطب بقراط عصره وجالينوس زمانه وختم به هذا العلم ولم يكن في الماضيين من بلغ مداه في الطب عمر طويلا وعاش نبيلا جليلا رأيته وهو شيخ بهي المنظر حسن الرواء عذب المجتلى والمجتنى لطيف الروح ظريف الشخص بعيد الهم عالي الهمة ذكي الخاطر مصيب الفكر حازم الرأي شيخ النصارى وقسيسهم ورأسهم ورئيسهم وله في النظم كلمات رائقة وحلاوة جنية وغزارة بهية وكان بينه وبين أبي البركات : هبة الله بن علي - الحكيم المشهور صاحب كتاب : المعتبر في الحكمة - تنافر وتنافس كما جرت العادة بمثله بين أهل كل فضيلة وصنعة ولهما في ذلك أمور ومجالس مشهورة وكان يهوديا ثم أسلم في آخر عمره وأصابه الجذام فعالج نفسه بتسليط الأفاعي على جسده بعد أن جوعها فبالغت في نهشه فبرئ من الجذام وعمي وقصته مشهورة
ولابن التلميذ في الطب تصانيف مليحة فمن ذلك : أقراباذين وحواش على كليات ابن سينا
توفي في سنة 560 ، ببغداد وقد ناهر المائة من عمره مات في عيد النصارى . ( 3 / 117 )

(3/116)


أبو علي يحيى بن عيسى بن جزلة

(3/117)


الطبيب صاحب : كتاب المنهاج الذي جمع فيه من أسماء : الحشائش والعقاقير والأدوية وغير ذلك شيئا كثيرا
كان نصرانيا ثم أسلم وصنف : رسالة في الرد على النصارى وبين عوار مذاهبهم ومدح فيها الإسلام وأقام الحجة على أنه الدين الحق وذكر فيها ما قرأه في التوراة والإنجيل من : ظهور النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي مبعوث وأن اليهود والنصارى أخفوا ذلك ولم يظهروه ثم ذكر فيها : معائب اليهود والنصارى وهي رسالة حسنة أجاد فيها وهو : من المشاهير في علم الطب وعمله وكان يطبب أهل محلته ومعارفه بغير أجرة ويحمل إليهم الأشربة والأدوية بغير عوض ويتفقد الفقراء ويحسن إليهم ووقف كتبه قبل وفاته وجعلها في مشهد أبي حنيفة - رحمه الله -
توفي في سنة 493 - غفر الله له

(3/117)


علماء أصول الفقه

(3/117)


أحمد بن علي أبو بكر الرازي المعروف : بالجصاص

(3/117)


ولد سنة 305 ، وسكن ببغداد وانتهت إليه رياسة الحنفية تفقه على الكرخي وكان على طريقه من الزهد والورع توفي ببغداد سنة 370

(3/117)


أبو الحسن علي بن محمد فخر الإسلام البزدوي

(3/117)


فقيه ما وراء النهر على مذهب أبي حنيفة
توفي سنة 482 ، ودفن بسمرقند
له : كتاب المبسوط أحد عشر مجلدا وشرح الجامع الكبير ولكتابه في الأصول : شروح أشهرها : الكشف

(3/117)


شمس الأئمة السرخسي أبو بكر محمد بن أحمد صاحب : المبسوط

(3/117)


تخرج بعبد العزيز الحلواني كان عالما أصوليا وقد شاع : أنه أملى المبسوط من غير مراجعة إلى شيء من الكتب وله كتاب في أصول الفقه أبدأه وهو في الجب محبوس بسبب كلمة نصح بها الأمراء وكان يجتمع تلامذته على أعلى الجب يكتبون فلما وصل إلى باب الشرط أطلق من الحبس فخرج إلى فرغانة فأكرمه الأمير حسن فوصل إليه الطلبة فأكمله . ( 3 / 118 )
وقيل له يوما : حفظ الشافعي ثلاثمائة كراس فقال : حفظ زكاة ما أحفظه فحسب ما حفظ فكان : اثني عشر ألف كراس
توفي في حدود سنة خمسمائة - رحمه الله تعالى

(3/117)


سيف الدين الآمدي علي بن محمد بن سالم الثعلبي

(3/118)


ولد بآمد سنة 550 قرأ على مشائخ بلده القراءات وحفظ كتابا على مذهب أحمد بن حنبل وبقي على ذلك مدة فكان في أول اشتغاله : حنبلي المذهب ثم انتقل إلى مذهب الشافعي ثم رحل إلى العراق وأقام في الطلب ببغداد مدة وحصل علم الجدل والخلاف والمناظرة ثم انتقل إلى الشام واشتغل بفنون المعقول وحفظ منه الكثير وتمهر فيه ولم يكن في زمانه أحفظ منه لهذه العلوم
وصنف : في أصول الدين والفقه والمنطق والحكمة والخلاف وكل تصانيفه مفيدة
وكان قد أخذ علوم الأوائل من نصارى الكرخ ويهودها فاتهم لذلك في عقيدته ففر إلى مصر خوفا من الفقهاء سنة 592 ، وناظر بها وحاضر وأظهر تصانيف في علوم الأوائل ثم تعصبوا عليه فخرج من القاهرة مستخفيا ثم استوطن حماة أو دمشق وتولى بها التدريس ومات بها في سنة 631
له : كتاب الماهر في علوم الأوائل والأواخر خمس مجلدات وكتاب أبكار الأفكار في أصول الدين أربع مجلدات
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : ما سمعت أحدا يلقي الدرس أحسن من الآمدي وما علمنا قواعد البحث إلا منه وقال : لو ظهر متزندق مشكك في الدين ما تعين لمناظرته إلا هو وله : كتاب منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل ومختصرهما لابن الحاجب وله مقدار عشرين تصنيفا . ( 3 / 119 )
توفي سنة 631 ، ودفن بسفح جبل قاسيون وكانت ولادته في سنة 551
والآمدي : نسبة إلى آمد وهي : مدينة كبيرة في ديار بكر مجاورة لبلاد الروم

(3/118)


أبو البركات النسفي عبد الله بن أحمد حافظ الدين

(3/119)


صاحب كنز الدقائق وكتاب المنار في أصول الفقه وكتاب العمدة في أصول الدين تفقه على شمس الأئمة الكردري
وللمنار شروح منها : إفاضة الأنوار في إضاءة أصول المنار لسعد الدين محمود الدهلوي - رحمه الله تعالى

(3/119)


سراج الدين الهندي أبو حفص عمر بن إسحاق ابن أحمد الغزنوي

(3/119)


قاضي الحنفية بالقاهرة
تفقه ببلاده على : الوجيه الرازي والسراج الثقفي والزين البدواني وغيرهم من علماء الهند وحج وظهرت فضائله له وجاهة في كل دولة واسع العلم كثير المهابة وكان يتعصب للصوفية الموحدة وعزر ابن أبي حجلة لكلامه في ابن الفارض
مات في الليلة التي مات فيها البهاء السبكي وهي : السابع من رجب سنة 773 وكان يكتب بخطه : مولدي سنة 704

(3/119)


محمد بن محمد بن عمر حسام الدين الأخسيكثي

(3/119)


الفقيه الحنفي الأصولي من أهل أخسيكث
وأخسيكث : قرية فيما وراء النهر من بلاد فرغانة
ألف المختصر في أصول الفقه وسماه : المنتخب في أصول المذهب ويعرف : بالمنتخب الحسامي نسبة إلى لقبه
مات - رحمه الله تعالى - سنة 644

(3/119)


أبو المعالي إمام الحرمين : عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني

(3/119)


مولده : في الكامل : سنة 410 ، وفي تاريخ ابن أبي الدم : 419 ، إمام العلماء في وقته فحل المذهب
ومن تصانيفه : نهاية المطلب في دراية المذهب سافر إلى بغداد ثم إلى الحجاز وأقام بمكة والمدينة أربع سنين يدرس ويفتي ويصنف وأم في الحرمين الشريفين وبذلك لقب ثم رجع إلى نيسابور وجعل إليه الخطابة ومجلس الذكر ( 3 / 120 ) والتدريس ثلاثين سنة وحظي عند نظام الملك - وزير السلطان ألب أرسلان السلجوقي -
ومن تلاميذه : الغزالي وحسبك وأبو الحسن علي إلكيا الهراسي
وادعى إمام الحرمين الاجتهاد المطلق لأن أركانه كانت حاصلة له ثم عاد إلى تقليد الإمام الشافعي - رحمه الله - لعلمه بأن منصب الاجتهاد قد مضت سنوه
مات بقرية : بشتقان ونقل إلى نيسابور ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين فدفن بجنب أبيه وصلى عليه ولده : أبو القاسم فأغلقت الأسواق يوم موته وكسر منبره في الجامع وقعد الناس لعزائه ورثوه كثيرا منه :
قلوب العالمين على المقالي ... وأيام الورى شبه الليالي
أيثمر غصن أهل العلم يوما ... وقد مات الإمام أبو المعالي
وقد كانت تلامذته يومئذ نحو أربعمائة فكسروا محابرهم وأقلامهم وأقاموا كذلك عاما كاملا كذا في تاريخ ابن الوردي
قال ابن خلكان : هو أعلم المتأخرين من أصحاب الشافعي على الإطلاق المجمع على إمامته المتفق على غزارة مادته وتفننه في العلوم من : الأصول والفروع والأدب ورزق من التوسع في العبادة مالم يعهد من غيره وكان يذكر دروسا يقع كل واحد منها في عدة أوراق ولا يتلعثم في كلمة منها سافر إلى بغداد ولقي بها جماعة من العلماء ظهرت تصانيفه وحضر دروسه الأكابر من الأئمة وله إجازة من الحافظ : أبي نعيم الأصفهاني - صاحب حلية الأولياء -
ومن تصانيفه : الشامل في أصول الدين والبرهان في أصول الفقه وغياث الأمم في الإمامة وكان إذا شرع في علوم الصوفية وشرح الأقوال أبكى الحاضرين ولم يزل على طريقة حميدة مرضية من أول عمره إلى آخره . انتهى ملخصا

(3/119)


الشيخ : صفي الدين الهندي الأرموي المتكلم على مذهب الأشعري

(3/120)


كان ( 3 / 121 ) أعلم الناس بمذهبه وأدراهم بأسراره متضلعا بالأصلين اشتغل على سراج الدين - صاحب التلخيص -
صنف : الزبدة في علم الكلام والنهاية في أصول الفقه والفائق فيه أيضا وكل مصنفاته جامعة حسنة لا سيما : النهاية
ولد ببلاد الهند سنة 644 ، ورحل إلى اليمن ثم حج وقدم إلى مصر ثم سار إلى الروم واجتمع بسراج الدين ثم قدم دمشق وأشغل الناس بالعلم
توفي بها سنة 715 ، خمس عشرة وسبعمائة

(3/121)


صدر الشريعة : عبد الله بن مسعود بن محمود

(3/121)


عالم محقق وحبر مدقق له تصانيف : مثل : شرح الوقاية والوشاح في المعاني وتعديل العلوم في أقسام العلوم العقلية كلها والتنقيح وشرحه المسمى : بالتوضيح في أصول الفقه - رحمه الله تعالى رحمة واسعة

(3/121)


مولانا : خسرو اسمه : محمد بن قرامز بن خواجة علي

(3/121)


كان عالما عاملا محققا فاضلا استقضاه السلطان محمد خان بالعسكر ثم صار قاضيا بمدينة قسطنطينية ثم صار مفتيا بها سنين كثيرة
توفي سنة 885 له مصنفات كثيرة في علوم عديدة مثل : الدرر وشرحه : الغرر وحواشي التلويح وحواشي المطول وغير ذلك من الكتب والرسائل

(3/121)


قاضي القضاة : محمد بن علي الشوكاني

(3/121)


وستأتي ترجمته

(3/121)


علماء الفقه

(3/121)


الإمام : أبو حنيفة نعمان بن ثابت - رضي الله عنه

(3/121)


إمام الحنفية ومقتدي أصحاب الرأي
ولد سنة 80 من الهجرة كذا ذكره الواقدي والسمعاني عن : أبي يوسف وقيل : عام إحدى وستين والأول : أكثر وأثبت لم ير أحدا من الصحابة - باتفاق أهل الحديث - وإن كان عاصر بعضهم - على رأي الحنفية - وبالغ في مدينة العلوم في ( 3 / 122 ) إثبات اللقاء والرواية عن بعضهم وليس كما ينبغي قال : وقد ثبت بهذا التفصيل أن الإمام من التابعين وإن أنكر أصحاب الحديث كونه منهم إذ الظاهر أن أصحابه أعرف بحاله منهم . انتهى
وفيه نظر واضح لأن معرفة أهل الحديث بوفيات الصحابة وأحوال التابعين أكثر من معرفة أصحاب الرأي بها وقولهم : ( إن المثبت أولى من النافي ) تعليل لا تعويل عليه ولاعبرة بكثرة مشائخه - رحمهم الله - أيضا بالنسبة إلى مشائخ الشافعي - رحمه الله - فإن الاعتبار بالثقة دون كثرة المشيخة وقد ضعف المحدثون أبا حنيفة - رحمه الله - في الحديث وهو كذلك كما يظهر من الرجوع إلى فقه مذهب هذا الإمام وتصرفاته في الكلام - والإنصاف خير الأوصاف - ولم يكن هو عالما حق العلم بلغة العرب ولسانهم
والكتب المؤلفة في ترجمته كثيرة يوجد بعضها فهي تغني عن الإطالة في هذا المقام
والكلام على ترجيح فقه إمام ومذهبه على فقه إمام آخر ومذهبه : ليس من العلم شيء
وأكثر من ابتلي بأمثال هذه الخرافات هم : المقلدون للمذاهب والمتمذهبون للمشارب والحق : عدم الترجيح وأحكم المذاهب وأصوبها وأشرفها ماكان موافقا للكتاب والسنة بعيدا عن شوائب الآراء والمظنة - وبالله التوفيق وبيده أزمة التدقيق والتحقيق

(3/121)


الإمام مالك بن أنس

(3/122)


صاحب كتاب : الموطأ في الحديث الشريف عالم المدينة وإمامها أحد المجتهدين الأربعة مات وله تسعون سنة وقبره بالمدينة على شط بقيع الغرقد وكان وفاته في أيام الرشيد ولد وأسنانه ثابتة فسمي : ضحاكا - أضحكه الله في جناته -
أخذ عنه العلم جماعة كثيرة منهم : الشافعي قال : إذا ذكر العلماء فمالك ( 3 / 123 ) النجم وإذا جاء الحديث عنه فاشدد يديك به
وقال مالك : ليس العلم بكثرة الرواية وإنما هو نور يضعه الله تعالى في القلب
قال في مدينة العلوم : إنه لا يفي بتعداد فضائل هذا الطود العظيم الأشم والبحر الزخار الأطم بطون الكتب ومضامين الأسفار فضلا عن هذه الأوراق والسطور . انتهى
وهو كذلك وكتابه الموطأ : في الطبقة الأولى من كتب الحديث عند المحققين وكان شارحه - صاحب المصفى والمسوى - شديد الاعتناء به حتى قال : إن المقصود في هذه الدورة العمل بالموطأ وترك العمل بغيره من التفريعات والكتب
وهذا يدل على عظمة رتبة هذا التأليف
توفي في سنة تسع أو ثمان وسبعين ومائة وقد ذكرت له ترجمة حافلة في كتابي : الحطة في ذكر الصحاح الستة وإتحاف النبلاء فارجع إليهما

(3/122)


الإمام : محمد بن إدريس الشافعي

(3/123)


القرشي ثالث المجتهدين وأعلم العلماء الربانيين لما حملت به أمه : رأت كأن المشتري خرج من بطنها وانقض ووقع في كل بلدة منه شظية فعبر المعبر : أنه يخرج من بطنك عالم عظيم فكان كما عبر
وهو : أول من دون علم أصول الفقه ورزق السعادة التامة في علمه
قال أحمد بن حنبل : كان الشافعي كالشمس للنهار وكالعافية للناس وإني لأدعو له في أثر صلاتي : ( اللهم اغفر لي ولوالدي ولمحمد بن إدريس الشافعي )
قال في مدينة العلوم : وبالجملة هو : عالم الدنيا وعالم الأرض شرقا وغربا جمع الله له من العلوم والمفاخر مالم يجمع لإمام بعده وفضائله أكثر من أن تحصى لا يسعها إلا المجلدات
حدث عنه أحمد بن حنبل وغيره مات بمصر سنة 206 ، وله أربع وخمسون سنة واتفق العلماء قاطبة من : أهل الفقه والأصول والحديث واللغة والنحو وغيرها ( 3 / 124 ) على أمانته وعدالته وزهده وورعه وتقواه وجوده وحسن سيرته وعلو قدره فالمطنب في وصفه مقصر والمسهب في مدحه مقتصر وقد كثرت في ذلك المجلدات الكبار ولم تبلغ ساحل هذا البحر وقد اعتنى جماعة من أهل العلم بترجمته مفردة

(3/123)


الإمام : أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني

(3/124)


المروزي إمام أهل السنة بلا مدافع وقدوة أهل الحديث بغير منازع
ولد ببغداد سنة 164 ومات بها سنة 241 ، وله سبع وسبعون سنة به عرف صحيح الحديث من ضعيفه والمجروح من المعدل
رحل إلى الكوفة والبصرة ومكة واليمن والشام والجزيرة وكتب عن علمائها
وسمع الحديث من شيوخ بغداد وسمع منه الشيخان الكبيران : البخاري ومسلم وأبو زرعة وأبو داود السجستاني وخلق كثير سواهم وفضائله كثيرة ومناقبه جمة في الإسلام وآثاره مشهورة ومقاماته في الدين مذكورة وهو رابع المجتهدين المعول على قوله ورأيه وروايته
قال ابن راهويه : هو حجة بين الله وبين عباده في أرضه وكان يحفظ ألف ألف حديث وكانت مجالسته مجالسة الآخرة لا يذكر من أمر الدنيا شيئا ضرب تسعة وعشرين سوطا على إنكار خلق القرآن
قال أحمد بن محمد الكندي : رأيته في المنام فقلت : ما صنع الله بك ؟ قال : غفر لي ربي وقال : يا أحمد ضربت في ؟ قلت : نعم يا رب قال : هذا وجهي انظر إليه قد أبحتك النظر إليه
ولما مات صلى عليه من المسلمين من لا يحصى ومسح موضع الصلاة عليه فوجدوا موقف ألفي ألف وثلاثمائة ألف ذراع ونحوها ذكرت له ترجمة كافية في كتابي : الحطة وإتحاف النبلاء . ( 3 / 125 )
وقد ألفت في مناقب هؤلاء الأربعة صحف كثيرة مستقلة لا حاجة بعدها إلى إطالة الكلام لهم في هذا المقام
وأعلم الأربعة بعلم الحديث وأستاذ الكل فيه : هو ذاك أحمد الإمام ولولاه لم يكن لمذهب السنة بقاء في الدنيا وإليه تنتهي رياسة علم السنة وأهلها وظهر في أهل نحلته الأئمة المجتهدون على كثرة لا يعلم مثلها في مذهب آخر ورزق السعادة الكاملة في علمه ودينه
وقد ذكر في مدينة العلوم بعد تراجم الأئمة الأربعة تراجم غالب علماء المذهب الحنفي بالبسط التام لكونه من الحنفية وليس ذكرها من غرضنا في هذا الكتاب كذلك ذكر تراجم غيرهم من فقهاء المذاهب الثلاثة لأن تراجمهم مذكورة في كتب الطبقات كل واحد من هؤلاء مسطورة في محلها وهم أكثر من أن تحصى وأزيد من أن تستقصى وذكرهم يستدعي مجلدات ضخيمة وأسفار عظيمة
والأئمة منهم : معروفون مشهورون وإنما أشرنا إلى تراجم الأربعة المجتهدين لكونهم أئمة الفقهاء المتقدمين والمتأخرين
وهاهنا أشير إلى أسمائهم - رحمهم الله - :

(3/124)


فمن ( الأئمة الحنفية ) :

(3/125)


الإمام القاضي : أبو يوسف وكان من أهل الاجتهاد
والإمام : محمد وقد بلغ رتبة الاجتهاد أيضا
وابن المبارك المحدث المروزي
والإمام : داود بن نصير الطائي الكوفي
ووكيع بن الجراح
ويحيى بن زكريا
والحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي
وحماد بن أبي حنيفة الإمام . ( 3 / 126 )
وإسماعيل بن حماد المذكور
ويوسف بن خالد صاحب أبي حنيفة
وعافية بن يزيد الكوفي
وحبان ومندل : ابنا علي الغزي
وعلي بن مسهر الكوفي
والقاسم بن معن
وأسد بن عمرو بن عامر
وأحمد أبو حفص الكبير
وخلف بن أيوب من أصحاب الإمام محمد
وشداد بن حكم من أصحاب زفر - رحمه الله -
وموسى بن نصر الدين الرازي
وموسى بن سليمان الجوزجاني
وهلال بن يحيى النصري
ومحمد بن سماعة
وأبو مطيع الحكم بن عبد الله القاضي راوي كتاب : الفقه الأكبر عن أبي حنيفة
قال في المدينة : إن الأئمة الحنفية أكثر من أن تحصى لأنهم قد طبقوا أكثر المعمورة حتى قيل : إن لأبي حنيفة - رحمه الله - سبعمائة وثلاثين رجلا من تلامذته وهذا ما عرف منهم وما لم يعرف فأكثر من ذلك . انتهى
ثم ذكر الكتب المعتبرة في الفقه الحنفي على ما هو المشهور في ذلك الزمان وهي مذكورة في : كشف الظنون على وجه البسط والتفصيل مع ذكر الحواشي عليها والشروح لها
قال : واعلم أن استقصاء الأئمة الحنفية وتصانيفهم خارج عن طوق هذا المختصر

(3/125)


فلنذكر بعد ذلك نبذا من : ( الأئمة الشافعية )

(3/126)


ليكون الكتاب كامل الطرفين حائز الشرفين وهؤلاء صنفان :
أحدهما : من تشرف بصحبة الإمام الشافعي
والآخر : من تلاهم من الأئمة

(3/126)


أما الأول : ( من تشرف بصحبة الإمام الشافعي )

(3/126)


فمنهم : أحمد بن خالد الخلال أبو جعفر البغدادي وأحمد بن سنان ( 3 / 127 ) الواسطي وأحمد بن صالح أبو جعفر الطبري وأحمد بن أبي سرح الصباح وأحمد بن عبد الرحمن القرشي وأحمد بن عمرو بن السرح الأموي والإمام : أحمد بن حنبل المشهور في الآفاق وأحمد بن محمد الوليد ويقال : عون بن عقبة وأحمد بن يحيى البغدادي المتكلم وأحمد بن الوزير المصري وأحمد بن سريج الرازي ومحمد بن عبد الحكم المصري ومحمد بن الإمام الشافعي وأبو ثور إبراهيم بن خالد البغدادي وإبراهيم بن محمد ابن عم الشافعي وإبراهيم بن محمد بن هرم وإسماعيل بن يحيى أبو إبراهيم المزني وبحر بن نصر الخولاني وحارث النقال وحسن بن محمد الصباح البغدادي الزعفراني وحسين بن علي الكراسي والحسن الفلاس وحرملة التجيبي وربيع بن سليمان الجبري المصري وربيع بن سليمان المرادي وسليمان بن داود العباسي وأبو بكر الحميد بن زهير وعبد العزيز أبو علي الخزاعي وعبد العزيز الكناني وفضل بن ربيع والقاسم بن سلام - بتشديد اللام - وقحزم الأسواني وهو : آخر من صحب الشافعي - رحمه الله - موتا وموسى بن أبي الجارود المكي ويوسف بن يحيى البويطي وبويط : من صعيد مصر ويونس بن علي الصدفي المصري

(3/126)


وأما الصنف الثاني : ( من تلاهم من الأئمة الشافعية )

(3/127)


فمنهم : محمد بن إدريس أبو حاتم الرازي ومحمد بن إسماعيل البخاري ومحمد بن علي الحكيم الترمذي الصوفي ومحمد بن نصر المروزي والجنيد بن محمد البغدادي سيد الطائفة الصوفية وحارث بن أسد المحاسبي وداود بن علي البغدادي إمام أهل الظاهر وسليمان بن الأشعث السجستاني والحافظ : أبو سعيد الدارمي محدث هراة وأبو تراب عسكر بن محمد التخشبي وتخشب : بلدة من بلاد ما وراء النهر عربت فقيل لها : نسف والنسائي صاحب السنن وأحمد بن شريح القاضي وأحمد بن محمد أبو علي الرودباري وأبو منصور محمد بن أحمد الأزهري اللغوي وأبو زيد محمد بن أحمد الفاشاني المروزي وأبو بكر محمد بن أحمد الحداد المصري وأبو جعفر ( 3 / 128 ) محمد بن جرير الطبري أحد أئمة الدنيا علما ودينا ومحمد بن خفيف الشيرازي وأبو سهل محمد بن سليمان الصعلوكي وأبو بكر الصيرفي محمد بن عبد الله وأبو الحسن علي شيخ الأشاعرة وأبو إسحاق الشيرازي إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي وأبو إسحاق الإسفرائني إبراهيم بن محمد وإسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني وأبو القاسم القشيري حسن بن علي وأبو الطيب سهل بن محمد الصعلوكي والقاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري وله مناظرات مع أبي الحسن القدوري - من الحنفية -
- والعراقيون : إذا أطلقوا لفظ القاضي يعنون : إياه
والخراسانيون : يعنون : القاضي حسين
والأشعرية في الأصول : يعنون : القاضي أبا بكر الباقلاني
والمعتزلة : عبد الجبار الإسترابادي -
والقفال المروزي الصغير واسمه : عبد الله ابن أحمد وهو المراد عند الإطلاق والأكبر يقيد بالشاشي وابن هوازن القشيري وأبو محمد الجويني والد إمام الحرمين وأبو نصر ابن الصباغ وعبد القاهر التميمي أبو منصور البغدادي وعبد القاهر الجرجاني وأبو المعالي إمام الحرمين وأبو الحسن الماوردي صاحب : الحاوي والإقناع وأبو حيان التوحيدي وأبو المظفر السمعاني وأبو حامد الغزالي صاحب : الإحياء ومحمد الخيوشاني ومحيي السنة : الفراء البغوي وأبو المحاسن الروياني والحافظ : ابن عساكر والشيخ : صدر الدين القونوي والإمام : فخر الدين الرازي والشيخ : عز الدين بن عبد السلام ومن تلامذته : ابن دقيق العيد وأبو القاسم الرافعي وأبو نصر الشهروزي وأبو القاسم الصوفي وأبو الفتح الموصلي وأبو العباس أحمد بن محمد شارح الوسيط ومحمد التركماني الذهبي الحافظ والقاضي : جلال الدين القزويني والصفي الهندي وابن الزملكاني ومحمد بن سيد الناس الحافظ والحافظ : علم الدين العراقي الضرير وعلي ابن عبد الكافي السبكي الكبير وابن خطاب الباجي والقاضي : شرف الدين البارزي . انتهى . ( 3 / 129 )
ثم ذكر لهؤلاء تراجم مختصرة ومطولة كما ذكر تراجم الفقهاء الحنفية ولم يذكر للأئمة المالكية والحنبلية تراجم ولعل الوجه في ذلك كثرة أولئك وقلة هؤلاء - وقليل من عبادي الشكور - ولكن تغني عن ذلك كتب الطبقات المختصة لتراجم المالكية والحنابلة وهي لم تغادر أحدا منهم
وقد ذكر القاضي : أبو اليمن مجير الدين الحنبلي في كتاب : الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل : جماعة من علماء المذاهب الأربعة وقضاتهم الذين كانوا في إيلياء ومنهم علماء الحنابلة وكذا ذكرهم ابن رجب الحنبلي في طبقاته وغيره من أهل التاريخ والسير في كتبهم الموضوعة لذلك
والذين ترجم لهم صاحب مدينة العلوم أكثرهم من رجال وفيات الأعيان لابن خلكان وقد رددت عليه رجالا منه ومن غيره وأشرت إلى المآخذ وتركت تراجم غالب العلماء تحت كل علم مذكور ها هنا وأومأت إلى أسمائهم ليسهل المراجعة للطالب إلى معرفة كل واحد منهم من المآخذ
وأذكر الآن : جماعة من علماء الحديث والقرآن ثم أردف ذلك : ذكر طائفة من علماء الهند المشهورين المشار إليهم في العلوم النقلية والعقلية ولم أدرجهم تحت علماء العلوم المذكورة هاهنا لسهولة الضبط والربط وهم مشاركو الجميع - إلا ما شاء الله تعالى فليكن ذلك على ذكر منك وما ذكرناه من علماء الحرمين واليمن فأكثرهم مشائخ مشائخنا وهم في سلسلة الإسناد لنا

(3/127)


ذكر حفاظ الإسلام

(3/129)


والمراد بهؤلاء في هذا الموضع الذين لم يقلدوا واحدا من أهل الاجتهاد ولم يكونوا أصحاب الرأي غالبا وهم المفسرون المتقنون والمحدثون المصنفون لكتب التفاسير والسنن على اختلاف أنواعها وتباين أنحائها سيما الأئمة منهم وإن انتسب بعضهم في الظاهر إلى أحد من المجتهدين فهو في الحقيقة ليس منتسبا إليه بل تابع ( 3 / 130 ) للقرآن والحديث مجتهد بنفسه في علمه وعمله - والله أعلم بالصواب

(3/129)


شيخ الإسلام : تقي الدين أبو العباس أحمد بن المفتي : شهاب الدين عبد الحليم بن شيخ الإسلام : مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني الحنبلي

(3/130)


مولده - رحمه الله ورحمنا به - : بحران يوم الإثنين عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة هاجر والده به وبإخوته إلى الشام من جور التتر وعني الشيخ تقي الدين بالحديث ونسخ جملة من الكتب وتعلم الخط والحساب في المكتب وحفظ القرآن ثم أقبل على الفقه وقرأ أياما في العربية على ابن عبد القوي ثم فهمها وأخذ يتأمل كتاب سيبويه حتى فهمه وبرع في النحو وأقبل على التفسير إقبالا كليا حتى سبق فيه وأحكم أصول الفقه كل هذا وهو ابن بضع عشرة سنة فانبهر الفضلاء من فرط ذكائه وسيلان ذهنه وقوة حافظته وإدراكه ونشأ في تصون تام وعفاف وتعبد واقتصاد في الملبس والمأكل وكان يحضر المدارس والمحافل في صغره فيناظر ويفحم الكبار ويأتي بما يتحيرون منه وأفتى وله أقل من تسع عشرة سنة وشرع في الجمع والتأليف ومات والده وله إحدى وعشرون سنة وبعد صيته في العالم فطبق ذكره الآفاق وأخذ في تفسير الكتاب العزيز أيام الجمع على كرسي من حفظه فكان يورد المجلس ولا يتلعثم وكذلك الدرس بتؤدة وصوت جهوري فصيح يقول في المجلس أزيد من كراسين ويكتب على الفتوى في الحال عدة أوصال بخط سريع في غاية التعليق والإغلاق
قال الشيخ العلامة كمال الدين بن الزملكاني - علم الشافعية - في خط كتبه في حق ابن تيمية : كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن وحكم بأن لا يعرفه أحد مثله وكانت الفقهاء من سائر الطوائف إذا جالسوه استفادوا في مذاهبهم منه أشياء
قال : ولا يعرف أنه ناظر أحدا فانقطع معه ولا تكلم في علم من العلوم سواء ( 3 / 131 ) كان من علوم الشرع أو غيرها إلا فاق فيه أهله واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها . انتهى كلامه

(3/130)


وكانت له خبرة تامة بالرجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم ومعرفة بفنون الحديث وبالعالي والنازل والصحيح والسقيم مع حفظه لمتونه الذي انفرد به وهو عجيب في استحضاره واستخراج الحجج منه وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة والمسند بحيث يصدق عليه أن يقال : كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث ولكن الإحاطة لله غير أنه يغترف فيه من بحر وغيره من الأئمة يغترفون من السواقي
أما التفسير فسلم إليه وله في استحضار الآيات للاستدلال قوة عجيبة ولفرط إمامته في التفسير وعظمة اطلاعه بين خطأ كثيرا من أقوال المفسرين ويكتب في اليوم والليلة من : التفسير أو من الفقه أو من الأصلين أو من الرد على الفلاسفة والأوائل نحوا من أربعة كراريس وما يبعد أن تصانيفه إلى الآن تبلغ خمسمائة مجلدة وله في غير مسألة مصنف مفرد كمسألة التحليل سماه : بيان الدليل على إبطال التحليل مجلد وغيرها
وله : مصنف في الرد على ابن مطهر الرافضي الحلي في ثلاث مجلدات كبار سماه : منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية
وتصنيف في : الرد على تأسيس التقديس للرازي في سبع مجلدات
وكتاب في : الرد على المنطق وكتاب في : الموافقة بين المعقول والمنقول في مجلدين وقد جمع أصحابه من فتاواه ست مجلدات كبار وله باع طويل في معرفة مذاهب الصحابة والتابعين قل أن يتكلم في مسألة إلا ويذكر فيها مذاهب الأربعة وقد خالف الأربعة في مسائل معروفة وصنف فيها واحتج لها بالكتاب والسنة
وله : مصنف سماه : السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية . ( 3 / 132 )
وكتاب : رفع الملام عن الأئمة الأعلام

(3/131)


وبقي عدة سنين لا يفتى بمذهب معين بل بما قام الدليل عليه عنده ولقد نصر السنة المحضة والطريقة السلفية واحتج لها ببراهين ومقدمات وأمور لم يسبق إليها وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا وجسر هو عليها حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قياما لا مزيد عليه وبدعوه وناظروه وكابروه وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي بل يقول الحق المر الذي أدى إليه اجتهاده وحدة ذهنه وسعة دائرته في السنن والأقوال
وجرى بينه وبينهم حملات حربية ووقعات شامية ومصرية
وكان معظما لحرمات الله دائم الابتهال كثير الاستعانة قوي التوكل ثابت الجأش له أوراد وأذكار يديمها وله من الطرف الآخر محبون من : العلماء والصلحاء والجند والأمراء والتجار والكبراء وسائر العامة تحبه بشجاعته تضرب الأمثال وببعضها يتشبه أكابر الأبطال ولقد أقامه الله في نوبة غازان والتقى أعباء الأمر بنفسه واجتمع بالملك مرتين وبخلطو شاه وبولان وكان قيحق يتعجب من إقدامه وجرأته على المغل
قال القاضي المنشي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فضل الله في ترجمته : جلس الشيخ إلى السلطان محمود غازان حيث تجم الأسد في آجامها وتسقط القلوب دواخل أجسامها وجد النار فتورا في ضرومها والسيوف فرقا في قرمها خوفها من ذلك السبع المغتال والنمروذ المحتال والأجل الذي لا يدفع بحيلة محتال فجلس إليه وأومى بيده إلى صدره وواجهه ودار في نحره وطلب منه الدعاء فرفع يديه ودعاء منصف أكثره عليه وغازان يؤمن على دعائه
وكتب ابن الزملكاني على بعض تصانيف ابن تيمية - رحمه الله - هذه الأبيات :
ماذا يقول الواصفون له ... وصفاته جلت عن الحصر
هو حجة لله قاهرة ... هو بيننا أعجوبة العصر ( 3 / 133 )
هو آية في الخلق ظاهرة ... أنوارها أربت على الفجر

(3/132)


قال القاضي أبو الفتح ابن دقيق العيد : لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلا كل العلوم بين عينيه يأخذ ما يريد ويدع ما يريد وحضر عنده شيخ النحاة : أبو حيان وقال : ما رأت عيناي مثله وقال فيه على البديهية أبياتا منها :
قام ابن تيمية في نصر شرعتنا ... مقام سيد تيم إذ عصت مضر
فأظهر الحق إذ آثاره درست ... وأخمد الشر إذ طارت له الشرر
كنا نحدث عن حبر يجيء فها ... أنت الإمام الذي قد كان ينتظر
قال ابن الوردي في تاريخه : بعد ذلك كله هو أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله ولا رأى هو مثل نفسه في العلم وكان فيه قلة مداراة وعدم تؤدة غالبا ولم يكن من رجال الدول ولا يسلك معهم تلك النواميس وأعان أعداءه على نفسه بدخوله في مسائل كبار لا يحتملها عقول أبناء زماننا ولا علومهم كمسألة : التكفير في الحلف بالطلاق ومسألة : أن الطلاق بالثلاث لا يقع إلا واحدة وأن الطلاق في الحيض لا يقع
وساس نفسه سياسة عجيبة فحبس مراتب بمصر ودمشق والإسكندرية وارتفع وانخفض واستبد برأيه وعسى أن يكون ذلك كفارة له وكم وقع في صعب بقوة نفسه وخلصه الله وله نظم وسط ولم يتزوج ولا تسرى ولا كان له من المعلوم إلا شيء قليل وكان أخوه يقوم بمصالحه وكان لا يطلب منهم غداء ولا عشاء غالبا وما كانت الدنيا منه على بال وكان يقول في كثير من أحوال المشائخ : إنها شيطانية أو نفسانية فينظر في متابعة الشيخ الكتاب والسنة فإن كان كذلك فحاله صحيح وكشفه رحماني غالبا وما هو بالمعصوم وله في ذلك عدة تصانيف تبلغ مجلدات من أعجب العجب وكم عوفي من صرع الجني إنسان بمجرد تهديده للجني وجرت له في ذلك فصول ولم يفعل أكثر من أن يتلو آيات ( 3 / 134 ) ويقول : إن تنقطع من هذا المصروع وإلا عملنا معك حكم الشرع وإلا عملنا معك ما يرضي الله ورسوله

(3/133)


وفي آخر الأمر ظفروا له بمسألة السفر لزيارة قبور النبيين وأن السفر وشد الرحال لذلك منهي عنه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ) مع اعترافه بأن الزيادة بلا شد رحل قربة فشنعوا عليه بها وكتب فيها جماعة : بأنه يلزم من منعه شائبة تنقيص للنبوة فيكفر بذلك
وأفتى عدة : بأنه مخطئ بذلك خطأ المجتهدين المغفور لهم ووافقه جماعة وكبرت القضية فأعيد إلى قاعة بالقلعة فبقي بضعة وعشرين شهرا و آل الأمر إلى أن منع من الكتابة والمطالعة وما تركوا عنده كراسا ولا دواة وبقي أشهرا على ذلك فأقبل على التلاوة والتهجد والعبادة حتى أتاه اليقين فلم يفجأ الناس إلا نعيه وما علموا بمرضه فازدحم الخلق عند باب القلعة وبالجامع زحمة صلاة الجمعة وأرجح وشيعه الخلق من أربعة أبواب البلد وحمل على الرؤوس وعاش سبعا وستين سنة وأشهرا وكان أسود الرأس قليل شيب اللحية ربعة جهوري الصوت أبيض أعين
قلت : تنقص مرة بعض الناس من ابن تيمية عند القاضي ابن الزملكاني وهو بحلب وأنا حاضر فقال : ومن يكون مثل الشيخ تقي الدين في زهده وصبره وشجاعته وكرمه وعلومه والله لولا نعرضه للسلف لزاحمهم بالمناكب وهذه نبذة من ترجمة الشيخ مختصرة أكثرها من : الدرة اليتيمية في السيرة التيمية للإمام الحافظ : شمس الدين محمد الذهبي - رحمه الله -
قال ابن الوردي : وفيها أي : سنة 723 ، ليلة الإثنين والعشرين من ذي القعدة توفي شيخ الإسلام ابن تيمية - رضي الله عنه - معتقلا بقلعة دمشق وغسل وكفن وأخرج وصلى عليه أولا : بالقلعة الشيخ محمد بن تمام ثم : بجامع دمشق بعد الظهر من باب الفرج واشتد الزحام في سوق الخيل وتقدم عليه ( 3 / 135 ) في الصلاة هناك أخوه وألقى الناس عليه مناديلهم وعمائمهم للتبرك وتراص الناس تحت نعشه وحضرت النساء خمسة عشر ألفا وأما الرجال فقيل : كانوا مائتي ألف وكثر البكاء عليه وختمت له ختم عديدة وتردد الناس إلى زيارة قبره أياما ورؤيت له منامات صالحة ورثاه جماعة

(3/134)


قلت : ورثيته أنا بمرثية على حرف الطاء فشاعت واشتهرت وطلبها مني الفضلاء والعلماء من البلاد وهي :
عثافي عرضه قوم سلاط ... لهم من نثر جوهره الالتقاط
تقي الدين أحمد خير حبر ... خروق المعضلات به تخاط
توفي وهو محبوس فريد ... وليس له إلى الدنيا انبساط
ولو حضروه حين قضى لألفوا ... ملائكة النعيم به أحاطوا
قضى نحبا وليس له قرين ... ولا لنظيره لف القماط
فتى في علمه أضحى فريدا ... وحل المشكلات به يناط
وكان إلى التقى يدعو البرايا ... وينهى فرقة فسقوا ولاطوا
وكان الجن تفرق من سطاه ... بوعظ للقلوب هو السياط
فيا لله ما قد ضم لحد ... ويا لله ما غطى البلاط
هم حسدوه لما لم ينالوا ... مناقبه فقد مكروا وشاطوا
وكانوا على طرائقه كسالى ... ولكن في أذاه لهم نشاط
وحبس الدر في الأصداف فخر ... وعند الشيخ بالسجن اغتباط
بآل الهاشمي له اقتداء ... فقد ذاقوا المنون ولم يواطوا
بنو تيمية كانوا فبانوا ... نجوم العلم أدركها انهباط
ولكن يا ندامة حابسيه ... فشك الشرك كان به يماط
ويا فرح اليهود بما فعلتم ... فإن الضد يعجبه الخباط
ألم يك فيكم رجل رشيد ... يرى سجن الإمام فيستشاط ( 3 / 136 )
إمام لا ولاية كان يرجو ... ولا وقف عليه ولا رباط
ولا جاراكم في كسب مال ... ولم يعهد له بكم اختلاط
ففيم سجنتموه وعظتموه ... أما لجزا أذيته اشتراط
وسجن الشيخ لا يرضاه مثلي ... ففيه لقدر مثلكم انحطاط
أما والله لولا كتم سري ... وخوف الشر لانحل الرباط
وكنت أقول ما عندي ولكن ... بأهل العلم ما حسن اشتطاط
فما أحد إلى الإنصاف يدعو ... وكل في هواه له انخراط
سيظهر قصدكم يا حابسيه ... وننبئكم إذا نصب الصراط
فما هو مات عنكم واسترحتم ... فعاطوا ما أردتم أن تعاطوا
وحلوا واعقدوا من غير رد ... عليكم وانطوى ذاك السباط

(3/135)


وكنت اجتمعت به بدمشق سنة 715 ، بمسجده بالقصاعين وبحثت بين يديه في فقه وتفسير ونحو فأعجبه كلامي وقبل وجهي وإني لأرجو بركة ذلك وحكى لي عن واقعته المشهورة في جبل كسروان وسهرت عنده ليلة فرأيت من فتوته ومروءته ومحبته لأهل العلم - ولا سيما الغرباء منهم - أمرا كثيرا وصليت خلفه التراويح في رمضان فرأيت على قراءته خشوعا ورأيت على صلاته رقة حاشية تأخذ بمجامع القلوب . انتهى كلام الإمام : زين الدين عمر بن الوردي المتوفى بحلب سنة 749 - رحمه الله تعالى - بعبارته
وقد ذكرت لابن تيمية - رحمه الله - ترجمة حافلة بالفارسية في كتابي : ( ( إتحاف النبلاء المتقين ) )

(3/136)


وله - قدس سره - تراجم كثيرة حسنة اعتنى بجمعها جمع جم من العلماء الفضلاء
منها : كتاب القول الجلي في ترجمة شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية الحنبلي للسيد صفي الدين أحمد الحنفي البخاري نزيل نابلس - رحمه الله - وهو : جزء ( 3 / 137 ) لطيف وعليه تقريظ للشيخ العلامة : محمد التافلاني مفتي الحنفية بالقدس الشريف وتقريظ للشيخ : عبد الرحمن الشافعي الدمشقي الشهير : بالكزبري
ومنها : كتاب الكواكب الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية للشيخ الإمام العلامة : مرعي
ومنها : كتاب ( الرد الوافر على من زعم أن : من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر ) للشيخ الإمام الحافظ : أبي عبد الله محمد بن شمس الدين أبي بكر بن ناصر الدين الشافعي الدمشقي وعليه تقريظ للحافظ : ابن حجر العسقلاني صاحب : فتح الباري وتقريظ لقاضي القضاة : صالح بن عمر البلقيني - رحمه الله - وتقريظ للشيخ الإمام : عبد الرحمن التفهني الحنفي وتقريظ للشيخ العلامة : شمس الدين محمد بن أحمد البساطي المالكي وتقريظ للقاضي الفهامة : نور الدين محمود بن أحمد العيني الحنفي وهذا : أطول التقاريظ وهي التي كتبوها في سنة 835 وأيضا عليه تقريظ للإمام العلامة قاضي قضاة الحنابلة بالديار المصرية : أبي العباس أحمد بن نصر الله بن أحمد البغدادي ثم المصري كتبه في سنة 836 ، بصالحية دمشق بدار الحديث الأشرفية وتقريظ لمحدث حلب الحافظ الإمام : أبي الوفا إبراهيم بن محمد النعيم رضوان بن محمد بن يوسف العقبي المصري الشافعي ثم قرظ عليه غيرهم من سائر البلدان : كالقاضي سراج الدين الحمصي الشافعي وخلق كثير
وكان قد نبغ شخص في المائة التاسعة - يسمى : علاء الدين محمد البخاري - بدمشق تعصب على الشيخ وأفتى بكفره وكفر من سماه : شيخ الإسلام فرد عليه في هذا الكتاب وعدد من سماه : شيخ الإسلام من أئمة جميع المذاهب منهم : خصومه كالسبكي وغيره وبعد إتمامه أرسله إلى مصر فقرظ عليه من تقدم ذكرهم

(3/136)


وممن مدح شيخ الإسلام بقصائد حسنة طويلة : الشيخ العلامة إسحاق بن أبي بكر النزلي المصري الفقيه المحدث نجم الدين أبو الفضل أولها :
يعنفني في بغيتي رتبة العلى ... جهول أراه راكبا غير مركبي ( 3 / 138 ) . . . إلى آخرها وهي نفيسة جدا
وهذه التقاريظ المشار إليها كلها بمنزلة تراجم مفيدة وهي تفصح عن علو مكان شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في العلوم والمعلومات
وقد أقر بفضله وبلوغه رتبة الاجتهاد من لا يحصى كثرة منهم : الحافظ : الذهبي والسيوطي والسخاوي والمزي والحافظ : ابن كثير وابن دقيق العيد والحافظ : فتح الدين اليعمري المعروف : بسيد الناس والحافظ : علم الدين البرزالي وغير هؤلاء
وقد ترجم له : الحافظ : ابن حجر في الدرر الكامنة والعلامة : شهاب الدين بن فضل الله العمري في مسالك الأبصار والإمام العلامة : ابن رجب الحنبلي في طبقاته والعلامة : ابن شاكر في تاريخه والإمام العالم الحافظ : شمس الدين عبد الهادي في تذكرة الحفاظ ترجمة حافلة جدا وذكر الشيخ الفاضل : صلاح الدين الكتبي في فوات الوفيات من تصانيفه كتبا جمة لا يسع لها هذا الموضع
وأثنى عليه : شيخنا العلامة القاضي : محمد بن علي الشوكاني في آخر : ( شرح الصدور في تحريم رفع القبور ) وشهد أيضا بفضله وعلمه وسعة اطلاعه وكمال ورعه : مخالفوه
منهم : الشيخ : كمال الدين الزملكاني والشيخ : صدر الدين بن الوكيل والشيخ : أبو الحسن تقي الدين السبكي الراد عليه في مسألة الزيارة
وقد رد هذا الرد صاحب كتاب : الصارم المنكي على نحر ابن السبكي وأجمع له - إن شاء الله تعالى - ترجمة حافلة مستقلة في كتاب مفرز لذلك فلنقتصر على هذا المقدار هاهنا

(3/137)


الشيخ العلامة الحافظ : شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن القيم الجوزي الدرعي الدمشقي الحنبلي

(3/138)


ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة . ( 3 / 139 )
وسمع على الشيخ : تقي الدين سليمان القاضي وأبي بكر بن عبد الدائم وشيخ الإسلام : ابن تيمية والشهاب النابلسي العابر وفاطمة بنت جوهر وعيسى المطعم وجماعة
وقرأ في الأصول على الصفي الهندي
وتفقه في المذهب وأفتى وتفنن في علوم الأسفار وكان عارفا بالتفسير لا يجارى فيه وبأصول الدين وإليه فيهما المنتهى وبالحديث ومعانيه وفقهه ودقائق الاستنباط منه لا يلحق في ذلك وبالفقه وأصوله وبالعربية وله فيها اليد الطولى وبعلم الكلام وغير ذلك من : كلام أهل التصوف وإشاراتهم ودقائقهم له في كل فن من الفنون اليد الطولى والمعرفة الشاملة
وكان عالما بالملل والنحل ومذاهب أهل الدنيا علما أتقن وأشمل من أصحابها
وكان جريء الجنان واسع العلم والبيان عارفا بالخلاف ومذاهب السلف غلب عليه حب ابن تيمية - رحمه الله - حتى كان لا يخرج عن شيء من أقواله بل ينتصر له في جميع ذلك وهو الذي هذب كتبه ونشر علمه وكان له حظ عند الأمراء المصريين واعتقل مع شيخه ابن تيمية في القلعة بعد أن أهين وطيف به على جمل مضروبا بالدرة فلما مات شيخه أفرج عنه
وامتحن مرة أخرى بسبب فتاوى ابن تيمية وكان ينال من علماء عصره وينالون منه وكان نيله حقا ونيلهم باطلا
قال الذهبي في المختصر : حبس مرة لإنكاره شد الرحل لزيارة قبر الخليل ثم تصدر للاشتغال ونشر العلم ولكنه معجب برأيه جريء على أمور وكانت مدة ملازمته لابن تيمية منذ عاد من مصر اثنتي عشرة سنة إلى أن مات

(3/138)


قال الحافظ ابن كثير : كان ملازما للأشغال ليلا ونهارا كثير الصلاة والتلاوة حسن الخلق كثير التودد لا يحسد ولا يحقد . ( 3 / 140 )
قال : ولا أعرف في زماننا من أهل العلم أكثر عبادة منه وكان يطيل الصلاة جدا ويمد ركوعها وسجودها وكان يقصد للإفتاء بمسألة الطلاق إلى أن جرت له بسببها أمور يطول بسطها مع ابن السبكي وغيره
وكان إذا صلى الصبح جلس مكانه يذكر الله حتى يتعالى النهار وكان يقول : هذه عبادتي حتى لو لم أعتدها سقطت قواي وكان مغرما بجمع الكتب فحصل منها ما لا ينحصر حتى كان أولاده يبيعون منها بعد موته دهرا طويلا سوى ما اصطفوه لأنفسهم منها
وله من التصنيفات : زاد المعاد في هدي خير العباد أربع مجلدات كتاب عظيم جدا وأعلام الموقعين عن رب العالمين ثلاث مجلدات وبدائع الفوائد مجلدان وجلاء الأفهام مجلد وإغاثة اللهفان مجلد ومفتاح دار السعادة مجلد ضخم وكتاب الروح وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح والصواعق المنزلة على الجهمية والمعطلة مجلدات وتصانيف أخرى
ومن نظمه : قصيدة تبلغ سبعة آلاف بيت سماها : الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية مجلد
ومن كلامه : بالصبر والفقر تنال الإمامة في الدين وكان يقول : لا بد للسالك من همة يسيرة ترقيه وعلم يبصره ويهديه
وكل تصانيفه مرغوب فيها بين الطوائف وهو طويل النفس فيها قصدا للإيضاح ومعظمها من كلام شيخه يتصرف في ذلك وله في ذلك ملكة قوية وهمة علوية ولا يزال يدندن حول مفرداته وينصرها ويحتج لها

(3/139)


مات سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ثالث عشر رجب وكانت جنازته المقدسة حافلة جدا ورؤيت له بعد الموت منامات حسنة وكان هو ذكر قبل موته بمدة : أنه رأى شيخه ابن تيمية في المنام وأنه سأله عن : منزلته ؟ فقال : إنه أنزل منزلا فوق فلان وسمى بعض الأكابر ثم قال : وأنت كدت تلحق بنا ولكن أنت ( 3 / 141 ) الآن في طبقة ابن خزيمة
قال الشيخ العلامة ابن رجب الحنبلي - في طبقاته - : وكان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى وتأله ولهج بالذكر وشغف بالمحبة والإنابة والافتقار إلى الله تعالى والانكسار له والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته لم أشهد مثله في ذلك ولا رأيت أوسع منه علما ولا أعرف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه وليس هو بالمعصوم ولكن لم أر في معناه مثله وقد امتحن وأوذي مرات وحبس مع شيخه في المرة الأخيرة بالقلعة منفردا عنه وكان مدة حبسه مشتغلا بتلاوة القرآن بالتدبر والتفكر ففتح عليه من ذلك خير كثير وحصل له جانب عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة وتسلط بسبب ذلك على الكلام في علوم أهل المعارف والدخول في غوامضهم وتصانيفه ممتلئة بذلك وحج مرات كثيرة وجاور بمكة وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة وكثرة الطواف أمرا يتعجب منه ولازمت مجالسته قبل موته أزيد من سنة وسمعت عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة وأشياء من تصانيفه وغيرها
وأخذ عنه العلم خلق كثير في حياة شيخه وإلى أن مات وانتفعوا به وكان الفضلاء يعظمونه ويتتلمذون له : كابن عبد الهادي وغيره

(3/140)


قال القاضي برهان الدرعي : ما تحت أديم السماء أوسع علما منه درس بالصدرية وأم بالجوزية مدة طويلة وكتب بخطه مالا يوصف كثرة وصنف تصانيف كثيرة جدا في أنواع العلم وكان شديد المحبة للعلم وكتابته ومطالعته وتصنيفه واقتناء كتبه واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره
فمن تصانيفه :
كتاب : تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته على ما فيه من الأحاديث المعلولة مجلد
وكتاب : سفر الهجرتين وباب السعادتين مجلد ضخم
وكتاب : شرح منازل السائرين كتاب جليل القدر . ( 3 / 142 )
وكتاب : شرح أسماء الكتاب العزيز مجلد
وكتاب : زاد المسافرين إلى منازل السعداء في هدي خاتم الأنبياء
وكتاب : نقد المنقول والمحك المميز بين : المردود والمقبول
وكتاب : نزهة المشتاقين وروضة المحبين مجلد
وكتاب : الداء والدواء مجلد
وكتاب : تحفة الودود في أحكام المولود مجلد لطيف
وكتاب : اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو الفرقة الجهمية
وكتاب : رفع اليدين في الصلاة مجلد
وكتاب : تفضيل مكة على المدينة مجلد
وكتاب : فضل العلم مجلد وعدة الصابرين مجلد
وكتاب : الكبائر مجلد وحكم تارك الصلاة مجلد
وكتاب : نور المؤمن وحياته مجلد وكتاب : التحرير فيا يحل ويحرم من لباس الحرير وكتاب : جوابات عابدي الصلبان وأن ما هم عليه دين الشيطان وكتاب : بطلان الكيمياء من أربعين وجها وكتاب : الفرق بين الخلة والمحبة وكتاب : الكلم الطيب والعمل الصالح وكتاب : الفتح القدسي وكتاب : أمثال القرآن وكتاب : إيمان القرآن وكتاب : مسائل الطرابلسية ثلاث مجلدات والصراط المستقيم في أحكام أهل الجحيم وكتاب : الطاعون . انتهى كلام ابن رجب - رحمه الله تعالى - مع الاختصار

(3/141)


قلت : وعندي من هذه الكتب أكثرها وقد انتفعت به - بتوفيق الله تعالى - انتفاعا لا أستطيع أن أؤدي شكره ووقفت على بعض هذه الكتب في سفر الحجاز والتقطت منه بعض الفوائد
وله - رحمه الله - تصانيف غير ما ذكرنا لا تحصى كثرة ولكن عز وجودها في هذا الزمان ونسجت عليها عناكب النسيان وغابت عن العيان ودرجت في خبر ( 3 / 143 ) كان لمفاسد وتعصبات من أبناء الزمان وقلة مبالاة بها من أسراء التقليد وظني أن من كان عنده تصنيف من تصانيف هذا الحبر العظيم الشأن الرفيع المكان أو تصنيف شيخه العلامة الإمام ناصر الإسلام : ابن تيمية درة معدن الحران أو تصنيف شيخنا وبركتنا القاضي : محمد بن علي الشوكاني شمس فلك الإيمان أو تصانيف السيد العلامة : محمد بن إسماعيل الأمير اليماني غرة جبهة الزمان - شملتهم رحمة ربنا الرحمن في الآخرة وخصهم الله تعالى بنعيم الرضوان والجنان - لكفى لسعادة دنياه وآخرته ولم يحتج بعد ذلك إلى تصنيف أحد من المتقدمين والمتأخرين في درك الحقائق الإيمانية - إن شاء الله تعالى - والتوفيق من الله المنان وبيده الهداية وهو المستعان

(3/142)


وكان أبو ابن القيم : أبو بكر بن أيوب

(3/143)


متعبدا قليل التكلف
سمع على الرشيد العامري وحدث عنه
توفي في ذي الحجة سنة 723

(3/143)


وأما : ولد الحافظ ابن القيم : إبراهيم بن محمد

(3/143)


فمولده سنة 716 ، حضر على أيوب الكحال وسمع من جماعة : كابن الشحنة ومن بعده واشتهر وتقدم وأفتى ودرس
ذكره الذهبي - في معجمه - فقال : تفقه بأبيه وشاركه في العربية وسمع وقرأ واشتغل بالعلم
ومن نوادره : أنه وقع بينه وبين الحافظ : عماد الدين ابن كثير منازعة في تدريس فقال له ابن كثير : أنت تكرهني لأني أشعري
فقال له : لو كان من رأسك إلى قدمك شعر ما صدقك الناس في قولك : أنك أشعري وشيخك ابن تيمية - رحمه الله -
ألف : شرحا على ألفيه ابن مالك وكان فاضلا في النحو والحديث والفقه على طريقة أبيه ودرس بأماكن عديدة وكانت وفاته في صفر سنة 767 - والله أعلم

(3/143)


وأما : ولده الآخر : عبد الله بن محمد

(3/143)


فمولده سنة 723 ، اشتغل على أبيه وغيره وكان مفرط الذكاء حفظ سورة الأعراف في يومين ثم درس المحرر في ( 3 / 144 ) الفقه والمحرر في الحديث والكافية والشاطبية وسمع الحديث فأكثر على أصحاب ابن عبد الدائم وغيرهم وسمع الصحيح في الحجاز ومهر في العلم وأفتى ودرس وحج مرارا
وصفه ابن كثير الحافظ : بالذهن الحاذق والفكر الصائب
وقال ابن رجب : كان أعجوبة زمانه ووحيد أوانه توفي - رحمه الله - في سنة 756 ، وذكر ترجمتهم الحافظ : ابن حجر في الدرر الكامنة

(3/143)


أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصفهاني

(3/144)


الإمام المشهور : بالظاهري كان زاهدا متقللا كثير الورع
أخذ العلم عن : إسحاق بن راهويه وأبي ثور وغيرهما
وكان صاحب مذهب مستقل وتبعه جمع كثير يعرفون : بالظاهرية
وكان ولده : أبو بكر محمد على مذهبه وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد وهو إمام أصحاب الظاهر
قال أبو العباس ثعلب : كان عقل داود أكثر من علمه وكان يقول : خير الكلام ما دخل الآذان بغير إذن
ولد بالكوفة سنة 202 ونشأ ببغداد وتوفي سنة 307
قال ولده : رأيت أبي في المنام فقلت له : ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي وسامحني
فقلت : غفر الله لك فبم سامحك ؟
فقال : يا بني الأمر عظيم والويل كل الويل لمن لم يسامح

(3/144)


أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني

(3/144)


كان حافظ عصره رحل في طلب الحديث من الشام إلى العراق والحجاز واليمن ومصر وبلاد الجزيرة وأقام في الرحلة ثلاثا وثلاثين سنة وسمع الكثير عدد شيوخه ألف شيخ وله المصنفات الممتعة النافعة . ( 3 / 145 )
منها : المعاجم الثلاثة : الكبير والأوسط والصغير وهي أشهر كتبه
روى عنه : الحافظ أبو نعيم والخلق الكثير توفي سنة 360
والطبراني : - بفتح الطاء والباء والراء - نسبة إلى : طبرية والطبري : نسبة إلى طبرستان

(3/144)


أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي المالكي

(3/145)


كان من علماء الأندلس وحفاظها سكن شرق الأندلس ورحل إلى المشرق وأقام بمكة مع أبي ذر الهروي ثلاثة أعوام وحج
ثم رحل إلى بغداد فأقام بها ثلاثة أعوام يقرأ الحديث ويدرس الفقه ولقي بها : أبا الطيب الطبري وأبا إسحاق الشيرازي وروى عن الخطيب وروى الخطيب عنه
له : كتاب التجريح والتعديل فيمن روى عنه البخاري في الصحيح وغير ذلك وهو أحد أئمة المسلمين وكان قد رجع إلى الأندلس وولي القضاء هناك توفي بالمرية سنة 471
وأخذ عنه : ابن عبد البر صاحب كتاب الاستيعاب وبينه وبين أبي محمد بن حزم الظاهري مجالسات ومناظرات وفصول يطول شرحها
والباجي : نسبة إلى ( باجة ) وهي : مدينة بالأندلس وثم ( باجة ) أخرى : وهي : مدينة بأفريقية و ( باجة ) أخرى : وهي : قرية من قرى أصفهان

(3/145)


أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الكردي الشهرزوري المعروف : بابن الصلاح

(3/145)


كان أحد فضلاء عصره في : التفسير والحديث وأسماء الرجال وما يتعلق بعلم الحديث ونقل اللغة والفقه
قال ابن خلكان : وهو أحد أشياخي الذين انتفعت بهم
تولى التدريس بالمدرسة الناصرية بالقدس وأقام بها مدة واشتغل الناس عليه وانتفعوا به . ( 3 / 146 )
ثم انتقل إلى دمشق وكان من العلم والدين على قدم عظيم
وصنف في علوم الحديث كتابا نافعا ولم يزل أمره جاريا على السداد والصلاح والاجتهاد في الاشتغال والنفع إلى أن توفي يوم الأربعاء وقت الصبح في ربيع الآخر سنة 640 ، بدمشق
ومولده : سنة 577 ، بشرخان

(3/145)


أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الحافظ الدارقطني

(3/146)


كان عالما حافظا انفرد بالإمامة في علم الحديث في عصره ولم ينازعه في ذلك أحد من نظرائه وتصدر في آخر أيامه للإقراء ببغداد وكان عارفا باختلاف الفقهاء ويحفظ كثيرا من دواوين العرب
روى عنه الحافظ : أبو نعيم الأصفهاني - صاحب حلية الأولياء - وقبل القاضي ابن معروف شهادته فندم على ذلك وقال : كان يقبل قولي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بانفرادي فصار لا يقبل قولي على نقلي إلا مع آخر
صنف : كتاب السنن والمختلف والمؤتلف وغيرهما
وخرج من بغداد إلى مصر وكان متفننا في علوم كثيرة إماما في علوم القرآن
ولد سنة 306 وتوفي في سنة 385 ، ودفن قريبا من معروف الكرخي ودار القطن : محلة كبيرة ببغداد

(3/146)


أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي

(3/146)


صاحب التفاسير كان أستاذ عصره في التفسير والنحو ورزق السعادة في تصانيفه وأجمع الناس على حسنها وذكرها المدرسون في دروسهم منها : البسيط والوسيط والوجيز ومنه أخذ : أبو حامد الغزالي أسماء كتبه الثلاثة وله : كتاب أسباب نزول القرآن وشرح ديوان المتنبي
وكان تلميذ الثعلبي المفسر وعنه أخذ علم التفسير وأربى عليه
وتوفي عن مرض طويل في سنة 467 ، بمدينة نيسابور . ( 3 / 147 )

(3/146)


أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الإمام

(3/147)


المشهور أصله من فارس ومولده بقرطبة من بلاد الأندلس يوم الأربعاء قبل طلوع الشمس سلخ شهر رمضان سنة 384 ويزيد - جده الأعلى - : وهو من موالي يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي كان حافظا عالما بعلوم الحديث وفقهه مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب فانتقل إلى مذهب أهل الظاهر
وكان متفننا في علوم جمة عاملا بعلمه زاهدا في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الملك متواضعا ذا فضائل جمة وتواليف كثيرة
ألف في فقه الحديث كتابا سماه : ( الإيصال إلى فهم الخصال ) الجامعة لجمل شرائع الإسلام في : الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين والحجة لكل طائفة وعليها وهو كتاب كبير
قال ابن بشكوال في حقه : كان أبو محمد أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة مع توسعة في علم اللسان ووفور حظه من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار كتب بخطه من تأليفه نحو أربعمائة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة
قال الحافظ الحميدي : ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه وكان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين لا يكاد يسلم أحد من لسانه فنفرت عنه القلوب واستهدف فقهاء وقته فتمالوا على بغضه وردوا أقواله وأجمعوا على تضليله وشنعوا عليه وحذروا سلاطنيهم من فتنته ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخذ عنه فأقصته الملوك وشردته عن بلاده حتى انتهى إلى بادية لبلة فتوفي بها آخر النهار من شعبان سنة 456 ، وقيل : في منت ليشم : وهي قرية ابن حزم
قال ابن العريف : كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج الثقفي . شقيقين . ( 3 / 148 )
وإنما قال ذلك لكثرة وقوعه في الأئمة وكان والده وزير الدولة العامرية ذكر ذلك ابن خلكان في تاريخه
قلت : وذكر الشيخ ابن عربي - صاحب الفتوحات - أنه رأى أبا حزم في المنام وقد عانق رسول الله صلى الله عليه وسلم فغاب أحدهما في الآخر فلم أعرف أحدهما عن الآخر هذا حاصل معناه وهذا يدل على حسن عاقبته ولطف علمه وخيرة طريقه وكما اتحاده بالنبي صلى الله عليه وسلم وليس وراء ذلك غاية - والله أعلم -
والظاهرية : هم أئمة الأمة وسلفها وقدوة المسلمين في كل زمان ومذهبهم أصفى مذاهب عالم الإمكان ولنعم ما قيل :
بلاء ليس يعدله بلاء ... عداوة غير ذي حسب ودين
يبيحك منه عرضا لم يصنه ... ويرتع منك في عرض مصون

(3/147)


القاضي : أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي

(3/148)


كان إمام وقته في الحديث وعلومه والنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم له التصانيف المفيدة منها :
كتاب : الإكمال في شرح صحيح مسلم
ومشارق الأنوار في غريب الحديث
والشفا في حقوق المصطفى
دخل الأندلس طالبا للعلم وأخذ بقرطبة عن جماعة وجمع من الحديث كثيرا وكان له عناية كثيرة به والاهتمام بجمعه وتقييده وهو من أهل اليقين في العلم والذكاء والفطنة والفهم
واستقضي ببلدة سبتة مدة طويلة حمدت سيرته فيها ثم نقل منها إلى قضاء غرناطة فلم تطل مدته فيها وله شعر حسن ونثر بليغ
ولد سنة 476 وتوفي في سنة ( 3 / 149 ) 544 ، بغرناطة وهي : بلدة بالأندلس

(3/148)


أبو عبد الله محمد بن يحيى بن مندة العبدي الحافظ

(3/149)


المشهور صاحب كتاب : تاريخ أصفهان كان أحد الحفاظ الثقات وهم أهل بيت كبير خرج منه جماعة من العلماء توفي في سنة 301

(3/149)


أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعروف : بابن العربي الأندلسي الإشبيلي المالكي

(3/149)


الحافظ المشهور صاحب كتاب : القبس في شرح موطأ مالك بن أنس
قال ابن بشكوال : هو ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها رحل إلى المشرق ودخل الشام وبغداد وسمع بها من جماعة
ثم دخل الحجاز فحج ثم عاد إلى بغداد وصحب أبا بكر الشاشي وأبا حامد الغزالي - رحمهم الله - وغيرهما
ثم صدر عنهم ولقي بمصر والإسكندرية جماعة من المحدثين فكتب عنهم واستفاد منهم وأفادهم
ثم عاد إلى الأندلس وقدم إلى إشبيلية بعلم كثير لم يدخل أحد قبله بمثله ممن كانت له رحلة إلى المشرق وكان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها والجمع لها مقدما في المعارف كلها متكلما في أنواعها نافذا في جميعها حريصا على أدائها ونشرها ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها ويجمع إلى ذلك كله : آداب الأخلاق مع حسن المعاشرة ولين الكنف وكثرة الاحتمال وكرم النفس وحسن العهد وثبات الود واستقضي ببلده فنفع الله به أهلها لصرامته وشدته ونفوذ أحكامه وكانت له في الظالمين سورة مرهوبة
ثم صرف عن القضاء وأقبل على نشر العلم وبثه
ولد سنة 468 ، وتوفي بمدينة فاس في سنة 543
وله مصنفات منها : كتاب عارضة الأحوذي في شرح الترمذي
والعارضة : القدرة في الكلام والأحوذي : الخفيف في الشيء لحذقه
وقال ( 3 / 150 ) الأصمعي : المسمى في الأمور القاهر لها الذي لا يشذ عليه منها شيء

(3/149)


أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله المعروف : بابن تيمية الحراني الملقب : فخر الدين الخطيب الواعظ

(3/150)


كان فاضلا تفرد في بلاده بالعلم وكان المشار إليه في الدين لقي جماعة من العلماء وأخذ عنهم العلوم وقدم بغداد وتفقه بها وسمع الحديث وصنف في مذهب الإمام أحمد مختصرا أحسن فيه وله ديوان خطب مشهور وهو في غاية الجودة وله نظم حسن وكانت إليه الخطابة بحران ولأهله من بعده ولم يزل أمره جاريا على سداد وصلاح حال
ولد بمدينة حران سنة 543 وتوفي بها في سنة 621
ذكره ابن سلامة في : تاريخ حران وأثنى عليه
وذكره ابن المستوفي في : تاريخ إربل فقال : ورد إربل حاجا وذكر فضله قال : وكان يدرس التفسير كان يوم وهو حسن القصص حلو الكلام مليح الشمائل وله القبول التام عند الخاص والعام
قال : سألته عن اسم تيمية ما معناه ؟
فقال : حج أبي أو جدي - أنا أشك أيهما ؟ - فلما رجع إلى حران وجد امرأته قد وضعت جارية فلما رفعوها إليه قال : يا تيمية يا تيمية يعني : إنها تشبه التي رآها بتيماء فسمى بها أو كلاما هذا معناه
وتيماء : بليدة في بادية تبوك إذا خرج الإنسان من خيبر إليها تكون على منتصف طريق الشام
وتيمية : منسوبة إلى هذه البليدة وكان ينبغي أن تكون تيماوية لأن النسبة إلى تيماء : تيماوي لكنه هكذا قال واشتهر كما قال

(3/150)


يوسف بن عبد البر بن محمد النمري القرطبي

(3/150)


إمام عصره في الحديث والأثر وما يتعلق بهما لم يكن في الأندلس مثله في علم السنة وكان أحفظ أهل ( 3 / 151 ) المغرب في زمانه دأب في طلب العلم وأفتى به وبرع براعة فاق فيها من تقدمه من رجال الأندلس
وألف في الموطأ كتبا مفيدة منها : كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني و الأسانيد
قال ابن حزم : لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه ؟
وله : كتاب الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار
وكتاب : الاستيعاب
وكتاب : جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله وغير ذلك
وكان موفقا في التأليف معانا عليه - نفع الله به - وكان له بسطة كثيرة في علم النسب
وفارق قرطبة وجال في غرب الأندلس مدة ثم سكن دانية وبلنسية وشاطبة في أوقات مختلفة وتولى قضاء لشبونة وشنترين
توفي في سنة 463 ، بمدينة شاطبة
وكان مولده سنة 368 ، وهو : حافظ المغرب كما كان الخطيب البغدادي : حافظ المشرق وقد ماتا في سنة واحدة وهما : إمامان في هذا الفن - وكان أمر الله قدرا مقدروا

(3/150)


أبو بكر بن أحمد بن الحسين البيهقي

(3/151)


واحد زمانه وفرد أقرانه في الفنون من كبار أصحاب الحاكم في الحديث ثم الزائد عليه في أنواع العلوم غلب عليه الحديث واشتهر به ورحل في طلبه إلى الجبال والحجاز والعراق
وسمع بخراسان من علماء عصره تبلغ تصانيفه ألف جزء
وهو : أول من جمع نصوص الإمام الشافعي
وله : السنن الصغير والكبير ودلائل النبوة وشعب الإيمان ومناقب الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل . ( 3 / 152 )
وكان قانعا من الدنيا بالقليل
قال إمام الحرمين في حقه : ما من شافعي المذهب إلا وللشافعي عليه منة إلا أحمد البيهقي فإن له على الشافعي منة
وطلب إلى نيسابور لنشر العلم فانتقل إليها وكان على سيرة السلف
وأخذ عنه الحديث جماعة من الأعيان
ولد في سنة 384 وتوفي في سنة 458 ، بنيسابور ونقل إلى بيهق وهي : قرى مجتمعة بنواحي نيسابور على عشرين فرسخا منها وخسرو جرد : من قراها فهو منها

(3/151)


أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب النسائي الحافظ

(3/152)


كان إمام أهل عصره في الحديث له كتاب السنن سكن مصر وانتشرت بها تصانيفه وأخذ عنه الناس وكان يتشيع امتحن بدمشق فأدرك الشهادة وحمل إلى مكة المكرمة فتوفي بها سنة 303 وهو مدفون بين الصفا والمروة وكان يصوم يوما ويفطر يوما وكان موصوفا بكثرة الجماع وكان إماما في الحديث ثقة ثبتا حافظا
ونسا : مدينة بخراسان خرج منها جماعة من الأعيان ذكرت له ترجمة حسنة في الحطة والإتحاف مع بقية أصحاب الستة فلا نطول الكلام بذكرها هنا

(3/152)


الشيخ : عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد بن الخضر شيخ الإسلام مجد الدين أبو البركات بن تيمية الحراني جد الشيخ : تقي الدين المعروف : بابن تيمية

(3/152)


قال الشوكاني في حقه : علامة عصره المجتهد المطلق شيخ الحنابلة المعروف : بابن تيمية
قال الذهبي - في النبلاء - : ولد في حدود سنة 590 وتوفي في سنة 652 ، يوم الفطر
تفقه في صغره على : عمه : الخطيب فخر الدين ورحل إلى بغداد وهو ابن بضعة عشر وسمع بها من : أحمد بن سكينة وابن طبرزد ويوسف بن كامل
وسمع بحران روى عنه : الدمياطي وولده الشيخ : شهاب الدين عبد الحليم ( 3 / 153 ) وجماعة
وتفقه وبرع واشتغل وصنف التصانيف وانتهت إليه الإمامة في الفقه ودرس القرآن وحج في سنة 651 ، على درب العراق والتمس منه أستاذ دار الخلافة ببغداد : ابن الجوزي الإقامة عندهم فتعلل بالأهل والوطن وكان الشيخ ابن مالك يقول : ألين للشيخ المجد الفقه كما ألين لداود الحديث وابتهر علماء بغداد لذكائه وفضائله
قال الشيخ تقي الدين : وجدناه عجيبا في سرد المتون وحفظ المذاهب بلا كلفة وصنف التصانيف مع الدين والتقوى وحسن الاتباع
قال شيخنا وبركتنا الإمام القاضي الشوكاني - في نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار - : وقد يلتبس على من لا معرفة له بأحوال الناس صاحب الترجمة هذا بحفيده شيخ الإسلام : تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام - شيخ ابن القيم - الذي له المقالات التي طال بينه وبين عصره فيها الخصام وأخرج من مصر بسببها وليس الأمر كذلك

(3/152)


قال في تذكرة الحفاظ في ترجمة شيخ الإسلام : هو أحمد بن المفتي عبد الحليم بن الشيخ الإمام المجتهد عبد السلام . انتهى
وبالجملة : كان إماما حجة بارعا في الفقه والحديث وله يد طولى في التفسير ومعرفة تامة في الأصول والاطلاع على مذاهب الناس وله ذكاء مفرط ولم يكن في زمانه مثله
وله المصنفات النافعة كالأحكام المسمى : بالمنتقى وشرح الهداية وصنف : أرجوزة في القراءة وكتابا في أصول الفقه
وشيخه في الفرائض والعربية : أبو البقا وحكى البرهان المراغي : أنه اجتمع به فأورد نكتة عليه فقال مجد الدين الجواب عنها عن مائة وجه : الأول كذا والثاني كذا وسردها إلى آخرها ثم قال للبرهان : وقد رضينا منك الإعادة فخضع له . ( 3 / 154 ) وانتهى
وعلى كتابه : منتقى الأخبار شرح لشيخنا القاضي العلامة المجتهد المطلق الرباني : محمد بن علي الشوكاني سماه : ( نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار ) أجاد فيه كل الإجادة وبلغ غاية في الإحسان والإفادة ونهاية في التحقيق والاستدلال مع البدء والإعادة - ولله الحمد حمدا كثيرا مباركا

(3/153)


شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي

(3/154)


أحد الأذكياء المشهورين وإمام الفقهاء المحدثين
ولد في رجب سنة 755 ، وقيل : قبلها وقيل : بعدها
وسمع من التقي سليمان وابن سعد وطبقتهما
وتفقه بابن مسلم وتردد إلى شيخ الإسلام ابن تيمية ومهر في الحديث والفقه والأصول والعربية وغيرها
قال الصفدي : لو عاش لكان آية كنت إذا لقيته سألته عن : مسائل أدبية وقواعد عربية فينحدر كالسيل وكنت أراه يوافق المزي في أسماء الرجال ويرد عليه فيقبل منه
وقال الذهبي - في معجمه - : هو الفقيه البارع المقري المجود المحدث الحافظ النحوي الحاذق ذو الفنون كتب عني واستفدت منه
وقال الحافظ ابن كثير : كان حافظا علامة ناقدا حصل من العلوم مالا يبلغه الشيوخ الكبار وبرع في الفنون وكان جبلا في : العلل والطرق والرجال حسن الفهم جدا صحيح الذهن

(3/154)


وله : كتاب الأحكام في ثمان مجلدات والرد على أبي الحسن السبكي الكبير في رده على شيخه ابن تيمية سماه : الصارم المنكي على نحر ابن السبكي كتبته بخطي حين سافرت إلى الحرمين الشريفين على المركب فوق البحر المحيط ذهابا من بندر ( 3 / 155 ) مجيئا إلى مكة المشرفة في سنة 1285 وله : المحرر في الحديث اختصره من الإلمام فجوده جدا واختصر التعليق لابن الجوزي وزاد عليه وشرح التسهيل في مجلدين وله : مناقشات مع أبي حيان فيما اعترض به على ابن مالك في الألفية وله : الكلام على أحاديث مختصر ابن الحاجب - رحمه الله - وشرح كتاب العلل على ترتيب الفقه - وقفت منه على المجلد الأول - وجمع : التفسير المسند ولم يكمله وله : المغني في الفقه وهو أجمع كتاب في بابه مغن للمقلد والمجتهد اشتريته بمائة ربية للمدرسة السليمانية الواقعة بمحمية بهوبال المحروسة
قال الذهبي : ما اجتمعت به قط إلا واستفدت منه وكثر التأسف لما مات وحضر جنازته من لا يحصى كثرة
وكانت وفاته في عاشر جمادى الأولى سنة 744 ، ذكر له الحافظ ابن حجر ترجمة حسنة في : الدرر الكامنة
وكتابه : الصارم المنكي يدل على سعة اطلاعه في علم السنة وغزارة فضله وتحقيقه في العلوم الشرعية وإيثاره الحق على الخلق - رحمه الله تعالى

(3/154)


جمال الإسلام : كمال الدين محمد بن علي بن عبد الواحد المعروف : بابن الزملكاني

(3/155)


الأنصاري الدمشقي قاضي قضاة الشافعية في عصره
سمع من ابن علان وطلب الحديث وقرأه وكان فصيحا متسرعا بصيرا بالمذهب وأصوله ذكيا صحيح الذهن صائب الفكر وكان شكله حسنا ومنظره رائعا وتجمله في زيه وهيئته غاية وشيبته منورة يكاد الورد يقتطف من وجنتيه وعقيدته أشعرية وفضائله جموعها عديدة وفواضله ربوعها مشيدة
و له : رسالة في الرد على ابن تيمية في مسألتي : الطلاق والزيارة والحق فيهما مع ابن تيمية ولذلك اعترف آخرا بفضله ومدحه مدحا بالغا إلى الغاية
درس بالشامية البرانية والطاهرية والرواحية وألف : رسالة سماها : رابع ( 3 / 156 ) أربعة
توفي في سنة 727 وكان كثير التحيل شديد الاحتراز يتوهم أشياء بعيدة وتعب بذلك وعودي وحسد
ومن نظمه : قصيدة يذكر فيها الكعبة الشريفة ويمدح النبي صلى الله عليه وسلم أولها :
أهواك يا ربة الأستار أهواك ... وإن تباعد عن مغناي مغناك
وعمل على هذه القصيدة كراريس سماها : عجالة الراكب في أشرف المناقب ذكر له أهل الطبقات تراجم حسنة في كتبهم

(3/155)


محمد بن علي بن وهب بن مطيع الإمام العلامة شيخ الإسلام : تقي الدين أبو الفتح بن دقيق العيد

(3/156)


القشيري المنفلوطي المصري المالكي الشافعي أحد الأعلام وقاضي القضاة
ولد سنة 625 ، بناحية ينبع وتوفي يوم الجمعة حادي عشر صفر سنة 702 سمع من : ابن عبد الدائم والزين خالد وابن رواح وغيرهم
له التصانيف البديعة : كالإمام في شرح الإلمام والإلمام بأحاديث الأحكام في علوم الحديث وشرح عمدة الأحكام وشرح مقدمة المطرزي في أصول الفقه وجمع : الأربعين في الرواية عن رب العالمين وكان إماما متقنا محدثا مجودا فقيها مدققا أصوليا أديبا شاعرا نحويا ذكيا غواصا على المعاني مجتهدا وافر العقل كثير السكينة بخيلا بالكلام تام الورع شديد التدين مديم السهر مكبا على المطالعة والجمع قل أن ترى العيون مثله سمحا جوادا وكان قد قهره الوسواس في أمر المياه والنجاسات وله في ذلك حكايات ووقائع كثيرة وكان كثير التسري والتمتع وله عدة أولاد ذكور بأسماء الصحابة العشرة
تفقه بأبيه وبالشيخ عز الدين بن عبد السلام واشتهر اسمه في حياة مشائخه وكان مالكيا ثم صار شافعيا
ومن شعره - رحمه الله تعالى - : ( 3 / 157 )
أحباب قلبي والذين بذكرهم ... وتردادهم طول الزمان تعلقي
لئن غاب من عيني بديع جمالكم ... وجار على الأبدان حكم التفرق
فما ضرنا بعد المسافة بيننا ... سرائرنا تسري إليكم فتلتقي
وقال يمدح رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - :
لم يبق أمل سواك فإن بغت ... ودعت أيام الحياة وداعا
لا أستلذ بغير وجهك منظرا ... وسوى حديثك لا أريد سماعا

(3/156)


هؤلاء المترجمون هم نقاوة الحفاظ ولعلنا قد أهملنا خلقا كثيرا من نظرائهم فإن المجلس الواحد في ذلك الزمان كان يجتمع فيه أزيد من عشرة آلاف محبرة يكتبون الآثار النبوية ويعتنون بهذا الشأن وبينهم نحو من مائتي إمام قد برزوا وتأهلوا للفتيا ثم اندرج أصحاب الحديث وتلاشوا وتبدل الناس بطلبة يهزأ بهم أصحاب الحديث والسنة ويسخرون منهم وصار علماء الأعصار وفضلاء الأمصار - في الغالب - عاكفين على التقليد في الفروع من غير تحرير لها مكبين على عقليات من حكمة الأوائل وآراء المتكلمين من غير أن يتعقلوا أكثرها فعم البلاء واستحكمت الأهواء ولاحت مبادي رفع العلم وقبضه من الناس فرحم الله امرأ أقبل على شأنه وقصر من لسانه وأكب على تلاوة قرآنه وبكى على زمانه وأدمن النظر في الصحيحين وعبد الله قبل أن يأتيه الأجل - اللهم فوفق وارحم

(3/157)


قال الذهبي - في الطبقات - في آخر تراجم أهل الطبقة التاسعة : ولقد كان في ذلك العصر وما قاربه من أئمة الحديث النبوي في الدنيا خلق كثير ما ذكرنا عشرهم هاهنا وأكثرهم مذكورون في : تاريخي الكبير وكذلك كان في هذا الوقت خلق من أئمة أهل الرأي والفروع وعدد كثير من أساطين المعتزلة والشيعة وأصحاب الكلام الذي مشوا وراء المعقول وأعرضوا عما عليه السلف من التمسك بالآثار النبوية وظهر في الفقهاء التقليد وتناقض الاجتهاد - فسبحان من ( 3 / 158 ) له الخلق والأمر -
فبالله عليك يا شيخ ارفق بنفسك والزم الإنصاف ولا تنظر إلى هؤلاء النذر الشرر ولا ترمقنهم بعين النقص ولا تعتقد فيهم أنهم من جنس محدثي زماننا حاشا وكلا فما فيمن سميت أحد - ولله الحمد - إلا وهو بصير بالدين عالم بسبيل النجاة وليس في كبار محدثي زماننا أحد يبلغ رتبة أولئك في المعرفة فإني أحسبك لفرط هواك وسعة جهلك تقول بلسان الحال - إن أعذرك المقال - : من أحمد ؟ وما ابن المديني ؟ وأي شيء أبو زرعة ؟ وهؤلاء المحدثون لا يدرون الفقه ولا أصوله ولا يفقهون الرأي ولا علم لهم بالبيان والمعاني ولا الدقائق ولا خبرة لهم بالبرهان والمنطق ولا يعرفون الله تعالى بالدليل ولا هم من فقهاء الملة فاسكت بحلم أو انطق بعلم فالعلم النافع : هو ما جاء عن أمثال هؤلاء ولكن نسبتك إلى أئمة الفقه كنسبة محدثي عصرنا إلى أئمة الحديث فلا نحن ولا أنت وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل فمن اتقى : راقب الله واعترف بنقصه ومن تكلم بالجهل أو بالجاه وبالشرف فأعرض عنه وذره وغيه فعقباه إلى وبال - نسأل الله العفو والعافية - . انتهى كلامه ملخصا

(3/157)


وقال في آخر الطبقة الخامسة - من كتابه : الطبقات - : وكان الإسلام وأهله في عز تام وعلم غزير وأعلام الجهاد منشورة والسنن مشهورة والبدع مكبوبة والقوالون بالحق كثيرون والعباد متوافرون والناس في رغدة من العيش بالأمن وكثرة الجيوش المحمدية من أقصى المغرب وجزيرة الأندلس وإلى قريب مملكة الخطا وبعض الهند والحبشة
وخلفاء هذا الزمان : أبو جعفر وأين مثل أبي جعفر ؟ علم ظلم فيه ثم ابنه : المهدي ثم ولده : الرشيد هارون
وكان في هذا الوقت من الصالحين مثل : إبراهيم بن أدهم وداود الطائي وسفيان الثوري
ومن النحاة مثل : عيسى بن عمر والخليل بن أحمد وحماد بن سلمة . ( 3 / 159 )
ومن القراء : حمزة بن حبيب وابن العلاء ونافع
ومن الشعراء : مروان بن أبي حفصة وبشار بن برد
ومن الفقهاء : كأبي حنيفة ومالك والأوزاعي
قال : وعن يحيى التميمي قال : سمعت أبا يوسف القاضي - صاحب أبي حنيفة - عند وفاته يقول : كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق الكتاب والسنة
وفي لفظ : إلا ما وافق القرآن وأجمع عليه المسلمون . انتهى

(3/158)


قلت : وهكذا كان حال السلف فقد روينا عن ابن خزيمة أنه قال : ليس لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قول إذا صح الخبر
وكان الحافظ ابن المنذر : مجتهدا لا يقلد أحدا
وكان ابن عبد البر : صاحب اتباع وسنة
وكان ابن وهب الفهري : حافظا مجتهدا لا يقلد أحدا
وكذا : بقي بن مخلد القرطبي : المفسر المحدث كان لا يقلد أحدا تعصبوا عليه لإنكاره مذهب أهل العصر فدفعهم عنه أمير الأندلس : محمد بن عبد الرحمن المرواني واستنسخ كتبه وقال لبقي : انشر علمك
وروي عن بقي أنه قال : لقد غرست للمسلمين غرسا بالأندلس لا يقلع إلا بخروج الدجال
وهكذا كان : قاسم بن محمد بن سيار : إماما مجتهدا لا يقلد أحدا وكان مذهبه النظر والحجة ولم يكن بالأندلس مثله في حسن النظر مات سنة 376 ، إلى غير هؤلاء ممن لا يحصى كثرة ولا يستقصى عددا
ولذا قال المحققون : إن التقليد والمقلدة ليسا من العلم والعلماء في صدر ولا ورد ولا يطلق اسم العلم والعالم عليهما
وإنما حدث التقليد حين ضعف العلم وتمسك به الجهال والعوام وعمت به البلوى على ممر الدهور في الأنام . ( 3 / 160 )

(3/159)


قال سفيان الثوري : ليس طلب الحديث من عدة الموت لكنه علة يتشاغل بها الرجل قلبه - وقد صدق والله في هذا المقال لأن طلب الحديث شيء غير الحديث -
فطلب الحديث اسم عرفي لأمور زائدة على تحصيل ماهية الحديث وكثير منها مراق إلى العلم وأكثر الأمور التي يشغف بها المحدث : تحصيل النسخ المليحة وتطلب العالي وتكثر الشيوخ والفرح بالألقاب والابتشار بالثناء وتمني العمر الطويل ليروي وحب التفرد إلى أمور عديدة لازمة للأغراض النفسانية لا للأعمال الربانية
فإذا كان طلبك للحديث النبوي محفوفا بهذه الآفات فمتى خلاصك منها إلى الإخلاص ؟ وإذا كان علم الآثار مدخولا فما ظنك بعلم المنطق والجدل وحكمة الأوائل التي تسلب الإيمان وتورث الشكوك والحيرة التي لم تكن - والله - من علم الصحابة ولا التابعين ولا من علم الأوزاعي والثوري ومالك وأبي حنيفة وابن أبي ذئب وشعبة ولا - والله - عرفها ابن المبارك ولا أبو يوسف ولا وكيع ولا ابن وهب ولا الشافعي ولا أبو عبيد ولا ابن المديني ولا أحمد ولا أبو داود ولا المزني والبخاري والأثرم ومسلم والنسائي وابن خزيمة وابن شريح وابن المنذر ولا أمثالهم ؟ بل كانت علومهم : القرآن والحديث والنحو والتاريخ وشبه ذلك
ومن كلام سفيان أيضا : ما من عمل أفضل من طلب الحديث إذا صحت النية فيه
هذا آخر ما استفدته من كلام الحافظ الذهبي - وبالله التوفيق وهو المستعان

(3/160)


علماء الفرائض

(3/160)


أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الوني الفرضي الحاسب

(3/160)


كان إماما في الفرائض وله فيه تصانيف كثيرة مليحة أجاد فيها وهو شيخ الخبري في علم الحساب والفرائض وانتفع به وبكتبه خلق كثير
توفي شهيدا ببغداد سنة إحدى ( 3 / 161 ) وخمسين وأربعمائة في فتنة البساسيري والوني : نسبة إلى ون : وهي قرية من أعمال قهستان

(3/160)


الشيخ عبد الباسط بن رستم بن علي بن علي أصغر القنوجي

(3/161)


كان من علماء الهند
ولد سنة 1159 ، أخذ العلوم عن أبيه وبرع في الفنون النقلية والعقلية خصوصا : الحساب والفرائض وله في ذلك تصانيف مفيدة وكان في زمانه أستاذ الأساتذة وشيخ المشائخ
تتلمذ عليه خلق كثير من علماء الهند منهم : سيدي الوالد العلامة : حسن بن علي القنوجي - رحمه الله - تشد إليه الرحال في طلب العلم من بلاد شاسعة وتقصده الطلبة من كل فج عميق وكان في الفرائض آية باهرة درس وأفاد وألف وأجاد وتوفي في سنة 1223 ، ثلاث وعشرين ومائتين وألف الهجرية
ومن مؤلفاته : زبدة الفرائض ونظم اللآلي في شرح ثلاثيات البخاري وانتخاب الحسنات في ترجمة أحاديث دلائل الخيرات وأربعون حديثا ثنائيا وشرحه المسمى : بالحبل المتين في شرح الأربعين وعجيب البيان في أسرار القرآن وشفاء الشافية
وكان له اليد الطولى في علم النحو والصرف والفقه والأصول والمنطق له : شرح على التهذيب يعرف : بشرح الفاضل القنوجي
وكان سريع الكتابة جيد الخط يعظمه أهل عصره تعظيما بليغا ويكرمه علماء وقته إكراما جليلا تتلمذ عليه الشيخ المفتي : ولي الله الفرخ آبادي صاحب : المطر الثجاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج

(3/161)


علماء النجوم

(3/161)


أبو معشر جعفر بن محمد بن عمر البلخي المنجم

(3/161)


المشهور كان إمام وقته ( 3 / 162 ) في فنه وله التصانيف المفيدة في علم النجامة
منها : المدخل والزيج والألوف وغير ذلك وكانت له إصابات عجيبة مات في سنة 273
والبلخي : نسبة إلى بلخ : وهي مدينة عظيمة من بلاد خراسان فتحها الأحنف بن قيس التميمي في خلافة عثمان - رضي الله عنه - وهذا الأحنف : هو الذي يضرب به المثل في الحلم

(3/162)


أبو الحسن علي بن يحيى بن أبي منصور المنجم

(3/162)


كان نديم المتوكل ومن خواصه وجلسائه المتقدمين عنده ثم انتقل إلى من بعده من الخلفاء ولم يزل مكينا عندهم حظيا لديهم يجلس بين يدي أسرتهم ويفضون إليه بأسرارهم ويأمنونه على أخبارهم ولم يزل عندهم في المنزلة العلية ثم اتصل بالفتح بن خاقان وعمل له خزانة الكتب أكثرها حكمة وله أشعار حسنة وعاش إلى أن خدم المعتمد على الله توفي في سنة 275 ، بسر من رأى وخلف جماعة من الأولاد وكلهم : نجباء علماء أدباء ندماء

(3/162)


أبو الحسن علي بن أبي سعيد عبد الرحمن بن يونس الصدفي المصري

(3/162)


لمنجم المشهور صاحب : الزيج الحاكمي المعروف : بزيج ابن يونس وهو في أربع مجلدات بسط القول والعمل فيه وما أقصر في تحريره ولم ير في الأزياج - على كثرتها - أطول منه كان مختصا بعلم النجوم متصرفا في سائر العلوم وكان قد أفنى عمره في الرصد والتسيير للمواليد وعمل فيها مالا نظير له وكان يقف للكوكب
توفي في سنة 393 ، ودفن بداره وصلي عليه في الجامع بمصر

(3/162)


أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان الحراني الحاسب

(3/162)


المنجم المشهور صاحب : الزيج الصابي له الأعمال العجيبة والأرصاد المتقنة وكان أوحد عصره في فنه وأعماله تدل على غزارة فضله وسعة علمه
توفي سنة 317 ، بموضع يقال له : قصر الحضر
قال ابن خلكان : ولم أعلم أنه أسلم لكن اسمه يدل على إسلامه وله ( 3 / 163 ) من التصنيفات : الزيج وهي نسختان الثانية : أجود وكتاب : معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك في مقدار الاتصالات وشرح أربع مقالات بطليموس

(3/162)


علماء الحرمين

(3/163)


الشيخ : علي بن محمد بن عريق عالم المدينة المنورة

(3/163)


وخطيب مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان نائبا مناب أبيه في العلم والعمل والتقوى له تصانيف مفيدة
منها : كتاب تنزيه الشريعة عن الأحاديث الموضوعة لخصه تلميذه : الشيخ رحمة الله السندي وهو في غاية اللطف من الاختصار

(3/163)


الشيخ : أبو الحسن البكري المصري الشافعي

(3/163)


من آل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - كان جامعا بين العلم والعمل وهو ممن اتفقوا على : ولايته وجلالته وبلوغه رتبة الاجتهاد لا يفارق الكتاب من يده وينظر فيه دائما سئل عن شرب القهوة - وذكر له أن المغاربة يحرمونه - ؟ فقال : كيف يدعى بالحرام وأنا أشرب منها ؟
تتلمذ عليه الشيخ علي المتقي وسمع منه الحديث وأخذ عنه الطريقة وكان ولده : محمد البكري شاعرا مفلقا جيدا له : تأليف في التوحيد سماه : تأبيد المنة بتأييد السنة
توفي محمد المذكور في سنة 991
ولمحمد ولد يسمى : زين العابدين كان عالما كبيرا ومن مقالاته : إن أبا بكر أفضل من علي ولكن المحبة والانجذاب شيء آخر وهذا مذهبي ومواهبنا كلها على يدي سيدنا علي - رضي الله تعالى عنه

(3/163)


الشيخ : أبو بكر بن سالم اليمني الحضرمي

(3/163)


هو ممن جمع بين العلم والحال والولاية والسيادة له كلام عال وشعر حسن ينبئ عن حاله ومقامه : ( 3 / 164 )
فلولا وجود السر ما كان كائن ... فتمت بذاك السر كل البرية
تمسك بنا والزم دقائق حسنا ... وزرني بصرف الود تسعد بزورتي
ولي شرف المصطفى سيد الورى ... بنسبته فقنا جميع الخليقة
وصلي على الهادي النبي وآله ... وأصحابه والتابعين بجملة

(3/163)


الشيخ : شهاب الدين أحمد بن الحجر المكي الهيتمي

(3/164)


كان أعظم علماء عصره وفقهاء دهره لم يكن له نظير في الفقاهة في زمانه
قال الشيخ عبد الحق الدهلوي : لا نسبة له بالشيخ ابن حجر العسقلاني الكبير في علم الحديث ولكن يحتمل أن يكون في الفقه مثله
تتلمذ على الشيخ : زكريا المصري الآخذ عن الحافظ : ابن حجر العسقلاني
له مؤلفات ممتعة منها : شرح الشمائل للترمذي وشرح الأربعين للنووي وشرح المشكاة في الحديث والزواجر عن اقتران الكبائر وهو : كتاب لم يؤلف مثله قبله والصواعق المحرقة في الرد على الروافض وشرح الهمزية في نعته - صلى الله عليه وسلم - وشرح عين العلم في السلوك وقلائد العقيان في مناقب النعمان
توفي في سنة 975 . انتهى
وكان له تعصب مع شيخ الإسلام : ابن تيمية شديد - عفا الله عنه ما جناه

(3/164)


الشيخ : أحمد أبو الحرام

(3/164)


كان من فقهاء المدينة وعلمائها وكان في علم القراءة آية باهرة وأستاذ الأساتذة في الديار الحرمية مات ولده الفاضل الصالح في حياته فحزن عليه حزنا شديدا وبكى عند نزعه فقال الولد : لا تحزن علي ابق أنت فإن في بقائك نفع الخلق وتلا هذه الآية : ( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض )
مات - رحمه الله - في سنة 1001 ، ودفن بالبقيع

(3/164)


الشيخ : محمد البهنسي

(3/164)


نسبة إلى : قرية من قرى مصر هاجر عنها إلى مكة المكرمة واستوطنها وتتلمذ على الرملي : تلميذ السيوطي وكان يقول : عملنا على كتب الأحاديث الصحاح ويستنبط في المسائل الفقهية ويجتهد
لم أقف على عام ( 3 / 165 ) وفاته - رحمه الله

(3/164)


السيد : جعفر المدني

(3/165)


مدرس المسجد الشريف النبوي كان يقول : لما صنف القسطلاني كتابه : المواهب اللدنية وأورد فيه النقول من كتب السير والأحاديث قال له السيوطي :
نقلت هذه الأقوال من كتبي ولم تسمني ولا كتبي وإن كنت نقلتها من غير كتبي فأتني بأصولها ؟ فعجز القسطلاني وكان قد نقلها من كتب السيوطي ولا يخلو ذلك من نوع خيانة وعدم ديانة . انتهى
قلت : وقد فعل بكتبي مثل ذلك بعض أبناء الزمان أيضا لا أسميه حياء من الله تعالى

(3/165)


الشيخ : أحمد بن علي بن عبد القدوس بن محمد العباسي الشناذي

(3/165)


تتلمذ في علم الحديث على : الشيخ : شمس الدين الرملي وعلى : والده وعلى : السيد غضنفر وروى عن : الشيخ : محمد بن أبي الحسن البكري وصحب : السيد : صبغة الله ولبس منه الخرقة وكان يقول : لو كان الشعراني حيا ما وسعه إلا اتباعي

(3/165)


الشيخ : أحمد القشاشي بن محمد بن يونس الدجاني

(3/165)


والدجانة : بتخفيف الجيم : قرية من قرى بيت المقدس كان يبيع القشاشة في المدينة المنورة وهي سقط المتاع يبيعها لستر حاله وإخفاء أمره وكان له اليد الطولى في علم الشريعة والحقيقة صحب المشائخ الكثيرة منهم : الشيخ : أحمد الشناذي ولما وفد عليه قال : مرحبا بمن جاء يقتبس منا علومنا
ومن عجائب أحواله : أنه تلا القرآن الكريم من أوله إلى آخره في المنام على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
قال الشيخ عيسى المغربي : ما خرجت من عند القشاشي قط إلا والدنيا في عيني أحقر من كل حقير ونفسي أذل من كل ذليل ولو تكرر دخولي عليه مرات
توفي - رحمه الله - 19 ذي الحجة سنة 1071 . ( 3 / 166 )

(3/165)


السيد : عبد الرحمن الإدريسي الشهير : بالمحجوب

(3/166)


ولد بمكناسة : بلدة بمغرب وساح الروم والشام ومصر وجاور بمكة المكرمة ورحل إلى اليمن لزيارة أوليائها وقال : اليمن ينبت فيها الأولياء كما ينبت في الأرض البقل
قلت : وكذا ينبت فيه العلماء بالكتاب والسنة أيضا مثل نبات البقل من الأرض وذلك من فضل الله تعالى على اليمن وما فيها - والله يختص برحمته من يشاء - وكان السيد المحجوب من مشائخ الحرمين المعروف : بالفضل والكرامة والولاية ذكر له ترجمة حافلة في : إنسان العين

(3/166)


الشيخ : شمس الدين محمد بن العلاء البابلي

(3/166)


حافظ الحديث في زمانه أستاذ أهل الحرمين ومصر أدرك ليلة القدر في بدء أمره ودعا الله - سبحانه - بأن يجعله مثل الحافظ : ابن حجر العسقلاني - رحمه الله تعالى - فأجاب الله نداءه
وكان له روايات الصحيح للبخاري وسائر الكتب الحديثة عن الشيخ : سالم السهنوري ومسلسلات صحيحة ضبطها الشيخ : عيسى المغربي في رسالة وكأنها أصل لإثبات المتأخرين
توفي في سنة 1079 وبابل : قرية بمصر

(3/166)


الشيخ : عيسى بن محمد بن محمد بن أحمد الجعفري الهاشمي الثعالبي المغربي

(3/166)


جار الله أبو المهدي حفظ القرآن وبرع في علوم الأعيان ورحل إلى جزائر وصحب السلجماسي قريبا من عشر سنين وتبحر عنده وأخذ عن : علماء قسطنطينية ومصر والحرمين وتوطن بمكة المكرمة له : معجم سماه : مقاليد الأسانيد
تتلمذ عليه جمهور أهل الحرمين الشريفين وصار أستاذا لهم وكان من أوعية الحديث والقراءة
قال السيد حسن باعمر : من أراد أن ينظر إلى شخص لا يشك في ولايته فلينظر إلى هذا وكان لا يعمل إلا بالسنة المطهرة غلب عليه أحزاب الشاذلية
ألف لأبي حنيفة - رحمه الله - مسندا عنعن فيه اتصالا
توفي - رحمه الله - في سنة ( 3 / 167 ) 1080 الهجرية

(3/166)


الشيخ : إبراهيم الكردي

(3/167)


عارف بفنون العلم من : الفقه والحديث والعربية والأصلين
وله تصانيف في ذلك كلها رحل إلى بغداد والشام ومصر والحرمين وصحب القشاشي وروى عنه الحديث وكان يتكلم : بالفارسي والكردي والتركي والعربي وكان متصفا : بتوقد الذهن والتبحر في العلم والزهد والصبر والحلم والتواضع كان زيه زي عامة أهل الحجاز ولم يكن يلبس لبس المتفقهة ولا المتصوفة ولا يختار هيئاتهم : من تكبير العمامة وتطويل الأكمام
قال الشيخ عبد الله العباسي : كان مجلسه روضة من رياض الجنة وكان يرجح كلام الصوفية على الحقائق الحكمية ويقول : هؤلاء الفلاسفة قاربوا عثورا على الحق ولم يهتدوا إليه
تاريخ وفاته . . . - إنا على فراقك يا إبراهيم لمحزنون

(3/167)


محمد بن محمد بن سليمان المغربي

(3/167)


كان حافظا للحديث جامعا لفنون العلم لبس الخرقة عن الشيخ : أبي مدين المغربي وجد واجتهد في تصحيح كتب الحديث وأتقنها إتقانا كاملا حتى صار إماما بالحرمين الشريفين ومن ثقات الحفاظ - زاده الله بسطة في العلم والجسم والعقل المتعلق : بالمعاد والمعاش على وجه الكمال -
لم يذكر عام وفاته في : إنسان العين

(3/167)


الشيخ : حسن العجيمي

(3/167)


واحد من شيوخ الحديث جامع لفنون العلم فاق أقرانه في : الفصاحة والحفظ وجودة الفهم وصحب الشيخ عيسى المغربي واستفاد منه كثيرا وروى عن : أحمد القشاشي والبابلي والشيخ : زين العابدين بن عبد القادر الطبري - مفتي الشافعية - وكان حنفيا لكن يجمع بين الصلاتين في السفر ويقرأ الفاتحة خلف الإمام ولم يكن يلتزم مذهبا معينا في جميع الأمور بل يجوز التلفيق وكانت في عينيه هنة وكان مع ذلك إذا قرأ الحديث رئي على وجهه الأنوار وصار كأجمل من رئي في الدنيا وذلك سر قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( نضر الله عبدا . . . ) ( 3 / 168 ) . . الحديث ضبط أسانيده في رسالة يعلم منها سعة علمه
قال : يقول الناس : ولد العالم نصف العالم وصدقوا فإن العالم له نصفان : عا ولم وليس لواحد منهما معنى فكأنهم قالوا : ولد العالم لا معنى له يأتي كل رجب إلى المدينة المنورة ومعه كتاب من الكتب الستة يختمه في المسجد النبوي على طريق السرد تتلمذ عليه الشيخ : أبو طاهر المدني وشيخ مسند الوقت : الشاه ولي الله المحدث الدهلوي - رحمه الله تعالى

(3/167)


الشيخ : أبو طاهر محمد بن إبراهيم الكردي المدني

(3/168)


لبس الخرقة من أبيه واستجاز له أبوه من مشائخ كثيرين منهم : الشيخ محمد بن سليمان المغربي وأخذ النحو عن السيد : أحمد بن إدريس المغربي الذي كان سيبويه زمانه في العربية واكتسب فقه الشافعي عن الشيخ : علي الطولوني المصري والمعقول عن : المنجم الباشي الرومي والحديث عن الشيخ : حسن العجيمي وأحمد النخلي والشيخ : عبد الله البصري والشيخ : عبد الله اللاهوري وكان مجتهدا في الطاعة ومشتغلا بالعلم والمذاكرة رقيق القلب كثير البكاء
قال في إنسان العين : لما حضرت عنده للوداع إلى الهند أنشدت بين يديه :
نسيت كل طريق كنت أعرفه ... إلا طريقا يؤديني لربعكم
فغلب البكاء على الشيخ وتأثر تأثرا عظيما
توفي - رحمه الله - في سنة 1145 الهجرية

(3/168)


الشيخ : تاج الدين الحنفي القلعي ابن القاضي : عبد المحسن

(3/168)


كان مفتيا بمكة المكرمة صحب كثيرا من مشائخ الحديث وأخذ العلو منهم وكلهم أجازوه واستجاز له والده من الشيخ : عيسى المغربي وكان غالب تعلمه لعلم الحديث من الشيخ : عبد الله بن سالم البصري
قال : عرضت عليه هذه الكتب على نهج البحث والتنقيح وقرأت الصحيحين على العجيمي وأجازني بجميع ما تصح له روايته . ( 3 / 169 )
ولازم الشيخ صالح الزنجاني واستفاد منه وتفقه عليه وحصل الرواية والإجازة عن الشيخ : أحمد النخلي والشيخ : أحمد القطان وغيرهما وتعلم منهما طريق الدرس
وله إجازة عن الشيخ : إبراهيم الكردي وعنه روى الحديث المسلسل بالأولية
قال الشيخ : ولي الله المحدث الدهلوي - في إنسان العين - : حضرت بمجلس درسه أياما حين كان يدرس البخاري وسمعت عليه : أطراف الكتب الستة وموطأ مالك ومسند الدارمي وكتاب الآثار لمحمد وأخذت الإجازة لسائر الكتب وحدثني بالحديث المسلسل بالأولية عن الشيخ : إبراهيم وهو أول حديث سمعته منه بعد عودتي من زيارة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في سنة 1243
قلت : وكان والدي السيد : أبو أحمد الحسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القنوجي - قدس الله سره - قد تتلمذ على الشيخ : عبد العزيز والشيخ : رفيع الدين ابني الشيخ : ولي الله المحدث الدهلوي المذكور ولي سند متصل إليه وإلى مشائخه بواسطة الشيخ : محمد يعقوب المهاجر المكي حفيده وكذا ينتهي سندي إلى القاضي : محمد بن علي الشوكاني بواسطة الشيخ : عبد الحق بن فضل الله الهندي المتوفي في سنة 1286 بمنا وإلى السيد : عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى مقبول الأهدل ولذلك ذكرت تراجم مشائخي من أهل الحديث النبوي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الكتاب وإجازاتي مكتوبة في كتابي : سلسلة العسجد في ذكر مشائخ السند - وبالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء الطريق

(3/168)


الشيخ : محمد حياة السندي المدني

(3/169)


كان من العلماء الربانيين وعظماء المحدثين قرن العلم بالعمل وزان الحسن بالحلل
واسم والده : ملا فلاريه من قبيلة : جاجر الساكنة في أطراف عادلبور : بليدة من توابع بكر . ( 3 / 170 )
ولد بالسند ورحل إلى الحجاز وحج وتوطن مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتتلمذ على الشيخ : أبي الحسن السندي - نزيل المدينة المكرمة - وبرع في الحديث وأخذ الإجازة عن : خاتمة المحدثين الشيخ : عبد الله بن سالم البصري وشد حزامه على درس الحديث النبوي وأفنى عمره في خدمة الكلام المصطفوي وكان يعظ الناس قبل صلاة الصبح بالمسجد الشريف وانتفع به خلق كثير من العرب والعجم وأقبل عليه : أهل الحرمين ومصر والشام والروم والهند بالاعتقاد والانقياد وعاش عيشة مرضية ولقي الله - سبحانه - يوم الأربعاء السادس والعشرين من صفر سنة 1163 ، ودفن بالبقيع
ومن تلامذته : السيد العلامة : غلام علي آزاد البلجرامي والشيخ المحدث الفهامة : محمد فاخر الإله آبادي وغيرهما - رحمهما الله تعالى

(3/169)


الشيخ : صالح بن محمد بن نوح بن عبد الله بن عمر بن موسى الفلاني

(3/170)


من ذرية العلامة الحافظ : عليم بن عبد العزيز الأندلسي الشاطبي أخي بني سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وإنما قيل له : الفلاني لأن آباءه نزلوا في دارهم واستوطنوها
وفلان - على ما في : ( اليانع الجني ) بضم الفاء وتشديد اللام - : قبيلة من فلانة - بالفوقية بدل النون - : أمة من السودان وأرضه التي نشأ بها تسمى : مسوف
قال : وكان الفلاني فاضلا دينا صالحا ذا أسانيد عالية نفع الله به كثيرا من عباده
توفي بالمدينة ليلة الخميس لخمس مضين من جمادى الآخرة سنة ثماني عشرة ومائتين وألف - رحمه الله رحمة واسعة - . انتهى كلام اليانع
وأقول : هو أستاذ الشيخ : محمد عباد السندي الآتي ذكره
وله تصانيف حسنة ممتعة :
منها : كتاب إيقاظ همم أولي الأبصار في رد التقليد وذكره شيخنا وبركتنا الشوكاني - رحمه الله - في الفتح الرباني وأثنى عليه بالخير . ( 3 / 171 )
قال محمد عابد - في ذكر إسناد الموطأ - : أرويه عن العلامة الكبير والأستاذ الشهير الشيخ : صالح الفلاني عن شيخه : محمد بن سنة قرأه عليه قراءة بحث وتدقيق . . . إلى آخر الكلام
ومن الاتفاقات : أن الفلاني له شدة في فت عضد التقليد وهمة كبيرة في اتباع السنة لا يتصور عليها مزيد وتلميذه الشيخ : محمد عابد السندي له عصبية في الجمود على المذهب الحنفي مع كونه معروفا بدرس الحديث وهذا من غرائب الدنيا وعجائب الدهر بل - ولا غرو - فإن عمر الدنيا قد انصرم وكثر الاختلاف وذهب الائتلاف وعم الفساد في البر والبحر وسال به الوادي وطم ولم ينجح من بليات التقليد وآفات الرأي إلا من عصمه الله وعليه رحم

(3/170)


الشيخ : محمد عابد السندي بن أحمد بن علي بن يعقوب الحافظ من بني أبي أيوب الأنصاري

(3/171)


ولد ببلدة سيون : وهي على شاطئ النهر شمالي حيدر آباد السند مما يلي بلدة بوبك هاجر جده الملقب : بشيخ الإسلام إلى أرض العرب وكان من أهل العلم والصلاح وأقام الشيخ : محمد عابد بزبيد داره علم باليمن معروفة واستفاد من علمائها واقتبس من أشعة عظمائها حتى عد من أهلها ودخل صنعاء اليمن يتطبب لإمامهم وتزوج ابنة وزيره وذهب مرة سفيرا من إمام صنعاء إلى مصر وكان شديد التحنن إلى ربوع طابة وعاود مرة أرض قومه فدخل نواري : بلدة بأرض السند مما يلي بندر كراجي وأقام بها ليالي معدودات ثم عاد إلى المدينة الطيبة وولي رياسة علمائها من قبل والي مصر وخلف من مصنفاته كتبا مبسوطة ومختصرة :
منها : كتاب المواهب اللطيفة . على مسند الإمام أبي حنيفة
وكتاب : طوالع الأنوار على الدر المختار
وكتاب : شرح تيسير الوصول إلى أحاديث الرسول بلغ منه إلى كتاب ( 3 / 172 ) الحدود - لم يتمه - يقال له : شرح بلوغ المرام للحافظ ابن حجر
وكان ذا عصبية للمذهب الحنفي ولذلك تعقبه في بعض الرسائل له السيد العلامة أخونا : أحمد بن حسن الحسيني القنوجي البخاري العرشي - رحمه الله -
توفي محمد عابد يوم الإثنين من ربيع الأول سنة 1257 ، ودفن بالبقيع ولم يخلف عقبا - رحمه الله

(3/171)


علماء اليمن

(3/172)


السيد : يحيى بن عمر مقبول الأهدل

(3/172)


كان إماما في جميع العلوم غلب عليه علم الحديث حتى نسب إليه وله من الحفظ والاطلاعات شيء لا يمكن وصفه وكان يحفظ معظم صحيح البخاري ومسلم وكان له أسانيد ومشائخ شتى وله السند العالي الذي هو أعلى ما يكون له في اليمن أخذ الحديث عن جماعة من الحافظ مثل : السيد أبي بكر بن علي والقاضي : أحمد بن إسحاق جعيان والشيخ : عبد الله المزجاجي وكان ذا همة لا تجده إلا مشتغلا بعبادة : إما مدرسا أو تاليا للقرآن أو مصليا بعد صيته وقصده الطلبة من بلاد شاسعة وطلب منه الإجازة علماء عصره ما بين موافق ومخالف :
منهم : شافعي زمانه : طه بن عبد الله السادة من ذي جبلة وعلماء صنعاء : كالسيد العلامة : هاشم بن حسين الشامي والسيد : أحمد بن عبد الرحمن والسيد : محمد بن إسحاق بن المهدي والعلامة : إسحاق بن يوسف بن المتوكل وإبراهيم ابن إسحاق المهدي وعلماء الحرمين الشريفين كافة طلبوا منه الإجازة قبل وفاته - رحمه لله - بسنة فأجازهم
وله في بلدة زبيد تلامذة أعلام منهم : السيد : أحمد بن محمد مقبول الأهدل والشيخ يحيى بن أحمد الحكمي وغيرهما وقد أطال في ( النفس اليماني والروح ( 3 / 173 ) الريحاني ) في ترجمة : زهده وكرمه وإحسانه إلى الوفود والقصاد وصلابته في الدين وصلاحه وكراماته وحرصه على تعلم العلم واجتهاده في رمضان - لا نطول الكلام بإيرادها في هذا المقام -
وكان يحسده جماعة من أقرانه ممن له تعلق بالعلم فسلبت منه هيبة العلم وأبهته وليس له منه إلا الاسم ولم يحملهم على هذا إلا الهوى ولكن :
إذا رضيت عني كرام عشيرتي ... فلا زال غضبانا علي لئامها
وما أحسن ما قيل :
جزى الله عنا الحاسدين فإنهم ... قد استوجبوا منا على فعلهم شكرا
أذاعوا لنا ذما فأفشوا مكارما ... وقد قصدوا ذما فصار لنا فخرا
ولله در العيني الحنفي حيث قال في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
لله در الحسد ما أعدله ... بدأ بصاحبه فقتله
وله مصنفات مفيدة منها : كتاب في فضل ذوي القربى ومنها : القول السديد فيما أحدث من العمارة بجامع زبيد
وبالجملة : كان سيدا علامة وعلما فهامة حافظ عصره بالاتفاق ومحدث إقليمه بلا شقاق
توفي ليلة الأربعاء رابع عشر ربيع الآخر سنة 1147 ، وهو ابن أربعة أو ثلاثة وسبعين - كذا قال قبل موته بأحد عشر يوما -
قال محمد المحبي - في خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر - : معنى الأهدل : الأدنى الأقرب
وفي : نظام الجواهر النفيسة في بيان أنساب العصابة الأهدلية : أصل هذه الكلمة : على الله دل وقيل غير ذلك - وهذا أصح

(3/172)


أبو المحاسن السيد : سليمان بن يحيى المذكور

(3/173)


كان سرا لأبيه وعالما محدثا كاملا ذا بصيرة تنويه
قرأ العلوم على والده واستفاد من طريفه وتالده وأخذ من مشائخ الحديث علما وافرا وفضلا ظاهرا منهم : السيد العلامة : أحمد بن محمد مقبول الأهدل ( 3 / 174 ) والسيد : سليمان بن أبي بكر هجام الأهدل والشيخ : عبد الخالق المزجاجي والسيد : عمر بن أحمد بن عقيل والعلامة : أحمد الأشبولي ومشائخه : من أهل اليمن والحرمين ومصر والشام وغيرهم جم واسع سماهم في ( النفس اليماني ) منهم : الشيخ الحافظ : محمد حياة السندي والشيخ : حسن بن محمد الكردي والشيخ : محمد بن أحمد الجوهري والشيخ : محمد هلال سنبل - مفتي الشافعية - والعلامة : أبو الحسن المغربي التنوسي
ومنهم : الإمام الكبير : محمد بن أحمد بن سالم السفاريني
وله : كتاب الرحلة سماه : وشي حبر السمر في شيء من أحوال السفر ذكر فيه مشائخه
توفي في سنة 1197 وقد اعتنى بترجمته من العلماء غير واحد وامتدحه بعدة قصائد منهم : الشيخ : عبد القادر كدك المدني والعلامة الكبير : أحمد بن محمد قاطن في تاريخه المسمى : ( إتحاف الأحباب بدمية القصر الناعتة لمحاسن أهل العصر ) والشاعر المفلق : أحمد بن عبد الله السعدي في كتابه : ( سرد النقول في تراجم أعيان بني المقبول ) وغيرهم - رحمهم الله تعالى

(3/173)


الشيخ المعمر : عبد الله بن عمر الخليل

(3/174)


كان بحرا في العلوم النقلية - ولا سيما الأدبية - وفي الحساب والمساحة والهندسة والهيئة والحكمة
قال : اشتغلت بهذا مدة وأتقنتها ولم أجد عنها سائلا ولا لها حاملا - فلو كان الاشتغال بذلها بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم - وله نثر فصيح ونظم بليغ ومراجعات ومناظرات ومطارحات ومفاكهات بينه وبين أدباء عصره
وكان في عمر التسعين لا تراه إلا : تاليا كتاب الله أو مشغولا بذكر الله أو مدرسا في العلوم النافعة لا يزال هذا دأبه من أول النهار إلى حصة وافرة من الليل
ومن مؤلفاته : ( تحذير المهتدين عن تكفير الموحدين ) وذيل على ( الحصن الحصين ) و ( نظم نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ) و ( نظم الرسالة الأثيرية ) في ( 3 / 175 ) علم المنطق وشرحها و ( نظم قواعد الإعراب ) وشرحها ومنظومة لقواعد القاموس ومنظومة في الاستعارة وحاشية على ( شرح إيساغوجي )
وذكر من مشائخه : رجلا من علماء الهند من أكابر المحققين يسمى : حسام الدين ولعله الشيخ : علي المتقي
توفي - رحمه الله تعالى - ليلة الخميس قبل الفجر في سنة 1196 الهجرية

(3/174)


الشيخ الفقيه : عبد الله بن سليمان الجوهري

(3/175)


كان من أعيان العلماء وأعلام الفضلاء مؤلفاته تقارب خمسين مؤلفا في : الحديث والفقه والأصول وكان رحب الصدر للتدريس كريم الكف واسع العطاء كثير البكاء من خشية الله تعالى غزير الكشف تحكى عنه في ذلك أمور غريبة
ومن مؤلفاته : شرح ( لبلوغ المرام ) لم يكمله وحاشية على ( المنهج القويم ) لابن حجر و ( بلوغ الأمل في شرح المسائل الفاضلة - مع قلتها - على كثير العمل ) ورسالة في : بيان دلالة قوله تعالى : ( إنا زينا السماء الدنيا بمصابيح ) على الرد على أهل الهيئة و ( رسالة الخط ) و ( شرح حزب الإمام النووي ) وحاشية على ( بداية الهداية ) إلى غير ذلك
توفي في سنة 1301 - رحمه الله

(3/175)


الشيخ : أحمد حسن الموقري

(3/175)


المتوفى سنة 1301 ، كان عالما كبيرا عارفا سالكا أليف المسجد والمنزل بمعزل عن جميع الأنام وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ( عليك بخويصة نفسك وليسعك بيتك ) . وقال تعالى : ( ولا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) وله أشعار بليغة شرحوها ولا يقدر أحد - ولو كان من أكابر العلماء - أن ينطق بلفظة عنده إلا أن يتكلم هو هيبة من الله تعالى

(3/175)


الشيخ : عبد الخالق بن الزين بن محمد باقي المزجاجي

(3/175)


نسبة إلى قرية من قرى الوادي بزبيد كان مطلعا على أحوال العلماء سيما الذين كانوا في عصره خصوصا من وفد إليه من : الحرمين ومصر والشام والهند والجاوة وغيرهم . ( 3 / 176 )
له : ( إتحاف البشر في القراءات الأربعة عشر ) تتلمذ على : الشيخ : محمد حياة المدني السندي - تلميذ الشيخ : أبي الحسن السندي محشي الأمهات الست - وعلى والده : الزين والشيخ : محمد أبي طاهر الكوراني والشيخ العلامة : عبد الكريم الهندي المكي والشيخ : أمر الله الهندي وشيخ الطريقة : كوشك الهندي وحسين البخاري الهندي وغيرهم من جمع جم من : علماء الحرمين الشريفين ومصر وغيرها سرد أسماءهم في ( النفس اليماني والروح الريحاني )

(3/175)


السيد : أحمد بن محمد شريف مقبول الأهدل

(3/176)


كان من العلماء الراسخين والعباد الزاهدين له اليد الطولى في : علم القراءات والتفسير والحديث والفقه والأصلين والنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والمنطق والحساب والهندسة والفلك وغيرها
اشتغل بجميع هذه العلوم حتى برع فيها وحقق ظواهرها وخوافيها وكان قد منحه الله ملكة تامة على حل صعاب المسائل في أي فن من الفنون إذا عرضت عليه المسألة الصعبة حلها بفهمه الثاقب وفتح مغلقها برأيه الصائب تتلمذ على : خاله السيد : يحيى بن عمر مقبول الأهدل وأخذ عنه التفسير والحديث وكان السيد يحيى من الدعاة إلى العمل بما صح به الدليل وإلى التغريب في الإقبال على علمي القرآن والسنة وتفهم معانيهما والتفقه في ذلك وكان لسان حاله ينشد :
إذا اختار رجل الناس في الدين مذهبا ... وصيره رأيا وحققه فعلا
فإني أرى علم الحديث وأهله ... أحق اتباعا بل أسدهم سبلا
ورأيهم أولى وأعلى لكونهم ... يؤمون ما قال الرسول وما أملى
ثم إنه شارك شيخه في جميع مشائخه رواية وإجازة وله : شرح على الهمزية وعلى النمازية وعلى زيد بن رسلان وعلى طلبة الطلبة وغير ذلك

(3/176)


الشيخ : علاء الدين المزجاجي

(3/176)


كان من العلماء الأكابر أخذ العلم عن : علماء اليمن والحرمين كالقاضي : أحمد جعمان والعلامة : إبراهيم الكوراني والشيخ : ( 3 / 177 ) أحمد التحلي والشيخ : حسن العجيمي والشيخ : عبد الله بن سالم البصري وغيرهم وهو من مشائخ السيد أحمد الأهدل المذكور - رحمه الله تعالى -
الشيخ : عبد الله بن سالم البصري المكي قارئ صحيح البخاري في جوف الكعبة المشرفة له شرح عليه عز أن يلقى في الشروح له مثال لكن ضاق به الوقت عن الإكمال سماه : ( ضياء الساري ) وهذا الاسم موافق لعام الشروع في تأليفه ترجم له آزاد في : ( سبحة المرجان وتسلية الفؤاد ) ترجمة حافلة حسنة وكذا الشيخ المسند الشاه : ولي الله المحدث الدهلوي في : ( إنسان العين ) وكذا معاصرنا الشيخ : محمد محسن - المرحوم - في كتابه : ( اليانع الجني في أسانيد الشيخ عبد الغني )
ومن مناقبه : تصحيح للكتب الستة حتى صارت نسخة يرجع إليها من جميع الأقطار ومن أعظمها : صحيح البخاري أخذ في تصحيحه نحوا من عشرين سنة وجمع مسند أحمد بعد أن تفرق أيدي سبأ وصححه وصارت نسخته أما أخذ علم الحديث عن جملة من المشائخ منهم : الحافظ : محمد بن علاء الدين البابلي - رحمه الله - والشيخ : أحمد البنا وغيرهما وعنه أخذ : السيد : أحمد الأهدل - المذكور آنفا - أيضا
توفي - رحمه الله - في سنة 1134 الهجرية

(3/176)


صفي الإسلام : أحمد بن محمد النخلي المكي

(3/177)


كان من أعيان العلماء الجامعين بين : العلوم النقلية والعقلية والفروعية والأصولية
أخذ عن عدة من العلماء منهم : العلامة المحقق : عبد الله بن سعيد باقشير والحافظ : محمد البابلي وعليه مدار روايته والشيخ العلامة : محمد بن علي ابن محمد بن علان الصديقي والشيخ : محمد بن محمد الشرنبلالي المصري ولبس الخرقة من السيد : عبد الرحمن المحجوب
عاش تسعين سنة - رحمه الله تعالى رحمة واسعة

(3/177)


السيد : أبو بكر بن يحيى بن عمر مقبول الأهدل

(3/177)


يا ليت شعري ما يعبر ناطق ... عن فضله العالي وعظم المنصب
أو ليس ذاك الماجد العلم الذي ... سفرت محاسنه ولم تتجلبب ( 3 / 178 )
أخذ العلوم العقلية والنقلية عن مشائخ عصره :
منهم : السيد : أحمد بن محمد شريف - المذكور - والشيخ : عبد الخالق المزجاجي ومفتي زبيد الفقيه العلامة : سعيد بن عبد الله الكيودي
وكان على جانب عظيم من : لين الجانب ورحب الصدر وكمال التواضع وبشاشة الوجه وكان في حفظ كتاب الله عن ظهر قلب آية باهرة وله شعر حسن وكلام فصيح - رحمه الله تعالى

(3/177)


السيد : يوسف بن حسين البطاح

(3/178)


ثمال اليتامى والمساكين لم يزل ... أبا لهم يحنو عليهم ويرأف
وهمته استنباط حكم دليله ... شواهد نقل أو قياس مؤلف
أخذ التفسير والحديث والفقه عن السيد : أحمد الأهدل واستفاد من الشيخ : عبد الخالق المزجاجي وغيره وكان كثير المباحثة والمراجعة مع أهل عصره من أهل العلم كتب له الإجازة : السيد العلامة : سليمان بن يحيى الأهدل في شوال سنة 1183 الهجرية

(3/178)


الشيخ : عثمان بن علي الجبيلي

(3/178)


أخذ عن السيد : أحمد الأهدل والشيخ : عبد الخالق المزجاجي وقرأ : ( شرح الجامي على الكافية ) و ( الشرح الصغير في المعاني ) للسعد و ( شرح التهذيب ) للشيرازي و ( شرح سبط المارديني على الياسمينية ) في الجبر والمقابلة وبرع في العلوم كلها من : الفقه والحديث والقراءة
وتصدر للتدريس في سائر الفنون لا سيما علم القراءة له شعر حسن وأخبار مأثورة أطال في ترجمته في ( النفس اليماني والروح الريحاني )

(3/178)


الشيخ : عبد الرحمن بن محمد المشرع

(3/178)


المتوفى سنة 1195 الهجرية
كريم له من نفسه بعض نفسه ... وسائره للمجد والشكر والفضل
أخذ عن مشائخ الوقت علوما عديدة منهم : السيد : أحمد الأهدل والمزجاجي ( 3 / 179 ) والكبودي وأحمد الأشبولي
وكانت وفاته في قرية الروية : من قرى وادي زبيد بعد أن وعك أشهرا عديدة بالإسهال
وكان شيخا كاملا مكملا جيد الرأي حسن التدبير جوادا سخيا عالما : بالنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والفقه والتصوف والحديث وغيرها يشتغل بقراءة صحيح البخاري في الجامع كل سنة وحصل كتبا كثيرة في عدة من الفنون تتلمذ في المعاني والبيان على : العلامة : عبد الله بن عمر الخليل وعلى الشيخ : عبد الرحمن بن عبد السلام الحاوي أيام إقامته بزبيد ورحل إلى الحرمين الشريفين وسمع الحديث عن : الشيخ المجمع على جلالته : أحمد الأشبولي المصري وانتدب الشعراء لمدحه بقصائد بديعة منهم : السيد العلامة : قاسم بن يحيى الأمير - رحمه الله تعالى

(3/178)


شرف الإسلام : إسماعيل بن أحمد الربعي

(3/179)


أخذ هو وولده : القاضي العلامة : محمد بن إسماعيل عن السيد : أحمد الأهدل والشيخ : عبد الخالق بن أبي بكر المزجاجي وأحمد الأشبولي أيام وفوده إلى زبيد
ومن تلامذته : الشيخ : أحمد القاطن وكان لا يترك كل يوم من كتابة قدر معلوم من كتاب الله وفوائد وآداب ونسخة من العلوم النافعة حتى اجتمع له مع الدوام من ذلك الشيء الواسع ولنعم ما قيل :
فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه
وكان صداعا بالحق ذا قيام عظيم في إعانة المظلوم وإغاثة الملهوف وكان فيه تشيع كثير في كافة أهل بيت النبوي - صلى الله عليه وسلم - :
وهل يستوي ود المقلد والذي ... له حجة في وده ودلائل

(3/179)


القاضي العلامة عز الإسلام : محمد بن إسماعيل ابن أحمد الربعي

(3/179)


كان من أفاضل العلماء وأماجد الفضلاء . ( 3 / 180 )
تتلمذ على السيد : أحمد بن محمد شريف وعلى المزجاجي وغيرهما في علم النحو والمعاني والبيان والحساب وأصول الدين والهيئة والهندسة والمنطق وأصول الفقه والحديث
وسمعه على القاضي العلامة : أحمد بن محمد القاطن له : مشائخ من الحرمين الشريفين منهم : عطاء المصري ومحمد بن سليمان الكردي وتصنيف في علم الفروع ولعمري هو حقيق بقول الشاعر :
لقد حسنت بك الأيام حتى ... كأنك في فم الدهر ابتسام

(3/179)


سراج الإسلام السيد : أبو بكر بن علي البطاح الأهدل

(3/180)


جد واجتهد في الترقي إلى اكتساب المعالي وسهر في تحصيل العلوم الليالي وكان له ملكة الاستحصال وملكة الحصول وملكة الاستنباط على وجه الكمال
برع في : التفسير والحديث والتصوف والفقه والآلات والأصول وصار إماما يرجع إليه في الفروع والأصول وبلغ إلى أن يملي في تحقيق مسألة مؤلفا بلا تكلف ومن هذا الجنس : كتابه : ( صلة الموصول بإيضاح روابط الجمل لابن المقبول )
وبالجملة : فكان البحر الزاخر في جميع العلوم سيما علم النحو والمنطق فإنه كان فيهما آية باهرة ونعمة ظاهرة ومن أعظم شيوخه : السيد : سليمان بن يحيى مقبول الأهدل - رحمه الله تعالى

(3/180)


يوسف بن محمد البطاح

(3/180)


العالم الفاضل النحرير أفضل من ... بث العلوم فأروى كل ظمآن
أخذ العلوم العقلية والنقلية عن : السيد : سليمان الأهدل ولازمه كثيرا وعن : الجرهزي والجبيلي ويوسف بن حسين البطاح وعن غير هؤلاء من أهل اليمن والحرمين وهاجر من زبيد إلى الحرمين الشريفين وتفرغ تفرغا عظيما لنشر ( 3 / 181 ) العلوم فدرس وألف ووقع به النفع - سيما لطلبة العلم اليمانية -
ومن مؤلفاته : ( إفهام الأفهام شرح بلوغ المرام ) في مجلدين و ( شرح منظومة القواعد ) للسيد أبي بكر ابن أبي القاسم الأهدل و ( شرح ربع العبادة من منظومة الزبد ) في مجلد حافل أكثر فيه من سرد الأدلة وذكر الخلاف وله : عدة رسائل في أعمال الحج ألفها لكثرة المسائل الواردة عليه في ذلك وله : ( تشنيف السمع بأخبار العصر والجمع ) قرظ عليه أهل مكة المكرمة - حرسها الله تعالى -
مات شهيدا في الوباء العام الواقع في سنة 1242 الهجرية

(3/180)


السيد : طاهر بن أحمد الأنباري

(3/181)


فاضل فقيه وعالم نبيه حصل العلوم الدرسية والفنون المتداولة وبرع فيها وهو ممن تتلمذ على السيد الأجل : سليمان بن يحيى الأهدل وعلى العلامة : داود الجبرتي العقيلي الهاشمي وعبد الله بن عمر الخليل والجرهزي والجبيلي وعبد الخالق المزجاجي والقاضي : محمد الربعي وغيرهم
الشيخ العلامة : عبد القادر بن خليل كدك
المحدث الحافظ المسند الرحلة وجيه الإسلام خطيب المدينة المشرفة وفد إلى مدينة زبيد ناشرا فيها علوم الإسناد إلى خير العباد بعد أن جال البلاد شرقا وغربا ولقي من المشائخ المسندين الأعلام عالما كثيرا وألف في ذلك كتابه المسمى : ( بالمطرب المعرب الجامع لأهل المشرق والمغرب ) قال في خطبته : وقد ارتحل لطلب الإسناد جمع من السلف والخلف رحل جابر بن عبد الله إلى مصر لأجل حديث واحد وكذلك ارتحل أحمد بن حنبل وغيرهما
قال :
ارتحلت إلى مصر وغزة والرملة والقدس والشام وآبدين والروم ونلت ما نلت من ذلك ولما وفد إلى مدينة زبيد تلقاه علماؤها وأعيانها بالإعزاز والإجلال وازدحم عليه الأفاضل لأخذ الإجازة منه فأجازهم وهو الذي استجاز للسيد : عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى بن مقبول الأهدل ولجماعة من محدثي زبيد من : مسند الشام الحافظ الكبير : محمد بن سالم السفاريني محتدا الحنبلي مذهبا الأثري ( 3 / 182 ) معتقدا القادري مشربا
وسفارين : قرية من قرى نابلس ثم وفد إلى مدينة صنعاء وتلقاه أهلها بالتعظيم والتبجيل
واستجاز منه جماعة من العلماء والأعيان :
منهم : السيد العلامة : عبد الله بن محمد الأمير
وله : مؤلف خاص في ذلك سماه : ( السر المؤتمن في شرح الرحلة إلى اليمن ) ثم عاد إلى المدينة المنورة وتصدى فيها لنشر علوم الإسناد وإملاء الأحاديث والاجتهاد في هذا الشأن العظيم
وكانت وفاته بنابلس : من أرض الشام في ربيع الأول سنة 1185 الهجرية

(3/181)


صفي الإسلام : أحمد بن إدريس المغربي الحسيني

(3/182)


المتوفى سنة 1253 ، بمدينة صبيا وقبره هناك معروف مشهور
وفد إلى مدينة زبيد سنة 1244 ، ناشرا فيها ما منحه الله من علوم أسرار الكتاب والسنة وكاشفا من إشاراتهما الباهرة ولطائفهما الزاهرة بعبارته الجلية المشرق عليها نور الإذن الرباني واللائح عليها أثر القبول الرحماني وازدحم عليه الخاص والعام حينئذ على الاستفادة وتلقى كل أحد من تلك اللطائف على قدر الاستعداد :
على قدرك الصهباء تعطيك نشوة ... ولست على قدر السلاف تصاب
وكان مذهبه : ( ما صح به الحديث ) كما هي طريقة خلائق من العلماء الأعلام :
ومذهبي كل ما صح الحديث به ... ولا أبالي بلاح فيه أوزاري
وأجاز أهل زبيد خصوصا وأهل اليمن عموما كما وقع نظير ذلك للحافظ : ابن حجر العسقلاني عند قدومه زبيد ثم توجه إلى بندر الحديدة وتلقاه أهلها ( 3 / 183 ) بالإعزاز والإكرام وامتدحه علماء البندر بعدة قصائد ثم صار إلى صبيا وكان باقيا فيها إلى سنة 1248 ، يذكر أيام الله ويملي من علوم السنة والكتاب ما يفيد ذوي الدين والألباب وامتدحه أهل تلك الجهات أيضا بعدة قصائد منهم : المحقق العلامة : عبد الرحمن بن أحمد البهكلي - قاضي بيت الفقيه - وترجم له : السيد العلامة : محمد بن محمد الدئلي - قاضي زبيد - في كراريس

(3/182)


السيد : عبد القادر بن أحمد بن عبد القادر الحسني الكوكباني

(3/183)


للعلوم الزاخرة والأحوال الشريفة الفاخرة
أخذ العلوم عن : الجهابذة من أهل صنعاء وزبيد والحرمين الشريفين
ومن مشايخه : سلطان ذوي الاجتهاد وعمدة المحدثين النقاد السيد الإمام : محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني والشيخان العلامتان : عبد الخالق ومحمد ابنا علاء الدين المزجاجيان والسيد الحبر : محمد بن الطيب المغربي الفاسي الآخذ عن : أبي الأسرار : الحسن بن علي العجيمي والشيخ المسند : محمد إبراهيم الكوراني
وله من المشائخ : نيف وثلاثون شيخا ومن المؤلفات : ما يزيد على أربعين مؤلفا
منها : ( حاشية القسطلاني ) في مجلدين و ( شرح القاموس ) و ( شرح نظم فصيح ثعلب ) و ( حاشية المطول ) و ( مختصره )
ومن مشايخه أيضا : الشيخ : محمد حياة السندي
قال القاضي العلامة - في ترجمته - : مظهر السنة النبوية على رؤوس الأشهاد مبكتا لأهل البدعة في الحاضر والباد ولقد قام بهذا الواجب أتم قيام وذب عن سنة جده بين الأنام وأدخلها إلى آذان الفقهاء المقلدين وقبلها من له الفهم المكين والذهن الثمين وله اليد الطولى في كل فن والتحقيق الفائق من بين أبناء الزمن . انتهى ملخصا
وممن تخرج به : شيخنا القاضي العلامة : محمد بن علي الشوكاني والسيد : ( 3 / 184 ) إبراهيم والسيد : عبد الله والسيد : قاسم أولاد أمير المؤمنين في حديث سيد المرسلين : محمد بن إسماعيل الأمير وغيرهم - رحمهم الله تعالى

(3/183)


السيد المسند والجليل المعتمد : صارم الدين إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الأمير

(3/184)


قال القاضي العلامة : أحمد بن محمد قاطن - في ترجمته - : ذو الذهن الوقاد والفكر المستقل النقاد الحاوي لخصال الكمال بأكمل الخلال الراقي إلى أوج البلاغة في جميع الأحوال إن وعظ خلته الحسن وإن خطب أعلن السنن وأيقظ الوسن وقلد المنن وبغض السمن وجبب الخشن وضيق العطن ووسع الحزن وشجع الجبان وشبع الجنان زين الجنان وشيد الإيمان يخلط الترهيب بالترغيب والتبعيد بالتقريب والوعيد بالوعد والمطر بالرعد . . . إلى آخر ما قال
وله ولدان : السيد العلامة : علي بن إبراهيم والسيد : يوسف بن إبراهيم وكانا على استقامة تامة من ملازمة الاتباع وتجنب الابتداع كما هو طريقة سلفهم الصالح
ليس الطريق سوى طريق محمد ... فهو الصراط المستقيم لمن سلك
من يمش في طرقاته فقد اهتدى ... سبل الرشاد ومن يزغ عنها هلك
ومن مؤلفات السيد علي بن إبراهيم : ( تشنيف الآذان بأسرار الآذان ) و ( البشائر والصلات بأسرار الصلوات ) و ( الفتح الإلهي لتنبيه اللاهي ) و ( كتاب السوانح ) على وزن ( صيد الخاطر ) لابن الجوزي وكتاب : ( سوق الشوق لأهل الذوق من تحت إلى فوق ) في شرح حديث : ( إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها ) وهو مؤلف حافل وله نظم في الدرجة العليا قد جمعه ولده : السيد العلامة : حسن بن علي في ديوان
وأما : السيد العلامة : يوسف فكان على قدم راسخ في العلوم المأثورة وله من النظم الرائق الفائق الشيء الواسع
وأما : أخو السيد إبراهيم بن محمد المذكور فهو : السيد الجليل والعالم النبيل ( 3 / 185 ) فخر الإسلام وزينة الليالي والأيام : عبد الله بن محمد بن إسماعيل الأمير
وكان من العلماء الأعلام أحد أئمة العصر وحامل لواء الفخر له اليد الطولى في العلوم العقلية والنقلية وجودة النظر والنقادة في الأحاديث النبوية مشتغلا بذلك غاية الاشتغال حتى نال من العلم الشريف كل منال ترك التعصبات المذهبية وأخذ بالسنة المطهرة السنية له شعر وتواليف صحح كتب والده وكتب بخطه كثيرا وعندي من خطه الشريف كتاب : ( سبل السلام شرح بلوغ المرام ) وغيره
والسيد : عبد الرحمن بن سليمان الأهدل ممن تتلمذ له واستجاز منه فأجازه وأيضا تتلمذ على أخيه : السيد : قاسم فأجازه لفظا

(3/184)


صفي الإسلام الشيخ : أحمد بن محمد قاطن

(3/185)


كان من أجل الأعلام الأعيان كبير المقدار عظيم الشأن أخذ العلوم العقلية والنقلية من علماء صنعاء وغيرهم منهم :
السيد العلامة الإمام : محمد بن إسماعيل الأمير والعلامة الأوحد : زيد بن محمد بن الحسن - شارح : الإيجاز في المعاني والبيان - والمحقق : هاشم بن يحيى بن محمد الشامي والسيد : يحيى بن عمر مقبول الأهدل له منه إجازات وروايات
له : ( تحفة الإخوان ) نظم فيها إسناد صحيح البخاري وشرحها شرحا عظيما
ومن مشائخه : محمد حياة المدني السندي والشيخ : محمد الدقاق والشيخ : سالم بن عبد الله البصري والشيخ : محمد بن حسن العجيمي وقد ترجم لهؤلاء المشائخ في ( تحفة الإخوان ) المذكورة
ومن مؤلفاته : ( نفحات العوالي بالأحاديث العوالي ) و ( الإعلام بأسانيد الأعلام ) و ( وسيلة المستجير بالله الكبير ) و ( نزهة الطرف في أحكام الجار والمجرور والظرف ) وهو شرح عظيم على كتاب : ( العقد الوسيم ) لشيخه الإمام : صلاح الأخفش وله أشعار رائقة ذكرها في ( النفس اليماني والروح الريحاني ) وكان بينه وبين السيد : عبد الرحمن بن سليمان الأهدل مودة أكيدة وكان يحرضه على العمل ( 3 / 186 ) بالسنة النبوية وسلوك الطريق السلفية وترك العصبية المذهبية وأخذ السيد منه إجازة له ولأولاده فكتب الإجازة - رحمه الله تعالى

(3/185)


الشيخ : أحمد بن عبد القادر بن بكري العجيلي

(3/186)


أخذ العلوم عن آبائه الكرام وعن غيرهم من الأعلام وهم كثيرون :
منهم : الشيخ : عبد الخالق المزجاجي وعمه : محمد بن بكري والسيد : إبراهيم بن محمد الأمير والشيخ : إبراهيم الزمزمي - مفتي الشافعية في أم القرى بروايته عن الشيخ : عبد الوهاب بن أحمد الطنطاوي المصري مؤلف : ( بذل العسجد في شيء من أسرار اسم محمد ) -
وللشيخ أحمد : مؤلفات ورسائل منظومات ومسائل يطول ذكرها منها : ( النفحة القدسية في وظائف العبودية ) و ( عقد جواهر اللآل في مدح الآل ) وعليه شرح وتقاريظ من جمع جم منهم : السيد الجليل : علي بن محمد بن أحمد بن إسحاق كتبه بمكة المشرفة سنة 1230 وللسيد : عبد الرحمن بن سليمان الأهدل منه إجازة في الحديث المسلسل بالأولية وله مناقب وفضائل شهيرة وكان لا يسمع بذي فضيلة في جهة من الجهات إلا وتعرف به واستطلع حقيقة فضيلته ومكث على هذه الحالة دهرا طويلا ثم آثر الخلوة والعزلة إلى أن انتقل إلى جوار رحمة الله تعالى

(3/186)


الشيخ : إبراهيم بن محمد الزمزمي

(3/186)


تصدى في أم القرى للإفتاء والتدريس على مذهب الإمام : محمد بن إدريس فكان يقرئ فيه ويفيد ويبدئ ويعيد ويتكلم في سائر العلوم لفظا وعلى أصولها وفروعها معنى وحفظا
صفاته في العلوم إن ذكرت ... يغار منه النسيب والغزل
تعرف من عينه حقائقها ... كأنه بالعلوم مكتحل
استجيز منه للسيد : عبد الرحمن الأهدل في سنة 1192 قال : أخذت عن الشيخ : عبد الوهاب الطنطاوي الآمدي وعن المحقق : عبد الله النمرسي عن الشيخ : ( 3 / 187 ) عبد الله بن سالم البصري
وأما ولده : محمد صالح بن الشيخ إبراهيم الزمزمي فكان خلف أبيه في العلوم والفضائل منه إجازة للسيد : عبد الرحمن الأهدل ذكر فيها الأمهات الست وبقية العلوم مقرونا بسنده العالي عن المشائخ العظام في سنة 1224 ، وفيها : إن من أعلى أسانيدنا سيدي العلامة المحدث شيخنا : صالح بن محمد الفلاني العمري المغربي ومن أجل شيوخه الحافظ : محمد بن سنة العمري وهو أيضا : شيخ السيد : عبد الرحمن الأهدل كما صرح بذلك في : ( المنهج السوي حاشية المنهل الروي )

(3/186)


الشيخ : عبد الملك بن عبد المنعم القلعي

(3/187)


مفتي أم القرى على مذهب الإمام الأعظم كان كنز الذخائر وبحر العلم الزاخر استجاز منه السيد : عبد الرحمن الأهدل فأجازه في سنة 1224 ، وذكر في الإجازة مشائخه من أهل الحرمين منهم : عبد الله بن سالم البصري

(3/187)


سراج الإسلام : سالم بن أبي بكر الأنصاري الكراني

(3/187)


من أجل علماء المدينة المنورة له : ( حاشية على المنهج القويم ) لابن حجر الهيتمي في ستين كراسا وهو ممن تتلمذ على الشيخ : محمد بن سليمان الكردي الآخذ عن الشيخ : محمد الدمياطي والشيخ : محمد بن سعيد سنبل المكي والعلامة : أحمد الجوهري المصري

(3/187)


الشيخ : محمد بن سليمان الكردي

(3/187)


ولا تحسب الأكراد أبناء فارس ... ولكنهم أبناء عمرو ابن عامر
تتلمذ على المحقق : محمد بن سعيد سنبل - مفتي الشافعية في أم القرى -
وأخذ عن الشيخ : أحمد النخلي وأجازه : عبد الله بن سالم البصري وعن الشيخ : طاهر بن إبراهيم الكوراني
وله مؤلفات منها : ( فتح الفتاح بالخير على يريد معرفة شروط الحج عن الغير ) و ( الثغر البسام عن معاني الصور التي تزوج فيها الحكام ) و ( أزهار الربا في بيان ( 3 / 188 ) أبواب الربا ) وهو من مشائخ السيد : عبد الرحمن الأهدل

(3/187)


السيد : عبد الرحمن بن مصطفى العيدروس باعلوي المصري

(3/188)


الإمام الكبير العلم الشهير أخذ عن : والده وعن السيد : عبد الرحمن بن عبد الله بافقيه والسيد العلامة : غلام حيدر الحسيني الهندي والسيد : فضل الله بن أ حمد الهندي والحافظ المسند الشيخ : محمد حياة السندي وغيرهم
ومن مؤلفاته : ( بسط العبارة في شرح ضبط الاستعارة ) وعليه : حاشية للمحقق الحفناوي و ( قطف الثمر في شرح المقولات العشر ) و ( المنهل العذب في الكلام على الروح والقلب )

(3/188)


أبو الفيض : محمد مرتضى بن محمد الحسيني الواسطي البلكرامي

(3/188)


نزيل مصر تقدم ترجمته الشريفة في : ( ذيل علماء اللغة ) فراجعه وهو صاحب : ( تاج العروس في شرح القاموس ) وهو من مشائخ السيد : عبد الرحمن بن سليمان الأهدل

(3/188)


السيد : عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى بن عمر مقبول الأهدل

(3/188)


ينتهي نسبه الشريف إلى : موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - صاحب كتاب : ( النفس اليماني والروح الريحاني في إجارة القضاة بني الشوكاني ) وهو شيخ شيخنا الإمام العلامة المجتهد المطلق الرباني : محمد بن علي بن محمد الشوكاني اليماني الصنعاني وشيخ أخويه : العلامة صفي الإسلام : أحمد وعماد الإسلام : يحيى - رحمهم الله تعالى - ألف الفقيه العلامة : سعد بن عبد الله سهيل في ترجمته كتابا حافلا في سنة 1263 ، سماه : ( فتح الرحمن في مناقب سيدي عبد الرحمن بن سليمان ) قال فيه : كان - رضي الله عنه - من صدور المقربين صاحب العلوم الجمة والفنون الكثيرة والكرامات الباهرة والمقامات الفاخرة تصانيفه : دالة على سعة علمه وغزارة اطلاعه منها :
( فتح الولي في معرفة سلب الولي ) و ( المنهج السوي حاشية المنهل ( 3 / 189 ) الروي ) وفيه دلالة على كماله في علم الحديث وأنه من أجل أئمته
وله : ( فرائد الفوائد وقلائد الخرائد ) مجلدان جمع فيه فأوعى و ( الروض الوريف في استخدام الشريف ) و ( تلقيح الأفهام في وصايا خير الأنام ) و ( شرح بلوغ المرام ) بلغ فيه إلى التيمم في نحو عشرين كراسا ولم تساعده القدرة على إتمامه و ( فتح اللطيف شرح مقدمة التصريف ) و ( الجنى الداني على مقدمة الزنجاني ) و ( كشف الغطا عن أسئلة ابن العطا ) و ( رسالة في البندقة ) و ( تحفة النساك في شرب التنباك ) . . . إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة

(3/188)


ومن تلامذته : شيخنا الشوكاني ويا له من تلميذ وأستاذ
ومنهم : السيد العلامة : محمد بن طاهر الأنباري الملقب : بالشافعي الصغير والعارف بالله : محمد بن أحمد المشرع وكان في غاية من العبادة - سيما قيام الليل وتلاوة الكتاب العزيز - وكان هجيره هجير خلفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان حسن الخلق لين الجانب قريب التناول يتصل به كل أحد يتكلم باللسان العالي في لطائف الأسرار ويقول : ليس العلم بلقلقة اللسان ولا بطول الإطناب وبديع البيان ولا في الكراريس الكثيرة والمجلدات الضخيمة والأوارق وإنما العلم ما أفادته الملكة التامة والرسوخ وكان مما ينفع صاحبه هداية ويقربه إلى رب العالمين وله أشعار فائقة وأبيات رائقة ذكر بعضها في : ( فتح الرحمن ) وأطال في بيان كلماته الرفيعة الشأن واعتضدها بنقول العلماء والأعيان يطول ذكرها في هذا المكان
وكانت ولادته في سنة 1179 ومرض مرض الموت قريبا من عشرة أيام وأتاه اليقين في ليلة الثلاثاء الأخيرة في الحادي والعشرين من شهر رمضان أحد شهور سنة 1250 ، وله من العمر إحدى وسبعون سنة وأرخ بعض الفضلاء وفاته بقوله : ( ليهنك الفردوس مفتي الأنام )
وله من الأولاد : محمد وعبد الباقي وسليمان وقد أجازهم وأولادهم ومن ( 3 / 190 ) سيولدهم وكافة من أدرك حياته - سيما من وقعت بينه وبينه المعرفة أو الاستفادة العلمية - وأولادهم ومن سيولد لهم راجيا بذلك الخير الشامل الكثير - إن شاء الله تعالى - وهو من مشايخنا - ولله الحمد

(3/189)


الشيخ العارف بالله : محمد بن عبد الرحمن

(3/190)


المتقدم ذكره أخلف والده في : هديه وسمته ودله وإفتائه وجميع أحواله المرضية السنية ونفع الله به خلقا كثيرا إلى أن توفي - رحمه الله - في سنة 1258 ، وله من العمر ثمانية وأربعون سنة وله من الكرامات والمكاشفات ما لا يحصى وكان غاية في إطلاق اللسان يكتب الجوابات من غير مراجعة لكتب المذهب لسعة ملكته
ولما توفي قام مقامه أخوه : السيد العلامة : عبد الباقي - رحمه الله

(3/190)


السيد : محمد بن إبراهيم الوزير بن علي بن المرتضى ابن المفضل الحسني القاسمي الهادوي

(3/190)


الإمام العلامة والمحدث الأصولي النحوي المتكلم الفقيه البليغ الرحلة الحجة السني الصوفي كان فريد العصر ونادرة الدهر خاتمة النقاد وحامل لواء الإسناد وبقية أهل الاجتهاد بلا خلاف وعناد رأسا في المعقول والمنقول إماما في الفروع والأصول
يقول واصفه في وصفه : كشاف أصداف الفرائد قطاف أزهار الفوائد فاتح أقفال اللطائف مانح أنفال الظرائف مصيب شواكل المشكلات بنوافذ أنظاره ومطبق مفاصل المعضلات بصوارم أفكاره مضحك كمائم النكت من نوادره ومفتح أنظار الظرف في موارده ومصادره عز الدين محيي سنة سيد المرسلين فلان الحسني نسبا على السماك عاليا والسني مذهبا إلى الصواب هاديا . . . إلى آخر ما ذكره في ترجمته
وبالجملة : كان مولده في شهر رجب سنة 775 ، في شطب : وهو جبل عال باليمن هكذا نقلته من خطه وحفظته من غيره من الأهل

(3/190)


وله مصنفات عديدة ومجموعات مفيدة منها : كتاب : ( العواصم والقواصم في الذب عن ( 3 / 191 ) سنة أبي القاسم ) أربعة أجزاء في الرد على الزيدية اشتمل من الفوائد على ما لم يشتمل عليه كتاب وكتاب : ( البرهان القاطع في إثبات الصانع وجميع ما جاءت به الشرائع ) ألفه في سنة 801 ومختصر جليل في علم الأثر ألفه بعد اطلاعه على ( نخبة الفكر ) سماه : ( تنقيح الأنظار في علوم الآثار ) صنفه في آخر سنة 813 ومنها : ( الروض الباسم مختصر : العواصم والقواصم ) وكتاب : ( التأديب الملكوتي ) مختصر فيه العجائب والغرائب وكتاب : ( ا لعزلة ) و ( قبول البشرى بالتيسير لليسرى ) وكتاب ( إيثار الحق على الخلق ) صنفه في سنة 837 . . . إلى غير ذلك - وغالبها عندي موجود ولله الحمد - وله ديوان شعر سماه : ( مجمع الحقائق والرقائق في ممادح رب الخلائق ) وشرحه سماه : ( بفتح الخالق ) و ( الحسام المشهور في الذب عن الإمام المنصور )
وقد ذكر له الحافظ : ابن حجر العسقلاني في كتابه : ( الدرر الكامنة ) ترجمة حافلة وأثنى عليه ثناء كثيرا جميلا لم يثن بمثله أحدا
توفي - رحمه الله - في الطاعون الذي وقع في اليمن شهيدا في سنة 840 فكان جملة عمره : ستا وستين سنة

(3/190)


السيد العلامة بدر الملة النير المؤيد بالله : محمد ابن الإمام المتوكل على الله : إسماعيل بن صلاح الأمير الصنعاني اليمني

(3/191)


وهو : الإمام الكبير المحدث الأصولي المتكلم الشهير قرأ كتب الحديث وبرع فيها وكان إماما في الزهد والورع يعتقده العامة والخاصة ويأتونه بالنذور فيردها ويقول : إن قبولها تقرير لهم على اعتقادهم أنه من الصالحين وهو يخاف أنه من الهالكين
حكى بعض أولاده : أنه قرأ - وهو يصلي بالناس صلاة الصبح - : ( هل أتاك حديث الغاشية ) فبكى وغشي عليه وكان والده : ولي الله بلا نزاع من أكابر الأئمة وأهل الزهد والورع استوى عنده الذهب والحجر وخلف أولادا هم أعيان العلماء والحكماء وأعظمهم ولده هذا
قال الشيخ أحمد بن عبد القادر الحفظي الشافعي - في ذخيرة الآمال في شرح عقد جواهر اللآل - : الإمام السيد المجتهد الشهير المحدث الكبير السراج المنير : محمد ( 3 / 192 ) بن إسماعيل الأمير مسند الديار ومجدد الدين في الأقطار صنف أكثر من مائة مؤلف وهو لا ينسب إلى مذهب بل مذهبه : الحديث
قال : أخذ عن علماء الحرمين واستجاز منهم وارتبط بأسانيدهم وقرأ على الشيخ : عبد الخالق بن الزين الزجاجي والشيخ عليه واستجاز منه وأسند عنه مع تمكنه من علوم الآل وتأصله . انتهى على ما نقله السيد : حامد حسين المعاصر في كتابه : ( عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار )
ومن شيوخه : الشيخ : عبد القادر بن علي البدري والشيخ : محمد طاهر بن إبراهيم الكردي والشيخ : سالم بن عبد الله البصري وغيرهم
وتتلمذ عليه أيضا خلق كثير منهم : الشيخ : عبد الخالق المزجاجي الزبيدي وهو أيضا أستاذه - كما تقدم - وأيضا ولده : السيد العلامة : عبد الله بن محمد الأمير وغيرهما

(3/191)


له مصنفات جليلة ممتعة تنبئ عن سعة علمه وغزارة اطلاعه على العلوم النقلية والعقلية وكان ذا علم كبير ورياسة عالية وله في النظم اليد الطولى بلغ رتبة الاجتهاد المطلق ولم يقلد أحدا من أهل المذاهب وصار إماما كاملا مكملا بنفسه وقد من الله تعالى علي بأكثر مصنفاته وهي أزيد من أن تذكر
منها : ( سبل السلام شرح بلوغ المرام ) وهو عندي بخط ولده : السيد : عبد الله وفيه خطه الشريف أيضا
ومنها : ( منحة الغفار حاشية ضوء النهار ) و ( إسبال المطر على قصب السكر ) و ( جمع التشتيت في شرح أبيات التثبيت ) و ( توضيح الأفكار في شرح تنقيح الأنظار ) . . . إلى غير ذلك من الرسائل والمسائل التي لا تحصى وكلها فريدة في بابها خطيبة في محرابها حج وزار واستفاد من علماء الحرمين الشريفين وغيرهم من فضلاء الأمصار فهو أكرم من أن يصفه مثلي وقفت له على قصائد بديعة ونظم رائق وكان له صولة في الصدع بالحق واتباع السنة وترك البدعة لم ير مثله في هذا الأمر ( 3 / 193 ) وهو من مشائخي في سند الكتب الحديثة على ما صرحت به في ( سلسلة العسجد من ذكر مشائخ السند ) وقد ذكرت له ترجمة في كتابي : ( إتحاف النبلاء ) ونقلها عنه : السيد المعاصر : حامد حسين في ( العبقات ) على تشيعه فلا نطول الكلام هاهنا بذكر ذلك الإملاء
توفي - رحمه الله - في سنة 1182

(3/192)


وخرج في زمانه الشيخ : محمد بن عبد الوهاب النجدي الذي تنسب إليه الطائفة الوهابية فنظم قصيدة في ذلك وأرسلها إليه وأثنى على طريقته ثم لما سمع أنه يكفر أهل الأرض ويسفك الدماء رجع عما كان قاله في قصيدته - كما سيأتي ذلك مفصلا في ترجمة : محمد بن عبد الوهاب - وكان له - رحمه الله - أولاد صلحاء تقدم تراجمهم في هذا الكتاب وقد أثنى عليه ولده : السيد : عبد الله في إجازة كتبها للشيخ المحدث شيخنا : عبد الحق بن فضل الله المحمدي الهندي المتوفى بمنى سنة ألف ومائتين وثمان وثمانين الهجرية القدسية قال فيه :
سمع مني حصة من صحيح الإمام البخاري وقد من الله علي بالمثول بين يدي أئمة السنة النبوية والسماع منهم للآثار والأحاديث المصطفوية منهم : والدي وشيخي ناصر السنة مجدد المائة الحادية عشر - رضي الله عنه - . . . الخ

(3/193)


والشيخ : عبد الحق المحمدي قد تتلمذ على شيخ شيوخنا : الشوكاني وكتب له إجازة بخطه الشريف يقول فيها :
إني أجزت للشيخ العلامة أي : الفضل بن عبد الحق بن الشيخ العلامة : محمد فضل الله المحمدي الهندي - كثر الله تعالى بمنه وكرمه فوائده ونفع بمعارفه - ما اشتمل عليه هذا الثبت الذي جمعته وسميته : ( إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر ) فليرو عني ما اشتمل عليه من كتب الإسلام على اختلاف أنواعها كما يراه فيه وهو أهل لما هنالك ولم أشترط عليه شرطا فهو أجل من ذلك وأعلى حرر يوم الجمعة بتاريخ 10 جمادى الآخرة سنة 1238 كتبه : محمد بن علي الشوكاني . انتهى . ( 3 / 194 )
وقد أتحفني شيخي عبد الحق بكتاب شيخه الشوكاني : ( إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر ) ولي أسانيد أخرى إلى الشوكاني كما يلوح من : ( الحطة ) و ( إتحاف النبلاء ) و ( سلسلة العسجد ) - ولله الحمد وله المنة

(3/193)


الشيخ : محمد بن عبد الوهاب

(3/194)


ابن سليمان بن علي بن أحمد بن راشد بن يزيد بن محمد بن يزيد بن مشرف صاحب نجد الذي تنسب إليه الطائفة الوهابية وهذا هو المعروف من نسبه ويذكر أنه من مضر ثم بني تميم
ولد سنة 1115 ، بالعينية : من بلاد نجد ونشأ بها وقرأ القرآن وسمع الحديث أخذ عن أبيه وهم بيت فقه حنابلة ثم حج وقصد المدينة المنورة ولقي بها شيخا عالما من أهل نجد اسمه : عبد الله بن إبراهيم قد لقي أبا المواهب البعلي الدمشقي وأخذ عنه ثم انتقل مع أبيه إلى جريمل : قرية من نجد أيضا ولما مات أبوه رجع إلى العينية وأراد نشر الدعوة فرضي أهلها بذلك ثم خرج عنها بسبب إلى الدرعية وأطاعه أميرها : محمد بن سعود من آل مقرن يذكر أنهم من بني حنيفة ثم من ربيعة وهذا في حدود سنة 1206
وانتشرت دعوته في : نجد وشرق بلاد العرب إلى عمان ولم يخرج عنها إلى الحجاز واليمن إلا في حدود المائتين والألف
وتوفي سنة 1209
قال الشيخ الإمام العلامة : محمد بن ناصر الحازمي الآخذ عن شيخ الإسلام : محمد بن علي الشوكاني : هو رجل عالم متبع الغالب عليه في نفسه الاتباع ورسائله معروفة وفيها المقبول والمردود وأشهر ما ينكر عليه خصلتان كبيرتان :
الأولى : تكفير أهل الأرض بمجرد تلفيقات لا دليل عليها وقد أنصف ( 3 / 195 ) السيد الفاضل العلامة : داود بن سليمان في الرد عليه في ذلك
الثانية : التجاري على سفك الدم المعصوم بلا حجة ولا إقامة برهان وتتبع هذه جزئيات ذكر السيد المذكور بعضها وترك كثيرا منها وهي حقيرة تغتفر مع صلاح الأصل وصحته . انتهى

(3/194)


وللعلامة الفاضل : حسين بن غنام اليمني قصيدة بديعة رد فيها على محمد بن فيروز في قصيدة لم يكفر فيها أهل نجد ويحث الناس على قتالهم فأجاب عليه بالقصيدة المذكورة أولها :
على وجهها الموسوم بالشؤم قد خطا ... عروس هوى ممقوتة زارت الشطا
وللإمام العلامة : عبد الله بن عيسى بن محمد الصنعاني كتاب سماه : ( السيف الهندي في إبانة طريقة الشيخ النجدي ) ألفه في سنة 1218 ، قال فيه :
كان مبتدأ أمره في بضع وستين ومائة وألف خرج محمد بن عبد الوهاب الحنبلي فنزل بمحلة الشيخ : عبد العزيز النجدي وكان أهل تلك المحلة قوم أعراب مضيعين لأركان الإسلام وهؤلاء أهل اليمامة فلما حل الشيخ : محمد - المذكور - ما زال يدعوهم إلى التوحيد ويعلمهم الشرائع من الصلاة والصيام وغير ذلك والشيخ : عبد العزيز بن محمد النجدي : أول من تابعه وأسلم على يديه

(3/195)


ثم لما تم للشيخ ابن عبد الوهاب ما أراد في تلك القرى المجاورة للدرعية : وهي قرية الشيخ : عبد العزيز واجتمع على الإسلام معه عصابة قوية صاروا ( 3 / 196 ) يدعون من حولهم من القرى بالرغبة والرهبة ويقاتلون من حولهم من الأعراب
ثم لما تمكن في قلوبهم الإسلام - وهم عرب أغنام - قرر لهم : أن دعا من غير الله أو توسل بنبي أو ملك أو عالم فإنه مشرك شاء أو أبى اعتقد ذلك أم لا
وتعدى ذلك إلى تكفير جمهور المسلمين وقد قاتلهم بهذا الوجه الذي أبداه وقد وقفت على رسالة لهم في هذا الشأن وقد كان المولى العلامة السيد : محمد بن إسماعيل الأمير بلغه من أحوال هذا النجدي ما سره فقال قصيدته المشهورة :
سلام على نجد ومن حل في نجد ... وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي
ثم لما تحقق الأحوال من بعض من وصل إلى اليمن وجد الأمر غير صاف عن الإدغال وقال :
رجعت عن القول الذي قلت في النجد ... فقد صح لي عنه خلاف الذي عندي

(3/195)


ونقلت من خط العلامة وجيه الإسلام : عبد القادر ابن أحمد بن الناصر ما صورته في ذي القعدة سنة 1170 ، سنة وصل إلينا الشيخ الفاضل : مربد بن أحمد بن عمر التميمي النجدي الجريملي : نسبة إلى جريمل : بلد قرب سدوس أول بلاد اليمامة من جهة الغرب وكان وصوله إلى اليمن لطلب تحقيق مسألة جرت بينه وبين الشيخ : محمد بن عبد الوهاب في تكفير من دعا الأولياء والشيخ يكفر من فعل ذلك ومن شك في كفره ويجاهد من خالفه وكان سبب وصوله إلى اليمن : أنه سمع قصيدة لشيخنا السيد العلامة : محمد بن إسماعيل الأمير كتبها إلى الشيخ : محمد بن عبد الوهاب وللشيخ : مربد عليها جواب صغير ولم يكن يتعاطى فيها الشعر قط فهذا كلام إمام ذلك الزمان في تحقيق مذهب الشيخ : محمد بن عبد الوهاب النجدي من قبل أن يولد أكثر هذه الطبقة التي نحن فيها . انتهى حاصله

(3/196)


ثم رد في هذه الرسالة عليه بعض عقائده ومسائله : ( 3 / 197 )
وأما السيد العلامة : محمد بن إسماعيل الأمير فعبارته في شرح قصيدة مذكورة له الموسوم : ( بمحو الحوبة في شرح أبيات التوبة ) لما بلغت هذه الأبيات نجدا يعني القصيدة الأولى وصل إلينا بعد أعوام من بلوغها رجل عالم يسمى : الشيخ : مربد بن أحمد التميمي وكان وصوله في شهر صفر سنة 1170 ، وأقام لدينا ثمانية أشهر وحصل بعض كتب شيخ الإسلام : ابن تيمية والحافظ : ابن القيم بخطه وفارقنا في عشرين من شوال 1120 ، راجعا إلى وطنه وكان من تلاميذ الشيخ : محمد بن عبد الوهاب الذي وجهنا إليه الأبيات فأخبرنا ببلوغها ولم يأت بجواب عنها وكان قد تقدمه في الوصول إلينا بعد بلوغها الشيخ الفاضل : عبد الرحمن النجدي ووصف لنا من حال ابن عبد الوهاب أشياء أنكرها عليه من : سفك الدماء ونهبه الأموال وتجاربه على قتل النفوس ولو بالاغتيال وتكفيره الأمة المحمدية في جميع الأقطار فبقي معنا تردد فيما نقله الشيخ : عبد الرحمن حتى وصل الشيخ : مربد وله نباهة ووصل ببعض رسائل ابن عبد الوهاب التي جمعها في : وجه تكفير أهل الإيمان وقتلهم ونهبهم وحقق لنا أحواله وأفعاله وأقواله فرأينا أحواله أحوال رجل عرف من الشريعة شطرا ولم يمعن النظر ولا قرأ على من يهديه نهج الهداية ويدله على العلوم النافعة ويفقهه فيها بل طالع بعضا من مؤلفات الشيخ : أبي العباس ابن تيمية ومؤلفات تلميذه : ابن القيم الجوزية وقلدهما من غير إتقان مع أنهما يحرمان التقليد

(3/196)


ولما حقق لنا أحواله ورأينا في الرسائل أقواله وذكر لي أنه : إنما عظم شأنه بوصول الأبيات التي وجهناها إليه وأنه يتعين علينا نقض ما قدمناه وحل ما أبرمناه وكانت هذه الأبيات قد طارت كل مطار وبلغت غالب الأقطار وأتتنا فيها جوابات من مكة - المشرفة - ومن البصرة وغيرهما إلا أنها جوابات خالية عن الإنصاف ولما أخذ علينا الشيخ : مربد ذلك تعين علينا لئلا نكون سببا في شيء من هذه الأمور التي ارتكبها ابن عبد الوهاب - المذكور - كتبت أبياتا وشرحتها ( 3 / 198 ) وأكثرت من النقل عن ابن القيم وشيخه لأنهما عمدة الحنابلة . انتهى كلام السيد - رحمه الله تعالى

(3/197)


وقد وقفت على هذا الشرح وهو عندي موجود ألفه السيد المؤلف في سنة 1170 ، ثم وقفت لهذا العهد على كتاب : ( رد المحتار وحاشية الدر المختار ) للسيد : محمد أمين بن عمر المعروف : بابن العابدين بمصر حالا وكان في سنة 1249 ، ما لفظه :
كما وقع في زماننا في أتباع ابن عبد الوهاب الذي خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم حتى كسر الله شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف . انتهى

(3/198)


هذا وقد وقفت على رسائل للشيخ : محمد بن عبد الوهاب منها : ( كتاب النبذة في معرفة الدين الذي معرفته والعمل به سبب لدخول الجنة والجهل به وإضاعته سبب لدخول النار ) و ( كتاب التوحيد ) المشتمل على مسائل من هذا الباب أوله : قول الله - عز وجل - : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) وليس لهذا الكتاب ديباجة بل يذكر فيه الآيات والأحاديث ثم يقول فيه مسائل و كتاب في مسائل خالف فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما عليه أهل الجاهلية من أهل الكتاب وغيرهم وهو مختصر في نحو كراسة
وكتاب ( كشف الشبهات في بيان التوحيد وما يخالفه والرد على المشركين )
ورسالة : ( أربع قواعد من قواعد الدين ) في نحو ورقة . وكتاب ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )
و : ( كتاب في تفسير شهادة : أن لا إله إلا الله )
وكتاب : ( تفسير سورة الفاتحة )
ورسالة : ( في معرفة العبد ربه ودينه ونبيه ) . ( 3 / 199 )
ورسالة : ( في بيان التوجه في الصلاة ) ورسالة : ( في معنى : الكلمة الطيبة ) أيضا
ورسالة : ( في تحريم التقليد )

(3/198)


وهذا جل ما وقفت عليه من تواليفه إلى الآن وفيها ما يقبل ويرد وعلى كتابه ( التوحيد ) شرح مبسوط مفيد للشيخ العالم العلامة مفتي الديار النجدية : عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب حفيد المؤلف سماه : ( فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد ) ولقبه : ( قرة عين الموحدين في تحقيق دعوة المرسلين )
ذكر فيه أنه تصدى لشرحه حفيده : الشيخ : سليمان بن عبد الله فوضع عليه شرحا أجاد فيه وأفاد وأبرز فيه من البيان ما يجب أن يطلب منه ويراد وسماه : ( تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ) ولما قرأت شرحه رأيته أطنب في مواضع وفي بعضها تكرار يستغنى بالبعض منه عن الكل ولم يكمله فأخذت في تهذيبه وتقريبه وتكميله وربما أدخلت فيه بعض النقول المستحسنة تتميما للفائدة وسميته : ( فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد )
ولأتباعه أيضا رسائل منها :
( الرسالة الدينية في معنى الإلهية ) للشيخ : عبد العزيز بن محمد بن سعود قال فيها : من عبد العزيز إلى من يراه من العلماء والقضاة في الحرمين الشريفين والشام ومصر والعراق وسائر علماء الغرب والشرق سلام عليكم ورحمة الله بركاته أما بعد . . . الخ

(3/199)


ولما أراد الثويني - وهو رئيس بدوان العراق - أن يقدم على سعود بن عبد العزيز - المذكور - وقدم عليه في جيش عظيم فتلقاه رجل يقال له : طعيس فقتله وأغار سعود على جيشه فأخذهم وغنمهم فقال الشيخ العلامة : حسين بن غنام يهنيه بذلك :
تلألأ نور الحق وانصدع الفجر ... وديجور ليل الشرك مزقه الظهر
وشمس الأماني أشرقت في سعودها ... ولاح بأفق السعد نجمه الزهر
وهي قصيدة طويلة حسنة ألفها في سنة 1217
ثم وقفت بعد ذلك كله في ( 3 / 200 ) سنة 1285 ، حين السفر إلى الحرمين الشريفين على رسالة للشيخ العالم : عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - إمام الوهابية - ذكر فيها ما لفظه :
وبعد فإنا معاشر موحدون لما من الله علينا وله الحمد بدخول مكة المشرفة نصف النهار يوم السبت ثامن شهر المحرم سنة 1218 ، بعد أن طلب أشراف مكة وعلماؤها وكافة العامة من أمير الغزو : سعود - حماه الله - وقد كان أمراء الحج وأمير مكة على القتال والإقامة في الحرم ليصدوه عن البيت فلما زحفت أجناد الموحدين ألقى الله الرعب في قلوبهم فتفرقوا شذر مذر كل واحد يعد الإياب غنيمة وبذل الأمير الأمان لمن بالحرم الشريف ودخلنا بالتلبية آمنين محلقين رؤوسنا ومقصرين غير خائفين من أحد من المخلوقين بل من مالك يوم الدين . . . إلى قوله : ولما تمت عمرتنا جمعنا الناس ضحوة الأحد وعرض الأمير - عافاه الله - على العلماء ما نطلب من الناس ونقاتلهم عليه قال : ثم دفعت إليهم الرسائل المؤلفة للشيخ : محمد في التوحيد واختصر من ذلك رسالة للعوام . انتهى

(3/199)


وفي هذه الرسالة أنكر كثيرا مما ينسب إليه من المسائل والأقوال المخالفة لصحاح الكتب وللشيخ المحدث العلامة : محمد بن ناصر الحازمي : رسالة في المشاجرة مع أهل مكة المشرفة في المسائل التي اختلف فيها الوهابية وغيرهم أنصف في هذه الرسالة غاية الإنصاف وأتى بما يقضي منه العجب العجاب وله : - رحمه الله تعالى - رسالة أخرى في إثبات الصفات قال في مطاويها : قد بينا فيما تقدم عقيدة شيخ الإسلام : محمد بن عبد الوهاب وإن عقيدته وعقيدة أتباعه هي عقيدة السلف الماضيين من الصحابة والتابعين وسائر أئمة الدين . انتهى
وقال فيها في موضع آخر : إن هذا الاعتقاد الذي حكيناه عن : محمد بن عبد الوهاب وأتباعه - يعني : في آيات الصفات وإجرائها على الظاهر - هو الاعتقاد والحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وكلام الصحابة وسائر الأمة . . . إلى آخر ما ذكره

(3/200)


وبالجملة : فالشيخ : محمد بن عبد الوهاب ممن اختلف فيه اعتقاد الناس ( 3 / 201 ) فمنهم : من أثنى عليه في كل ما قاله ووضعه ونشره ودعا إليه وقاتل عليه وانتصر له وافتخر بالانتساب إليه وإلى طريقته
ومنهم : من أساء الظن به كل الظن ورد عليه كل نقير وقطمير اختاره وذهب إليه وكفره وبدعه
ومنهم : من سلك سبيل الإنصاف وترك - خشية الله تعالى - القول باعتساف فقبل من أقواله ما كان صوابا ورد ما خالف منها سنة وكتابا ولعمري هذا هو الطريق السوي والصراط المستوي وهو الذي درج عليه أئمة الأمة وسلفها عند اختلاف الناس وتنازعهم في الدين وقضوا بذلك وبه كانوا يعدلون بين المسلمين ومن حاد عن طريقهم وشذ عن فريقهم فهو على شفا حفرة من النار ولا عبرة بالعامة بل ولا بالخاصة في نصرة من أحبوه وحط من أبغضوه لأن ذلك دأب أكثر الناس في غالب الأمصار والأعصار إلا من عصمه الله ووفقه للنصفة والاعتبار - والله أعلم بالصواب

(3/200)


محمد بن علي بن محمد الشوكاني

(3/201)


شيخنا الإمام العلامة الرباني والسهيل الطالع من القطر اليماني إمام الأئمة ومفتي الأمة بحر العلوم وشمس الفهوم سند المجتهدين الحفاظ فارس المعاني والألفاظ فريد العصر نادر الدهر شيخ الإسلام قدوة الأنام علامة الزمان ترجمان الحديث والقرآن علم الزهاد أوحد العباد قامع المبتدعين آخر المجتهدين رأس الموحدين تاج المتبعين صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها قاضي الجماعة شيخ الرواية والسماعة عالي الإسناد السابق في ميدان الاجتهاد على الأكابر الأمجاد المطلع على حقائق الشريعة ومواردها العارف بغوامضها ومقاصدها
قال القاضي العلامة : عبد الرحمن بن أحمد البهكلي في كتابه : ( نفح العود في أيام الشريف حمود ) : كان مولد شيخنا الشوكاني يوم الإثنين الثامن والعشرين من ذي قعدة الحرام سنة اثنتين وسبعين بعد مائة وألف - كما أخبرني بذلك - في بلده : ( 3 / 202 ) هجرة شوكان ونشأ على العفاف والطهارة وما زال يجمع النشأ ويحرز المكرمات له قراءة على والده ولازم إمام الفروع في زمانه القاضي : أحمد بن محمد الحرازي وانتفع به في الفقه
وأخذ النحو والصرف عن السيد العلامة : إسماعيل بن حسن والعلامة : عبد الله بن إسماعيل النهمي والعلامة : القاسم بن محمد الخولاني وأخذ علم البيان والمنطق والأصلين عن العلامة : حسن بن محمد المغربي والعلامة : علي بن هادي عرهب ولازم في كثير من العلوم مجدد زمانه السيد : عبد القادر بن أحمد الحسني الكوكباني
وأخذ في علم الحديث عن الحافظ : علي بن إبراهيم بن عامر وغير ذلك من المشائخ في جميع العلوم العقلية والنقلية حتى أحرز جميع المعارف واتفق على تحقيقه المخالف والموالف وصار مشارا إليه في علوم الاجتهاد بالبنان والمجلي في معرفة غوامض الشريعة عند الرهان

(3/201)


له المؤلفات في أغلب العلوم :
ومنها : كتاب : ( نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار ) لجد ابن تيمية - رحمه الله - في أربع مجلدات كبار لم تكتحل عين الزمان بمثله في التحقيق أعطى فيه المسائل حقها في كل بحث على طريق الإنصاف وعدم التقيد بمذهب الأسلاف وتناقله عنه مشائخه فمن دونهم وطار في الآفاق في حياته وقرئ عليه مرارا وانتفع به العلماء وكان يقول : إنه لم يرض عن شيء من مؤلفاته سواه لما هو عليه من التحرير البليغ وكان تأليفه في أيام مشائخه فنبهوه على مواضع منه حتى تحرر
وله التفسير الكبير المسمى : ( فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من التفسير ) وقد سبقه إلى التأليف في الجمع بين الرواية والدراية العلامة : محمد بن يحيى بن بهران فله تفسير في ذلك عظيم لكن تفسير شيخنا أبسط وأجمع وأحسن ترتيبا وترصيفا وقد ذكر الحافظ السيوطي في ( الإتقان ) : أنه جعله مقدمة لتفسير جامع للدراية والرواية سماه : ( مطلع البدرين ومجمع البحرين ) . ( 3 / 203 )
وله : مختصر في الفقه على مقتضى الدليل سماه : ( الدرر البهية في المسائل الفقهية ) وشرحه شرحا نافعا سماه : ( الدراري المضيئة ) أورد فيه الأدلة التي بنى عليها ذلك المؤلف
وله : ( وبل الغمام حاشية على شفاء الأوام ) للأمير : حسين بن محمد الإمام
وله : ( در السحابة في مناقب القرابة والصحابة )
وله : ( الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة )
وله : ( إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول ) يعز نظيره وترصيفه وحسن ترتيبه وتصنيفه
وله : ( السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار ) كان تأليفه في آخر مدته ولم يؤلف بعده شيئا - فيما أعلم - وقد تكلم فيه على عيون من المسائل وصحح من المشروع ما هو مقيد بالدلائل وزيف ما لم يكن عليه دليل وحسن العبارة في الرد والتعليل

(3/202)


والسبب في ذلك : أنه نشأ في زمنه جماعة من المقلدة الجامدين على التعصب في الأصول والفروع ولم تزل المصاولة والمقاولة بينه وبينهم دائرة ولم يزالوا ينددون عليه في المباحث من غير حجة فجعل كلامه في ذلك الشرح في الحقيقة موجها إليهم في التنفير عن التقليد المذموم وإيقاظهم إلى النظر في الدليل لأنه يرى تحريم التقليد وقد ألف في ذلك رسالة سماها : ( القول المفيد في حكم التقليد ) وقد تحاماه لما حواه جماعة من علماء الوقت وأرسل إليه أهل جهته بسببه سهام اللوم والمقت وثارت من أجل ذلك فتنة في صنعاء بين : من هو مقلد وبين من هو مقتد بالدليل توهما من المقلدين أنه ما أراد إلا هدم مذهب أهل البيت لأن الإزهار هو عمدتهم في هذه الأعصار وعليه في عبادتهم والمعاملة على المدار وحاشاه من التعصب على من أوجب الله تعالى محبتهم وجعل أجر نبينا - صلى الله عليه وسلم - في تبليغ الرسالة مودتهم لأن له الولاء التام لهم وقد نشر محاسنهم في مؤلفه : ( در السحابة ) بما لم تخالج بعده ريبة لمرتاب على أن كلامه مع الجميع من أهل ( 3 / 204 ) المذاهب سواء بسواء لأن المأخذ واحد والرد واحد والخطب يسير والخلاف في المسائل العلمية الظنية سهل لأنها مطارح أنظاره والاجتهاد يدخلها والمصيب من المجتهدين في ذلك له أجران والمخطي له أجر وهذا شأن أهل العلم في كل زمان ومكان ما بين راد ومردود عليه وكل مأخوذ من قوله ومتروك إلا صاحب العصمة عليه - أفضل الصلاة والتسليم -
ومن طالع الكتب الإسلامية في الفروع والأصول على اختلاف أنواعها عرف ذلك وهان عليه سلوك هذه المسالك ومن وزن الأمور بالإنصاف لا تخفى عليه الحقيقة ومن جمد على التقليد وضاق عطنه عن مدارك الاستدلال فما له والاعتراض على المجتهدين ولا ينبغي أن يضائق المجتهد في اجتهاده لأجل توقفه في موقفه الذي هو : التقليد وقد تفضل الله عليه بالاجتهاد والتقليد لا يجوز إلا لغير المجتهد والاجتهاد غير متعذر ومن اعترض على المجتهد فيما أدى إليه اجتهاده فقد تحجر الواسع وجرى على خلاف نهج السلف من أهل العلم

(3/203)


نعم أنا قد حبرت مقاصد ( السيل الجرار ) في مؤلف سميته : ( نزهة الأبصار ) وهو واف بالمقصود من إيراد تلك الأدلة من غير تعرض لما يقع به بسط الألسنة من الناس وللمترجم له : تاريخ حافل سماه : ( البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ) جرى فيه من ذلك الوقت إلى زمانه
وابتدأ فيه بذكر عابد اليمن : إبراهيم الولي المشهور وله جملة رسائل من مطولات ومختصرات وقد جمعت فتاواه ورسائله فجاءت في مجلدين وسماها ابنه العلامة : علي بن محمد : ( بالفتح الرباني ) وله في الأدب اليد الطولى وله أشعار كثيرة مدونة قد رتبها ابنه المذكور على حروف المعجم فجاءت في ديوان وقد أخذت عنه في كثير من الفنون العلمية وأخذت عنه غالب مؤلفاته وبموته أطفئ على أهل اليمن مصباحهم المنير ولا أظن يرون مثله في تحقيقه للعلوم والتحرير وقد جرت بيني وبينه مكاتبة أدبية ومراسلة لمسائل علمية هي عندي مثبتة بخطه . ( 3 / 205 )
وعلى الجملة : فما رأى مثل نفسه ولا رأى من رأى مثله علما وورعا وقياما بالحق بقوة جنان وسلاطة لسان
وقد أفرد ترجمته تلميذه الأديب : محمد بن حسن الجني الذفاري بمؤلف قصره على ذكر مشائخه وتلامذته وسيرته وما انطوت عليه شمائله وما قاله من شعر وما قيل فيه جاء في مجلد ضخم

(3/204)


وكانت وفاته في شهر جمادى الآخرة في سنة خمسين بعد المائتين والألف وقد كان توفي قبله بمدة يسيرة ابنه العلامة : علي بن محمد وهو أحد محققي العلماء وممن لازم والده في جميع المعارف حتى بلغ ذروة العلوم تحقيقا وتدقيقا وقد شاركته في الأخذ على والده في كثير من مقروءاته وقد كنت قلت في والده مراثي لولا الإطالة لذكرتها . انتهى كلامه - رحمه الله تعالى - بلفظه ومعناه مع التلخيص
قلت : ووجدت على ظهر كتابه : ( الدراري المضية ) أن مولده - رضي الله عنه - كان عام سبع وسبعين ومائة وألف وقلد ولاية القضاء من جهة الإمام : المنصور بالله علي بن العباس في أوائل شهر شعبان سنة 1229 ، وتوفاه الله تعالى يوم الأربعاء في السادس والعشرين من جمادى الآخرة من شهور سنة 1250 ، وكان بين وفاته ووفاة ولده : علي بن محمد نحو شهر وكان قد توفاه الله قبله ولم يظهر والده جزعا ولا حزنا وكان ولدا صالحا عالما مبرزا في جميع العلوم وكان نادرة وقته على صغر سنه قيل : إنه توفي وهو في حدود العشرين - رحم الله الجميع برحمته - ثم ذكر له تصانيف عددها : ثلاثة وخمسون كتابا سماها بأسمائها

(3/205)


قال السيد الجليل العلامة : عبد الرحمن بن سليمان ابن يحيى بن عمر مقبول الأهدل - رحمه الله - في كتابه المسمى : ( بالنفس اليماني والروح الريحاني ) في إجازة قضاة بني الشوكاني ما عبارته :
وممن تخرج بسيدي الإمام : عبد القادر بن أحمد الحسني إمام عصرنا في سائر العلوم وخطيب دهرنا في إيضاح دقائق المنطوق والمفهوم الحافظ المسند الحجة ( 3 / 206 ) الهادي في إيضاح السنن النبوية إلى المحجة عز الإسلام : محمد بن علي الشوكاني - بلغه الله في الدارين أقصى الأماني - :
إن هز أقلامه يوما ليعلمها ... أنساك كل كمي هز عامله
وإن أقر على رق أنامله ... أقر بالرق كتاب الأنام له
ولقد منح رب العالمين من بحر فضله الواسع هذا القاضي الإمام ثلاثة أمور لا أعلم أنها في هذا الزمان الأخير جمعت لغيره :
الأول : سعة التبحر في العلوم على اختلاف أجناسها وأنواعها وأصنافها
الثاني : سعة التلاميذ المحققين والنبلاء المدققين أولي الأفهام الخارقة والفضائل الفائقة الحقيق أن ينشد عند حضور جمعهم الغفير ومشاهدة غوصهم على جواهر المعاني التي استخراجها من بحر الحقائق غير يسير :
إني إذا حضرتني ألف محبرة ... تقول : أخبرني هذا وحدثني
صاحت بعقوتها الأقلام ناطقة : ... هذي المكارم لا قعبان من لبن
الثالث : سعة التأليف المحررة والرسائل والجوابات المحبرة التي تسامى في كثرتها الجهابذة الفحول وبلغ من تنقيحها وتحقيقها كل غاية وسول وقد ذكر لي بعض المعتمدين مؤلفاته الحاصلة الآن : مائة وأربعة عشر مؤلفا عدد سور كتاب الله تعالى قد شاعت في الأمصار الشاسعة فضلا عن القريبة ووقع بها غاية الانتفاع والله عز وجل المسؤول أن يبارك للإسلام والمسلمين في أوقاته وأن يمتع بحياته آمين ثم آمين :
كلنا عالم بأنك فينا ... نعمة ساعدت بها الأقدار
فوقت نفسك النفوس من بشر ... وزيدت في عمرك الأعمار

(3/205)


وقد اعتنى بشرح مناقبه وفضائله عدة من العلماء والأعلام والجهابذة الفخام منهم : السيد العلامة : إبراهيم بن عبد الله الحوثي . ( 3 / 207 )
ومنهم : بعض علماء كوكبان عظماء القدر كبراء الشأن
ومنهم : السيد العلامة : محمد بن محمد الديلمي
ومنهم : القاضي العلامة : محمد بن حسن الجني الذماري في كتاب حافل سماه : ( التقصار في جيد زمن علامة الأمصار )
ومنهم : الحبر العلامة والبحر الفهامة لطف الله جحاف
وبالجملة : فمحل القول في هذا الإمام ذو سعة فإن وجدت لسانا قائلا فقل :
زد في العلا مهما تشا رفعة ... وليصنع الحاسد ما يصنع
فالدهر نحوي كما ينبغي ... يدري الذي يخفض أو يرفع
والله المسؤول أن يزيده مما أولاه وأن يصلح لكل منا آخره وأولاه فضلا من رب العالمين وكرما منه - سبحانه - اللهم آمين . انتهى كلامه - رحمه الله -
وللمترجم له كتاب : ( إتحاف الكابر بإسناد الدفاتر ) ذكر فيه مشائخه الأعلام وأسماء كتبه المقروءة والمسموعة ومروياته على التمام فمن شاء الزيادة فعليه بالكتاب المذكور فإن النظر فيه يقضي العجب العجاب وهذا الذي ذكرناه في هذا الكتاب قطرة من بحر فضائله التي لا تحصى وذرة من وادي فواضله التي لا تستقصى تشهد بذلك مؤلفاته وتنطق به مصنفاته - والله يختص برحمته من يشاء - وهو الذاب عن شريعة الإسلام باللسان والقلم والمناضل عن الدين النبوي وكم أبدى الحكم ولا عبرة بمن يرميه بما ليس فيه أو ينسبه بمجرد الهوى لقول غير وجيه فلم يضره قول الطاعن عن الحاسد والباغي الجاحد :
وما ضر نور الشمس إن كان ناظرا ... إليها عيون لم تزل دهرها عميا

(3/206)


غير أن الحسد يحمل صاحبه على اتباع هواه وأن يتكلم فيمن يحسده و بما يلقاه وما أحقه بقول القائل :
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا علمه ... فالقوم أعداء له وخصوم ( 3 / 208 )
فالله تعالى هو المسؤول أن يقينا شرور نفوسنا وحصائد ألسنتنا بمنه وفضله وقد روي عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - أنه قال : كان الناس ورقا لا شوك فيه فصاروا اليوم شوكا لا ورق فيه فهذا زمان أبي ذر فما ذاك من زماننا وبأشراره ؟ :
إن يسمعوا الخير أخفوه وإن سمعوا ... شرا أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا
فالمناسب جمع الخاطر عن علماء الوقت ورفع الهمة عنهم والقناعة بمن مضى من علماء السنة المطهرة واقتصار النظر في كتبهم المحققة

(3/207)


هذا وله - رحمه الله تعالى - مؤلفات مفيدة في فنون عديدة والتي وقفت عليها وهي عندي موجودة أيضا كثيرة جدا غير ما ذكر
منها : ( كتاب آداب الطلب ومنتهى الأدب )
و ( الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة )
و ( إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر )
و ( تحفة الذاكرين شرح عدة الحصن الحصين )
و ( إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات ) ردا على موسى بن ميمون الأندلسي اليهودي في ظاهر المستند والزنديق في باطن المعتقد
و ( الطود المنيف في الانتصاف للسعد على الشريف ) في المسألة المشهورة التي تنازعا فيها بين يدي تيمورلنك
و ( شفاء العلل في زيادة الثمن لمجرد الأجل )
و ( شرح الصدور في تحريم رفع القبور )
و ( طيب النشر في المسائل العشر ) جواب على القاضي : عبد الرحمن
ورسالة : أجاب بها على الشريف : إبراهيم بن أحمد ابن إسحاق
ومنها : ( الصوارم الهندية المسلولة على الرياض الندية ) لإبطال قول من أوجب غسل الفرجين
ورسالة : في اختلاف العلماء في تقدير النعاس . ( 3 / 209 )
ورسالة : في الرد على القائل بوجوب التحية
و ( القول الصادق في حكم الإمام الفاسق )
ورسالة : في حد السفر الذي يجب معه قصر الصلاة
وله : ( تشنيف السمع بإبطال أدلة الجمع )
و ( الرسالة المكملة في أدلة البسملة )
و ( إطلاع أرباب الكمال على ما في رسالة الجلال في الهلال من الاختلال )

(3/208)


ومنها : رسالة : في الطلاق البدعي يقع أم لا ؟
ورسالة : ( الطلاق لا يتبع الطلاق )
ورسالة : في إرضاع الكبير هل يقتضي التحريم أم لا ؟
و رسالة : ( تنبيه ذوي الحجا على حكم بيع الرجا )
ورسالة : ( القول المحرر في لبس المعصفر وسائر أنواع الأحمر )
و ( عقود الزبرجد في جيد مسائلا علامة ضمد )
ورسالة : ( إبطال دعوى الإجماع على تحريم السماع )
ورسالة : ( زهر النسرين في حديث المعمرين الفائح بفضائل العمرين )
و ( إتحاف المهرة في الكلام على حديث : لا عدوى ولا طيرة )
و ( عقود الجمان في بيان حدود البلدان )
وأخرى سماها : ( إرشاد الأعيان إلى تصحيح ما في عقود الجمان ) ردا على السيد العلامة : حسين بن يحيى الديلمي
ورسالة : ( حل الإشكال في أجياد اليهود على التقاط الأزبال ) وأخرى : ردا على مناقضها السيد العلامة : عبد الله بن عيسى بن محمد الكوكباني التي سماها : ( إرسال المقال على إزالة حل الإشكال ) فرد شيخ الإسلام على تعقبه : ( بتفويق النبال إلى إرشاد المقال )
و رسالة : ( البغية في مسألة الرؤية ) . ( 3 / 210 )
و ( التشكيك على التفكيك )
و ( إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي )
ورسالة : ( رفع الجناح عن نافي المباح هل هو مأمور به أم لا ؟ )
و ( العقد الثمين في إثبات وصاية أمير المؤمنين )
و ( القول المقبول في رد خبر المجهول من غير صحابة الرسول )
و ( جواب السائل في جواب : والقمر قدرناه منازل )
و ( أمنية المتشوق إلى معرفة حكم المنطق )

(3/209)


و ( إرشاد المستفيد إلى دفع كلام ابن دقيق العيد في الإطلاق والتقييد )
و ( البحث الملم المتعلق بقوله تعالى : إلا من ظلم )
و ( البحث المسفر عن تحريم كل مسكر )
وله : ( الدواء العاجل لدفع العدو الصائل )
ورسالة عجيبة : ( في رفع المظالم والمآثم )
و ( الدرر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد )
و ( رسالة في وجوب التوحيد )
و ( المقالة الفاخرة في اتفاق الشرائع على الدار الآخرة )
و ( نزهة الأحداق في علم الاشتقاق )
و ( رفع الريبة فيما يجوز ولا يجوز من الغيبة )
و ( تحرير الدلائل على مقدار ما يجوز بين الإمام والمؤتم من الارتفاع والانخفاض والبعد والحائل )
و ( كشف الأستار عن حكم الشفعة بالجوار )
و ( إشراق النيرين في بيان الحكم : إذا تخلف عن الوعد أحد الخصمين )
و ( رسالة التسعير )
وكتاب : ( نثر الجوهر في شرح حديث أبي ذر ) . ( 3 / 211 )
ورسالة : في التحلي بالذهب للرجال
ورسالة : ( منحة المنان في أجرة القاضي والسجان )
ورسالة : في مسائل العول
ورسالة : ( تنبيه الأمثال على عدم جواز الاستعانة من خالص المال )
ورسالة : في الاتصال بالسلاطين
و ( قطر الولي في معرفة الولي )
و ( التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح )
ورسالة : ( جيد النقد في عبارة الكشاف والسعد )
و ( بغية المستفيد في الرد على من أنكر الاجتهاد من أهل التقليد )
و ( الروض الوسيع في الدليل المنيع على عدم انحصار علم البديع )
و ( فتح الخلاق في جواب مسائل عبد الرزاق ) . . . إلى غير ذلك
وأما الأبحاث التي اشتمل عليها كتابه : ( الفتح الرباني ) وغيره فهي كثيرة جدا لا يسعها هذا المقام
وكل بحث منها : كالرسالة في بابه وقد وقفت على أكثرها - بحمد الله تعالى - وانتفعت به نفعا عظيما صلح به قلبي وجسدي - وبالله التوفيق وهو المستعان

(3/210)


الشيخ العلامة القاضي : حسين بن محسن الأنصاري

(3/211)


ابن محمد بن مهدي بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن عثمان بن محمد بن عمر بن محمد بن حسين ابن إبراهيم بن إدريس بن تقي الدين بن سبيع بن عامر ابن غبشة بن ثعلبة بن غبشة بن عوف بن مالك بن عمر بن كعب بن الخزرج بن قيس بن سعد بن عبادة ابن دلهم بن حارثة بن خزام بن خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة الخزرجي الأنصاري

(3/211)


كانت ولادة شيخنا : الحسين في شهر جمادى الأولى سنة 1245 ولما بلغ ثلاث عشرة سنة من العمر توجه إلى قرية المراوعة لتحصيل طلب العلم على يد شيخه ومربيه شرف الإسلام وحسنة الليالي والأيام ذي المنهج ( 3 / 212 ) الأعدل السيد : حسن بن عبد الباري الأهدل فأقام بها ثمان سنين مشتغلا بالطلب في التفسير والحديث والنحو والفقه على شيخه الموصوف وحصلت له منه الإجازة والإسناد كما ذلك معروف ومشهور وأخذ أيضا على أخيه وشقيقه الكبير القاضي العلامة : محمد بن محسن الأنصاري فقرأ عليه صحيح البخاري قراءة بحث وتحقيق من أوله إلى آخره وفي كثير من علوم الحديث والفقه والفرائض وغيرها والشيخ : محمد بن محسن - المذكور - من الآخذين على شيخه السيد : حسن بن عبد الباري أيضا وحصلت للشيخ : حسين - المذكور - الإجازة العامة وأيضا الملاقاة بشيخه القاضي العلامة : أحمد بن محمد بن علي الشوكاني في بندر الحديدة وأجازه إجازة عامة بجميع مروياته ومسموعاته وبشيخه الإمام العلامة الشريف : محمد بن ناصر الحازمي بمكة المشرفة في سنوات عديدة وقرأ عليه الأمهات الست قراءة بحث وتحقيق ومسند الدارمي وأوائل الشيخ : محمد سعيد سنبل المدني وشمائل الإمام الترمذي وإجازة بجميع مروياته ومسموعاته إجازة عامة - كما هي موجودة بخطه الشريف

(3/211)


ورحل إلى مدينة بيدر وأخذ بها على شيخه السيد العلامة : نفيس الدين سليمان بن محمد بن عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى بن عمر مقبول الأهدل - مفتي مدينة زبيد حالا عافاه الله تعالى - وقرأ عليه أوائل الأمهات وحصل له الإجازة منه بجميع مروياته ومسموعاته - كما هي موجودة بخطه الشريف -
هذا والشيخ : حسين بن محسن شيخنا في العلوم الحديثة أخذت عليه أكثر الأمهات الست وغيرها وأجازني بها إجازة عامة تامة - كما هي موجودة عندنا بخطه الشريف - مكتوبة في : ( سلسلة العسجد في ذكر مشائخ السند ) وقرأ عليه أيضا : ( ثمرة الفؤاد ونخبة المراد ) الولد نور الحسن - بارك الله له وعليه - وفيه الكتب الحديثة وحصل له منه الإجازة بجميع مروياته ومسموعاته وكتب له الإجازة بخطه ( 3 / 213 ) الشريف وكم له من تلامذة في بلدتنا بهوبال المحمية وهو الغنيمة الكبرى للطالبين والنعمة العظمى للراحلين

(3/212)


كان فيما مضى قاضيا ببلدة اللحية : من بلاد اليمن وهو في الحال نزيل بهوبال ومدرس المدرسة الرياسية يدرس ويفيد
له علم نافع وعمل صالح وفكرة صحيحة وهمة في إشاعة علم الحديث رفيعة ولقاء مبارك جاءنا بمؤلفات علماء اليمن الميمون وأمطر علينا نفائس الكتب كالغيث الهتون كم قد ذهب في طلب كتب الحديث لنا إلى أرض الحجاز وغيرها ورجع من هناك برسائل نفيسة ومجاميع عزيزة وكتب الشروح والمتون ودواوين العلوم على الحقيقة دون المجاز - أحسن الله إليه كما أحسن إلي وتفضل علي - وقد بذلنا في تحصيل هذه الكتب وتلك الصحف مالا جما وجمعناها على يده من بلاد شتى : نحو صنعاء وزبيد وأبي عريش واليمن والحديدة والبصرة ومصر والحرمين الشريفين وهو - عافاه الله تعالى - صرف همته العليا في إشاعة مؤلفاتنا أيضا حتى بلغ بها إلى أقصى اليمن وأبلغها إلى الأماكن البعيدة سوى ما سارت بها الركبان إلى بلاد الله تعالى من هذه البلدة ومن مكة المشرفة - ولله الحمد كل الحمد والمنة

(3/213)


علماء الهند

(3/213)


تقدم في القسم الأول من هذا الكتاب أن علماء الملة الإسلامية في العلوم الشرعية والعقلية أكثرهم من العجم وقليل من منهم من العرب فالأعاجم هم سباق حلبة العلوم وفرسان معركة المنطوق والمفهوم تعاطوا من دنان الحكم أصفى الحميا وتناولوا من غوامض العلوم ما كان بالثريا ولكن الله تعالى بعث ( 3 / 214 ) في الأميين رسولا عربيا نسخ جميع الكتب والأديان وجاء الناس باليمن والإيمان وأخذ بنواصي كافة الأمم وألزم طاعته على رقاب العرب والعجم وهذا الفخر كاف للعرب العرباء واف في باب العلياء لا يدانيهم فيه أحد من الأعاجم ولا يبلغ شأوه فرد من الأعاظم
ولما ورد الإسلام قبل الهند بالإيران والتوران وكشف نوره الأتم أغطية الظلم عن هذه البلدان نشأت العلوم الإسلامية سابقا بتلك البلاد وترعرعت بها أغصان هذا الشجر المياد
وأما الهند : فقد فتح في عهد الوليد بن عبد الملك على يد محمد بن قاسم الثقفي سنة اثنتين وتسعين الهجرية وبلغت راياته المظلة على الفوج من حدود السند إلى أقصى قنوج سنة خمس وتسعين وبعد ما عاد ولاة الهند إلى أمكنتهم وبقي الحكام من الخلفاء المروانية والعباسية ببلاد السند وقصد السلطان محمود الغزنوي - أواخر المائة الرابعة - غزو الهند وأتى مرارا وغلب وأخذ الغنائم وانتزع السند من الحكام الذين كانوا من قبل القادر بالله بن المقتدر العباسي لكن السلطان محمود لم يقم بالهند وكان أولاده متصرفين من غزنين إلى لاهور حتى استولى السلطان : معز الدين سام الغوري على غزنين وأتى لاهور وقبض على خسرو - ملك خاتم الملوك الغزنوية - وضبط الهند وجعل دهلي دار الملك سنة تسع وثمانين وخمسمائة ه ومن هذا التاريخ إلى آخر المائة الثانية عشر كانت ممالك الهند في يد السلاطين الإسلامية
ولما انتشر الإسلام في هذه البلاد وطلعت شموسه البازعة على الأغوار والأنجاد وعلت الكلمة الطيبة في هذه الغبراء واجتمعت بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ظهر بها جمع من العلماء والأدباء الإسلامية الناثرين على بسط الأزمنة لآلي من السحب الأقلامية لكن لم يعمد أحد منهم إلى ضبط تراجمهم ولم يجتن جان زهرا من حواجمهم إلا نزرا يسيرا ولذلك لا ترى من ( 3 / 215 ) السلف والخلف كتابا مستقلا في هذا الباب لا على طريق الإيجاز ولا على سبيل الإطناب ألا ترى أن ( عين العلم ) كتاب مفيد مصنفه - على الأصح - من أهل الهند كما ذكر ذلك علي القاري في شرحه له على ما صرح به الحافظ : ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - ومع وجود مثل هذا الكتاب لم يعرف واحد من مؤرخي الهند خبره وما أبقى الزمان الجائر - مع إبقاء الكتاب - أثره ومن ثم اندرست آثار جم غفير من العلماء الأجلاء واندثرت معالم كانت أفلاذ كبد الدهناء :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والخطوب الزواجر
وبالجملة : قد خرج من أرض الهند جماعة كبيرة من العلماء الفضلاء وطلع من بلادها طائفة من النبلاء الأدباء قديما وحديثا وإن لم يسر بذكرهم الركبان سيرا حثيثا وقد كنت يخطر ببالي أن أجمع لتراجمهم كتابا مستقلا لا يغادر صغيرا ولا كبيرا وأرتب لذكرهم سفرا مفردا يثبت لهم ذكرا جميلا وفضلا كثيرا لكن عاقني عن ذلك كثرة الأشغال وتشتت البال من تغير الأحوال حتى لم تتيسر تلك الأمنية إلى الآن فاقتصرت في تذكارهم في هذا الكتاب على ما وجدته في كتاب : ( سبحة المرجان ) مع زيادة يسيرة من تراجم المتأخرين الذين هم من العلم والفضل بمكان مكين فأقول وبالله أحول وأصول :

(3/213)


أبو حفص ربيع بن صبيح السعدي البصري

(3/215)


هو من أتباع التابعين وأعيان المحدثين كان صدوقا عابدا مجاهدا أول من صنف في الإسلام
روى عن : الحسن البصري وعطاء
وعنه : سفيان الثوري ووكيع وابن مهدي
قال صاحب المغني : مات بأرض السند سنة ستين ومائة ومن ثم ذكرته في علماء الهند تيمنا بذكره - والله الموفق

(3/215)


مسعود بن سعد بن سلمان اللاهوري

(3/215)


أصله من همدان خرج أبوه سعد ( 3 / 216 ) منها إلى الهند وورد لاهور في دولة السلاطين الغزنوية ولازم منهم السلطان : إبراهيم فأعطاه عدة من الأعمال واستوطن لاهور وتزوج بها واستولد كثيرا منهم : مسعود المذكور نشأ في كفالة والده واحتظى من العلم والكمال بطريفه وتالده إلى أن فوض إليه السلطان حكومة بعض الأمصار وكان شاعرا مجيدا محبا للشعراء يعطيهم صلات عظيمة على أدنى شعر وكان نديما لسيف الدين محمود بن السلطان إبراهيم
توفي في سنة 515 ، محبوسا في قلعة نائ وكان لبث في السجن عشرين سنة حفظ هناك القرآن ونظم الأشعار وكان عارفا بالألسنة الثلاثة : العربي والفارسي والهندي صاحب ثلاثة دواوين فيها وديوانه الفارسي متداول في بلاد الهند والإيران ولم يصل أحد من شعراء العجم في الطريقة إليه لا في حسن المعاني ولا في لطف الألفاظ والمباني صرح بذلك : نظامي العروضي في رسالته : ( جهار مقالة ) وله شعر حسن منه ما أورده الرشيد الوطواط في : ( حدائق السحر ) :
ثق بالحسام فعهده ميمون ... واركب وقل للنصر كن فيكون
ومنه : هذه القطعة في التورية :
وليل كأن الشمس ضلت ممرها ... وليس لها نحو المشارق مرجع
نظرت إليه والظلام كأنه ... على العين غربان من الجو وقع
فقلت لقلبي : طال ليلي وليس لي ... من الغم منجاة وفي الصبر مفزع
أرى ذنب السرحان في الجو طالعا ... فهل ممكن أن الغزالة تطلع
ذكره الأديب : صابر والنسائي الحكيم وجمال الدين عبد الرزاق في أشعارهم وأثنوا عليه ثناء جميلا

(3/215)


حسن بن محمد بن حسن بن حيدر العدوي العمري الصغاني

(3/216)


الحنفي رضي الدين صاحب ( مشارق الأنوار ) أصله من صغان : بلدة من بلاد ما وراء النهر . ( 3 / 217 )
وولد بلاهور في سنة 577 ، وهو من نسل : عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
كان محدثا لغويا فقيها
أخذ العلم عن والده ورحل إلى بغداد وأقام بها مدة له مشاركة في العلوم والتصانيف العديدة المفيدة فيها :
منها : كتاب : ( الشوارد في اللغات ) و ( كتاب الافتعال ) و ( كتاب العروض ) و كتاب ( مصباح الدجى ) و ( الشمس المنيرة ) و ( شرح البخاري ) و ( العباب ) معجم في اللغة
توفي ببغداد في سنة 650 ، أوصى بنقل ميته إلى مكة فدفن بها وكان قد أقام بمكة مجاورا مدة ثم عاد إلى العراق وأرسل برسالة إلى الهند
وسمع الحديث بمكة وعدن والهند من شيوخ كثيرة وكان إماما دينا عالما متقنا وقد دعا لوقوع موته وقبره بمكة المكرمة في ( مبدأ مشارق الأنوار ) حيث قال : أماته بها حميدا فأقبره ثم إذا شاء أنشره فسمع الله تعالى نداءه

(3/216)


شمس الدين يحيى الأودي

(3/217)


وأود : بلدة قديمة من الهند يقال : بناها شيث بن آدم - عليهما السلام - وكانت دار الإمارة لبعض الرؤساء
أخذ العلم عن : ظهير الدين البكري وفريد الدين الشافعي : شيخ الإسلام بأود وبايع الشيخ : نظام الدين الدهلوي البدايوني وبدايون : بلدة من توابع صوبة دهلي وهي - بكسر الدال وسكون الهاء - : دار الخلافة لسلاطين الهند ذكرها المجد في ( القاموس ) : كان عالما جليلا وفاضلا نبيلا مدحه تلميذه الشيخ : نصير الدين بقوله :
سألت العلم : من أحياك حقا ؟ ... فقال العلم : شمس الدين يحيى
درس بدهلي وانتهت إليه رياسة العلم بها ومات بعد شيخه النظام - رحمه الله - بعدة سنين وتوفي شيخه في سنة 725 الهجرية

(3/217)


الشيخ : حميد الدين الدهلوي

(3/217)


كان عالما كبيرا فقيها دينا له شرح على هداية الفقه لم يقصر فيه ذكره في ( كشف الظنون ) وأثنى عليه العلامة : ابن كمال توفي في سنة 764 الهجرية . ( 3 / 218 )

(3/217)


القاضي : عبد المقتدر بن القاضي : ركن الدين الشريحي الكندي الدهلوي

(3/218)


كان عالما مقتدرا على العلوم الكثيرة بايع الشيخ : نصير الدين الدهولي وأخذ عنه الطريقة وأقام دولة العلم والتدريس وأفاض على الطلبة والمشتغلين عليه أنوار التقديس وكان طريقة شيخه وأكثر خلفائه : المحافظة على سنن الشريعة والاشتغال بدرس العلوم الدينية وكان يقول : الفكر في مسألة واحدة من الشريعة أفضل من ألف ركعة مشوبة بالعجب والرياء
توفي القاضي في سنة 791 ، وعمره : ثمان وثمانون سنة ودفن قريبا من الحوض ا لشمسي الواقع في دهلي وله قصيدة لامية طويلة أولها :
يا سائق الظعن في الأسحار والأصل ... سلم على دار سلمى وابك ثم سل
أورد أكثرها وترك أقلها أزاد في ( سبحة المرجان ) وغيره وعليها شرح لبعض العلماء وهي في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم

(3/218)


الشيخ : معين الدين العمراني الدهلوي

(3/218)


كان فاضلا مشارا إليه بالأنامل درس بدهلي وأرسله السلطان : محمد بن تغلق شاه - والي الهند - المتوفي سنة 752 ، إلى القاضي : عضد الإيجي بشيراز والتمس قدومه بالهند فأمسكه السلطان : أبو إسحاق وأكرم الشيخ إكراما بليغا وظهرت منه آثار الفضل والعلم على أهلها وعلمائها له تصانيف منها : الحواشي على الكنز وعلى الحسامي وعلى مفتاح العلوم

(3/218)


الشيخ : أحمد التانيسري

(3/218)


بلدة : بين دهلي ولاهور كان عالما شاعرا من مريدي الشيخ : نصير الدين الدهلوي ولما أخذ تيمور الأعرج دهلي رغب في لقياه واختاره للمجالسة حين توجه من الهند إلى الروم فتأخر عن موكبه وتيمور فتح دهلي في سنة 801 ، وفتح الروم في سنة 805 ، فقال مؤرخ للفتح الأول : ( فتح قريب ) وللثاني : ( غلبت الروم في أدنى الأرض ) ثم هاجر الشيخ من دهلي إلى كالبي واستوطنها واشتغل بالدرس والتعليم إلى أن توفي في داخل قلعتها له شعر جيد حسن وقصيدة بديعة مدح بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أولها : ( 3 / 219 )
أطار لبي حنين الطائر الغرد ... وهاج لوعة قلبي التائه الكمد
وأذكرتني عهودا بالحمى سلفت ... حمامة صدحت من لاعج الكبد
وهي مذكورة في ( السبحة ) وغيرها

(3/218)


القاضي : شهاب الدين بن شمس الدين بن عمر الزاولي

(3/219)


ولد بدولة : آباد دهلي وتتلمذ على القاضي : عبد المقتدر ومولانا خواجكي الدهلوي وهو من تلامذة مولانا : معين الدين العمراني وفاق أقرانه وسبق إخوانه وكان أستاذه القاضي يقول في حقه : أتاني من الطلبة من جلده علم ولحمه علم وعظمه علم ولما توجه موكب تيمور إلى الهند خرج الشهاب في صحبة أستاذه خواجكي إلى كالبي فأقام هو بها وذهب الشهاب إلى جونفور : بلدة من صوبة إله آباد كانت دار الخلافة للسلاطين الشرقية خرج منها جمع جم من أهل العلم والشيخوخة فاغتنم السلطان إبراهيم الشرقي قدومه ولقبه : ( بملك العلماء ) وهو : درس هناك وألف وأفاد وحرر وأجاد
ومن مؤلفاته : ( البحر المواج ) بالفارسية تفسير والحواشي على كافية النحو و ( الإرشاد ) : متن التزم فيه تمثيل المسألة في ضمن تعريفها و ( بديع الميزان ) في البلاغة وشرح البزدوي في أصول الفقه وشرح قصيدة بانت سعاد ورسالة في تقسيم العلوم ومناقب السادات وغير ذلك
توفي في سنة 849 ، ودفن بجونفور في الجانب الجنوبي من مسجد السلطان إبراهيم الشرقي

(3/219)


الشيخ : علي بن أحمد المهائمي

(3/219)


من طائفة النوائت : قوم في بلاد الدكن ومهائم بندر : من بنادركوكن وهي ناحية من الدكن مجاورة للبحر المحيط وكان الشيخ من علمائها الصوفية وكان مثبتا للتوحيد الوجودي مقتفيا بالشيخ ابن ( 3 / 220 ) عربي توفي سنة 835 ، ودفن بها
له مصنفات تدل على غزارة علمه وكمال قدرته على العلوم منها : ( التفسير الرحماني ) و ( الزوارف شرح العوارف ) وشرح ( فصوص الحكم ) وشرح ( النصوص ) للشيخ صدر الدين القونوي و ( أدلة التوحيد ) ورسالة عجيبة : استخرج فيها من وجوه الإعراب في قوله تعالى : ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) ما يبلغ عدده إلى اثني عشر كرورا وثلاثة وثمانين لكا وأربعة وأربعين ألفا وخمسمائة وأربعة وعشرين وجها ويكتب ذلك بالهندسة هكذا : 128344524 ، ذكر جملة صالحة من بيان ذلك في ( سبحة المرجان في آثار هندوستان ) فليرجع إليه

(3/219)


الشيخ : سعد الدين الخير آبادي

(3/220)


بلدة : من صوبة أود كان أبو الشيخ قاضيا بهذه البلدة فمات وتركه صغيرا فحفظ القرآن الكريم في صغره ولما بلغ أشده تتلمذ على مولانا أعظم اللكنوي : بلدة من بلاد بورب ولبس الخرقة من الشيخ مينا المتوفي في سنة 874 ، وجلس للتدريس والإرشاد فأفاد وأجاد وأوصل المريدين إلى المراد وحرر شروحا غراء على الكتب المتداولة مثل : شرح البزدوي وشرح الحسامي وشرح الكافية وشرح المصباح وشرح رسالة شيخه مينا وكلما ينقل فيها قولا من شيخه يقول : ( قال شيخي الشيخ مينا - أدامه الله فينا - ) عاش حصورا على طريقة شيخه الأمجد حتى لقي من لم يلد ولم يولد ودفن بخير آباد وقبره يزار

(3/220)


الشيخ : عبد الله بن إله داد العثماني التلنبي

(3/220)


- بفتح التاء - : بلدة بقرب ملتان كان رأسا في العلوم النقلية والعقلية مدرسا في وطنه زمانا طويلا ثم هاجر منه ( 3 / 221 ) إلى دهلي وأوى إلى السلطان إسكندر اللودي فاستوى فلكه على الجودي فأكرمه السلطان ونفع الله به أهل الزمان إلى أن توجه في سنة 922 إلى جنة المأوى وكان تاريخه : أولئك لهم الدرجات العلى وقبره بدهلي ومن مؤلفاته : شرح ميزان المنطق

(3/220)


الشيخ : الهداد الجونفوري

(3/221)


ومعناه : عطية الله تتلمذ على الشيخ الفاضل : عبد الله التلنبي وبايع راجي حامد شاه المانكفوري : بلدة من صوبة إله آباد صرف عمره في الإفادة وحرر الحواشي على المتون والشروح كشرح هداية الفقه في عدة مجلدات وشرح البزدوي والحواشي على الحواشي الهندية والحاشية على تفسير المدارك

(3/221)


الشيخ : علي المتقي بن حسام الدين عبد الملك بن قاضي خان القادري الشاذلي المدني الجشتي

(3/221)


أصله : من جونفور مولده : برهانفور : من بلاد الدكن
تتلمذ على الشيخ : حسان الدين الملتاني وغيره من العلماء ثم سافر في سنة 953 ، إلى الحرمين الشريفين وصحب الشيخ : أبا الحسن البكري وتتلمذ عليه
يقول البكري : للسيوطي منه على العالمين وللمتقي منه عليه اشتغل بالتدريس والتأليف ورتب ( جمع الجوامع ) للسيوطي على أبواب الفقه تزيد مؤلفاته على المائة وكان الشيخ : ابن حجر المكي الفقيه الشافعي صاحب ( الصواعق المحرقة ) أستاذه وفي الآخر تتلمذ عليه ولبس الخرقة منه
توفي - رحمه الله - في سنة 975
ذكر له الشيخ : عبد الحق الدهلوي ترجمة حافلة في المقصد الأول من كتابه : ( زاد المتقين في سلوك طريق اليقين ) وأثنى عليه كثيرا وحرر أحواله الشريفة في أبواب خمسة ( 3 / 222 ) بإيضاح تام
وللشيخ عبد الوهاب المتقي كتاب سماه : ( إتحاف التقي في فضل الشيخ : علي المتقي ) أبان فيه عن فضائله الكثيرة وهو حقيق بذلك وقد وقفت على تواليفه فوجدتها نافعة مفيدة ممتعة تامة

(3/221)


الشيخ : محمد طاهر الفتني

(3/222)


صاحب : ( مجمع البحار ) في غريب الحديث وفتن : بلدة من بلاد كجرات
تتلمذ على علماء بلده وصار رأسا في العلوم الحديثة والأدبية ورحل إلى الحرمين الشريفين وأدرك علماءهما ومشائخهما - سيما الشيخ : علي المتقي - وذكره في مبدأ كتابه : ( مجمع البحار ) وأثنى عليه ثناء حسنا جميلا وعاد إلى بلده وقصر همته على إفادة العلوم وكانت طريقته الاشتغال بعمل المداد وإعانة كتبة العلوم بهذا الإمداد حتى في حالة الدرس أيضا يشتغل بحله
له : ( المغني في أسماء الرجال ) و ( تذكرة الموضوعات )
وعزم على كسر البواهير المهدوية الذين كانوا قومه وعهد أن لا يربط العمامة على رأسه حتى يزيل تلك البدعة فلما استولى السلطان : أكبر - والي دهلي - في سنة 980 على كجرات واجتمع بالشيخ ربط العمامة بيده على رأس الشيخ وقال : على ذمة معدلتي نصرة الدين وكسر الفرقة المبتدعين وفق إرادتك وكان قد فوض حكومة كجرات إلى أخيه الرضاعي : ميرزا عزيز كوكه الملقب : بالخان الأعظم فأعان الشيخ وأزال رسوم البدعة مهما أمكن ثم عزل الخان الأعظم ونصب مكانه عبد الرحيم خان خانان وكان شيعيا فاعتضد به المهدوية وخرجوا من الزوايا ورموا السهام على الخبايا فحل الشيخ العمامة عن رأسه وانطلق إلى أكبر بادشاه وكان في مستقر الخلافة آكره فتبعه جمع من المهدوية سرا وهجموا عليه في حوالي أجين وقتلوه سنة 986 ، فاستشهد ونقل جسده إلى فتن ودفن في مقابر أسلافه وكان صديقي النسب من ( 3 / 223 ) جهة أمه وأصله من البواهير وأسلافهم جديدو الإسلام
وبيوهار : في الهندية : التجارة وبوهره : التاجر
وقد ذكر الشيخ : عبد الحق الدهلوي ترجمته في ( أخبار الأخيار ) وذكرتها أنا في ( إتحاف النبلاء ) وأيضا أفردت ترجمتها في رسالة مستقلة ألحقتها في أوائل ( مجمع البحار )
قال الشيخ عبد الوهاب المتقي : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الرؤيا فقلت : من أفضل الناس في هذا الزمان يا رسول الله ؟ فقال : شيخك ثم محمد طاهر - ويا لها من رؤيا تفضل على اليقظة -
وكتابه : ( مجمع البحار ) قد طبع بالهند لهذا العهد واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار وهو كتاب جمع فيه كل غريب الحديث وما ألف فيه فجاء كالشرح للصحاح الستة فإن لم يكن عند أحد شرح لكتاب من الأمهات الست فهذا الكتاب يكفيه لحل المعاني وكشف المباني وهو كتاب متفق على قبوله متداول بين أهل العلم منذ ظهر في الوجود - وبالله التوفيق

(3/222)


الشيخ : وجيه الدين العلوي الكجراتي

(3/223)


كان وجيها في الدنيا والآخرة وعالما عارفا ذا المناقب الفاخرة
ولد في سنة 911 ، في جابانير من بلاد كجرات ونشأ بها وارتحل في طلب ( 3 / 224 ) العلم وأخذ من ملا عماد الطارمي من أعيان علماء العصر ولبس الخرقة من الشيخ : قاضن واستفاد من الشيخ : محمد غوث الكواليري صاحب : ( الجواهر الخمسة ) حين ورد بكجرات . وتوفي في سنة 998 ، ودفن بها
وتاريخ وفاته : لهم جنات الفردوس نزلا
وله المصنفات الكثيرة منها : حاشية تفسير البيضاوي وشرح النخبة في أصول الحديث وحاشية العضدي وحاشية التلويح وحاشية البزدوي وحاشية هداية وحاشية شرح الوقاية وحاشية المطول وحاشية المختصر وحاشية شرح التجريد وحاشية الأصفهاني وحاشية شرح العقائد للتفتازاني وحاشية الحاشية القديمة للمحقق الدواني وحاشية شرح المواقف وحاشية شرح حكمة العين وحاشية شرح المقاصد وحاشية شرح الجغميني وحاشية شرح الحامي وشرح الإرشاد للشهاب في النحو . . . إلى غير ذلك مما لا يحصى

(3/223)


الشيخ : أبو الفيض المتخلص : بفيضي الأكبر آبادي

(3/224)


كان فاضلا جيدا وشاعرا مجيدا مفلقا
بارعا في العلوم العقلية والأدبية
ولد بآكرة في سنة 954 ، وتتلمذ على أبيه الشيخ : مبارك صاحب التفسير المسمى : ( بمنبع عيون المعاني ) المتوفى سنة 1001 إحدى وألف
أخذ عنه الفنون المتداولة وحصل الفراغ منها وهو ابن أربع عشرة سنة وخاض كثيرا بالحكمة والعربية واختص بمزيد قربة السلطان أكبر ملك الهند ولقب : بملك الشعراء وله قصائد في مدحه وأبيات ديوانه الفارسي : خمسة عشر ألف بيت شعر وله تصانيف تدل على اقتداره في اللسان العربي منها : ( موارد الكلم ) ( 3 / 225 ) في الأخلاق وترجمة ليلاوتي وأجل مصنفاته : ( سواطع الإلهام ) في تفسير القرآن الكريم الغير المنقوط صنفه في سنتين وأتمه في سنة 1002 ، يدل على إطالة يده في علم اللغة وأنا وقفت عليه وذكره في كشف الظنون وكان فيضي على طريقة الحكماء وكذا إخوانه أبو الفضل وغيره وكانوا معروفين بانحلال العقائد وسوء التدني والإلحاد والزندقة - نعوذ بالله منها -
توفي في سنة 1004 ، ودفن عند قبر أبيه بآكرة

(3/224)


السيد : صبغة الله البروجي

(3/225)


وهي : بلدة من كجرات
أخذ العلوم عن الشيخ : وجيه الدين الكجراتي واشتغل بالتدريس والإرشاد برهة ثم رحل إلى مكة والمدينة وغيرهما وعاد إلى بروج ثم ارتحل إلى مالوه وأقام في أحمد نكر : من بلاد الدكن عند سلطانها : برهان الملك ثم سافر إلى الحرمين الشريفين ودخل بيجابو فخدمه السلطان إبراهيم وهيأ له أسباب السفر فدخل المدينة وسكن بجبل أحد وعرب الجواهر الخمسة وحرر عليه تلميذه الشيخ : أحمد الشناوي حاشية وذكر له الشيخ : محمد عقبلة المكي ترجمة حسنة في كتابه : ( لسان الزمان ) وله : ( كتاب الوحدة ) ورسالة : ( إراءة الدقائق في شرح مرآة الحقائق ) و ( ما لا يسع المريد تركه كل يوم من سنن القوم )
توفي بالمدينة سنة 1015 الهجرية وقبره بها

(3/225)


الشيخ : أحمد بن عبد الأحد بن زين العابدين الفاروقي السهرندي

(3/225)


- بلدة عظيمة بين دهلي ولاهور - وهو المعروف : بمجدد الألف الثاني
كان عالما عاملا عارفا كاملا ينتهي نسبه إلى الفاروق
ولد في سنة 971 ، حفظ القرآن وقرأ على أبيه أولا واستفاد منه جما من العلوم ثم ارتحل إلى سالكوت وتتلمذ على المحقق : كمال الدين الكشميري ( 3 / 226 ) بعض المعقولات بغاية من التحقيق وأخذ الحديث عن : الشيخ يعقوب المحدث الكشميري وكان صاحب كبراء المحدثين بالحرمين الشريفين وأسند الحديث عنهم وتناقل الحديث المسلسل بالرحمة بواسطة واحدة عن الشيخ : عبد الرحمن بن فهد - من كبراء المحدثين في زمانه بالهند - وتعاطى عنه إجازة كتب التفسير والصحاح الست وسائر مقروءاته
وروى الحديث المسلسل بالأولية عن القاضي : بهلول البدخشاني عن ابن فهد المذكور ولعله هو الواسطة في الإجازة بينهما وفرغ من التحصيل في عمر سبعة عشرة سنة واشتغل بالتدريس
وله : رسائل لطيفة باللسان العربي والفارسي
وجاء إلى دهلي في سنة 1002 ، وأخذ الطريقة النقشندية عن خواجة عبد الباقي عن خواجه إمكنكي عن أبيه مولانا : درويش محمد عن خاله مولانا : محمد زاهد عن خواجه : عبيد الله أحرار وكذا الطرائق الأخرى عن شيوخ أخر ووصلت سلسلته من الهند إلى ما وراء النهر والروم والشام والعرب وأقصى المغرب مثل : فاس وغيرها
وله مكتوبات في ثلاثة مجلدات هي حجج قواطع على تبحره وسمعت أنه عربها بعض العلماء ولكن لم أر المعربة وحبسه السلطان : جهانكير في حصن كواليا على عدم سجدة التعظيم منه له و إليه أشار آزاد في غزله :
لقد برع الأقران في الهند ساجع ... وجدد فن العشق يا للمغرد
فلا عجب أن صاده متقنص ... ألم تر في الأسلاف قيد المجدد ؟

(3/225)


ولما حبس لبث في السجن ثلاث سنين ثم أطلق وأقام في العسكر يدور معه ثم عاد إلى سهرند - والعود أحمد - ثم توفي في سنة 1034 ، وله ثلاث وستون سنة دفن بسهرند
ومن مؤلفاته : ( الرسالة التهليلية ) ورسالة : ( إثبات النبوة ) ورسالة : ( المبدأ ( 3 / 227 ) والمعاد ) ورسالة : ( المكاشفات الغيبية ) ورسالة : ( آداب المريدين ) ورسالة : ( المعارف اللدنية ) ورسالة : ( رد الشيعة ) و ( تعليقات العوارف ) . . . إلى غير ذلك
ومن إفاداته أنه أوضح الفرق بين وحدة الوجود وبين وحدة الشهود وبين أن وحدة الوجود تعتري السالك في أثناء سلوكه فمن ترقى مقاما أعلى من ذلك تتجلى له حقيقة وحدة الشهود فسد بذلك طريق الإلحاد على كثير ممن كان يتستر بزي الصوفية ثم إنه باحث الملاحدة في زمانه وجادلهم بقلمه ولسانه ورد على الروافض وحقق الفرق بين البدعة والسنة وأقيسة المجتهدين واستحسانات المتأخرين والتعارف عن القرون المشهود لها بالخير وما أحدثه الناس في القرون المتأخرة وتعارفوه فيما بينهم فرد بذلك مسائل مما استحسنها المتأخرون من فقهاء مذهبه وكان فقيها ماتريديا حريصا على اتباع السنة مجتهدا فيه قليل الخطأ في دركه والمسائل المعدودة التي شدد بعض أهل العلم النكير بها عليه فالصواب أن لها تأويلا وقد شاركه فيها غيره ممن لا يحصى كثرة فليس إذا يخصه الإنكار

(3/226)


ومن أبنائه : الشيخ محمد سعيد الملقب : بخازن الرحمة له حاشية على ( المشكاة ) توفي في سنة 1020 ، والشيخ : محمد معصوم يلقب : بالعروة الوثقى له مجموع من مكاتيبه مفيد توفي في سنة 1077
وكان لهما أخ ثالث : يقال له : الشاه محمد يحيى أخذ عن أخويه وهو الذي خالفهم في مسألة الإشارة بالسبابة توفي في سنة 1098
ومن أجلة أصحابه المتأخرين : الشيخ شمس الدين العلوي من ذرية محمد ابن الحنفية المعروف : بميرزا مظهر جانجان كان ذا فضائل كثيرة وقرأ الحديث على الحاج السيالكوني وأخذ الطريقة المجددية عن أكابر أهلها كان له في اتباع السنة والقوة الكشفية شأن عظيم
وله شعر بديع ومكاتيب نافعة وكان يرى الإشارة بالمسبحة ويضع يمينه على ( 3 / 228 ) شماله تحت صدره ويقوي قراءة الفاتحة خلف الإمام
عام وفاته : عاش حميدا مات شهيدا
ومن أجلة أصحاب جانجان : القاضي ثناء الله الأموي العثماني من أهل بلدة ( باني بت ) : بقرب دهلي كان فقيها أصوليا زاهدا مجتهدا له اختيارات في المذهب ومصنفات في الفقه والتفسير وكان شيخه المظهر يفتخر به رأيت له مؤلفات على مذهب النعمان بالفارسية والعربية وبعضها موجود عندي - رحمه الله تعالى

(3/227)


الملا : عصمة الله السهارنفوري

(3/228)


- قصبة من : صوبة دهلي - كان مكفوف البصر مكشوف البصيرة أفنى عمره في خدمة العلم والتدريس وهو من مشاهير العلماء
وله تصانيف مفيدة منها : ( الحاشية على شرح الجامي )
توفي في سنة 1039 ه

(3/228)


الشيخ : عبد الحق الدهلوي

(3/228)


وهو المتضلع من الكمال الصوري والمعنوي رزق من الشهرة قسطا جزيلا وأثبت المؤرخون ذكره إجمالا وتفصيلا وحفظ القرآن وجلس على مسد الإفادة وهو ابن اثنتين وعشرين سنة ورحل إلى الحرمين الشريفين وصحب الشيخ : عبد الوهاب المتقي خليفة الشيخ : علي المتقي واكتسب علم الحديث وعاد إلى الوطن واستقر به اثنتين وخمسين سنة بجمعية الظاهر والباطن ونشر العلوم وترجم كتاب المشكاة بالفارسي وكتب شرحا على سفر السعادة وبلغت تصانيفه مائة مجلد
ولد في محرم سنة 958 ، وتوفي سنة 1052 ، وأخذ الخرقة القادرية من الشيخ موسى القادري من نسل الشيخ عبد القادر الجيلاني وكان ذا عصبية في المذاهب الحنفية وانتقد كلامه في مواضع من مؤلفاته وكان ينال من الشيخ أحمد السهرندي ثم تاب واستغفر ولما وردت بدهلي حضرت على مزاره وزرته ( 3 / 229 ) فوجدت موضع القبر مؤنسا بردا - عفا الله عنه - ما كان منه من شدة التقليد وتأويل الأحاديث بمجرد رأي وحفظ للمذهب وغلو في اعتقاد الأولياء ولم يكن يعرف علم الحديث على وجهه بل على جهة الإجازة والاستجارة كما يلوح ذلك من مصنفاته وإنما كان له اليد الطولى في الفقه الحنفي الذي عليه نشأ وفيه درج - ولكل جواد كبوة وعفو الله يسع كل هفوة

(3/228)


الشيخ : نور الحق بن الشيخ : عبد الحق الدهلوي

(3/229)


- المذكور - تتلمذ على أبيه وولاه السلطان شاهجهان قضاء آكره فأدى هذا المنصب في نهاية الديانة والسداد له تصانيف كثيرة منها : ترجمة الصحيح للبخاري بالفارسية
عاش تسعين سنة ومات سنة 1073 الهجرية

(3/229)


ملا : محمود الفارقي الجونفوري

(3/229)


صاحب كتاب : ( شمس البازغة في الحكمة ) وكان علامة الإشراقين ونقاوة المشائين
وجونفور : من بورب وهو ملك وسيع في الشرقي من دهلي عبارة عن ثلاث صوب أود : إله آباد وعظيم آباد تتلمذ ملا على جده الشيخ : شاه محمد المتوفي سنة 1032 وعلى أستاذ الملك الشيخ : محمد أفضل الجو نفوري وفرغ عن تحصيل العلوم وهو ابن سبع عشرة سنة
له تصانيف شهيرة منها : ( الفرائد شرح الفوائد ) وعلق عليه حاشية أحسن فيها كل الإحسان روي أنه لم يصدر عنه في تمام العمر قول يرجع عنه وكان ( 3 / 230 ) يجيب السائل إن كان خاطره حاضرا أو يقول : خاطري في هذا الوقت غير حاضر
قال مؤلف ( الصبح الصادق ) - وهو من تلامذته - : رحل الشيخ إلى آكره ولقي آصف خان من أعاظم أمراء السلطان شاهجهان وكنت معه في هذا السفر ثم عاد إلى جونفور واشتغل بالتدريس . انتهى
له : رسالة في أربعة أوراق بالفارسية في أقسام النسوان خالية عن الأمثلة لأن الفرس مغازلتهم بالأمارد لا بالخرائد
توفي في سنة 1062 ، فحزن عليه أستاذه حزنا عظيما ولم يتبسم أربعين يوما ثم لحق بالتلميذ
قال السيد آزاد : ولا ريب أنه لم يظهر في الهند مثل الفاروقيين أحدهما : في علم الحقائق وهو الشيخ : أحمد السهرندي والثاني : في العلوم الحكمية والأدبية وهو : ملا محمود - صاحب الترجمة - . انتهى
ثم ذكر كلامه على مسألة الحدوث الدهري التي اخترعها : مير محمد باقر الاسترآبادي من ( الشمس البازغة )

(3/229)


الشيخ : محمد أفضل الجونفوري

(3/230)


كان أفضل فضلاء عصره وأمثل علماء دهره في العقليات والنقليات وكان حصورا تقيا حسن الخلق سليم المزاج مقيما لدولة العلم والتدريس هو وتلامذته بجو نفور أجلهم وأشرفهم : ملا محمود - المذكور - مات من حزن موت تلميذه المسطور في سنة 1062 - كما تقدم

(3/230)


ملا : عبد الحكيم السيالكوئي الفنجابي

(3/230)


نسبة إلى : بنجاب : معرب ببجاب وهو ملك وسيع في الغربي من دهلي عبارة عن صوبتين : لاهور وملتان
ولد بسيالكوت : بلدة من توابع لاهور وقام في سن التمييز على طلب العلم وتتلمذ على ملا : كمال الدين الكشميري نزيلها الذي كان أستاذ المجدد السهرندي واشتغل بإفادة العلوم في عهد السلطان جهانكير ولما جلس ابنه شاهجهان على سرير المملكة وتصدى لترويج العلم والعلماء جاء ملا إلى سدته ( 3 / 231 ) مرارا ووزنه السلطان مرتين في الميزان وأعطاه في كل مرة ستة آلاف من الربابي وأنعم عليه قرى متعددة بها كان يعيش ويدرس ويصنف حتى توفي في سنة 1097 ، ودفن ببلده
له : ( حواشي تفسير البيضاوي ) و ( مقدمات التلويح ) و ( المطول ) و ( الشريفية ) و ( شرح العقائد التفتازانية ) و ( العقائد الدوانية ) و ( حاشية على الخيالي ) و ( على شرح الشمسية ) و ( على عبد الغفور ) و ( على شرح المطالع ) و ( الدرة الثمينة في إثبات الواجب تعالى ) و ( الحواشي على هوامش " شرح حكمة العين " ) و ( على " شرح هداية الحكمة للميبذي " ) و ( على هوامش مراح الأرواح )

(3/230)


الشيخ : عبد الرشيد الجونفوري الملقب : بشمس الحق

(3/231)


تتلمذ على الشيخ : فضل الله اشتغل بالتدريس ثم أقبل على كتب الحقائق - سيما تصانيف ابن عربي - وأول كلامه على محامل حسنة ونأى بجانبه عن اختلاط الأمراء والأغنياء واستطلبه السلطان شاهجهان وأرسل إليه كتابا صحبة رسول مهذب فلبى ولم يخرج من زاوية العزلة حتى لقي الله - عز وجل - في تحريمة صلاة الفجر
ولد سنة 1083 له تصانيف مفيدة :
منها : ( الرشيدية في المناظرة ) و ( زاد السالكين ) و ( شرح أسرار الخلوة لابن عربي ) و الحواشي المتفرقة على : مختصر العضدي و على الكافية و ( مقصود الطالبين في الأوراد ) و ( ديوان الشعر ) بالفارسية - عفا الله عنه

(3/231)


مير : زاهد بن القاضي : محمد أسلم الهروي الكابلي

(3/231)


ولد بالهند ونشأ بها وقرأ على أبيه وغيره من علماء الهند وكان ذا ذهن ثاقب وفكر صائب فسبق في التدقيق السابقين وتفرد في الحاضرين وانسلك إلى السلطان شاهجهان فجعله محرر وقائع كابل في سنة 1062 ، ولما تولى السلطان عالمكير ارتحل إلى معسكره فولاه احتساب عسكره سنة 1077 ، ثم طلب منه صدارة كابل فسلمها له فعاد ( 3 / 232 ) إلى كابل وزين بها دست الإفادة ومتع الطلبة بالحسنى وزيادة
له : ( حاشية شرح المواقف ) و ( شرح التهذيب للدواني ) و ( حاشية التصور والتصديق للقطب الرازي ) و ( حاشية شرح الهياكل )
قال آزاد : سألت أسلم خان - ابن الابن لمير محمد زاهد - عن عام وفاته ؟ فقال : سنة 1100 ، ثم ذكر شيئا من تحقيقه في العلم وأنه من أي مقولة

(3/231)


القاضي : محمد أسلم والد : مير زاهد

(3/232)


ولد بهرات وهو من أحفاد : خواجه كوهي من مشائخ خراسان دخل القاضي لاهور لطلب العلم وتتلمذ على الشيخ بهلول من صناديد العلماء بها ثم قصد السلطان جهانكير بآكره واعتنى السلطان بشأنه لكونه من قربى مولانا : كلان المحدث - أستاذ السلطان - وولاه قضاء كابل واشتهر بالتدين في أمور القضاء ثم ولاه قضاء عسكره ولما جلس شاهجهان قرره على القضاء وزاد عليه المنصب الهزاري واستمر على القضاء ثلاثين سنة في نهاية الديانة والأمانة وكان موردا للعنايات السلطانية إلى الغاية حتى وزنه السلطان في الميزان وجاء في كفته : ستة آلاف وخمسمائة من الربابي
توفي سنة 1061 الهجرية ودفن بلاهور

(3/232)


مولانا : كلان هو : السبط لخواجه كوهي

(3/232)


أخذ العلوم الدرسية بكمالها والحديث : عن ميرك شاه الشيرازي وصحب مشائخ كثيرة وحج ودخل الهند وتوفي بها سنة 983 ، وهو ابن مائة سنة ودفن بآكره وكان أستاذ جهانكير بن أكبر شاه وأخذ عنه الحديث جماعة كثيرة من أهل الهند وهو من شيوخ : علي القاري
قال في ( المرقاة شرح المشكاة ) : إني قرأت بعض أحاديث المشكاة على مولانا الشهير : بمير كلان وهو قرأ على زبدة المحققين : ميرك شاه وهو على والده السيد السند : جمال الدين المحدث - صاحب ( روضة الأحباب ) - وهو على عمه السيد : أصيل ( 3 / 233 ) الدين الشيرازي . انتهى

(3/232)


ملا : قطب الدين الشهيد السهالوي

(3/233)


- نسبة إلى قصبة سهالي : من أعمال لكهنؤ - وشيوخها فريقان :
فرق أنصاري
وفريق عثماني ورياستها تتعلق بكليهما فملا : من الأنصار أخذ العلوم عن ملا : دانيال الجوراسي - نسبة إلى جوراس : قصبة من بورب - وهو تلميذ ملا : عبد السلام الديوي - نسبة إلى ديوه : قصبة من بورب أيضا - وعن القاضي : كاشي وهو تلميذ محب الله الإله آبادي - صاحب ( رسالة التسوية في التصوف ) و شارح ( الفصوص ) بالفارسية - وكان الشيخ قطب الدين مقداما في العقليات والنقليات وإليه انتهى رياسة العلم والتدريس في بورب وسلسلة تتلمذ أكثر علماء بورب وغيره تنتهي إليه هجم العثمانية ليلة على داره فقتلوه وأحرقوا داره فمات سنة 1103 له : ( حاشية على شرح العقائد الدوانية ) في غاية الدقة

(3/233)


السيد : قطب الدين الشمس آبادي

(3/233)


أصله من سادات أميئهي - قصبة من قصبات بورب - رحل عنها إلى الشمس آباد - قصبة من توابع قنوج - وتوطن بها وهو قطب العلماء والمدار عليه للفضلاء
تتلمذ على ملا : قطب الدين - المذكور - وغيره من أساتذة العصر ودرس إلى آخر العمر بشمس آباد
تتلمذ عليه خلق كثير وكان من القانعين تمر الأيام ولا توقد في بيته نار ويقاسي الفاقات ولا يظهر الحاجات ويدرس طلق الوجه واللسان والحالة هذه وهذا مقام لا يثبت فيه إلا من رزق القوة من الله تعالى
مات - رحمه الله - سنة 1121 الهجرية وهو ابن سبعين سنة

(3/233)


القاضي : محب الله البهاري

(3/233)


- نسبة إلى بهار : بكسر الموحدة بلدة عظيمة في شرقي بورب تعرف في القديم بالصوبة ثم أطلق ذلك على : بئنة والبلدتان ( 3 / 234 ) متصلتان -
ولد القاضي بموضع كره - من توابع محب على فور - وهي معمورة من مضافات بهار وعشيرة القاضي تعرف بملك والقاضي جاب ديار بورب وأخذ أوائل الكتب الدرسية من مواضع شتى ثم انقطع برمته إلى حوزة درس القطب الشمس آبادي فصار بحرا من العلوم وبدرا بين النجوم ورحل إلى الدكن ولازم السلطان عالمكير فولاه قضاء لكهنؤ ثم بعد مدة قضاء حيدر آباد - وهي دار الإمارة للديار الشرقية من دكن - ثم عزله ثم أمره بتعليم ابن ابنه : رفيع القدر بن محمد معظم ثم لما فوض عالمكير في آخر عمره حكومة كابل إلى ابنه : محمد معظم الملقب : بشاه عالم وسافر هو مع ابنه : رفيع القدر من الدكن إلى كابل صحبه القاضي ولما توفي عالمكير في الدكن سنة 1118 ، وانتهض شاه عالم من كابل إلى الديار الهندية أعطى القاضي منصبا جليلا وولاه صدارة ممالك الهند كلها ولقبه : بفاضل خان سنة 1119 ، فتوفي في هذه السنة
ومن مؤلفاته : ( سلم العلوم ) في المنطق و ( مسلم الثبوت ) في أصول الفقه و ( الجوهر الفرد ) في مسألة الجزء الذي لا يتجزأ وهذه الثلاثة : مقبولة متداولة في مدارس العلماء

(3/233)


الحافظ : أمان الله بن نور الله بن حسين البنارسي

(3/234)


- بلدة من بلاد بورب وهي معبد الهنود - حفظ القرآن وبرع في المعقول والمنقول وتبحر في الفروع والأصول
له : ( كتاب المفسر ) في أصول الفقه وكتب عليه شرحا سماه : ( محكم الأصول ) وله ( حواش على تفسير البيضاوي والعضدي ) و ( التلويح ) و ( الحاشية القديمة ) و ( شرح المواقف ) و ( حكمة العين ) و ( شرح عقائد الدواني ) و ( الرشيدية ) في المناظرة
وله : ( محاكمة بين مير باقر الإسترآبادي وملا محمود الجونفوري ) في مسألة ( 3 / 235 ) الحدوث الدهري وكان متقلدا بصدارة لكهنؤ من قبل السلطان عالمكير وكان محب الله البهاري قاضيا بها وكانا يجتمعان وتجري بينهما مباحث علمية
توفي في بنارس سنة 1133 ، ودفن بها

(3/234)


الشيخ : غلام نقشبند بن الشيخ : عطاء الله اللكهنوي

(3/235)


تتلمذ على مير : محمد شفيع الدهلوي وهو على الشيخ : عطاء الله والد الشيخ : غلام نقشبند وفرغ من التحصيل على شيخ شيخه بير : محمد اللكهنوي وصار خليفة له ونفع خلقا كثيرا بالتدريس والتلقين ولاقاه شاه : عالم بن عالمكير فأكرمه وكان حاميا لحمى الشريعة الغراء وحارسا لبيضة الملة البيضاء
توفي في سلخ رجب سنة 1126 ، ودفن بلكهنؤ
له : ( تفسير لربع القرآن ) وحواشيه و ( تفسير بعض السور القرآنية ) وكتاب : ( فرقان الأنوار ) و ( اللامعة العرشية ) في مسألة وحدة الوجود و ( شرح القصيدة الخزرجية ) في العروض وغيرها وهو أستاذ السيد : عبد الجليل البلكرامي جد مير : آزاد من جهة الأم - والله أعلم

(3/235)


الشيخ : أحمد المعروف : بملا جيون الصديقي الأميبهوي

(3/235)


وجيون : بالهندية : الحياة حفظ القرآن وتنقل في قصبات بورب وأخذ العلوم الدرسية من علمائها وفرغ من التحصيل عند ملا : لطف الله الكوروي - وكوره : بضم الكاف : بلدة من نواحي بورب ثم رحل إلى السلطان عالمكير فأكرمه وراعى أدبه إلى الغاية وكذلك يحترمه شاه : عالم وغيره من أولاد السلطان وكان ذا حافظة قوية يقرأ عبارات الكتب الدرسية صفحة صفحة وورقة ورقة من غير أن ينظر في الكتاب وكان يحفظ قصيدة طويلة بسماع دفعة واحدة حج وعاد إلى الهند ودرس وألف
وتوفي بدار السلطنة : دهلي سنة 1130 ، ونقل جسده إلى أميهي ودفن بها
له : ( التفسير الأحمدي ) يختص بآيات الأحكام الفقيهة و ( نور الأنوار في شرح المنار ) في أصول الفقه على طريقة الحنفية وفيهما الرطب واليابس . ( 3 / 236 )

(3/235)


السيد : عبد الجليل بن السيد : أحمد الحسيني الواسطي البلكرامي

(3/236)


ولد ببلكرام - قصبة عظيمة بقرب قنوج وهي بلدة مشهورة مذكورة في القاموس - يرجع نسبه إلى علي العراقي من نسل زيد الشهيد
كان علامة بارعا وكوكبا ساطعا مزج العلم بالطهارة وصاغ الزهد في الإمارة
ولد في سنة 1071 ، بمحلته : ميدان فوره ونشأ بهذه المعمورة
أخذ العلوم ولقي الجهابذة
وسمع الحديث عن السيد : مبارك المحدث الواسطي الحسيني البلكرامي المتوفى سنة 1105 ، وهو أخذ عن الشيخ : نور الحق وهو عن أبيه الشيخ : عبد الحق
وتأدب على الشيخ : غلام نقشبند اللكهنوي وتفنن في الفنون العالية - سيما التفسير والحديث والسير وأسماء الرجال وتاريخ العرب والعجم -
وأما اللغة : فحسابها في بنانه وكان القاموس على لسانه
وأما الأدب : فهو معدن جواهره ولجة عنابره كان عارفا بالعربية والفارسية والتركية والهندية وتكلم بالأربعة المذكورة في غاية الطلاقة وأنشأ في كل منها أشعارا في نهاية الرشاقة

(3/236)


واجتمع بالسيد : علي معصوم - صاحب : ( سلافة العصر ) - بأورنك آباد فقال : ما رأيت لهذا السيد بالهند نظيرا لازم السلطان عالمكير فأعطاه عمل بخشيكري ووقائع نكاري - بلدة كجرات من بلاد فنجاب - ثم بلدة بكر وبلدة سيرستان - من : بلاد السند - فعمل فيها بالسيرة الحسنى وتقررت عليه هذه الأعمال في الطبقات التي بعد عالمكير وعاد في سنة 1126 من بكر إلى شاهجهان آباد ولازم السلطان : فرخ سير ثم استعفى عن الخدمات وفوض خدمته إلى ابنه ( 3 / 237 ) السيد : محمد وأتى بلكرام فتتلمذ عليه حفيده : السيد آزاد ثم رجع بعد سنة إلى دهلي وأقام بها
وتوفي في سنة 1138 ، ونقل جسده إلى بلكرام ودفن بها في : بستان محمود وخرج من التابوت سالما قال آزاد في تاريخ وفاته : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) وأيضا : ( أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن )
ومن تفرداته دليل هندسي على إبطال جزء لا يتجزأ ذكره في ( سبحة المرجان ) ومن أشعاره الفصيحة البليغة :
يا صاح لا تلم المتيم في الهوى ... هو عاشق لا ينثني عن خله
يأبى الدواء سقامه كعيونه ... فعلى الطبيعة يا معالج خله
حبيبي قوس حاجبه كنون ... وصاديد ابن مقلة شكل عينه
لعمري أنه نص جلي ... على أن الرماية حق عينه
ذكر له حفيده السيد : آزاد ترجمة حافلة في ( سرد آزاد وتسلية الفؤاد ) وغيرهما من مؤلفاته وذكر من أشعاره وفضائله شيئا كثيرا لا نطول بذكرها الكلام ونظم في مدحه قصائد عظاما منها : قصيدته المشهورة التي أولها :
أدرك عليلا لقاء منك يكفيه ... وطرفك الناعس الممراض يشفيه

(3/236)


السيد : علي بن السيد : أحمد بن السيد : المعصوم الدشتكي

(3/237)


هو من مشاهير الأدباء وصناديد الشعراء بيته بشيراز بيت العلم والفضل والمدرسة النظامية بها منسوبة إلى جدة مير : غياث الدين منصور والسيد اشتهر : بعلي المعصوم تزوج بأخت شاه عباس الثاني الصفوي وتوطن مكة المكرمة وولد له من بطنها السيد : أحمد نشأ بمكة واكتسب العلوم وفاق الأقران . ( 3 / 238 )
ثم إن مير : محمد سعيد المخاطب : بمير جملة وزير السلطان : عبد الله قطب شاه والي حيدر آباد من بلاد الدكن طلبه إلى حيدر آباد فزوج قطب شاه بنته بالسيد أحمد وما جاء له منها ولد وكان قد تزوج قبل خروجه من مكة إلى الدكن بمكة وتولد السيد : علي بالمدينة ولما مات قطب شاه وتملك أبو الحسن سعى في إتلاف أخلاف السيد أحمد فهرب السيد علي عن الأسر وجاء إلى السلطان عالمكير ببرهانبور فأعطاه منصب هزاري وبانصدي وثلاثمائة فارس كل واحد منهم صاحب فرسين ولقبه : بسيد علي خان
ولما انتهض السلطان إلى أحمد نكركان السيد حارسا على أورنك آباد مدة ثم أخذ من السلطان حكومة ماهور - قلعة مشهورة من ديار برار - ثم استعفى عنها وأخذ ديواني برهانبور ثم رحل إلى الحرمين الشريفين وبغداد وسر من رأى وكربلاء ونجف وطوس ثم إلى أصفهان وأدرك السلطان : حسين الصفوي وذهب إلى شيراز وأقام بالمدرسة المنصورية وأفنى عمره في إفادة طلبة العلم
وتوفي سنة 1117 ، ولم يكن في أصله من الهند وإنما دخل الهند وتوطن بها مدة طويلة
له مصنفات منها : ( أنوار الربيع في أنواع البديع ) و ( سلافة العصر ) و ( شرح الصحيفة الكاملة )

(3/237)


السيد : محمد بن السيد : عبد الجليل البلكرامي

(3/238)


كان حافلا لأصناف العلوم وارثا لفضائل والده المرحوم ولد في سنة 1101 ، بمحروسة بلكرام تتلمذ على السيد : محمد الأترولوي وكان محررا لسوانح سلطان : فرخ سير ومتقلدا عمل بخشيكري - ببلدة بكر - وسيوستان له شعر حسن منه :
صنت عن عارضيه ناظرتي ... وتركت الهوى بلا ضنه
قال لي : لا ترد ريحانا ... إنه خارج من الجنه ( 3 / 239 )
وله : ( مختصر كتاب المستطرف ) ألفه في سنة 1155 ، وسماه : ( الجزء الأشرف من المستطرف ) وللسيد آزاد في مدحه قصائد أمجاد
توفي سنة 1188 ، وله أيضا : ( تبصرة الناظرين ) بالفارسي في التاريخ

(3/238)


السيد : سعد الله السلوني

(3/239)


هو العالم المجدد لقول : سلوني والإمام القائل : أنا طلاع الثنايا فاعرفوني
ولد بسلون - قصبة من صوبة إله آباد - وهو سبط الشيخ : بير محمد السلوني - من مشاهير المشائخ - وفق في صغر سنه باكتساب العلوم وطوى مسافة التحصيل في زمان يسير وتربع على دست التدريس وأطلق اليراع في مسارح التأليف وحج وأقام برهة في أم القرى واعتقده أهل الحرمين الشريفين وتتلمذوا عليه وأخذوا عنه الطريقة
منهم : الشيخ عبد الله البصري المكي - صاحب : ( ضياء الساري شرح صحيح البخاري ) ثم عاد إلى الهند وتزوج بالبندر المبارك سرة وصار مرجعا للأنام
وتوفي بسرة في سنة 1038 الهجرية - رحمه الله تعالى

(3/239)


السيد : طفيل محمد بن السيد : شكر الله الحسيني الأترولوي البلكرامي

(3/239)


كان فاضلا عارفا كاملا عالما بالعلوم الدرسية من العقلية والنقلية
ولد بأترولي في سنة 1073 - قصبة من توابع : آكره - رحل مع عمه السيد : أحسن الله إلى دهلي وقرأ الدرس الأول من : ( ميزان الصرف ) على السيد : حسين الملقب : برسول نما ثم قرأ على عمه المذكور ( شرح الجامي ) وجاء إلى بلكرام طلبا للعلم وتتلمذ على السيد المربي المتوفى في سنة 1117 ، والحاج السيد : سعد الله المتوفي سنة 1119 ، تلميذ ملا : عبد الرحيم قاضي مراد آباد - من توابع شاهجهان آباد - وهو تتلمذ على عبد الحكيم السيالكوني وعلى القاضي : عليم الله الكجندوي المتوفى سنة 1115 ، والسيد : قطب الدين الشمس آبادي ثم أحيى ( 3 / 240 ) العلوم سبعين عاما وكان رفيق السيد : عبد الجليل البلكرامي في سفر آكره ولم يتزوج
توفي في سنة 1151 وله شعر حسن منه :
بهجتي غادة قالت لجارتها : ... شخص أراه خليعا فارغ البال
يحوم كل أوان حول مشربتي ... إني لأقتله في أسرع الحال
مدحه السيد آزاد بقصيدة بديعة أولها :
يا للأحبة ساروا في التباشير ... فاسود يومي كأحداق اليعافير

(3/239)


الشيخ : نور الدين بن محمد صالح الأحمد آبادي

(3/240)


كان أوحد زمانه وفرد أوانه
تتلمذ على ملا : أحمد السليماني وملا : فريد الدين الأحمد الآباديين
وأخذ من كل فن حظا وافرا وقسطا متكاثرا وحج وعاد إلى أحمد آباد ولبس الخرقة عن السيد محبوب عالم الملقب : بشاه عالم الثاني وبنى مدرسة بها رفيعة وعكف على التدريس والتصنيف وتواليفه تزيد على : مائة وخمسين كتابا
منها : ( تفسير مختصر ) و ( الحاشية على البيضاوي ) و ( نور القاري شرح صحيح البخاري ) و ( الحاشية القويمة على الحاشية القديمة ) و ( حاشية شرح المواقف ) و ( حل المعاقد حاشية شرح المقاصد ) و ( حاشية شرح المطالع ) و ( حاشية التلويح ) و ( حاشية العضدي ) و ( المعول حاشية المطول ) و ( الحواشي على : شرح الوقاية وعلى شرح الجامي على الكافية وعلى المنهل ) و ( الشمسية في المنطق ) و ( شرح تهذيب المنطق ) : وهو أدق تصانيفه و ( الطريق الأمم شرح فصوص الحكم )
ولد بأحمد آباد في سنة 1064 وتوفي بها في سنة 1155 ، عن إحدى وتسعين سنة تاريخ وفاته أعظم الأقطاب . ( 3 / 241 )

(3/240)


ملا : نظام الدين بن ملا : قطب الدين السهالوي

(3/241)


كان فاضلا جيدا عارفا بالفنون الدرسية والعلوم العقلية والنقلية تتلمذ على الشيخ : غلام نقشبند اللكهنوي وأقام بلكهنؤ واشتغل بالتدريس والتأليف وانتهت إليه رياسة العلم في بورب بايع الشيخ : عبد الرزاق البانسوي المتوفى سنة 1136 ، وأخذ النصوص الكثيرة عن السيد : إسماعيل البلكرامي المتوفي سنة 1164
قال السيد آزاد : اجتمعت به فوجدته على طريقة السلف الصالحين وكان يلمع من جبينه نور القدس
توفي في سنة 1161
ومن تصانيفه : ( حاشية على شرح هداية الحكمة ) للصدر الدين الشيرازي و ( شرح على مسلم الثبوت ) في أصول الفقه - رحمه الله تعالى

(3/241)


مسند الوقت الشيخ الأجل : شاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم المحدث الدهلوي

(3/241)


له رسالة سماها : ( الجزء اللطيف في ترجمة العبد الضعيف ) ذكر فيها ترجمته بالفارسية مفصلة
وحاصلها : أنه ولد يوم الأربعاء رابع شوال وقت طلوع الشمس في سنة 1110 الهجرية تاريخه عظيم الدين ورأى جماعة من الصلحاء - منهم : والده الماجد - مبشرات قبل ولادته وهي مذكورة في كتاب : ( القول الجلي في ذكر آثار الولي ) للشيخ : محمد عاشق بن عبيد الله البارهوي البهلتي المخاطب : بعلي واكتسب في صغر سنه الكتب الفارسية والمختصرات من العربية وشرع في قراءة شرح الجامي وهو ابن عشرة سنين وتزوج وهو ابن أربع عشرة سنة واستسعد ببيعة والده في الخامسة عشر من عمره واشتغل بأشغال المشائخ النقشبندية ولبس خرقة الصوفية وقرأ البيضاوي وأجيز بالدرس وفرغ من تحصيل العلم وقرأ ( 3 / 242 ) طرفا من : ( المشكاة ) و ( الصحيح للبخاري ) و ( الشمائل ) للترمذي و ( المدارك )
ومن علم الفقه : شرح الوقاية والهداية بتمامها إلا طرفا يسيرا
ومن أصول الفقه : الحسامي وطرفا صالحا من التوضيح والتلويح
ومن المنطق : شرح الشمسية وقسطا من شرح المطالع
ومن الكلام : شرح العقائد وجملة من الخيالي وشرح المواقف وقطعة من العوارف
ومن الطب : موجز القانون
ومن الحكمة : شرح هداية الحكمة
ومن المعاني : المختصر والمطول وبعض الرسائل في الهيئة والحساب . . . إلى غير ذلك وبرع في هذه كلها وأجازه والده بأخذ البيعة ممن يريدها وقال : يده كيده

(3/241)


ثم اشتغل بالدرس نحوا من اثنتي عشرة سنة وحصل له فتح عظيم في التوحيد والجانب الواسع في السلوك ونزل على قلبه العلوم الوجدانية فوجا فوجا وخاض في بحار المذاهب الأربعة وأصول فقههم خوضا بليغا ونظر في الأحاديث التي هي متمسكاتهم في الأحكام وارتضى من بينها - بإمداد النور الغيبي - طريق الفقهاء المحدثين واشتاق إلى زيارة الحرمين الشريفين فرحل إليهما في سنة 1143 ، وأقام هناك عامين كاملين وتتلمذ على الشيخ : أبي الطاهر المدني وغيره من مشائخ الحرمين وتوجه إلى المدينة المنورة واستفاض فيضا كثيرا وصحب علماء الحرمين صحبة شريفة ثم عاد في سنة 1145 إلى الهند
ومن نعم الله تعالى عليه : أن أولاه خلعة الفاتحية وألهمه الجمع بين الفقه والحديث وأسرار السنن ومصالح الأحكام وسائر ما جاء به - صلى الله عليه وسلم - من ربه - عز وجل - حتى أثبت عقائد أهل السنة بالأدلة والحجج وطهرها من قذى أمس المعقول وأعطي علم الإبداع والخلق والتدبير والتدلي مع طول وعرض وعلم استعداد النفوس الإنسانية لجميعها وأفيض عليه الحكمة العملية وتوفيق ( 3 / 243 ) تشييدها بالكتاب والسنة وتمييز العلم المنقول من المحرف المدخول وفرق السنة السنية من البدعة الغير المرضية . انتهى
وكانت وفاته في سنة 1176 الهجرية

(3/242)


وله : مؤلفات جليلة ممتعة يجل تعدادها
منها : ( فتح الرحمن في ترجمة القرآن ) و ( الفوز الكبير في أصول التفسير ) و ( المسوى والمصفى ) في شروح الموطأ و ( القول الجميل والخير الكثير ) و ( الانتباه ) و ( الدر الثمين ) وكتاب : ( حجة الله البالغة ) وكتاب : ( إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء ) و ( رسائل التفهيمات ) وغير ذلك
وقد ذكرت له ترجمة حافلة في كتابي : ( إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء المحدثين ) وذكر له معاصرنا المرحوم : المولوي محمد محسن بن يحيى البكري التيمي الترهتي - رحمه الله - ترجمة بليغة في رسالته : ( اليانع الجني ) وبالغ في الثناء عليه وأتى بعبارة نفيسة جدا وأطال في ذكر أحواله الأولى والأخرى وأطاب فإن شئت زيادة الاطلاع فارجع إليهما
وقد طبع كتابه : ( الحجة ) لهذا العهد بمصر وكذا ( الإزالة ) بالهند بنفقة الشيخ الوزير : محمد جمال الدين خان - مدير مهمات الرياسة عافاه الله تعالى - وكان له أولاد صالحون : الشيخ عبد العزيز والشيخ رفيع الدين والشيخ عبد القادر والشيخ عبد الغني : والد الشيخ محمد إسماعيل الشهيد الدهلوي وكلهم كانوا علماء نجباء حكماء فقهاء كأسلافهم وأعمامهم كيف وهم من بيت العلم الشريف والنسب الفاروقي المنيف وقد آذن الزمان الآن بانصرام ذلك البيت وأهله - فإنا لله وإنا إليه راجعون

(3/243)


وكان بيته في الهند بيت علم الدين وهم كانوا مشائخ الهند في العلوم النقلية بل والعقلية أصحاب الأعمال الصالحات وأرباب الفضائل الباقيات لم يعهد مثل علمهم بالدين علم بيت واحد من بيوت المسلمين في قطر من أقطار ( 3 / 244 ) الهند وإن كان بعضهم قد عرف بعض علم المعقول وعد على غير بصيرة من الفحول ولكن لم يكن علم الحديث والتفسير والفقه والأصول وما يليها إلا في هذا البيت لا يختلف في ذلك مختلف من موافق ولا من مخالف إلا من أعماه الله عن الإنصاف ومسته العصبية والاعتساف وأين الثرى من الثريا والنبيذ من الحميا - والله يختص برحمته من يشاء -
ولكل من أخلافه - رحمهم الله - : مؤلفات ممتعة نافعة : ( كفتح العزيز ) في التفسير و ( التحفة الإثنا عشرية ) في الرد على الروافض و ( سر الشهادتين ) وغيرها للشيخ : عبد العزيز الدهلوي
و ( مثدمة العلم ) و ( رسالة العروض ) و كتاب : ( التكميل ) للشيخ : رفيع الدين
و ( موضح القرآن ) للشيخ : عبد القادر
و ( رسالة في أصول الفقه ) و ( رسالة في الإمامة ) و ( رد الإشراك ) للشيخ : محمد إسماعيل الدهلوي . . . إلى غير ذلك
وهذه المصنفات : ممتعة نافعة متداولة بين الناس وفضائلهم شهيرة وهي متلقاة بالقبول من العلماء الأكياس
لا يدرك الواصف المطري خصائصهم ... وإن لم يكن بالغافي كل ما وصفا

(3/243)


والشيخ : عبد العزيز عمري

(3/244)


فاروقي في النسب وكان السلف من آبائه من حفدة السيد : ناصر الدين الشهيد وجده الأعلى : وجيه الدين الشهيد حفيد للسيد : نور الجبار المشهدي ونسبه يتصل بالإمام موسى الكاظم
ولد عام تسعة وخمسين ومائة وألف دل عليه لقبه : غلام حليم قال صاحب : ( اليانع الجني ) : ومنها كتابه : ( بستان المحدثين ) جمع فيه علوم الحديث مهذبة واختصرها منقحة غير أني لم أقف عليها بعد . انتهى
قلت : ليس فيه علوم الحديث بل فهرس كتبها وتراجم بعض أهلها على غير ( 3 / 245 ) ترتيب وتهذيب وقد أدرجته في مطاوي كتابي : ( إتحاف النبلاء ) فليراجعه
ومن أصحاب الشيخ عبد العزيز :

(3/244)


أخوه : عبد القادر

(3/245)


كان عالما زاهدا فاضلا عابدا ذا ورع في الدين وله وجه - وأي وجه - بين المتقين صادق الفراسة حسن التوسم أخذ عنه جماعة أجلهم : الشيخ أبو العلاء فضل الحق العمري الخير آبادي أحذق الناضرة والأدباء في زمانه
قال في ( اليانع الجني ) : حدثنا هو بذلك وسمعته غير مرة يثني عليه ويحكي لنا من كراماته . انتهى
ومنهم :

(3/245)


أخوه : الشيخ رفيع الدين

(3/245)


المحقق المتقن كانت له خبرة بعلوم الأوائل وله مؤلفات جيدة يكثر فيها من رموز خفية يعسر الاطلاع عليها ويجمع مسائل كثيرة في كلمات يسيرة وكتابه : ( دمغ الباطل ) في بعض المسائل الغامضة من علم الحقائق معروف أثنى عليه به أهلها وله : ( مختصر جامع ) بين فيه سريان الحب في الأشياء كلها وأوضح للناس أطواره يسمى : ( أسرار المحبة ) ومن أجل تلاميذه : سيدي الوالد الماجد العلامة : حسن بن علي بن لطف الله المحدث الحسيني القنوجي البخاري - قدس سره - واستنتج من رسائله كتبا كثيرة بيده الشريفة أوان طلب العلم بدهلي منها :
كتاب : ( التكميل ) و ( رسالة العروض والقافية ) و ( رسالة مقدمة العلم ) وغير ذلك
ثم إن الأخوين توفيا قبل الشيخ : عبد العزيز وكذا أخوهما : عبد الغني أبو إسماعيل الشهيد
ومن أصحابه أيضا ختنه :

(3/245)


الشيخ : عبد الحي البكري

(3/245)


من برانه - بلدة من أعمال دهلي - وكان من أحسنهم خبرة بالفقه الحنفي وأمرسهم بالكتب الدرسية
قال في ( اليانع الجني ) : رأيت له رسالة في حث الناس على تزويج أياماهم وردعهم عن استقباح ذلك
توفي في الغزوة المشهورة بأرض الأفاغنة . انتهى
قلت : وكان من أخبار سيدي الوالد وليس له تأليف مستقل إلا هذه الفتاوى التي كتبها ويذكر عنها في الحوائج وله إجازة عن شيخنا وبركتنا : الشوكاني ( 3 / 246 ) مكاتبة وهو أول من جاء بتأليفه إلى أرض الهند وأشاعه ثم تتابع الناس

(3/245)


ومنهم : ابن أخيه : إسماعيل بن عبد الغني

(3/246)


كان من أذكى الناس بأيامه وكان أشدهم في دين الله وأحفظهم للسنة يغضب لها ويندب إليها ويشنع على البدع وأهلها ومن مصنفاته : ( كتاب الصراط المستقيم ) في التصوف و ( الإيضاح في بيان حقيقة السنة والبدعة ) و ( مختصر في أصول الفقه ) و ( تنوير العيني )
قال في ( اليانع الجني ) : انفرد فيها بمسائل عن جمهور أصحابه واتبعه عليها أناس من المشرق ومن بنجالة وغيرها أكثر عددا من حصى البطحاء
وله كتاب آخر في التوحيد والإشراك فيه أمور في حلاوة التوحيد والعسل وأخرى في مرارة الحنظل فمن قائل : إنها دست فيه وقائل : إنه تعمدها - والله عالم بالسرائر - . انتهى
وأقول : ليس في كتابه الذي أشار إليه وهو المسمى : ( برد الإشراك ) في العربية و ( بتقوية الإيمان ) بالهندية شيء مما يشان به عرضه العلي ويهان به فضله الجلي وإنما هذه المقالة الصادرة عن صاحب ( اليانع الجني ) مصدرها تتلمذه بالشيخ : فضل حق الخير آبادي فإنه أول من قام بضده وتصدى لرده في رسائله التي ليست عليها آثاره من علم الكتاب والسنة وإن شئت زيادة الاطلاع على حاله ومآله فارجع إلى كتابنا : ( إتحاف النبلاء ) يتضح عليك ما تذهب به الشحناء من صدرك - إن شاء الله تعالى

(3/246)


ومنهم : ابن بنته : الشيخ محمد إسحاق المهاجر

(3/246)


يقال : إنه ولد على التقوى ترجمة المشكاة له معروفة مرغوب فيها على ما فيها من عوج وكذا بعض رسائل فارسية تنسب إليه نعم كان كثير العبادة قليل العلم غزير التقوى نزره الاطلاع على الفنون

(3/246)


ومنهم : الشيخ جمال الدين المعروف : بحسن علي الهاشمي اللكنوي

(3/246)


كان له خبرة في الحديث يعتني لعلومه . ( 3 / 247 )
واشتهر أنه كان شافعي المذهب رأيت له فتاوى بالفارسية على طريقة الفقهاء ولم يجد له عزما يمتاز به عن غيره
وكان من أحباب سيدي : الوالد الماجد - رحمه الله - وقد تعقبه الوالد في بعض مسائله

(3/246)


ومنهم : الشيخ : رشيد الدين خان الدهلوي

(3/247)


كان فاضلا جامعا بين كثير من العلوم الدرسية وكان حسن العبارة دأبه الذب عن حمى أهل السنة والجماعة والنكاية في الرافضة المشائيم صنف في الرد عليهم كتابه : ( الشوكة العمرية ) وغيرها مما يعظم موقعه عند الجدليين من أهل النظر ونجاره كشميري

(3/247)


ومن رهطه : شيخي المفتي : صدر الدين خان بهادر

(3/247)


ولي الصدارة بدهلي من جهة البرطانية - حكام الهند اليوم - فاستمر عليها إلى الفتنة
وأخذ الحديث عن الشيخ المهاجر وله رسالة : ( منتهى المقال في شد الرحال )
قال في ( اليانع الجني ) : قد تأنق فيها - سلمه الله تعالى - . انتهى . أي : أتى بتحقيقات رائقة
قلت : هذا غلط بحت بل زل فيها زلة عظيمة تنبئ عن قلة اطلاعه على أدلة المسألة وماجرياتها وقد رد عليه فيها بعض علماء الهند ويغني عن ذلك كله كتاب : ( الصارم المنكي ) في هذا الباب

(3/247)


ومنهم : السيد حيدر علي الرامفوري

(3/247)


نزيل تونك - رحمه الله - أخذ عن الشيخ : عبد العزيز المحدث وكان فاضلا جليلا جمع علم الطب إلى سائر علومه وكان يذب عن إسماعيل الشهيد
قال في ( اليانع الجني ) : وله مع شيخنا أبي العلاء الفضل بن الفضل الخير آبادي مباحثات في شأن إسماعيل يحويها بطون مؤلفاتهما بدرت منه عند البحث بوادر وهاها العلماء
توفي في المحرم مستهل عام القرطاس - رحمه الله - . انتهى . ( 3 / 248 )
قلت : والحق أن الحق في تلك المباحث بيد السيد لا بيد الشيخ كما يظهر من الرجوع إلى كتبهما عند نظر الإنصاف وقد رأيت أكثرها ولم أر السيد كما رأيت الشيخ وقد كتب على بعض كتب لي تقريظات حسنة وبالغ فيه في الثناء علي بما لست أهلا له

(3/247)


ومنهم : الشيخ الفاضل : سلامة الله البدايوني

(3/248)


ثم الكانفوري من ذرية عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق كان فقيها صوفيا شاعرا واعظا حصلت له الإجازة من قبل الشيخ عبد العزيز واجتمع معه في آخر عمره وكتب له أيضا الشيخ : رفيع الدين الإجازة بيده من قبل أخيه
قال في ( اليانع الجني ) : وهو من أجلة أشياخي في الهند . انتهى . ثم أثنى عليه وذكر له تأليفات في : التصوف والشعر والرد على الرافضة
وأقول : عداده عندنا من العلماء المبتدعين والفضلاء المريدين للدنيا المؤثرين لها على الآخرة - والله أعلم

(3/248)


السيد : محمد يوسف بن السيد : محمد أشرف الواسطي البلكرامي

(3/248)


كان قسطاس المعقولات ونبراس المنقولات
ولد في سنة 1116 ، وهو سبط : السيد عبد الجليل وابن خالة : السيد آزاد كسبا العلوم بالموافقة وسلكا جادة التحصيل بالمرافقة وقرأ الكتب الدرسية والفنون - من البداية إلى النهاية - على السيد : طفيل محمد - المتقدم ذكره - واللغة والسير على جدهما : السيد عبد الجليل والعروض والقوافي على السيد : محمد ثم اكتسب الهيئة والهندسة من : فضلاء دهلي حين رحل آزاد إلى الحرمين الشريفين وبايع السيد : لطف الله الحسيني الواسطي البلكرامي واستقام على الشرائع وأقام في الوطن ورمى الدهر آزاد إلى الدكن ثم توفي في سنة 1173 ، ودفن عند قدم جده - المذكور - له شعر حسن في اللسانين : العربي والفارسي منه :
لاحت لنا روضة راقت مباسمها ... وعارضت في السنا برق اليعاليل ( 3 / 249 )
فلا تخل تلك أوراد بسمن بها ... هن المصابيح في حمر القناديل
وله كتاب : ( الفرع النابت من الأصل الثابت ) في التوحيد الشهودي وقفت عليه فوجدته مفيدا في بابه خطيبا في محرابه أرخ له السيد آزاد بأبيات عربية ذكرها في : ( سبحة المرجان في آثار هندوستان )

(3/248)


السيد : قمر الدين الحسيني الأورنك آبادي

(3/249)


كان قمرا طالعا في ميزان الشرع المبين وكوكبا ساطعا في أوج الشرف الرصين آباؤه من سادات خجند والسيد ظهير الدين منهم هاجر منها إلى الهند وتوطن في آمن آباد - من توابع لاهور - ثم ابنه : السيد محمد رحل إلى الدكن وكان ابنه : السيد عناية الله من العرفاء أخذ الطريقة النقشبندية عن الشيخ : أبي المظفر البرهان فوري عن الشيخ : محمد معصوم عن أبيه : الشيخ أحمد السهرندي وتوطن ببلدة بالابور على أربع منازل من برهانفور وتوفي بها سنة 1117
وابنه : السيد منيب الله المتوفي سنة 1161 ، كان من العرفاء أيضا وصاحب هذه الترجمة ولده الأرشد ولد سنة 1123 ، وساح في مناهج الفنون وبرع في العلوم العقلية والنقلية حتى صار في النقليات إماما بارعا وفي العقليات برهانا ساطعا حفظ القرآن وزان العلم بالعمل وراح إلى دهلي وسهرند وزار قبر المجدد ورحل إلى لاهور واجتمع بطائفة من العلماء والعرفاء في تلك البلاد ثم رجع إلى بالابور وجاء إلى أورنك آباد وانعقد الوداد بينه وبين السيد آزاد فكانا فرقدين على فلك الاتحاد ثم ارتحل إلى الحرمين الشريفين مع ابنيه الكريمين : ميرنور الهدى ومينور العلي ورجع إلى الهند ثم انتهض مع أهل بيته إلى أورنك آباد
له : كتاب في مسألة الوجود سماه : ( مظهر النور ) بين فيه مذاهب العلماء ومسالك المتكلمين والحكماء ذكر طرفا منها السيد آزاد في ( السبحة ) وأرخ له بأبيات عربية أولها : ( 3 / 250 )
فاح عرف النسيم في السحر ... وأتاني بأطيب الخبر
توفي في أرونك آباد في سنة 1193 ، ودفن داخل البلد قال آزاد في تاريخ وفاته موت العلماء ثلمة

(3/249)


المين : نور الهدى بن السيد : قمر الدين

(3/250)


نور هذا القمر الوقاد وثمر هذا الشجر المياد ولد في سنة 1153 بأورنك وتتلمذ من البدء إلى الغاية على أبيه وبرع في العلوم الدرسية وهو ابن ستة عشر سنة ثم حفظ القرآن الكريم وحج وعاد مع أبيه وعكف على التدريس والتصنيف وحرر شرحا على مظهر النور لوالده أورد آزاد شيئا من عبارة هذا الشرح في ( سبحة المرجان ) وأثنى عليه ثناء جميلا

(3/250)


السيد : غلام علي آزاد بن السيد : نوح الحسيني

(3/250)


نسبا الواسطي حسبا البلكرامي مولدا ومنشأ والحنفي مذهبا الجشتي طريقة الملقب : بحسان الهند ذكر لنفسه الشريفة ترجمة حافلة بالعربية والفارسية في غالب كتبه
وهذا خلاصتها :
ولد في الخامس والعشرين من صفر يوم الأحد سنة 1116 ، بمحروسة بلكرام وأتم تحصيل الكتب الدرسية - من البداية إلى النهاية - على السيد : طفيل محمد وأخذ اللغة والسير وسند الحديث المسلسل بالأولية وحديث الأسودين وإجازة أكثر كتب الحديث والشعر العربي والفارسي عن جده : القريب من جهة الأم السيد : عبد الجليل البلكرامي والعروض والقوافي عن خاله : السيد محمد وبايع السيد : لطف الله البلكرامي المتوفى سنة 1143 ، ورحل إلى البيت العتيق ولذلك قصة عريضة طويلة ذكرها في ( سبحة المرجان ) و ( تسلية الفؤاد ) وغيرهما بعبارة أحلى من العسل المصفى ومر في هذه الرحلة على بلدة بهوبال المحمية وقرأ بالمدينة المنورة صحيح البخاري على الشيخ : محمد حياة السندي وأخذ عنه إجازة الصحاح الستة وسائر مقروءاته وصحب الشيخ : عبد الوهاب الطنطاوي المصري المتوفى سنة 1157 وأخذ عنه فوائد جمة وعرض عليه تخلصه آزاد فقال : أنت من عتقاء الله تعالى فاستبشر بهذه الكلمة وأرخ لحجه بلفظ : عمل ( 3 / 251 ) أعظم

(3/250)


ورحل إلى الطائف وزار هناك قبر سيدنا : عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - ثم رجع إلى الهند وأرخ له لفظ : ( سفر بخير ) وألقى عصا التسيار بأورنك آباد وأقام في تكية الشاه : مسافر الغجدواني المتوفى سنة 1126 ه عند شاه محمود المتوفى في سنة 1175 سبعة أعوام وحصل بينه وبين نواب نظام الدولة : ناصر جنك خلف نواب نظام الملك : آصف جاه الموافقة فأحبه حبا شديدا ورفعه مكانا عليا وكان لا يدعه في الظعن والإقامة حتى فاز برتبة الشهادة في سنة 1164 ، وكان يوما راكبا على الفيل وآزاد أيضا على فيل آخر فأنشد :
هو ناصر الإسلام سلطان الورى ... أبقاه في العيش المخلد ربه
حاز المناقب والمآثر كلها ... جبل الوقار يحبنا ونحبه
ولم ينظم قط في مدح غني بيتا إلا هذين وكان نزيلا بأورنك آباد ثابتا في مقام الفقر والفناء مجتمعا كالمركز في دائرة الانزواء ولما توفي نظام الملك في سنة 1161 ، وتولى نظام الدولة رياسة الدكن بالغ في اختياره لمنصب من مناصب الإمارة فأبى ونفض الذيل عن الهبا وقال :
هذه الدنيا مثل نهر طالوت غرفة منه حلال والزيادة عليها حرام وأنشد :
عصابة أعطوا العافين سلطنة ... أن سلموني لنفسي فهو مغتنم

(3/251)


وله مصنفات : جليلة ممتعة مقبولة منها :
( ضوء الدراري شرح صحيح البخاري ) إلى آخر كتاب الزكاة وقفت عليه وذكرت أوله في كتابي : ( الحطة بذكر الصحاح الستة ) و ( تسلية الفؤاد ) و ( سبحة ( 3 / 252 ) المرجان ) و ( شفاء العليلي ) في المؤاخذات على المتنبي في ديوانه و ( غزلان الهند ) و ( سند السعادة ) و ( سرو آزاد ) وخزائنه عامرة ويده بيضاء و ( روضة الأولياء ) و ( مآثر الكرام ) و ( تاريخ بلكرام ) ورسائل أخر وديوانان وما ظهر في الهند قبله من يكون له ديوان عربي ومن يكون له عشر عربي على هذه الحالة وقرر نصاب القصيدة أحدا وعشرين بيتا إلى أحد وثلاثين وهي الدرجة الوسطى التي تريح الأسماع ولا تمل الطباع وجملة أشعاره في الدواوين : ثلاثة آلاف وأرسلها إلى بعض الفضلاء بالمدينة المنورة فعرضها على الروضة الخضراء وأوصلها إلى داخل شباك القبة الغراء والأمثلة المترشحة من قلمه في كتاب ( سبحة المرجان ) زائدة على ثلاثين ألف

(3/251)


هذا آخر ما لخصته من كتابه المذكور وله الدواوين السبعة بالعربية تغزل فيها وأكثر من مدحه - صلى الله عليه وسلم - وهي موجودة عندي
وله : ( مظهر البركات ) في البحر الفارسي واللسان العربي على وزن المثنوي أجاد فيه كل الإجادة وقد ذكرت ترجمته أيضا في كتاب : ( إتحاف النبلاء ) وأوردت طرفا صالحا من أشعاره الغراء
وله : ثلاثة ديوان أخر غالبها مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يعرف لأحد من علماء الهند من يكون له الشعر العربي بهذه الكثرة والمثابة وأعطي لقب : حسان الهند من جهة الأستاذ
وتوفي في سنة 1194 ، في بلدة أورنك آباد ودفن بالموضع الذي يعرف : بالروضة - أحله الله تعالى في روضة الجنان وخصه بنعيم الروح والريحان

(3/252)


السيد : جان محمد البلكرامي

(3/252)


هو ابن عم السيد : عبد الجليل العلامة الواسطي . ( 3 / 253 )
ولد في سنة 1083 ، وكان أبوه : السيد معين الدين صاحب دار العدالة ببلدة ملتان أقره على هذه ناظمها : نواب مكرم خان خلف نواب شيخمير في عهد عالمكير وحفظ القرآن وأخذ القراءة ثم رتع في رياض العلوم وارتقى بها إلى أعالي الغصون فحاول من كل فن طرفا صالحا وتناول من كل نوع وزنا راجحا واكتسب قلم النسخ في غاية الملاحة وكان يتكلم بالفارسية في نهاية الفصاحة ثم خرج من الوطن شوقا إلى الحج وذهب إلى بغداد وسر من رأى ومنها إلى نجف وكربلاء وطوس ومنها إلى البيت الحرام وأدى مناسك الركن والمقام وسار إلى المدينة وأقام بها متمنيا للموت وكان يجلس بالمسجد النبوي ويصحح المصاحف إلى أن توفي في سنة 1149 ، ودفن بالبقيع
ومدحه السيد آزاد بقصيدة بليغة في ( تسلية الفؤاد ) أولها :
حي الغمام بساكب هتان ... أرضا هناك أو أنس الغزلان
ومنها :
طوبى لقوم هاجروا وتوطنوا ... تلك الديار ومعادن الإيمان
وذكر فيها قصة هجرته إلى الحرمين وما وقع له في هذا البين

(3/252)


المولوي : فضل الحق العمري الحنفي الماتريدي الجشتي الخير آبادي

(3/253)


ولد بها في سنة 1212 ، يرجع نسبه إلى سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
تتلمذ على أبيه الفاضل : فضل إمام وسمع الحديث على الشيخ الأجل : عبد القادر بن مسند الوقت الشاه ولي الله المحدث الدهلوي وحفظ الكتاب في أربعة أشهر وفرغ عن اكتساب العلوم وهو ابن ثلاث عشرة سنة وأخذ الطريقة عن : شاه دهو من الدهلوي وصار بارعا في : علم المنطق والحكمة والفلسفة والعربية والكلام والأصول والشعر ونظمه : يزيد على أربعة آلاف شعر وغالب قصائده مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعضها : في هجو الكفار والفساق
أتته الطلبة للاشتغال عليه من بلاد بعيدة فدرس وأفاد وألف وأجاد إلى أن حبس على يد الإفرنج وأرسل ( 3 / 254 ) به إلى جزيرة رنكون فتوفي بها ثاني عشر صفر من سنة 1278
كان إمام وقته في العلوم الحكمية والفلسفية بلا مدافع غير أنه وقع في أهل الحق ونال منهم على تعصب منه وكان السبب في ذلك : قلة الخبرة منه بعلوم السلف وطريقتهم في الدين واتباعهم للأدلة الواردة عن سيد المرسلين مع ميل إلى البدع التي يستحسنها المقلدة ولذا انتقد عليه عصابة من علماء الحق تواليف في ذلك
ومن مؤلفاته : ( رسالة : الجنس الغالي في شرح الجوهر العالي ) و ( حاشية شرح السلم ) للقاضي مبارك و ( حاشية الأفق المبين ) لباقر داماد و ( حاشية تلخيص الشفاء ) لابن سينا و ( الهداية السعيدية في الحكمة الطبيعية ) و ( رسالة في : تحقيق العلم والمعلوم ) و ( الروض المجود في تحقيق حقيقة الوجود ) و ( رسالة في : تحقيق الأجسام ) و ( رسالة في : تحقيق الكلي الطبعي وفي التشكيك وفي الماهيات ) و ( تاريخ فتنة الهند ) . . . إلى غير ذلك

(3/253)


وله : نظم رائق وشعر فائق لولا انه أكثر فيه من التجنيس الذي ينبو عنه السماع وتأباه الطباع وقصائد وغزليات وتقاريظ وأدبيات جمعها الشيخ الأديب : جميل أحمد البلكرامي - المرحوم - في مجموع وشرح معانيها وقد رأيت الشيخ : فضل الحق بدهلي زمان الطلب وهو كهل في المسجد الجامع وقد أتى هناك لصلاة الجمعة وزيه زي الأمراء دون العلماء وكان بينه وبين أستاذي الشيخ العلامة : محمد صدر الدين خان الدهلوي - صدر الصدور بها - مودة أكيدة ومحبة شديدة لأنهما كانا شريكين في الاشتغال على أستاذ واحد وعلى أبيه الفاضل : فضل إمام ومع ذلك يسخط أستاذي عليه في بعض أموره
منها : رده على الشيخ الحافظ الواعظ المحدث الأصولي الحاج الغازي الشهيد : محمد إسماعيل الدهلوي ويقول : لا أرضى منك ذلك وليس هذا بعشك ثم رأيت ( 3 / 255 ) ولده : الفاضل الفلسفي المولوي الشيخ : عبد الحق بن فضل حق في سفري إلى دهلي في سنة 1294 ، فوجدته أيضا كهلا في العمر وبارعا في العلم ومهذبا في الخلق وقد كتب كراسة في الشرح لرسالتي في أصول الفقه المسماة : ( بحصول المأمول من علم الأصول ) وهي داله على سعة علمه في هذا الفن - حياه الله وبياه - والذي لا يرتضيه منه أهل العلم بالكتاب والسنة مشيه على طريقة أسلافه من : الانهماك في الفلسفة وما يليها وعدم المبالاة بالعلوم الإسلامية وما يضاهيها - والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم

(3/254)


ولطالما خطر ببالي أن أكتب كتابا مستقلا في : تراجم علماء الهند وفضلائها إلى أن سودت أوراقا في ذلك ثم شغلني عنها عوائق الزمان ولم يتيسر لي تهذيبها إلى الآن - ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا - فاقتصرت في هذا الكتاب - هذه الساعة - على ذكر جماعة خاصة منهم مشهورة وأعرضت عن ذكر الباقين - لا سيما المعاصرين - لوجوه ليس هذا موضع ذكرها كيف وليس في المعاصرين من يكون في طبقة الراسخين من العالمين ؟

(3/255)


المولوي : محمد باقر النائطي المدراسي

(3/255)


المتخلص : بآكاه أصله من بيجابور وولد في ديلور في سنة 1158 ، كان عالما شاعرا يعرف العلوم العجيبة والفنون الغريبة لم يقم من كرنائك مثله في الفضائل الجليلة ولم يدرس في بلدة مدراس غيره من أهل الفواضل الجميلة له يد طولى في الأدب وبراعة كاملة في لسان العرب وقفت له على أبيات في الرد على الشيعة وكان شافعي المذهب
مات - رحمه الله - في سنة 1220 الهجرية

(3/255)


الشاه : عبد القادر المتخلص : بمهربان المعروف : بالفخري

(3/255)


أصله من السادة النقوية الساكنة بنيشابور انتقل بعض أسلافه إلى قصبة كنتور - من مضافات لكهنؤ - ووالده : السيد شرف الدين خان ألقى عصا التسيار ببلدة أورنك آباد واختص بقضاء بلدة ( روضة ) وهناك ولد الفخري في سنة 1143 ، وحفظ القرآن ( 3 / 256 ) واكتسب العلوم العقلية والنقلية ودرس وطالع كتب : التفسير والحديث والتصوف حتى صار بارعا في ذلك كله ولبس خرقة الطريقة القادرية يتخلص مرة : بالفخري وأخرى : بمهربان له شعر مدون ذكر له أستاذه : آزاد ترجمة في تذكرته وأثنى على ذكائه وفطنته كثيرا جلس على كرسي الإفادة ومسند الإرشاد وأفنى عمره في هداية العباد وتكميل الزهاد
ورحل في أواخر المائة الثانية عشر إلى ( مدراس ) وأقام بها مفيدا مفيضا وعظمه نواب والاجاه تعظيما جليلا وحسن العقيدة فيه إلى أن مات - رحمه الله - في سنة 1204 ، ودفن بخانقاه الواقع بقصبة ميلابور من مضافات مدراس

(3/255)


الشيخ الفاضل المفيد القاضي المفتي : محمد سعد الله المراد آبادي

(3/256)


- رحمه الله - لم أره ولكن كان بيننا وبينه الكتابة والخط أهدى إلينا رسائل من مؤلفاته وأتحفت إليه كتبا من مصنفاتي فاستحسنها كثيرا وأثنى عليه ثناء كبيرا وطلبت من ترجمته فكتب إلينا ما تعريبه :
ولدت بمراد آباد في سنة 1219 ، تاريخه : ( ظهور حق ) وأيضا ( بيدار بخت ) اكتسبت في زمن الصبا الكتب الفارسية من معلمي المكاتب ورحلت إلى رامفور ونجيب آباد مراهقا وقرأت مختصرات الصرف والنحو عند المولوي : عبد الرحمن القهستاني - تلميذ بحر العلوم الملا : عبد العلي اللكنوي - وفي سنة 1239 وصلت إلى دهلي وحضرت في مجالس الوعظ للشاه : عبد العزيز وغيره من أكابر البلدة وكان يحلل الغوامض المستفسرة عنها بالإرشادات اللسانية وحصلت بعض الكتب الدرسية من المولوي : محمد حياة اللاري الفنجاني وأخوند شير محمد خان الفاضل والمفتي الكامل : محمد صدر الدين خان
ثم رحلت في سنة 1243 إلى بلدة لكهنؤ وأكملت التحصيل في خدمة المولوي : محمد أشرف والمولوي : محمد ظهور الله والمولوي : محمد إسماعيل المراد آبادي والمولوي : حسن علي المحدث وأقمت هناك مدة اثنتين وعشرين سنة وسافرت ( 3 / 257 ) في سنة . . . إلى الحرمين الشريفين ورجعت إلى لكهنؤ وبعدما انقلبت سلطنة أود وتسلطت عليها النصارى جئت إلى رامفور قبل الفساد الواقع في مملكة الهند وأنا نزيلها إلى يومنا هذا

(3/256)


ومن مؤلفاته : ( القول المأنوس في صفات القاموس ) و ( ميزان الأفكار شرح معيار الأشعار ) و ( نوادر الوصول في شرح الفصول ) و ( حاشية شرح السلم ) لحمد الله و ( حاشية شرح الجغميني ) و ( زاد اللبيب إلى دار الحبيب ) و ( محصل العروض ) مع شرحها . . . إلى غير ذلك مما لم يتم . انتهى بلفظه الشريف
وقد طلبته لقضاء بلدة بهوبال المحمية وأراد الرحلة إليها لكن سبق القضاء فتوفي - رحمه الله - في سنة 1293 الهجرية

(3/257)


وطلبت منه تراجم علماء بلدة رامفور فكتب شيئا منها وذكر منهم :
المولوي : محمد حسن السهالوي اللكنوي وكتب أنه كان من أشهر علماء هذه البلدة جاء في عهد نواب فيض الله خان إلى رامفور وأقام بالمحلة المعروفة : بالمدرسة وله أولاد
والمولوي : محمد إسحاق
والمولوي : موسى
والمولوي : عبد الله وهؤلاء الثلاثة هاهنا ورأيت له ولدين بلكنؤ وهما : المولوي غلام يحيى والمولوي غلام زكريا
ومن مؤلفاته : ( شرح السلم والمسلم ) و ( الحواشي : على الزواهد وعلى شرح هداية الحكمة ) و ( الشمس البازغة ) و ( معارج العلوم ) وغيرها وهي معروفة
ومن أرشد تلاميذه : المولوي : محمد مبين اللكنوي والمولوي : عماد الدين اللبكني مات - رحمه الله - في رامفور ودفن بمقبرة نواب محمد علي خان والد نواب أحمد علي خان تشرفت بزيارته حيا

(3/257)


ومنهم : الملا عبد العلي بحر العلوم قدم برامفور في زمن نواب فيض الله ( 3 / 258 ) خان وتقررت له وظيفة مائة ربية في كل شهر ثم سافر بعد سنة إلى مدراس وعظم قدومه نواب محمد علي خان والي صوبة أركات له من التأليفات : الحواشي والتعليقات والشروح على أكثر الكتب الدرسية وكان شديد البغض لمذهب الرفض مات بمدراس - رحمه الله -
وكان حينئذ برامفور الملا : عمران والد المولوي : خليل الرحمن - صاحب حاشية الدوار على الدائر - والمولوي : رستم علي والمولوي : غلام بني الشاهجهانفوري ولهما : حواش على رسالة مير زاهد والمولوي : محمد جيلاني - صاحب جنكنامه - وهؤلاء كلهم تتلمذوا على بحر العلوم

(3/257)


ثم اشتهر الملا : أحمد الولايتي - تلميذ المولوي : بركت - في العلوم الدرسية والفلسفية اشتهارا وإليه تنتهي سلسلة علماء هذه البلدة وكان المفتي : شرف الدين ختنا له تتلمذ على أحمد جماعة من أهل العلم منهم :
المولوي : رستم علي والمولوي : هدايت علي وغيرهما
ومن أكابر علماء هذه البلدة :
المولوي : سلام الله من أولاد الشيخ : عبد الحق الدهلوي كان جامعا للمعقول والمنقول عارفا بالحديث مشهورا به له : ( الكمالين حاشية الجلالين ) و ( المحلى شرح الموطأ ) و ( ترجمة صحيح البخاري بالفارسي ) و ( ترجمة الشمائل للترمذي ) أيضا ولد له المولوي : نور الإسلام وبرع في العلوم العقلية والنقلية - لا سيما علم الرياضي

(3/258)


ومنهم : السيد المولوي : حيدر علي جاء في صغر السن وتتلمذ على المولوي : عبد الرحمن القهستاني الدكني أولا وعلى المولوي : محمد جيلاني ثانيا وكمل التحصيل وتزوج بابنته واختص بختانته وكان بارعا في علم الطب له يد طولى ( 3 / 259 ) في ذلك خرج في آخر عهد نواب أحمد علي خان إلى طونك وارتفع بها شأنه وقدرته ومات هناك
قلت : له تقريظ على رسالتنا المسماة : ( بكلمة الحق في رد علم المولد ) وكان من أحباب والدنا المرحوم وكان بيننا وبينه الخط والكتابة وكان قصير القامة نحيف البدن ومن مؤلفاته : ( صيانة الأناس عن وسوسة الخناس ) بالهندية و ( رسالة في : إثبات رفع اليدين في المواضع الأربعة من الصلاة ) حررها ردا على المولوي : محبوب علي الدهلوي بالفارسية وكان يدرس ويطبب وينفع الناس . انتهى قولي

(3/258)


وأما الموالي الآخرون الذي اجتمعوا في رامفور وهم : الملا : محمود الولايتي والملا : كمال - والد المولوي : جلال الدين - والملا : عبد اللطيف الفقيه والملا : نسيم المنطقي والملا : جمال الصيرفي والملا : عبد الرحيم والملا : عبد الله البكلوي والملا : غفران المعروف : بروايت كش والمولوي : محمد حياة والمولوي : محمد علي - ابن أخت زوجة المفتي : محمد شرف الدين - والمولوي : إسحاق - ولد الملا : أحمد المذكور - . . . إلى غير ذلك فلم تبق منهم آثار التأليف وكان الملا : عياض - تلميذ المفتي : محمد شرف الدين - رجلا بحاثا يباحث ويناظر كل واحد له كتاب : ( دستور المنتهى ) في الصرف ألفه في مقابلة دستور المبتدي واختار لفظ الشك والفك مكان السؤال والجواب واصطلح عليهما فيه
ومن مؤلفات المفتي : شرف الدين : ( كتاب سراج الميزان ) في المنطق
و ( شرح السلم إلى مقام لا يحد ولا يتصور ) وبعض الفتاوى الفقهية
قلت : وكان شرا في الدين لا شرف الدين كما سماه بذلك سيدي الوالد - قدس سره -
وكان أبعد خلق الله من السنة مع حفظ الحواشي والشروح الكثيرات للكتب الدرسية المتداولة منتصرا للبدعة رادا على أهل الحق بخرافاته محبا للدنيا - عفا الله عنه ما جناه

(3/259)


وأما علماء هذا العهد فمنهم :
المولوي : عبد الحق بن المولوي : فضل حق ( 3 / 260 ) والفاضل المولوي : حيدر علي الفيض آبادي - صاحب ( منتهى الكلام ) - والمولوي : سديد الدين خان - ولد المولوي : رشيد الدين خان الدهلوي - والمولوي : عبد العلي المنطقي والمولوي : حسن شاه المحدث والمولوي : محمود عالم والمولوي الحافظ : لطف الله - ولدنا - . انتهى كلام المفتي : محمد سعد الله - رحمه الله - مع زيادة يسيرة عليه
وقد لاقيت الأول والثاني من هؤلاء الجماعة ببلدة بدهلي وتأتي إلينا خطوطهم

(3/259)


وممن يعد في العلماء ببلدة رامفور : إرشاد حسين ولكنه ليس برشيد ولا مرشد بل رجل متصوف متفلسف مقلد وأي مقلد - والمهدي من هداه الله -
والمولوي : لطف الله - ولد المولوي المفتي : محمد سعد الله - جاء إلى بهوبال وصار ملازما بالرياسة وجدته عالما صالحا ذا متانة وتقاوة على قدم أبيه المرحوم ولما توفي والده ترك التعلق ورحل إلى رامفور وصار هناك قائمقام أبيه - لطف الله به وأحسن إليه - وقد أعاننا على بعض الكتب المطلوبة لنا بالاستعارة - جزاه الله خيرا

(3/260)


الشيخ : عبد الغني بن أبي سعيد العمري

(3/260)


نزيل المدينة المنورة حالا ولد في شعبان سنة 1235 بدهلي - دار ملك الهند - حفظ القرآن واقتنى الفقه على مذهب النعمان وحصلت له الإجازة من علماء الهند والحجاز فاشتغل بدرس الحديث ورواية الأثر ببلدته وألف ذيلا على سنن ابن ماجة سماه : ( إنجاح الحاجة ) وقد طبع على هامشها بدهلي وله غير ذلك من المؤلفات
ثم لما وقعت الفتنة في الهند وتسلط العلوج على دهلي توجه في رهطه إلى أرض العرب فقدم مكة المكرمة أولا ورحل إلى المدينة المنورة ثانيا وهو اليوم نزيلها مواظب على ما عوده من الوظائف رأيته بدهلي مرارا ثم لقيته بالطيبة الطابة آخرا في سنة 1285 - سلمه الله تعالى

(3/260)


ومشائخه الذين أخذ منهم العلم وانتفع بهم جمع أجلة منهم : ( 3 / 261 )
والده : الشيخ أبو سعيد قرأ عليه كتاب الموطأ لمحمد بن حسن الشيباني وأخذ منه طريقة الصوفية وصار مجازا بها وبسائر ما وصل إليه من أشياخه وصحبه في حجته وحصلت له دعوة بركته
ومنهم : الشيخ مخصوص الله بن مولانا رفيع الدين الدهلوي قرأ عليه كتاب المشكاة للخطيب التبريزي وكان مقريا في دروس عمه الشيخ : عبد العزيز بعد ما توفي أبوه رأيته بمنزله في دهلي ووجدت فيه عصبية على بعض الفقهاء الحنفية وكان موصوفا بالصلاح مات في سنة 1273
ومنهم : الشيخ أبو سليمان : إسحاق - ابن بنت الشيخ عبد العزيز - وأخذ من جده المذكور وجلس بعده مجلسه وكان معروفا بالزهد والصلاح وله مؤلفات بالفارسية يتعاطاها عوام أهل الهند هاجر إلى مكة المكرمة وأقام بها سنين ثم توفي بها عام 1262
ومنهم : الشيخ محمد عابد السندي الأنصاري نزيل المدينة المنورة قرأ عليه بعض صحيح البخاري وأجاره بباقيه وكتب له الإجازة العامة برواية الكتب السنة التي أوردها في كتابه : ( حصر الشارد )
ومنهم : الشيخ أبو زاهد إسماعيل بن إدريس الرومي ثم المدني أجازه كذلك إجازة عامة مكاتبة - والله أعلم بالصواب - ثم توفي - رحمه الله - سنة 1296 ، بالمدينة المنورة

(3/260)


علماء قنوج

(3/261)


الشيخ الأجل : علي أصغر بن الشيخ : عبد الصمد القنوجي البكري الكرماني

(3/261)


من أولاد الشيخ : عماد الدين الكرماني - صاحب ( الفصول العمادية ) - ( 3 / 262 ) كان من أعيان علماء قنوج وأكابرها
ولد في سنة 1051 ، وأخذ العلوم الدرسية المتداولة عن السيد العلامة : محمد القنوجي وأتم المتوسطات والمطولات في حلقة درس السيد : عصمة الله السهارنقوري وقرأ فاتحة الفراغ عند الشيخ الكامل : ملا محمد زمان الكاكوروي وصار بارعا في جميع العلوم النقلية والعقلية إماما في التصوف والسلوك له مصنفات
منها : ( اللطائف العلية في المعارف الإلهية ) على طريقة كتاب ( فصوص الحكم ) لابن عربي الطائي
ومنها : ( تبصرة المدارج ) في علم السلوك جمع فيه ما استفاده من شيخه : بير محمد الجونفوري المولد اللكهنوي المحتد
ومنها : ( القصيدة المهيمنية في النفحة المحمدية ) وشرحها المسمى : ( بالنفائس العلية في كشف أسرار المهيمنية )
ومنها : تفسير القرآن الكريم المسمى : ( بثواقب التنزيل ) مختصر على هيئة ( تفسير الجلالين ) لكن أحسن منه في البلاغة والمتانة
وله : ( شرح فصوص الحكم ) وملخصه
ينتهي نسبه إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه

(3/261)


قال السيد غلام علي آزاد البلكرامي - رحمه الله - في ( مآثر الكرام ) : خرج بعض آبائه من المدينة المنورة بتصاريف الزمان وتوطن بكرمان وارتحل الشيخ : مبارك بن عماد الدين الكرماني من كرمان الهند وأقام ببلدة قنوج وتوطن بها وفيها أعقابه إلى الآن شارك الشيخ : علي أصغر في تحصيل العلم مع الشيخ : أحمد ملا جيون - صاحب ( نور الأنوار ) - ولبس الخرقة من الشيخ : بير محمد اللكهنوي واستجاز فأجاز وبايعه وجلس في الأربعينات ورجع إلى قنوج واختار العزلة إلى آخر العمر ودرس ستين سنة بلغ خلق كثير في حوزة درسه إلى منتهى الفضيلة أدركت ( 3 / 263 ) صحبته مرارا ووجدته ذاتا مقدسا مباركا
توفي في سنة 1140
وقلت : تاريخه بالفارسية :
مولوي زمان علي أصغر ... أزوفاتش كما شد معدوم
منال تاريخ أونوشت خرد ... شد نهان آفتاب صبح علوم
انتهى كلامه مترجما 1140 ه

(3/262)


السيد : إمام والسيد : حسن والسيد : صدر الدين القنوجي

(3/263)


كانوا من مشاهير علماء هذا البلد في عهد السلطان : سكندر اللودي في سنة 604 وكان السيد : صدر الدين ملازما ركاب السلطان في كل حين وأوان

(3/263)


الخواجه : محمد بن عبد الرحمن القنوجي

(3/263)


كان سيدا عالما كبيرا وعارفا سالكا من سادات رسول دار له معارف وحقائق جيدة وفضائل شهيرة
رحل إلى الحرمين الشريفين ولقي مشائخهما واستفاد منهم ثم رجع إلى قنوج وبها توفي مزاره يزار
له كتاب سماه : ( هداية السالكين إلى صراط رب العالمين ) ألفه لابن السلطان المسمى : بشاه عالم بهادر وهو في علم التصوف والسلوك على طريقة كتاب ( قوت القلوب ) لأبي طالب المكي و ( إحياء العلوم ) للغزالي لم أقف على تاريخ وفاته - رحمه الله

(3/263)


الشيخ : ياسين القنوجي

(3/263)


كان من أساتذة الوقت وأعيان العصر والفضلاء الكاملين المكملين تتلمذ عليه خلق كثير وبلغوا إلى منتهى الفضيلة
منهم : السيد : مربي بن السيد : عبد النبي بن السيد : الطيب البلكرامي وملا : فيضي الأمروهي وقد ذكر لهذين ترجمة السيد : آزاد البكري - رحمه الله - في كتابه : ( مآثر الكرام تاريخ بلكرام )

(3/263)


المولوي : محمد فصيح الدين

(3/263)


كان من شيوخ بلدنا قنوج ومن علمائها الكاملين اشتغل بالدرس والعبادة وبالغ في الإفاضة والإفادة حتى أتاه اليقين ولقي الله رب العالمين . ( 3 / 264 )

(3/263)


المولوي : عليم الدين بن الشيخ : فصيح الدين

(3/264)


- المذكور - كان في الفضائل : أنموذج السلف الصلحاء وفي العلوم العربية : تذكار العرب العرباء تتلمذ على الشيخ العلامة : عبد الباسط القنوجي وأتم الكتب الدرسية من البدء إلى الغاية في حلقة درسه وحوزة إفادته ودرس عمرا وألف كتبا منها : ( عين الهدى شرح قطر الندى ) في النحو و ( درر الفضائل في شرح الشمائل ) و ( الرسائل ) في علم المنطق وعام تأليف ( عين الهدى ) سنة 1211

(3/264)


المولوي : نعيم الدين هو أخو الشيخ : عليم الدين

(3/264)


والابن الصغير للشيخ : فصيح الدين كان في أخذ العلوم وتحصيل الكمالات العلمية تلو أخيه الكبير تتلمذ على العلامة : القنوجي عبد الباسط
ومن مصنفاته : ( شرح تصديقات سلم العلوم ) و ( الحاشية على صدرا ) في الحكمة

(3/264)


المولوي : رستم علي بن العلامة : علي أصغر القنوجي

(3/264)


عالم ابن عالم وفاضل ابن فاضل من بيت العلم المشهور والحي الذي بالفضائل مذكور
ولد في سنة 1115 ، اكتسب العلوم المتداولة وكتبها المطولات من : أبيه العارف وأتمها بعد وفاته في حلقة درس ملا : نظام الدين اللكهنوي في سنة 1240 ، وجلس على صدر الإفادة مقام والده وعلم ودرس وألف
ومن مصنفاته : تفسير القرآن الكريم المسمى : ( بالصغير ) و ( شرح على المنار في غاية من الاختصار )

(3/264)


المولوي : محمد عبد العلي القنوجي

(3/264)


أخو : الشيخ رستم علي - المذكور - كسب العلوم من أخيه وصار بارعا في كل فن نبيه له : ( حاشية على شرح المنار ) في أصول الفقه
توفي بقصبة : بندكي - من توابع : كوره جهان آباد

(3/264)


المولوي : حسين علي بن علامة العصر : عبد الباسط القنوجي

(3/264)


أخذ العلوم عن أبيه الماجد وتصدى في حياته للدرس وأفاد الطلبة وأفاضهم . ( 3 / 265 )
ومن مؤلفاته : كتاب : ( تمرين المتعلم ) في الصيغ المشكلة والتعليلات الصعبة
توفي بعد أبيه بخمسة أشهر وعمره : أربع وعشرون سنة في سنة 1223 ، ودفن عند أبيه - رحمة الله على شبابه وبوأه في دار النعيم وخصه بثوابه

(3/264)


المولوي : غلام حسنين بن المولوي : حسين علي بن الشيخ العلامة : عبد الباسط القنوجي

(3/265)


ولد في سنة 1221 ، واسمه التاريخي : ( غلام عليم ) تتلمذ على الشيخ العالم : محمد سعادت خان الفرخ آبادي المتوكل المشهور
وعلى العلامة : محمد ولي الله المفتي الفرخ آبادي وأخذ عنه علم الحديث والتفسير في سنة 1336 ، ورحل إلى الحرمين الشريفين وأقام في برودة - من أرض كجرات - وحج في سنة 1255 ، وصحب هناك الشيخ : عبد الله سراج والشيخ : شمس الدين شطا والسيد : عمر أفندي وغيرهم من أهل مكة المكرمة واستجاز بالمدينة المشرفة الشيخ : محمد عابد السندي فأجازه بكتب الصحاح والسنن المشهورة وزار القرآن العثماني واشتغل بكتب التصوف وطالعها
له من التأليفات : ( ذيل كتاب المنازل الإثنا عشر ) لجده وقد قاسى في تكميله جهدا بليغا لاقيته مرارا وصحبته في صغر سني ببلدة قنوج وارتحل إلى برودة وسافر في آخر عمره إلى الحرمين الشريفين وحج وزار ثم رجع فلما بلغ ( بندر بمبئى ) مرض وتوفي في سنة . . . الهجرية - رحمه الله

(3/265)


المولوي : محمد أمجد القنوجي

(3/265)


كان من كبار الفضلاء وأعاظم العلماء من أهل قنوج تتلمذ على الشيخ العارف : علي أصغر القنوجي وبلغ الغاية في الكمال ودرس وألف وله : ( حاشية على صدرا ) في الحكمة متداولة في ديارنا لم أقف على تاريخ وفاته

(3/265)


الشيخ المولوي : فتح علي القنوجي

(3/265)


كان قاضيا بها أبا عن جد تتلمذ على ملا : علي أصغر القنوجي وحصل الحيثية العلمية المعتد بها وفاق الأقران وكان له مناسبة تامة بكل علم ومن مؤلفاته : ( حاشية على شرح التهذيب الجلالي ) و شرح لمقامات أبي ( 3 / 266 ) القاسم الحريري

(3/265)


السيد : محمد القنوجي

(3/266)


هو من سادات رسول دار كان أستاذا للسلطان : عالمكير أورنك زيب ومن صالحاته الباقية : عمارة بيت المسافرين الذي لم يعهد مثله في هذه الديار وله بستان فيه مقبرة عظيمة فيها قبره كان له اليد الطولى في العلوم الرياضية والعربية ألف : ( حاشية على المطول ) وكان معظما ذا جاه وثروة ودولة عظمى جامعا بين رياسة العلم والحكومة والشرافة له أعقاب في تلك البلدة لكن كلهم جهلاء متشيعون

(3/266)


الشيخ : عبد الوهاب الراجكيري

(3/266)


المخاطب بنواب منعم خان بهادر وراجكير : محلة من محلات قنوج كان فاضلا جيدا وعالما نبيلا له اليد الطولى في العلوم المتداولة والتصانيف المفيدة في الفنون الدرسية المتناولة منها : ( مفتاح الصرف ) و ( بحر المذاهب ) في الكلام و ( كتاب الصدرة ) في علم العقائد وعندي منها شيء يسير

(3/266)


الشيخ العارف : حبيب الله القنوجي

(3/266)


هو من مشائخ قنوج اكتسب العلوم الدرسية وبرع فيها ثم توغل في السلوك والتصوف وصار رأسا في ذلك العلم والعمل وقصر نفسه على إرشاد الخلق إلى الله تعالى وذكره - سبحانه - وكان معاصر الملا : علي أصغر القنوجي
ومن مؤلفاته : ( الجواهر الخمسة ) و ( تذكرة الأولياء ) و ( روضة النبي في السير ) و ( أنيس العارفين ) و ( الفاضل ) في الفقه
ومن آثاره الباقية إلى الآن : مسجد وخانقاه وروضة فيها قبره
قال السيد : غلام علي آزاد في ( مآثر الكرام ) : توفي في سنة 1140 ، تاريخه : ( الموت جسر يوصل الحبيب إلى الحبيب ) قبره بقنوج وشيخه الشاه : عبد الجليل الإله آبادي الآخذ للطريقة عن الشاه : محمد صادق الآخذ عن الشيخ : أبي سعيد - من أحفاد الشيخ : عبد القدوس الكنكوهي - رحمه الله

(3/266)


سيدي الوالد الماجد المرحوم : حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري ( 3 / 267 ) القنوجي

(3/266)


- قدس الله سره ونور الله مضجعه - ذكرت له ترجمة حافلة في ( إتحاف النبلاء المتقين ) فلا حاجة إلى إعادتها ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله
وهو ابن السيد الأمير الكبير : نواب أولاد علي خان بهادر أنورجنك المتوفي بأرض حيدر أباد الدكن جده القريب : السيد أبو عبد الله جلال الدين حسين المعروف : بمخدوم جهانيان جهان كشت ونسبه الأقصى : ينتهي إلى سيدنا : زين العابدين علي أصغر بن حسين الشهيد بكربلاء - رضي الله تعالى عنه - في سنة 1210
أخذ أوائل العلوم الدرسية من : الشيخ العلامة : عبد الباسط القنوجي ورحل إلى لكهنؤ بعد وفاته فاكتسب عن الشيخ العارف العالم : محمد نور وغيره من علماء عصره وسافر في سنة 1233 إلى دهلي وتتلمذ على الشيخ : عبد العزيز والشيخ : رفيع الدين ابني الشيخ الأجل الشاه : ولي الله المحدث الدهلوي وأخذ الإجازة لكتب التفسير والحديث وغيرهما وصحب السيد الكبير والعارف الشهير : أحمد البريلوي - مجدد المائة الثالثة عشر - وبايعه واستفاض منه فيوضا كثيرة وجاهد معه في سبيل الله وصار خليفة له في دعوة الحق إلى دين الله - تعالى - فرجع إلى الوطن وتمكن به للدرس والإفادة والوعظ إلى آخر العمر وكان في : التقوى والديانة واتباع الحق واقتداء الدليل ورد الشرك والبدع آية باهرة وقدرة كاملة ونعمة ظاهرة من الله - سبحانه وتعالى

(3/267)


وله مؤلفات بالألسنة الثلاثة : الهندية والفارسية والعربية
منها : ( راه سنت ) و ( هداية المؤمنين ) و ( نور الوفا من مرآة الصفا ) و ( رسالة في : معنى الكلمة الطيبة ) و ( رسالة في : رد التعزية والضريح ) و ( رسالة في : آداب التذكير ) و ( رسالة في : آداب البيعة ) وكتاب في الحدود والقصاص سماه : ( بالاختصاص ) و ( تقوية اليقين في الرد على عقائد المشركين ) . . . إلى غير ذلك مما يعسر عدها
توفي - رحمه الله - في سنة 1253 تاريخ وفاته : ( مات بخير ) استخرجه المولوي : ( 3 / 268 ) أمين الدين الجاليسري من لفظ الحديث النبوي - صلى الله عليه وآله وسلم - الواقع في باب المساجد :
موت التقي حياة لا انقطاع لها ... قد مات قوم وهم في الناس أحياء

(3/267)


السيد العلامة : أحمد بن حسن بن علي العرشي القنوجي

(3/268)


أخونا الكبير كان أساسا محكما للمراتب العليا وقياسا منتجا للفضيلة الكبرى ميزان نقد العقليات برهان عدل النقليات ولد تاسع عشر رمضان يوم السبت وقت الإشراق سنة 1246 وأخذ العلوم المروجة والفنون الدرسية متفرقة في بلاد شتى من أساتذة متعددين كبلدة دهلي وغيرها وساح البلاد ولاقى جماعة من أهل العلم المدرسين وبرع في الفضائل وجمع الفواضل المتكثرة : كالرمي بالبندق والركوب على الأفراس ونظم القصائد الغراء في الفارسية والعربية وفاق الأقران في : الذكاء والفطنة وقوة الحافظة وجودة الذهن وتتلمذ على المولوي : عبد الجليل الكولي وأجاز له الشيخ العارف : عبد الغني المجددي الدهلوي - نزيل المدينة المنورة حالا الآخذ لعلم الحديث - عن الشيخ : محمد عابد السندي الراوي عن إمام المحدثين وخاتمة المجتهدين الشيخ : صالح بن محمد العمري المسوفي الشهير : بالفلاني وسمع من الحديث المسلسل بالأولية في سنة 1271 ، وسافر من الوطن قاصدا بيت الله الحرام في سنة 1276 ، فوارد ببلدة برودة - من أرض كجرات - وأقام مدة يسيرة عن المولوي : غلام حسنين القنوجي ثم مرض بالحمى واشتد المرض وانجر إلى الإسهال وكان هناك الوباء فتوفي - رحمه الله تعالى - تاسع جمادى الأولى يوم الجمعة من شهور سنة 1277 ، ودفن بعد صلاة الجمعة في التكية الماتريدية عند مزار السيد : يحيى الترمذي - من خلفاء المخدوم : أخي جمشيد الراجكيري - وكان عمره ثلاثين سنة وسبعة أشهر وعشرين يوما

(3/268)


ولما جاء هذا الخبر ببلدة قنوج حزن عليه جميع أهل البيت وأهل البلد ومن سمع ذلك - لا سيما ( 3 / 269 ) أمه الشريفة - وكنت إذ ذاك ببلدة بهوبال المحمية والله يعلم ماذا صب علي من المصائب والأحزان والنوائب ؟ ولا مفر لأحد من تقدير العزيز العليم ولا فرج بعد الشدة غير الاصطبار كما أمر به القادر الحكيم - فرحمه الله تعالى وإيانا برحمته الواسعة وغفر لنا وله بكرمه العميم - وقد قال تعالى : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ) . وروينا عن عمرو بن العاص أنه قال : مات رجل بالمدينة - ممن ولد بها - فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : يا ليته مات بغير مولده قالوا : ولم ذلك ؟ قال : إن العبد إذا مات بغير مولده قيس ما بين مولده إلى منقطع أثره في الجنة . أخرجه النسائي

(3/268)


وفي حديث ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر . رواه أحمد والبيهقي
والحديث له شواهد ولنعم ما أنشدته عائشة - رضي الله عنها - حين وردت على قبر أخيها : عبد الرحمن وزارته بمكة المكرمة :
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
وعشنا بخير في حياة وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول افتراق لم نبت ليلة معا
ثم إنه رثاه الشيخ : حسن اليمني الأديب بقصيدة أولها :
خطب ألم وفادح قد أوجعا ... بمصاب ركن الدين يوم تصدعا
وقد ذكرت هذه القصيدة في ترجمته الشريفة في كتابي : ( إتحاف النبلاء ) فارجع إليه

(3/269)


ووجدت بخطه :
أما بعد فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بمحروسة قنوج في مبشرة أريتها في اليوم الثامن من رمضان المبارك سنة خمس وستين بعد ألف ومائتين ( 3 / 270 ) من هجرته - صلى الله عليه وسلم - رأيته وهو حسين ولونه أبيض من لون الحنطة ويده لا يشتكي منه قصر ولا طول فرأيت أني أكلت معه الطعام وطال يده - صلى الله عليه وسلم - إلى قصعتي فقربت الإدام إليه فتناوله بيده الشريفة وأخذ كأنه يأكل في قصعتي ولم يبق شيء فقلت : أيتها الحضرة من رآكم في هذا الزمان وصحبكم في المنام هل يعد من أصحابكم ؟ فأجاب بما مفهومه :
إنه لا يعد منهم وأعطاني فلوسا
وسألت عنه - صلى الله عليه وسلم - : ما بال الناس يتركون الحديث بقياس المجتهدين ؟ مع أنهم إنما قاسوا إذ لم يجدوا الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأوصوا أصحابهم بالعمل على الحديث والناس في هذا الزمان قد غلوا في ذلك وكفروا من أرشدهم إلى اتباع السنة المخالفة لمذهبهم فشاهدت آثار الملال في بشرته - صلى الله عليه وسلم - من صنع الناس
هذا وكنت إذا سألته عن شيء أرى جسمي كأنه يمس جسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو - صلى الله عليه وسلم - يتعطف علي ويقبل إلي ووجدت له - صلى الله عليه وسلم - بعد هذه المبشرة محبة عظيمة من قلبي حتى أحببت أن جعلني الله فداه وأقتل في الجهاد وأنا أحميه ووجدته - صلى الله عليه وسلم - يرضى بالعمل للحديث . انتهى

(3/269)


وبالجملة : كان له اليد الطولى في الرد على المقلدة كما يلوح ذلك من كتابه : ( حديث الأذكياء ) الملقب : ( بالشهاب الثاقب ) وغيره وله نظم رائق وشعر فائق بالفارسية والعربية يربو على نظم الأدباء المتقدمين والبلغاء المتأخرين ذكرت جملة صالحة منها في كتابي : ( إتحاف النبلاء ) وتذكرتي المسماة : ( بشمع انجمن ) فارجع إليهما وهو نظير : المحدث العلامة الشيخ : محمد فاخر المتخلص : بالزائر الإله آبادي - تلميذ الشيخ : محمد حياة السندي المدني - في إيثار الاتباع ورفض الابتداع والتمسك بالأدلة والتجنب عن الآراء المضلة

(3/270)


والعبد الضعيف أيضا رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرؤيا ببلدة قنوج رأيته ( 3 / 271 ) جالسا على سرير تحته يجري الماء الصافي فسلمت عليه وجلست على طرف من السرير موضع الحاشية أدبا منه - صلى الله عليه وسلم - مقبلا إليه فقال قولا لم أفهمه حق الفهم لكن قلت في جوابه : أين أنا من هذه الرتبة ؟
ورأيت أن وراء ظهره - صلى الله عليه وسلم - عمارة كالحمام وقلة من رمان فأخذ رمانين منها وجاء إلي وأعطانيهما بيده الشريفة فتناولتهما ووقع لي ذهول ما في أثناء هذا الحال ثم أفقت ورأيت عمارة المدينة المنورة كأنها عمران قديم وديار بالية وسكك خالية ثم تيقظت والعين تجري بدموع وفي القلب من الراحة والسكينة مالا يعلمه إلا الله ثم تأملت في التأويل فوجدت أن الرمانين عبارة عن : العمل بالكتاب والسنة أو السفر إلى الحرمين الشريفين وقد وقع ما أولت - ولله الحمد - ونظمت هذه الرؤيا في أبيات أولها :
رأيت رسول الله في النوم ليلة ... وقد كنت مشتاقا إليه متيما
إلى آخر الأبيات

(3/270)


العبد الفقير لما أنزل إليه من خير الباري : أبو الطيب صديق بن حسن بن علي الحسنين القنوجي البخاري

(3/271)


- كان الله له في الدنيا والآخرة وحباه فيهما بنعمه الذاخرة الوافرة الفاخرة -
تولد في سنة 1248 ، ثمان وأربعين ومائتين وألف القدسية على صاحبها الصلاة والتحية ونشأ بموطنه بلدة قنوج وما إليها من الأقطار الهندية فهو مولده ومسكنه ومرباه ومحتده وداره ومثواه
يرجع نسبه إلى حضرة سيد السادة وقدوة القادة : زين العابدين علي بن حسين السبط بن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه -
تتلمذ العلوم الدرسية على الوجه المرسوم على شيوخ هذا العهد
منهم : الشيخ الفاضل المفتي : محمد صدر الدين خان الدهلوي من تلامذة ( 3 / 272 ) الشيخ : الكامل عبد العزيز وأخيه الشيخ العامل : رفيع الدين ابني الشيخ الأجل مسند الوقت : أحمد شاه ولي الله المحدث الدهلوي - رحمهم الله تعالى

(3/271)


واستفاد العلوم الملية من : التفاسير والأحاديث وما يليهما من مشيخة اليمن الميمون والهند
منهم : الشيخ القاضي : حسن بن محسن السبعي الأنصاري تلميذ الشيخ الماهر : محمد بن ناصر الحازمي تلميذ القاضي الإمام العلامة المجتهد المطلق الرباني : محمد بن علي بن محمد اليمني الشوكاني
والشيخ المعمر الصالح : عبد الحق بن فضل الله الهندي
والشيخ التقي : محمد يعقوب المهاجر إلى مكة المكرمة أخو الشيخ : محمد إسحاق حفيد الشيخ : عبد العزيز المحدث الدهلوي - رحمهم الله تعالى -
وكلهم أجازوا له مشافهة وكتابة إجازة مأثورة عامة تامة
وممن استجاز منه : العالم الكامل والمحدث الفاضل الشيخ : يحيى بن محمد بن أحمد بن حسن الحازمي - قاضي عدن حالا - أجاز له حسب اقتراحه في ذي الحجة سنة 1295 الهجرية والشيخ العلامة زينة أهل الاستقامة السيد : نعمان خير الدين ألوسي زاده - مفتي بغداد حالا - أجاز له في هذا العام الحاضر وهو سنة 1296 الهجرية
ثم طالع بفرط شوقه وصحيح ذوقه : كتبا كثيرة ودواوين شتى في العلوم المتعددة والفنون المتنوعة ومر عليها مرورا بالغا على اختلاف أنحائها وأتى عليها بصميم همته وعظيم نهمته بأكمل ما يكون حتى حصل منها على فوائد كثيرة وعوائد أثيرة أغنته عن الاستفادة عن أبناء الزمان وأقنعته عن مذاكرة فضلاء البلدان

(3/272)


وجمع - بعونه تعالى وحسن توفيقه ولطف تيسيره - من نفائس العلوم والكتب ومواد التفسير والحديث وأسبابها ما يعسر عده ويطول حده . ( 3 / 273 )
وأوعى من ضروب الفضائل العلمية والتحقيقات النفسية ما قصرت عنه أيدي أبناء الزمان ويعجز دون بيانه ترجمان اليراع عن إبراز هذا الشأن - ولله الحمد على ما يكون وعلى ما كان -
ثم ألقى عصا التسيار والترحال بمحروسة بهوبال - من بلاد مالوة الدكن - فنزل بها نزول المطر على الدمن وأقام بها وتوطن وأخذ الدار والسكن
وتمول وتولد واستوزر وناب وألف وصنف وعاد إلى العمران من بعد خراب - وكان فضل الله عليه عظيما جزيلا -
والحمد لله الذي فضله على كثير ممن خلق تفضيلا

(3/272)


ثم اختص - بعونه تعالى وصونه - بتدوين علوم الكتاب العزيز وأحكام السنة المطهرة البيضاء وتلخيصها وتلخيص أحكامها من شوب الآراء ومفاسد الأهواء
وهذا - إن شاء الله تعالى - خاص به في هذا العهد الأخير - والله يختص برحمته من يشاء - كيف ؟ وعلماء الأقطار الهندية وإن بالغ بعضهم في الإرشاد إلى اتباع السنة وقرره في مؤلفاته وحرره في مصنفاته على وجه ثبت به على رقاب أهل الحق والمنة وشمر بعضهم عن ساق الجد والاجتهاد في الدعوة إلى اعتقاد التوحيد ورد الشرك والتقليد باللسان والبيان بل بالسيف والسنان لكن لم يدون أحد منهم أحكام الكتاب العزيز وعلوم السنة المطهرة من العبادة والمعاملة وغيرها خالصة عن آراء الرجال نقية عن أقوال العلماء على هذه الحالة المشاهدة في كتبه المختصرة والمطولة :
( كالروضة الندية )
و ( مسك الختام شرح بلوغ المرام )
و ( عون الباري )
و ( فتح البيان ) و ( رسالة القضاء والإفتاء والإمامة والغزو والفتن والنار ) . . . وغير ( 3 / 274 ) ذلك مما طبع واشتهر وشاع وسارت به الركبان إلى أقطار العالم من : العرب والعجم كالحجاز واليمن وما إليها ومصر والعراق والقدس وطرابلس وتونس والجزائر ومدن الهند والسند وبلغار ومليبار وبلاد الفرس

(3/273)


وهذا من فضل الله تعالى على عباده المؤمنين وكتب إليه علماء الآفاق ومحرروها ومحدثو الديار ومفسروها كتبا كثيرة أثنوا فيها على تلك التواليف ودعوا له بإخلاص الفؤاد لحسن الدنيا والأخرى - تقبل الله فيه هذه الدعوات وختم بالحسنى وأحسن إليه بتيسير المنجيات -
وهذه الخطوط والرقائم قد ألحقت في خواتيم مؤلفاته فانظر إليها في تضاعيف محرراته يتضح لك القول الحق والكلام الصدق - إن شاء الله تعالى -
ثم خوله - سبحانه - من المال الكثير والحكم الكبير والآل السعداء والأخلاف الصلحاء والنسب الحميد والحسب المزيد ما يقصر عن كشفه لسان اليراع ولو كشف عنه الغطاء ما ازداد الواقف عليه إلا يقينا وإن يأباه بعض الطباع
وهو الذي يقول لأخلافه مقتديا بأسلافه بفم الحال ولسان المقال :
: ( اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ) و ( إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار )
وهو قد طعن الآن في عشر الخمسين من العمر المستعار مع ما هو مبتلى به من : سياسة الرياسة وقلة الشغل بالعلم والدراسة وفقد الأحبة والأنصار وتسلط الأعداء الجاهلين بالقضايا والأقدار
والمرجو من حضرة رب العالمين أن يجعله ممن قال فيهم : ( وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) . والحمد لله الذي جعله محسودا ولم يجعله حاسدا وخلقه صابرا شكورا ولم يخلقه فظا غليظ القلب عاندا :
لله در الحسد أعدله ... بدأ بصاحبه فقتله

(3/274)


وهذه أسماء كتبه المؤلفة

(3/274)


على ترتيب حروف المعجم المطبوعة في مطابع بهوبال ( 3 / 275 ) المحمية ومصر والقسطنطينية والشام وغيرها من البلاد العظام - ( ويزيد الله في الخلق ما يشاء ) وهو المتفضل ذو الإنعام

(3/274)


الألف

(3/275)


أبجد العلوم ( ع ) إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء المحدثين ( ف ) الاحتواء على مسألة الاستواء ( ه ) الإدراك لتخريج أحاديث رد الإشراك ( ع ) الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة ( ع ) أربعون حديثا في فضائل الحج والعمرة ( ع ) إفادة الشيوخ بمقدار الناسخ والمنسوخ ( ف ) الإكسير في أصول التفسير ( ف ) إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة ( ع ) الانتقاد الرجيح في شرح الاعتقاد الصحيح ( ع )

(3/275)


الباء الموحدة

(3/275)


بدور الأهلة من ربط المسائل بالأدلة ( ف ) بغية الرائد في شرح العقائد ( ف ) البلغة إلى أصول اللغة ( ع ) بلوغ السول من أقضية الرسول ( ع )

(3/275)


التاء الفوقانية

(3/275)


تميمة الصبي في ترجمة الأربعين من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ه )

(3/275)


الثاء المثلثة

(3/275)


ثمار التنكيت في شرح أبيات التثبيت ( ف ) . ( 3 / 276 )

(3/275)


الجيم

(3/276)


الجنة في الأسوة الحسنة بالسنة ( ع )

(3/276)


الحاء المهملة

(3/276)


حجج الكرامة في آثار القيامة ( ف ) الحرز المكنون من لفظ المعصوم المأمون ( ع ) حصول المأمول من علم الأصول ( ع ) الحطة بذكر الصحاح الستة ( ع ) حل الأسئلة المشكلة ( ف )

(3/276)


الخاء المعجمة

(3/276)


خبية الأكوان في افتراق الأمم على المذاهب والأديان ( ع )

(3/276)


الدال المهملة

(3/276)


دليل الطالب إلى أرجح المطالب ( ف )

(3/276)


الذال المعجمة

(3/276)


ذخر المحتي من آداب المفتي ( ع )

(3/276)


الراء المهملة

(3/276)


رحلة الصديق إلى البيت العتيق ( ع ) الروضة الندية شرح الدرر البهية ( 3 / 277 ) ( ع ) رياض الجنة في تراجم أهل السنة ( ع )

(3/276)


السين المهملة

(3/277)


السحاب المركوم الممطر بأنواع الفنون وأصناف العلوم ( ع ) وهو القسم الثاني من هذا الكتاب : ( سلسلة العسجد في ذكر مشائخ السند ) ( ف )

(3/277)


الشين المعجمة

(3/277)


شمع انجمن در ذكر شعراء زمن ( ف )

(3/277)


الصاد المهملة

(3/277)


الصافية في شرح الشافية ( ف ) في علم الصرف

(3/277)


الضاد المعجمة

(3/277)


ضالة الناشد الغريب من بشرى الكئيب في شرح المنظوم المسمى : ( بتأنيس الغريب ) ( ف )

(3/277)


الظاء المعجمة

(3/277)


ظفر اللاضي بما يجب في القضاء على القاضي ( ع )

(3/277)


العين المهملة

(3/277)


العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة ( ع ) العلم الخفاق من علم الاشتقاق ( ع ) عون الباري بحل أدلة البخاري ( ع ) أربع مجلدات . . ( 3 / 278 )

(3/277)


الغين المعجمة

(3/278)


غصن البان المورق بمحسنات البيان ( ع ) غنية القاري في ترجمة ثلاثيات البخاري ( ه )

(3/278)


الفاء

(3/278)


فتح البيان في مقاصد القرآن ( ع ) أربع مجلدات فتح المغيث بفقه الحديث ( ه ) الفرع النامي من الأصل السامي ( ف )

(3/278)


القاف

(3/278)


قصد السبيل إلى ذم الكلام والتأويل ( ع ) قضاء الأرب من مسألة النسب ( ع ) قطف الثمر من عقائد أهل الأثر ( ع )

(3/278)


الكاف

(3/278)


كشف الالتباس عما وسوس به الخناس في رد الشيعة ( بالهندية )

(3/278)


اللام

(3/278)


لف القماط على تصحيح بعض ما استعملته العامة من الأغلاط ( ع ) لقطة العجلان مما تمس إلى معرفته حاجة الإنسان ( ع )

(3/278)


الميم

(3/278)


مثير ساكن الغرام إلى روضات دار السلام ( ع ) مراتع الغزلان من تذكار أدباء الزمان ( ع ) مسك الختام من شرح بلوغ المرام ( ف ) مجلدان ضخيمان منهج الوصول إلى اصطلاح أحاديث الرسول ( ف ) الموعظة الحسنة بما يخطب به في شهور السنة ( ع ) . ( 3 / 279 )

(3/278)


النون

(3/279)


نشوة السكران من صهباء تذكار الغزلان ( ع ) نيل المرام من تفسير آيات الحكام ( ع )

(3/279)


الواو

(3/279)


الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم المنثور منها والمنظوم وهو القسم الأول من هذا الكتاب ( ع )

(3/279)


الهاء

(3/279)


هداية السائل إلى أدلة المسائل ( ف )

(3/279)


الياء

(3/279)


يقظة أولي الاعتبار مما ورد في ذكر النار وأصحاب النار ( ع )
وهذا آخر ذكر الكتب المؤلفة إلى هذا التاريخ
( قال المحقق : ويرمز حرف ( ع ) إلى أن المؤلف هو باللغة العربية وحرف ( ف ) بالفارسية وحرف ( ه ) بالهندية )

(3/279)


ثم اتفق أنه أتحف إلى حضرة السلطان المعظم : عبد الحميد خان - ملك الدولة العثمانية - تفسيره : ( فتح البيان في مقاصد القرآن ) وكتب إليه كتابا في ذلك فجاء إليه من بابه العالي المثال الغالي جوابا عليه مع نشان الدرجة الثانية المسمى ( بمجيدية ) ويقال له : ( ارنجي ) بالتركية
وورد مكتوب من السيد : خير الدين باشا الصدر الأعظم مع كتاب : ( أقوم المسالك في أحوال الممالك ) هدية منه إليه وهذه نسختهما : ( 3 / 280 )
افتخار الأعالي والأعاظم مستجمع جميع المعالي والمفاخم صديق حسن خان - دام علوه - زوج سيدة المخدرات إكليلة المحصنات شاهجان بيكم - دامت عصمتها - التي هي من نوابة هند رئيسة خطة بهوبال اتصفت ذاته العالية الصفات بالأوصاف التي تمدح وتقبل لنا في حق كرامته اعتبار وتوجه سلطاني وقد سلمنا جنابه للدلالة على ذلك من جانبنا السني الجواب السلطاني قطعة نشان ذي الشان من الرتبة الثانية وأصدرنا إليه هذه البراءة العالية الشان حرر في اليوم العشرين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين وألف . انتهى

(3/279)


وقد هناه على ذلك جمع جم من أهل العلم وأرخ له المؤرخون من شعراء الرياسة منها : قصيدة الشيخ الأديب والسفير اللبيب : محمد حسن بن محمد إسماعيل الدهلوي المتخلص : بالفقير أولها :
تجلى لنا نور الهنا ووفى البشر ... ومن زهر أفنان الورى عبق النشر
وعندل طير الأنس في روضة المنى ... على فنن الأفراح وانشرح الصدر
وهذه القصيدة بتمامها مع الكتابة التي كانت على اسم حضرة السلطان محررة في تاريخ بلدة بهوبال المحمية - صانها الله وإيانا عن كل رزية وبلية بجاه نبيه المصطفى خير البرية صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه كل بكرة وعشية

(3/280)


السيد الصالح : أبو الخير مير نور الحسن خان الطيب

(3/280)


ولد المؤلف الكبير - جمل الله الوجود ببقائه وعطر الأكوان بثنائه - ولد ببلدة بهوبال المحمية يوم ( 3 / 281 ) الأربعاء قبيل طلوع الشمس في الحادي والعشرين من شهر رجب سنة ثمان وسبعين ومائتين وألف الهجرية ويوم ولادته هذا وافق يوم ولادة يونس بن متى - عليه السلام - ويوم فتح غزوة الأحزاب لنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - وحين ولد كتب أهل العلم تهاني كثيرة منهم : شيخنا وأستاذه القاضي : حسين بن محسن اليماني قال : هنا كم الله بالمولود السعيد وجعله من حملة القرآن والحديث المجيد ومنهم : الشيخ زين العابدين الأنصاري - قاضي بهوبال - حرر الكتاب وصدره بهذه الأبيات :
بشرى لقد طلعت شمس العلى وبدا ... بدر السيادة في أفق الكرامات
در من البحر بحر العلم قد ظهرا ... نور تفتح من روض السعادات
أبقاه رب الورى بالصالحات معا ... وأنبت الله سعدا خير إنبات

(3/280)


قال : وقد قلت عند حصول هذه النعمة وورودها ما كانت العرب تقوله عند التهاني بمولودها :
مد لك الله في الحياة مدا ... حتى ترى نجلك هذا جدا
كأنه أنت إذا تبدى ... شمائلا محمودة وعدا
هناكم الله مولده وقرن بالخير مورده وأطال عمره وأسعده وجعله مقربا في جنابه ورباه في ظلال السادة أهل كتابه
وكتب الشيخ الأديب : علي عباس الجرباكوني رسالة فيها :
نصدر إليكم المسطور للتهنية والتبشير بالولد الصالح الفاقد النظير وأرجو من الله أن يكون عالما بارعا وإماما نافعا وأميرا عادلا وكريما باذلا وقد وجدت له اسمين دالين على تاريخ ميلاده ( ظهير الإسلام ) و ( نظير حسن ) وقلت أيضا :
ليحبني بحت الوداد وسنحته ... لا زال يصطاد الخلائق فخنته
أعطاه معبود السماء وأرضها ... ولدا منيرا ضحه أوفخته
قد قال لي أرخ وسر الأفئدة ... قد قلت تاريخا يا كرم بخته ( 3 / 282 )
إلى غير ذلك مما هنأ به جمع جم من أهل العلم والوداد وقد وقع - لله الحمد - كما هنوه به فإنه قد نشأ على الصلاح والطاعة ونمى في شغل العلم بقدر الاستطاعة وبرع في الذكاء والفطرة على الأقران وحاز من التقوى والفضائل - مع حداثة سنه - ما عجز عنه الأعيان

(3/281)


تتلمذ على جمع من أهل العلم الحاضرين ببلدة بهوبال المحمية الملازمين للرياسة العلية
منهم : الشيخ العالم المفتي : محمد أيوب والشيخ الفاضل المولوي : أنور علي المراد آبادي والمولوي : إلهي بخش الفيض آبادي والمولوي الكامل القاضي : محمد بشير الدين العثماني القنوجي والشيخ العالم : محمد بشير السهسواني وشيخنا العلامة المحدث : حسين بن محسن الأنصاري اليماني وهذا العبد الفاني الجاني وهو الآن في كسب الفضائل والعلوم المنطوق منها والمفهوم
له بعض تأليفات نفيسة :
منها : رسالة ( النهج المقبول من شرائع الرسول ) وكتاب : ( عرف الجادي من جنان هدي الهادي ) وهما في فقه السنة حررهما تحريرا بالغا وتذكرة في شعراء الفرس سماه ( نكارستان سخن ) وتذكرة أخرى في شعراء الهند وتعليقات على بعض العلوم الآلية وهو المقصود الأول والوجود الثاني لمحرر هذا الكتاب أثبت ترجمته أولا في كتابي : ( إتحاف النبلاء ) وثانيا في تذكرتي للشعراء المسماة : ( بشمع انجمن ) وهي أيضا محررة في ( صبح كلشن ) وغيره وجمعت له من الكتب النفيسة العزيزة الوجود خزينة ومن الأموال المحللة عدة يعيش بها عيشة رضية - إن شاء الله تعالى - وهو المخاطب من جهة الرئيسة المعظمة : بالخان والملحوظ بعين الشفقة الزائدة على الأقران له شعر حسن بالفارسية وكلام بليغ في العبائر الأدبية - أدام الله سعده وأطال حياته ومجده

(3/282)


السيد الشريف : أبو النصر مير علي حسن خان الطاهر

(3/282)


ولد المؤلف ( 3 / 283 ) الصغير ولد ببلدة بهوبال المحمية ونشأ بها في أرغد نعمة وأطيب أمنية وكانت ولادته هذه يوم الخميس رابع الربيع الآخر من سنة 1283 ، ثلاث وثماني ومائتين وألف الهجرية ذكرت له ترجمة في كتابي : ( إتحاف النبلاء ) وهي محررة أيضا في ( شمع انجمن ) تذكرة الشعراء
قرأ الفارسي على الحكيم المولوي : محمد أحسن البلجرامي - مؤلف ارتنك فرهنك - وأخذ الصرف والنحو وهو يكتسب الآن بقية العلوم له ذكاء وفطنة وهمة وسعادة عظيمة يتدرب في الشعر حرر تذكرة لشعراء الفرس وسماها : ( صبح كلشن ) وإليه ينسب : ( شرح المرقاة في المنطق ) الذي استفاده من المولوي : إلهي بخش الفيض آبادي يحفظ من النظم العربي والفارسي قسطا كبيرا له حواش على مؤلفاتنا كما هي لأخيه و ( رسالة في : حكم التقليد ) كما لأخيه في الاجتهاد وقد طبعتا لهذا العهد في مطبعة الجوائب بالقسطنطينية وعليه شفقة عظيمة للرئيسة المعظمة وهي التي خاطبته : بالخان وأعطته من المعايش ما يكفي لمؤون الزمان وكذلك هو أحب أولادي إلي - وإن كان قليل الاعتناء بالعلم وبما لدي - لكن أرجو ربي أن يجعله من أهل العلم وخلص عباده ويخصه باعتمال مرضاته ومراده وما ذلك عليه بعزيز وكم دعوت له ولأخيه وأخته في الحرمين الشريفين وأماكن الإجابة وظني أن دعواتي قد حلت - إن شاء الله تعالى - محل القبول والاستجابة ولا عبرة بحركات عهد الصبا إنما العبرة بما يستقر عليه الحال عند الانتهاء - أحسن الله إلينا جميعا فإنه سبحانه كان بصيرا سميعا

(3/283)


علماء بلدة بهوبال المحمية

(3/283)


أي الواردين بها الملازمين للرياسة العلية وهم كثيرون - وإن كانوا غرباء من بلاد شتى - وقد حوى تراجمهم كتاب : ( تاريخ بهوبال ) الذي حرره بعض الفضلاء ( 3 / 284 ) وحالتهم الراهنة وصفتهم الحاضرة تغني عن ذكرهم في هذا الكتاب ومؤلفاتهم الموجودة بين ظهراني الطلبة تنبئ عما في الباب كيف والفضل لا يخفى على الفضل والفرض لا يشتبه بالنفل
ولكن لا بد هاهنا من ترجمة مليكة هذه الرياسة فإنها التي جمعت هؤلاء وهم الذين اجتمعوا على سدتها الرفيعة مستجدين للعطاء وهذه ترجمتها - أدام الله تعالى رفعتها وأطال عصمتها

(3/283)


تاج الهند المكلل : أهل بيتي نواب شاهجهان بيكم مليكة بلدة بهوبال المحمية

(3/284)


ومالكة رياستها العلية - جمل الله الوجود ببقائها - المخاطبة : بالرئيس البطل الأعظم من الطبقة العليا للكواكب الهند ولدت بحصن إسلام نكر على ثلاثة فراسخ من بهوبال في سنة 1254 ، وجلست مجلس أبيها بالاستحقاق من غير شقاق وهي ابنة تسع سنين في الخامس عشر من شهر الله المحرم سنة 1263 ، وأتت إليها خلعة فاخرة من جهة ملكة البرطانية - حاكمة الهند والإنكلند - وربت في حجر أمها : نواب سكندر بيكم وحصلت الفنون الفارسية وتعلمت الخط والكتابة واستفادت سليقة الرياسة والسياسة حتى برعت في ذلك على الأقران وامتازت بينهم في القدرة على ترجمة القرآن وتحرير الرسائل الدينية وتقرير المسائل الدولية جامعة للفضائل الدنيوية والأخروية يضرب بها المثل في : الذكاء والحفظ والكرم والرحمة والجود فهي إنسان عين الشهود وعين إنسان الوجود

(3/284)


لما بلغت من العمر اثنتين وعشرين سنة فوضت عنان الرياسة إلى يد اقتدار أمها واكتفت لنفسها بولاية العهد وهذا غاية الهمة والجود فإنه لا يسمح بذلك إلا القليل النادر وحين توفت والدتها الشريفة في شهر رجب من شهور سنة 1285 ، جلست على مسند الرياسة وشرفت محل السياسة من جهة الأبوين ثم تزوجت بي في سنة 1288 ، بعد ما أجازته بذلك السلطنة البرطانية في عهد حكومة لارد ميو حاكم الهند - نزيل دار الإمارة : كلكته - وتاريخ هذا العقد : بتعمية العدد ( 3 / 285 ) الواحد ( وأخرى تحبونها ) ويا له من تاريخ ينبئ عن حسنات الدارين
أما الأولى : وهي حسنة الدنيا فعموم النفع الذي سألت سيوله بهذا السبب
وأما الثانية : فهي حب عقبي الدار وفي نحو هذا المحل يقال : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )

(3/284)


ثم إنها سافرت في شهر رمضان إلى بندر ممبيء في سنة 1289 ، وهناك حصل له الخطاب العالي من الدرجة الأولى والنشان السلطاني المعنون بقلم الوزير الأعظم الذي يقال له : ( ممبراف دي امبرئيل آردر أف دي كرند كمندر اشتاراف إنديا ) ورجعت قريرة العين بإعزاز خاص واختصاص عام إلى دار مملكتها
وسافرت بعد ذلك في أواخر ذي قعدة سنة 1292 الهجرية إلى دار الإمارة : كلكته ولاقت بها برنس : اف ويلز - أكبر أولاد ملكة إنكنلد وولي عهدها -
وقد عظمها تعظيما بليغا وأعطاها تمغة نبيلة وتحائف جليلة من التي تعمل بإقليم إفرنج
وكذلك لاقت قبل ذلك أخاه : برنس ايدنبرا ورأت من تلقائه تشريفا كبيرا وأرسل لها من ( لندرة ) أشياء نفيسة وكنت رفيقها في هذه الأسفار - كما جرت بذلك العادة -
ثم سافرت أخرى إلى دهلي في سنة 1294 ، وحصل لها النشان القيصري العظيم الشأن المكتوب عليه ( العز من الله )

(3/285)


وأعطاها كورنر جنرل سيفا فرنجيا مع نطاق مطلي وصندوق محلى - وهو موجود عندنا نربطه في المحافل - ورجعت قرينة السرورة العظيم راقية على مقام كريم وفي هذا الاحتفال الكبير والجمع الغفير الذي حضر فيه رؤساء الهند جميعهم قاصيهم ودانيهم ولا يلفى له نظير في الأزمنة الخالية على هذه الحالة تقرر لنا ضرب سبعة عشر مدفعا من جهة ملكة إنكلند في جميع أرضها المعمولة فيها عند ورودنا وصدورنا في تلك البلاد ثم جاء لها خطاب آخر لفظه : كرون أف ( 3 / 286 ) إنديا وترجمته : ( تاج الهند ) وفي هذا العام الحاضر - أعني سنة 1296 الهجرية - ورد مثالان عظيمان على اسمها الشريف مع نشان الدرجة العليا التي يقال لها ( شفقت ) من جهة السلطان المعظم مالك رقاب الأمم : عبد الحميد خان - ملك الدولة العثمانية - خلد الله ملكه وجعل الدنيا بتمامها ملكه وهذه عبارتها مترجمة

(3/285)


والحاصل : أن مليكة بهوبال المحمية زمانها هذا زمان السعادة وأوان ترقي العلوم وموسم المسرة والرفعة لكل خادم ومخدوم كيف وهي تاج الهند ورأس الرؤوس ؟ وقد قيل في المثل السائر : لا عطر بعد عروس وهي التي عمرت الديار بعد خرابها وأحيت المدارس العلمية بعد دروسها وتبابها وبنت المساجد العظيمة وقررت الوظائف الفخيمة وحفرت الآبار وغرست الحدائق والأشجار وأحدثت العمائر الكبار وأكرمت الصغائر والصغار وأحيت السنن وأماتت البدع وقلعت أسباب الفجور والفسوق وأخمدت نار الصبوح والغبوق وطهرت الديار عن أدناس الإشراك والمحدثات
وأسبلت ذيول المنح والعطايا على أهل المكرمات وجمعت من نفائس الكتب - على اختلاف أنواعها وتباين علومها - ما يعظم قدره ويجل وصفه وأعطت الطلبة ألوفا من المصاحف والرسائل الدينية مجانا ولم تحرم من نوالها وجودها إنسانا وأوقفت أرزاقا كثيرة على الفقراء والمحاويج وقررت لهم وظائف جمة من النقود والغلات ولا تزال تعطي العفاة والواردين بمملكتها من الحجاج والغزاة والمسافرين والطلبة والمساكين من الأموال والأقمشة والبيوت ما يعسر حده ويطول عده
إلى أن سالت سيول فيوضها العامة لكل حاضر وبادي وجالت خيول جودها في كل بادية ووادي وأمن الناس في ظلها الوارف من كل خوف تالد وطارف تتحرى الصدق والصواب في كل إياب وذهاب وتقيم الصلاة والصوم عند كل يقظة ونوم لها يد عاملة في النظم فارسيا كان أو هنديا ويمنى جارحة في النثر إنشاء سويا ونظمها مضبوط في ديوان ( 3 / 286 ) الشعر وفي ( تذكرة الشعراء ) وقد حرر ترجمتها جمع جم من عصابة الأدباء

(3/286)


وبالجملة : فقد جاءت في هذا الزمان الأخير والدهر الفقير جامعة للفضائل التي قلما تجتمع في رجل فضلا عن النسوان حاوية للفواضل التي قصر دون تبيانها لسان الترجمان وهذه ذرة من ميدان مناقبها العلية وقطرة من بحار مكارمها الجلية
فلنقتصر هاهنا على هذا القدر النذر فإن المقام لا يتسع لذكرها على وجه الكمال - أدام الله أيامها وسخر لها الدنيا تمامها وجعل آخرتها خيرا من الأولى وأولاها مزرعة للأخرى إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير

(3/286)


قد تم - بعون الله تعالى وحسن توفيقه - الجزء الثالث من كتاب : ( أبجد العلوم ) على يد كاتبه الفقير : علي حسين - غفر الله ذنوبه وستر عيوبه

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج7.السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون علي بن برهان الدين الحلبي سنة الولادة 975/ سنة الوفاة 1044.

  7. السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون علي بن برهان الدين الحلبي سنة الولادة 975/ سنة الوفاة 1044 . وفي زمن خلافة عمر رضي الله...