الأحد، 4 سبتمبر 2022

ج3.وج4. السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون علي بن برهان الدين الحلبي

 

3. السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون
علي بن برهان الدين الحلبي
سنة الولادة 975/ سنة الوفاة  .1044

كلامه أى التى من تلك الأحاديث أن إبليس قال يا رب لليس أحد من خلقك إلا وقد جعلت له رزقا ومعيشة فما رزقى قال كل مالم يذكر عليه اسمى ومعلوم أن إبليس أبو الجن وأن مالم يذكر اسم الله عليه يشمل عظم الميتة
ومقابلة الشياطين بالمؤمنين تدل على أن المراد بهم فسقتهم لا الكفار منهم لأن فى كون الكفا رمن الجن اجتمعوا به صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين وأن كلا الفريقين سأله الزاد وأنه خاطب كلا بما يليق به فيه بعد لا سيما مع ما تقدم عن ابن مسعود ومايأتى من قوله إخوانكم من الجن ومن ثم قال بعضهم إن السائلين له صلى الله عليه وسلم الزاد كانوا مسلمين فليتأمل
ولما ذكر صلى الله عليه وسلم لهم العظم والروث قالوا يا رسول الله إن الناس يقذرونهما علينا فنهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بالعظم أو بروثه بقوله فلا يستنقين أحدكم إذا خرج من الخلاء بعظم ولا بعرة ولا روثة لأنه زاد إخوانكم من الجن
وفى رواية قالوا له صلى الله عليه وسلم انه أمتك عن الاستنجاء بهما فإن الله تعالى قد جعل لنا فيهما رزقا فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء بالعظم والبعر أى وحرمه نحو البول أو التغوط عليهما تعلم من ذلك بالأولى ومنه يعلم أن مرادهم بالتقذير التنجيس لا ما يشمل التقذير بالطاهر كالبصاق والمخاط
وعن جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنهما قال بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمشى إذ جاءت حية فقامت إلى جنبه صلى الله عليه وسلم وأدنت فاها من أذنه وكأنها تناجيه فقال النبى صلى الله عليه وسلم نعم فانصرفت قال جابر فسألته فأخبرنى أنه رجل من الجن وأنه قال له مر أمتك لا يستنجوا بالروث ولا بالرمة أى العظم لأن الله تعالى جعل لنا فى ذلك رزقا ولعل هذا الرجل من الجن لم يبلغه أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولا يخفى أن سؤال الزاد يقتضى أن ذلك لم يكن زادهم وزاد دوابهم قبل ذلك وحينئذ يسأل ماكان زادهم قبل ذلك وقد يقال هو كل مالم يذكر اسم الله عليه من طعام الآدميين وحينئذ يكون ماتقدم فى خبر إبليس المراد يمالم يذكر اسم اله عليه غير العظم فليتأمل والنهى عن الاستنجاء يدل على أن ذلك لا يختص بحالة السفر بل هو زادهم بعد ذلك دائما وأبدا
____________________

وقصة جابر هذه سيأتي فى غزوة تبوك نظيرها وهو أن حية عظيمة الخلق عارضتهم فى الطريق فانحاز الناس عنها فأقبلت حتى وقفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته طويلا والناس ينظرون إليها ثم التوت حتى اعتزلت الطريق فقامت قائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون من هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا أحد الرهط الثمانية من الجن الذين وفدوا إلى يستمعون القرآن قال فى المواهب وفى هذا رد على من زعم أن الجن لا تأكل ولا تشرب أى وإنما يتغذون بالشم
أقول ذكرت فى كتابى عقد المرجان فيما يتعلق بالجان أن فى أكل الجن ثلاثة أقوال قيل يأكلون بالمضغ والبلع ويشربون بالازدراد والثانى لا يأكلون ولا يشربون بل يتغذون بالشم والثالث أنهم صنفان صنف يأكل ويشرب وصنف لا يأكل ولا يشرب وإنما يتغذون بالشم وهو خلاصتهم والله أعلم
قال ابن مسعود فلماولوا قلت من هؤلاء قال هؤلاء جن نصيبين وفى رواية فتوارى عنى حتى لم أره فلما سطع الفجر أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لى أراك قائما فقلت ماقعدت فقال ماعليك لو فعلت أى قعدت قلت خشيت أن أخرج منه فقال أما إنك لو خرجت لم ترنى ولم أرك إلى يوم القيامة أى وفى رواية لم آمن عليك أن يخطفك بعضهم وفيه أن الخروج لا ينشأ عن القعود حتى يخشى منه الخروج وفى رواية قال لي أنمت فقلت لا والله يا رسول الله ولقد هممت مرارا أن أستغيث بالناس أى لما تراكموا عليك وسمعت منهم لغطا شديدا حتى خفت عليك إل أن سمعتك تقرعهم بعصاك وتقول اجلسوا وسأله عن سبب اللغط الشديد الذى كان منهم فقال إن الجن تداعت فى قتيل قتل بينهم فتحاكموا إلى فحكمت بينهم بالحق
وفى رواية عن سعيد بن جبير أنه أى ابن مسعود قال له أولئك جن نصيبين وكانوا اثنى عشر ألفا والسورة التى قرأها عليهم اقرأ باسم ربك أى ولا ينافى ذلك ما جاء عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه افتتح القرآن لأن المراد بالقرآن القراءة زاد ابن مسعود على ما فى بعض الروايات ثم شبك أصابعه فى أصابعى وقال إنى وعدت أن تؤمن بى الجن والإنس أما الإنس فقد آمنت وأما الجن فقد رأيت
أقول وفى هذا أن ابن مسعود لم يخرج من الدائرة التى اختطها له صلى الله عليه وسلم
____________________

وفى السيرة الهشامية ما يقتضى أنه خرج منها حيث قال عن ابن مسعود فجئتهم فرأيت الرجال ينحدرون عليه صلى الله عليه وسلم من الجبال فازدحمواعليه إلى آخره فليتأمل
فعلم أن هذه القصة بعد كل من قصة ابن عباس وقصة رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف فإن قصة ابن عباس رضى الله تعالى عنهما كانت فى أول البعث وقصة رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف بعدها بمدة مديدة كما علمت وهذه القصة كانت بعدهما بمكة والله أعلم ثم قال صلى الله عليه وسلم لابن مسعود هل معك وضوء أى ماء نتوضأ به قلت لا فقال ما هذه الإداوة أى وهى إناء من جلد قلت فيها نبيذ قال ثمرة طيبة وماء طهور صب على فصببت عليه فتوضأ وأقام الصلاة وصلى
أقول وهو محمول عند أئمتنا معاشر الشافعية على أن الماء لم يتغير بالتمر تغيرا كثيرا يسلب اسم الماء ومن ثم قال ماء طهور وقول ابن مسعود رضى الله تعالى عنه فيها نبيذ أى منبوذ الذى هو التمر وسماه نبيذا باعتبار الأول على حد قوله تعالى إنى أرانى اعصر خمرا وهذا بناء على فرض صحة الحديث وإلا فقد قال بعضهم حديث النبيذ ضعيف باتفاق المحدثين
وفى كلام الشيخ محيى الدين بن العربى رضى الله تعالى عنه الذى أقول به منع التطهر بالنبيذ لعدم صحة الخبر المروى فيه ولو أن الحديث صح لم يكن نصا فى الوضوء به فإنه صلى الله عليه وسلم قال ثمرة طيبة وماء طهور أى قليل الامتزاج والتغير عن وصف الماء وذلك لأن الله تعالى ما شرع الطهارة عند فقد الماء إلا بالتيمم بالتراب خاصة
قال ومن شرف الإنسان أن الله تعالى جعل له التطهر بالتراب وقد خلقه الله من تراب فأمره بالتطهر أيضا به تشريفا له وعند أحمد ومسلم والترمذى عن علقمة قلت لابن مسعود هل صحب النبى صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد فقال ما صحبه منا أحد ولكنا فقدناه ذات ليلة فقلنا استطير أو اغتيل وطلبناه فلم نجده فبتنا بشر ليلة فلما أصبحنا إذ هو جاء من قبل الحجون وفى لفظ من قبل حراء فقلنا يا رسول الله إنا فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة فقال إنه أتانى داعى الجن فذهبت معهم فقرأت عليهم القرآن فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وهذه القصة
____________________

يجوز أت تكون هى المنقولة عن كعب الأحبار المتقدم ذكرها وهى سابقة على القصة التى كان فيها ابن مسعود ويجوز أن تكون غيرها وهى المرادة بقول عكرمة إنهم كانوا اثنى عشر ألفا جاءوا من جزيرة الموصل لأن المتقدم فى تلك عن كعب الأحبار رضى الله تعالى عنه أنهم كانوا ثلثمائة من جن نصيبين
وحينئذ يحتمل أن تكون هذه القصة سابقة على القصة التى كان بها ابن مسعود ويحتمل أن تكون متأخرة عنها وعلى ذلك يكون اجتماع الجن به صلى الله عليه وسلم فى مكة ثلاث مرات مرة كان فيها معه ابن مسعود ومرتين لم يكن معه ابن مسعود فيهما
قال فى الأصل ويكفى فى أمر الجن ما فى سورة الرحمن وسورة قل أوحى إلى وسورة الأحقاف
أقول فعلم أن الجن سمعوا قراءته صلى الله عليه وسلم ولم يجتمعوا به ولا شعر بهم فى المرة الأولى وهو ذاهب من مكة إلى سوق عكاظ فى ابتداء البعث المتقدمة عن ابن عباس على ما تقدم ولا فى المرة الثانية عند منصرفه من الطائف بنخلة على ما قدمنا فيه وعلم أن الروايات متفقة على استماعهم لقراءته صلى الله عليه وسلم فى المرتين وبه يعلم ما فى المواهب عن الحافظ ابن كثير أن كون الجن اجتمعوا له صلى الله عليه وسلم فى نخلة عند منصرفه من الطائف فيه نظر وإنما استماعهم له كان فى ابتداء البعث كما يدل عليه حديث ابن عباس أى من أن ذلك كان عند ذهابه إلى سوق عكاظ وعلم أنهم اجتمعوا به صلى الله عليه وسلم وقرأ عليهم وآمنوا به فى مكة مرتين أو ثلاثة بعد ذلك والله أعلم
وقد أخرج البيهقى فى شعب الإيمان عن قتادة أنه قال لما أهبط إبليس قال أى رب قد لعنته فما علمه قال السحر قال فما قراءته قال الشعر قال فما كتابته قال الوشم قال فما طعامه قال كل ميتة وما لم يذكر اسم الله عليه أى من طعام الإنس يأخذه سرقة قال فما شرابه قال كل مسكر قال فأين مسكنه قال الحمام قال فأين محله قال فى الأسواق قال فما صوته قال المزمار قال فما مصايده قال النساء فالحمام محل أكثر إقامته والسوق محل تردده فى بعض الأوقات والظاهر أن مثل إبليس فيما ذكر كل من لم يؤمن من الجن
____________________

= باب ذكر خبر الطفيل بن عمرو الدوسى وإسلامه رضى الله تعالى عنه
كان الطفيل بن عمرو الدوسى شريفا فى قومه شاعرا نبيلا قدم مكة فمشى إليه رجال من قريش فقالوا يا أبا الطفيل كنوه بذلك تعظيما ل فلم يقولوا يا طفيل إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل بين أظهرنا قد أعضل أمره بنا اى اشتد وفرق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق به بين المرء وأخيه وبين الرجل وزوجته وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما دخل علينا فلا تكلمه ولا تسمع منه قال الطفيل فو الله ما زالوا بى حتى أجمعت أى قصدت وعزمت على أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه أى حتى حشوت فى أذنى حين غدوت إلى المسجد كرسفا وهو بضم الكاف وسكون الراء ثم سين مهملة مضمومة ثم فاء أى قطنا فرقا أى خوفا من أن يبلغنى شىء من قوله فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلى عند الكعبة فقمت قريبا منه فأبى الله إلا أن أسمع بعض قوله أى فسمعت كلاما حسنا فقلت فى نفسى أنا ما يخفى على الحسن من القبيح فما يمنعنى من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذى يأتى به حسنا قبلت وإن كان قبيحا تركت فمكثت حتى انصرف إلى بيته فقلت يا محمد إن قومك قالوا لى كذا وكذا حتى سددت أذنى بكرسف حتى لا أسمع قولك فاعرض على أمرك فعرض عليه الإسلام وتلا عليه القرآن أى قرأ عليه قل هو الله أحد إلى آخرها و قل أعوذ برب الفلق إلى آخرها وقل أعوذ برب الناس إلى آخرها
وفيه أنه سيأتى أن نزول قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس كان بالمدينة عند ما سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يقال يجوز أن يكون ذلك مما تكرر نزوله فقال والله ماسمعت قط قولا أحسن من هذا ولا أمرا أعدل منه فأسلمت فقلت يا نبى الله إنى امرؤ مطاع فى قومى وأنا راجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام فادع الله أن يكون لى عونا عليهم قال اللهم اجعل له آيه فخرجت حتى إذا كنت بثنية تطلعنى على الحاضر أى وهم النازلون المقيمون على الماء لا يرحلون عنه وكان ذلك فى ليلة مظلمة وقع نور بين عينى مثل المصباح فقلت اللهم فى غير وجهى فإنى أخشى أن
____________________

يظنوا أنه مثله فتحول فى رأس سوطى فجعل الحاضر يتراءون ذلك كالقنديل المعلق أى ومن ثم عرف بذى النور وإلى ذلك أشار الإمام السبكى فى تائيته بقوله ** وفى جبهة الدوسى ثم بسوطه ** جعلت ضياء مثل شمس منيرة **
قال فأتانى أبى فقلت له إليك عنى يا أبت فلست منى ولست منك فقال لم يا بنى قلت قد أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم فقال أى بنى دينى دينك فأسلم أى بعد أن قال له اغتسل وطهر ثيابك ففعل ثم جاء فعرض عليه الإسلام ثم أتتنى صاحبتى فذكرت لها مثل ذلك أى قلت لها إليك عنى فلست منك ولست منى قد أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم قالت فدينى دينك فأسلمت ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبطأوا على ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله قد غلبنى دوس وفى رواية قد غلبنى على دوس الزنا فادع الله عليهم فقال الهم اهد دوسا قال زاد فى رواية وأت بهم فقال الطفيل فرجعت فلم أزل بأرض قومى أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومضى بدر وأحد والخندق اه فأسلموا قال فقدمت بمن أسلم من قومى عليه صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر سبعين أو ثمانين بيتا من دوس أى ومنهم أبو هريرة فأسهم لنا مع المسلمين أى مع عدم حضورهم القتال اه
أقول قال فى النور وفى الصحيح ما ينفى هذا وأنه لم يعط أحدا لم يشهد القتال إلا أهل السفينة الجائين من أرض الحبشة جعفرا ومن معه أى ومنهم الأشعريون أبو موسى الأشعرى وقومه فقد تقدم أنهم هاجروا من اليمن إلى الحبشة ثم جاءوا إلى المدينة
وفيه أنه سيأتى أنه صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه أن يشركوهم معهم فى الغنيمة ففعلوا وسيأتى أنه إنما أعطى أهل السفينة أى والدوسيين على ما علمت من الحصنين اللذين فتحا صلحا فقد أعطاهما مما أفاء الله عليه لا من الغنيمة وسؤال أصحابه فى إعطائهم من المشهورة العامة المأمور بها فى قوله تعالى وشاورهم فى الأمر لا لاستنزالهم عن شىء من حقهم والله أعلم
____________________

= باب ذكر الإسراء والمعراج وفرض الصلوات الخمس
أعلم أنه لا خلاف فى الإسراء به صلى الله عليه وسلم إذ هو نص القرآن عل سبيل الإجمال وجاءت بتفصيله وشرح أعاجيبه أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة من الرجال والنساء نحو ثلاثين أي ومن ثم ذهب الحاتمي الصوفي إلى أن الإسراء وقع له صلى الله عليه وسلم ثلاثين مرة فجعل كل حديث إسراء واتفق العلماء على أن لإسراء كان بعد البعثة اه أى الاسراء الذى كان فى اليقظة بجسده صلى الله عليه وسلم فلا ينافى حديث البخارى عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه أن الإسراء كان قبل أن يوحى إليه صلى الله عليه وسلم لأن ذلك كان فى نومه بروحه فكان هذا الإسراء توطئه له وتيسيرا عليه كما كان بدء نبوته صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة
وفى كلام الشيخ عبد الوهاب الشعرانى أن إسراءاته صلى الله عليه وسلم كانت أربعا وثلاثين واحد بجسمه صلى الله عليه وسلم والباقى بروحه وتلك الليلة أى التى كانت بجسمه صلى الله عليه وسلم كانت ليلة سبع عشرة وقيل سبع وعشرين خلت من شهر ربيع الأول وقيل ليلة تسع وعشرين خلت من رمضان أي وقيل سبع وعشرين خلت من ربيع الآخر الآخر وقيل من رجب واختار هذا الأخير الحافظ عبد الغنى المقدسى وعليه عمل الناس وقيل فى شوال وقيل فى ذى الحجة
وفى كلام الشيخ عبد الوهاب ما يفيد أن إسرءاته صلى الله عليه وسلم كلها كانت فى تلك الليلة التى وقع فيها هذا الخلاف فليتأمل وذلك قبل الهجرة قيل بسنة وبه جزم ابن حزم وادعى فيه الإجماع وقيل بسنتين وقيل يثلاث سنين وكل من الإسراء والمعراج كان بعد خروجه صلى الله عليه وسلم للطائف كما دل عليه السياق وعن ابن إسحاق أن ذلك كان قبل خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وفيه نظر ظاهر
واختلف فى اليوم الذى يسفر عن ليلتهما قيل الجمعه وقيل السبت وقال ابن دحية يكون يوم الاثنين إن شاء الله تعالى ليوافق المولد والمبعث والهجرة والوفاة أى لأنه صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين وبعث يوم الإثنين وخرج من مكة يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين ومات يوم الإثنين فليتأمل
____________________

عن أم هانىء بنت أبى طالب رضى الله تعالى عنها أى واسمها على الأشهر فاختة وسأتى فى فتح مكة أنها أسلمت يوم الفتح وهرب زوجها هبيرة إلى نجران ومات بها على كفره قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلس أى فى لظلام بعيد الفجر وأنا على فراشى فقال أشعرت أى علمت أنى نمت الليلة فى المسجد الحرام أي عند البيت أو فى الحجر وهو المراد بالحطيم الذى وقع فى بعض الروايات وفى رواية فرج سقف بيتى
قال الحافظ ابن حجر يحتمل أن يكون السر فى ذلك أى فى انفراج السقف التمهيد لما يقع من شق صدره صلى الله عليه وسلم فكأن الملك أراه بانفراج السقف والتئامه فى الحال كيفية ما سيصنع به لطفا به وتثبيتا له صلى الله عليه وسلم أي زيادة تمهيد وتثبيت له وإلا فشق صدره صلى الله عليه وسلم تقدم له غير مرة وفى رواية أنه صلى الله عليه وسلم نام فى بيت أم هانىء قالت فقدته من الليل فامتنع منى النوم مخافة أن يكون عرض له بعض قريش
أى وحكى ابن سعد أن النبى صلى الله عليه وسلم فقد تلك الليلة فتفرقت بنو عبد المطلب يلتمسونه ووصل العباس إلى ذى طوى وجعل يصرخ يا محمد فأجابه لبيك لبيك فقال يا بن أخى عنيت قومك فأين كنت قال ذهبت إلى بيت المقدس قال من ليلتك قال نعم قال هل أصابك إلا خير قال ما أصابنى إلا خير ولعله صلى الله عليه وسلم نزل عن البراق فى ذلك المحل
وعن أم هانىء رضى الله تعالى عنها قالت ما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو فى بيتى نائم عندى تلك الليلة فصلى العشاء الآخرة ثم نام ونمنا فلما كان قبل الفجر أهبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أقامنا من نومنا ومن ثم جاء في رواية نبهنا فلما صلى الصبح وصلينا معه قال يا أم هانيء لقد صليت معك العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ثم صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين الحديث
والمراد أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاته التى كان يصليها وهى الركعتان فى الوقتين المذكورين وإلا فصلاة العشاء وصلاة الصبح التى هى صلاة الغداة لم يكونا فرضا وفى قولها وصلينا معه نظر لما تقدم ويأتى أنها لم تسلم إلا يوم الفتح ثم رأيت فى مزيل
____________________

الخفاء وأما قولها يعنى أم هانىء وصلينا فأرادت به وهيأنا له ما يحتاج إليه فى الصلاة كذا أجاب
وأقرب منه أنها تكلمت على لسان غيرها أو أنها لم تظهر إسلامها إلا يوم الفتح فليتأمل فقال صلى الله عليه وسلم إن جبريل أتانى وفى رواية أسرى به من شعب أبى طالب قال الحافظ ابن حجر والجمع بين هذه الروايات أنه صلى الله عليه وسلم نام فى بيت أم هانىء وبيتها عند شعب أبى طالب ففرج عن سقف بيته الذى هو بيت أم هانىء لأنه صلى الله عليه وسلم كان نائما به فنزل الملك وأخرجه إلى المسجدوكان به أثر النعاس أى فاضطجع فيه عند الحجر فيصح قوله صلى الله عليه وسلم نمت الليلة فى المسجد الحرام إلى آخره
وفى رواية أنه صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وميكائيل ومعهما ملك آخر أى وهو مضطجع فى المسجد فى الحجر بين عمه حمزه وابن عمه جعفر رضى الله تعالى عنهما فقال أحدهم خذوا سيد القوم الأوسط بين الرجلين فاحتملوه حتى جاءوا به زمزم فاستقلوه على ظهره فتولاه منهم جبريل فشق من ثغرة نحره وهو الموضع المنخفض بين الترقوتين إلى أسفل بطنه أى وفى رواية إلى مراق بطنه وفى رواية إلى شعرته أى أشار إلى ذلك فانشق فلم يكن الشق فى المرات كلها بآلة ولم يسل منه دم ولم يجد لذلك ألما كما تقدم التصريح به فى بعض الروايات لأنه من خرق العادات وظهور المعجزات ثم قال جبريل لميكائيل ائتنى بطشت من ماء زمزم كيما أطهر قلبه وأشرح صدره فاستخرج قلبه أى فشقه فغسله ثلاث مرات ونزع ما كان فيه من أذى وهذا الأذى يحتمل أن يكون من بقايا تلك العلقة السوداء التى نزعت منه صلى الله عليه وسلم وهو مسترضع فى بنى سعد بناء على تجزئتها كما تقدم فى المرة الثانية وهو ابن عشر سنين والثالث عند البعث فلا يخالف أن العلقة السوداء نزعت منه صلى الله عليه وسلم فى المرة الأولى وهو مسترضع فى بنى سعد ويستحيل تكرار إخراجها وإلقائها والذى ينبغى أن يكون نزع الملك العلقة إنما هو فى المرة الأولى والواقع فى غيرها إنما هو إخراج الأذى وأنه غير تلك العلقة وأن المراد به مايكون في الجبليات البشرية وتكرر إخراج ذلك الأذى استئصاله ومبالغة فيه وذكر العلقة في المرة الأولى وقول الملك هذا حظ الشيطان وهم من بعض الرواة
____________________

واختلف إليه ميكائيل بثلاث طسات من ماء زمزم ثم أتى بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيمانا أى نفس الحكمة والإيمان لأن المعانى قد تمثل بالأجسام أو فيه ما هو سبب لحصول ذلك والمراد كما لهما فلا ينافى ما تقدم فى قصة الرضاع أنه ملىء حكمة وإيمانا ووضعت فيه السكينة ثم أطبقه ثم ختم بين كتفيه بخاتم النبوة وتقدم فى قصة الرضاع أن فى رواية أن الختم كان فى قلبه وفى أخرى أنه كان فى صدره وفى أخرى أنه كان بين كتفيه وتقدم الكلام على ذلك وأنكر القاضى عياض شق صدره صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وقال إنما كان وهو صلى الله عليه وسلم صبى فى بنى سعد وهو يتضمن إنكار شقه عند البعثة أيضا أي والتي قبلها وعمره صلى الله عليه وسلم عشر سنين ورده الحافظ ابن حجر بأن الروايات تواردت بشق صدره صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة وعند البعثة أى زيادة على الواقع له صلى الله عليه وسلم فى بنى سعد وأبدى لكل من الثلاثة حكمة وتقدم أنه شق صدره صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين وأنه صلى الله عليه وسلم شق صدره وهو ابن عشرين سنة وتقدم ما فيه
أقول ويمكن أن يكون إنكار القاضى عياض لشق صدره صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج على الوجه الذى جاء فى بعض الروايات أنه أخرج من قلبه علقة سوداء وقال الملك هذا حظ الشيطان منك لأن هذا إنما كان وهو صلى الله عليه وسلم مسترضع فى بنى سعد ويستحيل تكرر إلقاء تلك العلقة وحمل ذلك على بعض بقايا تلك العلقة السوداء كما قدمناه ينافى قول الملك هذا حظ الشيطان منك إلا أن يقال المراد أنه من حظ الشيطان أى بعض حظ الشيطان أى بعض حظ الشيطان فليتأمل ذلك والأولى ماقدمناه فى ذلك ثم لا يخفى أنه ورد غسل صدرى وفى رواية قلبى
وقد يقال الغسل وقع لهما معا كما وقع الشق لهما معا فأخبر صلى الله عليه وسلم بإحداهما مرة وبالأخرى أخرى أى وتقدم فى مبحث الرضاع فى رواية شق بطنه صلى الله عليه وسلم ثم قلبه وفى أخرى شق صدره ثم قلبه وفى اخرى الاقتصار على شق صدره وفى أخرى الاقتصار على شق قلبه وتقدم أن المراد بالبطن الصدر وليس المراد بإحدهما القلب
وفى كلام غير واحد ما يقتضى أن المراد بالصدر القلب ومن ثم قيل هل شق صدره وغسله مخصوص به صلى الله عليه وسلم أو وقع لغيره من الأنبياء
____________________

وأجيب بأنه جاء فى قصة تابوت بنى اسرائيل الذى أنزله الله تعالى على آدم حين أهبطه إلى الأرض فيه صور الأنبياء من أولاده وفيه بيوت بعدد الرسل وآخر البيوت بيت محمد صلى الله عليه وسلم وهو من ياقوتة حمراء ثلاثة أذرع فى ذراعين وقيل كان من نوع من الخشب تتخذ منه الأمشاط مموها بالذهب فكان عند آدم إلى أن مات ثم عند شيث ثم توارثه أولاد آدم إلى أن وصل إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم كان عند اسماعيل ثم عند ابنه قيدار فنازعه ولد اسحاق ثم أمر من السماء أن يدفعه الى ابن عمه يعقوب إسرائيل الله فحمله إلى أن أوصله له ثم وصل إلى موسى عليه الصلاة والسلام فوضع فيه التوراة وعصاه وعمامة هارون ورضاض الألواح التى تكسرت لما ألقاها وأنه كان فيه الطشت طشت من ذهب الجنة الذى غسل فيه قلوب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وذلك مقتض لعدم الخصوصية وكان هذا التابوت إذا اختلفوا فى شىء سمعوا منه ما يفصل بينهم وما قدموه أمامهم فى حرب إلا نصروا وكان كل من تقدم عليه من الجيش لا بد أن يقتل أو ينهزم الجيش
وفى الخصائص للسيوطى ومما اختص به صلى الله عليه وسلم عن جميع الأنبياء ولم يؤتها نبى قبله شق صدره فى أحد القولين وهو الأصح وجمع بعضهم بحمل الخصوصية على تكرر شق الصدر لأن تكرر شق صدره الشريف ثبت فى الأحاديث وشق صدر غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما أخذ من قصة التابوت وليس فيها تعرض للتكرار ولو جمع بأن شق الصدر مشترك وشق القلب وإخراج العلقة السوداء مختص به صلى الله عليه وسلم ويكون المراد بالقلب في قصة التابوت الصدر وبالصدر فى كلام الخصائص القلب لم يكن بعيدا إذ ليس فى قصة التابوت مايدل على أن تلك العلقة السوداء أخرجت من غير قلب نبينا صلى الله عليه وسلم ولم أقف على أثر يدل على ذلك وغسل قلب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ليس من لازمة الشق بل يجوز أن يكون غسله من خارج وقد أحلنا على هذا الجمع فى بحث الرضاع وبهذا يرد ما قدمناه من قول الشمس الشامى الراجح المشاركة ولم أر لعدم المشاركة ما يعتمد عليه بعض الفحص الشديد فليتأمل
ثم رأيته ذكر أنه جمع جزءا سماه نور البدر فيما جاء فى شق الصدر ولم أقف عليه والله أعلم
____________________

قال فأتانى جبريل عليه الصلاة والسلام فذهب بى إلى باب المسجد أى وعن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم فى الحجر جاءنى جبريل عليه الصلاة والسلام فهمزني بقدمه فجلست فلم أر شيئا فعدت لمضجعي فجاني الثانية فهمزنى بقدمه فجلست فلم أر شيئا فعدت لمضجعي فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه فجلست فلم أر شيئا فأخذ بعضدى فقمت معه فخرج بى ألى باب المسجد
وفيه أنه إذا لم يجد شيئا من أخذ بعضديه إلا أن يقال ثم رآه عند أخذه بعضديه فإذا دابة أبيض أى ومن ثم قيل له البراق بضم الموحدة لشدة بريقه وقيل قيل له ذلك لسرعته أى فهو كالبرق وقيل لأنه كان ذا لونين أبيض وأسود أى يقال شاة برقاء إذا كان خلال صوفها الأبيض طاقات سوداء أى وهى العفراء ومن ثم جاء فى الحديث أبرقوا فإن دم عفراء عند الله أذكى من دم سوداوين أى ضحوا بالبلقاء وهى العفراء لكن فى الصحاح الأعفر الأبيض وليس بالشديد البياض وشاة عفراء يعلو بياضها حمرة ولغلبة بياض شعره على سواده أو حمرته قيل أبيض ولعل سواد شعره لم يكن حالكا بل كان قريبا من الحمرة فوصف بأنه أحمر وهذا لا يتم إلا لو كان البراق كذلك أي شعره أبيض داخله طاقات سود أو حمر ولعله كان كذلك ويدل له قول بعضهم إنه ذو لونين أى بياض وسواد والسواد كما علمت إذا صفا شبه بالأحمر وهذه الرواية طوى فيها ذكر أنه كان بين حمزة وجعفر وأنه جاءه جبريل وميكائيل وملك آخر وأنهم احتملوه إلى زمزم وشق جبريل صدره إلى آخر ما تقدم وذلك البراق فوق الحمار ودون البغل مضطرب الأذنين أى طويلهما أى وكان مسرجا ملجما كما فى بعض الروايات فركبته فكان يضع حافره مد بصره أى حيث ينتهى بصره
وفى رواية ينتهى خفها حيث ينتهى طرفها إذا أخذ فى هبوط طالت يداه وقصرت رجلاه وإذا أخذ فى صعود طالت رجلاه وقصرت يداه أى وقد ذكره هذا الوصف فى فرس فرعون موسى فقد قيل كان لفرعون أربع عجائب فذكر منها أن لحيته كانت خضراء ثمانية أشبار وقامته سبعة أشبار فكانت لحيته أطول منه بشبر وكان لهه فرس وقيل برذون إذا صعد الجبل قصرت يداه وطالت رجلاه وإذا انحدر يكون على ضد ذلك وفى رواية أن البزاق خطوه مد البصر قال ابن المنير فعلى هذا يكون قطع من الأرض إلى السماء فى خطوة واحدة لأن بصر الذى فى الأرض يقع على السماء فبلغ أعلى السموات فى سبع خطوات انتهى أى لأن بصر من يكون فى سماء الدنيا يقع
____________________

على السماء فوقها وهكذا وهذا بناء على أنه عرج به صلى الله عليه وسلم على المعراج راكب البراق وسيأتى ما فيه
قال صلى الله عليه وسلم فلما دنوت منه اشمأز أى نفر وفى رواية فاستصعب ومنع ظهره أن يركب فقال جبريل اسكن فما ركبك أحد أكرم على الله من محمد وفى رواية فى فخذيها أى تلك الدابة التى هى البراق جناحان تحفز بهما أى تدفع بهما رجليها ففى اللغة الحفز الحث والإعجال فلما دنوت لأركبها شمست أى نفرت ومنعت ظهرها وفى رواية شمس وفى رواية صرت أذنيها أى جمعتهما وذلك شأن الدابة إذا نفرت فوضع جبريل يده على معرفتها ثم قال ألا تستحين يا براق مما تصنعين والله ما ركب عليك أحد وفى رواية عبد الله قبل محمد صلى الله عليه وسلم أكرم على الله منه فاستحيت حتى ارفضت عرقا أى كثر عرقها وسال ثم قرت حتى ركبها أى وفى رواية فقال جبريل مه يا براق فوالله ماركبك مثله من الأنبياء أى لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانت تركبها قبله صلى الله عليه وسلم
ففى البيهقى وكانت الأنبياء تركبها قبلى وعند النسائى وكانت تسخر للأنبياء قبلى وبعد عليها العهد من ركوبهم لأنها لم تكن ركبت فى الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام كما ذكره ابن بطال وهو يقتضى أنه لم يركبه أحد ممن كان بين عيسى ومحمد من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وجاء التصريح بذلك فى بعض الروايات أى والمتبادر منها أنها التى بينه وبين عيسى عليهما الصلاة والسلام فيكون عيسى ممن ركبها دون من بعده من الأنبياء عليهما الصلاة والسلام على تقدير ثبوت وجود أنبياء عليهم الصلاة والسلام بعد عيسى وتقدم عن النهر أنه كان بينهما ألف نبى
وقوله لأن الأنبياء ظاهرة يدل على أن جميع الأنبياء أى عيسى ومن قبله ركبوه قال الإمام النووى القول باشتراك جميع الأنبياء فى ركبوها يحتاج إلى نقل صحيح هذا كلامه
ومما يدل على أن الأنبياء كانت تركبه قبله صلى الله عليه وسلم ما تقدم وظاهر ما سيأتى فى بعض الروايات فربطه بالحلقة التى توثق بها الأنبياء وإنما قلنا ظاهر لأنه لم يذكر الموثق بفتح المثلثة إذ يحتمل أن الأنبياء كانت تربط غير البراق من دوابهم بها ثم رأيت فى رواية البيهقى فأوثقت دابتى يعنى البراق التى كانت الأنبياء تربطها فيه
____________________

ومن ثم قال الشيخ عبد الوهاب الشعرانى رحمه الله مامن رسول إلا وقد أسرى به راكبا على ذلك البراق هذا كلامه وقد تقدم أن إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه حمل هو وهاجر وولدهما يعنى إسماعيل على البراق إلى مكة
وفى تاريخ الأزرقى وكان إبراهيم يحج كل سنة على البراق فعن سعيد بن المسيب وغيره أن البراق هو دابة إبراهيم عليه الصلاة والسلام التى كان يزور عليها البيت الحرام وعلى تسليم أنه لم يركب البراق أحد قبله صلى الله عليه وسلم كما يقول ابن دحية ووافقه الإمام النووى فقول جبريل عليه الصلاة والسلام ما ركبك ونحوه لا ينافيه لأن السالبة تصدق بنفى الموضوع ومن ثم قال فى الخصائص الصغرى وخص صلى الله عليه وسلم بركوب البراق فى أحد القولين أى وقيل إن الذى خص به هو ركوبه مسرجا ملجما
وفى المنتقى أن البراق وإن كان يركبه الأنبياء إلا أنه لم يكن يضع حافره عند منتهى طرفه إلا عند ركوب النبى صلى الله عليه وسلم وجاء فى غريب التفسير أن البراق لما شمس قال له جبريل لعلك يا محمد مسيت الصفر اليوم وهو صنم كان بعضه من ذهب وبعضه من نحاس كسره صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فقال له صلى الله عليه وسلم ما مسيته إلا أنى مررت به وقلت تبا لمن يعبدك من دون الله فقال جبريل وما شمس إلا لذلك أى لمجرد مرورك عليه وهذا حديث موضوع كما نقل عن الإمام أحمد
وقال الحافظ ابن حجر إنه من الأخبار الواهية وقال مغلطاى لا ينبغى أن يذكر ولا يعزى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال فرس شموس أى صعبة ولا يقال شموسة وذكر لاستصعاب البراق غير ذلك من الحكم لانطيل بذكره
قال وعن الثعلبى بسند ضعيف فى صفة البراق عن ابن عباس له خد كخد الإنسان وعرف كعرف الفرس وقوائم كالإبل وأظلاف وذنب كالبقر أى وحينئذ يكون إطلاق الخف على ذلك فى الرواية السابقة ينتهى خفها حيث ينتهى طرفها مجازا لأن مع كونها لها قوائم كقوائم الإبل لا خف لها بل ظلف وهو الحافر
وفى كلام بعضهم فى صفة البراق وجهه كوجه الإنسان وجسده كجسد الفرس وقوائمه كقوائم الثور وذنبه كذنب الغزال لا ذكر ولا أنثى اه ومن وصف بوصف المذكر تارة وبوصف المؤنث أخرى فهى حقيقة ثالثة ويكون خارجا من
____________________

قوله تعالى ومن كل شىء خلقنا زوجين كما خرجت من ذلك الملائكة فإنهم ليسوا ذكورا ولا إناثا
وذكر بعضهم أن أذنيها كأذنى الفيل وعنقها كعنق البعير وصدرها كصدر الفيل كأنه من ياقوت أحمر لها جناحان كجناح النسر فيهما من كل لون قوائمها كقوائم الفرس وذنبها كذنب البعير ويحتاج إلى الجمع بين هذه الروايات على تقدير الصحة
قال صلى الله عليه وسلم ثم سرت وجبريل عليه الصلاة والسلام لا يفارقنى أى وفى رواية أنه ركب معه البراق وفى الشفاء مازايلا ظهر البراق حتى رجعا وفى رواية ركبت البراق خلف جبريل أى وفى صحيح ابن حبان وحمله جبريل على البراق رديفا له
قال وفى الشرف كان الآخذ بركابه جبريل وبزمام البراق ميكائيل وفى رواية جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره اه
أقول لا منافاة لجواز أن يكون جبريل تارة ركب مردفا له صلى الله عليه وسلم وتارة أخذ بركابه من جهة اليمين وميكائيل تارة أخذ بالزمام وتارة لم يأخذه وكان جهة يساره أو كان آخذ بالزمام من جهة اليسار ولا يخالف هذا الجمع قول الشفاء مازايلا ظهر البراق لإمكان حمله على غالب المسافة هذا وفى حياة الحيوان الظاهر عندى أن جبريل لم يركب مع النبى صلى الله عليه وسلم البراق ليلة الإسراء لأنه المخصوص بشرف الإسراء هذا كلامه فليتأمل والله أعلم
قال صلى الله عليه وسلم ثم انتهيت إلى بيت المقدس فأوثقته بالحلقة التى بالباب أى باب المسجد التى كانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام توثق أى تربط بهاأى تربطه بها على ما تقدم عن رواية البيهقى وفى رواية أن جبريل خرق بأصبعه الحجر أى الذى هو الصخرة وفى كلام بعضهم فأدخل جبريل يده في الصخرة فخرقها وشد به البراق
أقول لا منافاة لجواز أن يكون المراد وسع الخرق بأصبعه أو فتحه لعروض انسداده وأن هذا الخرق هو المراد بالحلقة التى فى الباب لأن الصخرة بالباب وقيل لهذا الخرق حلقة لاستدارته
وفى الإمتاع وعادت صخرة بيت المقدس كهيئة العجين فربط دابته فيها والناس يلتمسون ذلك الموضع إلى اليوم هذا كلامه
____________________

وجمع بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم ربطه بالحلقة خارج باب المسجد الذى هو مكان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تأدبا فأخذه جبريل فربطه فى زاوية المسجد فى الحجر الذى هو الصخرة التى خرقها بأصبعه وجعله داخلا عن باب المسجد فكأنه يقول له إنك لست ممن يكون مركوبه على الباب بل يكون داخلا
وفى حديث أبى سفيان قبل إسلامه لقيصر أنه قال لقيصر يحط من قدره صلى الله عليه وسلم ألا أخبرك أيها الملك عنه خبرا تعلم منه أنه يكذب قال وما هو قال إنه يزعم أنه خرج من أرضنا أرض الحرم فجاء مسجدكم هذا ورجع إلينا فى ليلة واحدة فقال بطريق أنا أعرف تلك الليلة فقال له قيصر ما علمك بها قال إنى كنت لا أبيت ليلة حتى أغلق أبواب المسجد فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كها غير باب واحد أى وهو الباب الفلانى غلبنى فاستعنت عليه بعمالى ومن يحضرنى فلم نقدر فقالو إن البناء نزل عليه فاتركوه إلى غد حتى يأتى بعض النجارين فيصلحه فتركته مفتوحا فلما أصبحت غدوت فإذا الحجر الذى من زاوية الباب مثقوب أى زيادة على ماكان عليه على ماتقدم وإذا فيه أثر مربط الدابة أى التى هى البراق أى ولم أجد بالباب مايمنعه من الإغلاق فعلمت أنه إنما امتنع لأجل ما كنت أجده فى العلم القديم أن نبيا يصعد من بيت المقدس إلى السماء وعند ذلك قلت لأصحابى ماحبس هذا الباب الليلة إلا هذا الأمر وسيأتى ذلك عند الكلام على كتابه صلى الله عليه لقيصر ولا يخفى أن المراد بالصخرة الحجر الذي بالباب لا الصخرة المعروفة كما هو المتبادر من بعض الروايات وهي فأتى جبريل الصخرة التى فى بيت المقدس فوضع أصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق لأن الذى فى بابه يقال إنها فيه ولا يخفى أن عدم انغلاق الباب إنما كان آية وإلا فجبريل عليه الصلاة والسلام لا يمنعه باب مغلق ولا غيره
وفى رواية عن شداد بن أوس أنه قال ثم انطلق بى أى جبريل حتى دخلنا المدينة يعنى مدينة بيت المقدس من بابها اليمانى فأتى قبلة المسجد فربط فيها دابته
قد يقال لا يخالفه لأنه يجوز أن يكون ذلك الباب كان بجانب قبلة المسجد ولعل هذا الباب هو اليمانى الذى فيه صورة الشمس والقمر ففى رواية ودخل المسجد من باب فيه تمثال الشمس والقمر أى مثالهما فيه والله أعلم
وأنكر حذيفة رضى الله تعالى عنه رواية ربط البراق وقال لم يفر منه وقد سخره له
____________________

عالم الغيب والشهادة ورد عليه بأن الأخذ بالحزم لا ينافى صحة التوكل فعن وهب ابن منبه رضى الله عنه الإيمان بالقدر لا يمنع الحازم من توقى المهالك قال وهب وجدته فى سبعين من كتب الله عزوجل القديمة اى ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم اعقلها وتوكل وقد كان صلى الله عليه وسلم يتزود فى أسفاره ويعد السلاح فى حروبه حتى لقد ظاهر بين درعين فى غزوة أحد قال وفى رواية فلما استوى النبى صلى الله عليه وسلم فى صخرة المسجد قال جبريل يا محمد هل سألت ربك أن يريك الحور العين قال نعم قال جبريل فانطلق إلى أولئك النسوة فسلم عليهن فرددن عليه السلام فقال من أنتن قلن خيرات حسان قوم أبرار نقلوا فلم يدرنوا وأقاموا فلم يظنعوا وخلدوا فلم يموتوا اه
أقول فى كلام بعضهم أنه لم يختلف أحد أنه صلى الله عليه وسلم عرج به من عند القبة التى يقال لها قبة المعراج من عند يمين الصخرة وقد جاء صخرة بيت المقدس من صخور الجنة وفى لفظ سيدة الصخور صخرة بيت المقدس وجاء صخرة بيت المقدس على نخلة والنخلة على نهر من أنهار الجنة وتحت النخلة آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران ينظمان سموط أهل الجنة إلى يوم القيامة قال الذهبى إسناده مظلم وهو كذب ظاهر
قال الإمام أبو بكر بن العربى فى شرحه لموطا مالك صخرة بيت المقدس من عجائب الله تعالى فإنها صخرة قائمة شعثاء فى وسط المسجد الأقصى قد انقطعت من كل جهة لا يمسكها إلا الذى يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه فى أعلاها من جهة الجنوب قدم النبى صلى الله عليه وسلم حين ركب البراق وقد مالت من تلك الجهة لهيبته صلى الله عليه وسلم وفى الجهة الأخرى أصابع الملائكة التى أمسكتها لما مالت ومن تحتها المغارة التى انفصلت من كل جهة أى فهى معلقة بين السماء والأرض وامتنعت لهيبتها من أن أدخل تحتها لأنى كنت أخاف أن تسقط على بالذنوب ثم بعد مدة دخلتها فرايت العجب العجاب تمشى فى جوانبها من كل جهة فتراها منفصلة عن الأرض لا يتصل بها من الأرض شىء ولا بعض شىء وبعض الجهات أشد انفصالا من بعض وهذا الذى ذكره ابن العربى أن قدمه صلى الله عليه وسلم أثر فى صخرة بيت المقدس حين ركب البراق وأن الملائكة أمسكتها لما مالت قال به الحافظ ناصر الدين الدمشقى حيث قال فى معراجه المسجع ثم توجها نحو صخرة بيت المقدس وعماها فصعد من جهة الشرق
____________________

أعلاها فاضطربت تحت قدم نبينا صلى الله عليه وسلم ولانت فأمسكتها الملائكمة لما تحركت ومالت
وقول ابن العربى حين ركب البراق يقتضى أنه عرج به على البراق وسيأتى الكلام فيه وتقدم أن الجلال السيوطى سئل عن غوص قدمه صلى الله عليه وسلم فى الحجر هل له أصل فى كتب الحديث فأجاب بأنه لم يقف فى ذلك على أصل ولا رأى من خرجه فى شىء من كتب الحديث وتقدم مافيه
وفى العرائس قال أبى بن كعب ما من ماء عذب إلا وينبع من تحت الصخرة ببيت المقدس ثم يتفرق فى الأرض والله سبحانه وتعالى أعلم
قال صلى الله عليه وسلم فنشر لى بضم النون وكسر الشين المعجمة أى أحيي لى بعد الموت رهط من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأن نشر الميت إحياؤه والرهط مادون العشرة من الرجال فيهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام أى وحكمة تخصيص هؤلاء بالذكر لا تخفى فصليت بهم وكلمتهم أى فالمراد نشروا عند دخوله صلى الله عليه وسلم المسجد وصلى بهم ركعتين ووصفهم بالنشور واضح فى غير عيسى عليه الصلاة والسلام لأنه لم يمت ووصف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالإحياء بعد الموت سيأتى فى قصة بدر فى الكلام على أصحاب القليب ما يعلم منه أن المراد بإحياء الأنبياء بعد الموت شدة تعلق أرواحهم بأجسادهم حتى انهم فى البرزخ بسبب ذلك أحياء كحياتهم فى الدنيا وقد ذكرنا هناك الكلام على صلاتهم فى البرزخ وحجهم وغير ذلك وفى رواية ثم صلى صلى الله عليه وسلم هو وجبريل كل واحد ركعتين فلم يلبثا إلا يسيرا حتى اجتمع ناس كثير أى مع أولئك الرهط فلا مخالفة بين الروايتين فعرف النبيين من بين قائم وراكع وساجد ثم أذن مؤذن وأقيمت الصلاة
أقول ذكر ابن حبيب أن آية واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا الآية نزلت ببيت المقدس ليلة الإسراء ويجوز أن يكون قوله واقيمت الصلاة من عطف التفسير فالمراد بالأذان الإقامة وليس المراد بالإقامة الألفاظ المعروفة الآن لما سيذكر فى الكلام على مشروعية الأذان والإقامة بالمدينة وعلى أنه من عطف المغاير ويدل له مافى بعض الروايات فلما استوينا فى المسجد أذن مؤذن ثم أقام الصلاة فليس من لازم ذلك أن يكون كل من التأذين والإقامة باللفظين المعروفين الآن لأنهما كما علمت لم يشرعا إلا فى المدينة أى فى السنة الأولى من الهجرة وقيل فى الثانية كما سيأتى
____________________

وحديث لما أسرى بالنبى صلى الله عليه وسلم إلى السماء أوحى الله تعالى إليه بالأذان فنزل به فعلمه بلالا قال الحافظ ابن رجب موضوع وحديث علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان ليلة أسرى به فى إسناده متهم وفى الخصائص الكبرى أنه صلى الله عليه وسلم علم الإقامة ليلة الإسراء فقد جاء لما أراد الله عزوجل أن يعلم رسوله الأذان أى الإقامة عرج به إلى أن انتهى إلى الحجاب الذى يلى الرحمن أى عرشه خرج ملك من الحجاب فقال الله أكبر الله أكبر فقيل من وراء الحجاب صدق عبدى أنا أكبر أما أكبر ثم قال الملك أشهد أن لا إله إلا الله فقيل من وراء الحجاب صدق عبدى لا إله إلا أنا فقال الملك أشهد أن محمدا رسول الله فقيل من وراء احجاب صدق عبدى أنا أرسلت محمدا فقال الملك حى على الصلاة حى على الفلاح قد قامت الصاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فأخذ الملك بيد محمد صلى الله عليه وسلم فقدمه يؤم بأهل السموات قال فى الشفاء والحجاب إنما هو فى حق المخلوق لا فى حق الخالق فهم المحجوبون قال فإن صح القول بان محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فيحتمل أنه فى غير هذا الموطن بعد رفعالحجاب عن بصره حتى رآه
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عن ذلك فقال جبريل إن هذا الملك ما رأيته قبل ساعتي هذه وفي لفظ والذي بعثك بالحق إني لأقرب الخلق مكانا وإن هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتى هذه وفيه أن هذا يقتضى أن جبريل عليه السلام كان معه صلى الله عليه وسلم فى هذا المكان وسيأتى أنه تخلف عنه عند سدرة المنتهى فليتأمل والله أعلم
ولما أقيمت الصلاة ببيت المقدس قاموا صفوفا ينتظرون من يؤمهم فأخذ جبريل بيده صلى الله عليه وسلم فقدمه فصلى بهم ركعتين
أى وأما حديث لما أسرى بى أذن جبريل فظنت الملائكة أنه يصلى بهم فقدمنى فصليت بالملائكة قال الذهبى منكر بل موضوع والغرض من تلك الصلاة الإعلام بعلو مقامه صلى الله عليه وسلم وأنه المقدم لا سيما فى الإمامة
وفى رواية ثم أقيمت الصلاة فتدافعوا أى دفعوا حتى قدموا محمد صلى الله عليه وسلم أى ولا مخالفة لأنه يجوز أن يكون جبريل قدمه صلى الله عليه وسلم بعد دفعهم وتقديمهم له صلى الله عليه وسلم وفى رواية فأذن جبريل أى أقام الصلاة ونزلت
____________________

الملائكة من السماء وحشر الله له المرسلين أى جميعهم وقد نزلت الملائكة وحشر له الأنبياء أى جميعهم بدليل مافى بعض الروايات بعث له آدم فمن دونه فهو تعميم بعد تخصيص بناء على أن الرسول أخص من النبى لا بمعناه وهذا هو المراد بقوله الخصائص الصغرى ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم إحياء الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وصلاته إماما بهم وبالملائكة لأن الأنبياء أحياء
وفيه إذا كان الأنبياء أحياء فما معنى إحيائهم له ليصلى بهم وقد علمت معنى إحيائهم فلما انصرف صلى الله عليه وسلم قال جبريل يا محمد أتدرى من صلى خلفك قال لا قال كل نبى بعثه الله تعالى أى والنبى غير الرسول بعثه الله تعالى إلى نفسه
أقول ولا يخاللف ما سبق من أنه عرف النبيين منه بين قائم وراكع وساجد لجواز أن يكون المراد عرف معظمهم أو أنه عرفهم بعد هذا القول
وذكر القرطبى فى تفسيره عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس جمع الله له الأنبياء آدم فمن دونه وكانوا سبعة صفوف ثلاثة صفوف من الأنبياء المرسلين وأربعة من سائر الأنبياء وكان خلف ظهره إبراهيم الخليل وعن يمينه إسمعيل وعن يساره إسحاق صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين والله أعلم وفى رواية ثم دخل أى مسجد بيت فصلى مع الملائكة فلما قضيت الصلاة قالوا يا جبريل من هذا الذى معك قال هذا محمد رسول االع صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين قالوا وقد أرسل إليه أي للمعراج بناء على أنه كان في ليلة الإسراء قال نعم قالوا حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة وهذه الرواية قد يقال لا تخالف ماسبق من أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالملائكة مع الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لأنه يجوز أن يكون إنما أفردهم بالذكر لسؤالهم
وفيه أن سؤالهم يدل على أن نزولهم من السماء لبيت المقدس لم يكن لأجل الصلاة معه صلى الله عليه وسلم
قال القاضى عياض والأظهر أن صلاته صلى الله عليه وسلم بهم يعنى بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فى بيت المقدس كانت قبل العروج أى كما يدل على
____________________

ذلك سياق القصة وقال الحافظ ابن كثير صلى بهم فى بيت المقدس قبل العروج وبعده فإن فى الحديث مايدل على ذلك ولا مانع منه
قال ومن الناس من يزعم أنه إنما أمهم فى السماء أى لا فى بيت المقدس أى وهذا الزاعم هو حذيفة فإنه أنكر صلاته صلى الله عليه وسلم بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام فى بيت المقدس قال بعضهم والذى تظافرت به الروايات صلاته صلى الله عليه وسلم بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ببيت المقدس
والظاهر أنه بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم إليه أى فلم يصل فى بيت المقدس إلا مرة واحدة وإنها بعد نزوله صلى الله عليه وسلم لأنه لما مر بهم فى منازلهم جعل يسأل جبريل عنهم واحدا واحدا وهو يخبره بهم أى ولو كان صلى بهم أولا لعرفهم بل تقدم أنه صلى الله عليه وسلم عرف النبيين مابين قائم وراكع وساجد وما بالعهد من قدم وهذا هو اللائق لأنه صلى الله عليه وسلم أولا كان مطلوبا إلى الجناب العلوى أى بناء على أن المعراج كان فى ليلة الإسراء وحيث كان مطلوبا لذلك اللائق أن لا يشتغل بشىء عنه فلما فرغ من ذلك اجتمع هو صلى الله عليه وسلم وإخوته من النبيين ثم أظهر شرفه عليهم فقدمه فى الإمامة هذا كلامه
أقول بحث أن صلاته صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس ولم تكن إلا بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من العروج والاستدلال على ذلك بسؤاله صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء عليهم الصلاة واللام واحدا واحدا فى السماء وأن ذلك هو اللائق فيه نظر ظاهر لأنه لا بحث مع وجود النقل بخلافه ومجرد الاستحسان العقلى لا يرد النقل فقد تقدم عن الحافظ ابن كثير أنه ثبت فى الحديث مايدل على أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم ببيت المقدس قبل العروج وبعده وكونه سأل عن الأنبياء فى السماء لا ينافى صلاته بهم أولا وأنه عرفهم بناء على تسليم أن معرفته لهم كانت عند صلاته بهم أولا وأنه عرفهم كلهم لا معظمهم على ما قدمناه لأنه يجوز أن يكونوا فى السماء على صور لم يكونوا عليها ببيت المقدس لأن البرزخ عالم مثال كما تقدم
وبهذا يعلم مافى قول بعضهم رؤيته صلى الله عليه وسلم للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فى السماء محمولة على رؤية أرواحهم إلا عيسى وإدريس عليهما الصلاة والسلام ورؤيته صلى الله عليه وسلم لهم فى بيت المقدس يحتمل أن المراد أرواحهم ويحتمل
____________________

أجسادهم ويدل للثانى وبعث له أدم فمن دونه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفى رواية فنشر لى الأنبياء من سمى الله ومن لم يسم فصليت بهم صلى الله عليه وسلم وعليهم والاشتغال عن الجناب العلوى المدعو له بما فيه تأنيس وهو اجتماعه صلى الله عليه وسلم بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وصلاته بهم مناسب لائق بالحال والله أعلم
واختلف فى هذه الصلاة فقيل العشاء أى الركعتان اللتان كان صلى الله عليه وسلم يصليهما بالعشاء بناء على أنه صلى ذلك قبل العروج
وفيه أنه صلى تينك الركعتين اللتين كان يصليهما بالغداة أى وهذا يدل على أن الفجر طلع وهو صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس بعد العروج وتقدم وسيأتى أنه صلى الغداة بمكة وعليه تكون معادة بمكة
قال والذى يظهر والله أعلم أنها كانت من النفل المطلق انتهى أى ولا يضر وقوع الجماعة فيها وبقولنا أى الركعتان إلى آخره يسقط ماقيل القول بأنها العشاء أو الصبح ليس بشيء لأن أول صلاة صلاها من الخمس مطلقا الظهر ومن حمل الأولية على مكة أى ويكون صلى الصبح ببيت المقدس فعليه الدليل أى دليل يدل على أن تلك الصلاة إحدى الصلوات الخمس
وفى زين القصص كان زمن ذهابه صلى الله عليه وسلم ومجيئه ثلاث ساعات وقيل أربع ساعات أى بقيت من تلك الليلة لكن فى كلام السبكى أن ذلك كان فى قدر لحظة حيث قال فى تائيته وعدت وكل الأمر فى قدر لحظة أى ولا بدع لأن الله تعالى قد يطيل الزمن القصير كما يطوى الطويل لمن يشاء وقد فسح الله فى الزمن القصير لبعض أولياء أمته ما يستغرق الأزمنة الكثيرة وفى ذلك حكايات شهيرة
قال صلى الله عليه وسلم وأتيت بإنائين أحمر وأبيض فشربت الأبيض فقال لى جبريل شربت اللبن وتركت الخمر لو شربت الخمر لارتدت أمتك أى غوت واتهمكت فى الشرب بدليل الرواية الأخرى وهى رواية البخارى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به بإيليا بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما فاخذ اللبن فقال جبريل الحمد لله الذى هداك للفطرة اى الإستقامة لو أخذت الخمرة غوت
____________________

أمتك ولم يتبعك منهم إلا القليل أى يكونوا على ما أنت عليه من ترك ذلك فالمراد بالارتداد الرجوع عما هو الصواب وإتيانه بذلك وهو فى المسجد ببيت المقدس وسيأتى ما يدل على أنه أتى له صلى الله عليه وسلم بذلك أيضا بعد خروجه صلى الله عليه وسلم منه قبل العروج
قال صلى الله عليه وسلم واستويت على ظهر البراق فما كان بأسرع من أن أشرفت على مكة ومعى جبريل فصليت به الغداة ثم قال صلى الله عليه وسلم لأم هانىء بعد أن أخبرها بذلك أنا أريد ان أخرج إلى قريش فأخبرهم بما رأيت قالت أم هانىء فعلقت بردائه صلى الله عليه وسلم وقلت أنشدك الله أى بفتح الهمزة أسألك بالله ابن عم أى يا ابن عم أن تحدث أى لا تحدث بهذا قريشا فيكذبك من صدقك وفى رواية إنى أذكرك الله عز وجل أنك تأتى قوما يكذبونك وينكرون مقالتك فأخاف أن يسطوا بك فضرب بيده الشريفة على ردائه فانتزعه من يدى فارتفع على بطنه صلى الله عليه وسلم فنظرت إلى عكنه أى طبقات بطنه من السمن فوق ردائه صلى الله عليه وسلم وكأنه طى القراطيس أى الورق وإذا نور ساطع عند فؤاده كاد يخطف بفتح الطاء وربما كسرت بصرى فخررت ساجدة فلما رفعت رأسى إذ هو قد خرج فقلت لجاريتى نبعة أى وكانت حبشية معدودة فى الصحابة رضى الله عنها اتبعيه وانظرى ماذا يقول فلما رجعت أخبرتنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى نفر من قريش فى الحطيم هو مابين باب الكعبة والحجر الأسود وفى كلام بعضهم بين الركن والمقام سمى بذلك لأن الناس يحطم بعضهما بعضا فيه من الازدحام لأنه من مواطن إجابة الدعاء قيل ومن حلف فيه آثما عجلت عقوبته وربما أطلق كما تقدم على الحجر بكسر الحاء وأولئك النفر الذين انتهى صلى الله عليه وسلم إليهم فيهم المطعم بن عدى وأبو جهل بن هشام والوليد ابن المغيرة فقال صلى الله عليه وسلم إنى صليت الليلة العشاء أى أوقعت صلاة فى ذلك الوقت فى هذا المسمجد وصليت به الغداة أى أوقعت صلاة فى ذلك الوقت وإلا فصلاة العشاء لم تكن فرضت وكذا صلاة الغداة التى هى الصبح لم تكن فرضت كما تقدم وأتيت فيما بين ذلك بيت المقدس
أى لا يقال كان المناسب لذلك أن يقول وأتيت فى لحظة أو ساعات وعلى ما تقدم فيما بين ذلك ببيت المقدس ولم يوسع لهم الزمن لأنا نقول وسع لهم الزمن لأن الطباع لا تنفر منه نفرتها من تلك فليتأمل
____________________

قال وجاء أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل المسجد قطع وعرف أن الناس تكذبه أى وما أحب أن يكتم ما هو دليل على قدرة الله تعالى وما هو دليل على علو مقامه صلى الله عليه وسلم الباعث على اتباعه فقعد صلى الله عليه وسلم حزينا فمر به عدو الله أبو جهل فجاء حتى جلس إليه صلى الله عليه وسلم فقال كالمستهزىء هل كان من شيء قال نعم أسرى بى الليلة قال إلى أين قال إلى بيت المقدس قال ثم أصبحت بين ظهرانينا قال نعم قال فلم ير أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث إن دعا قومه إليه قال أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم ما حدثتنى قال نعم قال يا معشر بنى كعب بن لؤى فانقضت إليه المجالس وجاءوا حتى جلسوا إليهما فقال حدث قومك بما حدثتنى به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنى أسرى بى الليلة قالوا إلى أين قال إلى بيت المقدس الحديث انتهى فنشر لى رهط من الأنبياء منهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وصليت بهم وكلمتهم فقال أبو جهل كالمستهزىء صفهم لى فقال صلى الله عليه وسلم أما عيسى عليه الصلاة والسلام ففوق الربعة ودون الطويل أى لا طويل ولا قصير عريض الصدر ظاهر الدم أى لونه أحمر وفى رواية يعلوه حمرة كأنما يتحادر من لحيته الجمان وفى رواية كأنه خرج من ديماس أى من حمام وأصله الكن الذى يخرج منه الإنسان وهو عرقان وأصله الظلمة يقال ليل دامس والحمام لفظ عربى وأول واضع له الجن وضعته لسيدنا سليمان على نبينا وعليه الصلاة والسلام وقيل الواضع له بقراط وقيل شخص سابق على بقراط استفاده من رجل كان به تعقيد العصب فوقع في ماء حار في جب فسكن فصار يستعمله حتى برىء
وجاء من طرق عديدة كلها ضعيفة لكن يقوى بعضها بعضا إن سليمان عليه الصلاة والسلام لما دخله ووجد حره وغمه قال أواه من عذاب الله لان دخول الحمام يذكر النار لأن الحمام أشبه شىء بجهنم لان النار أسفله والسواد والظلمة أعلاه وقد قيل خير الحمام ماقدم بناؤه واتسع فناؤه وعذب ماؤه قال بعضهم ويصير قديما بعد سبع سنين قال بعضهم ولم يعرف الحمام فى بلاد الحجاز قبل البعثة وإنما عرفه الصحابة بعد موته صلى الله عليه وسلم بعد أن فتحوا بلا د العجم
وفيه أن فى البخارى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون بيتا يقال له الحمام قالوا يا رسول الله إنه يذهب بالدرن وينفع المريض
____________________

قال فاستتروا وفى رواية أنه لما قال صلى الله عليه وسلم اتقوا بيتا يقال له الحمام فقالوا يا رسول الله إنه يذهب بالدرن وينفع المريض الوسخ ويذكر النار قال إن كنتم لا بد فاعلين فمن دخله فليستتر وهو صريح فى أن الصحابة رضى الله تعالى عنهم عرفوه فى زمنه صلى الله عليه وسلم إلا أن يقال جاز أن يكونوا عرفوه من غيرهم بهذا الوصف لهم والمنفى فى كلام هذا البعض معرفتهم له بالدخول فيه ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم بيتا يقال له الحمام وقوله صلى الله عليه وسلم ستفتح عليكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات
وأما ما جاء عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم دخل حمام الجحفة فلا يرد لأنه على تقدير صحته فالمراد به أنه محل للاغتسال فيه لا بالهيئة المخصوصة وكذا لا يرد مافى معجم الطبرانى الكبير عن أبى رافع أنه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بموضع فقال نعم موضع الحمام هذا فبنى فيه حمام لجواز أن يكون بنى ذلك بعد موته صلى الله عليه وسلم فهو من أعلام نبوته قال بعضهم ولعله قال ذلك لقبح الموضع أى فقول بعضهم ويكفى ذلك فى فضيلة الحمام ليس فى محله
وفيه أن هذا البعض لم يعول فى الفضيلة على هذا فقط بل عليه وعلى ما رواه البخارى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما الذى فيه لأنه يذهب بالدرن وينفع المريض
ولايرد أيضا مافى مسند أحمد عن أم الدرداء رضى الله تعالى عنها أنها خرجت من الحمام فلقيها رسول اله صلى الله عليه وسلم فقال لها من أين يا أم الدرداء قالت من الحمام لأن فى سنده ضعيفا ومتروكا ولأنه يجوز أن يكون المراد به أنه محل الاغتسال لا أنه المبنى على الهيئة المخصوصة كما تقدم وبه يجاب أيضا عما فى مسند الفردوس إن صح عن ابن عمر رضى اله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما وقد خرجا من الحمام طاب حمامكما
قال ابن القم ولم يدخل المصطفى صلى الله عليه وسلم حماما قط ولعله ما رآه بعينيه هذا كلامه وعن فرقد السنجى أنه ما دخل الحمام نبى قط ويشكل عليه ماتقدم عن سليمان عليه الصلاة والسلام
واعترض بعضهم قول ابن القيم لعله صلى الله عليه وسلم مارأى الحمام بعينه بأنه صلى الله عليه وسلم دخل الشام وبها حمامات كثيرة فيبعد أنه ما رأها نعم لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم دخل شيئا منها
____________________

وفيه أنه قد يقال هو صلى الله عليه وسلم لم يدخل بلاد الشام إلا بصرى وجاز أن لا يكون بها حمام حين دخوله صلى الله عليه وسلم إليها
وفى الطبرانى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما مرفوعا شر البيوت الحمام تعلو فيه الأصوات وتكشف فيه العورات فمن دخله لا يدخله إلا مستترا ورجاله رجال الصحيح إلا شخص منهم فيه مقال وما أحسن قول الإمام الغزالى ورد نعم البيت الحمام يطهر البدن ويذهب الدرن ويذكر النار وبئس البيت الحمام يبدى العورة ويذهب الحياء فهذا تعرض لأنفه وذلك تعرض لفائدته ولا بأس بطلب الفائدة مع التحرز عن الآفة
والحاصل أن الحمام تعتريه الأحكام الخمسة فيكون واجبا وحراما ومندوبا ومكروها ومباحا والاصل فيه عندنا معاشر الشافعية الإباحة للرجال مع ستر العورة مكروه للنساء مع ستر العورة حيث لا عذر وهو محمل ما جاء من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من نسائكم فلا يدخل الحمامات ومع عدم ستر العورة حرام وهو محمل ما جاء الحمام حرام على نساء أمتى
وأول من اتخذ الحمام فى القاهرة العزيز ابن المعز العبيدى أحد الفواطم قال بعضهم ليس فى شأن الحمام ما يعول عليه إلا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم فى صفة عيسى عليه الصلاة والسلام كأنما خرج من ديماس
وقال غيره أصح حديث فى هذا الباب حديث اتقوا بيتا يقال له الحمام فمن دخله فليستتر وقال ابن عمر فى وصف عيسى عليه الصلاة والسلام إنما هو آدم وحلف بالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل فى عيسى إنه أحمر وإنما قال آدم وإنما اشتبه على الراوى وأجاب الإمام النووى بأن الراوى لم يرد حقيقة الحمرة بل ما قاربها أى والحمرة المقاربة لها أى للأدمة يقال لها أدمة أى كما يقال لها حمرة فلا منافاة قال صلى الله عليه وسلم جاعد الشعر أى فى شعره تثن وتكسر
أقول ينبغى حمل جعد الذى جاء فى بعض الروايات وإذا هو بعيسى جعد على هذا ثم رأيت النووى قال قال العلماء المراد بالجعد هنا جعوده الجسم وهو اجتماعه واكتنازه وليس المراد جعودة الشعر فليتأمل والله أعلم تعلوه صهبة أى يعلو شعره
____________________

شقرة كأنه عروة بن مسعود الثقفى أى رضى الله تعالى عنه فإنه بعد انصرافه صلى الله عليه وسلم من الطائف لحق به قبل أن يدخل المدينة وأسلم ثم جاء إلى قومه ثقيف يدعوهم إلى الإسلام فقتلوه وقال صلى الله عليه وسلم فى حقه إن مثله فى قومه كصاحب يس كما سيأتى ذلك
وأما موسى عليه الصلاة والسلام فضخم آدم أى أسمر ومن ثم كان خروج يده بيضاء مخالفا لونها لسائر لون جسده آية طويل كأنه من رجال شنوءة طائفة من اليمن أى ينسبون إلى شنوءة وهو عبد الله بن كعب من أولاد الأزد لقب بذلك لشنآن كان بينه وبين اهله وقيل لأنه كان فيه شنوءة وهو التباعد من الأدناس وفى رواية كأنه من رجال أزدعمان هو أبو حى من اليمن وعمان هذه بضم العين المهملة وتخفيف الميم بلدة باليمن سميت بذلك لأنه نزلها عمان بن سنان من ولد إبراهيم عليه الصلاة والسلام زأما عمان بفتح العين وتشديد الميم فيلدة بالشام سميت بذلك لأن عمان بن لوط كان سكنها وكما يقال أزدعمان يقال أزد شنوءة ورجال الأزدمعروفون بالطول
قال صلى الله عليه وسلم كثير الشعر غائر العينين متراكم الأسنان مقلص الشفتين خارج اللثة أى وهو اللحم الذى حول الأسنان عابس وأما إبراهيم عليه الصلاة والسلام فوالله إنه لأشبه الناس بى خلقا وخلقا وفى رواية لم أر رجلا أشبه بصاحبكم ولا صاحبكم أشبه به منه يعنى نفسه صلى الله عليه وسلم فضجوا وأعظموا ذلك وصار بعضهم يصفق وبعضهم يضع يده على رأسه تعجبا فقال المطعم بن عدى إن أمرك قبل اليوم كان أمما أى يسيرا غير قولك اليوم وأنا أشهد أنك كاذب نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعدا شهرا ومنحدرا شهرا أتزعم أنك أتيته فى ليلة واحدة واللات والعزى لا أصدقك وما كان هذا الذى تقول قط وقال أبو بكر رضى الله تعالى عنه يا مطعم بئس ماقلت لابن أخيك جبهته أى استقبلته بالمكروه وكذبته أنا أشهد أنه صادق وفى رواية حين حدثهم بذلك ارتد ناس كانوا أسلموا أى وحينئذ فقول المواهب فصدقه الصديق وكل من آمن بالله فيه نظر إلا أن يراد من ثبت على الإسلام
وفى رواية سعى رجال من المشركين إلى أبى بكر رضى الله تعالى عنه فقالوا هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسرى به الليلة إلى بيت المقدس قال أوقد قال ذلك
____________________

قالوا نعم قال لئن قال ذلك لقد صدق قالوا تصدقه أنه ذهب إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح قال نعم إنى لاصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه فى خبر السماء فى غدوته أى وهى ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس وروحة أى وهى اسم للوقت من الزوال إلى الليل أى وهذا تفسير لهما بحسب الأصل وإلا فالمراد أنه ليخبرنى أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض فى ساعة واحدة من ليل أو نهار فأصدقه فهذا أى مجىء الخبر له من السماء بواسطة الملك أبعد مما تعجبون منه أى وحينئذ يجوز أن يكون قول أبى بكر للمطعم ما تقدم كان بعد هذا القول أى قاله بعد أن اجتمع به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقود بلغته مقالته فلا مخالفة بين الروايتين وإلى إسرائه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وتحديثه قريشا بذلك أشار صاحب الهمزية بقوله ** حظى المسجد الحرام بممشا ** هـولم ينس حظه إيلياء ** ** ثم وافى يحدث الناس شكرا ** إذ أتته من ربه النعماء **
أى جميع المسجد الحرام حصل له الحظ الأوفر بممشاه صلى الله عليه وسلم فيه ففضل سائر البقاع ولم ينس حظه من ممشاه صلى الله عليه وسلم بيت المقدس بل شرفه الله تعالى بمشيه فيه أيضا ففضل على ما عدا المسجدين أى مسجد مكة ومسجد المدينة ثم وافى صلى الله عليه وسلم مكة يحدث الناس لأجل قيامه بالشكر لله تعالى أو حال كونه شاكرا له تعالى وقت أو لأجل أن أتته من ربه النعماء فى تلك الليلة
ثم قال المطعم يا محمد صف لنا بيت المقدس أراد بذلك إظهار كذبه وقيل القائل له ذلك أبو بكر قال له صفه لى فإنى قد جئته أراد بذلك إظهار صدقه صلى الله عليه وسلم لقوله فقال دخلته ليلا وخرجت منه ليلا فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فصوره فى جناحه أى جاء بصورته ومثاله فى جناحه فجعل صلى الله عليه وسلم يقول باب منه كذا فى موضع كذا وباب منه كذا فى موضع كذا وأبو بكر رضى الله تعالى عنه يقول صدقت أشهد انك رسول الله حتى أتى على أوصافه أى ومعلوم أن من ذهب بيت المقدس من قريش يصدق على ذلك أيضا
وفى رواية لما كذبتنى قريش أى وسألتنى عن اشياء تتعلق ببيت المقدس لم أثبتها أى قالوا له كم للمسجد من باب فكربت كربا شديدا لم أكرب مثله قط قمت فى الحجر
____________________

فجلى الله عزوجل لى بيت المقدس أى وجلى بتشديد اللام وربما خففت كشفه لى أى بوجود صورته ومثاله فى جناح جبريل
وفى رواية فجىء بالمسجد أى بصورته وأنا أنظر إليه حتى وضع أى بوضع محله الذى هو جناح جبريل فلا مخالفة بين الروايات وهذا من باب التمثيل ومنه رؤية الجنة والنار فى عرض الحائط لا من باب طى المسافة وزوى الأرض ورفع الحجب المانعة من الاستطراق الذى ادعى الجلال السيوطى أنه أحسن ما يحمل عليه حديث رفع بيت المقدس حتى رآه النبى صلى الله عليه وسلم بمكة حال وصفه إياه لقريش صبيحة الإسراء إذ ذلك لا يجامع مجىء صورته فى جناح جبريل وإنما قلنا إن ذلك من باب التمثيل لأن من المعلوم أن أهل بيت المقدس لم يفقدوه تلك الساعة من بلدهم فرفعه إنما هو برفع محله الذى هو جناح جبريل
ثم رأيت ابن حجر الهيتمى قال الأظهر أنه رفع بنفسه كما جىء بعرش بلقيس إلى سليمان عليه الصلاة والسلام فى اسرع من طرفة عين ولك أن تتوقف فيه فان عرش بلقيس فقد بخلاف بيت المقدس وكان ذلك التجلى عند دار عقيل وتقدم أنها عند الصفا وأنها استمرت فى يد أولاد عقيل إلى أن آلت إلى يوسف أخى الحجاج وأن زبيدة أو الخيزران جعلتها مسجدا لما حجت كما تقدم وتقدم مافيه قال صلى الله عليه وسلم فطفقت أى جعلت أخبرهم عن آياته أى علاماته وأنا أنظر إليه أى وذلك قبل أن تحول الأبنية بين الحجرتلك الدار أى لقوله صلى الله عليه وسلم فقمت فى الحجر وهم يصدقونه صلى الله عليه وسلم على ذلك
ومن ثم قيل إن حكمة تخصيص الإسراء إلى المسجد الأقصى أن قريشا تعرفه فيسألونه عنه فيخبرهم بما يعرفونه مع علمهم أنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيت المقدس قط فتقوم الحجة عليهم وكذلك وقع
وأما قول المواهب ولهذا لم يسألوه صلى الله عليه وسلم عما رأى أى فى السماء لأنهم لا عهد لهم بذلك يقتضى سياقه أنه أخبرهم بالمعراج عند إخباره لهم بالإسراء وسيأتى ما يخالفه على أنه سيأتى أنه قيل إن المعراج كان بعد الإسراء فى ليلة أخرى وقيل فى حكمة ذلك أيضا أن باب السماء الذى يقال له مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس فيحصل العروج مستويا من غير تعويج
____________________

قال الحافظ ابن حجر وفيه نظر لورود أن فى كل سماء بيتا معمورا وأن الذى فى السماء الدنيا حيال الكعبة فكان المناسب أن يصعد من مكة ليصل إلى البيت المعمور من غير تعويج هذا كلامه ويقال عليه وإن سلم ذلك لكن لم يكن الباب فى تلك الجهة فإن ثبت أن فى السماء بابا يقابل الكعبة اتجه سؤاله
قالت نبعة جارية أم هانىء فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ يا أبا بكر إن الله تعالى قد سماك الصديق أى ومن ثم كان على رضى الله تعالى عنه يحلف بالله تعالى إن الله تعالى أنزل اسم أبى بكر من السماء الصديق
وأما ما رواه إسحاق بن بشر بسنده إلى أبى ليلى الغفارى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيكون بعدى فتنة فإذا كان ذلك فالزموا على بن أبى طالب فإنه أول من يرانى وأول من يصافحنى يوم القيامة وهو الصديق الأكبر وهو فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين قال فى الاستيعاب إسحاق بن بشر لا يحتج بنقله إذا انفرد لضعفه ونكارة أحاديثه هذا كلامه وفى مسند البزار بسند ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلى بن أبى طالب أنت الصديق الأكبروأنت الفاروق الذى يفرق بين الحق والباطل
وفى رواية أن كفار قريش لما أخبرهم صلى الله عليه وسلم بالإسراء إلى بيت المقدس ووصفه لهم قالوا له ما آية ذلك يا محمد أى ما العلامة الدالة على هذا الذى أخبرت به فإنا لم نسمع بمثل هذا قط أى هل رأيت فى مسراك وطريقك ما نستدل بوجوده على صدقك أى لأن وصفك لبيت المقدس يحتمل أن تكون حفظته عمن ذهب إليه قال صلى الله عليه وسلم آية ذلك أنى مررت بعير بنى فلان بوادى كذا فأنفرهم أى أنفر عيرهم حس الدابة يعنى البراق فند لهم بعير أى شرد فدللتهم عليه وأنا متوجه إلى الشام ثم أقبلت حتى إذا كنت بمحل كذا مررت بعير بنى فلان فوجدت القوم نياما ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء فكشفت غطاءه وشربت مافيه ثم غطيت عليه كما كان أى وفى كلام بعضهم فعثرت الدابة يعنى البراق فقلب بحافره القدح الذى فيه الماء الذى كان يتوضأ به صاحبه فى القافلة وشرب الماء الذى للغير جائز لأنه كان عند العرب كاللبن مما يباح لكل مجتاز من أبناء السبيل على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن له أن يأخذ ما يحتاج إليه من مالكه المحتاج إليه ويجب على مالكه حينئذ بذله وأما الجواب عن ذلك
____________________

بأنه مال حربى غير صحيح لأن هذا كان قبل مشروعية الجهاد ومع عدم مشروعيته لا يحل مال أهل الحرب كما لا يحل قتالهم لأن الواجب حينئذ مسالمتهم ولاتتم إلا بترك التعرض لأموالهم كنفوسهم قاله ابن حجر فى شرح الهمزية لكن فى قطعة التفسير للجلال المحلى فى تفسير قوله تعالى فرددناه إلى أمه كى تقر عينها أن أمه أرضعته بأجرة وساغ لها أخذها لأنها مال حربى أى من مال فرعون إلا أن يقال ذاك أى أخذ مال الكافر كان جائزا فى شريعتهم قال صلى الله عليه وسلم وآية ذلك أى علامته المصدقة لما أخبر به صلى الله عليه وسلم أن عيرهم الآن تصوب من الثنية يقدمها جمل أورق وهو ما بياضه إلى سواد وهو أطيب الإبل لحما عند العرب وأخسها عملا عندهم أي ليس بمحمود عندهم في عمله وسيره عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء أى فيها بياض وسواد كما تقدم فابتدر القوم الثنية فأول مالقيهم الجمل الأورق عليه الغرارتان فسألوهم عن الإناء وعن نفار العير وعن ند البعير وعن الشخص الذى دلهم عليه فصدقوا قوله
أقول قد علم أن العير التى نفرت وند منها البعير ودلهم عليه مر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى الشام والعير التى كان بها الإناء الذى شربه صلى الله عليه وسلم مر عليها وهو راجع إلى مكة وهى التى صوبت من الثنية وحينئنذ لا يحسن سؤال أهلها عما وقع لأهل تلك العير تصديقهم له صلى الله عليه وسلم فيما أخبر إلا أن يقال يجوز أن تكون هذه العير التى مر عليها صلى الله عليه وسلم فى العود اجتمعت فى عودها بتلك العير الذاهبة إلى الشام وأخبروهم بما ذكر والله تعالى أعلم
وفى رواية قالوا يا مطعم دعنا نسأله عما هو أغنى لنا عن بيت المقدس أى فقولهم ذلك كان بعد أن أخبرهم بيت المقدس يا محمد أخبرنا عن عيرنا أى عيراتنا الذاهبة والآتية هل لقيت منها شيئا فقال نعم أتيت على عير بنى فلان بالروحاء أى وهو محل قريب من المدينة أى بينه وبين المدينة ليلتان قد أضلوا ناقة لهم فانطلقوا فى طلبها فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد وإذا قدح ماء فشربت منه فاسألوهم عن ذلك فقالوا هذه واللات والعزى آية أى علامة
أقول وهذه العير هو التى مر صلى الله عليه وسلم عليها فى العود وهى قادمة إلى مكة وفى هذه الرواية زيادة أنهم أضلوا ناقة وتقدم فى تلك الرواية أنه صلى الله عليه
____________________

وسلم وجدهم نياما وفى هذه الرواية إنه ليس بها منهم أحد وقد يقال لا مخالفة بين الروايتين لأنه يجوز أن يكون الراوى أسقط منها هذه الزيادة وهى إضلال الناقة وأن قوله صلى الله عليه وسلم ليس بها منهم أحد أى مستيقظ بل بعضهم ذهب فى طلب تلك الناقة وبعضهم كان نائما لكن فى هذه الرواية انه صلى الله عليه وسلم مر عليها وهى بالروحاء وهو لا يناسب قوله فى تلك إنها الآن تصوب من الثنية لأن كونها تأتى من الروحاء إلى مكة فى ليلة واحدة من أبعد البعيد إلا أن يقال إن الروحاء مشتركة بين المحل المعروف المتقدم ذكره ومحل آخر قريب من مكة والله أعلم
ثم قال صلى الله عليه وسلم فانتهيت إلى عير بنى فلان فنفرت منها أى من الدابة التى هى البراق الإبل أى التى هى العير وبرك منها جمل أحمر عليه جوالق مخطط ببياض لا أدرى أكسر البعير أم لا وهذه الرواية يحتمل أنها ثالثة ويمكن أن تكون هى الأولى أسقط من تلك قوله فى هذه وبرك منها جمل إلى آخره كما أسقط من هذه قوله فى تلك فند لهم بعير
وفى رواية ثم انتهيت إلى عير بنى فلان بمكان كذا وكذا فيها جمل عليه غرارتان غرارة سوداء وغرارة بيضاء فلما حاذت العير نفرت وصرع ذلك البعير وانكسر أى وأضلوا بعير لهم قد جمعه فلان أى بدلالتى لهم عليه فسلمت عليهم فقال بعضهم هذا صوت محمد فاسألوهم عن ذلك فعلم أن هذه الرواية والتى قبلها هى الأولى غاية الأمر أن زيد فى هذه قوله فسلمت عليهم فقالوا هذه واللات والعزى آية قال صلى الله عليه وسلم ثم انتهيت إلى عير بنى فلان بالأبواء أى وهو كما تقدم غير مرة أنه محل بين مكة والمدينة يقدمها جمل أورق أى بياضه إلى سواد كما تقدم هاهى تطلع عليكم من الثنية فانطلقوا لينظروا فوجدوا الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم فقالوا صدق الوليد فيما قال أى فى قوله إنه ساحر وأنزل الله تعالى وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس وهذا يدل على أن المراد رؤيا الإسراء وأنها رؤيا العين وأنه يقال في مصدرها رؤيا كما يقال رؤية بالتاء خلافا لمن أنكر ذلك إذ لو كان رؤيا الإسراء مناما لما أنكر عليه فى ذلك أى وقيل نزلت وقد رأى النبى صلى الله عليه وسلم ولد الحكم بن أبى العاص أبى مروان وهم بنو أمية على منبره كأنهم القردة وقد ورد رأيت بنى مروان يتعاورون منبرى وفى لفظ ينزلون على منبرى نزو القردة زاد وفى رواية فما استجمع
____________________

صلى الله عليه وسلم ضاحكا حتى مات وأنزل الله تعالى فى ذلك وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس وفى رواية فنزل إنا أعطيناك الكوثر وفى رواية فنزل إنا أنزلناه فى ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر قال بعضهم أى خير من ألف شهر يملكها بنو أمية فإن مدة ملك بنى أمية كانت أثنتين وثمانين سنة وهى ألف أشهر وكان جميع من ولى الخلافة منهم أربعة عشر ر جلا أولهم معاوية وآخرهم مروان بن محمد
وقد قيل لبعضهم ما سبب زوال ملك بنى أمية مع كثرة العدد والعدد والأموال والموالى فقال أبعدوا أصدقائهم ثقة بهم وقربوا أعداءهم جهلا منهم فصار الصديق بالإبعاد عدوا ولم يصر العدو صديقا بالتقريب له وحديث رأيت بنى مروان إلى آخره قال الترمذى هو حديث غريب وقال غيره منكر قال صلى الله عليه وسلم ورأيت بنى العباس يتعاورون منبرى فسرنى ذلك وقيل إن هذه الآية أى آية وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس إنما نزلت فى رؤيا الحديبية حيث راى النبى صلى الله عليه وسلم أنه وأصحابه يدخلون المسجد محلقين رؤوسهم ومقصرين ولم يوجد ذلك بل صدهم المشركون وقال بعض الصحابة له صلى الله عليه وسلم ألم تقل إنك تدخل مكة آمنا قال بلى أفقلت لكم من عامى هذا قالوا لا قال فهو كما قال جبريل عليه الصلاة والسلام كما سيأتى ذلك فى قصة الحديبية
وقيل إنما نزلت هذه الآية فى رؤيا وقعة بدر حيث أراه جبريل مصارع القوم ببدر فأرى النبى صلى الله عليه وسلم الناس مصارعهم فتسامعت بذلك قريش فخروا منه أى ولا مانع من تعدد نزول هذه الآية لهذه الأمور فقد يتعدد نزول الآية لتعدد أسبابها
قال ابن حجر الهيتمى إن اتحاد النزول لا ينافى تعدد أسبابه أى وذلك ذا تقدمت الأسباب ويروى أنه عين لهم اليوم الذى تقدم فيه العير أى قالوا له متى تجىء قال لهم يأتوكم يوم كذا وكذا يقدمهم جمل أورق عليه مسح آدم وغرارتان فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينتظرون ذلك وقد ولى النهار ولم تجىء حتى كادت الشمس أن تغرب أى دنت للغروب فدعا الله تعالى فحبس الشمس عن الغروب حتى قدم العير أى كما وصف صلى الله عليه وسلم
____________________

أقول يجوز أن يكون هذا بالنسبة لبعض العيرات التى مر عليها فلا يخالف ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم قال فى بعض العيرات إنها الآن تصوب من الثنية وإلى حبس الشمس عن المغيب أشار الإمام السبكى فى تائيته بقوله ** وشمس الضحى وقت مغيبها ** فما غربت بل وافقتك بوقفة **
وجاء فى بعض الروايات أنها حبست له صلى الله عليه وسلم عن الطلوع ففى رواية أن بعضهم قال له أخبرنا عن عيرنا قال مررت بها بالتنعيم قالوا فما عدتها وأحمالها وعدة من فيها وقال تطلع عند طلوع الشمس فحبس الله تعالى الشمس عن الطلوع حتى قدمت العير
فلما خرجوا لينظروا فإذا قائل يقول هذه الشمس قد طلعت وقال آخر وهذه العير قد أقبلت فيها فلان وفلان كما أخبر محمد صلى الله عليه وسلم وعلى تقدير صحة هذه الروايات يجاب عنها بمئل ما تقدم والله أعلم وحبس الشمس وقوفها عن السير أى عن الحركة بالكلية وقيل بطء حركتها وقيل ردها إلى ورائها قالوا ولم تحبس له صلى الله عليه وسلم إلا ذلك اليوم وما قيل إنها حبست له صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن الغروب أيضا حتى صلى العصر معارض بأنه صلى الله عليه وسلم صلى العصر بعد غروب الشمس وقال شغلونا عن الصلاة الوسطى كما سيأتى ثم رأيت فى كلام بعضهم ما يؤخذ منه الجواب وهو أن وقعة الخندق كانت أياما فحبست الشمس فى بعض تلك الأيام إلى الإحمرار والاصفرار وصلى حينئذ وفى بعضها لم تحبس بل صلى بعد الغروب قال ذلك البعض ويؤيده أن راوى التأخير إلى الغروب غير راوى التأخير إلى الحمرة والصفرة
وجاء فى رواية ضعيفة أن الشمس حبست عن الغروب لداود عليه الصلاة السلام وذكرى البغوى أنها حبست كذلك لسليمان عليه الصلاة والسلام
أى فعن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه أن الله أمر الملائكة الموكلين بالشمس حتى ردوها على سليمان حتى صلى العصر فى وقتها وهذا رد لها لا حبس لها عن غروبها الذى الكلام فيه والذى فى كلام بعضهم إنما ضرب سيدنا سليمان سوق خيله واعناقها حيث عرضها عليه عن صلاة العصر حتى كادت الشمس أن تغرب ولم يتصدق بها مبادرة
____________________

لتعظيم أمر الله تعالى بالصلاة فى وقتها لأن التصديق يحتاج إلى صرف زمن في دفعها وأخذها وحبست كذلك ليوشع ابن أخت موسى عليه الصلاة والسلام وهو ابن نون بن يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام أى وهو الذى قام بالأمر بعد موسى لأن موسى عليه الصلاة والسلام لما وعده الله تعالى أن يورثه وقومه بنى إسرائيل الأرض المقدسة التى هى أرض الشام وكان سكنها الكنعانيون الجبارون وأمر بمقاتلة أولئك الجبارين وهم العماليق سار بمن معه وهم ستمائة ألف مقاتل حتى نزل قريبا من مدينتهم أريحا فبعث إليهم اثنى عشر رجلا من كل سبط واحدا ليأتوه بخبر القوم فدخلوا المدينة فرأوا أمرا هائلا من عظم أجسادهم فقد ذكر بعضهم أنه رأى فى فجاج أى نقرة عين رجل منهم ضبعة رابضة أى جالسة هى وأولادها حولها والفجاج فى الأصل الطريق الواسع واستظل سبعون رجلا من قوم موسى فى قحف رجل منهم أى فى عظم أم رأسه وفى العرائس وكان لا يحمل عنقود عنبهم الا خمسة أنفس منهم ويدخل فى قشرة الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس أو أربعة وإن رجلا من العماليق أخذ الاثنى عشر ووضعهم فى كمه مع فاكهة كانت فيه وجاء بهم إلى ملكهم فسألهم فقالوا نحن عيون موسى فقال ارجعوا وأخبروه وفى العرائس أنه عوج بن عنق إحدى بنات آدم عليه السلام من صلبه ويقال إنها أول بغى فى الأرض
وفى العرائس أنه لما لقيهم كان على رأسه حزمة حطب وأخذ الاثنى عشر فى حجره وانطلق بهم لامرأته وقال انظرى إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون قتالنا وطرحهم بين يديها وقال لها ألا أطحنهم برجلى فقالت امرأته لا ولكن خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ففعل ذلك فلما رجعوا أخبروا موسى عليه الصلاة والسلام فقال اكتموا خوفا من بنى إسرائيل أن يفشلوا ويرتدوا عن موسى فلم يفعلوا وأخبر كل واحد سبطه بشدة ما رآه من أمرهم الهائل ففشلوا وجنبوا عن القتال إلا رجلان لم يخبرا سبطيهما وهما يوشع بن نون من سبط يوسف وكالب بن يوقنا من سبط بنيامين وقالوا لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون فدعا عليهم وقال رب إنى لا املك إلا نفسى وأخى أى فإنه لم يبق معه موافق يثق به غير أخيه هرون وكالب ويوشع وهما المذكوران بقوله تعالى قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون لأن الله منجز وعده وإنا قد
____________________

خبرناهم فوجدنا أجسامهم عظيمة وقلوبهم ضعيفة فلا تخشوهم { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } وحينئذ يكون مراد موسى بقوله وأخى من واخاه ووافقه لا خصوص هرون ثم دعا بقوله فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين اى باعد بيننا وبينهم فضرب عليه التيه فتاهوا أى تحيروا فى ستة فراسخ من الأرض يمشون النهار كله ثم يمسون حيث أصبحوا ويصبحون حيث أمسوا وأنزل الله تعالى عليهم المن والسلوى لأنهم شغلوا عن المعاش وأبقيت عليهم ثيابهم لا تخلق ولا تتسخ وتطول مع الصغير إذا طال وظلل عليهم الغمام من الشمس ولما رأى موسى عليهم الصلاة والسلام ما بهم من التعب ندم على دعائه عليهم
وفى حياة الحيوان لما عبد بنو إسرائيل العجل أربعين يوما عوقبوا بالتيه أربعين سنة لكل يوم سنة فأوحى الله تعالى له فلا تأس أى لا تحزن على القوم الفاسقين أى الذين فسقوا أى خرجوا عن أمرك
قال في أنس الجليل وفى زمن الاسلام منزل حكام الشرطة فإنها الآن قرية من قرى بيت المقدس ثم مات وهرون بالتيه مات هرون أولا ثم موسى بعد سنتين وفى ذلك رد على من قال إن قبر هرون أخى موسى بأحدكما سيأتى وفيه رد أيضا على من يقول موسى مات قبل هرون وأنه دفنه وقيل إن هرون رأى سريرا فى بعض الكهوف فقام عليه فمات وإن بنى إسرائيل قالوا قتل موسى هرون حسدا له على محبة بنى إسرائيل له فقال لهم موسى ويحكم كان أخى ووزيرى أفترنى أقتله فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا فنزل السرير الذى قام عليه فمات حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه وعلى الأول أن موسى انطلق ببنى إسرائيل إلى قبره ودعا الله أن ينجيه فأحياه الله تعالى وأخبرهم أنه مات ولم يقتله موسى وعند ذلك قام بالأمر يوشع بن نون المذكور أى فإن موسى لما احتضر أخبرهم بأن يوشع بعده نبى وإن الله أمره بقتال الجبارين فسار بهم يوشع وقاتل الجبارين وكان يوم الجمعة ولما كاد أن يفتحها كادت الشمس أن تغرب فقال للشمس أيتها الشمس إنك مأمورة وأنا مأمور بحرمتى عليك إلا ركدت أى مكثت ساعة من النهار
وفى رواية قال اللهم احبسها على فحبسها الله تعالى حتى افتتح المدينة أى قال
____________________

ذلك خوفا من دخول السبت المحرم عليهم فيه المقاتلة وقد عبر الإمام السبكى عن حبسها ليوشع نردها فى قوله ** وردت عليك الشمس بعد مغيبها كما أنها قدما ليوشع ردت **
ولولا قوله بعد مغيبها لما أشكل وأمكن أن يراد بالرد وقوفها وعدم غروبها ومن ثم ذكر ابن كثير فى تاريخه أن فى حديث رواه الإمام أحمد وهو على شرط البخارى إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع عليه السلام ليالى سار إلى بيت المقدس وفيه دلالة على أن الذى فتح بيت المقدس هو يوشع بن نون لا موسى وأن حبس الشمس كان في فتح بيت المقدس لا في فتح أريحا هذا كلامه وهو خلاف السياق
وفى العرائس أن موسى عليه الصلاة والسلام لم يمت فى التيه بل سار ببنى إسرائيل إلى أريحا وعلى مقدمته يوشع فدخل يوشع وقتل الجبارين ثم دخلها موسى عليه الصلاة والسلام ببنى إسرائيل فأقام فيها ما شاء الله ثم قبض ولا يعلم موضع قبره من الخلق أحد قال وهذا أولى الأقاويل بالصدق وأقربها إلى الحق وذكر بعد ذلك أن موسى لما حضرته الوفاة قال يا رب أدننى من الأرض المقدسة برمية حجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أنى عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر
قال ابن كثير قوله صلى الله عليه وسلم لم تحبس لبشر يدل على أن هذا من خصائص يوشع عليه الصلاة والسلام فيدل على ضعف الحديث الذى رويناه أن الشمس رجعت أى بعد مغيبها فى خيبركما سنذكره هنا حتى صلى علي بن أبى طالب العصر بعد ما فاتته بسبب نوم النبى صلى الله عليه وسلم على ركبته وهو حديث منكر ليس فى شئ من الصحاح ولا الحسان وهو مما تتوفر الدواعى على نقله وتفردت بنقله امرأة من أهل البيت مجهولة لا يعرف حالها هذا كلامه وسيأتى قريبا ما فيه على أن قوله صلى الله عليه وسلم لم تحبس لبشر أى غيره صلى الله عليه وسلم وقد علمت أن الحبس لها يكون منعا لها عن مغيبها والرد لها يكون بعد مغيبها فليتأمل
وفى كلام سبط ابن الجوزى إن قيل حبسها ورجوعها مشكل لأنها لو تخلفت أو ردت لاختلت الأفلاك ولفسد النظام قلنا حبسها وردها من باب المعجزات ولا مجال للقياس فى خرق العادات
وذكر أنه وقع لبعض الوعاظ ببغداد إذ قعد يعظ بعد العصر صم أخذ فى ذكر فضائل
____________________

آل البيت فجاءت سحابة غطت الشمس فظن وظن الناس الحاضرون عنده أن الشمس غابت فأرادوا الانصراف فأشار إليهم أن لا يتحركوا ثم أدار وجهه إلى ناحية الغرب وقال ** لا تغربى يا شمس حتى ينتهى مدحى لآل المصطفى ولنجله ** ** إن كان للمولى وقوفك فليكن هذا الوقوف لولده ولنسله **
فطلعت الشمس فلا يحصى ما رمى عليه من الحلى والثياب هذا كلامه
ولما افتتحوا المدينة التى هى أريحا أصابوا بها أموالا عظيمة وكانوا أى الأمم السابقة إذا أصابوا الغنائم قربوها فتجئ النار تأكلها أى إذا لم يكن فيها غلول كما تقدم فمجئ النار وأكلها دليل على قبولها ولم تحل إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم كما سيأتى فلما أصابوا تلك الغنائم قربوها فلم تجئ إليها النار فقالوا له يا نبى الله ما لها لا تأكل قرباننا قال فيكم الغلول فدعا رأس كل سبط وصافحه فلصق كف واحد منهم فى كف يوشع عليه السلام فقال الغلول فى سبطك فقال كيف أعلم ذلك قال تصافح واحدا بعد واحد فلصقت كفه بكف واحد منهم فسئل فقال نعم رأيت رأس بقرة من ذهب عيناها من ياقوت وأسنانها من لؤلؤ فأعجبتنى فغللتها فجاء بها ووضعها فى الغنيمة فجاءت النار فأكلتها
وذكر البغوى أن الشمس حبست عن الطلوع لموسى عليه الصلاة والسلام كما حبست كذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم كما تقدم وكذا القمر حبس لموسى عليه الصلاة والسلام عن الطلوع له فعن عروة بن الزبير رضى الله تعالى عنه قال إن الله تعالى حين أمر موسى عليه الصلاة والسلام بالمسير ببنى إسرائيل إلى بيت المقدس أمره أن يحمل معه عظام يوسف عليه الصلاة والسلام وأن لا يخلفها بأرض مصر وأن يسير بها حتى يضعها بالأرض المقدسة أى وفاء بما أوصى به يوسف عليه الصلاة والسلام
فقد ذكر أن يوسف عليه الصلاة والسلام لما أدركته الوفاة أوصى أن يحمل إلى مقابر آبائه فمنع أهل مصر أولياءه من ذلك فسأل موسى عليه الصلاة والسلام عمن يعرف موضع قبر يوسف فما وجد أحدا يعرفه إلا عجوزا من بنى إسرائيل فقالت له يا نبى الله أنا أعرف مكانه وأدلك عليه إن أنت أخرجتنى معك ولم تخلفنى بأرض مصر قال أفعل وفى لفظ إنها قالت أكون معك فى الجنة فكأنه ثقل عليه ذلك فقيل له أعطها طلبتها فأعطاها
____________________

وقد كان موسى عليه الصلاة والسلام وعدبنى إسرائيل أن يسير بهم إذا طلع القمر فدعا ربه أن يؤخر طلوعه حتى يفرغ من أمر يوسف عليه الصلاة والسلام ففعل فخرجت به العجوز حتى أرته أيلة فى ناحية من النيل وفى لفظ فى مستنقعة ماء أى وتلك المستنقعة فى ناحية من النيل فقالت لهم أنضبوا عنها الماء أى ارفعوه عنها ففعلوا قالت احفروا فحفروا وأخرجوه وفى لفظ أنها انتهت به إلى عمود على شاطئ النيل أى فى ناحية منه فلا يخالفه ما سبق فى أصله سكة من حديد فيها سلسلة أى ويجوز أن يكون حفرهم الواقع فى تلك الرواية كان على إظهار تلك السكة فلا مخالفة ووجدوه فى صندوق من حديد وسط النيل فى الماء فاستخرجه موسى عليه الصلاة والسلام وهو فى صندوق من مرمر أى داخل ذلك الصندوق الذى من الحديد فاحتمله
وفى أنس الجليل أن موسى عليه الصلاة والسلام جاءه شيخ له ثلثمائة سنة فقال له يا نبى الله ما يعرف قبر يوسف إلا والدتى فقال له موسى قم معى إلى والدتك فقام الرجل ودخل منزله وأتى بقفة فيها والدته فقال لها موسى ألك علم بقبر يوسف فقالت نعم ولا أدلك على قبره إلا إن دعوت الله تعالى أن يرد على شبابى إلى سبع عشرة سنة ويزيد فى عمرى مثل ما مضى فدعا موسى لها وقال لها كم عمرك قالت له تسعمائة سنة فعاشت ألفا وثمانمائة سنة فأرته قبر يوسف وكان فى وسط نيل مصر ليمر النيل عليه فيصل إلى جميع مصر فيكونون شركاء فى بركته
وأما عود الشمس بعد غروبها فقد وقع له صلى الله عليه وسلم فى خيبر فعن أسماء بنت عميس أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ورأسه فى حجر على ولم يسر عن النبى صلى الله عليه وسلم حتى غربت الشمس وعلى لم يصل العصر أى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أصليت العصر فقال لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إنه كان فى طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس
قالت أسماء فرأيتها طلعت بعد ما غربت
قال بعضهم لا ينبغى لمن سبيله العلم أن يتخلف عن حفظ هذا الحديث لأنه من أجل أعلام النبوة وهو حديث متصل وقد ذكر فى الإمتاع أنه جاء عن أسماء من خمسة طرق وذكرها وبه يرد ما تقدم عن ابن كثير بأنه تفردت بنقله امرأة من أهل البيت مجهولة لا يعرف حالها وبه يرد على ابن الجوزى حيث قال فيه إنه حديث موضوع بلا شك
____________________

لكن فى الامتاع ذكر فى خامس الطرق أن عليا اشتغل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قسمة الغنائم يوم خيبر حتى غابت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا على صليت العصر قال لا يا رسول الله فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس فى المسجد فتكلم بكلمتين أو ثلاثة كأنها من كلام الحبش فارتجعت الشمس كهيئتها فى العصر فقام على فتوضأوصلى العصر ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما تكلم به قبل ذلك فرجعت إلى مغربها فسمعت لها صريرا كالمنشار فى الخشب وذلك مخالف لسائر الطرق إلا أن هذه الطريق فيها حذف والأصل اشتغل مع النبى صلى الله عليه وسلم فى قسمة غنائم خيبر ثم وضع رأسه فى حجر على فما استيقظ حتى غابت الشمس فلا مخالفة
قال وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قبل وصوله إلى بيت المقدس ساروا حتى بلغوا أرضا ذات نخل فقال له جبريل انزل فصل هنا ففعل ثم ركب فقال أتدرى أين صليت قال لا قال صليت بطيبة وإليها المهاجرة وسيأتى ما فيه فى الكلام على الهجرة فانطلق البراق يهوى يضع حافره حيث أدرك طرفه حتى إذا بلغ أرضا فقال له جبريل انزل فصل ههنا ففعل ثم ركب فقال له جبريل أتدرى أين صليت قال لا قال صليت بمدين أى وهى قرية تلقاء غزة عند شجرة موسى سميت باسم مدين بن إباهيم لما نزلها ثم ركب فانطلق البراق يهوى به ثم قال انزل فصل ففعل ثم ركب فقال له أتدرى أين صليت قال لا قال صليت ببيت لحم أى وهى قرية تلقاء بيت المقدس حيث ولد عيسى عليه الصلاة والسلام أى وفى الهدى وقيل إنه نزل ببيت لحم وصلى فيه ولا يصح عنه ذلك البتة وبينا هو يسير على البراق إذ رأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من نار كلما التفت رآه فقال له جبريل ألا أعلمك كلمات تقولهن إذا قلتهن طفئت شعلته وخر لفيه فقال صلى الله عليه وسلم بلى فقال جبريل قل أعوذ بوجه الله الكريم وبكلمات الله التامات التى لا يجاوزهن بر ولا فاجر ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ماذرأ فى الأرض ومن شر ما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن أي فقال ذلك فانكب لفيه وطفئت شعلته ورأى حال المجاهدين في سبيل الله أى كشف له عن حالهم فى دار الجزاء بضرب مثاله فرأى قوما يزرعون فى يوم أى فى وقت ويحصدونه فى يوم
____________________

أى فى ذلك الوقت كما يرشد إليه الحال كلما حصدوا عاد كما كان فقال يا جبريل ما هذا قال هؤلاء المجاهدون فى سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف وما انفقوا من خير فهو يخلفه هذا الثانى هو المناسب لحالهم دون الأول فالأولى الاقتصار عليه إلا أن يدعى أنه صلى الله عليه وسلم شاهد الحصاد والعود العدد المذكور الذى هو سبعمائة مرة على أن المضاعفة المذكورة لا تختص بالمجاهدين فقد جاء كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا أن يقال المراد تكرر الجزاء العدد المذكور للمجاهدين أمر مؤكد لا يكاد يتخلف وفى غيرهم بخلافه
ووجد صلى الله عليه وسلم ريح ماشطة بنت فرعون ووجد داعى اليهود وداعى النصارى فأما الأول فقد رأى عن يمينه داعيا يقول يا محمد انظرنى أسالك فلم يجبه فقال ما هذا يا جبريل فقال داعى اليهود أما إنك لو أجبته لتهودت أمتك أى لتمسكوا بالتوراة والمراد غالب الأمة وأما الثانى فقد رأى عن يساره داعيا يقول يا محمد انظرنى أسألك فلم يجبه فقال ما هذا يا جبريل قال هذا داعى النصارى أما إنك لو أجبته لتنصرت أمتك أى لتمسكت بالإنجيل وحكمة كون داعى اليهود على اليمين وداعى النصارى على اليسار لاتخفى
ورأى صلى الله عليه وسلم حال الدنيا أى كشف له عن حالتها بضرب مثال فرأى امرأة حاسرة عن ذراعيها كأن ذلك شأن المقتص لغيره وعليها من كل زينة خلقها الله تعالى أى ومعلوم أن النوع الواحد من الزينة يجذب القلوب إليه فكيف بوجود سائر أنواع الزينة فقالت يا محمد انظرنى أسألك فلم يلتفت إليها فقال من هذه يا جبريل قال تلك الدنيا أما إنك لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة ورأى عجوزا على جانب الطريق فقالت يا محمد انظرنى أسالك فلم يلتفت إليها فقال من هذه يا جبريل فقال إنه لم يبق من عمر الدنيا إلا ما بقى من عمر تلك العجوز أى فزينتها لا ينبغى الالتفات إليها لأنها على عجوز شوهاء لم يبق من عمرها إلا القليل ولينظر لم لم يقل تلك الدنيا ولم يبق من عمرها إلى آخره
وفى كلام بعضهم الدنيا قد يقال لها شابة وعجوز بمعنى يتعلق بذاتها وبمعنى يتعلق بغيرها الأول وهو حقيقة أنها من أول وجود هذا النوع الإنسانى إلى أيام إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه سبعة بعدها تسمى الدنيا شابة وفيما بعد ذلك إلى بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم كهلة ومن بعد ذلك إلى يوم القيامة تسمى عجوزا
____________________

واعترض بأن الأئمة صرحوا بأن الشباب ومقابله إنما يكون فى الحيوان ويجاب بأن الغرض من ذلك التمثيل
وكشف له صلى الله عليه وسلم عن حال من يقبل الأمانة مع عجزه عن حفظها بضرب مثال فأتى على رجل قد جمع حزمة حطب عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها فقال ما هذا يا جبريل قال هذا الرجل من أمتك تكون عنده أمانات الناس لا يقدر على أدائها ويريد أن يتحمل عليها
وكشف له صلى الله عليه وسلم عن حال من يترك الصلاة المفروضة فى دار الجزاء فأتى على قوم ترضح رءوسهم كلما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شئ فقال يا جبريل ما هؤلاء قال هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة المكتوبة أى المفروضة عليهم
وكشف له صلى الله عليه وسلم عن حال من يترك الزكاة الواجبة عليه ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم يسرحون كما تسرح الإبل والغنم ويأكلون الضريع وهو اليابس من الشوك والزقوم ثمر شجر مر له زفرة قيل إنه لايعرف بشجر الدنيا وإنما هو لشجرة من النار وهى المذكورة فى قوله تعالى { إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم } أى منبتها فى أصل الجحيم وتقدم الكلام عليها عند الكلام على المستهزئين ويأكلون رضف جهنم أى حجاراتها المحماة لآن الرضف بالضاد المعجمة الحجارة المحماة التى يكوى بها فقال من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم المفروضة عليهم
وكشف له صلى الله عليه وسلم عن حال الزناة بضرب مثال ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج فى قدور ولحم نئ أيضا فى قدور خبيث فجعلوا يأكلون من ذلك النئ الخبيث ويدعون النضيج الطيب فقال ما هذا يا جبريل قال هذا الرجل من أمتك تكون عنده المرأة الحلال الطيب فيأتى امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح والمرأة تقوم من عنده زوجها حلالا طيبا فتأتى رجلا خبيثا فتبيت عنده حتى تصبح
وكشف له صلى الله عليه وسلم عن حال من يقطع الطريق بضرب مثال ثم أتى على خشبة لا يمر بها ثوب ولا شئ إلا خرقته فقال ما هذه يا جبريل قال هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه وتلا ولا تقعدوا بكل صراط توعدون
____________________


وكشف له صلى الله عليه وسلم عن حال من يأكل الربا أى حالته التي يكون عليها فى دار الجزاء فرأى رجلا يسبح فى نهر من دم يلقم الحجارة فقال له من هذا قال آكل الربا وقد شبهه الله تعالى فى القرآن بقوله { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } أى إذا بعث الناس يوم القيامة خرجوا مسرعين من قبورهم إلا أكلة الربا فإنهم لا يقومون من قبورهم إلا مثل قيام الذى يصرعه الشيطان فكلما قاموا سقطوا على وجوههم وجنوبهم وظهورهم كما أن المصروع حاله ذلك أى فهذه حالته فى الذهاب إلى المحشر زيادة على حالته المتقدمة التى تكون فى دارالجزاء
وكشف له صلى الله عليه وسلم عن حال من يعظ ولا يتعظ ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت لا يفتر عنهم من ذلك شيء فقال من هؤلاء يا جبريل فقال هؤلاء خطباء الفتنة خطباء أمتك يقولون مالا يفعلون
وكشف له صلى الله عليه وسلم عن حال المغتابين للناس فمر على قوم لهم أظفار من نجاس يخدشون وجوههم وصدورهم فقال من هؤلاء يا جبريل فقال هؤلاء الذين يأكلون لحوم لحوم الناس ويقعون فى أعراضهم وكشف له صلى الله عليه وسلم عن حال من يتكلم بالفحش بضرب مثال فأتى على حجر صغير يخرج منه ثور عظيم فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث يخرج فلا يستطيع فقال ما هذا الرجل يا جبريل فقال هذا الرجل من أمتك يتكلم الكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها
وكشف له صلى الله عليه وسلم عن حال من أحوال الجنة فأتى على واد فوجد ريحا طيبة باردة وريح المسك وسمع صوتا فقال يا جبريل ما هذا قال هذا صوت الجنة تقول يا رب ائتنى بما وعدتنى أى لأنه يجوز أن يكون محل الجنة من السماء السابعة مقابلا لذلك الوادى
وكشف له صلى الله عليه وسلم عن حال من أحوال النار فأتى على واد فسمع صوتا منكرا ووجد ريحا خبيثة فقال ما هذا يا جبريل قال هذا صوت جهنم تقول يا رب ائتنى بما وعدتنى أى وليست جهنم بذلك الوادى كما سيأتى أن الوادى التى هى به هو الذى ببيت المقدس ولعل هذا الوادى مقابل لذلك الوادى وينبغى أن لا يكون هذا هو المراد بما فى الخصائص الصغرى للسيوطى
____________________


وخص صلى الله عليه وسلم باطلاعه على الجنة والنار بل المراد بذلك رؤية ذلك فى المعراج وعند وصوله صلى الله عليه وسلم إلى الوادى الذى ببيت المقدس بالنسبة للنار ورأى صلى الله عليه وسلم الدجال شبيها بعبد العزى بن قطن أى وهو ممن هلك فى الجاهلية أى قبل البعثة
ومر صلى الله عليه وسلم على شخص متنحيا على الطريق يقول هلم يا محمد قال جبريل سر يا محمد قال من هذا قال هذا عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه اه
وفى رواية لما وصلت بيت المقدس وصلت فيه ركعتين أى إماما بالأنبياء والملائكة أخذنى العطش أشد ما أخذنى فأتيت بإناءين فى إحداهما لبن وفى الأخرى عسل فهدانى الله تعالى فأخذت اللبن فشربت وبين يدى شيخ متكئ على منبر له فقال أى مخاطبا لجبريل أخذ صاحبك الفطرة إنه لمهدى فلما خرجت منه جائنى جبريل عليه الصلاة والسلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل اخترت الفطرة أى الاستقامة التى سببها الإسلام ومنه كل مولود يولد على الفطرة أى على الإسلام
وفى رواية أخرى فأتى بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها فأتى بإناء منها فيه ماء فشرب منه قليلا وفى رواية أنه لم يشرب منه شيئا وأنه قيل له لو شربت الماء أى جميعه أو بعضه لغرقت أمتك أى وفى رواية أنه سمع قائلا يقول إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته ثم رفع إليه إناء آخر فيه لبن فشرب منه حتى روى
أى وفى روايه سمع قائلا يقول إن أخذ اللبن هدى وهديت أمته ثم رفع إليه إناء فيه خمر فقيل له اشرب فقال لا أريده فقد رويت فقال له جبريل إنها ستحرم على أمتك أى بعد إباحتها لهم
وفى رواية أنه قيل له لو شربت الخمر لغويت أمتك ولم تتبعك أى لايكون على طريقتك منهم إلا قليل أى وفى رواية أنه سمع قائلا يقول إن أخذ الخمر غوى وغويت أمته
أقوم وهذه الرواية محتملة لأن تكون وهو فى بيت المقدس ولأن تكون وهو خارج عنه ومن هذا كله تعلم أنه تكرر عليه عرض اللبن والخمر داخل بيت المقدس
____________________

وخارجه ولا مانع من تكرر عرض آنيتى الخمر واللبن قبل خروجه من بيت المقدس وبعد خروجه منه قبل العروج
ولا تعارض بين الإخبار بأن إحداهما كان فيه عسل مع اللبن وبين الإخبار بأن إحداهما كان فيه خمر مع اللبن ولا بين الإخبار بإناءين والإخبار بأوانى ثلاثة لأنه يجوز أن يكون بعض الرواة اقتصر على إناءين ولا بين كون الإناء الثالث كان فيه عسل أو ماء لأنه يجوز أن يكون إحدى الأوانى الثلاثة كان فيها عسل ثم جعل فيها الماء بدل العسل أو مزج العسل به وغلب الماء على العسل أو تكون الأوانى أربعة وبعض الرواة اقتصر
وقد قال ابن كثير مجموع الأوانى أربعة فيها أربعة أشياء من الأنهار الأربعة التى تخرج من أصل سدرة المنتهى ولكن لم يسقط اللبن وفى رواية بخلاف غيره فإنه تارة ذكر معه الخمر فقط وتارة ذكر معه العسل فقط وتارة ذكر معه الماء والخمر
وعلى الاحتمال الأول يسأل عن سر عدم ذكر جبريل عليه الصلاة والسلام حكمة عدم الشرب من العسل والله أعلم
قال ومر على موسى عليه الصلاة والسلام وهو يصلى فى قبره عند الكثيب الأحمر وهو يقول برفع صوته أكرمته فضلته اه
وفى رواية سمعت صوتا وتذمرا هو بالذال المعجمة الحدة فسلم عليه فرد عليه السلام فقال يا جبريل من هذا قال هذا موسى بن عمران قال ومن يعاتب قال يعاتب ربه فيك قال أو يرفع صوته على ربه والعتاب مخاطبة فيها إدلال وهذا يدل على أن الصوت الذى سمعه كان مشتملا على عتاب وتذمر مع رفعه وفى رواية على من كان تذمره أى حدته قال على ربه قلت أعلى ربه قال جبريل إن الله عز وجل قد عرف له حدته وهذا كما علمت كان كالذى بعده قبل وصوله إلى مسجد بيت المقدس والله أعلم
وجاء وليلة أسرى بى مر بى جبريل على قبر أبى إبراهيم فقال انزل فصل ركعتين قال ومر على شجرة تحتها شيخ وعياله فقال ومن هذا فقال هذا أبوك إبراهيم عليه الصلاة والسلام فسلم عليه فرد عليه السلام فقال من هذا الذى معك يا جبريل فقال هذا ابنك أحمد قال مرحبا بالنبى العربى الأمى ودعا له بالبركة أى فموسى
____________________

عرفه فلم يسأل عنه وإبراهيم لم يعرفه فسأل عنه لكن فى السيرة الهاشمية أن موسى سأل عنه أيضا فقال من هذا يا جبريل فقال هذا أحمد فقال مرحبا بالنبى العربى الذى نصح أمته ودعا له بالبركة وقال اسأل لأمتك اليسير والظاهر أن قبر إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان تحت تلك الشجرة أو قريبا منها فلا مخالفة بين الروايتين
وسار صلى الله عليه وسلم حتى أتى الوادى الذى فى بيت المقدس فإذا جهنم تنكشف عن مثل الزرابى أى وهى النمارق أى الوسائد فقيل يا رسول الله كيف وجدتها قال مثل الحممة أى الفحمة اه
قال صلى الله عليه وسلم ثم عرج بنا إلى السماء أى من الصخرة كما تقدم أى على المعراج بكسر الميم وفتحها الذى تعرج أرواح بنى آدم فيه وهو كما فى بعض الروايات سلم له مرقاة من فضة ومرقاة من ذهب أى عشر مراقى وهو المراد بقول بعضهم وكانت المعاريج ليلة الإسراء عشرة سبع إلى السماوات والثامن إلى سدرة المنتهى والتاسع إلى المستوى والعاشر إلى العرش والرفرف أى فأطلق على كل مرقاة معراجا وهذا المعراج لم ير الخلائق أحسن منه أما رأيت الميت حين يشق بصره طامحا إلى السماء أى بعد خروج روحه فإن ذلك عجبه بالمعراج الذى نصب لروحه لتعرج عليه وذلك شامل للمؤمن والكافر إلا أن المؤمن يفتح لروحه إلى السماء دون الكافر فترد بعد عروجها تحسيرا وندامة وتبكيتا له وذلك المعراج أتى به من جنة الفردوس وإنه منضد بالؤلؤ أى جعل فيه اللؤلؤ بعضه على بعض عن يمينه ملائكة وعن يساره ملائكة فصعد هو وجبريل عليهما الصلاة والسلام قال الحافظ ابن كثير ولم يكن صعوده على البراق كما توهمه بعض الناس أي ومنهم صاحب الهمزية كما يأتي عنه حتى انتهى إلى باب من أبواب سماء الدنيا أى ويقال له باب الحفظة عليه ملك يقال له إسمعيل أى وهذا يسكن الهواء لم يصعد إلى السماء قط ولم يهبط إلى الأرض قط إلا مع ملك الموت لما نزل لقبض روحه الشريفة وتحت يده اثنا عشر ألف ملك
أى وفى رواية أن تحت يده سبعين ألف ملك تحت يد كل ملك سبعون ألف ملك فاستفتح جبريل فقيل من أنت وفى رواية فضرب بابا من أبوبها فناداه أهل سماء الدنيا أى حفظتها من هذا قال جبريل فقيل ومن معك أى فإنهم رأوهما ولم يعرفوهما ولعل جبريل لم يكن على الصورة التى يعرفونه بها قال محمد وفى رواية قال معك
____________________

أحد يجوز أن يكون هذا القائل لم يرهما ويكون الرائى له معظم الحفظة قال نعم معى محمد قيل وقد بعث إليه أى للإسراء والعروج أى لأنه كان عندهم علم بأنه سيعرج به إلى السموات بعد الإسراء به إلى بيت المقدس وإلا فبعثه صلى الله عليه وسلم ورسالته إلى الخلق يبعد أن تخفى على أولئك الملائكة إلى هذه المدة وأيضا لو كان هذا مرادهم لقالوا أو قد بعث ولم يقولوا إليه
فإن قيل قد جاء فى حديث أنس إن ملائكة سماء الدنيا قالت لجبريل أو قد بعث قلنا تقدم أن حديث أنس كان قبل أن يوحى إليه وأنه كان مناما لا يقظة قال السهيلى ولم نجد فى رواية من الروايات أن الملائكة قالوا وقد بعث إلا فى هذا الحديث
وفى رواية بدل بعث إليه أرسل إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا قال صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بآدم فرحب بى ودعا لى بخير
واختلف فى لفظ آدم فقيل أعجمى ومن ثم منع الصرف وقيل عربى لأنه مشتق من الأدمة التى هى السمرة والمراد بها هنا لون بين البياض والحمرة حتى لا ينافى كونه أحسن الناس أو هو مشتق من أديم الأرض أى وجهها لأنه مخلوق منه وعلى أنه عربى يكون منع صرفه للعلمية ووزن الفعل
وفي رواية تعرض عليه أرواح بنيه فيسر بمؤمنها أي عند رؤيته ويعبس بوجهه عند رؤية كافرها
قال وفى رواية فإذا فيها آدم كيوم خلقه الله تعالى على صورته أى على غاية من الحسن والجمال فإذا هو تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول روح طيبة ونفس طيبة خرجت من جسد طيب اجعلوها فى عليين وتعرض عليه أرواح ذريته الكفار فيقول روح خبيثة ونفس خبيثة خرجت من جسد خبيث اجعلوها فى سجين
أقول وهذا وإن اقتضى كون أرواح العصاة من المؤمنين فى عليين كأرواح الطائفين منهم لكن لا يقتضى تساويهما فى الدرجة كما لا يخفى
وفى رواية تعرض عليه أعمال ذريته وهو إما على حذف المضاف أى صحف أعمالهم التى وقعت منهم وهى التى فى صحف الحفظة أو التى ستقع منهم وهى ما فى صحف الملائكة غير الحفظة أو تعرض عليه نفس أعمال تجسمت لما سيأتى أن المعانى تجسم ففى كل من الروايتين اقتصار والله أعلم
____________________


وفى رواية سندها ضعف كما قاله الحافظ ابن حجر وعن يمينه أسودة وباب يخرج منه ريح طيبة وعن شماله أسودة وباب يخرج منه ريح خبيثة فإذا نظر عن يمينه أى إلى تلك الأسودة ضحك واستبشر وإذا نظر عن شماله أى إلى تلك الأسودة حزن وبكى فسلم عليه صلى الله عليه وسلم فقال مرحبا بالابن الصالح والنبى الصالح فقال النبى صلى الله عليه وسلم من هذا فقال هذا أبوك آدم أى وزاد فى الجواب قوله وهذه الأسودة نسم أى أرواح بنيه فأهل اليمين أهل الجنة وأهل الشمال أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك واستبشر وإذا نظر عن شماله حزن وبكى وزاد فى الجواب أيضا قوله وهذا الباب الذى عن يمينه باب الجنة إذا نظر من سيدخله من ذريته ضحك واستبشر والباب الذي عن شماله باب جهنم إذا نظر من سيدخله من ذريته حزن وبكى اه أى إذا نظر إلى أرواح من سيدخلهما وفيه أن الجنة فوق السماء السابعة والنار فى الأرض السابعة وهى محيطة بالدنيا فكيف يكون بابهما فى السماء الدنيا وأن أرواح الكفار لا تفتح لها أبواب السماء كما تقدم
وأجيب عن الثانى بأن عرضها أى أرواح ذريته الكفار عليه نظرة إليها وهى دون السماء لأنها شفافة أو من ذلك الباب أى وكونها عن يساره الذى أخبر به صلى الله عليه وسلم أى فى جهة يساره
ويجاب عن الأول بأن الباب الذى على يمينه يجوز أن يكون محاذيا لموضع الجنة من السماء السابعة ولهذا قيل له باب الجنة وكذا يقال فى باب جهنم لأن الإضافة تأتى لأدنى ملابسة وبما أجبنا به عن كون أرواح ذريته الكفار عن جهة يساره يعلم أنه لا حاجة فى الجواب عن ذلك إلى قول الحافظ ابن حجر ويحتمل أن يقال إن النسم المرئية هى الأرواح التى لم تدخل الأجساد بعد أى الآن ومستقرها عن يمين آدم وشماله وقد أعلم بما سيصيرون إليه بناء على أن الأرواح مخلوقة قبل أجسادها على أنه لا يناسب قوله روح طيبة ونفس طيبة خرجت من جسد طيب إلى آخره
ولا حاجة لما نقل عن القرطبى فى الجواب عن ذلك من أن الكفار التى لا يفتح لها أبواب السماء المشركون دون الكفار من أهل الكتاب فيجوز أن تكون تلك الأسودة أرواح كفار أهل الكتاب إذ هو يقتضى أن المراد بأرواح بنيه فى الرويتين السابقتين الأرواح التى خرجت من أجسادها
____________________

قال صلى الله عليه وسلم ورأيت رجالا لهم مشافر كمشافرالإبل أى كشفاه الإبل أى وفى أيديهم قطع من نار كالأفهار أى الحجارة التى كل واحد منها ملء الكف يقذفونها فى أفواههم تخرج من أدبارهم قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء أكلة أموال اليتامى ظلما وهؤلاء لم تتقدم رؤيته صلى الله عليه وسلم لهم فى الارض أى ولعل المراد بالرجال الأشخاص أو خصوا بذلك لأنهم أولياء الأيتام غالبا قال صلى الله عليه وسلم ثم رأيت رجالا لهم بطون لم أر مثلها قط وفى رواية أمثال البيوت زاد فى رواية فيها حيات ترى من خارج البطون بسبيل أى طريق آل فرعون يمرون عليهم كالإبل المهيومة حين يعرضون على النار ولا يقدرون على أن يتحولوا من مكانهم ذلك أى فتطؤهم آل فرعون الموصوفون بما ذكر المقتضى لشدة وطئهم لهم والمهيومة التى أصابها الهيام وهو داء ياخذ الإبل فتهيم فى الأرض ولا ترعى وفى كلام السهيلى الإبل المهيومة العطاش والهيام شدة العطش أى وفى رواية كلما نهض أحدهم خر أى سقط قال قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء أكلة الربا وتقدمت رؤيته صلى الله عليه وسلم لهم فى الأرض لا بهذا الوصف بل إن الواحد منهم يسبح فى نهر من دم يلقم الحجارة أى ولا مانع من اجتماع الوصفين لهم أى فيخرجون من ذلك النهر ويلقون فى طريق من ذكر وهكذا عذابهم دائما
قال صلى الله عليه وسلم ثم رأيت رجالا بين أيديهم لحم سمين طيب إلى جنبه لحم خبيث منتن يأكلون من الغث أى الخبيث المنتن ويتركون السمين الطيب قال قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يتركون ما أحل الله لهم من النساء ويذهبون إلى ما حرم الله عليهم منهن أى وتقدمت رؤيته صلى الله عليه وسلم لهم أي الرجال والنساء في الأرض بنحو هذا الوصف
وفي رواية رأى أخونة عليها لحم طيب ليس عليها أحد وأخرى عليها لحم منتن عليها ناس يأكلون قال جبريل من هؤلاء قال هؤلاء الذين يتركون الحلال ويأكلون الحرام أي من الأموال أعم مما قبله أي وهؤلاء لم تتقدم رؤيته صلى الله عليه وسلم لهم فى الأرض
قال صلى الله عليه وسلم ثم رأيت نساء متعلقات بثديهن فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء اللاتى أدخلن على الرجال ما ليس من أولادهم أى بسبب زناهن أى
____________________

وهؤلاء لم يتقدم رؤيته صلى الله عليه وسلم لهن فى الأرض والذى تقدم رؤيته لهن الزانيات لا بهذا القيد وهو إدخالهن على أزواجهن ما ليس من أولادهم على أنه يجوز أن يكون المراد مطلق الزانيات لأن الزنا سبب فى حصول ما ذكر غالبا ولا مانع من اجتماع الوصفين لهن
قال ثم مضى هنيهة فإذا هو بأقوام يقطع اللحم من جنوبهم فيلقمونه فيقال له أى لكل واحد منهم كل كما كنت تأكل لحم أخيك قال يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون أى المغتابون للناس النمامون لهم اه أى وتقدمت رؤيته صلى الله عليه وسلم للمغتابين فى الأرض بغير هذا الوصف أى وروى أنه صلى الله عليه وسلم رأى فى هذه السماء النيل والفرات يطردان أن يجريان وعنصرهما أى أصلهما وهو يخالف ما يأتى أنه صلى الله عليه وسلم رأى في أصل سدرة المنتهى أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران وأن الظاهرين النيل والفرات
وأجيب بأنه يجوز أن يكون منبعهما من تحت سدرة المنتهى ومقرهما وهو المراد بعنصرهما الذى هو أصلهما فى السماء الدنيا أى بعد مرورهما فى الجنة ومن سماء الدنيا ينزلان إلى الأرض فقد جاء فى تفسير قوله تعالى { وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض } أنهما النيل الفرات أنزلا من الجنة من أسفل درجة منها على جناح جبريل عليه الصلاة والسلام فأودعهما بطون الجبال ثم إن الله سبحانه وتعالى سير فعهما ويذهب بهما عند رفع القرآن وذهاب الإيمان وذلك قوله تعالى وإنا على ذهاب به لقادرون وذكره السهيلى وفى زيادة الجامع الصغير أن النيل ليخرج من الجنة ولو التمستم فيه حين يسبح لوجدتم فيه من ورقها
قال صلى الله عليه وسلم ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه الصلاة والسلام فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل قد بعث إليه قال نعم قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بابنى الخالة عيسى ابن مريم ويحيى ابن زكريا صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهما أى شبيه أحدهما بصاحبه ثيابهما وشعرهما ومعهما نفر من قومهما فرحبا بى ودعوا لى بخير وفى بعض الروايات التى حكم عليها بالشذوذ أنهما فى السماء الثالثة وقد ذكرها الجلال السيوطى فى أوائل الجامع الصغير وذكر بعضهم أنها رواية الشيخين عن أنس والشذوذ لا ينافى الصحة المطلقة
____________________


فقد قال سيخ الإسلام فى شرح ألفية العراقى عند قوله من غير ما شذوذ خرج الشاذ وهو ما خالف فيه الراوى من هو أرجح منه ولا يرد عليه الشاذ الصحيح عند بعضهم لأن التعريف للصحيح المجمع على صحته لا مطلقا هذا كلامه
وفى كلام السخاوى نقلا عن شيخه ابن حجر أن من تأمل الصحيحين وجد فيهما أمثلة من ذلك أى من الصحيح الموصوف بالشذوذ
أقول وكونهما ابنى الخالة أى أن أم كل خالة الآخر هو المشهور وعليه قال ابن السكيت يقال ابنا خالة ولا يقال ابنا عمة ويقال ابنا عم ولا يقال ابنا خال لكن فى عيون المعارف للقضاعى أن يحيى إنما هو ابن خالة مريم أم عيسى لا ابن خالة عيسى لأن أم يحيى أخت أم مريم لا أخت مريم
وكذا فى كلام ابن إسحاق أن عمران وزكريا كلاهما من ذرية سليمان عليهم الصلاة والسلام وأنهما تزوجا أختين فزوجة زكريا ولدت يحيى قبل عيسى بستة أشهر ثم ولدت مريم عيسى وزوجة عمران ولدت مريم فأم يحيى أخت أم مريم فعيسى ابن بنت خالة يحيى وحينئذ يكون قوله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بابنى الخالة على التجوز وكذا قول عيسى ليحيى يا ابن الخالة كما فى تفسير التسترى على التجوز
ففيه حكى عن يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام أنهما خرجا يمشيان فصدم يحيى امرأة فقال له عيسى يا ابن الخالة لقد أخطأت اليوم خطيئة ما أرى الله عز وجل يغفرها لك قال وما هى قال صدمت امرأة قال والله ما شعرت بها قال عيسى سبحان الله بدنك معى فأين قلبك قال معلق بالعرش ولو أن قلبى اطمأن إلى جبريل صلوات الله وسلامه عليه طرفة عين لظننت أنى ما عرفت الله عز وجل ووجه التجوز أنه أطلق على بنت الأخت لفظ الأخت وقال بعضهم وهو كثير شائع فى كلامهم
ثم رأيت المولى أبا السعود ذكر ما يجمع به بين القولين وهو أنه قيل إن أم يحيى أخت أم مريم من الأم وأخت مريم من الأب فليتأمل تصويره بناء على تحريم نكاح المحارم لأن أم مريم حينئذ بنت موطوءة أبيها لأنها ربيبته إلا أن يكون فى شريعتهم جواز ذلك
ثم رأيت بعضهم ذكر ذلك حيث قال لا يبعد أن عمران تزوج أولا أم حنة فولدت
____________________

أشياع أى التى هى أم يحيى ثم تزوج حنة بعد ذلك التى هى ربيبته بنت موطوءته فجاء منها بمريم بناء على جواز ذلك فى شريعتهم
وفيه أنه تقدم أن نوحا عليه الصلاة والسلام بعث بتحريم نكاح المحارم إلا أن يقال المراد محارم النسب دون المصاهرة ولم يسم أحد يحيى بعد يحيى هذا إلا يحيى بن خلاد الأنصارى جيء به للنبى صلى الله عليه وسلم يوم ولد فحنكه بتمرة وقال لأسمينه باسم لم يسم به بعد يحيى بن زكريا فسماه يحيى
ومما يدل على شرف سيدنا يحيى بن زكريا ما فى الكشاف عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما كنا فى المسجد نتذاكر فضل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فذكرنا نوحا بطول عبادته وإبراهيم بخلته وموسى بتكليم الله تعالى إياه وعيسى برفعته إلى السماء وقلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل منهم بعث إلى الناس كافة وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو خاتم الأنبياء أى فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيم أنتم فذكرنا له فقال لا ينبغى لأحد أن يكون خيرا من يحيى بن زكريا فذكر أنه لم يعمل سيئة قط ولا هم بها أى ففى الحديث مامن أحد إلا ويلقى الله عز وجل وقد هم بمعصية عملها إلا يحيى بن زكريا فإنه لم يهم بها ولم يعملها فليتأمل ما فى ذلك
وقد ذكر أن والد زكريا لامه على كثرة العبادة والبكاء فقال له أنت أمرتنى بذلك يا أبت ألست أنت القائل إن بين الجنة والنار عقبة لا يجوزها إلا البكاءون من خشية الله عز وجل فقال بلى فجد واجتهد
وقد جاء فى الحديث أن يحيى هو الذى يذبح الموت يوم القيامة يضجعه ويذبحه بشعرة تكون فى يده والناس ينظرون إليه أى فإن الموت يكون فى صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ويقال لأهلهما أتعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت أى يلقى الله عز وجل معرفته فى قلوبهم وتجسم المعانى جاء به الحديث الصحيح
على أنه جاء فى تفسير قوله تعالى خلق الموت والحياة أن الموت فى صورة كبش لايمر على أحد إلا مات وخلق الحياة فى صورة فرس لا يمر على شيء إلا حيى وهو بدل على أن الموت جسم وأن الميت يشاهد حلول الموت به
وقيل الذى يذبح الموت جبريل عليه الصلاة والسلام وقيل إن فى هذه السماء الثانية إدريس وهو قول شاذ وقيل يوسف جاءت به رواية ذكرها الجلال السيوطى فى أوائل
____________________

والجامع الصغير وذكر فيها أن ابنى الخالة فى السماء الثالثة كما تقدم وتقدم أن بعضهم ذكر أنها رواية الشيخين عن أنس
قال أبو حيان وعيسى لفظ أعجمى والظاهر أن مثله يحيى هذا كلامه وفى كلام غيره أن يحيى عربى ومنع صرفه العلمية ووزن الفعل
وقيل فى عيسى إنه عربى مشتق من العيس وهو بياض يخالطه صفرة وعلى أنه أعجمى قيل عبرانى وقيل سريانى
ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم أى ومعه نفر من قومه وإذا هو أعطى شطر الحسن أى وفى رواية صورته صورة القمر ليلة البدر والمراد بشطر الحسن نصف الحسن الذى أعطيه الناس
وفى الحديث أعطى يوسف وأمه ثلث حسن الدنيا وأعطى الناس الثلثين ويحتاج للجمع بينها وبين ما جاء فى رواية قسم الله ليوسف من الحسن والجمال ثلثى حسن الخلق وقسم بين سائر الخلق الثلث وعن وهب بن منبه الحسن عشرة أجزاء تسعة منها ليوسف وواحد منها بين الناس
وفى كلام بعضهم كان فضل يوسف فى الحسن على الناس كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء وكان إذا سار فى أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدران كما يتلألأ نور الشمس وضوء القمر على الجدران والمراد بالناس غير نبينا صلى الله عليه وسلم لأن حسن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يشارك فى شئ منه كما أشار إليه صاحب البردة بقوله فجوهر الحسن فيه غير منقسم خلافا لابن المنير حيث ادعى أن يوسف أعطى شطر الحسن الذى أوتيه نبينا صلى الله عليه وسلم وتبعه على ذلك شارح تائية الإمام السبكى
وعبارته فإذا هو أى يوسف عليه الصلاة والسلام أعطى شطر الحسن الذى أعطيه كله صلى الله عليه وسلم
هذا وقد قيل إن يوسف ورث الحسن من إسحاق الذى هو جده وإسحاق ورث الحسن من سارة التى هى أمه وسارة أعطيت سدس الحسن ورثت ذلك من حواء
____________________


أى وفى رواية وصف يوسف وإنه أحسن ما خلق الله تعالى قد فضل الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب أى كفضل القمر ليلة البدر على بقية الكواكب الليلية والمراد بخلق الله تعالى وبالناس غير نبينا صلى الله عليه وسلم لما علمت أنه أعطى شطر الحسن الذى لغير نبينا صلى الله عليه وسلم ولأن المتكلم لا يدخل فى عموم خطابه على ما فيه
وقد جاء إن يوسف أعطى نصف حسن آدم وفى رواية ثلث حسن آدم وقد جاء كان يوسف يشبه آدم يوم خلقه ربه
وفى الخصائص الصغرى للسيوطى وخص بأنه صلى الله عليه وسلم أوتى كل الحسن ولم يعط يوسف إلا شطره فلينظر الجمع بين هذه الروايات على تقدير صحتها
وقد حاء ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه وحسن الصوت وكان نبيكم أحسنهم وجها أحسنهم صوتا
قال فرحب بى ودعا لى بخير وفى بعض الروايات إن فى هذه السماء الثالثة ابنى الخالة يحيى وعيسى كما مر ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب بى ودعا لى بخير وفى رواية قال مرحبا بالأخ الصالح
وفي رواية قتادة مرحبا بالابن الصالح قال بعضهم وهو القياس لأنه جده الأعلى لأنه من ولد شيث بينه وبين شيث أربعة آباء أرسل بعد موت آدم بمائتي سنة وهو أول من أعطى الرسالة من ولد آدم وهو يقتضي أن شيئا لم يكن رسولا ونوح من ولده بينه وبينه ابنان فإدريس في عمود نسبه صلى الله عليه وسلم وحينئذ قوله بالأخ الصالح فى تلك الرواية محمول على التواضع منه خلافا لمن تمسك بذلك
على أن إدريس ليس جدا لنوح ولا هو من آباء النبى صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل ورفعناه مكانا عليا أى حال حياته لأنه رفع إلى السماء قيل من مصر بعد أن خرج منها وجار الأرض كلها وعاد إليها ودعا الخلائق إلى الله تعالى باثنتين وسبعين لغة خاطب كل قوم بلغتهم وعلمهم العلوم
____________________


وهو أول من استخرج علم النجوم أى علم الحوادث التى تكون فى الأرض باقتران الكواكب
قال الشيخ محيى الدين بن العربى وهو علم صحيح لا يخطيء فى نفسه وإنما الناظر فى ذلك هو الذى يخطيء لعدم استيفاء النظر ودعوى إدريس عليه السلام الخلائق يدل على أنه كان رسولا وفى كلام الشيخ محيى الدين لم يجئ نص فى القرأن برسالة إدريس بل قيل فيه صديقا نبيا
وأول شخص افتتحت به الرسالة نوح عليه الصلاة والسلام ومن كانوا قبله إنما كانوا أنبياء كل واحد على شريعة من ربه فمن شاء دخل معه فى شرعه ومن شاء لم يدخل فمن دخل ثم رجع كان كافرا
ومما يؤثر عنه عليه الصلاة والسلام حب الدنيا والآخرة لايجتمعان فى قلب أبدا الناس اثنان طالب لايجد وواجد لا يكتفى من ذكر عار الفضيحة هان عليه لذتها خير الإخوان من نسى ذنبك ومعروفه عندك وقد قبضت روحه فى هذه السماء الرابعة فصلت عليه الملائكة ومدفنه بها تصلى عليه الملائكة كلما هبطت وحينئذ لا يقال من كان فى السماء الخامسة والسادسة والسابعة أرفع منه على أنه قيل لما مات أحياه الله تعالى وأدخله الجنة وهو فيها الآن أي غالب أحواله في الجنة فلا ينافي وجوده في السماء المذكورة فى تلك الليلة لأنها الجنة أرفع من السموات لأنها فوق السماء السابعة ولا ما جاء فى الحديث أنه فى السماء حى كعيسى عليهما الصلاة والسلام وفى بعض الروايات أن فى هذه السماء الرابعة هرون
ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بهرون أى ونصف لحيته بيضاء ونصف لحيته سوداء تكاد تضرب إلى سرته من طولها وحوله قوم من بنى إسرائيل وهو يقص عليهم فرحب بى ودعالى بخير أى وفى رواية فقال يا جبريل من هذا قال هذا الرجل المحبب فى قومه هرون بن عمران أى لأنه كان ألين لهم من موسى عليه الصلاة والسلام لإن موسى عليه الصلاة والسلام كان فيه بعض الشدة عليهم ومن ثم كان له منهم بعض الإيذاء
ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل
____________________

ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم فرحب بى ودعا لى بخير أى وفى رواية جعل يمر بالنبى والنبيين معهم القوم والنبى والنبيين ليس معهم أحد ثم مر بسواد عظيم فقال من هذا قيل موسى وقومه المناسب هذا قوم موسى كما لا يخفى لكن ارفع رأسك فإذا هو بسواد عظيم قد سد الأفق من ذا الجانب ومن ذا الجانب فقيل هؤلاء أمتك هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب أى منهم بدليل ما جاء فى رواية قيل لى هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وهم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقال عكاشة بن محصن أنا منهم قال نعم ثم قال رجل آخر أنا منهم قال صلى الله عليه وسلم سبقك بها عكاشة لأن هذا الرجل كان منافقا فلم يقل له صلى الله عليه وسلم لست منهم لأنك منافقا بل أجابه بما فيه ستر عليه والقول بأن ذلك الرجل هو سعد بن عبادة مردود وهذا تمثيل أى مثل له صلى الله عليه وسلم أمته أى وأمة موسى أيضا إذ يبعد وجودها حقيقة فى السماء السادسة وهذا السياق يدل على أن الذى مر بهم من النبى والنبيين فى السماء السادسة فلما خلصا أى جاوزا ما ذكر من النبى والنبيين والسواد العظيم فإذا موسى بن عمران رجل آدم طوال كأنه من رجال شنوءة كثير الشعر أى مع صلابته لو كان عليه قمصان لنفذ الشعر منهما أى وكان إذا غضب يخرج شعر من رأسه من قلنسوته وربما اشعتلت قلنيونه نارا لشدة غضبه
وفى كلام بعضهم كان إذا غضب خرج شعره من مدرعته كسل النخل ولشدة غضبه لما فر الحجر بثوبه صار يضربه حتى ضربه ست ضربات أو سبعا مع أنه لا إدراك له ووجه بأنه لما فر صار كالدابة والدابة إذا جمحت بصاحبها يؤدبها بالضرب فسلم عليه النبى صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح ثم دعا له ولأمته بخير وقال يزعم الناس أنى أكرم على الله من هذا بل هذا أكرم على الله منى فلما جاوزه بكن فقيل له ما يبكيك فقال أبكى لأن غلاما بعث بعدى يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخل الجنة من أمتى أى وبل من سائر الأمم
فقد ذكر الجلال السيوطى فى الخصائص الصغرى أن مما اختص به صلى الله عليه وسلم
____________________

فى أمته فى الآخرة أن أهل الجنة أى من الأمم مائة وعشرون صفا هذه الأمة منها ثمانون وسائر الأمم أربعون
وجاء فى المرفوع كل أمة بعضها فى الجنة وبعضها فى النار إلا هذه الأمة فإنها كلها فى الجنة
وفى العرائس عن أبى هريرة رضى الله عنه لما كلم الله عز وجل موسى كان بعد ذلك سيمع دبيب النملة السوداء فى الليلة الظلماء على الصفا من مسيرة عشرة فراسخ
وفى الحديث ليس أحد يدخل الجنة إلا جرد مرد إلا موسى بن عمران فإن لحيته إلى سرته ثم عرج بنا إلى السماء السابعة واسمها عريبا واسم الأرض السابعة جريبا
روى الخطيب بإسناد صحيح أن وهب بن منبه قال من قرأ البقرة وأل عمران يوم الجمعة كان له ثواب يملأ ما بين عريبا وجريبا فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال نعم قد بعث إليه ففتح لنا فإذا بإبراهيم صلوات الله وسلامه عليه أى رجل أشمط وفى لفظ كهل ولا ينافى ذلك ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم فى وصفه إنه أشبه بصاحبكم يعنى نفسه صلى الله عليه وسلم خلقا وخلقا جالس عند باب الجنة أى فى جهتها كما تقدم وإلا فالجنة فوق السماء السابعة على كرسى مسندا ظهره إلى البيت المعمور أى وهو من عقيق ويقال له الضراح بضم الضاد المعجمة وتخفيف الراء وفى آخره حاء مهملة من ضرح إذا بعد ومنه الضريح
أى وفى كلام الحافظ ابن حجر يقال له الضراح والضريح وجاء إنه مسجد بحذاء الكعبة لو خر لخر عليها أى فهو فى تلك السماء فى محل يحاذى الكعبة أى وقيل فى السماء الرابعة وبه جزم فى القاموس وقيل فى السادسة وقيل فى الأولى وتقدم أن فى كل سماء بيتا معمورا وأن كل بيت منها بحيال الكعبة وإذا هو يدخله كل يوم ألف ملك لا يعودون إليه
أقول عن بعضهم أن البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك وفى رواية سبعون وجيها مع كل وجيه سبعون ألف ملك والوجيه الرئيس ولعله صلى الله عليه وسلم علم ذلك بإعلام جبريل وإلا فرؤيته صلى الله عليه وسلم له تلك الليلة لا تقتضى ذلك
____________________

ثم رأيت الشيخ عبدالوهاب الشعرانى أشار إلى ذلك حيث قال وسما له البيت المعمور فنظر إليه وركع فيه ركعتين وعرفه أي جبريل أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك من الباب الواحد ويخرجون من الباب الآخر فالدخول من باب مطالع الكواكب والخروج من باب مغاربها والظاهر أن دخول هؤلاء الملائكة خاص بالذى فى السماء السابعة
وقال السهيلى وقد ثبت فى الصحيح أن أطفال المؤمنين والكافرين فى كفالة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل حين رأهم مع إبراهيم عليه الصلاة والسلام من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء أولاد المؤمنين الذين يموتون صغارا قال له وأولاد الكافرين قال له وأولاد الكافرين خرجه البخارى فى الحديث الطويل فى كتاب الجنائز وخرجه فى موضع آخر فقال فيه أولاد الناس
وقد روى فى أطفال الكافرين أيضا أنهم خدم أهل الجنة هذا كلامه وجاء فى حديث مرفوع لكن سنده ضعيف إن فى السماء الرابعة نهرا يقال له الحيوان يدخله جبريل كل يوم أى سحرا كما فى بعض الروايات فينغمس ثم يخرج فينتقض فيخرج منه سبعون ألف قطرة يخلق الله تعالى من كل قطرة ملكا وفى لفظ يخلق الله عز وجل من كل قطرة كذا وكذا ألف ملك يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور يصلون فيه فهم الذين يصلون في البيت المعمور ثم لا يعودون إليه أبدا يولى عليهم أحدهم يؤمر أن يقف بهم فى السماء موقفا يسبحون الله عز وجل إلى أن تقوم الساعة وذكر الشيخ عبد الوهاب الشعرانى أن جبريل أخبره بذلك فى تلك الليلة والله أعلم وفى رواية وإذا أنا بأمتى شطرين شطرا عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس وشطرا عليهم ثياب رمدة فدخلت البيت المعمور ودخل معى الذين عليهم الثياب البيض وحجب الآخرون الذين عليهم الثياب الرمدة فصليت أنا ومن معى فى البيت المعمور أى والظاهر أنه ليس المراد بالشطر النصف حتى يكون العصاة من أمته بقدر الطائعين منهم وإن الصلاة محتملة للدعاء ولذات الركوع والسجود ويناسبه ما تقدم من قوله ركعتين وأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال له يا نبى الله إنك لاق ربك الليلة وإن أمتك آخر الأمم وأضعفها فإن استطعت أن تكون حاجتك فى أمتك فافعل
وفى السيرة الشامية أن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال له صلى الله عليه وسلم
____________________

ذلك فى الأرض قبل وصول بيت المقدس وقال له هنا مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة فقال له وما غراس الجنة فقال لا حول ولا قوة إلا بالله وفى رواية أخرى أقرئ أمتك منى السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
وقد يقال لا مخالفة بين الروايتين لأنه يجوز أن يكون غراس الجنة مجموع ما ذكر وأن بعض الرواة اقتصر
قال صلى الله عليه وسلم واستقبلتنى جارية لعساء وقد أعجبتنى فقلت لها يا جارية أنت لمن قالت لزيد بن حارثة أى ولعل تلك الجارية خرجت من الجنة فيكون استقبالها له صلى الله عليه وسلم بعد مجاوزة السماء السابعة لكن فى رواية فرأيت فيها أى فى الجنة جارية الحديث
وقد يقال يجوز أن يكون رأها مرتين خارج الجنة وداخلها فيكون سؤالها فى المرة الأولى واللعس لون الشفة إذا كانت تضرب إلى السواد قليلا وذلك مستملح قاله فى الصحاح
وفى رواية فلما انتهى إلى السماء السابعة رأى فوقه رعدا وبرقا وصواعق أى وهذه الرواية ظاهرة فى أنه صلى الله عليه وسلم رأى ذلك فى السماء السابعة محتملة لأن يكون رآه قبل دخوله فيها وحينئذ يكون قوله ثم أتى بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل على الاحتمالين المذكورين
وعند عرض تلك الأوانى عليه صلى الله عليه وسلم أخذ اللبن فقال جبريل أصبت الفطرة أى بأخذك اللبن الذى هو الفطرة أصاب الله عز وجل بك أمتك على الفطرة أى أوجدهم على الفطرة ببركتك وفى رواية هذه الفطرة التى أنت عليها وأمتك أي وتقدم أن المراد بها الإسلام
وورد أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام فى السماء السادسة وموسى فى السماء السابعة وهذه الرواية فى البخارى عن أنس وتقدم أن ذلك كان فى الإسراء بروحه صلى الله عليه وسلم لا بجسده وفيه أن رؤيا الأنبياء حق
فالأولى الجمع بين الروايات بالانتقال وأن بعض الأنبياء نزل من محله إلى ما تحته لملاقاته صلى الله عليه وسلم عند صعوده وبعضهم خرج عن محله وصعد إلى
____________________

ما فوقه لملاقاته صلى الله عليه وسلم عند هبوطه فأخبر صلى الله عليه وسلم عنه تارة بأنه فى سماء كذا وتارة بأنه في سماء كذا والحافظ ابن حجر لايرى الجمع بل يحكم على ما خالف أصح الروايات بأنه لا يعمل به قال والجمع إنما هو مجرد استرواح لا ينبغى المصير إليه هذا كلامه
وعندى فيه نظر ظاهر والجمع أولى من إثبات المعارضة لاسيما بين الأصح والصحيح وإن كان الصحيح شاذا لأنا لا نقدم الأصح أو الصحيح على غيره إلا حيث تعذر الجمع فليتأمل
وعلى المشهور من الروايات الذى صدرنا به أبدى بعضهم لاختصاص هؤلاء الأنبياء بملاقاته صلى الله عليه وسلم واختصاص كل واحد منهم بالسماء الذى لقيه فيها حكمة يطول ذكرها
قال صلى الله عليه وسلم ثم ذهب بى أى جبريل إلى سدرة المنتهى وإذا أوراقها كآذان الفيلة وفى رواية مثل آذان الفيول وفى رواية الورقة منها تظل الخلق وفى رواية تكاد الورقة تغطى هذه الأمة وفى رواية لو أن الورقة الواحدة ظهرت لغطت هذه الدنيا وحينئذ يكون المراد بكونها كآذان الفيلة فى الشكل وهو الاستدارة لا فى السعة وإذا ثمرها كالقلال وفى رواية كقلال هجر قرية بقرب المدينة والواحدة من قلالها تسع قربتين ونصفا من قرب الحجاز والقربة تسع من الماء مائة رطل بغدادى فلما غشيها من أمر الله عز وجل ما غشيها تغيرت أى صار لها حالة من الحسن غير تلك الحالة التى كانت عليها فما أحد من خلق الله عز وجل يستطيع أن ينعتها من حسنها أى لأن رؤية الحسن تدهش الرائى وهذا السياق يدل على أن سدرة المنتهى فوق السماء السابعة أى وهو قول الأكثر وفى بعض الروايات أن أغصانها تحت الكرسى وعن وهب أن العرش والكرسى فوق السماء السابعة قال ويسأل هل ثمرة سدرة المنتهى كالثمار المأكولة فى أنه يزول ويعقبه غيره هذا الزائل يؤكل أو يسقط أى فلا يؤكل انتهى
قال صلى الله عليه وسلم ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ أى بالمعجمة قباب اللؤلؤ وفى لفظ حبائل اللؤلؤ المعقود والقلائد وإذا ترابها المسك ورمانها كالدلاء وطيرها كالبخت فدخوله صلى الله عليه وسلم للجنة كان قبل عروجه للسحابة
____________________


وفى الحديث ما فى الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة إلا وهى فى الجنة حتى الحنظل والذى نفس محمد بيده لا يقطف رجل ثمرة من الجنة فتصل إلى فيه حتى يبدل الله مكانها خيرا منها وهذا القسم يرشد إلى أن ثمرة الجنة كلها حلوة تؤكل وأنها تكون على صورة ثمرة الدنيا المرة
وفى كلام الشيخ محيى الدين بن العربى فاكهة الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة أى تؤكل من غير قطع أى يؤكل منها فالأكل موجود والعين باقية فى غصن الشجرة وليس المراد أن الفاكهة غير مقطوعة فى شتاء ولا صيف أو يخلق مكان قطعها أخرى على الفور كما فهمه بعضهم فعين ما يأكل العبد هو عين ما يشهد وأطال فى ذلك وكأنه لم يقف على هذا الحديث أو لم يثبت عنده فليتأمل
قال ويخرج من أصل تلك الشجرة أربعة أنهار نهران باطنان أى يبطنان ويغيبان فى الجنة بعد خروجهما من أصل تلك الشجرة ونهران ظاهران أى يستمران ظاهرين بعد خروجهما من أصل تلك الشجرة فيجاوزان الجنة فقال ما هذه أى الأنهار يا جبريل قال أما الباطنان ففى الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات انتهى
أقول قول جبريل أما الباطنان ففى الجنة لا يحسن أن يكون جوابا عن هذا السؤال أى الذى هو سؤال عن بيان الحقيقة ويحصل بذكر اسمها فكان المناسب بحسب الظاهر أن يقول وأما الباطنان فنهر كذا ونهر كذا وهذا السياق يدل على أن النيل والفرات يمران فى الجنة ويجاوزانها وأن ما عداهما كسيحان وجيحان بناء على أنهما ينبعان من أصل شجرة المنتهى يغيبان فيها ولا يجاوزانها والنيل نهر مصر والفرات نهر الكوفة ويحتمل أن النهرين اللذين هما ما عدا النيل والفرات بناء على أنهما سيحان وجيحان يبطنان فى الجنة ولا يظهران إلا بعد خروجهما منها لوجودهما فى الخارج بخلاف النيل والفرات فإنهما يستمران ظاهرين فيها إلى أن يخرجا منها
وقد جاء فى حديث ما من يوم إلا وينزل ماء من الجنة فى الفرات قال بعضهم ومصداقه أن الفرات مد فى بعض السنين فوجد فيه رمان كل واحدة مثل البعير فيقال إنه رمان الجنة وهذا الحديث ذكره ابن الجوزى فى الأحاديث الواهية وفى حديث موقوف على ابن عباس إذا حان خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله تعالى جبريل فرفع من الأرض هذه الأنهار والقرآن والعلم والحجر والمقام وتابوت موسى بما فيه إلى السماء
____________________

هذا وفى بعض الروايات ما يدل على أن سيحان وجيحان لا ينبعان من أصل شجرة المنتهى فليسا هما المراد بالباطنين
وعن مقاتل الباطنان السلسبيل والكوثر أى ومعنى كونهما باطنين أنهما لم يخرجا من الجنة أصلا ومعنى كون النيل والفرات ظاهرين أنهما يخرجان منها
وفى السيرة الشامية لم يثبت فى سيحان وجيحان أنهما ينبعان من أصل شجرة المنتهى فيمتاز النيل والفرات عليهما بذلك وأما الباطنان المذكوران أى فى الحديث فهما غير سيحان وجيحان قال القرطبى ولعل ترك ذكرهما أى سيحان وجيحان فى حديث الإسراء كونهما ليسا أصلا برأسهما وإنما يحتمل أن يتفرعا عن النيل والفرات هذا كلامه ولعل المراد أنهما يتفرعان عنهما بعد خروجهما من الجنة فهما لم يخرجا من أصل السدرة ولا يبطنان فى الجنة أصلا
قال وإذا فيها فى تلك الشجرة عين أى فى أصلها أيضا يقال لها السلسبيل فينشق منها نهران أحدهما الكوثر والآخر يقال له نهر الرحمة فاغتسلت منه فغفر لى ما تقدم من ذنبى وما تأخر انتهى أى فهما يخرجان من أصل سدرة المنتهى لكن لا من المحل الذى يخرج منه النيل والفرات وحينئذ يحسن القول بأنه يخرج من أصل تلك الشجرة أربعة أنهار نهران ظاهران ونهران باطنان وفى جعل الكوثر قسما من السلسبيل يخالفه جعله قسيما كما تقدم عن مقاتل فالباطنان الكوثر ونهر الرحمة فالأنهار التى تخرج من أصل سدرة المنتهى أربعة بناء على أن سيحان وجيحان لا يخرجان منها أو ستة بناء على أنهما يخرجان منها
وعلى الأول لا ينافى قول القرطبى ما فى الجنة نهر إلا ويخرج من أصل سدرة المنتهى لأن المراد إما خروجه بنفسه أو أصله الذى يتفرع منه بناء على ما تقدم من أن سيحان وجيحان يتفرعان عن النيل والفرات
ولا ينافى ما عند مسلم يخرج من أصلها يعنى سدرة المنتهى أربعة أنهار من الجنة وهى النيل والفرات وسيحان وجيحان ولا ما عند الطبرانى سدرة المنتهى يخرج من أصلها أربعة أنهار من ماء غير آسن ومن لبن لم يتغير طعمه ومن خمر لذة للشاربين ومن عسل مصفى وعن كعب الأحبار إن نهر العسل نهر النيل أى ويدل لذلك قول بعضهم لولا دخول بحر النيل فى البحر الملح الذى يقال له البحر الأخضر قبل أن يصل
____________________

إلى بحيرة الزنج ويختلط بملوحته لما قدر أحد على شربه لشدة حلاوته ونهر اللبن نهر جيحان ونهر الخمر نهر الفرات ونهر الماء نهر سيحان لأن غاية ذلك سكوتهما عن النهرين الآخرين وهما الكوثر ونهر الرحمة ومعنى كونها تخرج من أصل سدرة المنتهى من الجنة أنه يحتمل أن تكون سدرة المنتهى مغروسة فى الجنة والأنهار تخرج من أصلها فصح أنها من الجنة هكذا ذكره العارف ابن أبى جمرة ولم أقف على ما يدل على ثبوت هذا الاحتمال أى أن سدرة المنتهى مغروسة فى الجنة ولا حاجة لهذا الاحتمال فى تصحيح هذه الرواية لأن المعنى أن تلك الأنهار تخرج من أصل تلك الشجرة ثم تكون خارجة من الجنة ثم لايخفى أن فى كلام القاضى عياض أن سيحان يقال فيه سيحون وجيحان يقال فيه جيحون
ويخالفه قول صاحب النهاية اتفقوا كلهم على أن جيحون غير جيحان وسيحون غير سيحان ومن ثم أنكر الإمام النووى على القاضى عياض حيث قال الثانى أى من وجوه الإنكار على القاضى قوله سيحان وجيحان ويقال سيحون وجيحون فجعل الأسماء مترادفة وليس كذلك فسيحان وجيحان غير سيحون وجيحون هذا كلامه
وذكر صاحب النهاية أن جيحون نهر وراء خراسان عند بلخ وسكت عن بيان سيحون فليتأمل
قال والذى غشى الشجرة فراش من ذهب والفراش هو الحيوان الذى يلقى نفسه فى السراج ليحترق وملائكته على كل ورقة ملك يسبح الله تعالى وملائكه أى آخرون يغشونها كأنهم الغربان يأوون إليها متشوقين إليها متبركين بها زائرين كما يزور الناس الكعبة انتهى
ورأى صلى الله عليه وسلم جبريل عند تلك السدرة على الصورة التى خلقه الله عز وجل عليها له ستمائة جناح كل جناح منها قد سد الأفق يتناثر من أجنحته تهاويل الدر والياقوت مما لا يعلمه إلا الله عز وجل وغشيت تلك السدرة سحابة فتأخر جبريل عليه الصلاة والسلام ثم عرج به صلى الله عليه وسلم أى فى تلك السحابة حتى ظهر لمستوى سمع فيه صرير الأقلام وفى رواية صريف أى صوت حركتها حال الكتابة أى ما تكتبه الملائكة من الأقضية وهذا السياق يدل على أن جبريل لم يتعد سدرة المنتهى ويدل
____________________

على ما تقدم من أن سدرة المنتهى فوق السماء السابعة إلى آخر ما تقدم وهو الموافق لقول بعضهم إنها على يمين العرش
وفى رواية ثم انطلق بى أى جبريل إلى ظهر السماء السابعة حتى انتهى إلى نهر عليه خيام الياقوت واللؤلؤ والزبرجد وعليه طير أخضر نعم الطير رأيت قال جبريل هذا الكوثر الذى أعطاك الله فإذا فيه آنية الذهب والفضة يجرى على رضاض من الياقوت والزمرد بالذال المعجمة كما تقدم وماؤه أشد بياضا من اللبن فأخذت من آنيته واغترفت من ذلك فشربت فإذا هو أحلى من العسل وأشد رائحة من المسك
أقول قد تقدم أن هذا النهر من العين التى تخرج من سدرة المنتهى التى يقال لها السلسبيل أى فهو يخرج من تلك الشجرة ويمر على ما ذكر ثم يدخل الجنة ويستقر بها فلا ينافى كون الكوثر نهرا فى الجنة وأن السلسبيل عين فى الجنة لأن السلسبيل على ما تقدم أصل الكوثر والله أعلم
وفى رواية إنها أى سدرة المنتهى فى السماء السادسة وإليها ينتهى ما يعرج من الأرض فيفيض منها وإليها ينتهى ما يهبط من فوقها فيفيض منها وعندها تقف الحفظة وغيرهم فلا يتعدونها ومن ثم سميت سدرة المنتهى
وعن تفسير ابن سلام عن بعض السلف قال إنما سميت سدرة المنتهى لأن روح المؤمن ينتهى بها إليها فتصلى عليها هناك الملائكة المقربون وجمع وجمع الحافظ ابن حجر بين كون سدرة المنتهة فى السادسة وكونها فى السابعة بأن أصلها فى السادسة وأغصانها فى السابعة أى فوق السابعة أى جاوزت السابعة فلا ينافى القول بأنها فوق السابعة على ما تقدم وهذا الحمل المقتضى لكون أصلها فى السادسة لا يناسب كون الأنهار تخرج من أصلها إلى آخر ما تقدم
ويروى أن جبريل لما وصل إلى مقامه وهو سدرة المنتهى فوق السماء السابعة قال له صلى الله عليه وسلم ها أنت وربك هذا مقامى لا أتعداه فزج بى فى النور أى لما غشيته تلك السحابة ويعبر عن تلك السحابة بالرفوف قال الشيخ عبدالوهاب الشعرانى وهو نظير المحفة عندنا
وفى تاريخ الشيخ العينى شارح البخارى عن مقاتل بن حيان قال انطلق بى جبريل حتى انتهى إلى الحجاب الأكبر عند سدرة المنتهى قال جبريل تقدم يا محمد قال
____________________

فتقدمت حتى انتهيت إلى سرير من ذهب عليه فراش من حرير الجنة فنادى جبريل من خلفى يل محمد إن الله يثنى عليك فاسمع وأطع ولا يهولنك كلامه فبدأت بالثناء على الله عز وجل الحديث أى وفى ذلك النور المستوى الذى يسمع فيه صريف الأقلام ثم العرش والرفوف والرؤية وسماع الخطاب
وفى رواية أنه لما وقف جبريل قال له صلى الله عليه وسلم فى مثل هذا المقام يترك الخليل خليله قال إن تجاوزت احترقت بالنار فقال النبى صلى الله عليه وسلم يا جبريل هل لك من حاجة إلى ربك قال يا محمد سل الله عز وجل لى أن أبسط جناحى على الصراط لأمتك حتى يجوزوا عليه قال ثم زج بى فى النور فخرق بى إلى سبعين الف حجاب ليس فيها حجاب يشبه حجابا غلظ كل حجاب خمسمائة عام وانقطع عنى حس كل ملك فلحقنى عند ذلك استيحاش فعند ذلك نادى مناد بلغة أبى بكر رضى الله تعالى عنه قف إن ربك يصلى فبينما أنا أتفكر فى ذلك أى فى وجود أبى بكر فى هذا المحل وفى صلاة ربى فأقول هل سبقنى ابو بكر وكيف يصلى ربى وهو غنى عن أن يصلى كما يدل على ذلك ما يأتى فإذا النداء من العلى الأعلى ادن يا خير البرية ادن يا أحمد ادن يا محمد فأدنانى ربى حتى كنت كما قال عز وجل { ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى }
وفى الخصائص الصغرى وخص بالإسراء وما تضمنه اختراق السموات السبع والعلو إلى قاب قوسين ووطئه مكانا ما وطئه نبى مرسل ولا ملك مقرب وهذه الرواية ككلام الخصائص تدل على أن فاعل دنا وتدلى واحد وكان هو صلى الله عليه وسلم وحينئذ يكون معنى تدلى زاد فى القرب وجعل بعض العلماء من جملة ما خالف شريك فيه المشهور من الروايات أنه جعل فاعل دنا فتدلى الحق سبحانه وتعالى أى دنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان من محمد صلى الله عليه وسلم قاب قوسين أو أدنى ثم رأيت الحافظ ابن حجر ذكر عن البيهقى أنه روى بسند حسن ما يوافق ما ذكر شريك ومعلوم أم معنى الدنو والتدلى الواقعين من الله سبحانه وتعالى كمعنى النزول منه فى ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخير وهو أى ذلك عند أهل الحقائق من مقام التنزل بمعنى أنه تعالى يتلطف بعباده ويتنزل فى خطابه لهم فيطلق على نفسه ما يطلقونه على أنفسهم فهو فى حقهم حقيقة وفى حقه تعالى مجاز
____________________


ورأيت بعضهم ذكر أن فاعل دنا جبريل وفاعل تدلى محمد صلى الله عليه وسلم أى سجد لربه سبحانه وتعالى شكرا على ما أعطى من الزلفى
ورأيت بعضا آخر ذكر أن فاعل تدلى الرفرف وفاعل دنا محمد صلى الله عليه وسلم أى تدلى الرفرف لمحمد صلى الله عليه وسلم حتى جلس عليه ثم دنا محمد صلى الله عليه وسلم من ربه سبحانه وتعالى أى قرب قرب منزلة وتشريف لا قرب مكان تعالى الله عز وجل عن ذلك
قال صلى الله عليه وسلم وسألنى ربى فلم أستطع أن أجيبه عز وجل فوضع يده عز وجل بين كتفى بلا تكييف ولا تحديد أى يد قدرته تعالى لأنه سبحانه منزه عن الجارحة فوجدت بردها فأورثنى علم الأولين والآخرين وعلمنى علوما شتى فعلم أخذ على كتمانه إذ علم أنه لا يقدر على حمله غيرى وعلم خيرنى فيه وعلم أمرنى بتبليغه إلى العام والخاص من أمتى وهى الإنس والجن أى وكذلك الملائكة على ما تقدم
أقول هذا التفصيل يدل على أن العلوم الشتى هى هذه العلوم الثلاثة إلا أن يقال كل علم من هذه الثلاثة يشتمل على أنواع من العلوم والله أعلم
قال صلى الله عليه وسلم ثم قلت اللهم إنه لما لحقنى استيحاش سمعت مناديا ينادى بلغة تشبه لغة أبى بكر فقال لى قف فإن ربك يصلى فعجبت من هاتين هل سبقنى أبو بكر إلى هذا المقام وإن ربى لغنى أن يصلى فقال تعالى أنا الغنى عن أن أصلى لأحد وإنما أقول سبحانى سبحانى سبقت رحمتى غضبى اقرأ يا محمد { هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما } فصلاتى رحمة لك ولأمتك وأما أمر صاحبك يا محمد فإن أخاك موسى كان أنسه بالعصا فلما أردنا كلامه قلنا وما تلك بيمينك يا موسى قال هى عصاى وشغل بذكر العصا عن عظيم الهيبة وكذلك أنت يا محمد لما كان أنسك بصاحبك أبى بكر خلقنا ملكا على صورته ينادى بلغته ليزول عنك الاستيحاش لما يلحقك من عظم الهيبة
أقول لعل المراد خلقنا صورة على صورة صوته لأنه ليس فى الرواية أنه رأى ذلك الملك على صورة أبى بكر وإنما سمع صوته والله أعلم
ثم قال الله عز وجل يا محمد وأين حاجة جبريل فقلت اللهم إنك أعلم فقال يا محمد قد أجبته فيما سأل ولكن فيمن أحبك وصحبك
____________________


أقول لعل المراد بمن صحبك من كان تابعا لك فى دينك عاملا بسنتك أى وهو مراد جبريل بأمته صلى الله عليه وسلم فى قوله أن أبسط جناحى لأمتك على الصراط والله أعلم
وفى رواية إنه صلى الله عليه وسلم لما رأى الحق سبحانه وتعالى خر ساجدا قال صلى الله عليه وسلم فأوحى الله عز وجل إلى ما أوحى
وقد ذكر الثعلبى والقشعرى فى تفسير قوله تعالى { فأوحى إلى عبده ما أوحى } أن من جملة ما أوحى إليه إن الجنة حرام على الأنبياء حتى تدخلها يا محمد وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك قال القشيرى وأوحى إليه خصصتك بحوض الكوثر فكل أهل الجنة أضيافك بالماء ولهم الخمر واللبن والعسل ففرض على خمسين صلاة فى كل يوم وليلة
أقول تقدم أن من جملة ما أوحى إليه فى هذا الموطن من القرآن خواتيم سورة البقرة وبعض سورة الضحى وبعض ألم نشرح وقد تقدم ذلك عند الكلام على أنواع الوحى وقدمنا أنه يضم لذلك هو الذى يصلى عليكم وملائكته الآية على ما تقدم
هذا وفى حديث رواته ثقات لما وصلت إلى السماء السابعة قال لى جبريل عليه السلام رويدا أى قف قليلا فإن ربك يصلى قلت أهو يصلى وفى لفظ كيف يصلى وفى لفظ أخر قلت يا جبريل أيصلى ربك قال نعم قلت وما يقول قال يقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبقت رحمتى غضبى ولا مانع من تكرر وقوع ذلك له صلى الله عليه وسلم من جبريل ومن غيره فى السماء السابعة وفيما فوقها لكن يبعد تعجبه صلى الله عليه وسلم من كونه عز وجل يصلى فى المرة الثانية وما بعدها
وورد أن بنى إسرائيل سألوا موسى هل يصلى ربك فبكى موسى عليه الصلاة والسلام لذلك فقال الله تعالى يا موسى ما قالوا لك فقال قالوا الذى سمعت قال أخبرهم أنى أصلى وأن صلاتى تطفئ غضبى والله أعلم
قال صلى الله عليه وسلم فنزلت إلى موسى أى وفى رواية ثم انجلت تلك السحابة أى عند وصوله إلى سدرة المنتى الذى هو المحل الذى وقف فيه جبريل فأخذ بيده جبريل فانصرف سريعا فأتى على إبراهيم فلم يقل شيئا ثم أتى على موسى وهذا
____________________

يدل على ما هو المشهور فى الروايات أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان فى السابعة وموسى كان فى السادسة لا على غير المشهور أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان فى السادسة وموسى كان فى السابعة كما تقدم
ولما أتى إلى موسى عليه الصلاة والسلام قال له ما فرض ربك عليك أى وفى لفظ بم أمرت قال خمسين صلاة قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فإنى بلوت بنى إسرائيل وخبرتهم أى وفى البخارى إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإنى والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بنى إسرائيل أشد المعالجة أى فإنه فرض عليهم صلاتان فما قاموا بهما أى ركعتان بالغداة وركعتان بالعشى وقيل فرض ركعتان عند الزوال أى فما قاموا بذلك
وفى تفسير البيضاوى أن الذى فرض على بنى إسرائيل خمسون صلاة فى اليوم والليلة وسيأتى ذكر ذلك فى بعض الروايات
ويرده قولهم إن سبب طلب التخفيف أنه استكثر الخمس التى هى المرة الأخيرة فهو إنما يناسب ما تقدم
ثم رأيت القاضى البيضاوى قال فى تفسير قوله تعالى { ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا } أن من ذلك الإصر الذى كلفت به بنو إسرائيل خمسون صلاة فى اليوم والليلة وكتب عليه الجلال السيوطى فى الحاشية أن كون بنى إسرائيل كلفوا بخمسين صلاة فى اليوم والليلة باطل وبسط الكلام على ذلك
ثم قال موسى فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك أى وإنما كانت أمته مأمورة بما أمر به ومفروض عليها ما فرض عليه لأن الفرض عليه صلى الله عليه وسلم فرض على أمته والأمر له صلى الله عليه وسلم أمر لها لأن الأصل أن ما ثبت فيه حق كل نبى ثبت فى حق أمته إلا أن يقوم الدليل على الخصوصية
قال فرجعت إلى ربى أى انتهى إلى الشجرة فغشيته السحابة وخر ساجدا فقلت يا رب خفيف عن أمتى فحط عنى خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عنى خمسا قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك واسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربى تبارك وتعالى وبين موسى صلى الله عليه وسلم حتى قال الله تعالى يا محمد إنهن خمس صلوات فى كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ومن هم
____________________

بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له سيئة واحدة قال صلى الله عليه وسلم فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقلت قد رجعت إلى ربى حتى استحييت منه أى وفي رواية أنه وضع عنه عشر صلوات عشر صلوات إلى أن أمر بخمس صلوات وجاء في الحديث أكثروا من الصلاة على موسى فما رأيت أحدا من الأنبياء أحوط على أمتى منه
أقول فى الوفاء أن رواية وضعت خمس صلوات من أفراد مسلم ورواية وضع عنه عشر صلوات أصح لأنه قد أتفق البخارى ومسلم عليها والرواية التى فيها حط خمسا خمسا غلط من الرواة هذا كلامه فليتأمل
والمتبادر من قوله إلى أن مر بخمس صلوات أنه رفع التعلق بجمع الخمسين وأثبت تعلقا جديدا بخمس ليست من الخمسين فالمنسوخ جميع الخمسين
ويحتمل أنه رفع التعلق بجملة الخمسين مع إثبات التعلق بخمسة منها التى هى بعضها فيكون المنسوخ ما عدا الخمس من الخمسين قيل وفى هذا وقوع النسخ قبل البلاغ وقد اتفق أهل السنة والمعتزلة على منعه
ورد بأن هذا وقع بعد البلاغ بالنسبة للنبى صلى الله عليه وسلم لأنه كلف بذلك ثم نسخ فقد قال شيخ الإسلام زكريا الأنصارى رحمه الله تعالى وما قيل إن الخمس فى ليلة الإسراء ناسخة للخمسين إنما هو فى حقه صلى الله عليه وسلم لبلوغه له لافى حق الأمة أى لعدم بلوغه لهم هذا كلامه وإذا نسخ فى حقه صلى الله عليه وسلم نسخ فى حق أمته كما هو الأصل إلا أن تثبت الخصوصية بدليل صحيح وهذا يرد ما فى الخصائص الصغرى للسيوطى رحمه الله تعالى من أن وجوب الخمسين لم ينسخ فى حقه صلى الله عليه وسلم وإنما نسخ فى حق الأمة ولعل مستنده فى ذلك رواية فرض الله على أمتى ليلة الإسراء خمسين صلاة فلم أزل أراجعه وأسأله التخفيف حتى جعلها خمسا فى كل يوم وليلة أى على الأمة كما هو المتبادر وقول موسى عليه الصلاة والسلام له صلى الله عليه وسلم إن أمتك لا تطيق ذلك وربما يوافق ذلك قول الإمام السبكى فى تائيته
____________________

** وقد كان رب العالمين مطالبا بخمسين فرضا كل يوم وليلة ** ** فأبقيت أجر الكل ما اختل ذرة وخففت الخمسون عنا بخمسة **
وفيه النسخ قبل التمكن من الفعل وهو يرد قول المعتزلة القائلين بأنه لا يجوز النسخ قبل التمكن من الفعل ودخول وقته
والظاهر من الخمسين التى فرضت أولا أن كل صلاة من الخمس تكرر عشر مرات فما زاد على الخمس مساولها
ويحتمل أن تكون صلوات أخر مغايرة لتلك الخمس ولم أقف على بيان تلك الصلوات
وعلى أن الخمسين لم تنسخ فى حقه صلى الله عليه وسلم لم أقف على ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم صلاها ولا على كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم صلاها ولا على كيفية صلاته صلى الله عيله وسلم لها وإلى عروجه صلى الله عليه وسلم ورجوعه أشار صاحب الهمزية بقوله ** وطوى الأرض سائرا والسموات العلا فوقها له إسراء ** ** فصف الليلة التى كان للمختا ر فيها على البراق استواء ** ** وترقى به إلى قاب قوسين وتلك السيادة القعساء ** ** رتب تسقط الأمانى حسرى دونها ما وراءهن وراء ** ** وتلقى من ربه كلمات كل علم فى شمسهن هباء ** ** زاخرات البحار يغرق فى قط رتها العالمون والحكماء **
أى وطوى الأرض حالة كونه صلى الله عليه وسلم سائرا عليها إلى المدينة عند الهجرة كما طويت له صلى الله عليه وسلم قبل ذلك السموات العلا لما كان له صلى الله عليه وسلم فوقها إسراء أى ليلة الإسراء إلى أن جاوزها جميعها فى أسرع وقت فصف تلك الليلة التى كان للمختار فيها على البراق استواء واستقرار وصعد به ذلك البراق إلى مقدار قاب قوسين وتلك الرتبة التى وصل إليها صلى الله عليه وسلم هى السعادة الثابتة التى لا يعتريها نقص ولا زوال وهذه رتب تسقط دونها الأمانى حسرى ذات إعياء وتعب ما قدامهن قدام أى ليس بعدها من رتبة ينالها أحد غيره صلى الله عليه وسلم وتلقى من ربه كلمات ما عداها بالنسبة إليها كالهباء وهو ما يرى فى ضوء الشمس وبث سبحانه
____________________

وتعالى إليه علوما لا يدرك العلماء الحكماء شذرة منها وكونه صلى الله عليه وسلم صعد السموات على البراق يوافقه ما فى حياة الحيوان
إن قيل لم عرج بالنبى صلى الله عليه وسلم إلى السماء على البراق ولم ينزل عند منصرفه عليه فالجواب أنه عرج به إلى دار الكرامة ولم ينزل به عليه إظهارا لقدرة الله تعالى هذا كلامه فليتأمل
وتقدم عن الحافظ ابن كثير إنكار صعوده صلى الله عليه وسلم على البراق وقد جاء كان موسى أشد على حين مررت عليه وخيرهم إلى حين رجعت ونعم الصاحب كان لكم أى فإنه صلى الله عليه وسلم كما تقدم لما جاوزه عند الصعود بكى فنودى ما يبكيك قال رب هذا غلام أى لأنه صلى الله عليه وسلم كان حديث السن بالنسبة لموسى صلى الله عليه وسلم هذا هو المناسب للمقام بعثته بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخل من أمتى وفى رواية تزعم بنو إسرائيل أى وهو يعقوب بن إسحاق عليهما الصلاة والسلام ومعنى إسرائيل عبدالله وقيل صفوة الله وفى لفظ تزعم الناس أنه أكرم على الله منى ولو كان هذا وحده هان ولكن معه أمته وهم أفضل الأمم عند الله تعالى أى انضم إلى شرفه شرف أمته على سائر الأمم
أقول والغرض من هذا وما تقدم عنه عند مروره صلى الله عليه وسلم على قبره عليه الصلاة والسلام عند الكثيب الأحمر إظهار فضيلة نبينا صلى الله عليه وسلم وفضيلة أمته بأنه أفضل الأنبياء وأمته بأنها أفضل الأمم وفى رواية عن ابن عمر كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرات وغسل الثوب من البول سبع مرات ولم يزل صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمسا وغسل الجنابة مرة وغسل الثوب من البول مرة
قال وعن أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ليلة أسرى بى مكتوبا على باب الجنة الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر فقلت لجبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة قال لأن السائل يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة انتهى هذا والراجح عند أئمتنا أن درهم الصدقة أفضل من درهم القرض
وبيان كون درهم القرض بثمانية عشر درهما أن درهم القرض بدرهمين من دراهم
____________________

الصدقة كما جاء فى بعض الرويات ودرهم الصدقة بعشرة تصير الجملة عشرين ودرهم القرض يرجع للمقرض بدله وهو بدرهمين من عشرين يتخلف ثمانية عشر
وعرضت عليه صلى الله عليه وسلم النار فإذا فيها غضب الله تعالى أى نقمته لو طرحت فيها الحجارة والحديد لأكلتهما وفى هذه الرواية زيادة على ما تقدم وهى فإذا قوم يأكلون الجيف فقال صلى الله عليه وسلم من هؤلاء يا جبريل فقال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس أى وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم رأى هؤلاء فى الأرض وأن لهم أظفارا من حديد يخمشون بها وجوههم وصدورهم ورآهم فى السماء الدنيا وأنهم يقطعون اللحم من جنوبهم فيلقمونه ولينظر ولينظر ما الحكمة في تكرير رؤية هؤلاء دون غيرهم من بقية أهل الكبائر الذين رآهم الأرض وفى السماء الدنيا ولعل الحكمة فى ذلك المبالغة فى الزجر عن الغيبة لكثرة وقوعها
ورأى فيها رجلا أحمر أزرق فقال من هذا يا جبريل فقال هذا عاقر الناقة أى لعل دخول الجنة وعرض النار عليه صلى الله عليه وسلم كان قبل أن تغشاه السحابة ويزج به فى النور ولا مانع من أن تعرض عليه النار وهو فوق السماء السابعة وهى فى الأرض السابعة
أقول ونقل القرطبى فى تفسيره عن الثعلبى عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ليلة أسرى بى إلى السماء تحت العرش سبعين مدينة كل مدينة مثل دنياكم هذه سبعين مرة مملوآت من الملائكة يسبحون الله عز وجل ويقدسونه ويقولون فى تسبيحهم اللهم اغفر لمن شهد الجمعة أى صلاتها اللهم اغفر لمن اغتسل يوم الجمعة أي لصلاتها وهذا يفيج أن هذه التسمية أي تسمية ذلك اليوم بيوم الجمعة معروفة عند الملائكة وعنده صلى الله عليه وسلم وهو يوافق ما قيل إن المسمى لها بذلك كعب بن لؤي كما تقدم ويخالف ما سيأتي من أن تسمية ذلك اليوم بيوم الجمعة هداية من الله عز وجل للمسلمين بالمدينة وأنه لما أرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلوها فى ذلك اليوم لم يسمه بيوم الجمعة بل اقتصر على قوله اليوم الذى يليه اليوم الذى تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم أى فى أكثر الروايات وإلا فقد رأيت السهيلى ذكر حدثنا عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه سمى ذلك اليوم بيوم الجمعة ونصه كتب صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير أما بعد فانظر اليوم
____________________

الذى يليه اليوم الذى تجهرفيه اليهود بالزبور لسبتهم فاجمعو نساءكم وأبناءكم فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله تعالى فيه بركعتين فعلى أكثر الروايات يجوز أن يكون إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك هنا أى قصة المعراج كان بعد التسمية وصلاة الجمعة وعبر بهذه العبارة لكونها عرفت لهم فيكون الذى سمعه من الملائكة يوم العروبة مثلا والله أعلم
قال ورأى صلى الله عليه وسلم مالكا خازن النار فإذا هو رجل عابس يعرف الغضب فى وجهه فبدأ النبى صلى الله عليه وسلم أى بالسلام ثم أغلقت دونه انتهى
وفى الأصل وفى حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه وقد رأيتنى أى يخبر أنه صلى الله عليه وسلم رأى نفسه فى جماعة من الأنبياء فحانت الصلاة أى حضرت إرادة الصلاة فأممتهم أى صليت بهم إماما قال قائل يا محمد هذا مالك خازن النار فسلم عليه فبدأنى بالسلام قال وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال لجبريل مالى لم آت لأهل سماء إلا رحبوا بى وضحكوا إلا غير واحد سلمت عليه فرد على السلام ورحب بى ودعا لى ولم يضحك إلى قال ذلك مالك خازن النار لم يضحك منذ خلق ولو ضحك لأحد لضحك إليك انتهى
أقول وهذا السياق يدل على أن ضحك من لقيه من الأنبياء والملائكة فى السموات له صلى الله عليه وسلم سقط من جميع روايات المعراج إذ لم يذكر فى شيء منها على ما علمت ويدل على أن مالكا خازن النار وجده فى السماء السابعة وأنه مرة بدأ النبى صلى الله عليه وسلم بالسلام ومرة بدأه النبى صلى الله عليه وسلم بالسلام والمناسب أن يكون فى المرة الأولى هو الذى بدأ النبى صلى الله عليه وسلم وهو عند الباب ثم رأيت الطيبى صرح بذلك حيث قال إنما بدأ خازن النار بالسلام عليه ليزيل ما استشعره من الخوف منه لما ذكر من أنه رأى رجلا عابسا يعرف الغضب فى وجهه فلا ينافيه ما ذكره السهيلى من أنه صلى الله عليه وسلم لم يره على الصورة التى يراه عليها المعذبون فى الآخرة ولو رآه عليها لم يستطع أن ينظر إليه
وقوله صلى الله عليه وسلم لم آت أهل سماء إلى آخره قد يعارضه ما جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال لجبريل مالى لم أر ميكائيل ضاحكا قال ما ضحك منذ خلقت النار وفيه أن هذا يفيد أن ميكائيل كان موجودا قبل خلق النار وإيجادها وهذا لا ينافى أن
____________________

ميكائيل ضحك بعد ذلك فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم تبسم فى الصلاة فسئل عن ذلك فقال رأيت ميكائيل راجعا من طلب القوم أى يوم بدر وعلى جناحه الغبار فضحك إلى فتبسمت إليه
ولعل هذا كان بعد ما أخرجه أحمد فى مسنده عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لجبريل إنى لم أر ميكائيل ضاحكا قط قال ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار ومما يدل على أن جبريل عليه الصلاة والسلام خلق قبل النار أيضا ما فى مسند أحمد عن أنس بن مالك قال قال صلى الله عليه وسلم لجبريل لم تأتنى إلا رأيتك صارا بين عينيك قال إنى لم أضحك منذ خلقت النار وهذا مع ما تقدم من رؤية الجنة والنار يرد على الجهمية وبعض المعتزلة كعبد الجبار وأبى هاشم حيث زعموا أن الله تعالى لم يخلق الجنة والنار وأنهما ليستا موجودتين الآن وإنما يخلقهما سبحانه وتعالى يوم الجزاء مستدلين بأنه لا يحسن من الحكيم أن يخلق الجنة دار النعمة والنار دار النقمة قبل خلق أهلهما وبأنهما لو كانا مخلوقتين فى السماء والأرض والأرض لفنيا بفنائهما
وأجيب عن الأول بأنه يحسن من الحكيم خلقهما قبل يوم الجزاء لأن الإنسان إذا علم ثوابا مخلوقا اجتهد فى العبادة لتحصيل ذلك الثواب وأذا علم عقابا مخلوقا اجتهد فى اجتناب المعاصى لئلا يصيبه ذلك الثواب وأذا علم عقابا مخلوقا اجتهد فى اجتناب المعاصى لئلا يصيبه ذلك العقاب فليتأمل
وأجيب عن الثانى بأن الله استثناهما من قوله تعالى { فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء }
وفيه أن هذه صعقة الموت ولا يتصف بالموت غير ذى الروح ولأن الجنة كما قيل ليست فى السماء السابعة بل فوقها والنار ليست فى الأرض السابعة بل تحتها وحينئذ يكون القول بأن الجنة فى السماء السابعة والنار فى الأرض السابعة فيه تجوز والله أعلم
قال واختلف فى رؤيته صلى الله عليه وسلم لربه تبارك وتعالى تلك الليلة فأكثر العلماء على وقوع ذلك أى أنه صلى الله عليه وسلم رآه عز وجل بعين رأسه واستدل له بحديث رأيت ربى فى أحسن صورة ورد بأن هذا الحديث مضطرب الإسناد والمتن
وقد قال بعض العارفين شاهد الحق سبحانه وتعالى القلوب فلم ير قلبا أشوق إليه
____________________

من قلب محمد صلى الله عليه وسلم فأكرمه بالمعراج تعجيلا للرؤية والمكالمة وأنكرتها عائشة رضى الله تعالى عنها وقالت من زعم أن محمد رأى ربه أى بعين رأسه فقد أعظم الفرية على الله عز وجل أى أتى بأعظم الافتراء والكذب على الله عز وجل ووافقها على ذلك من الصحابة ابن مسعود وأبو هريرة رضى الله تعالى عنهما وجمع من العلماء
ونقل عن الدارمى الحافظ أنه نقل إجماع الصحابة على ذلك ونظر فيه وذهب إلى الرؤية أى المذكورة أكثر الصحابة وكثير من المحدثين والمتكلمين بل حكى بعض الحفاظ على وقوع الرؤية له بعين رأسه الإجماع وإلى ذلك يشير صاحب الأصل بقوله ** ورآه وما رآه سواه رؤية العين يقظة لا المرائى **
واحتجت عائشة رضى الله عنها على منع الرؤية بقوله تعالى { لا تدركه الأبصار } قال وروى أن مسروقا قال لها ألم يقل الله عز وجل ولقد رآه نزلة أخرى أى مرة أخرى أي بناء على أن الضمير المستتر له صلى الله عليه وسلم والبارز له سبحانه وتعالى فقالت أنا أول هذه الأمة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك فقال إنما رأيت جبريل منهبطا أي فالضمير البارز إنما هو لجبريل وفي رواية قال لها ذاك جبريل لم أره فى صورته التى خلق عليها إلا مرتين أى مرة فى الأرض ومرة فى السماء فى هذه الليلة كما تقدم وعلى ظاهر الآية أى من جعل الضمير المستتر له صلى الله عليه وسلم والبارز له سبحانه وتعالى وقطع النظر عن هذه الرواية التى جاءت عن عائشة رضى الله تعالى عنها يلزم أن يكون صلى الله عليه وسلم رأى الحق سبحانه وتعالى ليلة المعراج مرتين مرة فى قاب قوسين ومرة عند سدرة المنتهى ولا مانع من ذلك ولعل ذلك هو المعنى بقول الخصائص الصغرى وخص صلى الله عليه وسلم برؤيته للبارى عز وجل مرتين وفيها وجمع له بين الكلام والرؤية وكلمه عند سدرة المنتهى وكلم موسى بالجبل
قال بعضهم يجوز أنه صلى الله عليه وسلم خاطب عائشة رضى اللع تعالى عنها بما ذكر أى بقوله إنما رأيت جبريل إلى آخره على قدر عقلها أى فى ذلك الوقت انتهى وأيد قولها بما روى عن أبى ذر رضى الله تعالى عنه قلت يا رسول الله هل رأيت ربك قال رأيت نورا أى حجبنى ومنعنى عن رؤيته عز وجل ومن ثم جاء فى رواية نور أنى أراه أى كيف أراه مع وجود النور لأن النور إذا غشى البصر حجبه عن رؤية
____________________

ما وراء أى وليس المراد أنه سبحانه وتعالى هو النور المرئى له خلافا لمن فهم ذلك وأيده بما روى نورانى أى لأن هذه الرواية كما قيل تصحيف ومن ثم قال القاضى عياض لم أرها فى أصل من الأصول ومحال أن تكون ذاته تعالى نورا لأن النور من جملة الأعراض أى لأنه كيفية تدركها الباصرة أولا وبواسطة تلك الكيفية تدرك سائر المبصرات كالكيفية الفائضة من النيرين على الأجرام الكثيفة المحاذية لهما والله تعالى يتعالى عن ذلك أى فحجابه تعالى النور كما رواه مسلم أى ومن ثم قيل فى قوله تعالى { الله نور السماوات والأرض } أى ذو نور أو هو على المبالغة أى وجاء رأيته فى صورة شاب أمرد عليه حلة خضراء دونه ستر من لؤلؤ وجاء رأيت ربى فى أحسن صورة قال الكمال بن الهمام إن كان المراد به رؤية اليقظة فهو حجاب الصورة
قال وقيل رآه بفؤاده مرتين لابعينى رأسه فعن بعض الصحابة قلنا يا رسول الله هل رأيت ربك قال لم أره بعينى رأيته بفؤادى مرتين ثم تلا ثم دنا فتدلى الآية وهذا السياق يدل على أن فاعل دنا فتدلى الحق سبحانه وتعالى والمراد بالفؤاد القلب أى خلقت الرؤية فى القلب أو خلق الله لفؤاده بصرا رأى به انتهى
أقول وكون الفؤاد له بصر واضح لقوله تعالى { ما زاغ البصر وما طغى } وأجيب عما احتجت به عائشة رضى الله عنها من قوله تعالى { لا تدركه الأبصار } بأنه لا يلزم من الرؤية الإدراك أي الذي هو الإحاطة فالنور إنما منع الإحاطة به لا من أصل الرؤية وقد قال بعضهم للإمام أحمد بأى معنى تدفع قول عائشة رضى الله تعالى عنها من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله تعالى الفرية فقال يدفع بقول النبى صلى الله عليه وسلم رأيت ربى وقول النبى صلى الله عليه وسلم أكبر من قولها
هذا وقد قال أبو العباس بن تيمية الإمام أحمد إنما يعنى رؤية المنام فإنه لما سئل عن ذلك قال نعم رآه فإن رؤيا الأنبياء حق ولم يقل إنه رآه بعين رأسه يقظة ومن حكى عنه ذلك فقد وهم وهذه نصوصه موجودة ليس فيها ذلك
أقول وفيه أنه يبعد أن يكون الإمام أحمد يفهم عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها تنكر رؤيا المنام حتى يرد عليها وقد ضعف حديث أبى ذر المتقدم وهو قلت يا رسول الله رأيت ربك فقال نور أنى أراه وهو من جملة الأحاديث التى فى مسلم التى نظر فيها والله أعلم
____________________


قال أبو العباس بن تيمية وأهل السنة متفقون على أن الله عز وجل لا يراه أحد بعينه فى الدنيا لا نبى ولا غير نبى ولم يقع النزاع إلا فى نبينا صلى الله عليه وسلم خاصة مع أن أحاديث المعراج المعروفة ليس فى شئ منها أنه رآه وإنما روى ذلك باسناد موضوع باتفاق أهل الحديث
وفى صحيح مسلم وغيره عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت وقد سأله موسى الرؤية فمنعها
وقد نقل القرطبى عن جماعة من المحققين القول بالوقف فى هذه المسألة لأنه لا دليل قاطع وغاية ما استدل به الفريقان ظواهر متعارضة قابلة للتأويل وهو من المعتقدات التى يكتفى فيها بخبر الآحاد الصحيح وهى فلا بد فيها من الدليل القطعي هذا كلامه
ونازع فيه السبكى بأنه ليس من المعتقدات التي يشترط فيها الدليل القطعي وهي التي تكلف فاعتقادها كالحشر والنشر بل من المعتقدات التى لم نكلف باعتقادها كما نحن فيه وفى الخصائص الصغرى وخص صلى الله عليه وسلم برؤيته من آيات ربه الكبرى وحفظه حتى ما زاغ البصر وما طغى وبرؤيته للبارى مرتين
وفى كلام ابن دحية خص صلى الله عليه وسلم بألف خصلة منها الرؤية والدنو والقرب قال بعضهم قد صحت الأحاديث عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فى إثبات الرؤية وحينئذ يجب المصير إلى إثباتها ولا يجترئ أحد أن يظن فى ابن عباس أن يتكلم فى هذه المسألة بالظن والاجتهاد
قال الإمام النووى والراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعين رأسه أى وأما رؤيته عز وجل يوم القيامة فى الموقف فعامة لكل أحد من الخلق الإنس والجن من الرجال والنساء المؤمن والكافر والملائكة جبريل وغيره
وأما رؤيته عز وجل فقيل لا تراه الملائكة وقيل يراه منهم جبريل خاصة مرة واحدة قال بعضهم وقياس عدم رؤية الملائكة عدم رؤية الجن ورد ذلك واختلف في رؤية النساء من هذه الأمة له تعالى فى الجنة فقيل لا يرينه لأنهن
____________________

مقصورات أى محبوسات فى الخيام وقيل يرينه فى أيام الأعياد دون أيام الجمع بخلاف الرجال فإنهم يرونه فى كل يوم جمعة
فقد جاء أنه تعالى يتجلى فى مثل عيد الفطر ويوم النحر لأهل الجنة تجليا عاما ومن أهل الجنة مؤمن الجن على الراجح
وجاء إن كل يوم كان للمسلمين عيدا فى الدنيا فإنه عيد لهم فى الجنة يجتمعون فيه على زيارة ربهم ويتجلى لهم فيه ويدعى يوم الجمعة فى الجنة بيوم المزيد قال بعضهم هذا لعموم أهل الجنة وأما خواصهم فكل يوم لهم عيد يرون ربهم فيه بكرة وعيشا
وأما رؤية الله عز وجل فى النوم ففى الخصائص الصغرى ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يجوز له رؤية الله وعز وجل فى المنام ولا يجوز ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم فى أحد القولين وهو اختيارى وعليه أبو منصور الماتريدى وفى كلام الإمام النووى قال القاضى عياض اتفق العلماء على صفة لا تليق بجلاله من صفات الأجساد لأن ذلك المرئى غير ذات الله تعالى والله أعلم
ثم لا يخفى أن أكثر العلماء على أن الإسراء إلى بيت المقدس ثم المعراج إلى السماء كانا فى ليلة واحدة أى وقيل كان الإسراء وحده فى ليلة ثم كان هو والمعراج فى ليلة أخرى
قال وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل إلى سماء الدنيا نظر إلى أسفل منه فإذا هو برهج ودخان وأصوات فقال ما هذا يا جبريل قال هذه الشياطين يحومون على أعين بنى آدم لا يتفكرون أى وذلك مانع لهم من التفكر فى ملكوت السموات والأرض أى لعدم نظرهم للعلامات الموصلة لذلك لولا ذلك لرأوا العجائب أى أدركوها
ثم ركب صلى الله عليه وسلم البراق منصرفا أى بناء على أنه لم يعرج على البراق فمر بعير لقريش إلى آخر ما تقدم انتهى
أقول ذكر بعضهم أن مما نزل عليه صلى الله عليه وسلم بين السماء والأرض أى عند نزوله من السماء قوله تعالى { وما منا إلا له مقام معلوم } الآيات الثلاث وقوله تعالى واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا الآية والآيتان من آخر سورة البقرة وتقدم أنهما نزلتا بقاب قوسين والله أعلم
____________________


واستدل على أن كلا من الإسراء والمعراج كان يقظة بجسده صلى الله عليه وسلم وروحه بقوله تعالى { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } لأن العبد حقيقة هو الروح والجسد قال تعالى { أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى } وقال وأنه لما قام عبد الله يدعوه ولو كان الإسراء مناما لقال بروح عبده ولأن الدواب التى منها البراق لا تحمل الأرواح وإنما تحمل الأجساد
واستدل على أنه الرؤية كانت بعين بصره صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى { ما زاغ البصر وما طغى } لأن وصف البصر بعدم الإزاغة يقتضى أن ذلك يقظة ولو كانت الرؤية قلبية لقال ما زاغ قلبه
أقول فيه أن لقائل أن يقول يجوز أن يكون المراد بالبصر بصر قلبه لما تقدم أن الله تعالى خلق لقلبه بصرا والله أعلم
وقيل كان الإسراء بجسده والمعراج بروحه الشريفة أى بذاتها عرج بها حقيقة من غير إماتة للجسد وكان حالها فى ذلك أرقى منه كحالها بعد مفارقتها لجسدها بموته فى صعودها فى السموات حتى بين يدى الله تعالى وهذا أمر فوق ما يراه النائم وغيره صلى الله عليه وسلم لا تنال ذات روحه الصعود إلا بعد الموت لجسدها قيل ومن ثم لم يشنع كفار قريش إلا أمر الإسراء دون المعراج
أقول الظاهر أن إخباره صلى الله عليه وسلم بالمعراج لم يكن عند إخباره بالإسراء بل تأخر عن إخباره بالإسراء بناء على أنهما كان فى ليلة واحدة وإلا فقد ذكر بعضهم أن المعراج لم يكن ليلة الإسراء الذى أخبر به كفار قريش قال إذ لو كان أى فى تلك الليلة لأخبر به حين أخبرهم بالأسراء أى ولم يخبر به حينئذ إذ لو أخبر به حينئذ لنقل ولذكره سبحانه وتعالى مع الإسراء لأن المعراج أبلغ فى المدح والكرامة وخرق العادة من الإسراء إلى المسجد الأقصى
وأجيب عنه بأنه على تسليم أنه كان فى ليلة الإسراء الذى أخبر به قريشا هو صلى الله عليه وسلم استدرجهم إلى الإيمان بذكر الإسراء أولا فلما ظهرت لهم أمارات صدقه على تلك الآية الخارقة التى هى الإسراء أخبرهم بما هو أعظم منها وهو المعراج بعد ذلك أى وحيث أخبرهم بذلك لم ينكروه لذلك أى لثبوت صدقه صلى الله عليه وسلم فيما ادعاه من الإسراء وتقدم عن المواهب أنهم لم يسألوه عن علامات تدل على صدقه صلى الله
____________________

عليه وسلم فى ذلك لعدم علمهم ومعرفتهم بشئ فى السماء والحق سبحانه وتعالى أرشده إلى ذلك أى إلى أن يخبرهم بالإسراء أولا ثم بالمعراج ثانيا حيث لم ينزل قصة المعراج فى سورة الإسراء بل أنزل ذلك فى سورة النجم
ومما يؤيد أنهما كانا فى ليلة واحدة قول الإمام البخارى فى صحيحه باب كيف فرضت الصلاة ليلة الإسراء لأن من المعلوم أن فرض الصلاة أى الصلوات الخمس إنما هو فى المعراج
وأما إفراده كلا من الإسراء والمعراج بترجمة فلا يخالف ذلك لأنه إنما أفرد كلا منهما بترجمة لأن كلا منهما يشتمل على قصة منفردة وإن كانا وقعا معا
وقد خالف الحافظ الدمياطى فى سيرته فذكر أن المعراج كان فى رمضان والإسراء كان فى ربيع الأول والله أعلم
وقيل الإسراء وقع له صلى الله عليه وسلم أى بعد البعثة مرتين مناما أولا ويقظة ثانيا أى فكانت مرة المنام توطئة وتبشيرا لوقوعه يقظة وبذلك يجمع بين الاختلاف الواقع فى الأحاديث أى فبعض الرواة خلط الواقع له صلى الله عليه وسلم منامنا بالواقع له صلى الله عليه وسلم يقظة
وعلى هذا لا يشكل قول شريك فلما استيقظت لكنه قال إن مرة المنام كانت قبل البعثة ففى رواية وذلك قبل أن يوحى إلى وقد أنكر الخطابى عليه ذلك وعده من جملة أو هامه الواقعة فى حديث الإسراء والمعراج ورد على الخطابى الحافظ ابن حجر فى ذلك بما ينبغى الوقوف عليه
وقيل كان المعراج يقظة ولم يكن ليلا ولم ويكن من بيت المقدس بل كان من مكة وكان نهارا فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان يسأل ربه عز وجل أن يريه الجنة والنار فلما كان نائما ظهرا أتاه جبريل وميكائيل فقالا انطلق إلى ما سألت الله تعالى فانطلقا بى إلى ما بين المقام وزمزم فأتى بالمعراج فإذا هو أحسن شئ منظرا فعرجا بى إلى السموات سماء سماء الحديث ولا يخفى أن سياق هذا الحديث يدل على أن ذلك كان مناما فلا يحسن أن يكون دليلا على قوله يقظة
وقد جاء عن أبى ذر رضى الله تعالى عنه أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

قال فرج سقف بيتى وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدرى ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغهما فى صدرى ثم أخذ بيدى فعرج إلى السماء الحديث وقد يدعى أن فى رواية أبى ذر اختصارا وليس فيها أن ذلك كان مناما أو يقظة
أى وأما ما ادعاه بعضهم أن المعراج تكرر يقظة فغريب إذ كيف يتكرر يقظة سؤال أهل كل باب من أبواب السماء هل بعث إليه وكيف يتكرر سؤاله صلى الله عليه وسلم عن كل نبى وكيف يتكرر فرض الصلوات الخمس والمراجعة وأما مناما فلا بعد فى بكرر ذلك توطئة لوقوعه يقظة أى وهذا منشأ اختلاف الروايات أدخل بعض الرواة ما وقع فى المنام ما وقع فى اليقضة خلافا لمن زعمه ومن ثم قال الحافظ ابن كثير من جعل كل رواية خالفت الأخرى مرة واحدة بروحه وجسده يقظة والباقى بروحه رؤيا رآها أى ومن ذلك ما وقع له صلى الله عليه وسلم فى المدينة بعد الهجرة وهو محمل قول عائشة رضى الله تعالى عنها ما فقدت جسده الشريف
وفى صبيحة ليلة المعراج حين زالت الشمس من اليوم الذى يلى الليل التى فرضت فيها الصلوات الخمس كان نزول جبريل عليه الصلاة والسلام وإمامته بالنبى صلى الله عليه وسلم ليعلمه أوقات الصلوات أى وكيفيتها أى لأنه لا يلزم من علمه صلى الله عليه وسلم بكيفية صلاة الركعتين وصلاة قيام الليل علم كيفية الصلوات الخمس وإن قلنا بأن الرباعية منها فرضت ركعتين فأمر صلى الله عليه وسلم فصيح بأصحابه الصلاة جامعة فاجتمعوا فصلى به صلى الله عليه وسلم جبريل وصلى النبى صلى الله عليه وسلم بالناس فسميت تلك الصلاة الظهر لأنها أول صلاة ظهرت ولأنها فعلت عند قيام الظهيرة اى شدة الحر أو عند نهاية ارتفاع الشمس وهذا الحديث ظاهر بأن صلاته صلى الله عليه وسلم بالناس كانت بعد صلاته مع جبريل محتمل لأن يكون صلى الله عليه وسلم صلى بصلاة جبريل والناس صلوا بصلاته صلى الله عليه وسلم
____________________

ففى بعض الروايات لما نودى بالصلاة جامعة فزعوا لذلك واجتمعوا فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أربع ركعات لا يقرأ فيهنى علانية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدى الناس وجبريل بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتدى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبريل ثم يصلى كذلك فى العصر ولما غابت الشمس صلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب ثلاث ركعات يقرأ فى الركعتين علانية وركعة لا يقرأ فيها علانية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدى الناس وجبريل بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبريل
وفى كلام الإمام النووى قوله إن جبريل نزل فصلى إمام رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بكسر الهمزة ويوضحه قوله فى الحديث نزل جبريل فأمنى واستدل بذلك بعضهم على جواز الاقتداء بمن هو مقتد بغيره لا كما يقوله أئمتنا من منع ذلك
وأجيب عنه من جانب أئمتنا بأن معنى كونه صلى الله عليه وسلم مقتديا بجبريل أنه متابع له فى الأفعال من غير نية اقتداء ولا إيقاف فعله على فعل جبريل فلا يشكل على أئمنتا نعم هذا حينئذ يشكل على أئمتنا القائلين بأنه لا بد من علم كيفية الصلاة قبل الدخول فيها ولا يكفى علمها بالمشاهدة
وقد يجاب بأنه يجوز أن يكون جبريل عليه الصلاة والسلام علمه صلى الله عليه وسلم كيفيتها بالقول ثم أتبع القول الفعل وهو صلى الله عليه وسلم علم أصحابه كذلك وبما تقرر يسقط الإستدلال بذلك على جواز الفرض خلف النفل لأن تلك الصلاة لم تكن واجبة على جبريل لأن الملائكة ليسوا مكلفين بذلك
وأجيب بأنها كانت واجبة على جبريل لأنه مأمور بتعليمها له صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وكان ذلك عند البيت أي الكعبة مستقبلا بيت المقدس أى صخرته واستقباله صلى الله عليه وسلم لبيت المقدس قيل كان باجتهاد منه وقيل كان بأمر من الله تعالى له قيل بقرآن وقيل بغيره أى وعلى أنه بقرآن يكون مما نسخت تلاوته وقد قال أئمتنا ونسخ قيام الليل بالصلوات الخمس إلى بيت المقدس كما تقدم وكان صلى الله عليه وسلم إذا استقبل بيت المقدس يجعل الكعبة بينه وبينه فيصلى بين الركن اليمانى وركن الحجر الأسود أى كما صلى به جبريل الركعتين أول البعث كما تقدم
____________________

وحينئذ لا يخالف هذا قول بعضهم لم يزل صلى الله عليه وسلم يستقبل الكعبة حتى خرج منها أى من مكة أى لم يستدبرها فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة استقبل بيت المقدس أى تمحض استقباله واستدبر الكعبة وظاهر إطلاقهم أن هذا أى استقباله بيت المقدس وجعل الكعبة بينه وبينه كان شأنه صلى الله عليه وسلم غالبا وإن صلى خارج المسجد بمكة ونواحيها
والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك أدبا لا وجوبا وإلا فقد جاء أن صلاة جبريل به صلى الله عليه وسلم كانت عند باب الكعبة كما رواه إمامنا الشافعى رضى الله تعالى عنه فى الأم
وروى الطحاوى عند باب البيت مرتين أى وذلك فى المحل المنخفض الذى تسميه العامة المعجنة كما تقدم وصلاته صلى الله عليه وسلم عند باب الكعبة فى المحل المذكور لبيت المقدس لا يكون مستقبلا للكعبة بل تكون على يساره لأنه لا يتصور أن يستقبل بيت المقدس ويكون مستقبلا للكعبة أيضا إلا إذا صلى بين اليمانيين كما تقدم
وأيضا ذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم كان يسجد نحو بيت المقدس ويجعل الكعبة وراء ظهره وهو بمكة أى فى بعض الأوقات حتى لا يخالف ما سبق أنه صلى الله عليه وسلم كان يستقبلها لبيت المقدس
ولا ينافى ذلك ما فى زبدة الأعمال أقام صلى الله عليه وسلم بعد نزول جبريل ثلاث عشرة سنة وكان يصلى إلى بيت المقدس مدة إقامته بمكة يجعلها أى الكعبة بين يديه ولا يستدبرها لإمكان حمل مدة إقامته على غالبها
ومما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم مع الصحابة كانوا يصلون إلى بيت المقدس وهم بمكة ما سيأتى عن البراء بن معرور أنه لما عدل عن استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة قبل أن يهاجر صلى الله عليه وسلم وسأله عن ذلك قال له قد كنت على قبلة لو صبرت عليها
وأم به صلى الله عليه وسلم جبريل مرتين مرة أول الوقت ومرة آخر الوقت لكن الوقت الاختيارى بالنسبة للعصر والعشاء والصبح لا الآخر الحقيقى ليعلمه الوقت
أى ولما جاءه صلى الله عليه وسلم جبريل أمر مصيح بأصحابه الصلاة جامعة كما تقدم أى لأن الإقامة المعروفة للصلوات الخمس لم تشرع إلا بالمدينة على ما تقدم وسيأتى
____________________

قال فقد جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم وصلى به فى أول يوم الظهر حين زالت الشمس كما تقدم أى عقب زوالها وصلى به العصر حين ظل كل شئ مثله أى زيادة على ظل الاستواء أو على الظل الحاصل عقب الزوال وصلى به المغرب حين أفطر الصائم أى دخل وقت فطره وهو غروب الشمس وصلى به العشاء حين غاب الشفق وصلى به أى فى غد ذلك وهو اليوم الثانى الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم أى حين دخل وقت حرمة ذلك وهو الفجر
أى فإن قيل صلاة جبريل به صلى الله عليه وسلم حينئذ لم يكن الصوم الذى هو رمضان فرض
أجيب بأنه على تسليم أنه لم يفرض عليه صوم قبل رمضان وهو صوم عاشوراء وثلاث أيام من كل شهر على ما سيأتى جاز أن يكون إخباره صلى الله عليه وسلم بهذه العبارة كل بعد فرض رمضان
وصلى به الظهر حين كان ظل الشئ مثله وصلى به العصر حين كان ظل الشئ مثليه وصلى به المغرب حين افطر الصائم وصلى به العشاء ثلث الليل الأول وصلى به الفجر أى فى اليوم الثالث فأسفر ثم التفت وقال يا محمد هذا وقتك ووقت الأنبياء من قبلك والوقت ما بين هذين الوقتين اه
وأما رواية صلى بى الظهر إلى أن قال وصلى بى الفجر فلما كان الغد صلى بى الظهر المقتضى ذلك لأن يكون الفجر ليس من اليوم الثاني بل من تتمة ما قبله
ففيه دليل على أن اليوم من طلوع الشمس كما يقول الفلكيون أى ولا يخفى أن قوله والوقت ما بين هذين الوقتين محمول عند إمامنا الشافعى رضى الله عنه على الوقت الاختيارى بالنسبة للعصر والعشاء والفجر وإلا فوقت العصر لايخرج إلا بغروب الشمس ووقت العشاء لا يخرج إلا بطلوع الفجر ووقت الصبح لا يخرج إلا بطلوع الشمس خلافا للإصطخرى حيث ذهب إلى خروج وقت العصر بمصير ظل الشئ مثليه والعشاء بثلث الليل والصبح بالإسفار متمسكا بظاهر الحديث والبداءة بالظهر هو ما عليه أكثر الروايات وروى أن البداءة كانت بالصبح عند طلوع الفجر وعلى الأول إنما لم تقع البداءة بالصبح مع أنها أول صلاة تحضر بعد ليلة الإسراء لأن الإتيان بها يتوقف على
____________________

بيان علم كيفيتها المعلق عليه الوجوب كأنه قيل أوجبت عليه حيثما تبين كيفيته فى وقته والصبح لم تتبين كيفيتها فى وقتها فلم تجب فلا يقال هذا من تأخير البيان عن وقت الحاجة
وأجاب الإمام النووى بأنه حصل التصريح بأن أول وجوب الخمس من الظهر كانه قيل أوجبت ما عدا صلاة الصبح يوم هذه الليلة فعدم وجوبها ليس لعدم علم كيفيتها فهى غير واجبة وإن فرض علم كيفيتها
وفيه أنه يلزم حينئذ أن الخمس صلوات فى اليوم والليلة لم توجد إلا فيما عدا ذلك اليوم وليلته قال أبو بكر بن العربى ظاهر قوله هذا وقتك ووقت الأنبياء من قبلك أن هذه الصلوات فى هذه الأوقات كانت مشروعة لكل واحد من الأنبياء قبلك وليس كذلك وإنما معناه أن وقتك هذا المحدود الطرفين مثل وقت الأنبياء قبلك فإنه كان محدود الطرفين وإلا فلم تكن هذه الصلوات الخمس على هذه المواقيت إلا لهذه الأمة خاصة وإن كان غيرهم قد شاركهم فى بعضها أى فقد جاء عن عائشة رضى الله عنها أن آدم لما تيب عليه كان ذلك عند الفجر فصلى ركعتين فصارت الصبح وفدى إسحاق عند الظهر أة يعلى القول بأنه الذبيح فصلى أربع ركعات فصارت الظهر وبعث عزير فقيل له كم لبثت قال لبثت يوما فلما رأى الشمس قريبة من الغروب قال أو بعض يوم فصلى أربع ركعات فصارت العصر وغفر لداود عند المغرب أى الغروب فقام يصلى أربع ركعات فجهد أى تعب فجلس فى الثالثة أى سلم منها فصارت المغرب ثلاثا وأول من صلى العشاء الآخرة نبينا صلى الله عليه وسلم فصلاتها من خصائصه
وفى شرح مسند إمامنا الشافعى رضى الله تعالى عنه للإمام الرافعى رحمه الله تعالى كانت الصبح صلاة آدم والظهر صلاة داود أى فقد اشترك داودوإسحاق فى صلاة الظهر والعصر صلاة سليمان فقد اشترك سليمان وعزير فى صلاة العصر صلاة يعقوب أى فقد اشترك يعقوب وداود فى صلاة المغرب والعشاء صلاة يونس وأورد فى ذلك خبرا وعليه فليست صلاة العشاء من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم والأصل أن ما ثبت فى حق أمته إلا أن يقوم الدليل على الخصوصية فليست من خصائص هذه الأمة
وذكر بعضهم أن المغرب كانت صلاة عيسى أى وكانت أربعا ركعتين عن نفسه وركعتين عن أمه أى فقد اشترك عيسى ويعقوب وداود فى صلاة المغرب
____________________


وفي كلام بعضهم أول من صلى الفجر آدم والظهر إبراهيم أي وعليه فقد اشترك إبراهيم وإسحاق وداود في صلاة الظهر وأول من صلى العصر و يونس أي وعليه فقد اشترك سليمان وعزيز ويونس في صلاة العصر أول من صلى المغرب عيسى وأول من صلى العتمة التي هي العشاء موسى أي وعليه فقد اشترك موسى ويونس ونبينا صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء
وفي الخصائص الكبرى خص صلى الله عليه وسلم بأنه أول من صلى العشاء ولم يصلها نبي قبله ومن لازمه انه لم يصلها أحد من الأمم وقد جاء التصريح به في بعض الروايات أنكم فضلتم بها أي العشاء على سائر آلام وعليه فهي من خصائصنا ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم وقد تقدم عند بناء الكعبة أن جبريل صلى بإبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم الصلوات الخمس فليتأمل
قال قيل فرضت الصلوات في المعراج ركعتين ركعتين أي حتى المغرب ثم زيدت في صلاة الحضر فأكملت أربعا في الظهر أي في غير يوم الجمعة وأربعا في العصر والعشاء وثلاثا في المغرب وأقرت صلاة السفر على ركعتين أي حتى في المغرب
فعن عائشة رضي الله تعالى عنها فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين أي في الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء فلما أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أي بعد شهر وقيل وعشرة أيام من الهجرة زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان وتركت صلاة الفجر أي لم يزد عليها شيء لطول القراءة أي فإنها يطلب فيها زيادة القراءة على الظهر والعصر المطلوب فيهما قراءة طوال المفصل وصلاة المغرب أي تركت صلاة المغرب فلم يزد فيها ركعتان بل ركعة فصارت ثلاثة لأنها وتر النهار أي كما في الحديث فتعود عليه بركة الوترية أن الله وتر يحب الوتر والمراد أنها وتر عقب صلاة النهار وتركت صلاة السفر فلم يزد فيها شيء أي في غير المغرب هذا هو المفهوم من كلام عائشة رضي الله تعالى عنها وهو يفيد أن صلاة السفر استمرت على ركعتين أي في غير المغرب أي وحينئذ يلزم أن يكون القصر في الظهر والعصر والعشاء عزيمة لأرخصة ولا يحسن ذلك مع قوله تعالى { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة }
وفي كلام الحافظ ابن حجر المراد بقول عائشة فأقرت صلاة السفر باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف أي لأنه لما استقر فرض الرباعية خفف منها أي في السفر
____________________

لأنه استقر أمرها بعد قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر أو بأربعين يوما ثم نزلت آية القصر فى ربيع الأول من السنة الثانية إلا أنها استمرت منذ فرضت فلا يلزم من ذلك أن القصر عزيمة
وقيل فرضت أى الصلوات الخمس فى المعراج أربعا إلا المغرب ففرضت ثلاثا وإلا الصبح ففرضت ركعتين أى وإلا صلاة الجمعة ففرضت ركعتين ثم قصرت لأربع فى السفر أى وهو المناسب لقوله تعالى { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ومن ثم قال بعضهم إن هذا هو الذى يقتضيه ظاهر القرآن وكلام جمهور العلماء
ويمكن أن يكون المراد من كلام عائشة رضى الله تعالى عنها أنها فرضت ركعتين بتشهد ثم ركعتين بتشهد وسلام
وفيه أن هذا لا يأتى فى الصبح والمغرب وقال بعضهم ويبعد هذا الحمل ما روى عنها كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى أى الصلوات الخمس التى فرضت بالمعراج بمكة ركعتين ركعتين فلما قدم المدينة أى وأقام شهرا أو وعشرة أيام فرضت الصلاة أربعا أو ثلاثا وتركت الركعتان تماما أى تامة للمسافر
وعن يعلى بن أمية قال قلت لعمربن الخطاب { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم } وقد أمن الناس قال عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته أى فصار سبب القصر مجرد السفر لا الخوف
وهذا قد يخالف ما فى الإتقان سأل قوم من بنى النجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنا نضرب فى الأرض فكيف نصلى فأنزل الله عز وجل { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ثم انقطع الوحى فلما كان بعد ذلك غزا النبى صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر فقال المشركون لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم فقال قائل منهم إن لهم أخرى مثلها فى أثرها فأنزل الله عز وجل بين الصلاتين { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } إلى قوله { عذابا مهينا } فنزلت صلاة الخوف فتبين بهذا الحديث أن قوله { إن خفتم } شرط فيما بعده وهو صلاة الخوف إلا في صلاة القصر قال ابن جرير هذا تأويل فى الآية حسن لو لم يكن فى الآية إذا قال ابن الغرس يصح مع إذا على جعل الواو زائدة
____________________


قلت ويكون من اعتراض الشرط على الشرط وأحسن منه أن يجعل إذا زائدة بناء على قول من يجيز زيادتها هذا كلامه فليتأمل
وقيل فرضت أى الرباعية أربعا فى الحضر وركعتين فى السفر فعن عمررضى الله تعالى عنه صلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان وصلاة الغد ركعتان غير قصر أى تامة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أى وفيه بالنسبة لصلاة السفر ما تقدم
وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فرضت فى الحضر أربعا وفى السفر ركعتين وفى الخوف ركعة أى وفيه فى صلاة السفر ما تقدم وقوله فى الخوف ركعة أى يصليها مع الإمام وينفرد بالأخرى وذلك فى صلاة عسفان حيث يحرم بالجميع ويسجد معه صف أول ويحرس الصف الثانى فإذا قاموا سجد من حرس ولحقه وسجد معه فى الركعة الثانية وحرس الآخرون فقد صلى كل صف مع الإمام ركعة فلا يقال إن فى كلام ابن عباس ما يفيد أن صلاة الفجر تقصر وفرض التشهد والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم متأخر عن فرض الصلاة
فعن ابن مسعود كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله قبل عباده السلام على جبريل السلام على ميكائيل السلام على فلان أى من الملائكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام وقال له بعض الصحابة كيف نصلى عليك إذا نحن صلينا عليك فى صلاتنا فقال قولوا اللهم صل على محمد إلى آخره ولم أقف على الوقت الذى فرض فيه التشهد والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فيه ولا على أن قولهم السلام على الله إلى إخره هل كان واجبا أو مندوبا
قال بعضهم والحكمة فى جعل الصلوات فى اليوم والليلة خمسا أن الحواس لما كانت خمسة والمعاصى تقع بواسطتها كانت كذلك لتكون ما حية لما يقع فى اليوم والليلة من المعاصى أى بسبب تلك الحواس وقد أشار إلى ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله أرأيتم لو كان بباب أحدكم نهر يغتسل منه فى اليوم والليلة خمس مرا ت أكان ذلك يبقى من درنه شيئا قالوا لا قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا
قيل وجعلت مثنى وثلاث ورباع ليوافق أجنحة الملائكة كأنها جعلت أجنحة للشخص يطير بها إلى الله تعالى
____________________


وسئل ابن عباس رضى الله تعالى عنهما هل تجد الصلوات الخمس فى كتاب الله تعالى فقال نعم وتلا قوله تعالى { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون } أراد بحين تمسون المغرب والعشاء وبحين تصبحون الفجر وبعشيا العصر وبحين تظهرون الظهر
وإطلاق التسبيح بمعنى الصلاة جاء فى قوله تعالى { فلولا أنه كان من المسبحين } قال القرطبى أى من المصلين وفى الكشاف عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما كل تسبيح فى القرآن فهو صلاة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب = باب عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل
من العرب ان يحموه ويناصروه على ما جاء به من الحق
أى لأنه صلى الله عليه وسلم أخفى رسالته ثلاث سنين ثم أعلن بها فى الرابعة على ما تقدم ودعا إلى الإسلام عشر سنين يوافى الموسم كل عام يتبع الحجاج فى منازلهم أى بمنى والموقف يسأل عن القبائل قبيلة قبيلة ويسأل عن منازلهم ويأتى إليهم في أسواق المواسم وهى عكاظ ومجنة وذو المجاز فقد تقدم أن العرب كانت إذا حجت تقيم بعكاظ شهر شوال ثم تجئ إلى سوق مجنة تقيم فيه عشرين يوما ثم تجئ سوق ذى المجاز فتقيم به إلى أيام الحج يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه
فعن جابر بن عبدالله رضى الله تعالى عنه قال كان النبى صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس فى الموقف ويقول ألا رجل يعرض على قومه فإن قريشا قد منعونى أن أبلغ كلام ربى وعن بعضهم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يهاجر إلى المدينة يطوف على الناس فى منازلهم أى بمنى يقول يا أيها الناس إن الله يأمركم أن تتركوا دين آبائكم فسألت من هذا الرجل فقيل أبو لهب يعنى عمه
وفى رواية عن أبى طارق رضى الله تعالى عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوق ذى المجاز يعرض نفسه على قبائل العرب يقول يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله
____________________

تفلحوا وخلفه له غديرتان أى ذؤابتان يرجمه بالحجارة حتى أدمى كعبه يقول يا أيها الناس لا تسمعوا منه فإنه كذاب فسألت عنه فقيل إنه غلام عبد المطلب فقلت ومن الرجل الذى يرجمه فقيل هو عمه عبد العزى يعنى أبا لهب
أى وفى السيرة الهشامية عن بعضهم قال إنى لغلام شاب مع أبى بمنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف فى منازل القبائل من العر ب فيقول يا بنى فلان إنى رسول الله إليكم يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد وأن تؤمنوا بى وتصدقونى وتمنعونى حتى أبين عن الله عز وجل ما بعثنى به قال وخلفه رجل أحول وضئ له غديرتان عليه حلة عذنية فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله قال ذلك الرجل يابنى فلان إن هذا الرجل إنما يدعوكم إلى أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم إلى ما جاء به من البدعة والضلالة فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه فقلت لأبى من هذا الرجل الذى يتبعه يرد عليه ما يقول قال هذا عمه عبد العزى بن عبد المطلب
وذكر ابن إسحاق أنه صلى الله عليه وسلم عرض نفسه على كندة وكلب أى إلى بطن منهم يقال لهم بنو عبد الله فقال لهم إن الله قد أحسن اسم أبيكم أى عبد الله أى فقد قال صلى الله عليه وسلم أحب الأسماء إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن ثم عرض عليهم فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم وعرض على بنى حنيفة وبنى عامر بن صعصعة أى فقال له رجل منهم أرأيت إن نحن بإيعناك على أمرك ثم أظفرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك فقال الأمر إلى الله يضعه حيث شاء قال فقال له أنقاتل العرب دونك وفى رواية أنهدف نحورنا للعرب دونك أى نجعل نحورنا هدفا لنبلهم فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا لا حاجة لنا بأمرك وأبوا عليه فلما رجعت بنو عامر إلى منازلهم وكان فيهم شيخ أدركه السن حتى لا تقدر أن يوافى معهم الموسم فلما قدموا عليه سألهم عما كان فى موسمهم فقالوا جاءنا فتى من قريش أحد بنى عبد المطلب يزعم أنه بني يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلى بلادنا فوضع الشيخ يده على رأسه ثم قال يا بنى عامر هل لها من تلاف أى تدارك هل لها من مطلب والذى نفس فلان بيده ما يقولها أى ما يدعى البنوة كاذبا أحد من بنى إسمعيل قط وإنها لحق وإن رأيكم غاب عنكم
____________________


وذكر الواقدى أنه صلى الله عليه وسلم أتى بنى عبس أى وبنى سليم وغسان وبنى محارب أى وفزارة وبنى نضر ومرة وعذرة والحضارمة فيردون عليه صلى الله عليه وسلم أقبح الرد ويقولون أسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك ولم يكن أحد من العرب أقبح ردا عليه من بنى حنيفة أى وهم أهل اليمامة قوم مسيلمة الكذاب وقيل لهم بنو حنيفة لأن أمهم قيل لها ذلك لحنف كان فى رجلها وثقيف أى ومن ثم جاء شر قبائل العرب بنو حنيفة وثقيف
أى ودفع صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر رضى الله تعالى عنه إلى مجلس من مجالس العرب فتقدم أبو بكر فسلم وقال ممن القوم قالوا من ربيعة قال وأى ربيعة من هامتها أو من لهازمها قالوا بل الهامة العظمى قال من أيها قالوا من ذهل الأكبر قال منكم حامى الذمار ومانع الجار فلان قالوا لا قال منكم قاتل الملوك وسالبها فلان قالوا لا قال منكم صاحب العمامة الفردة فلان قالوا لا قال فلستم من ذهل الأكبر أنتم ذهل الأصغر فقال إليه شاب حين بقل وجهه أى طلع شعر وجهه فقال له إن على سائلنا أن نسأله يا هذا إنك قد سألتنا فأخبرناك فممن الرجل فقال أبو بكر رضى الله تعالى عنه أنا من قريش فقال الفتى بخ بخ أهل الشرف والرياسة فمن أى قريش أنت قال من ولد تيم بن مرة فقال الفتى أمكنت أمنكم قصى الذى كان يدعى مجمعا قال لا قال فمنكم هاشم الذى هشم الثريد لقومه قال لا قال فمنكم شبية الحمد عبد المطلب مطعم طير السماء الذى كأن وجهه القمر يضئ فى الليلة الظلماء قال لا واجتذب أبو بكر رضى الله تعالى عنه زمام ناقته ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له على رضى الله تعالى عنه لقد وقعت من الأعرابى على باقعة أى داهية أى ذى دهاء وهو فى الأصل اسم لطائر حذر يطير يمنة ويسرة قال أجل أبا حسن مامن طامة إلا فوقها طامة والبلاء موكل بالمنطق أى واستفهام الفتى توبيخى لا حقيقى لأن من المعلوم أن من ذكر ليسوا من تيم لأن أبا بكر كما تقدم إنما يجتمع مع النبى صلى الله عليه وسلم فى مرة ومرة جد لقصى فكأنه يقول له إن قبيلتكم لم تشمل على هؤلاء الأشراف أى كما أن قبيلتنا لم تشتمل على أولئك الأشراف
وعن عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم لقى جماعة من
____________________

شيبان بن ثعلبة وكان معه أبو بكر وعلى رضى الله تعالى عنهما وأن أبا بكر سألهم ممن القوم فقالوا من شيبان بن ثعلبة فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بأبى أنت وأمى هؤلاء غرر أى سادات فى قومهم وفيهم مفروق بن عمرو وهانئ بالهمز ابن قبيصة بفتح القاف ومثنى بن حارثة والنعمان بن شريك وكان مفروق بن عمرو قد غلبهم جمالا ولسانا له غديرتان أى ذؤابتان من شعر وكان أدنى القوم أى أقرب مجلسا من أبى بكر رضى الله تعالى عنه فقال له أبو بكر كيف العدد فيكم قال مفروق إنا لنزيد على الألف ولن تغلب الألف من قلة والذى قاله صلى الله عليه وسلم لن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة قاله لما أراد أن يغزو هوزان وكان جيشه العدد المذكور كما سيأتى فقال أبو بكر رضى الله تعالى عنه كيف المنعة فيكم قال مفروق علينا الجهد أى بفتح الجيم وضمها أى الطاقة ولكل قوم جد بفتح الجيم أى حظ وسعادة أى علينا أن نجهد وليس علينا أن يكون لنا الظفر لأنه من عند الله يؤتيه من يشاء فقال أبو بكر رضى الله تعالى عنه فكيف الحرب بينكم وبين عدوكم فقال الفرق إنا لأشد ما يكون غضبا حين نلقى وإنا لأشد ما يكون لقاء حين نغضب وأنا لنؤثر الجياد أى من الخيل على الأولاد والسلاح على اللقاح أى ذوات اللبن من الإبل المهملة أى ينصرنا مرة ويديل علينا مرة أى ينصر علينا أخرى لعلك أخو قريش فقال أبو بكر رضى الله تعالى عنه أو قد بلغكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها هوذا فقال مفروق بلغنا أنه يذكر ذلك فإلام تدعو يا أخا قريش فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنى رسول الله وإلى أن تؤوونى وتنصرونى فإن قريشا قد تظاهرت أى تعاونت على أمر الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغنى الحميد قال مفروق وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون } قال مفروق ما هذا من كلام أهل الأرض ولو كان من كلامهم عرفناه ثم قال وإلام
____________________

تدعو أيضا يا أخا قريش فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون }
وهذه الآيه ذكر العز بن عبد السلام أنها اشتملت على جميع الأحكام الشرعية وبين ذلك فى سائر الأبواب الفقهية وضمن ذلك كتابا سماه الشجرة فقال مفروق دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم أى صرفوا عن الحق كذبوك وظاهروا أى عاونوا عليك وكان مفروق أراد أن يشركه أى يشاركه فى الكلام هانئ بن قبيصة فقال هذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا فقال هانئ قد سمعنا مقالتك يا أخا قريش وإنى أرى أن تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك بمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر لزلة فى الرأى وقلة نظر فى العاقبة وإنما تكون الزلة مع العجلة ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقدا ولكن نرجع وترجع وننظر وتنظر وكأنه أحب أن يشركه فى الكلام المثنى بن حارثه فقال هذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا فقال المثنى قد سمعنا مقالتك يا أخا قريش والجواب هو جواب هانئ بن قبيصة فى تركنا ديننا واتباعنا دينك بمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر وإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلى مياه العرب دون ما يلى أنهار كسرى فعلنا فإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثا وأن لا نؤوى محدثا وإنى أرى هذا الأمر الذى تدعونا إليه أنت هو مما تكرهه الملوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسأتم فى الرد إذ أفصحتم بالصدق وإن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من أحاط به من جميع جوانبه أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا ختى يورثكم الله أرضهم وأموالهم ويغرسكم نساءهم تسبحون الله وتقدسونه فقال النعمان بن شريك اللهم لك ذا فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وبشر المؤمنين } ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم أى وهؤلاء لم أقف على إسلام أحد منهم إلا أن فى الصحابة شخصا يقال له المثنى بن حارثة الشيبانى وكان فارس قومه وسيدهم والمطاع فيهم ولعله هو هذا لقول هانئ بن قبيصة فيه إنه صاحب حربنا
ورأيت بعضهم ذكر أن النعمان بن شريك له وفادة فيكون من الصحابة أى وفى
____________________

أسد الغابة أن مفروق بن عمرو من الصحابة ونقل عن أبى نعيم أنه قال لا أعرف لمفروق إسلاما
ولما قدمت بكر بن وائل مكة للحج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى بكرائتهم فاعرضنى عليهم فأتاهم فعرض عليهم فقال لهم كيف العدد فيكم قالوا كثيرا مثل الثرى قال فكيف المنعة قالوا لا منعة جاورنا فارس فنحن لا نمنع منهم ولا نجير عليهم قال فتجعلون لله عليكم إن هو أبقاكم حتى تنزلوا منازلهم وتستنكحوا نساءهم وتستعبدوا أبناءهم أن تسبحوا الله ثلاثا وثلاثين وتحمدوه ثلاثا وثلاثين وتكبروه ثلاثا وثلاثين قالوا ومن أنت قال أنا رسول الله ثم مر بهم أبو لهب فقالوا له هل تعرف هذا الرجل قال نعم فأخبروه بما دعاهم إليه وأنه زعم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم لا ترفعوا بقوله رأسا فإنه مجنون يهذى من أم رأسه فقالوا لقد رأينا ذلك حيث ذكر من أمر فارس ما ذكر
وفى رواية أنه لما سألهم قالوا له حتى يجئ شيخنا حارثة فلما جاء قال إن بيننا وبينك من الفرس حربا فإذا فرغنا عما بيننا وبينهم عدنا فنظرنا فيما تقول فلما التقوا مع الفرس قال شيخهم ما اسم الرجل الذى دعاكم إليه قالوا محمد قال فهو شعاركم فنصروا على الفرس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بى نصروا أى نصروا بذكرهم اسمى
ولا زال صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل فى كل موسم ويقول لا أكره أحدا على شئ من رضى الذى أدعوه إليه فذلك ومن كره لم أكرهه إنما أريد منعى من القتل حتى أبلغ رسالات ربى فلم يقبله أحد من تلك القبائل ويقولون قوم الرجل أعلم به ترون أن رجلا يصلحنا وقد أفسد قومه
وعن ابن إسحاق لما أراد الله تعالى إظهار دينه وإعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم وإنجاز موعده له خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الموسم
وفى سيرة مغلطاى ومستدرك الحاكم أن ذلك كان فى شهر رجب يعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع فى كل موسم فبينا هو عند العقبة التى تضاف إليها الجمرة فيقال جمرة العقبة أى وهى عند يسار الطريق لقاصد منى مكة وبها الآن مسجد يقال له مسجد البيعة إذ لقى بها رهطا من الخزرج أى لأن الأوس والخزرج كانوا يحجون
____________________

فيمن يحج من العرب أى والأوس فى الأصل أى اللغة العطية ويقال للذئب ويقال لرجل اللهو واللعب والخزرج فى الأصل الريح الباردة قيل هى الجنوب خاصة وكانوا ستة نفر وقيل ثمانية أراد الله تعالى بهم خيرا وقد عد الستة فى الأصل وبين الناس اختلاف فى ذكرهم فقال لهم من أنتم قالوا نفر من الخزرج فقال أمن موالى يهود أى من حلفاء يهود المدينة قريظة والنضير لأنهم تحالفوا معهم على التناصر والتعاضد على من سواهم وأن يأمن بعضهم من بعض وهذا كان فى أول أمرهم قبل أن تقوى شوكتهم على يهود قالوا نعم قال أفلا تجلسون أكلمكم قالوا بلى فجلسوا معه صلى الله عليه وسلم وفى لفظ وجدهم يحلقون رءوسهم فجلس إليهم فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم الإسلام أى ورأوا أمارات الصدق عليه صلى الله عليه وسلم لائحة فقال بعضهم لبعض تعلمون والله أنه للنبى الذى يوعدكم به يهود فلا تسبقنكم إليه لأن يهود كانوا إذا وقع بينهم وبينهم شئ من الشر قالوا لهم سيبعث نبى قد أظل أى قرب زمانه نتبعه نقتلكم معه قتلة عاد وإرم أى كما تقدم فى أخبار الأحبار والمراد نستأصلكم بالقتل فلما دعاهم إلى الإسلام أجابوه وصدقوه وأسلموا وقالوا له إنا تركنا قومنا يعنون الأوس والخزرج بينهم من العداوة والشر مابينهم أى فإن الأوس والخزرج كانا أخوين لأب وأم فوقعت بينهما العداوة وتطاولت بينهما الحروب فمكثوا على المحاربة والمقاتلة أكثر من مائة سنة أى مائة وعشرين كما فى الكشاف فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك
أقول وفى رواية قالوا يا رسول الله إنما كانت بعاث أى بضم الموحدة ثم عين مهملة مخففة وفى آخره ثاء مثلثة وقيل بفتح الموحدة وبدل المهملة معجمة قيل وذكر المعجمة تصحيف فعن ابن دريد صحف الخليل بن أحمد يوم بغاث بالغين المعجمة وإنما هو بالمهملة وفى القاموس بالمهملة والمعجمة عام أول يوم من أيامنا اقتتلنا به ونحن كذلك لا يكون لنا عليك اجتماع حتى نرجع إلى غابرنا لعل الله أن يصلح ذات بيننا وندعوهم إلى ما دعوتنا فعسى الله أن يجمعهم عليك فإن اجتمعت كلمتهم عليك واتبعوك فلا أحد أعز منك وبعاث مكان قريب من المدينة على ليلتين منها عند بنى قريطة ويقال إنه حصن للأوس كان به القتال قبل قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة بخمس سنين بين الأوس
____________________

والخزرج وسيد الأوس ورئيسهم حينئذ حضير والد أسيد وبه قتل مع من قتل من قومه وكان النصر فيهم أولا للخروج ثم صار للأوس
وسبب القتل أنه كان من قاعدنهم أن الأصيل لا يقتل بالحليف فقتل رجل من الأوس أى وهو سويد بن الصامت رجلا حليفا للخزرج أى وهو ذياد والد المحذر بن ذياد وذياد بالذال المعجمة مكسورة ومفتوحة وتخفيف المثناة تحت والمحذر بالذال المعجمة مشددة مفتوحة فأرادوا أن يقتلوا سويدا فيه فأبى عليه الأوس وذلك لأن سويدا هذا كان تسميه قومه الكامل لشرفه ونسبه وشعره وجلده كان ابن خالة عبد المطلب لأن أمه أخت سلمى أم عبد المطلب وكان قدم مكة حاجا أو معتمرا فتصدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يسمع بقادم قدم مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدى له ودعاه إلى الله تعالى فدعا سويدا إلى الله عز وجل وإلى الإسلام فقال له سويد لعل الذى معك مثل الذى معى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وما الذى معك قال حكمة لقمان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اعرضها على فعرضها عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا الكلام حسن والذى معى أفضلا من هذا قرآن أنزله الله على هو هدى ونور فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ودعاه إلى الإسلام فلم يبعد منه وقال إن هذا القول حسن ثم انصرف وقدم المدينة فلم يلبث أن قتله الخزرج
وفى كلام بعضهم أنه آمن بالله ورسوله وسافر حتى دخل المدينة إلى قومه فشعروا بإيمانه فقتلته الخزرج بغتة وقيل القاتل له المحذر ولد ذياد الذى قتله سويد لأن سويدا كان قد شرب الخمر وجلس يبول وهو ممتلئ سكرا فضربه إنسان من الخزرج فخرج حتى أتى المحذر بن ذياد فقال هل لك فى الغنيمة الباردة قال ما هى قال سويد أعزل لأسلاح معه فخرج المحذر بالسيف مصلتا فلما أبصر سويدا قال له قد أمكن الله منك قال ما تريد منى قال قتلك فقتله فكان ذلك سبب الحرب بين الأوس والخزرج ببعاث فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم الحارث بن سويد والمحذر بن ذياد وشهدا بدرا فجعل الحارث بن سويد يطلب محذرا يقتله بأبيه فلم يقدر عليه حتى كان وقعة أحد قدر عليه فقتله غيلة كما سيأتى
وممن قتل فى هذه الحرب التى يقال لها بعاث شخص يقال له إياس بن معاذ قدم
____________________

مكة هو وشخص يقال له أبو الحيسر أنس بن رافع مع جماعة من قومهم يلتمسون الحلف من قريش على قومهم الخزرج فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إليهم وقال لهم هل لكم فى خير مما جئتم له قالوا وما ذاك قال أنا رسول الله بعثنى للعباد وأدعوهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وأنزل على الكتاب ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن فقال إياس بن معاذ وكان صغيرا أى قوم والله خير مما جئنا إليه فأخذ أبو الحيسر حفنة من تراب فضرب بها وجه إياس وانتهره وقال له دعنا منك لقد جئنا لغير هذا فسكت إياس وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فلما دنا موت إياس صار يحمد الله ويسبحه ويهلله ويكبره حتى مات والله أعلم ثم انصرف أولئك الرهط من الخزرج راجعين إلى بلادهم
قال وفى رواية أنهم لما آمنو به صلى الله عليه وسلم وصدقوه قالوا له إنا نشير عليك أن تمكث على رسلك أى على حالك باسم الله حتى نرجع إلى قومنا فنذكر لهم شأنك وندعوهم إلى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لعل الله يصلح ذا ت بينهم ونواعدك الموسم من العام المقبل فرضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى أى فلم يقع لهؤلاء الستة أو الثمانية مبايعة ويسمى هذا ابتداء الإسلام للأنصار وربما سماه بعضهم العقبة الأولى فلما كان العام المقبل قدم من الأوس والخزرج اثنا عشر رجلا أى عشرة من الخزرج واثنان من الأوس وقيل كانوا أحد عشر رجلا منهم خمسة من الستة أو الثمانية الذين اجتمعوا به صلى الله عليه وسلم عند العقبة أولا فاجتمع بهم صلى الله عليه وسلم عند العقبة أيضا فبايعهم أى عاهدهم صلى الله عليه وسلم أى وسميت المعاهدة مبايعة تشبيها بالمعاوضة المالية وتلا عليهم آية النساء أى الآية التى نزلت بعد ذلك فى شأن النساء يوم الفتح لما فرغ من مبايعة الرجال وأراد مبايعة النساء
فعن عبادة بن الصامت بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة النساء أى كبيعة النساء أى كمبايعة للنساء التى كانت يوم فتح مكة وهى على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزنى ولا نقتل أولادنا أى لأن قتل الأولاد كان سائغا فيهم وهو وأد البنات قيل والبنين خوف الإملاق
____________________


وفى النهر كان جمهور العرب لا يئدون بناتهم وكان بعض ربيعة ومضر يئدونهن وهو دفنهن أحياء فبعضهم يئد خوف العيلة والافتقار وبعضهم خوف السبى قال ولا نأتى بهتان أى الكذب الذى يبهت صاحبه سامعه نفتريه بين أيدينا وأرجلنا أى فى الحال والاستقبال قيل وغير ذلك ولا نعصيه فى معروف أى ما عرف من الشارع حسنه نهيا وأمرا
قال الحافظ ابن حجر المبايعة المذكورة فى حديث عبادة بن الصامت على الصفة المذكورة لم تقع ليلة العقبة وإنما نص بيعة العقبة ما ذكر ابن إسحاق وغيره عن أهل المغازى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لمن حضر من الأنصار أبايعكم على أن تمنعونى ما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم فبايعوه على ذلك وعلى أن يرحل إليهم هو صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم ذكر جملة من الأحاديث وقال هذه أدلة صريحة فى أن هذه البيعة بعد نزول الآية بعد فتح مكة
أقول ليس فى كلام عبادة أن هذه البيعة بيعة العقبة إذ لم يقل بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة وإن كان السياق يقتضيه وحينئذ فلا يحسن أن يكون كلام عبادة شاهدا لمن قال وتلا عليهم آية النساء فلا يحسن التفريع المتقدم بل هو دليل على أن هذه المبايعة متأخرة عن يوم الفتح كما قال الحافظ والله أعلم
زاد بعضهم والسمع والطاعة فى اليسر والعسر والمنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول الحق حيث كنا لا نخاف فى الله لومة لائم ثم قال ومن وفى بالتخفيف والتشديد أى ثبت على العهد فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فى الدنيا فهو أى العقاب طهرة له أو قال كفارة له
واستشكل بأن أبا هريرة روى أنه صلى الله عليه وسلم لا أدرى الحدود كفارة لأهلها أولا وإسلام أبى هريرة تأخر عن بيعة العقبة بسبع سنين كما سيأتى فإنه كان عام خيبر سنة سبع
ويجاب بأن هذه البيعة التى ذكرها عبادة ليست بيعة العقبة بل بيعة غيرها وقعت بعد فتح مكة كما علمت
وحينئذ يكون ما رواه أبو هريرة رضى الله تعالى عنه كان قبل أن يعلم صلى الله عليه وسلم ذلك ثم علمه أى أن الحدود كفارة قال صلى الله عليه وسلم ومن أصاب من
____________________

ذلك شيئا فستره الله عليه فأمره إلى عز وجل إن شاء غفر له وإن شاء عذبه أى وكون الحدود كفارة وطهرة مخصوص بغير الشرك فقتل المريد لا يكون كفارة وطهرة له لأن الله لا يغفر أن يشرك به
وفى رواية فإن رضيتم فلكم الجنة وإن غشيتم من ذلك شيئا فأصبتم بحد فى الدينا فهو كفارة لكم فى الدنيا وإن سترتم عليه فأمركم إلى الله وإن شاء عذب وإن شاء غفر أى وفى هذا رد على من قال بوجوب التعذيب لمن مات بلا توبة وعلى من قال بكفر مرتكب الكبيرة
فلما انصرفوا راجعين إلى بلادهم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم ابن أم مكتوم واسمها عاتكة واسمه عمرو وقيل عبدالله وهو ابن خال خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها
قال الشعبى غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة غزوة ما فيها غزوة إلا واستخلف ابن ام مكتوم على المدينة وكان يصلى بهم وليس له رواية ومصعب ابن عمير وضى الله تعالى عنهما يعلمان من أسلم منهم القرآن ويعلمانهم أى من أراد أن يسلم الإسلام ويفقهانهم فى الدين ويدعوان من لم يسلم منهم إلى الإسلام وهذا ما فى أكثر الروايات وهو يفيد أنه صلى الله عليه وسلم بعث بهما معا ويدل له ما روى عن البراء بن عازب رضى الله تعالى عنه أول من قدم علينا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرئان الناس القرآن أى وفى رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم مصعبا حين كتبوا إليه يبعث إليهم
وفى رواية ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن عفراء ورافع بن مالك رضى الله تعالى عنهما أن ابعث إلينا رجلا من قبلك يفقهنا ويدعو الناس بكتاب الله وفى رواية كتبوا إليه صلى الله عليه وسلم بذلك فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وكان يقال له المقرى وهو أول من تسمى بهذا الاسم وهذا يدل على أن مصعبا لم يكن معهم
أقول وقد يقال لا منافاة لأنه يجوز أن يكون كتبوا وأرسلوا إليه صلى الله عليه وسلم بذلك عند خروجهم من مكة وقبل أن ينصرفوا منها راجعين إلى المدينة والاقتصار على مصعب لا ينافى ما تقدم من ذكر ابن أم مكتوم معه
____________________


ثم رأيت ما يبعد الجمع الأول وهو عن ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعثه يعنى مصعب بن عمير بعدهم وإنما كتبوا إليه إن الإسلام قد فشا فينا فابعث إلينا رجلا من أصحابك يقرئنا القرآن ويفقهنا فى الإسلام ويعلمنا بسنته وشرائعه ويؤمنا فى صلاتنا فبعث مصعب بن عمير وما يبعد الجمع الثانى وهو ما نقل عن الواقدى أن ابن أم مكتوم قدم المدينة بعد بدر بيسير وفى كلام ابن قتيبة وقدم ابن أم مكتوم المدينة مهاجرا بعد بدر بسنتين
وقد يقال لا منافاة لأنه يجوز أن يكون كل من مصعب بن عمير وابن أم مكتوم رجعا إلى مكة بعد محبيئهما مع القوم وأن مكاتبتهم بأن الإسلام فشا فينا إلى آخره كانت وهم بالمدينة فجاء إليهم مصعب وتخلف ابن أم مكتوم فليتأمل ذلك والله تعالى أعلم وهذه المبايعة يقال لها العقبة الأولى لوجود تلك المبايعة عندها
ولما قدم مصعب المدينة نزل على أبى أمامة أسعد بن زرارة رضى الله تعالى عنه دون بقية رفقته وكان سالم مولى أبى حذيفة رضى الله تعالى عنه يؤم المهاجرين بقباء قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مصعب يؤم القوم أى الأوس والخزرج لأن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض وجمع بهم أول جمعة جمعت فى الإسلام قبل قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة وقبل نزول سورة الجمعة الآمرة بها فإنها مدنية
وقال الشيخ أبو حامد فرضت الجمعة بمكة ولم يتمكن من فعلها قال الحافظ ابن حجر وهو غريب أى وعلى صحته فهو ما تقدم حكمه على تلاوته
وعند ابن إسحاق أن أول من جمع بهم أبو أمامة أسعد بن زرارة وكانوا أربعين رجلا أى فعن كعب بن مالك قال أول من جمع بنا فى المدينة أسعد بن زرارة قبل مقدم النبى صلى الله عليه وسلم فى نقيع الخضمان والنقيع بالنون قيل أو بالباء الموحدة لكن قال الخطابى إنه خطأ والخضمان جمع خضمة وهى الماشية التى تخضم أى تأكل بفمها كله مما فى ذلك المحل من الكلأ وهو اسم لقرية من قرى المدينة قال وكنا أربعين رجلا أى ولا مخالفة لأن مصعب بن عمير كان عند أبى أمامة أسعد بن زرارة كما علمت فكان هو المعاون على الجمع وكان الخطيب والمصلى مصعب بن عمير فنسب الجمع لكل منهما أى ويكون ما فى الرواية الآتية من أن أسعد بن زرارة هو الذى صلى بهم على التجوز أى جمعهم على الصلاة ويؤيده ما تقدم من أن الأوس والخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض وأيضا المأمور بالتجميع مصعب بن عمير كما سياتى
____________________


قال السهيلى وتسميتهم أى الأنصار إياها بهذا الاسم أى تسميتهم اليوم بيوم الجمعة لاجتماعهم فيه هداية من الله تعالى لهم وإلا فكانت تسمى فى الجاهلية العروبة أى يسمى ذلك اليوم بيوم العروبة أى الرحمة وقال عليه الصلاة والسلام فى حق ذلك اليوم إنه اليوم الذى فرض عليهم أى على اليهود والنصارى أى طلب منهم تعظيمه والتفرغ للعبادة فيه كما فرض علينا أضلته اليهود والنصارى وهداكم الله تعالى له أى إن كلا من اليهود والنصارى أمر بذلك اليوم يعظمون فيه الحق سبحانه وتعالى يتفرغون فيه لعبادته واختار اليهود من قبل أنفسهم بدله السبت لأنهم يزعمون أنه اليوم السابع الذى استراح فيه الحق سبحانه وتعالى من خلق السموات والأرض وما فيهن من المخلوقات أى بناء على أن أول الأسبوع الأحد وأنه مبدأ الخلق قال بعضهم وهو الراجح
وفى كلام بعضهم أول الأسبوع الأحد لغة وأوله السبت عرفا أى فى عرف الفقهاء فى الإيمان ونحوها ويؤيد الأول أن السبت مأخوذ من السبات وهى الراحة قال تعالى { وجعلنا نومكم سباتا } أى راحة ظنا منهم أنه أولى بالتعظيم لهذه الفضيلة
واختارت النصارى من قبل أنفسهم بدل يوم الجمعة يوم الأحد أى بناء على أنه أول يوم ابتدأ الله فيه بإيجاد المخلوقات ظنا منهم أنه أولى بالتعظيم لهذه الفضيلة وحينئذ يكون معنى قوله أضلوه تركوه مع علمهم به ويؤيد ذلك ما جاء إن الله تعالى فرض على اليهود الجمعة فأبوا وقالوا ياموسى اجعل لنا يوم السبت فجعل عليهم وهدى الله تعالى المسلمين ليوم الجمعة أى وهداية المسلمين له تدل على أنهم لم يعلموا عينه وإنما اجتهدوا فيه فصادفوه
وفى سفر السعادة كان من عوائده الكريمة صلى الله عليه وسلم أن يعظم يوم الجمعة غاية التعظيم ويخصه بأنواع التشريف والتكريم
وجاء إن أهل الجنة يتباشرون في الجنة بيوم الجمعة كما تتباشر به أهل الدينا فى الدينا واسمه عندهم يوم المزيد كما تقدم لأن الله تعالى يتجلى عليهم فى ذلك اليوم ويعطيهم كل ما يتمنونه ويقول لهم لكم ما تمنيتم ولدينا مزيد فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير
وقد جاء فى المرفوع يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله تعالى فهو فى الأيام كشهر رمضان فى الشهور وساعة الإجابة فيه كليلة القدر فى رمضان
____________________


والذى فى البخارى ثم هذا أى يوم الجمعة يومهم الذى فرض عليهم أى على اليهود والنصارى فاختلفوا فيه فهدانا الله تعالى له فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد وقوله فاختلفوا فيه يدل على انهم لم يعلموا عينه ويوافقه ما نقل عن بعض أهل العلم أن اليهود أمروا بيوم من الأسبوع يعظمون الله تعالى فيه ويتفرغون لعبادته فاختاروا من قبل أنفسهم السبت فأكرموه فى شرعهم وكذلك النصارى أمروا على لسان عيسى بيوم الأسبوع فاختاروا من قبل أنفسهم الأحد فالتزموه شرعا لهم وهو يخالف ما سبق فليتأمل
قال بعضهم والراجح أن أول الأسبوع السبت لأنه أول يوم ابتدئ فيه بايجاد المخلوقات فقد جاء فى الصحيح إن الله خلق التربة يوم السبت والجبال يوم الأحد والشجر يوم الأثنين والمكروه يوم الثلاثاء والنور يوم الأربعاء كذا فى مسلم وعليه يشكل تسمية اليوم الذى يليه الأحد وأجيب بأنه من تسمية اليهود وتبعهم غيرهم
وقد ذكر السهيلى أن تسمية هذه الأيام طارئة ولو كان الله سبحانه وتعالى سماها فى القرآن بهذه الأسماء المشتقة من العدد لقلنا هى تسمية صادقة لكن لم يذكر منها إلا الجمعة والسبت وإنهما ليسا مشتقين من العدد هذا كلامه
ورد بأنه جاء إن الله تعالى خلق يوما فسماه الأحد ثم خلق ثانيا فسماه الاثنين ثم خلق ثالثا فسماه الثلاثاء ثم خلق رابعا فسماه الأربعاء ثم خلق خامسا فسماه الخميس
وأجاب ابن حجر الهيتمى بأن هذه أى التسمية المذكورة لم تثبت وأن العرب تسمى خامس الورد أربعاء هذا كلامه فيكون أول الأسبوع السبت
ثم رأيت السهيلى قال لم يسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأحد والاثنين إلى سائرها إلا حاكيا للغة قومه لا مبتدئا تسميتها ولعل قومه أن يكونوا أخذوا معانى هذه الأسماء من أهل الكتاب المجاورين لهم فألقوا عليها هذه الأسماء اتباعا لهم هذا كلامه فليتأمل
وفى السبعينات للهمدانى أكرم الله موسى عليه الصلاة والسلام بالسبت وعيسى بالأحد وداود بالاثنين وسليمان بالثلاثاء ويعقوب بالأربعاء وآدم بالخميس ومحمدا صلى الله عليه وسلم بالجمعة وهذا يدل على أن اليهود لم يختاروا يوم السبت والنصارى يوم الأحد من عند أنفسهم فليتأمل الجمع
____________________


وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن يوم السبت قال يوم مكر وخديعة أى وقع فيه المكر والخديعة أى لأنه اليوم الذى اجتمعت فيه قريش فى دار الندوة للاستشارة فى أمره صلى الله عليه وسلم وسئل عن يوم الأحد فقال يوم غرس وعمارة لأن الله تعالى ابتدأ فيه خلق الدنيا وعمارتها وفى رواية لأن الجنة بنيت فيه وغرست وسئل عن يوم الاثنين فقال يوم سفر وتجارة لأن فيه سافر شعيب فربح فى تجارته وسئل عن يوم الثلاثاء فقال يوم دم لأن فيه حاضت حواء وقتل ابن آدم أخاه
وذكر الهمدانى فى السبعيات أيضا أنه قتل فيه سبعة جرجيس وزكريا ويحيى ولده عليهم الصلاة والسلام وسحرة فرعون وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون وبقرة بنى إسرائيل وهابيل بن آدم وبين قصة كل واحد
أى ومن ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجامة يوم الثلاثاء أشد النهى وقال فيه ساعة لا يرقأ فيها الدم وفيه نزل إبليس إلى الأرض وفيه خلفت جهنم وفيه سلط الله ملك الموت على أرواح بنى آدم وفيه ابتلى أيوب وفى بعض الروايات أن اليوم الذى ابتلى الله فيه أيوب يوم الأربعاء
وسئل عن يوم الأربعاء قال يوم نحس لأن فيه أغرق فرعون وقومه وأهلك فيه عاد وثمود وقوم صالح أى ومن ثم كان يسمى فى الجاهلية دبار والدبار الملهى لكن الذى فى الحديث الموقوف على ابن عباس الذى لا يقال من قبل الرأى آخر أربعاء فى الشهر يوم نحس مستمر وجاء يوم الأربعاء لا أخذ ولا عطاء
وذكر الزمخشرى أن بعضهم قال لأخيه اخرج معى في حاجة فقال هذا الأربعاء قال فيه ولد يونس قال لاجرم قد بانت له بركته أى حيث ابتلعه الحوت قال وفيه ولد يوسف قال فما أحسن ما فعل به إخوته طال حبسه وغربته قال وفيه نصر المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب قال أجل ولكن بعد أن زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر
وورد فى بعض الآثار النهى عن قص الأظفار يوم الأربعاء وأنه يورث البرص
وعن ابن الحاج صاحب المدخل أنه هم بقص أظفاره يوم الأربعاء فتذكر ذلك فترك ثم رأى أن قص الأظفار سنة حاضرة ولم يصح عنده النهى فقصها فلحقه البرص فرأى النبى صلى الله عليه وسلم فى النوم فقال له ألم تسمع نهى عن ذلك فقال
____________________

يا رسول الله لم يصح ذلك عندى فقال يكفيك أن تسمع ثم مسح صلى الله عليه وسلم بيده على بدنه فزال البرص جميعا قال ابن الحاج فجددت مع الله توبة أنى لا أخالف ما سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبدا
وجاء فى حديث أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر مرفوعا وخرجه الحاكم من طريقين آخرين لا يبدو جذام ولا مرض إلا يوم الأربعاء وكره بعضهم عيادة المريض يوم الأربعاء
وفى منهاج الحليمى وشعب الإيمان للبيهقى إن الدعاء مستجاب يوم الأربعاء بعد الزوال قبل وقت العصر لأنه صلى الله عليه وسلم استجيب له الدعاء على الأحزاب فى ذلك اليوم فى ذلك الوقت وكان جابر يتحرى ذلك بالدعاء فى مهماته وذكر أنه ما بدئ بشئ يوم الأربعاء إلا وتم فينبغى البداءة بنحو التدريس فيه
وسئل عن يوم الخميس فقال يوم قضاء الحوائج لأن فيه دخل إبراهيم الخليل على ملك مصر فقضى حاجته وأعطاه هاجر ومن ثم زاد فى رواية والدخول على السلطان وسئل عن يوم الجمعة فقال يوم نكاح نكح فيه آدم حواء ويوسف زليخا وموسى بنت شعيب وسليمان بلقيس أى ونكح فيه صلى الله عليه وسلم خديجة وعائشة
وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أذن النبى صلى الله عليه وسلم لهم قبل الهجرة أى قبل أن يهاجر صلى الله عليه وسلم فى إقامة الجمعة أى فلم يفعلوها باجتهاد بل بإذنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى مصعب بن عمير رضى الله تعالى عنه أما بعد فانظر اليوم الذى تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم أى اليوم الذى يليه يوم السبب فاجمعوا نساءكم وأبناءكم فإذا مال النهار عن شطره فتقربوا إلى الله بركعتين فجمع مصعب بن عمير عند الزوال أى صلى الجمعة حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أى استمر على ذلك حتى قدم النبى صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم عين لهم ذلك اليوم وهو خلاف قوله السابق فهداكم الله له الظاهر فى أن هدايتهم له باجتهاد منهم
ويدل له ما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما باسناد صحيح أن الأنصار قالوا إن لليهود يوما يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى مثل ذلك فهلم فلنجعل يوما نجتمع فيه فنذكر الله ونصلى ونشكره فجعلوه يوم العروبة أى لأنه اليوم الذى وقع
____________________

فيه خلق آدم الذى هو مبدأ هذا الجنس وجعل فيه فناء الخلق وانقضاءهم إذ فيه تقوم الساعة ففيه المبدء والمعاد إذ هو المروى عن ابن عباس يقتضى أن الأنصار اختاروه باجتهاد منهم إلا أن يقال لا مخالفة لأنه يجوز أن يكون هذا العزم على ذلك حصل منهم أولا ثم أرسلوا له صلى الله عليه وسلم يستأذنونه فى ذلك فأذن لهم فيه فقد جاء الوحى موافقة لما اختاروه
وفيه أنه لو كان كذلك لقال صلى الله عليه وسلم لمصعب بن عمير افعلوا ذلك ولم يقل له انظروا إلى اليوم إلى آخره إلا أن يقال يجوز أنهم لما استأذنوه صلى الله عليه وسلم فى الاجتماع لم يعينوا له اليوم فبينه صلى الله عليه وسلم لهم وتقدم عن الشيخ أبى حامد أن الجمعة أمر بها صلى الله عليه وسلم وهو بمكة وتركها لعدم التمكن من فعلها تقدم عن الحافظ ابن حجر أنه غريب ويؤيده أنه لو كان أمر بها صلى الله عليه وسلم وهو بمكة وتركها لعدم التمكن من فعلها لأمر بها مصعب بن عمير عند إرساله للمدينة ولم يأمره بها إلا بعد ذلك إلا أن يقال إنما لم يأمره بها حينئذ لأنه يجوز أن يكون إنما أمر بها بعد ذهاب مصعب إلى المدينة أو أنه إنما ألم يأمره بذلك لأن لإقامتها شروطا منها العدد وهو عند إمامنا الشافعى رضى الله تعالى عنه أربعون بشروط ولم يكن ذلك موجودا عند إرساله صلى الله عليه وسلم ومن ثم لما علم صلى الله عليه وسلم وجود العدد المذكور أرسل له يأمره بذلك فى قوله أما بعد فانظر اليوم الخ
ثم لا يخفى أن ظاهر سياق الروايات يدل على أن الذى هداهم الله إليه إنما هو إيقاع العبادة فى هذا اليوم لا تسميته بيوم الجمعة كما تقدم عن السهيلى على أن تسميتهم له بذلك لم أقف عليها فى رواية
على أن السهيلى ذكر عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم سماها يوم الجمعة لما أرسل لمصعب بن عمير أن يفعلها كما تقدم فى الإسراء وذكر أيضا أ كعب بن لؤى أول من سمى يوم العروبة الجمعة
وقد يقال لا مخالفة لأنه يجوز أن تكون الأنصار ومن معهم من المهاجرين لم يبلغهم ما ذكر عن كعب بن لؤى إن ثبت أنهم سموها بهذا الاسم اجتهادا منهم
وعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبب تسمية هذا اليوم بيوم الجمعة فقال لأن فيها جمعت طينة أبيك آدم وقدمنا أنه لا مخالفة بين ما هنا وما تقدم فى الإسراء والله أعلم
____________________


وأسلم سعد بن معاذ وابن عمه أسيد بن حضير رضى الله تعالى عنهما على يد بن مصعب ابن عمير وكان إسلام أسيد قبل سعد فى يومه
فعن ابن إسحاق أن أسعد بن زرارة رضى الله تعالى عنه خرج بمصعب بن عمير إلى حائط أى بستان من حوائط بنى ظفر فجلسا فيه واجتمع إليهما رجال ممن أسلم وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير يؤمئذ سيدا قومهما أى بنى عبد الأشهل وكلاهما مشرك على دين قومه فقال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير لا أبالك انطلق بنا إلى هذين الرجلين يعنى أسعد بن زرارة ومصعب بن عمير اللذين أتيا دارينا تثنية دار وهى المحلة والمراد قبيلتنا وعشيرتنا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما وانههما أى وفى لفظ قال له ائت أسعد بن زرارة فازجره عنا فليكف عنا ما نكره فإنه بلغنى أنه قد جاء بهذا الرجل الغريب يسفه سفهاءنا وضعفاءنا فإنه لولا أسعد بن زرارة منى حيث علمت لكفيتك ذلك هو ابن خالتى ولا أجد عليه مقدما فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه ثم قال مصعب إن يجلس هذا كلمته قال فوقف عليهما متشمتا قال ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة وفى لفظ قال يا أسعد ما لنا ولك تأتينا بهذا الرجل الغريب تسفه به سفهاءنا وضعفاءنا
وفى رواية علام أتيتنا فى دورنا بهذا الرجل الوحيد الغريب الطريد يسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم إليه فقال له مصعب أو تجلس بفتح الواو استفهاما فتسمع بالنصب فى جواب الاستفهام فإن رضيت أمرا قبلته وإن كرهته كف عنك ما تكره أى منعنا عنك ما تكره قال أنصفت ثم ركز حربته وجلس إليها فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن فقال ما أحسن هذا وأجمله بالنصب على التعجب كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا فى هذا الدين قالا له تغتسل وتتطهر وتغسل ثوبك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلى فقام واغتسل وطهر ثوبه وشهد بشهادة الحق ثم قام فركع ركعتين أى وهما صلاة التوبة
فقد روى أصحاب السنن وقال الترمذى حديث حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال ما من عبد يذنب دنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلى ركعتين ثم يستغفر الله عزوجل إلا غفر له ثم قال لهما إن ورائى رجلا أن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه
____________________

وسأرسله إليكما الآن وهو سعد بن معاذ رضى الله تعالى عنه ثم أخذ حربته فانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس فى ناديهم فلما نظر إليه سعد مقبلا قال أحلف بالله لقد جاءكم أسيدين بن حضير بغير الوجه الذى ذهب به من عندكم فلما وقف على النادى قال له سعد ما فعلت قال كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسا وقد نهيتهما فقالا نفعل ما أحببت وقد حدثت أن بنى حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك أى ينقضوا عهدك فقام سعد مغضبا مبادرا فأخذ الحربة من يده وقال والله ما أراك أغنيت شيئا ثم خرج إليهما ولما أقبل سعد قال أسعد لمصعب لقد جاءك والله سيد من وراءه من قومه إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان فلما رآهما سعد مطمئنين عرف سعد أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما فوقف عليهما متشمتا ثم قال لأسعد بن زرارة يا أبا أمامة والله لولا ما بينى وبينك من القرابة ما رمت منى هذا هذا يغشانا فى دارنا بما نكره فقال له مصعب أو تقعد تسمع فإن رضيت أمرا قبلته وإن كرهت عزلنا عنك ما تكره فقال سعد أنصفت ثم ركز الحربة وجلس فعرض عليه الإسلام وعرض عليه القرآن فقال لهما كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم فى هذا الدين فقال تغتسل وتتطهر وتطهر ثوبك ثم تشهد شهادة الحق ثم تركع ركعتين فقام سعد فاغتسل وطهر ثوبه ثم شهد شهادة الحق ثم ركع ركعتين ثم أخذ حربته فأقبل عامدا إلى نادى قومه ومعه أى مع ذلك النادى أسيد بن حضير فلما رآه قومه مقبلا قالوا نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذى ذهب به من عندكم فلما وقف عليهم قال يا بنى عبد الأشهل كيف تعلمون أمرى فيكم قالوا سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا وأبركنا نقيبة أى نفسا وأمرا قال فإن كلام رجالكم ونسائكم على حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله قال فوالله ما أمسى فى دارى أى قبيلة بنى عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما ومسلمة فأسلموا فى يوم واحد كلهم وكان ذلك بعد العقبة الأولى وقبل العقبة الثانية إلا ما كان من الأصيرم وهو عمرو بن ثابت من بنى عبد الأشهل فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد فأسلم واستشهد ولم يسجد لله سجدة وأخبره صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة
أى وفى كلام ابن الجوزى أول دار أى قبيلة أسلمت من دور الأنصار دار بنى عبد الأشهل ثم رجع مصعب إلى دار أسعد بن زرارة رضى الله تعالى عنه فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا فيها رجال ونساء مسلمون إلا ما كان
____________________

من سكان عوالى المدينة أى قراها من جهة نجد قال وفى كلام بعضهم إلا جماعة من الأوس بن حارثة وذلك أنه كان فيهم أبو قيس وهو صيفى بن الأسلت وكان شاعرا لهم يسمعون منه ويطيعونه لأنه كان قوالا بالحق معظما وقد ترهب فى الجاهلية ولبس المسوح واغتسل من الجنابة ودخل بيتا له فاتخذه مسجدا وقال اعبد إله إبراهيم لا يدخل فيه حائض ولا جنب فوقف بهم عن الإسلام فلم يزل على ذلك حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومضى بدر واحد والخندق فاسلم وحسن إسلامه وهو شيخ كبير اه أى سبب تأخر إسلامه ما ذكره بعضهم أنه لما أراد الإسلام عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة لقيه أبى ابن سلول وكلمه بما أغضبه ونفره عن الإسلام وقال أبو قيس لا أتبعه إلا آخر الناس فلما احتضر أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قل لا إله إلا بالله أشفع لك بها فقالها وهم ابنه أن ينكح امرأة أبيه أى على ما هو عادة الجاهلية أى وكان ذلك فى المدينة حتى فى أول الإسلام أن أكبر أولاد الرجل يخلفه على زوجته بعد موته فنزل التحريم أى قوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } وتقدم الكلام على سبب نزول هذه الآية مستوفى
ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة مع من خرج من المسلمين من الأنصار إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة أى وأخبر النبى صلى الله عليه وسلم بمن أسلم فسر بذلك
وعن كعب بن مالك قال خرجنا فى حجاج قومنا من المشركين ومعنا البراء بن معرور سيدنا وكبيرنا والبراء بالمد لغة آخر ليلة من الشهر سمى بذلك لأنه ولد فيها ومعرور معناه لغة مقصود فلما خرجنا من المدينة قال البراء لنا إنى قد رأيت رأيا ما أدرى أتوافقونى عليه أم لا قال قلنا وما ذاك قال رأيت أن لا أدع هذه البنية أى بفتح الموحدة وكسر النون وتشديد المثناة تحت المفتوحة ثم تاء التأنيث على وزن فعيلة يعنى الكعبة منى بظهر وأن أصلى إليها قال قلنا والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلى إلا إلى الشام يعنون بيت المقدس أى صخرته وما نريد أن نخالفه قال فقال إنى أصلى إليها قال فقلنا له لكنا لا نفعل قال فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام يعنى بيت المقدس أى واستدبرنا الكعبة وصلى إلى الكعبة أى مستديرا للشام حتى قدمنا مكة وقد كنا عبنا عليه ذلك وأبى إلاقامة على ذلك فلما قدمنا مكة
____________________

قال لي يا ابن أخي انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسأله عما صنعت في سفري هذا فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء لما رأيت من خلافكم إياي فيه قال فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا لا نعرفه لأنا لم نره قبل ذلكن فلقينا رجلا من أهل مكة فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعرفانه قلنا لا قال فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه قلنا نعم وكنا نعرف العباس كان لا يزال يقدم علينا تاجرا قال فإذا دخلتما المسجد فإذا هو الرجل الجالس مع العباس فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ورسول الله صلى الله عليه وسلم معه فسلمنا حين جلسنا إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل قال نعم هذا البراء بن معرور سيد قومه وهذا كعب ابن مالك قال كعب فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاعر قال نعم فقال له البراء بن معرور يا رسول الله إني خرجت في سفري هذا وقد هداني الله بالإسلام فرأيت أن لا أجعل هذه البنية منى بظهر يعني الكعبة فصليت إليها وخالفني أصحابي في ذلك حتى وقع في نفسي من ذلك شيء فماذا ترى يا رسول الله قال قد كنت على قبلة لو صبرت عليها فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بيت المقدس أي ولم يأمره بإعادة ما صلاه مع أنه كان مسلما وبين له أنه كان الواجب عليه استقبال بيت المقدس لأنه كان متأولا فليتأمل
وفي هذا تصريح بأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا بمكة قبل الهجرة وبعدها يصلون إلى بيت المقدس قبل أن تحول القبلة وقد تقدم الوعد بذلك
قال كعب ثم خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة أي إلى أن يوافوه في الشعب الأيمن إذا انحدروا من منى أسفل العقبة حيث المسجد اليوم أي الذي يقال له مسجد البيعة كما تقدم وأمرهم أن لا ينبهوا نائما ولا ينتظروا غائبا وذلك في ليلة اليوم الذي هو يوم النفر الأول قال فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا وكان من جملة المشركين أبو جابر عبد الله بن عمرو بن حرام بفتح الحاء والراء المهملتين سيد من ساداتنا فكلمناه وقلنا له يا أبا جابر إنك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ثم دعوناه
____________________

إلى الإسلام فأسلم وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد معنا العقبة فمكثنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعد هدءة يتسلل الرجل والرجلان تسلل القطا مستخفين حتى إذا اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاث وسبعون رجلا وامرأتان نسيبة بالتصغير وهي أم عمارة من بني النجار أي وكانت تشهد الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هي وزوجها وابناها حبيب وعبد الله رضي الله تعالى عنهم وحبيب هذا اكتنفه مسيلمة الكذاب وصار يعذبه يقول له أتشهد أن محمدا رسول الله فيقول نعم ثم يقول وتشهد أني رسول الله فيقول لا فيقطع عضوا من أعضائه وهكذا حتى فنيت أعضاؤه ومات وسيأتي ما وقع لها رضي الله تعالى عنها في حرب مسيلمة وأم منيع أي وهذه الرواية لا تخالف رواية الحاكم حمسة وسبعون نفسا نعم تحالف قول ابن مسعود وهم سبعون رجلا يزيدون رجلا أو رجلين وامرأتان أي منهم أحد عشر رجلا من الأوس قال فلا زلنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم حتى جاءنا أي وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقهم وانتظرهم
أقول وقد يقال لا مخالفة لأنه يجوز أن يكون سبقهم وانتظرهم فلما لم يجيئوا ذهب ثم جاءهم بعد مجيئهم والله أعلم ومعه عمه العباس بن عبد المطلب أي ليس معه غيره وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له
أقول وهذا لا يخالف ما جاء أنه كان معه أيضا أبو بكر وعلى لأن العباس أوقف عليا على فم الشعب عينا له وأوقف أبا بكر على فم الطريق الآخر عينا فلم يكن معه عندهم إلا العباس والله أعلم فلما جلسوا كان العباس أول من تكلم فقال يا معشر الخزرج أي قال ذلك لأن العرب كانت تطلق الخزرج على ما يشمل الأوس وكانت تغلب الخزرج على الأوس فيقولون الخزرجين إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فهو في عز من قومه ومنعة في بلده وقد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن تدعونه فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده فقال البراء بن معرور أنا
____________________

والله لو كان في أنفسنا غير ما ننطق به لقلناه ولكنا نريد الوفاء والصدق وبذل مهج أنفسنا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أي والبراء بن معرور هو اول من أوصى بثلث ماله
وفي رواية أن العباس قال قد أبي محمد الناس كلهم غيركم فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة ترميكم عن قوس واحدة فأروا رايكم وائتمروا بينكم ولا تفرقوا إلا عن ملأ منكم واجتماع فإن أحسن الحديث أصدقه
أقول قول العباس قد أبى محمد الناس كلهم غيركم ربما يفيد أن الناس غير الأنصار وافقوه على مناصرته فأباهم ولا يساعد عليه ما تقدم ولولا التأكيد بلفظ كلهم لأمكن أن يراد بالناس قبيلة شيبان بن ثعلبة فإنهم كما تقدم قالوا له ننصرك بما يلي مياه العرب دون ما يلي مياه كسرى فأبى ذلك ويحتمل أن المراد بالناس الذين أباهم أهله وعشيرته والله أعلم
وعندما تكلم العباس بما ذكر قالوا له قد سمعنا مقالتك فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت وفي رواية خذ لنفسك ما شئت واشترط لربك ما شئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم أشترط لربي عز وجل أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأبناءكم ونساءكم فقال ابن رواحة فإذا فعلنا فما لنا فقال صلى الله عليه وسلم لكم الجنة قالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل
وفي رواية فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله عز وجل ورغب في الإسلام ثم قال أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم أي وفي رواية أنهم قالوا له يا رسول الله نبايعك قال تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تقولوا في الله لا تخافوا في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة فاخذ البراء بن معرور بيده صلى الله عليه وسلم ثم قال نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع به أزرنا أي نساءنا وأنفسنا لأن العرب تكنى بالإزار عن المرأة وعن النفس فنحن والله أهل الحرب وأهل الحلقة أي السلاح ورثناها كابرا عن كابر وبينا البراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو الهيثم بن التيهان بتشديد المثناة تحت وتخفيفها نقبله على مصيبة المال وقتل
____________________

الأشراف فقال العباس اخفوا جرسكم أي صوتكم فإن علينا عيونا ثم قال أبو الهيثم يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال يعني اليهود حبالا أي عهودا وإنا قاطعوها فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بل الدم الدم والهدم الهدم بفتح الدال وسكونها إهدار دم القتيل أي دمي دمكم أي تطلبون بدمي وأطلب بدمكم فدمي ودمكم واحد وفي لفظ بدل الدم اللدم وهو بالتحريك الحرم من القرابات أي حرمكم خرمكم تقول العرب اللدم اللدم إذا أرادت تأكيد المحالفة هدمي وخدمكم واحد أي وإذا أهدرتم الدم أهدرته وذمتي ذمتكم ورحلتي مع رحلتكم أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم أي وعند ذلك قال لهم العباس رضي الله تعالى عنه عليكم بما ذكرتم ذمة الله مع ذمتكم وعهد الله مع عهدكم في هذا الشهر الحرام والبلد الحرام يد الله فوق أيديكم لتجدن في نصرته ولتشدن من أزره قالوا جميعا نعم قال العباس اللهم إنك سامع شاهد وإن ابن أخي قد استرعاهم ذمته واستحفظهم نفسه اللهم كن لابن أخي عليهم شهيدا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوا إلي منكم اثنى عشر نقيبا فلا يحدث أحد في نفسه أن يؤخذ غيره فإنما يختار لي جبريل أي لأنه عليه الصلاة والسلام حضر البيعة فلما تخيرهم أي وهم سعد بن عبادة وأسعد بن زرارة وسعد بن الربيع وسعد بن أبي خيثمة والمنذر بن عمرو وعبد الله بن رواحة والبراء بن معرور وأبو الهيثم بن التيهان وأسيد بن حضير وعبد الله بن عمرو بن حرام وعبادة بن الصامت ورافع بن مالك كل واحد على قبيلة رضي الله تعالى عنهم أجمعين وقال صلى الله عليه وسلم لأولئك النقباء أنتم كفلاء على غيركم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي يعني المهاجرين
وقيل إن الذي تولى الكلام من الأنصار وشد العقدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد بن زرارة أي وهو من اصغرهم فإنه أخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم وقال رويدا يا أهل يثرب إنا لن نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن إخراجه اليوم مفارقة لجميع العرب وقتل خياركم وإن تعطكم السيوف
____________________

فإما أنتم قوم تصبرون عليها إذا مستكم بقتل خياركم ومفارقة العرب كافة أي جميعا فخذوه وأجركم على الله تعالى وإما أنتم تحافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو عذر لكم عند الله عز وجل فقالوا يا أسعد أمط عنا يدك فوالله لا نذر أي نترك هذه البيعة ولا نستقيلها أي لا نطلب الإقالة منها
وقيل إن الذي تكلم مع الأنصار وشد العقدة العباس بن عبادة بن نضلة قال يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس أي على من حاربه منهم وإلا فهو صلى الله عليه وسلم لم يؤذن له في البداءة بالمحاربة إلا بعد أن هاجر إلى المدينة بمدة كما سيأتي وكان قبل ذلك مأمورا بالدعاء إلى الله تعالى والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل ثم ذكر ما تقدم عن أسعد بن زرارة أي ثم توافقوا على ذلك وقالوا يا رسول الله ما لنا بذلك إن نحن قضينا قال رضوان الله والجنة قالوا رضينا ابسط يدك فبسط يده صلى الله عليه وسلم فبايعوه أي وأول من بايعه صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور وقيل أسعد بن زرارة وقيل أبو الهيثم بن التيهان ثم بايعه السبعون كلهم أي وبايعه المرأتان المذكورتان من غير مصافحة لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يصافح الناس إنما كان يأخذ عليهن فإذا أحرزن قال اذهبن فقد بايعتكن كما سيأتي فكانت هذه البيعة على حرب الأسود والأحمر أي العرب والعجم فهؤلاء الثلاثة لم يتقدم عليهم أحد غيرهم وحينئذ تكون الأولية فيهم حقيقية وإضافية
أي ويقال إن أبا الهيثم قال أبايعك يا رسول الله على ما بايع عليه الاثنا عشر نقيبا من بني إسرائيل موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام وأن عبد الله بن رواحة قال أبايعك يا رسول الله على ما بايع عليه الاثنا عشر من الحواريين عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وقال أسعد بن زرارة أبايع الله عز وجل يا رسول الله فأبايعك على أن أتم عهدي بوفائي واصدق قولي بفعلي في نصرك وقال النعمان بن حارثة أبايع الله عز وجل يا رسول الله وأبايعك على الإقدام في أمر الله عز وجل لا أرأف فيه القريب ولا البعيد أي لا أعامل فيه بالرأفة والرحمة وقال عبادة بن الصامت ابايعك يا رسول الله على أن لا تأخذني في الله لومة لائم وقال سعد بن الربيع أبايع الله وأبايعك يا رسول الله على أن
____________________

لا أعصى لكما أمرا ولا أكذبكما حديثا فلما انتهت البيعة وهذه البيعة يقال لها العقبة الثانية ولما وقعت صرخ الشيطان من رأس العقبة بأشد صوت وأبعده يا أهل الجباجب أي بجيمين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وبعد كل جيم باء موحدة وهي منازل منى وفي الهدى يا أهل الأخاشب هل لكم في مذمم والصباة معه يعني بمذمم النبي صلى الله عليه وسلم لأن قريشا كانت تقول بدل محمد صلى الله عليه وسلم مذمم ويعني بالصباة أصحابه الذين بايعوه لأنهم كانوا يقولون لمن أسلم صابيء لأن الصابىء من خرج من دين إلى دين وقد جاء ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يسبون مذمما وأنا محمد فإنهم قد أجمعوا أي عزموا على حربكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا إزب العقبة أسمع أي عدو الله أما والله لا أفزعن وإزب بكسر الهمزة وإسكان الزاي ثم بالباء الموحدة الخفيفة وقيل بفتح الهمزة وفتح الزاي وتشديد الموحدة أي شيطان سمي بهذا الاسم المركب من المضاف والمضاف إليه عامرها والإزب في الأصل القصير ومن ثم رأى عبد الله بن الزبير رجلا طوله شبران على برذعة رحله فقال له ما أنت قال إزب قال وما إزب قال رجل من الجن فضربه على رأسه بعود سوطه فهرب
وعند ذلك قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفضوا وفي لفظ انفضوا إلى رحالكم
أقول وفي رواية لما بايع الأنصار بالعقبة صاح الشيطان من راس الجبل يا معشر قريش هذه بنو الاوس والخزرج تحالف على قتالكم ففزعوا أي الأنصار عند ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يروعكم هذا الصوت فإنما هو عدو الله إبليس وليس يسمعه أحد مما تخافون ولا مانع من اجتماع صراخ إزب العقبة وصراخ إبليس الذي هو أبو الجن ويجوز أن يكون المراد بعدو الله إبليس إزب العقبة لأنه من الأبالسة وإنه أتى باللفظين معا وقد حضر البيعة جبريل كما تقدم
فعن حارثة بن النعمان رضي الله تعالى عنه لما فرغوا من المبايعة قلت يا نبي الله لقد رأيت رجلا عليه ثياب بيض انكرته قائما على يمينك قال وقد رأيته قلت نعم قال ذاك جبريل والله أعلم
____________________


ثم إن الحديث نما سمع المشركون من قريش بذلك أي وفي كتاب الشريعة أن الشيطان لما نادى بما ذكر شبه صوته بصوت منبه بن الحجاج فنال عمرو بن العاص ما نال أبو جهل قال عمرو ذهبت أنا وهو إلى عتبة بن ربيعة فأخبره بصوت منبه بن الحجاج فلم يرعه ما راعنا وقال هل أتاكم فأخبركم بهذا منبه قلنا لا فقال لعله إبليس الكذاب الحديث وفيه طول وأمور مستغربة
ولا ينافي سماع عمرو وأبي جهل صوت إبليس قوله صلى الله عليه وسلم ليس يسمعه أحد مما تخافون لأن سماعهم لم يحصل منه خوف لهم وعند فشو الخبر جاء أجلتهم وأشرافهم حتى دخلوا شعب الأنصار فقالوا يا معشر الأوس والخزرج وفي رواية يا معشر الخزرج أي بالتغليب بلغنا أنكم جئتم إلى صاحبنا هذا لتخرجوه من بين أظهرنا وتبايعوه على حربنا والله ما من حي أبغض إلينا أن نشب الحرب بيننا وبينه منكم فصار مشركو الأوس والخزرج يحلفون لهم ما كان من هذا شيء وما علمناه أي حتى إن أبي ابن سلول جعل يقول هذا باطل وما كان هذا وما كان قومي ليفتاتوا علي بمثل هذا لو كنت بيثرب ما صنع هذا قومي حتى يؤامروني وصدقوا لأنهم لم يعلموه كما علم مما تقدم كما علم مما تقدم أي ونفر الناس من مني وبحثت قريش عن خبر الأنصار فوجدوه حقا فلما تحققوا الخبر اقتفوا آثارهم فلم يدركوا إلا سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو فاما سعد فأمسك وعذب في الله وأما المنذر فأفلت ثم أنقذ الله سعدا من أيدي المشركين قال نقل عنه أنه قال لما ظفروا بي ربطوا يدي في عنقي فلا زالوا يلطموني على وجهي ويحذبوني بجمتي أي وكان ذا شعر كثير حتى أدخلوني مكة فأومأ إلي رجل أي وهو أبو البختري بن هشام مات كافرا وقال ويحك ما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد قال بلى قد كنت أجير لجبير بن مطعم تجارة وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي وللحارث بن حرب بن أمية أي وهو أخو أبي سفيان والأول أسلم بعد الحديبية والثاني لا يعلم له إسلام فقال ويحك فاهتف باسم الرجلين ففعلت فخرج ذلك الرجل إليهما فوجدهما في المسجد فقال لهما إن رجلا من الخزرج يضرب بالأبطح يهتف باسمكما فقالا من هو قال يقول إنه سعد بن عبادة فجاءا فخلصاني من أيديهم أه
وعن سعد بينا أنا مع القوم أضرب إذ طلع علي رجل أبيض وضيء شعشاع أي طويل زائد الحسن حلو من الرجال فقلت في نفسي إن يكن عند أحد من القوم خير
____________________

فعند هذا فلما دنا مني رفع يديه ولكمني لكمة شديدة فقلت في نفسي والله ما عندهم بعد هذا خير أي وهذا الرجل سهيل بن عمرو رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك
فلما قدم الأنصار المدينة أظهروا الإسلام أي إظهارا كليا وتجاهروا وإلا فقد تقدم أن الإسلام فشافيهم قبل قدومهم لهذه البيعة وكان عمرو بن الجموح وهو من سادات بني سلمة بكسر اللام وأشرافهم ولم يكن أسلم وكان ممن أسلم ولده معاذ بن عمرو وكان لعمرو في داره صنم أي من خشب يقال له المناة لأن الدماء كانت تمني أي تصب عنده تقربا إليه وكان يعظمه فكان فتيان قومه ممن أسلم كمعاذ بن جبل وولده عمرو بن معاذ ومعاذ بن عمرو يدلجون بالليل على ذلك الصنم فيطرحونه أي ولعله بعد إخراجه من داره في بعض الحفر التي فيها خرء الناس منكسا فإذا أصبح عمرو قال ويحكم من عدا على إلهنا هذه الليلة ثم يعود يلتمسه حتى إذا وجده غسله فإذا أمسى عدوا عليه وفعلوا به مثل ذلك إلى أن غسله وطيبه وحماه بسيف علقه في عنقه ثم قال له ما أعلم من يصنع بك فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك فلما أمسى عدوا عليه وأخذوا السيف من عنقه ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل ثم القوه في بئر من آباء بني سلمة فيها خرء الناس فلما أصبح عمرو عدا إليه فلم يجده ثم تطلبه إلى أن وجده في تلك البئر فلما رآه كذلك رجع إلى عقله وكلمه من أسلم من قومه فأسلم وحسن إسلأمه وأنشد أبياتا منها ** والله لو كنت إلها لم تكن ** ** أنت وكلب وسط بئر في قرن **
وأمر صلى الله عليه وسلم من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة أي لأن قريشا لما علمت أنه صلى الله عليه وسلم آوى أي استند إلى قوم أهل حرب وتحمل ضيقوا على أصحابه ونالوا منهم ما لم يكونوا ينالونه من الشتم والأذى وجعل البلاء يشتد عليهم وصاروا ما بين مفتون في دينه وبين معذب في أيديهم وبين هارب في البلاد شكوا إليه صلى الله عليه وسلم واستأذنوه في الهجرة أي فمكث أياما لا يأذن لهم ثم قال لهم أريت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان ولو كانت السراة أرض نخل وسباخ لقلت هى هى والسراة بفتح السين أعظم جبال بلاد العرب ثم خرج إليهم مسرورا فقال قد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب فأذن لهم وقال من اراد أن يخرج فليخرج إليها فخرجوا إليها أرسالا أي متتابعين يخفون ذلك أي وفي
____________________

رواية أريت في المنام أنى هاجرت من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلى أي وهمي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب
وفي الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أوحى إلي أي هؤلاء الثلاثة نزلت هي دار هجرتك المدينة أو البحرين أو قنسرين قال الترمذي هذا حديث غريب وزاد الحاكم فاختار المدينة
أقول فيه أن هذا السياق المتقدم يدل على أن استئذانهم في الهجرة عبارة عن خروجهم من مكة لا لخصوص المدينة وأن عدم إذنه صلى الله عليه وسلم لهم في الهجرة لعدم تعيين المحل الذي يهاجرون إليه له صلى الله عليه وسلم وكل ذلك لا يناسب ما تقدم في حديث المعراج من قول جبريل له صليت بطيبه وإليها المهاجرة
وقد يجاب بانه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم أنسى قول جبريل المذكور حينئذ ثم تذكره بعد ذلك في قوله قد أخبرت بدار هجرتكم إلى آخره
وفيه أن هذا لا يحسن بعد مبايعته صلى الله عليه وسلم للأوس والخزرج على مناصرته ومحاربة عدوه مع علمه بأن وطنه المدينة وكونهم يباعيونه على مناصرته مع كونه ساكنا في البحرين أو قنسرين في غاية البعد
على أنه سيأتي في غزوة بدر أنه صلى الله عليه وسلم خشى أن الأنصار لا ترى مناصرته إلا في المدينة أي فإن في بعض الروايات وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم بيثرب والله أعلم
وقبل الهجرة آخى صلى الله عليه وسلم بين المسلمين أي المهاجرين على الحق والمواساة فآخى بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وآخى بين حمزة وزيد بن حارثة وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف وبين الزبير وابن مسعود وبين عبادة بن الحارث وبلال وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وفاص وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة وبين سعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله وبين علي ونفسه صلى الله عليه وسلم وقال أما ترضى أن أكون أخاك قال بلى يا رسول الله رضيت الله تعالى عنه قال فأنت أخي في الدنيا والآخرة قال وأنكر العباس بن تيمية المؤاخاة بين المهاجرين سيما مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله تعالى عنه قال لأن المؤاخاة بين
____________________

المهاجرين والأنصار إنما جعلت ليرتفق بعضهم ببعض ولتألف قلوب بعضهم ببعض فلا معنى لمؤاخاة مهاجري لمهاجري
قال الحافظ ابن حجر هذا رد للنص بالقياس وبعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة فآخى بين الأعلى والأدنى ليرتفق وليستعين الأدنى والأعلى وليستعين الأعلى بالادنى ولهذا تظهر مؤاخاته صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم لعلي رضي الله تعالى عنه كان هو الذي يقوم بأمره قبل البعثة
وفي الصحيح في عمرة القضاء أن زيد بن حارثة قال إن بنت حمزة بنت أخي أي بسبب المؤاخاة اه وكان أول من هاجر منهم إليها أي لامعهم أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي هو أخوه من الرضاع وابن عمته وهو أول من يدعى للحساب اليسير كما تقدم فإنه لما قدم من الحبشة لمكة آذاه اهلها وأراد الرجوع إلى الحبشة فلما بلغه إسلام من أسلم من الانصار أي الاثني عشر الذين بايعوا البيعة الأولى خرج إليهم وقدم المدينة بكرة النهار ولما عزم على الرحيل رحل بعيره وحمل عليه أم سلمة وابنها سلمة في حجرها وخرج يقود البعير رآه رجال من قوم أم سلمة فقاموا إليه وقالوا يا أبا سلمة قد غلبتنا على نفسك فصاحبتنا هذه علام نتركك تسير بها في البلاد ثم نزعوا خطام البعير منه فجاء رجال من قوم أبي سلمة وقالوا إن ابننا معها إذا نزعتموها من صاحبنا ننزع ولدنا منها ثم تجاذبوه حتى خلعوا يده وأخذه قوم أبيه ففرق بينها وبين زوجها وولدها فكانت تخرج كل غداة بالأبطح فتبكي حتى المساء مدة سنة فمر بها رجل من بني عمها فرأى ما بها فرحمها وقال لقومها أما ترحمون هذه المسكينة فرقتم بينها وبين ولدها وزوجها فقالوا لها الحقي بزوجك فلما بلغ ذلك قوم أبي سلمة ردوا عليها ولدها فارتحلت بعيرا وجعلت ولدها في حجرها وخرجت تريد المدينة وما معها أحد من خلق الله تعالى حتى إذا كانت بالتنعيم لقيها عثمان بن طلحة أي الحجبي صاحب مفتاح الكعبة وكان عثمان بن طلحة يومئذ مشركا ثم أسلم رضي الله تعالى عنه في هدنة الحديبية وهاجر مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص كما سيأتي فتبعها إلى المدينة حتى إذا وافى على قباء قال لها هذا زوجك هنا ثم انصرف وهي أول ظغينة دخلت من المهاجرين المدينة رضي الله تعالى عنها وكانت أم سلمة تقول ما رأيت صاحبا أكرم من عثمان بن طلحة قال وقال ابن إسحاق وابن سعد ثم كان أول من قدمها بعد أبي سلمة عامر بن
____________________

ربيعة ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بالحاء المهملة المفوحة وسكون الثاء المثلثة وهي أول ظعينة قدمت المدينة اه
أقول فأم سلمة أول ظعينة قدمت المدينة لا مع زوجها وليلى أول ظعينة قدمت المدينة مع زوجها فلا منافاة
وفي كلام ابن الجوزي أول من هاجر إلى المدينة من النساء أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط والله أعلم
قال بينت أي أم سلمة ما تقدم عنها في حق عثمان بن طلحة بقولها فإنه لما رآني قال إلى أين قلت إلى زوجي قال أو ما معك أحد قلت لا ما معي إلا الله وابني هذا فقال والله لا أتركك ثم أخذ بخطام البعير وسار معي فكان إذا وصلنا المنزل أناخ بي ثم استأخر فإذا نزلت جاء وأخذ بعيري فحط عنه ثم قيده في الشجرة ثم أتى إلى شجرة فاضطجع تحتها فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فرحله وقدمه ثم استأخر عني وقال اركبي فإذا ركبت أخذ بخطأمه فقادني اه
أي وقد قال فقهاؤنا من الصغائر مسافرة المرأة بغير زوج ولا محرم ولا امرأة ثقة في غير الهجرة وفرض الحج والعمرة أما في ذلك فيجوز حيث أمنت الطريق

وقلنا لا معهم لا ينافى أن أول من قدم المدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير لأن قدومه كان معهم على ما تقدم أو يقال أبو سلمة أول من قدم المدينة بوازع طبعه وأما مصعب فكان بإرسال منه صلى الله عليه وسلم ثم رأيت في السيرة الهشامية أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليهن وسلم من بني مخزوم أبو سلمة وعليه فلا إشكال ثم جاء عمار وبلال وسعد
وفي رواية ثم قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إرسالا بعد العقبة الثانية فنزلوا على الأنصار في دورهم فأووهم وواسوهم ثم قدم المدينة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعياش بن أبي ربيعة في عشرين راكبا وكان هشام بن العاص واعد عمر بن الخطاب أن يهاجر معه وقال تجدني أو أجدك عند محل كذا فتفطن بهشام قومه فحبسوه عن الهجرة
وعن علي رضي الله تعالى عنه الله قال ما علمت أحدا من المهاجرين هاجر إلا مختفيا
____________________

إلا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فإنه لما هم بالهجرة تقلد بسيفه وتنكب قوسه وانتضى في يديه أسهما واختصر عنزته أي وهي الحربة الصغيرة علقها عند خاصرته ومضى قبل الكعبة والملأ من قريش بفنائها فطاف بالبيت سبعا ثم أتى المقام فصلى ركعتين ثم وقف على الحلق واحدة واحدة فقال شاهت الوجوه لا يرغم الله إلا هذه المعاطس أي الأنوف من أراد أن تثكله أمه أي تفقده او يوتم ولده أو ترمل زوجته فليلقنى وراء هذا الوادي قال علي رضي الله تعالى عنه فما تبعه أحد ثم مضى لوجهه ثم إن أبا جهل وأخاه شقيقه الحارث بن هشام رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك يوم الفتح قدما المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة لم يهاجر فكلما عباس بن أبي ربيعة وكان أخاهما لأمهما وابن عمهما كان أصغر ولد أمه وأخبراه أن أمه قد نذرت أن لا تغسل رأسها وفي لفظ ولا يمس رأسها مشط ولا تستظل من شمس حتى تراه أي وفي لفظ أن لا تاكل ولا تشرب ولا تدخل مسكنا حتى يرجع إليها وقالا له وأنت أحب ولد أمك إليها وأنت في دين منه بر الوالدين فارجع إلى مكة فاعبد ربك كما تعبده بالمدينة فرقت نفسه وصدقهما أي واخذ عليهما المواثيق أن لا يغشياه بسوء وقال له عمر إن يريدا إلا فتنتك عن دينك فاحذرهما والله لو آذى أمك القمل امتشطت ولو اشتد عليها حر مكة لاستظلت فقال عياش أبر امي ولي مال هناك آخذه فقال عمر خذ نصف مالي ولا تذهب معهما فأبى إلا ذلك فقال له عمر فحيث صممت فخذ ناقتي هذه فإنها نجيبة ذلول فالزم ظهرها فإن رابك منهما ريب فانج عليها فأبى ذلك وخرج راجعا معهما إلى مكة فلما خرجا من المدينة كتفاه بتخفيف التاء أي شدا يديه إلى خلف بالكتاف في الطريق أي وفي السيرة الهشامية أنه أخذ الناقة وخرج عليها معهما حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل يا أخي والله لقد استغلظت بعيري هذا أفلا تعقبني على ناقتك هذه قال بلى قال فاناخ وأناخ ليتحول عليها فلما استووا بالأرض عدوا عليه وأوثقاء رباطا ودخلا به مكة نهارا موثقا وقالا يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفهائنا وفي لفظ بسفيهنا فجلس بمكة مع هشام بن العاص فإنه كما تقدم منه وحبس عن الهجرة وجعل كل في قيد
وفي لفظ أنهما لما ذكرا له أن أمه حلفت أن لا يظلها سقف بيت حتى تراه وأعطياه موثقا أن لا يمنعاه وان يخليا سبيله بعد أن تراه أمه فانطلق معهما حتى إذا خرجا من
____________________

المدينة عمدا إليه فشداه وثاقا وجلداه نحوا من مائة جلدة وكان أعانهما عليه رجل من بني كنانة أي يقال له الحارث بن يزيد القرشي وفي كلام ابن عبد البر أنه كان ممن يعذبه بمكة مع أبي جهل
وفي الينبوع جلده كل واحد منهما مائة جلدة وأنه لما جيء به إلى مكة ألقي في الشمس وحلفت أمه أنه لا يحل عنه حتى يرجع عن دينه ففتن قيل وكان ذلك سبب نزول قوله تعالى { ووصينا الإنسان بوالديه } الآية
وفيه أنه نقدم أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص إلا أن يقال يجوز أن يكون مما تكرر نزوله فتكون نزلت فيهما وحلف عياش ليقتلن ذلك الرجل إن قدر عليه قيل ولم يزل عياش محبوسا حتى فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فخرج عياش فلقي ذلك الرجل الكناني وكان قد أسلم وعياش لا يعلم بإسلأمه فقتله وأعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأنزل الله تعالى { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم وقال لعياش قم فحرر أي أعتق رقبة وما ذكر من أن عياشا استمر محبوسا إلى الفتح يخالف قول بعضهم مكث صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة كما سيأتي أربعين صباحا يقنت في صلاة الصبح بعد الركوع أي من الركعة الاخيرة وكان يقول في قنوته اللهم أنج الوليد بن الوليد وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص والمستضعفين من المؤمنين بمكة الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فإن هذا يدل على أن هشام ابن العاص وعياش بن أبي ربيعة لم يفتتنا ولم يرجعا عن الإسلام وفي السيرة الهشامية ما يفيد أنهما فتنا الأول صريحا والثاني ظاهرا
وفي السيرة الهشامية التصريح بافتتانهما وفيه نظر لما ذكر ولأنهما لو كان فتنا لأطلقا من الحبس والقيد وإدامة ذلك إلا أن يقال فعل بهما ذلك بعدم الوثوق برجوعهما عن الإسلام ومما يدل على أن رجوعهما عن الإسلام إن صح إنما كان ظاهرا فقط دعاؤه صلى الله عليه وسلم لهما
أي وسيأتي أن الوليد كان سببا لتخليص عياش بن أبي ربيعة وهشام بن أبي العاص بعد أن تخلص من الحبس وهاجر إلى المدينة فإن الوليد كان أسر ببدر ثم افتداه أخوه خالد وهشام ابنا الوليد بن المغيرة وذهبا به إلى مكة فأسلم وأراد الهجرة فحبساه بمكة وقيل له هلا أسلمت قبل أن تفدي قال كرهت أن يظن في أني جزعت من الأسر ثم نجا وتوصل
____________________

إلى المدينة ورجع إلى مكة مستخفيا وخلص عياشا وهشاما وجاء بهما إلى المدينة فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وشكر صنيعه وبه يعلم ضعف ما تقدم من أن عياشا لم يزل محبوسا إلى يوم الفتح
وممن هاجر قبل النبي صلى الله عليه وسلم سالم مولى أبي حذيفة بن عبتة بن ربيعة أي لأنه لما أعتقته زوجة أبي حذيفة وكانت أنصارية تبناه أبو حذيقة وكان يؤم المهاجرين بالمدينة فيهم عمر بن الخطاب لأنه كان أكثرهم أخذا للقرآن فكان عمر بن الخطاب يثني عليه كثيرا حتى قال لما أوصى عند قتله لو كان سالم مولى أبي خذيفة حيا ما جعلتها شورى قال ابن عبد البر معناه أنه كان يأخذ برأيه فيمن يوليه الخلافة أي فإنه قتل في يوم اليمامة وأرسل عمر بميراثه لمعتقته فأبت ان تقبله فجعله في بيت المال
ولما أراد صهيب الهجرة إلى المدينة أي بعد أن هاجر إليها صلى الله عليه وسلم خلافا لما يوهمه كلام الأصل والشامي قال له كفار قريش أتيتنا صعلوكا فقيرا فكثر مالك عندنا ثم تريد أن تخرج بمالك لا والله لا يكون ذلك فقال لهم صهيب أرايتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي قالوا نعم قال فإني جعلته لكم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ربح صهيب
أقول وذكر أن صهيبا تواعد معه صلى الله عليه وسلم أن يكون معه في الهجرة فلما أراد صلى الله عليه وسلم الخروج للغار أرسل إليه أبا بكر مرتين أو ثلاثا فوجده يصلي فكره أن يقطع عليه صلاته كما سيأتي وحينئذ يكون قول صهيب المذكور بعد هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كما تقدم وهو ما في الخصائص الكبرى عن صهيب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وخرج معه أبو بكر وقد كنت هممت بالخروج معه فصدني قتيان من قريش أي بعد أن أردت الخروج بعده وقالوا له جئتنا فقيرا حقيرا صعلوكا فكثر مالك عندنا وتريد أن تخرج بمالك ونفسك لا يكون ذلك أبدا قال فقلت لهم أنا أعطيكم أواقي من الذهب وفي لفظ ثلث مالي وفي لفظ مالي وتخلون سبيلي ففعلوا فقلت احفروا تحت أسكفة الباب فإن تحتها الأواقي وخرحت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء قبل أن يتحول منها فلما رآني قال يا أبا يحيى ربح البيع ثلاثا فقلت يا رسول الله إنه ما سبقني إليك أحد وما أخبرك إلا جبريل عليه الصلاة والسلام
____________________


أي وأخراج أبو نعيم في الحلية عن سعيد بن المسيب قال أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخذ سيفه وكنانته وقوسه فاتبعه نفر من قريش فنزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته ثم قال يا معشر قريش قد علمتم أني من أرحاكم رجلا وأيم الله لا تصلون إلى حتى أرمي بكل سهم في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ثم افعلوا ما شئتم وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة وخليتم سبيلي فقالوا نعم فقال لهم ما تقدم وفي رواية أنهم قالوا له دلنا على مالك ونخلي عنك وعاهدوه على ذلك ففعل
وذكر بعض المفسرين أن المشركين أخذوه وعذبوه فقال لهم إني شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أم من غيركم فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني وتتركوا لي راحلة ونفقة ففعلوا ونزل قوله تعالى ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله قال فلما قدمت وجدت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر جالسين فلما رآني أبو بكر قام إلي فبشرني بالآية التي نزلت في أي وفي رواية فتلقاني أبو بكر وعمر ورجال فقال لي أبو بكر ربح بيعك أبا يحيى فقلت وبيعك هلا تخبرني ماذاك فقال أنزل الله فيك كذا وقرأ علي الآية
وفي تفسير سهل بن عبد الله التستري أن صهيبا كان من المشتاقين لم يكن له قرار كان لا ينام لا باللييل ولا بالنهار
وقد حكى أن امرأة اشترته فرأته كذلك فقالت لا ارضى حتى تنام بالليل لأنك تضعف فلا يتهيأ لك الاشتغال بأعمالي فبكى وقال إن صهيبا إذا ذكر النار طار نومه وإذا ذكر الجنة جاء شوقه وإذا ذكر الله طال شوقه أي وليتأمل هذا مع ما في تاريخ ابن كثير أن الروم أغارت على بلاد صهيب وكانت على دجلة وقيل على الفرات فأسرته وهو صغير ثم اشتراه منهم بنو كلب فحملوه إلى مكة فابتاعه عبد الله بن جدعان فأعتقه واقام بمكة حينا فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم وكان إسلامه وإسلام عمار بن ياسر في يوم واحد وقد يقال يجوز أن تكون تلك المرأة التي اشترته كانت من بني كلب
وعن صهيب رضي الله تعالى عنه صحبت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه وأنه قال له عمر رضي الله تعالى عنه يا صهيب اكتنيت وليس لك ولد فقال كناني
____________________

رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي يحيى فهو من جملة من كناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ولد له وكان في لسانه عجمة شديدة وكان فيه دعابة رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل قثاء ورطبا وهو أرمد إحدى عينيه فقال له تأكل رطبا وأنت أرمد فقال إنما آكل من ناحية عيني الصحيحة فضحك صلى الله عليه وسلم
وفي المعجم الكبير للطبراني عن صهيب قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه تمر وخبز فقال ادن فكل فأخذت آكل من التمر فقال لي أتأكل التمر وعينك رمدة فقلت يا رسول الله أمصه من الناحية الأخرى فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ولا مانع من التعدد ولما أذن صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة وهاجروا مكث صلى الله عليه وسلم بعد أصحابه ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه إلا على بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وابو بكر أي وصهيب كما علمت ومن كان محبوسا أو مريضا أو عاجزا عن الخروج وكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه كثيرا ما يستاذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبا فيطمع أبو بكر أن يكون هو وفي رواية تجهز أبو بكر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي فقال له أبو بكر هل ترجو ذلك بأبي أنت وأمي قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين عنده الخبط أي وفي لفظ ورق السمر بفتح المهملة وضم الميم قال الزهري وهو الخبط قال ابن فارس والخبط ما يخبط بالعصا فيسقط من روق الشجر وكان مدة علفها أربعة أشهر وكان اشتراهما بثمانمائة درهم
أقول ظاهر هذا السياق أن علفه للراحلتين كان بعد قول المصطفى صلى الله عليه وسلم له ما ذكر ومعلوم أن ذلك بعد مبايعة الأنصار له صلى الله عليه وسلم والمدة بين مبايعة الأنصار له صلى الله عليه وسلم والهجرة كانت ثلاثة أشهر أو قريبا منها لأنها كانت في ذي الحجة ومهاجرته صلى الله عليه وسلم كانت في ربيع الأول
وفي السيرة الشامية ما يصرح بأن علفه للراحلتين كان بعد قول المصطفى صلى الله عليه وسلم له ما ذكر ففيها أنه صلى الله عليه وسلم لما قال لأبي بكر وقد استأذنه في الهجرة لأتعجل لعل الله يجعل لك صاحبا طمع بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يعني نفسه فابتاع راحلتين فحبسها في داره يعلفهما إعدادا لذلك وسيأتي عن الحافظ ابن حجر
____________________

أن بين ابتداء هجرة الصحابة وبين هجرته صلى الله عليه وسلم شهرين ونصف شهر على التحرير والله أعلم
فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صار له شيعة أي أنصار وأصحاب من غيرهم ورأوا خروج أصحابه إليهم وأنهم أصابوا منعة لأن الانصار قوم أهل حلقة أي سلاح وبأس حذروا أي خافوا أن يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يجمع على حربهم فاجتمعوا في دار الندوة يتاشورون فيما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت محل مشورتهم لا يقطعون أمرا الا فيها أي وهي أول دار بنيت بمكة كانت منزل قصي بن كلاب كما تقدم ثم صارت لولده عبد الدار ثم ابتاعها معاوية لما حج وهو خليفة من أولاد عبد الدار
وتقدم أن معاوية إنما اشتراها من حكيم بن حزام ويدل لذلك ما جاء عن مصعب ابن عبد الله قال جاء الإسلام ودار الندوة بيد حكيم بن حزام فباعها من معاوية بن أبي سفيان بمائة ألف درهم فقال له عبد الله بن الزبير بعت مكرمة قريش فقال له حكيم ذهبت المكارم إلا التقوى يا ابن أخي إلى آخر ما تقدم وكانت دار الندوة جهة الحجر عند المقام الحنفي الآن وكان لها باب للمسجد وكان لا يدخلها عند المشورة من ولد قصي إلا ابن أربعين سنة
وفي كلام بعضهم ساد أبو جهل وما طر شاربه ودخل دار الندوة وما استدارت لحيته وقد أدخلت في المسجد قيل لها دار الندوة لاجتماع الندى وهو الجماعة فيها وكان ذلك اليوم يسمى يوم الرحمة لأنه اجتمع فيه أشراف بني عبد شمس وبني نوفل وبني عبد الدار وبني أسد وبني مخزوم وبني سهم وبني جمح وغيرهم مما لا يعد من قريش ولم يتخلف من أهل الرأي والحجا أحد ثم إن إبليس جاء إليهم في صورة شيخ نجدي عليه طيلسان من خز وقيل من صوف أي وإنما فعل ذلك ليقبل منه ما يشير به لأن أهل الطيالسة في العادة من أهل الوقار والمعرفة ووقف ذلك الشيخ على الباب فقالوا له من الشيخ قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي اجتمعتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأيا ونصحا قالوا أجل أي نعم فادخل فدخل معهم أي وإنما قال لهم من أهل نجد لأن قريشا قالوا لا يدخلن معكم في المشاورة أحد من أهل تهامة لأن هواهم كان مع محمد صلى الله عليه وسلم
____________________

قيل لما سمعهم يقولون لا يدخل معكم اليوم إلا من هو معكم قال لهم لما سألوه وقالوا له من أنت قال شيخ من نجد وأنا ابن أختكم فقالوا ابن أخت القوم منهم
قيل إن إبليس لما دخل عليهم أنكروه وقالوا له من أنت وما أدخللك علينا في خلوتنا هذه بغير إذننا فقال إني رجل من أهل نجد رأيتكم حسنة وجوهكم طيبة ريحكم فأحببت أن أجلس إليكم وأسمع كلامكم فإن كرهتم ذلك خرجت عنكم فقال بعضهم لبعض هذا نجدي ولا عين عليكم منه وفي لفظ هذا من أهل نجد لا من مكة فلا يضركم حضوره معكم وعند المشورة قال بعضهم لبعض إن هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم قد كان من أمره ما قد رأيتم وإنا والله لا نأمنه الوثوب علينا بمن قد ابتعه من غيرنا فأجمعوا فيه رأيا فتشاوروا فقال قائل أي وهو أبو البختري بن هشام احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابا ثم تربصوا به ما اصاب أشباهه من الشعراء حتى يصيبه ما أصابهم من هذا الموت فقال الشيخ النجدي لا والله ما هذا لكم براي والله لو حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلا تشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم ثم يكاثروكم حتى يبلغوكم على أمركم ما هذا براي فأنظروا رايا غيره فتشاوروا فقال قائل منهم أي وهو الأسود بن ربيعة بن عمير نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا فإذا خرج عنا فوالله ما نبالي أين يذهب فقال الشيخ النجدي والله ما هذا براي ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي الله به والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل بفتح أوله وضم الحاء المهملة أي ينزل ويجوز أن يكون بكسرها أي يسقط على حي من العرب فيغلب بذلك عليهم من قوله وحديثه حتى يبايعوه ثم يسير به إليكم حتى يطأكم به فيأخذوا أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد دبروا فيه رايا غير هذا فقال أبو جهل بن هشام والله إني لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد قالوا وما هو يا أبا الحكم قال الرأي أن تأخذوا من كل قبيلة شابا جلدا أي قويا حسيبا في قومه نسيبا وسطا ثم يعطى كل فتى منهم سيفا صارما ثم يغدون إليه فيضربونه ضربة رجل واحد فيقتلونه فنستريح منه فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا قلم تقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فيرضوا منا بالعقل أي الدية فعقلنا لهم فقال النجدي القول ما قال هذا الرجل هذا هو الرأي ولا ارى غيره فتفرق القوم على ذلك فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

فقال لا تبت هذه الليلة في فراشك الذي كنت تبيت عليه أي وأخبره بمكرهم وأنزل الله عز وجل عليه { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك } الآية فلما كان عتمة من الليل أي الثلث الأول من الليل اجتمعوا على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرصدونه حتى ينام فيثبتوا عليه أي وكانوا مائة
أقول في الدر المنثور أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي خاتم عن عبيد بن عمير لما ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه قال له أبو طالب هل تدري ما ائتمروا بك قال يريدون أن يحبسوني أو يقتلوني أو يخرجوني قال من حدثك بهذا قال ربي قال نعم الرب وربك فاستوص به خيرا قال أنا أستوصى به بل هو يستوصي بي هذا كلامه ولم يتعقبه بأن هذا كان بعد موت أبي طالب قال وكان ائتمارهم يوم السبت
فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم السبت فقال مكر وخديعة قالوا ولم يا رسول الله قال إن قريشا أرادوا أن يمكروا فيه بي أي أرادوا فيه المكر فأنزل الله تعالى { وإذ يمكر بك الذين كفروا }
وفي سيرة الحافظ الدمياطي فاجتمع أولئك القوم من قريش يتطلعون من صير الباب أي شقه ويرصدونه يريدون بياته أي يوقعون به الأمر ليلا ويأتمرون أيهم يحمل على المضطجع وفيه أن ائتمارهم في ذلك لا يناسب ما اجتمع رأيهم عليه من أنهم يجتمعون على قتله ليتفرق دمه في القبائل
ثم رأيت بعضهم قال وأحدقوا ببابه صلى الله عليه وسلم وعليهم السلاح يرصدون طلوع الفجر ليقتلوه ظاهرا فيذهب دمه لمشاهدة بني هاشم قاتله من جميع القبائل فلا يتم لهم أخذ ثأره وهو المناسب لما ذكر والله اعلم
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم أي علم ما يكون منهم قال لعلي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه نم على فراشي واتشح بردائي هذا الحضرمي وقد كان يشهد فيه العيدين وقد كان طوله أربعة أذرع وعرضه ذراعان وشبر وهل كان أخضر أو أحمر يدل للثاني قول جابر كان يلبس رداء أحمر في العيدين والجمعة ثم رأيت في بعض الروايات أنه كان أخضر فلينظر الجمع
وفي سيرة الدمياطي وارتد بردائي هذا الأحمر والحضرمي منسوب إلى حضرموت
____________________

التي هي البلدة أو القبيلة باليمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسجى بذلك البرد عند نومه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم
أقول وأما ما روى أن الله تعالى أوحى إلى جبريل ومكائيل إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة فاختار كلاهما الحياة فأوحى الله إليهما ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم فبات على فراشه ليفديه بنفسه ويؤثره بالحياة اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فنزلا فكان جبريل عند رأسه وميكائيل عند رجليه فقال جبريل بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب باهى الله بك الملائكة وأنزل الله عز وجل ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله قال فيه الإمام ابن تيمية إنه كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسير
وأيضا قد حصلت له الطمأنينة بقول الصادق له لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم فلم يكن فيه فداء بالنفس ولا إيثار بالحياة والآية المذكورة في سورة البقرة وهي مدنية باتفاق وقد قيل إنها نزلت في صهيب رضي الله تعالى عنه لما هاجر أي كما تقدم لكنه في الإمتاع لم يذكر أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي ما ذكر وعليه فيكون فداؤه للنبي صلى الله عليه وسلم بنفسه واضحا ولا مانع من تكرر نزول الآية في حق علي وفي حق المصطفى صلى الله عليه وسلم وفي حق صهيب بمعنى اشترى أي اشترى نفسه بماله ونزول هذه الآية بمكة لا يخرج سورة البقرة عن كونها مدنية لأن الحكم يكون للغالب
وفي السبعيات أنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى أصحابه وقال أيكم يبيت على فراشي وأنا أضمن له الجنة فقال علي أنا ابيت وأجعل نفسي فداءك هذا كلامه ولعله لا يصح
ثم رايت في الإمتاع ما يدل لعدم الصحة وهو قال ابن إسحاق ولم يعلم فيما بلغني بخروجه صلى الله عليه وسلم حين خرج إلا علي وأبو بكر الصديق فليتأمل والله تعالى أعلم
وكان في القوم الحكم بن أبي أبي العاص وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وأمية
____________________

ابن وزمعة بن الأسود وأبو لهب وأبو جهل فقال وهم على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ثم بعثتم بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن أي بضم الهمزة وتشديد النون وهو محل بأرض الشام يقرب بيت المقدس وإن لم تفعلوا كان فيكم ذبح ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم نار تحترقون فيها وسمعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج عليهم وهو يقول نعم أنا أقو ذلك وأخذ حفنة من تراب وتلا قوله تعالى { يس والقرآن الحكيم } إلى قوله { فأغشيناهم فهم لا يبصرون } فأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه فلم يروه
وفي مسند الحارث بن أبي أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر في فضل يس أنها إن قرأها خائف أمن أو جائع شبع أو عار كسى أو عاطش سقى أو سقيم شفى وعند خروجه صلى الله عليه وسلم جعل ينثر التراب على رءوسهم فلم يبق رجل إلا وضع على رأسه ترابا ثم انصرف إلى حيث أراد فأتاهم آت فقال ما تنتظرون ههنا قالوا محمدا فقال قد خيبكم الله والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلا وضع على رأسه ترابا وانطلق لحاجته أفما ترون ما بكم قال فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب قال في النور وهذا يعارضه حديث مارية خادم النبي صلى الله عليه وسلم تكنى أم الرباب أنها طأطأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد حائطا ليلة فر من المشركين وينبغي أن يوفق بينهما إن صحا وإلا فالعبرة بالصحيح منهما هذا كلامه
أقول التوفيق حاصل وهو أنه يجوز أنه يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يحب أن يخرج عليهم من الباب فتسور الحائط التي نزل منها عليهم والله أعلم أي وكان ذهابه صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم في تلك الليلة إلي بيت أبي بكر رضي الله تعالى عنه فكان فيه إلى الليل أي إلى الليلة المقبلة ثم خرج هو وأبو بكر رضي الله عنه ثم مضيا إلى جبل ثور كذا في سيرة الدمياطي ثم أي بعد إخبارهم بخروجه صلى الله عليه وسلم ووضعه التراب على رءوسهم جعلوا يطلعون فيرون عليا نائما على الفراش مسجى ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون والله إن هذا محمد نائما عليه برده فلم يزالوا كذلك أي يريدون أن يوقعوا به بالفعل والله مانع لهم من ذلك حتى أصبحوا واتضح النهار
____________________

فقام علي رضي الله تعالى عنه عن الفراش فقالوا والله لقد صدقنا الذي كان حدثنا أي ولما قام علي رضي الله تعالى عنه سألوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا علم لي به وفي رواية فلما أصبحوا صاروا إليه يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأوا عليا رضي الله تعالى عنه رد الله تعالى مكرهم فقالوا أين صاحبك قال لا أدري فأنزل الله تعالى قوله { أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون } وأنزل الله عز وإذ يمكر بك الذي كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين كذا في الأصل تبعا لابن إسحاق ولا يخفى أن الآية الثانية موفية بما ذكروه من المشاورة
قال والمانع من اقتحام الجدار عليه في الدار مع قصر الجدار وقد جاءوا لقتله أنهم هموا بذلك فصاحت امرأة من الدار فقال بعضهم لبعض إنها لسبة في العرب أن يتحدث عنا أنا تسورنا الحيطان على بنات العم وهتكنا ستر حرمتنا انتهى
أقول لا يخفى أن هذا لا يناسب ما قدمناه عن بعضهم أنهم إنما أرادوا قتله صلى الله عليه وسلم عند طلوع الفجر ليظهر لبني هاشم قاتلوه فلا يثبوا عليه لئلا يتسور الجدار إلا أن يقال إرادة ذلك منهم كانت عند طلوع الفجر ووجود الأسباب المانعة لهم من الوثوب عليه لا ينافى أن المانع لهم عن الوثوب عليه الذي جاءوا بصدده وهم مائة رجل من صناديد قريش إنما هي حماية الله تعالى الموجبة لخذلانهم وإظهار عجزهم وفي ذلك تصديق لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال لعلي لا يخلص إليك شيء تكرهه منهم على ما تقدم والمراد بقول بعضهم كان المشركون يرمونه بأبصارهم لا بنحو حجارة أو نبل كما لا يخفى
فإن قيل هلا نام صلى الله عليه وسلم على فراشه قلنا لو فعل ذلك لفات إذلالهم بوضع التراب على رءوسهم وإظهار حماية الله تعالى له بخروجه عليهم ولم يبصره أحد منهم وفي رواية أنهم تسوروا عليه صلى الله عليه وسلم ودخلوا شاهرين سيوفهم فثار في وجوههم فعرفوه فقالوا هو أنت أين صاحبك فقال لا أدري وهذا مخالف لما تقدم فلينظر الجمع بناء على صحة هذا
وفي لفظ أمروه بالخروج فضربوه وأدخلوه المسجد وحبس به ساعة ثم خلوا عنه والله أعلم
____________________

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن له في الهجرة إلى المدينة أي وأنزل الله تعالى عليه { وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا } قال زيد بن اسلم جعل الله عز وجل مدخل صدق المدينة ومخرج صدق مكة وسلطانا نصيرا الأنصار
ويعارضه ما جاء أن عند رجوعه صلى الله عليه وسلم من تبوك إلى المدينة قال له جبريل سل ربك فإن لكل نبي مسالة فقال ما تأمرني أن أسأله قال قل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا فأنزل الله تعالى عليه ذلك في رجعته م نتبوك بعد من ختمت السورة أي إلا أن يدعى تكرار النزول وعند الإذن له صلى الله عليه وسلم في الهجرة قال لجبريل من يهاجر معي قال جبريل أبو بكر الصديق
أي ومن الغريب قول بعضهم ومن ذلك اليوم سماه الله تعالى صديقا فقد تقدم أن تسميته بذلك كان عند تصديقه له صلى الله عليه وسلم عند إخباره بالإسراء وعن صفة بيت المقدس
ومن الغريب أيضا ما في السبعيات أن النبي صلى الله عليه وسلم تشاور مع أصحابه فقال أيكم يوافق معي ويرافقني فقد أمرني الله تعالى بالخروج من مكة إلى المدينة فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه أنا يا رسول الله
ويرده ما في السير أنه صلى الله عليه وسلم أتى أبا بكر ذات يوم ظهرا فناداه فقال أخرج من عندك فقال يا رسول الله إنما هما ابنتاي يعني عائشة وأسماء رضي الله تعالى عنهما قال شعرت أي علمت أنه قد أذن لي في الهجرة فقال يا رسول الله الصحبة أي أسألك الصحبة فقال أي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحبة أي لك الصحبة عندي فانطلقا أي ليلا كما تقدم عن سيرة الدمياطي لكن تقدم عنها أنه دخل بيت أبي بكر في ليلة خروجه من على فراشه وأنه مكث ببيت ابي بكر إلى الليلة القابلة التي كان فيها خروجه صلى الله عليه وسلم إلى جبل ثور فيحتاج إلى الجمع
وقد يقال إن مجيئه صلى الله عليه وسلم ظهرا كان قبل تلك الليلة ومع خروجهما خرجا مستخفين حتى أتيا الغار وهو بجبل ثور فتواريا فيه
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال عند خروجه من
____________________

مكة أي متوجها إلى المدينة والله إني لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله وأكرمها على الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت
أي وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم وقف أي على راحتله بالحزورة ونظر إلى البيت وقال والله إنك لأحب أرض الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك قهرا ما خرجت
وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم وقف في وسط المسجد والتفت إلى البيت فقال إني لأعلم ما وضع الله بيتا أحب إلى الله منك وما في الأرض بلد أحب إليه منك وما خرجت منك رغبة ولكن الذين كفروا أخرجوني
أي وهذا السياق يدل على أن وقوفه صلى الله عليه وسلم على الحزورة أو في وسط المسجد يقتضي أنه جاء بعد خروجه من الغار إلى ما ذكر ثم ذهب إلى المدينة وفي رواية وقف صلى الله عليه وسلم على الحجون وقال والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولو لم أخرح منك ما خرجت وفي لفظ ولو تركت فيك لما خرجت منك ولا مانع من تكرر ذلك ثم رأيت في كلام بعضهم أن وقوفه صلى الله عليه وسلم على الحجون كان في عام الفتح وفي لفظ آخر قال لمكة ما أطيبك من بلدة وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني ما سكنت غيرك
أي وفي جمال القراء للسخاوي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توجه مهاجرا إلى المدينة وقف ونظر إلى مكة وبكى فأنزل الله عز وجل عليه { وكأين من قرية هي أشد قوة } الآية
وأما ما روى الحاكم عن أبي هريرة مرفوعا اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إلي فأسكني في أحب البقاع إليك فقال الذهبي إنه موضوع وقال ابن عبد البر لا يختلف أهل العلم أنه منكر موضوع
أقول والذي رأيته عن المستدرك للحاكم اللهم إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إلي فأسكني أحب البلاد إليك والمعنى واحد وإليه ما روى عن الزهري اللهم إنك أخرجتني من أحب البلاد إلي فاسكني أحب البلاد إليك استند من قال بتفضيل المدينة على مكة قال لأن الله تعالى أجاب دعاءه فأسكنه المدينة قيل وعليه جمهور العلماء ومنهم الإمام مالك رضي الله تعالى عنه وإلى الأحاديث الأول استند من
____________________


قال بتفضيل مكة على المدينة وهم الجمهور ومنهم إمامنا الشافعى رضى الله تعالى عنه واستندوا فى ذلك إلى أنه صلى الله عليه وسلم قال فى حجة الوداع أى بلد تعلمونه أعظم حرمة قالوا لا نعلم إلا بلدنا هذه يعنون مكة وهذا إجماع من الصحابة أقرهم عليه صلى الله عليه وسلم أنها أى مكة أفضل من سائر البلاد لأن ما كان أعظم حرمة فهو أفضل وقد قال صلى الله عليه وسلم المقام بمكة سعادة والخروج منها شقاوة وقال صلى الله عليه وسلم من صبر على حر مكة ساعة من نهار تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام
قال ابن عبد البر وإنى لأعجب ممن ترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله والله إنى لأعلم أنك خير أرض وأحبها إلى الله ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت وهذا حديث صحيح ويميل إلى تأويل لا يجامع ما تأوله عليه أى ولأن الحسنه فيها بمائة ألف حسنة فعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من حج ماشيا كتبت له بكل خطوه سبعمائة حسنة من حسنات الحرم قيل وما حسنات الحرم قال الحسنة فيه بمائة ألف حسنة
والكلام فى غير ماضم أعضاءه الشريفة صلى الله عليه وسلم من أرض المدينة وإلا فذاك أفضل بقاع الأرض بالإجماع بل حتى من العرش والكرسى
على أن صاحب عوارف المعارف ذكر أن الطوفان موج تلك التربة المكرمة عن محل الكعبة حتى أرساها بالمدينة فهى من جملة أرض مكة وحينئذ لا يحسن الاستنادفى تفضيل المدينة على مكة بقول أبى بكر رضى الله تعالى عنه إنهم لما اختلفوا فى أى محل يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبضه الله إلا فى أحب البقاع إليه ليدفن فيه كما سيأتى والله أعلم
وعن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت بينا نحن جلوس يوما فى بيت أبى بكر الصديق فى نحر الظهيرة أى وسطها وهو وقت الزوال قال قائل لأبى بكر أى وهذا القائل هى أسماء بنت أبى بكر وفى كلام بعض الحفاظ يحتمل أن يفسر بعامر بن فهيرة أى مولى أبى بكر قالت أسماء قلت يا أبت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعا أى متطيلسا فى ساعة لم يكن يأتينا فيها أى فعن عائشة رضى الله تعالى عنها لم يمر علينا يوم أى قبل الهجرة إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفى النهار بكرة وعشيا
____________________

وفى لفظ كان لا يخطئ أن يأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أبى بكر أحد طرفى النهار إما بكرة وإما عشيا أى ويحتاج إلى الجمع بين هاتين الروايتين على تقدير صحة الثانية وإلا فالأولى فى البخارى وتفسير التقنع بالتطيلس ذكره الحافظ ابن حجر حيث قال قوله متقنعا أى متطيلسا وهو أصل فى لبس الطيلسان هذا كلامه
واعترضه ابن القيم حيث قال لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه لبس الطيلسان ولا أحد من أصحابه وحينئذ لا يكون القناع هنا هو الطيلسان بل التقنع تغطية الرأس وأكثر الوجه بالردء من غير أن يجعل منه شئ تحت رقبته الذى يقال له التحنيك وحمل قول ابن القيم المذكورعلى الطيلسان المقور التى تلبسها اليهود قال بعضهم وهذا الطيلسان المقور هو المعروف بالطرحة وقد اتخذت خلفاء بنى العباس الطرحة السوداء على العمامة عند الخطبة واستمر ذلك شعارا للخلفاء
فالحاصل أن ما يغطى به الرأس مع اكثر الوجه إن كان معه تحنيك أى إدارة على العنق قيل له طيلسان وربما قيل له رداء مجازا وإن لم يكن معه تحنيك قيل له رداء أو قناع وربما قيل له مجازا طيلسان وهو ما كان شعارا فى القديم لقاضى القضاة الشافعى خاصة قال بعضهم بل صار شعارا للعلماء ومن ثم صار لبسه يتوقف على الإجازة من المشايخ كالإفتاء والتدريس وكان الشيخ يكتب فى إجازته وقد أذنت له فى لبس الطيلسان لأنه شهادة بالأهلية وما يجعل على الأكتاف دون الرأس يقال له رداء فقط وربما قيل له طيلسان أيضا مجازا وصح عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه وله حكم المرفوع التقنع من أخلاق الأنبياء وقد ذكر بعضهم أن الطيلسان الخلوة الصغرى وفى حديث لا يتقنع إلا من استكمل الحكمة فى قوله وفعله وكان ذلك من عادة فرسان العرب فى المواسم والجموع كالأسواق
وأول من لبس الطيلسان بالمدينة جبير بن مطعم رضى الله تعالى عنه وعن الكفاية لابن الرفعة أن ترك الطيلسان للفقيه مخل بالمروءة أى وهو بحسب ما كان فى زمنه رحمه الله وفى الترمذى لم تكن عادته صلى الله عليه وسلم التقنع إنما كان يفعله لحر أو برد وتعقب بأن فى حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان يكئر التقنع وفى طبقات ابن سعد مرسلا أنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا ثوب لا يؤدى شكره أى لأن فيه غض البصر ومن ثم قيل إنه الخلوة الصغرى كما تقدم
____________________


ولما قيل لأبى بكر رضى الله تعالى عنه ذلك أى هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعا قال أبو بكر فدا له أبى وأمى والله ما جاء به فى هذه الساعة إلا أمر قال فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل أى وتنحى أبو بكر عن سريره وجلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبى صلى الله عليه وسلم لأبى بكر رضى الله تعالى عنه أخرج من عندك قال أبو بكر إنما هى أهلك أى لأنه صلى الله عليه وسلم كان عقد على عائشة رضى الله تعالى عنها كما تقدم فأمها من جملة أهله وأختها كذلك وقيل هو على حد قول الشخص لآخر أهلى أهلك وفى رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج من عندك فقال أبو بكر رضى الله تعالى عنه لا عين عليك إنما هما ابنتاى أى وسكت عن أمهما سترا قال فإنه قد أذن لى فى الخروج فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله بأبى أنت وأمى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم أى فبكى أبو بكر سرورا قالت عائشة رضى الله تعالى عنها فرأيت أبا بكر يبكى وما كنت أحسب أن أحدا يبكى من الفرح حتى رأيت أبا بكر ولله در القائل ** ورد الكتاب من الحبيب بأنه ** ** سيزورنى فاستعبرت أجقانى ** ** غلب السرور على حتى إننى ** ** من فرط ما قد سرنى أبكانى ** ** يا عين صار الدمع عندك عادة ** ** تبكين من فرح ومن أحزان **
أى ومنه أقر الله عينه لمن يدعى له وهو قرة عين لمن يفرح به وأسخن عينه لمن يدعى عليه وهو سخنة العين لما يحزن به لأن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة
وقد روى أن نبيا من الأنبياء اجتاز بحجر يخرج منه الماء فسأل ربه عن ذلك فأنطق الله تعالى الحجر فقال منذ سمعت أن لله تعالى نارا وقودها الناس والحجارة وأنا أبكى هذا الدمع خوفا من تلك النار فاشفع لى عند ربك فشفع له فشفع فيه وبشره بذلك ثم مر به بعد مدة فإذا الماء يخرج منه فقال ألم أبشرك أن الله أنجاك من النار فما هذا فقال يا نبى الله ذاك بكاء الخوف والخشية وهذا بكاء الفرح والسرور ومن ثم لما قال صلى الله عليه وسلم لأبى بن كعب إن الله أمرنى أن أقرأ عليك سورة كذا أى لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب بكى من الفرح وقال أو ذكرت هناك أى ذكرنى الله عز وجل وفى لفظ وسمانى قال نعم
____________________


وفى سفر السعادة قال العلماء البكاء على عشرة أنواع بكاء فرح وبكاء حزن لما فات وبكاء رحمة وبكاء خوف لما يحصل وبكاء كذب كبكاء النائحة فإنها تبكى بشجو غيرها وبكاء موافقة بأن يرى جماعة يبكون فيبكى مع عدم علمه بالسبب وبكاء المحبة والشوق وبكاء الجزع من حصول ألم لا يحتمله وبكاء الخور والضعف وبكاء النفاق وهو أن تدمع العين والقلب قاس والبكى بالقصر دمع العين من غير صوت والممدود ما كان معه صوت وأما التباكى فهو تكلف البكاء وهو نوعان محمود ومذموم فالأول ما يكون لاستجلاب رقة القلب وهو المراد بقول سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه لما رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر يبكيان فى شأن أسارى بدر أخبرنى ما يبكيك يا رسول الله فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكت ومن ثم لم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم ذلك والثانى ما يكون لأجل الرياء والسمعة
قال أبو بكر فخذ بأبى أنت وأمى يا رسول الله إحدى راحلتى هاتين فإنى أعددتهما للخروج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل بالثمن أى لتكون هجرته صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى بنفسه وماله أى وإلا فقد أنفق أبو بكر رضى الله تعالى عنه أكثر ماله عليه صلى الله عليه وسلم أى فعن عائشة رضى الله تعالى عنها أنفق أبو بكر على النبى صلى الله عليه وسلم أربعين ألف درهم وفى لفظ دينار ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم ليس من أحد أمن على فى أهل ومال من أبى بكر وفى رواية ما أحد أمن على فى صحبته وذات يده من أبى بكر وما نفعنى مال أبى بكر فبكى أبو بكر وقال هل أنا ومالى إلا لك يا رسول الله وفى رواية ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدا الله يكافئه بها يوم القيامة
أقول ولا ينافى كونه صلى الله عليه وسلم أخذ إحدى ناقتى أبى بكر بالثمن ما رواه أبان بن أبى عياش أحد التابعين عن أنس رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى بكر رضى الله تعالى عنه ما أطيب مالك منه بلال مؤذنى وناقتى التى هاجرت عليها وزوجتنى ابنتك وواسيتنى بمالك كأنى أنظر إليك على باب الجنة تشفع لأمتى لأن أبان بن أبى عياش معدود من الضعفاء
وقد قال شعبه لأن أشرب من بول حمار حتى أروى أحب إلى من أن أقول حديثاعن أبان بن أبى عياش وقال فيه مرة أخرى لأن يزنى الرجل من أن يروى عن
____________________

أبان وقد طلب من شعبة أن يكف عن أبان هذا فقال الأمر دين وهذا يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بين ابن حبان عذر أبان بأنه كان يروى عن أنس وأبان مجالس الحسن البصرى فكان يسمع كلامه فإذا حدث ربما جعل كلام الحسن عن أنس مرفوعا وهو لا يعلم وعلى تقدير صحة ما قاله لا منافاة أيضا لأنها كانت من مال أبى بكر قبل أن يأخذها صلى الله عليه وسلم بثمنها
على أن فى الترمذى ما يوافق ما رواه أبان ففيه عن على رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى رحم الله أبا بكر زوجنى ابنته وحملنى إلى دار الهجرة وصحبنى فى الغار وأعتق بلالا من ماله
قال وهذا حديث غريب والله أعلم
وكان الثمن عن تلك الناقة التى هى القصواء وقد عاشت بعده صلى الله عليه وسلم وماتت فى خلافة أبى بكر رضى الله تعالى عنه أو الجدعاء أربعمائة درهم أى لما علمت أن الناقتين اشتراهما أبو بكر بثمانمائة درهم
وأما ناقته صلى الله عليه وسلم العضباء فقد جاء أن بنته فاطمة رضى الله تعالى عنها تحشر عليها
قالت عائشة رضى الله تعالى عنها فجهزناهما أحب الجهاز أى أسرعه والجهاز بكسر الجيم أفصح من فتحها ما يحتاج إليه فى السفر ووضعنا لهما سفرة فى جراب أى زادا فى جراب لأن السفرة فى الأصل الزاد الذى يصنع للمسافر ثم استعمل فى وعاء الزاد وكان فى السفرة شاة مطبوخة فقطعت أسماء بنت أبى بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب أى وأبقت الأخرى نطاقا لها وهو يوافق ما فى صحيح مسلم عن أسماء رضى الله تعالى عنها أنها قالت للحجاج بلغنى أنك تقول أى لولدها عبدالله بن الزبير تعيره بابن ذات النطاقين أما أنا والله ذات النطاقين أما أحدخما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه وأما الآخر فنطاق المرأة أى الذى لا تستغنى عنه أى عند اشتغالها لأن النطاق ما تشد به المرأة وسطها لئلا تعثر فى ذيلها على ثوب يلقى على أسلفه وقيل النطاق إزار فيه تكة ومن ثم جاءت ذا ت النطاق أى وكلاهما صحيح لكن فى لفظ قطعت نطاقها قطعتين فأوكت بقطعة منه فم الجراب وشدت فم القرية بالباقى أى فلم يبق لها شئ منه
____________________

ويوافقه ما فى البخارى عن أسماء لم نجد لسفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أى لمحلها الذى هو الجراب ولا لسقائه الذى هو القربة ما نربطهما به فقلت لأبى بكر لا والله ما أجد شيئا أربط به إلا نطاقى قال فشقيه اثنين واربطى بواحد السقاء الذى هو القربة وبواحد السفرة ففعلت فلذلك سميت ذا ت النطاقين أى سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين فى الجنة
وفيه أن الرواية الأولى التى عن عائشة والرواية الثانية التى عن أسماء رواها مسلم لم يذكر السقاء وفى رواية البخارى ذكر السقاء وإسقاط الجراب لكن ذكر بعد الجراب السفرة
وقد يقال المراد بربط محلها الذى هو الجراب كما أشار إليه قال بعضهم وما تقدم عن مسلم ينبغى أن يكون أقرب إلى الضغط لأن أسماء قالت فى آخر عمرها مخبرة عن نفسها أى ولم تربط إلا الجراب بأحد شقى النطاق وأبقت لها الآخر
وقد يقال الحصر ليس فى محله لمنافاته لرواية البخارى وحينئذ يجمع بأنه بجوازها لما شقت النطاق نصفين قطعت أحدهما قطعتين فشدت بإحداهما الجراب والأخرى السقاء فهى ذا ت النطاقين الذى أبقته والذى فعلت به ماذكر
وفى السيرة الهشامية أن أسماء بنت أبى بكر جاءت إليهما لما نزلا من الغار بسفرتهما ونسيت أن تجعل لها عصاما فدهشت لغلق السفرة فإذا ليس لها عصام فشقت نطاقها فجعلته عصاما فعلقتها به وانتطقت الآخر أى وهذا يدل على أن المراد بقول عائشة فجهزناهما أحب الجهاز أى عند خروجهما من الغار لا عند ذهابهما إلى الغار كما قد يتبادر من السياق ثم على المتبادر جرى ابن الجوزى حيث قال أسماء بنت أبى بكر أسلمت بمكة قديما وبايعت وشقت نطاقها ليلة خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار فجعلت واحدا لسفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر عصاما لقربته فسميت ذا تالنطاقين هذا كلامه
وقد قال لا مانع من تعدد ذلك وكون النطاق ماتشد به المرأة وسطها لئلا تعثر فى ذيلها يخالفه قول بعضهم النطاق هو ثوب تلبسه المرأة ثم تشد وسطها بحبل ثم ترسل الأعلى على الأسفل وهذا يوافق القيل المتقدم ولعل له إطلاقين ويوافق الثانى ما قيل أول من فعله هاجر أم إسمعيل اتخذته لتخفى أثر مشيتها على سارة ولعله عند خروجها
____________________

لما أمره الله عز وجل بإخراجها مع إبراهيم فيذهب بها إلى مكة قبل أن تركت مع إبراهيم على البراق
ثم استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بنى الديل وهو عبدالله بن أريقط ويقال ابن أرقط أو أرقد اسم أمه فأريقط مصغرها ليدلهما على الطريق للمدينة وكان على دين قريش أى ثم أسلم بعد ذلك وقيل لم يعرف له إسلام
وفى الروض ما وجدنا من طريق صحيح أنه أسلم بعد ذلك فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه على جبل ثور بعد ثلاث ليال وقيل للجبل ذلك لأنه على صورة الثور الذى يحرث عليه وسياق النسائى يدل على أن استئجار عبد الله المذكور كان قبل التجهيز
قالت عائشة رضى الله تعالى عنها ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار فى جبل ثور أى ليلا كما تقدم
وعن ابن سعد لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيته إلى بيت أبى بكر رضى الله تعالى عنه فكان فيه إلى الليل ثم خرج هو وأبو بكر فمضيا إلى غار ثور فدخلاه أى وكان خروجهما من خوخة فى ظهر بيت أبى بكر فعن عائشة بنت قدامه رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لقد خرجت من الخوحة متنكرا فكان أول من لقينى أبو جهل لعنه الله فأعمى الله بصره عنى وعن أبى بكر حتى مضينا
وفى كلام سبط ابن الجوزى وعن وهب بن منبه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خرج إلى الغار من بيت أبى بكر فخرج من خوخة فى ظهر الدار والأصح إنما كان خروجه من بيت نفسه
وجعل أبو بكر رضى الله تعالى عنه يمشى مرة أمام النبى صلى الله عليه وسلم ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن شماله فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن عليك
أقول فى الدر المنثور فمشى صلى الله عليه وسلم ليلته على اطراف أصابعه لئلا يظهر أثر رجليه على الأرض حتى حفيت رجلاه فلما رآهما أبو بكر قد حفيتا حمله على كاهله وجعل يشتد به حتى أتى على فم الغار فأنزله وفى لفظ لم يصب رسول الله صلى الله عليه
____________________

وسلم الغار حتى قطرت قدماه دما وفى كلام السهيلى عن أبى بكر رضى الله تعالى عنه أنه قال نظرت إلى قدمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الغار وقد تقطرتا دما
قال بعضهم وبشبه أن يكون ذلك من خشونة الجبل وإلا فبعد المكان لا يحتمل ذلك أو لعلهم ضلوا طريق الغار حتى بعدت المسافة ويدل عليه قوله فمشى ليلته رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى لفظ فانتهينا إلى الغار مع الصبح ولا يحتمل ذلك مشى ليلته إلا بتقدير ذلك أو أنه صلى الله عليه وسلم كما قيل ذهب إلى جبل حنين فناداه اهبط عنى فإنى اخاف أن تقتل على ظهرى فأعذب فناداه جبل ثور إلى يا رسول الله وساق فى الأصل رواية تقتضى أنه ذهب إلى غار ثور راكبا ناقته الجدعاء ث 4 م رأيته فى النور أشار إلى أن ركوبه صلى الله عليه وسلم الجدعاء إنما كان بعد خروجه من الغار لا أنه ركبها من منزل أبى بكر إلى الغار كما هو ظاهر الرواية
وفى الخصائص الكبرى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما لما تشاور المشركون فى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطلع الله نبيه على ذلك فخرج تلك الليلة حتى أتى الغار فلما أصبحوا اقتفوا أثره صلى الله عليه وسلم فلما بلغوا الجبل الحديث أى وهو مخالف لما تقدم من أن خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الغار كان فى الليلة الثانية لا فى ليلة حروجه على قريش
وقد يقال لا منافاة لأن قوله حتى لحق بالغار غاية لمطلق الخروج من بيته لافى خصوص تلك الليلة أى خرج من بيته واستمر على خروجه حتى لحق بالغار وذلك فى الليلة الثانية لكن تقدم أنه صلى الله عليه وسلم جاء إلى بيت أبى بكر متقنعا فى وقت الظهيرة فليتأمل
وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بخروجه إلى الهجرة وأمره أن يتخلف بعده حتى يؤدى عنه الودائع التى كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس لأنه لم يكن بمكة أحد عنده شئ يخشى عليه إلا وضعه عنده صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من أمانته أى ولعل إعلام على بذلك كان عند توجهه صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبى بكر لأنه لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم اجتمع بعلى رضى الله تعالى عنه بعد ذلك إلا فى المدينة لكن سيأتى عن الدر ما تقتضى أنه اجتمع به عند خروجه من الغار
وفى الفصول المهمة أنه صلى الله عليه وسلم وصى عليا رضى الله تعالى عنه بحفظ
____________________

ذمته وأداء أمانته ظاهرا على أعين الناس وأمره أن يبتاع رواحل للفواطم فاطمة بنت النبى صلى الله عليه وسلم وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب ولمن هاجر معه من بنى هاشم ومن ضعفاء المؤمنين وشراء على رضى الله عنه الرواحل مخالف لما يأتى فى الأصل أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى على حلة وأرسل يقول تشقها خمرا بين الفواطم وهى فاطمة ابنة حمزة وفاطمة بنت عتبة وفاطمة أم على وفاطمة بنته صلى الله عليه وسلم وإرساله لتلك الحلة كان بعد وصوله إلى المدينة فليتأمل
قال فى الفصول المهمة وقال له أى لعلى إذا أبرمت ما أمرتك به كن على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله وبقدوم كتابى عليك وإذا جاء أبو بكر توجهه خلفى نحو بئر أم ميمون وكان ذلك فى فحمة العشاء والرصد من قريش قد أحاطوا بالدار ينتظرون أن تنتصف الليلة وتنام الناس ودخل أبو بكر على على وهو يظنه أى وأبو بكر يظن عليا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له على إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج نحو بئر أم ميمون وهو يقول لك أدركنى فلحقه أبو بكر ومضيا جميعا يتسايران حتى أتياجبل ثور فدخلا الغار فليتأمل الجمع بينه وبين ما تقدم
ولما انتهيا إلى فم الغار قال أبو بكر للنبى صلى الله عليه وسلم والذى بعثك بالحق لا تدخل حتى أدخله قبلك فإن كان فيه شئ نزل بى قبلك فدخل رضى الله تعالى عنه فجعل يلتمس بيده كلما رأى جحرا قال بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بجميع ثوبه فبقى جحر وكان فيه حية فوضع عقبه عليه ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن الحية التى فى الجحر لما أحست بعقب سيدنا أبى بكر جعلت تلسعه وصارت دموعه تتحدر قال ابن كثير وفى هذا السياق غرابة ونكارة أى وقد كان صلى الله عليه وسلم وضع رأسه فى حجر أبى بكر رضى الله تعالى عنه ونام فسقطت دموع أبى بكر رضى الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مالك يا أبا بكر قال لدغت بالدال المهملة والغين المعجمة فداك أبى وأمى فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم على محل اللدغة فذهب ما يجده قال بعضهم وقاه فبورك فى عقبه
قال بعضهم والسر فى اتخاذ رافضة العجم اللباد المقصص على رءوسهم تعظيما للحية التى لدغت أبا بكر فى الغار أى لأنهم يزعمون أن ذلك على صورة تلك الحية
ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكر أين ثوبك فأخبره
____________________

الخبر زاد فى رواية وأنه رأى على أبى بكر أثر الورم فسأل عنه فقال من لدغة الحية فقال صلى الله عليه وسلم الله صلى الله عليه وسلم هلا أخبرتنى قال كرهت أن أوقظك فمسحه النبى صلى الله عليه وسلم فذهب ما به من الورم والألم
أى ويحتاج إلى الجمع بين هاتين الروايتين على تقدير صحتهما وحين أخبره أبو بكر بذلك رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهم اجعل أبا بكر معى فى درجتى فى الجنة فأوحى الله تعالى إليه قد استجاب الله لك
وروى أنه لما صار يسد كل جحر وجده أصاب يده ما أدماها فصار يمسح الدم عن أصبعه وهو يقول ** هل أنت إلا أصبع دمت ** ** وفى سبيل الله ما لقيت **
وسيأتى أن هذا البيت من كلام ابن رواحة وقيل من كلامه صلى الله عليه وسلم وأنه يجوز أن يكون ابن رواحة ضم ذلك البيت لأبياته
ومما قد يؤيد أن ذلك من كلامه صلى الله عليه وسلم ما ذكره سبط ابن الجوزى أن أبا بكر لما لحقه صلى الله عليه وسلم فى اثناء الطريق ظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكفار فأسرع فى المشى فانقطع قبال نعله ففلق إبهامه حجر فسال الدم فرفغ أبو بكر صوته ليعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفه
ومما يصرح بذلك ما رأيت عن جندب البجلى قال كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى غار كذا فدميت أصبعه فذكر البيت المذكور وأراد بالغار غارا من الغيران لا هذا الغار كما توهم
وجاء فى الصحيحين عن جندب بن عبدالله بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أصابه حجر فدميت أصبعه فقال ** هل انت إلا إصبع دميت ** البيت
أى ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكرالغار أمر الله تعالى شجرة أى وهى التى يقال لها العشار وقيل أم غيلان فنبتت فى وجه الغار فسترته بفروعها
أى ويقال إنه صلى الله عليه وسلم دعا تلك الشجرة وكانت أمام الغار فأقبلت حتى وقفت على باب الغار وأنها كانت مثل قامة الإنسان وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بين فروعها أى نسجا مترا كما بعضه على بعض أى كنسج أربع سنين كما قال بعضهم
____________________


وقد نسج العنكبوت أيضا على عبدالله بن أنيس رضى الله تعالى عنه لما قتل سفيان بن خالد وقطع رأسه وأخذها ودخل فى غار فى الجبل وكن فيه حتى انقطع عنه الطلب كما سيأتى ونسج على نبى الله داود لما طلبه طالوت ونسج أيضا على عورة سيدنا زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنهم وهو أخو الإمام محمد الباقر وعم الإمام جعفر الصادق وهو الذى ينسب إليه الزيدية كان إماما مجتهدا وكان ممن أخذ عن واصل بن عطاء الآخذ عن الحسن البصرى
ولما أثبت ابن عطاء المنزلة بين المنزلتين أمره الحسن البصرى باعتزال مجلسه فقيل له معتزلى وصار يقال لأصحابه معتزلة
ولا يلزم من كون شيخ سيدنا زيد معتزليا أن يسلك زيد مسلكه وصلب سيدنا زيد عربانا وأقام مصلوبا أربع سنين وقيل خمس سنين فلم ترعورته وقيل إن بطنه الشريف ارتخى على عورته فغطاها ولا مانع من وجود الأمرين وكان عند صلبه وجهوه إلى غير القبلة فدارت خشبته التى صلب عليه إلى أن صار وجهه إلى القبلة أى وقد وقع لخبيب نحو ذلك كما سيأتى ثم أحرقوا خشبة زيد وجسده وذرى رماده فى الرياح على شاطئ الفرات فإنه خرج على هشام بن عبد الملك وقد سمت نفسه للخلافة فحاربه يوسف بن عمر الثقفى أمير العراقين من قبل هشام بن عبد الملك فانهزم أصحاب زيد عنه بعد أن خذله وانصرف عنه أكثرهم
فقد بايعه ناس كثير من أهل الكوفة وطلبوا منه أن يتبرأ من الشيخين أبى بكر وعمر لينصروه فقال كلا بل أتولاهما فقالوا إذن نرفضك فقال اذهبوا فأنتم الرافضة فسموا بذلك من حينئذ رافضة وجاءت إليه طائفة وقالوا نحن نتولاهما من ونبرأ منهما وقاتلوا معه فسموا الزيدية
أقول والعجب ممن يتمذهب بمذهب سيدنا زيد ويتبرأ من الشيخين ويكرههما ويكره من يذكرهما بخير بل ربما سبهما
وعند مقاتلته أصابته جراحات وأصابه سهم فى جهته وحال الليل بين الفريقين فطلبوا حجاما من بعض القرى لينزع له النصل فاستخرجه فمات من ساعته فذفنوه من ساعته وأخفوا قبره وأجروا عليه الماء واستكتموا الحجام ذلك فلما أصبح
____________________

الحجام مشى إلى يوسف بن عمر منتصحا وأخبره ودله على موضع قبره فاستخرجه وبعث برأسه إلى هشام فكتب إليه هشام أن اصلبه عريانا فصلبه كذلك
ويقال إن هشام بن عبد الملك قال يوما لزيد بلغنى أنك تريد الخلافة ولا تصلح لك لأنك ابن أمة فقال قد كان إسماعيل ابن أمة وإسحاق ابن حرة فأخرج الله من صلب إسماعيل خير ولد آدم فقال له هشام قم قال إذن لا ترانى إلا حيث تكره ومن شعره ** لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم ** ** وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا **
قيل ورأس زيد دفنت بمصر القديمة بمسجد يقال له مشهد زين العابدين بن الحسين وكذلك وقع في طبقات الشيخ الشعرانى نفعنا الله به وببركاته وليس كذلك بل هو محل زيد بن زين العابدين كما ذكره المقريزى فى الخطط ويقال له زيد الأزياد
وذكر فى حياة الحيوان أن ما ينسجه العنكبوت يخرج من خارج جلدها لا من جوفها وعن على رضى الله تعالى عنه طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه فى البيوت يورث الفقر
وأمر الله تعالى حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغاز أى ويروى أنهما باضتا أى وفرختا قال لأبى بكر ضع قدمك موضع قدمى فإن الرمل لاينم وتقدم ما فى ذلك أى لأن المشركين لما فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شق عليهم ذلك وخافوا ذلك وطلبوه بمكة أعلاها وأسفلها وبعثوا القافة أى الذين يقصون الأثر فى كل وجه يقفون أثره فوجدوا الذى ذهب إلى جبل ثور أثره وقال ما تقدم
وأقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم وسيوفهم أى ولما أقبلوا أشفق صلى الله عليه وسلم على صهيب وخاف عليه وقال واصهيباه ولا صهيب لى أى لأنه تواعد معهما أن يكون ثالثهما فلما أراد صلى الله عليه وسلم الخروج للغار أرسل له أبو بكر مرتين أو ثلاثا فوجده يصلى فقال يا رسول الله وجدت صهيبا يصلى فكرهت أن أقطع عليه صلاته فقال أصبت وتقدمت الحوالة على هذا
فلما كان فتيان قريش على أربعين ذراعا من الغار تعجل بعضهم ينظر فى الغار فلم ير إلا حمامتين وحشيتين أى مع العنكبوت فقال ليس فيه أحد فسمع النبى صلى الله عليه وسلم ما قال فعرف أن الله عز وجل قد درأ عنه أى دفع عنه
____________________


وفى رواية فلما انتهوا إلى فم الغار قال قائل منهم ادخلوا الغار فقال أمية بن خلف وما أربكم أى حاجتكم إلى الغار أن عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم أى ولو دخل الغار لانفتح ذلك العنكبوت وتكسر البيض وهذا يدل على أن البيض لم يكن فرخ أى ويحتمل أن بعض البيض فرخ وبعضه لم يفرخ ثم جاء قبالة فم الغار فبال فقال أبو بكر يا رسول الله إنه يرانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر لو كان يرانا ما فعل هذا وفى بعض الروايات لو رآنا ما تكشف عن فرجه أى ما استقبلنا بفرجه وبوله وقال أبو جهل أما والله إنى لأحسب قريبا يرانا ولكن بعض سحره قد أخذ على أبصارنا فانصرفوا
وذكر ابن كثير أن بعض أهل السير ذكر أن أبا بكر رضى الله تعالى عنه لما قال للنبى صلى الله عليه وسلم لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه قال له النبى صلى الله عليه وسلم لو جاءونا من ها هنا لذهبنا من ها هنا فنظر الصديق إلى الغار قد انفرج من الجانب الآخر وإذا البحر قد اتصل به وسفينة مشدودة إلى جانبه قال ابن كثير وهذا ليس بمنكر من حيث القدرة العظيمة ولكن لم يرد ذلك بإسناد قوى ولا ضعيف ولسنا نثبت شيئا من تلقاء أنفسنا ونهى النبى صلى الله عليه وسلم يومئذ عن قتل العنكبوت وقال إنها جند من جند الله انتهى
وعن أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه أنه قال لا أزال أحب العنكبوت منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبها ويقول جزى الله العنكبوت عنا خير فإنها نسجت على وعليك يا أبا بكر إلا أن البيوت تطهر من نسجها أى ينبغى ذلك لما تقدم أن وجود نسجها فى البيوت يورث الفقر
وفى الجامع الصغير جزى الله العنكبوت عنا خيرا فإنها نسجت على الغار
أقول فيه أن فى الحديث العنكبوت شيطان فاقتلوه وفى لفظ العنكبوت شيطان مسخه الله فاقتلوه فإن صح وثبت تأخره فهو ناسخ له وإن كان متقدما على ما هنا وصح ما هنا فهو منسوخ به والله أعلم وبارك صلى الله عليه وسلم على الحمامتين وفرض جزاء الحمام وانحدرتا فى الحرم فأفرختا كل شئ فى الحرم من الحمام أى ولأجل ذلك ذهب الغزالى من أئمتنا إلى صحة الوقف على حمام مكة دون غيره من الطيور وهو الراجح
____________________


ونظر فى الإمتاع فى كون حمام الحرم من نسل ذلك الزوج فإنه روى فى قصة نوح عليه الصلاة والسلام أنه بعث الحمامة من السفينة لتأتيه نخبر الأرض فوقعت بوادى الحرم فإذا الماء قد نضب من موضع الكعبة وكانت طينتها حمراء فاختضبت رجلاها ثم جاءته فمسح عنقها وطوقها طوقا ووهب لها الحمرة فى رجليها وأسكنها الحرم ودعا لها بالبركة
وفى شعر الحادث بن مضاض الذى أوله ** كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ** ** أنيس ولم يسمر بمكة سامر ** ** ويبك لبيت يؤذى حمامه ** ** يظل به أمنا وفيه العصافر **
ففى هذا أن الحمام قد كان فى الحرم من عهد جرهم أى ونوح وذكر بعضهم أن حمام مكة أظله صلى الله عليه وسلم يوم فتحها فدعا له بالبركة
ويروى أن أبا بكر رضى الله تعالى عنه لما رأى قريشا أقبلت نحو الغار خصوصا ومعهم القافة بكى أى ويقال لما سمع القائف يقول لقريش والله ما جاز مطلوبكم من هذا الغار حزن وبكى وقال والله ما على نفسى أبكى ولكن مخافة أن أرى فيك ما أكره فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا وأنزل الله تعالى سكينته على أبى بكر رضى الله تعالى عنه أى وأنزل عليه أمنته التى تسكن عندها القلوب قيل قال له لا تحزن ولم يقل له لا تخف لأن حزنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا النهى تأنيس وتبشير له كما فى قوله تعالى له صلى الله عليه وسلم { ولا يحزنك قولهم } وبه يرد ما زعمته الرافضة أن ذلك غضبا من أبى بكر وذماله لأن حزنه رضى الله تعالى عنه إن كان طاعة فالنبى صلى الله عليه وسلم لا ينهى عن الطاعة فلم يبق إلا أنه معصية
وفى رواية عن أبى بكر رضى الله تعالى عنه قلت للنبى صلى الله عليه وسلم ونحن فى الغار لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه أى لأنهما علوا على رؤوسهما
فعن أبى بكر قال نظرت إلى أقدام المشركين ونحن فى الغار وهم على رءوسنا فقلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما
قال بعضهم كان معهما وثالثهما باللفظ والمعنى أما باللفظ فكان يقال يا رسول الله ويقال لأبى بكر يا خليفة رسول الله وأما بالمعنى فكان مصاحبا لهما بالنصر والهداية
____________________

والإرشاد والضمير فى أيده بجنود لم تروها راجع للنبى صلى الله عليه وسلم وتلك الجنود ملائكة أنزلهم الله تعالى عليه فى الغار يبشرونه صلى الله عليه وسلم بالنصر على أعدائه
وروى أ ن أبا بكر رضى الله تعالى عنه عطش فى الغار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب إلى صدر الغار فاشرب فانطلق أبو بكر رضى الله تعالى عنه إلى صدر الغار فوجد ماء أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأزكى رائحة من المسك فشرب منه فقال له رسول الله صلى إن الله أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن يخرق نهرا من جنة الفردوس إلى صدر الغار لتشرب قال أبو بكر يا رسول الله ولى عند الله هذه المنزلة فقال النبى صلى الله عليه وسلم نعم وأفضل والذى بعثنى بالحق نبيا لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان عمله عمل سبعين نبيا
أى وذكر بعضهم قال كنت جالسا عند أبى بكر رضى الله تعالى عنه فقال من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليقم فقام رجل رجل فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدتى بثلاث حثيات من تمر فقال أرسلوا إلى على فجاء فقال يا أبا الحسن إن هذا يزعم كذا وكذا فاحث له فحثى له فقال أبو بكر عدوها فعدوها فوجدوها كل حثية ستين تمرة لا تزيد ولا تنقص فقال أبو بكر صدق الله ورسوله قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة فى الغار كفى وكف على فى العدد سواء ذكر الذهبى أنه موضوع ولعل قول الصديق صدق الله ورسوله علة لاختياره عليا على نفسه فى أن يحثو لا أن ذلك علة لكون كل حثية جاءت ستين حبة
ولما أيست قريش منهما أرسلو لأهل السواحل إن من أسر أو قتل أحدهما كان له مائة ناقة أى ويقال إن أبا جهل أمر مناديا ينادى فى أعلى مكة وأسفلها من جاء بمحمد أو دل عليه فله مائة بعير وإلى قصة الغار أشار صاحب الهمزية بقوله ** أخرجوه منها وآواه غار ** ** وحمته حمامة ورقاء ** ** وكفته بنسجها عنكبوت ** ** ما كفته الحمامة الحصداء ** ** واختفى منهم على قرب مرآ ** ** ومن شدة الظهور الخفاء **
أى كانوا سببا لإخراجه من تلك الأرض التى هى مولده صلى الله عليه وسلم ومرباه ووطنه ووطن آبائه بسبب مبالغتهم فى إيدائه وإيذاء أصحابه خصوصا ضعفاءهم وآواه
____________________

غار وحمته منهم حمامة فى لونها بياض وسواد وكفته أعداءه عنكبوت بنسجها الذى كفته إياهم الحمامة الكثيرة الريش فتلك الحمامة كانت ورقاء حصداء واستتر منهم مع قرب محل رؤيته
وحكمة خفائه واستتاره منهم مع ظهوره لهم لو نظر أحدهم إلى ما تحت قدميه شدة ظهوره عليهم بالغلبة والمعونة الإلهية ومكثا فى الغار ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبى بكر وهو غلام يعرف ما يقال يأتيهما حين يختلط الظلام ويدلج من عندهما بفجر فيصبح مع قريش كبائت فى بيته فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه ويخبرهما به
وكان عامر بن فهيرة مولى أبى بكر رضى الله تعالى عنهما كان مملوكا للطفيل فأسلم وهو مملوك وكان ممن يعذب فى الله عز وجل فاشتراه أبو بكر من الطفيل وأعتقه كما تقدم فكان يروح عليهما بمنحة غنم أى قطعة من غنم أبى بكر فكان يرعاها حيث تذهب ساعة من العشاء ويغدو بها عليهما ثم يغلس أى إذا خرج من عندهما عبد الله تبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى يقفو أثر قدميه يفعل ذلك فى كل ليلة من تلك الليالى الثلاث أى وذلك بارشاد من أبى بكر رضى الله تعالى عنه
ففى السيرة الهشامية وأمر أبو بكر ابنه عبدالله رضى الله تعالى عنهما أن يستمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون فى ذلك اليوم من الخبر وأمر عامر بن فهيرة أن يرعى عنمه نهارا ثم يريحها عليهما إذا أمسى فى الغار وكانت أسماء بنت أبى بكر رضى الله تعالى عنها تأتيهما إذا أمست بما يصلحهما من الطعام
أقول وفى الدر عن عائشة رضى الله تعالى عنهما ما كان أحد يعلم مكان ذلك الغار إلا عبد الله بن أبى بكر وأسماء بنت أبى بكر فإنهما كانا يختلفان إليهما وعامر بن فهيرة فإنه كان إذا سرح غنمه مر بهما فحلب لهما
وفى الفصول المهمة وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام بلياليها فى الغار وقريش لا يدرون أين هو وأسماء بنت أبى بكر رضى الله تعالى عنها تأتيهما ليلا بطعامهما وشرابهما فلما كان بعد الثلاث أمرها صلى الله عليه وسلم أن تأتى عليا وتخبره بموضعهما وتقول له يستأجر لهما دليلا ويأتى معه بثلاث من الإبل بعد مضى ساعة من الليلة الآتية أى وهى الرابعة فجاءت أسماء إلى على كرم الله وجهه فأخبرته بذلك فاستأجر لهما رجلا يقال له الأريقط بن عبد الله الليثى وأرسل معه بثلاث من الإبل فجاء بهن إلى أسفل
____________________

الجبل ليلا فلما سمع النبى صلى الله عليه وسلم رغاء الإبل نزل من الغار هو وأبو بكر فعرفاه أى والذى فى البخارى فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث فارتحلا وتقدم أن المستأجر لهما للدليل النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر
وقد يجمع بأن المراد باستئجار على رضى الله تعالى عنه إعطاؤه الأجرة وكونه استأجر لهما ثلاث رواحل وأتى بها معه فيه نظر ظاهر وركب النبى صلى الله عليه وسلم وركب أبو بكر وركب الدليل
وفى الدر المنثور فمكث هو صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فى الغار ثلاثة أيام يختلف إليهما بالطعام عامر بن فهيرة وعلى يجهزهما فاشترى ثلاثة أباعر واستأجر لهم دليلا فلما كان فى بعض الليل من الليلة الثالثة أتاهم على بالإبل والدليل فليتأمل ذلك مع ما قبله
وفى حديث مرسل مكثت مع صاحبى فى الغار بضعة عشر يوما ما لنا طعام إلا ثمر البرير أى الأراك وتقدم فى باب رعيه الغنم أن ثم الأراك النضيج يقال له الكباث بكاف فباء موحدة مفتوحتين فتاء مثلثة
قال ابن عبد البر وهذا أى القول بأنهما مكثا فى الغار بضعة عشر يوما غير صحيح عند أهل العلم بالحديث قال الحافظ ابن حجر والمراد كما قال الحاكم أنهما مكثا مختفيين من المشركين فى الغار وفى الطريق بضعة عشر يوما وذكر فى الغار أى الاقتصار عليه من بعض الرواة والله أعلم
قال وعن أسماء بنت أبى بكر رضى الله تعالى عنهما أن أبا بكر أرسل ابنه عبد الله فحمل ماله وكان خمسة آلاف درهم أو أربعة آلاف وكان حين أسلم أربعين ألف درهم وفى لفظ أربعين ألف دينار أى ويؤيد ذلك ما جاء عن أنس رضى الله تعالى عنه أنفق أبو بكر على النبى صلى الله عليه وسلم أربعين ألف دينار فحمل إليه ذلك فى الغار قالت أسماء فدخل علينا جدى أبو قحافة رضى الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وكان قد ذهب بصره فقال والله إنى لأراه يعنى أبا بكر قد فجعكم بماله مع نفسه فقال كلا يا أبت إنه ترك لنا خيرا كثيرا قالت فأخذت أحجارا فوضعتها فى كوة أى طاقة فى البيت كان أبى يضع ماله فيها ثم وضعت عليها ثوبا ثم أخذت بيده فقلت ضع يدك على هذا المال قالت فوضع يده عليه فقال لا بأس إن كان ترك لكم هذا
____________________

فى هذا بلاغ لكم ولا والله ما ترك لنا شيئا ولكن أردت أن أسكن قلب الشيخ اه
أى ولما بلغ ضمرة بن جندب خروجه صلى الله عليه وسلم وكان مريضا فقال لا عذر لى فى مقامى بمكة فأمر أهله فخرجوا به فلما وصل إلى التنعيم مات به فأنزل الله تعالى { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما } وقيل نزلت فى خالد بن حرام بن خويلد بن أسد أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة فى المرة الثانية فمات من نهش حية قبل أن يصل وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال لحسان رضى الله تعالى عنه هل قلت فى أبى بكر شيئا قال نعم قال قل وأنا أسمع فقال ** وثانى اثنين فى الغار المنيف وقد ** ** طاف العدو به إذ صاعدوا الجبلا ** ** وكان حب رسول الله قد علموا ** ** من البرية لم يعدل به رجلا **
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه أى وفى لفظ فتبسم ثم قال صدقت يا حسان هو كما قلت إنه أحب البرية إليه أى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعدل به غيره
أقول فى ينبوع الحياة والذى أعرف فى هذين البيتين أنهما من أبيات رثى بهما حسان أبا بكر رضى الله تعالى عنهما هذا كلامه
وقد يقال لا مانع أن يكون أدخلهما حسان فى مرثيته لأبى بكر بعد ذلك والله أعلم وعن أبى بكر رضى الله تعالى عنه قال لجماعة أيكم يقرأسورة التوبة قال رجل أنا أقرأ فلما بلغ { إذ يقول لصاحبه لا تحزن } بكى وقال أنا والله صاحبه
وعن أبى الدرداء رضى الله تعالى عنه قال رآنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمشى أمام أبى بكر فقال يا أبا الدرداء أتمشى أمام من هو أفضل منك فى الدنيا والآخرة فوالذى نفس محمد بيده ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبى بكر وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أتانى جبريل فقال إن الله تعالى يأمرك أن تستشير أبا بكر وعن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب أبى بكر واجب على أمتى
____________________

= باب الهجرة إلى المدينة
لا يخفى أنه لما كان صبيحة الليلة الثالثة من دخولهما الغار على ما تقدم جاءهما الدليل الذى هو الرجل الدؤلى براحلتيهما فركبا وانطلق بهما وانطلق معهما عامربن فهيرة أى رديفا لأبى بكر يخدمهما أى وفى البخارى أن أبا بكر كان رديفا له صلى الله عليه وسلم أى ولامخالفة لما سيأتى
ويروى أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج من الغار وركب أخذ أبو بكر بغرزه أى يركابه والغرز بغين معجمة مفتوحة وراء ساكنة وزاى ركاب الإبل خاصة فقال صلى الله عليه وسلم ألا أبشرك قال بلى فداك أبى وأمى قال إن الله عز وجل يتجلى للخلائق يوم القيامة عامة ويتجلى لك خاصة قال الخطيب هذا الحديث لا أصل له قال السيوطى رأيت له متابعات ودعا صلى الله عليه وسلم بدعاء منه اللهم اصحبنى فى سفرى واخلفنى فى أهلى
وأخذ بهم الدليل على طريق السواحل وصار أبو بكر إذا سأله سائل عن النبى صلى الله عليه وسلم من هذا الذى معك أى وفى رواية من هذا الذى بين يديك وفى رواية من هذا الغلام بين يديك أى بناء على أنه كان رديفا له صلى الله عليه وسلم يقول هذا الرجل يهدينى الطريق يعنى طريق الخير أى لأنه صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكر أله الناس أى أشغل الناس عنى أى تكفل عنى بالجواب لمن سأل عنى فإنه لا ينبغى لنبى أن يكذب أى ولو صورة كالتورية فكان أبو بكر يقول لمن سأله عن النبى صلى الله عليه وسلم ما ذكر وإنما لم يسأل أبو بكر عن نفسه لأن أبا بكر كان معروفا لهم لأنه كان يكثر المرور عليهم فى التجارة للشام أى معروفا لغالبهم فلا ينافى ما جاء فى بعض الروايات أنه كان إذا سئل من أنت يقول ياغى أى طالب حاجة فعلم أن الأنبياء لا ينبغى لهم الكذب ولو صورة ومن ذلك التورية لكن سيأتى فى غزوة بدر وقوع التورية منه صلى الله عليه وسلم
وفى رواية ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء أبى بكر ناقته وفى التمهيد لأبن عبد البر أنه لما أتى براحلة أبى بكر سأل أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب ويردفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنت اركب وأردفك أنا فإن
____________________

الرجل أحق بصدر دابته فكان إذا قيل له من هذا وراءك قال هذا يهدينى السبيل
أقول لا مخالفة بين هذا وما تقدم لأنه يجوز أن يكون ركب صلى الله عليه وسلم تارة خلف أبى بكر على ناقة أبى بكر وتارة ركب صلى الله عليه وسلم على ناقة نفسه أمامه وأن ركوبه لها كان فى أثناء الطريق ويكون صلى الله عليه وسلم إما أركب راحلته عامر بن فهيرة أو ترك ركوبها لأجل إراحتها والهداية كما تكون من المتقدم تكون من المتأخر وإن كان الأول هو الغالب والله أعلم وإلى توجهه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أشار صاحب الهمزية بقوله ** ونحا المصطفى المدينة واشتا ** ** قت إليه من مكة الأنحاء **
أى وقصد صلى الله عليه وسلم واشتاقت إليه الجهات والنواحى من مكة وقد جاء أنه لما خرج صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة مهاجرا وبلغ الجحفة اشتاق إلى مكة فأنزل الله تعالى عليه { إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } أى إلى مكة
وأهل الرجعة يقولون إلى الدينا أى من يقول بأن النبى صلى الله عليه وسلم يرجع إلى الدنيا كما يرجع عيسى وقد أظهرها عبد الله بن سبأ كان يهوديا وأمه يهودية سوداء ومن ثم كان يقال له ابن السوداء أظهر الإسلام فى خلافة عمر رضى الله تعالى عنه وقيل فى خلافة عثمان رضى الله عنه وكان قصده بإظهار الإسلام بوار الإسلام فكان يقول العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع إلى الدينا ويكذب برجعة محمد صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى { إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } فمحمد أحق بالرجعة من عيسى عليهما الصلاة والسلام وتقدم ذلك فى أثناء الكلام على بدء الوحى وسيأتى ذلك عند بناء المسجد وكانت قريش كما تقدم أرسلت لأهل السواحل أن من قتل أو أسر أبا بكر أو محمدا كان له مائة ناقة أى فمن قتلهما أو أسرهما كان له مائتان
فعن سراقة جاءنا رسل كفار قريش يجعلون فيهما إن قتلا أو أسرا ديتين فبينا أنا جالس فى مجلس من مجالس قومى بنى مدلج أى بقديد وهو محل قريب من رابغ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال يا سراقة إنى رأيت أسودة أى أشخاصا بالسواحل أراه محمدا وأصحابه قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا أى بمعرفتنا يطلبون ضالة لهم أى وفى
____________________

لفظ قال رأيت ركبة بالتحريك جمع راكب ثلاثا مروا على آنفا أى قريبا إنى لأراهم محمدا وأصحابه قال سراقة فأومأت إليه أن اسكت ثم قلت إنما هم بنو فلان يتبعون ضالة لهم ثم لبثت فى المجلس ساعة ثم قمت إلى منزلى فأمرت جاريتى أن تخرج فرسى خفية إلى بطن الوادى وتحبسها على وأخذت رمحى وخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه فى الأرض والزج الحديدة التى تكون فى أسفل الرمح وخفضت عاليه أى أمسكت بأعلاه وجعلت أسفله فى الأرض لئلا براه أحد وإنما فعل ذلك كله ليفوز بالجعل المتقدم ذكره ولا يشركه فيه أحد من قومه بخروجه معه لقتلهما أو أسرهما زاد فى رواية ثم انطلقت فلبست لامتى وجعلت أجر الرمح مخافة أن يشركنى أهل الماء يعنى قومه قال حتى أتيت فرسى أى وكان يقال لها العود والفرس لغة تقع على الذكر والأنثى قال فى النور والمراد هنا الأنثى لقوله فركبتها ولقوله فرقعتها أى بالغت فى إجرائها حتى دنوت منهم
وفى لفظ فرفعتها تقرب بى وحينئذ يكون المراد أسرعت بالسير بها لأن التقريب دون العدو وفوق العادة فعثرت بى فرسى أى فوقعت لمنخريها كما فى حديث أسماء بنت أبى بكر رضى الله تعالى عنهما
زاد فى رواية ثم قامت تحمحم فخررت عنها فقمت فأهويت بيدى على كنانتى فاستخرجت الأزلام أى وهى عيدان السهام التى لا ريش لها ولم تركب فيها النصال واستقسمت بها أضرهم أم لا فخرج الذى أكره وهو عدم إضرارهم أى لأنه مكتوب عليها أفعل لا تفعل ويقال للأول الآمر ويقال للثانى الناهى فركبت فرسى وعصيت الأزلام تقرب بى حتى سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الألتفات ساخت أى غابت يدا فرسى فى الأرض حتى بلغتا الركبتين أى وكانت الأرض جلدة فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذ لأثر يديها عثان أى غبار ساطع فى السماء مثل الدخان أى مع كون الأرض جلدة فاستقسمت بالأزلام فخرج الذى أكره فناديتهم بالأمان أى وقلت أنظرونى لا أوذيكم ولا يأتيكم منى شئ تكرهونه
أى وفى رواية ناديت القوم وقلت أنا سراقة بن مالك أنظرونى أكلمكم أنا لكم نافع غير ضار وإنى لا أدرى لعل الحى فزعوا لركوبى أى أن بلغهم ذلك وأنا راجع
____________________

رادهم عنكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى بكر قل له ماذا تبتغى فوقفوا فأخبرتهم بما تريد الناس منهم
وفى رواية قال يا محمد ادع الله أن يطلق فرسى وأرجع عنك وأرد من ورائى وفى رواية قال ياهذان ادعوا لى الله ربكما ولكما أن لا أعود ففعل أى دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق الفرس وحينئذ يكون زجره لها ونهوضها بعد الدعاء فلا مخالفة قال فركبت فرسى أى بعد نهوضها حتى جئتهم فقلت إن قومك جعلوا فيك الدية أى مائة من الإبل لمن قتلك أو أسرك وهذا هو المراد بقوله فى الرواية السابقة فأخبرتهم بما يريد الناس منهم وكأنه رأى أن ذلك كاف فى لحوقه بهم عن ذكر أبى بكر قال سراقة وعرضت عليهما الزاد والمتاع فلم يفبلا وقالا اخف عنا أى وفى رواية عرضت عليهما الزاد والحملان أى ولعل الحملان هو المراد بالمتاع أى لأنه جاء أنه قال لهما خذا هذا السهم من كنانتى وغنمى وإبلى بمحل كذا وكذا فخذا منهما ما شئتما فقالا اكفنا نفسك فقال كفيتماها
أقول وفى رواية قال له صلى الله عليه وسلم يا سراقة إذا لم ترغب فى دين الإسلام فإنى لا أرغب فى إبلك ومواشيك وفى رواية عن أبى بكر رضى الله عنه قال لما أدركنا سراقة قلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا { لا تحزن إن الله معنا } أى وقد تقدم أنه قال ذلك له فى الغار فلما كان بيننا وبينه قيد أى مقدار رمح أو ثلاثة قلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيت قال لم تبكى قلت أما والله ما على نفسى أبكى ولكن أبكى عليك فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم اكفناه بما شئت فساخت به فرسه فى الأرض إلى بطنها وكانت الأرض صلبة أى ولا يخالف ما سبق أنها بلغت الركبتين لجواز أن يكون ذلك فى أول أمرها ثم صارت إلى بطنها وذلك كله فى المرة الأولى فلا يخالف ما فى الإمتاع لما قرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ساخت يدا فرسه فى الأرض إلى بطنها فقال ادع لى يا محمد أن يخلصنى الله تعالى ولك على أن أرد عنك الطلب فدعا فخلص فعاد فتبعهم فساخت قوائم فرسه فى الأرض أشد من الأولى فقال يا محمد قد علمت أن هذا من دعائك على الحديث إذ هو يدل على أنها فى المرة الأولى وصلت إلى بطنها وفى الثانية وصلت إلى ما هو زائد على ذلك وقد يدل له ما يأتى عن الهمزية ولعل المراد أنه دخل جزء من بطنها فى الأرض
____________________

فى المرة الثانية وفى لفظ فقال يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله ينجينى مما أنا فيه فو الله لأعمين على من ورائى من الطلب فدعا له فانطلق راجعا
وفى السبعيات للهمدانى أن سراقة لما دنا منه صلى الله عليه وسلم صاح وقال يا محمد من يمنعك منى اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يمنعنى الجبار الواحد القهار ونزل جبريل عليه السلام وقال يا محمد إن الله عز وجل يقول جعلت الأرض مطيعة لك فأمرها بما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أرض خذيه فأخذت الأرض أرجل جواده إلى الركب فساق سراقة فرسه فلم يتحرك فقال يا محمد الأمان وعزة العزى لو أنجيتنى لأكونن لك لا عليك فقال يا أرض أطلقيه فأطلقت جواده
وروى فى بعض التفاسير أن سراقة عاهد سبع مرات ثم ينكث العهد وكلما ينكث العهد تغوص قوائم فرسه فى الأرض وهذا أى الاقتصار على غوص قوائم فرسه فى الأرض لا ينافى الزيادة فلا يخالف ما سبق وفى السابعة تاب توبة صدق
وفى الفصول المهمة لما اتصل خبر مسيره صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وذلك فى اليوم الثانى من خروجه صلى الله عليه وسلم من الغار جمع الناس أبو جهل وقال بلغنى أن محمدا قد مضى نحو يثرب على طريق الساحل ومعه رجلان آخران فأيكم يأتينى بخبره فوثب سراقة فقال أنا لمحمد يا أبا الحكم ثم إنه ركب راحلته واستجنب فرسه وأخذ معه عبدا له أسود كان ذلك العبد من الشجعان المشهورين فسارا أى فى أثر النبى صلى الله عليه وسلم سيرا عنيفا حتى لحقا به فقال أبو بكر يا رسول الله قد دهينا هذا سراقة قد أقبل فى طلبنا ومعه غلامه الأسود المشهور فلما أبصرهم سراقة نزل عن راحلته وركب فرسه وتناول رمحه وأقبل نحوهم فلماقرب منهم قال النبى صلى الله عليه وسلم اللهم اكفنا أمرسراقة بما شئت وكيف شئت وأنى شئت فغابت قوائم فرسه فى الأرض حتى لم يقدر الفرس أن يتحرك فلما نظر سراقة إلى ذلك هاله ورمى نفسه عن الفرس إلى الأرض ورمى رمحه وقال يا محمد أنت أنت وأصحابك أى أنت كما أنت أى آمن وأصحابك فادع ربك يطلق لى جوادى ولك عهد وميثاق أن أرجع عنك فرفع النبى صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء وقال اللهم إن كان صادقا فيما يقول فأطلق له جواده فال قأطلق الله تعال له قوائم فرسه حتى وثب على الأرض سليما أى ولعل هذا فى المرة الثانية أو المرة الأخيرة من السبع على ما تقدم وتقدم أن الاقتصار على القوائم لا ينافى
____________________

الزيادة عليها فلا يخالف ما سبق فى هذه الرواية ورجع سراقة إلى مكة فاجتمع الناس عليه فأنكر أنه رأى محمدا فلا زال به أبو جهل حتى اعترف وأخبرهم بالقصة وفى ذلك يقول سراقة مخاطبا لأبى جهل ** أبا حكم والله لو كنت شاهدا ** ** لأمر جوادى إذ تسوخ قوائمه ** ** علمت ولم تشكك بأن محمدا ** ** رسول ببرهان فمن ذا يقاومه **
وسياق هذه الرواية يدل على أنه خرج خلف النبى صلى الله عليه وسلم من مكة ويدل لذلك ما ذكر أنه كان أحد القاصين لأثره صلى الله عليه وسلم فى الجبل لكنه مخالف لما تقدم أنه خرج خلفه صلى الله عليه وسلم من قديد من مجلس قومه وأخفى خروج فرسه وخروجه عن قومه
وقد يقال لا مخالفة لأنه يجوز أن يكون لما خرج من مكة سلك طريقا غير الطريق الذى سلكها النبى صلى الله عليه وسلم فلم يجده وسبقه على قديد فجلس فى مجلس قومه فلما أخبر بمرورهم فعل ما تقدم ثم وجد عبده الأسود فى مروره وكان معه راحلته فركبها واستجنب فرسه وصحب عبده
ولا مانع أن يخرج من مكة بعد خروجهم من الغار ويسبقهم على قديد ولا ينافى ذلك قوله فأتانا رسل كفار قريش لأنه يجوز أن يكون ذلك هو الحامل لسراقة على الذهاب إلى مكة لعله يجده بطريقه ولا ينافى ذلك كونه كان أحد القصاصين لأثره صلى الله عليه وسلم لأنه يجوز أن يكون عاد إلى قديد قبل أن يجعل الجعل وفى كلام بعضهم أنه أرسل بهذين البيتين إلى أبى جهل ولا منافاة لجواز أن يكون أرسل بهما قبل أن يشافهه بهما
وفى رواية أنه لما لحق بهم قال صلى الله عليه وسلم اللهم اصرعه فصرع عن فرسه فقال يا نبى الله مرنى بما شئت قال تقف مكانك لا تتركن أحدا يلحق بنا
ثم لا يخفى أن صرعه عن فرسه يحتمل أن يكون لما ساخت ويحتمل أنه صرع عنها قبل ذلك وهو ظاهر سياق الرواية الأولى وهى فعثرت بى فرسى فخررت عنها وحينئذ يكون عثورها بدعائه صلى الله عليه وسلم والله أعلم
قال سراقة فسألته أن يكتب لى كتاب أمن لأنه وقع فى نفسى حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________


وفى السبعيات قال سراقة يا محمد إنى لأعلم أنه سيظهر أمرك فى العالم وتملك رقاب الناس فعاهدنى أنى إذا أتيتك يوم ملكك فأكرمني فأمر عامر بن فهيرة أى وقيل أبا بكر فكتب لى فى رقعة من أدم أى وقيل فى قطعة من عظم وقيل فى خرقة
أقول وحينئذ يمكن أن يكون كتب عامر بن فهيرة أولا فطلب سراقة أن يكون أبو بكر هو الذى يكتب فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابة ذلك فأحدهما كتب فى الرقعة من الأدم والآخر كتب فى العظم أو الخرقة أو المراد بالخرقة الرقعة من الأدم فلا مخالفة

ولما اراد الانصراف قال له كيف بك ياسراقة إذا تسورت بسوارى كسرى قال كسرى بن هرمز قال نعم وسيأتى أن سراقة أسلم بالجعرانة ولما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بها قال له مرحبا بك
وعن سراقة لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين والطائف خرجت ومعى الكتاب لألقاه فلقيته بالجعرانة فدخلت فى كتيبة من خيل الأنصار فجعلوا يقرعوننى بالرماح ويقولون إليك ماذا تريد قال فدنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته فرفعت يدى بالكتاب ثم قلت يا رسول الله هذا كتابى وأنا سراقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم وفاء وبشر أدنه فدنوت منه وأسلمت
ولما جئ لعمر رضى الله تعالى عنه فى زمن خلافته بسوارى كسرى وتاجه ومنطقته أى وبساطه وكان ستين ذراعا فى ستين ذراعا منظوما باللؤلؤ والجواهر الملونة على ألوان زهر الربيع كان يبسط له فى إيوانه ويشرب عليه إذا عدمت الزهور وجئ له بمال كثير من مال كسرى وبنات كسرى وكن ثلاثا وعليهن الحلى والحلل والجواهر ما يقصر اللسان عن وصفه وعند ذلك دعا سراقة وقال ارفع يديك وألبسه السوارين وقال له قل الحمد لله الذى سلبهما كسرى بن هرمز الذى كان يقول أنا رب الناس وألبسهما سراقة بن مالك أى ورفع عمر بها صوته وصب المال الذى جئ به من أموال كسرى فى صحن المسجد وفرقه على المسلمين ثم قطع البساط وفرقه بين المسلمين فأصاب عليا رضى الله تعالى عنه منه قطعة باعها بخمسين ألف دينار ثم جئ ببنات الملك الثلاث فوقفن بين يديه وأمر المنادى أن ينادى عليهن وأن يزيل نقابهن عن
____________________

وجوههن ليزيد المسلمون فى ثمنهن فامتنعن من كشف نقابهن ووكزن المنادى فى صدره فغضب عمر رضى الله تعالى عنه وأراد أن يعلوهن بالدرة وهن يبكين فقال له على رضى الله تعالى عنه مهلا يا أمير المؤمنين فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ارحموا عزيز قوم ذل وغنى قوم افتقر فسكن غضبه فقال له على إن بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن من بنات السوقة فقال له عمركيف الطريق إلى العمل معهن فقال يقومن ومهما بلغ ثمنهن يقوم به من يختارهن فقومن وأخذهن على رضى الله تعالى عنه فدفع واحدة لعبد الله بن عمر فجاء منها بولده سالم وأخرى لمحمد بن أبى بكر فجاء منها بولده القاسم والثالثة لولده الحسين فجاء منها بولده على الملقب بزين العابدين وهؤلاء الثلاثة فاقوا أهل المدينة علما وورعا وكان أهل المدينة قبل ذلك يرغبون عن التسرى فلما نشأ هؤلاء الثلاثة فيهم رغبوا فيه
ومن غريب الانفاق ما حكاه بعضهم قال كنت أجالس سعيد بن المسيب واعجب سعيد بى يوما فقال لى من أخوالك فقلت أمى فتاة فكأنى نقصت من عينه فأنا عنده إذ دخل عليه سالم بن عبد الله بن عمر فلما خرج من عنده قلت له ياعم من هذا قال سبحان الله أتجهل مثل هذا من قومك هذا سالم بن عبد الله بن عمر قلت فمن أمه قال فتاه ثم دخل القاسم بن محمد فجلس عنده ثم نهض فلما خرج قلت يا عم من هذا قال ما أعجب أمرك أتجهل مثل هذا هذا القاسم بن محمد بن أبى بكر قلت فمن أمه قال فتاه ثم دخل عليه على بن حسين فجلس ثم نهض فلما خرج قلت له من هذا قال عجبت منك أتجهل مثل هذا هذا على زين العابدين بن الحسين قلت فمن أمه قال فتاة قلت يا عمى رأيتنى نقصت من عينك لما علمت أن أمى فتاة فما لى فى هؤلاءأسوة فقال أجل وعظمت فى عينه جدا
ولما رجع سراقة صار يرد عنهم الطلب لا يلقى أحدا إلا رده يقول سيرت أى اختبرت الطريق فلم أر أحدا وفى لفظ قال لقريش أى لجماعة منهم قصدوه صلى الله عليه وسلم كأنهم أخبروا بمكان مسيره ذلك قد عرفتم بصرى بالطريق وقد سرت فلم أر شيئا فرجعوا أى فإن كفار قريش لما سمعوا من الهاتف أى ومن غيره بأنه صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم نزل فى خيمة أم معبد كما سيأتى أرسلوا سرية فى طلبه يقول قائلهم اطلبوه قبل أن يستعين عليكم بكلبان العرب فيحتمل أن هؤلاء هم الذين ردهم سراقة
____________________

فكان سراقة أول النهار جاهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر النهار مسلحة أى سلاحا له
وفى رواية قال سراقة خرجت وأنا أحب الناس فى تحصيلهما ورجعت وأنا أحب الناس فى أن لا يعلم بهما أحد ويحتمل أنه بعد أن ردهم سراقة ذهبوا إلى أم معبد
ففى تتمة الخبر أن تلك السرية جاءت إلى أم معبد فسألوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشفقت أى خافت عليه منهم فتعاجمت عليهم أى أظهرت عدم علمها بذلك فقالت إنكم تسألونى عن أمر ما سمعت به قبل عامى هذا ثم قالت لئن لم تنصرفوا عنى لأصرخن فى قومى عليكم وكانت فى عز من قومها فانصرفوا ولم يعلموا أين توجه أى من أى طريق توجه أى ولعلها قالت لهم ذلك لما رأت منهم التثقيل عليها وهذا السياق يدل على أن قصة أم معبد وإلى قصة سراقة أشار صاحب الأصل بقوله ** غرت سراقة أطماع فساخ به ** ** جواده فانثنى للصلح مطلبا ** وإليها أشار أيضا صاحب الهمزية بقوله ** واقتفى أثره سراقة فاستهوته ** ** فى الأرض صافن جرداء ** ** ثم ناداه بعد ما سمت الخسف ** ** وقد ينجد الغريق النداء **
أى وتبع أثره سراقة فهوت أى سقطت به صافن وهى الفرس التى تقوم على ثلاث قوائم وتقيم الرابعة على طرف الحافر وهو وصف محمود فى الخيل جرداءقصيرة الشعر وذلك وصف محمود فى الخيل أيضا بعد أن قاربت أن يخسف بها كلها وقد يخلص الدعاء الغريق كما وقع ليونس صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه
قال وعن أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه أنه قال سرنا ليلتنا كلها حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق فلا يرى فيه أحد رفعت لنا صخرة طويلة لها ظل فنزلنا عندها فأتيت الصخرة فسويت بيدى مكانا ينام فيه رسول الله عليه وسلم في ظلها ثم بسطت له فروة معي ثم قلت يا رسول الله نم وأنا أتجسس وأتعرف من تخافه فنام صلى الله عليه وسلم وإذا براع يقبل نغنمه إلى الصخرة يريد منها الذى أردناه أى وهو الظل فلقيته فقلت له لمن أنت يا غلام فقال لرجل من أهل مكة فسماه فعرفته أى وقال الحافظ ابن حجر لم أقف على اسم هذا الراعى ولا على اسم صاحب الغنم قال
____________________

أبو بكر رضى الله تعالى عنه فقلت هل فى غنمك من لبن قال نعم قلت أفتحلب لى قال نعم فأخذ شاة فحلب لى فى قعب معه وفى رواية فى إداوة معى على فيها خرقة فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم وكرهت أن أوقظه من نومه فوقفت حتى استيقظ فصببت على اللبن من الماء حتى برد أسفله فقلت يا رسول الله اشرب من هذا اللبن فشرب لأنه جرت العادة بإباحة مثل ذلك لابن السبيل إذا احتاج إلى ذلك فكان كل راع مأذونا له فى ذلك أى كما تقدم فلا ينافى ما جاء لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه أو أن هذا الحديث محمول على فعل ذلك اختلاسا من غيرمعرفة الراعى
وأما قول بعضهم إنما استجاز شربه لأنه مال حربى ففيه نظر لأن الغنائم أى أموال الحربيين لم تكن أبيحت له حينئذ ثم قال يعنى النبى صلى الله عليه وسلم ألم يأن للرحيل قلت بلى فارتحلنا بعد ما زالت الشمس انتهى
أى وفى رواية أن أبا بكر قال قد آن الرحيل يا رسول الله أى دخل وقته قال الحافظ ابن حجر يجمع بينهما بأن يكون النبى صلى الله عليه وسلم بدأ فسأل فقال له أبو بكر بلى ثم أعاد عليه بقوله قد آن الرحيل واجتازوا فى طريقهم بأم معبد أى واسمها عاتكة وكان منزلها بقديد أى وهو محل سراقه كما تقدم ولعلها كانت بطرفه الأخير الذى يلى المدينة ومنزل سراقة بطرفه الذى يلى مكة وكانت مسافته متسعة فليتأمل
وكانت أم معبد امرأة برزة جلدة تختبى بفناء بيتها وتطعم وتسقى وهى لا تعرفهم أى وسألوها لحما وتمرا أى وفى رواية أو لبنا يشترونه فقالت والله لو كانت عندنا شئ ما أعوزناكم أى للشراء وفى رواية ما أعوزناكم القرى لأنهم كانوا مسنتين أى مجدبين فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أم معبد هل عندك من لبن قالت لا والله فرأى شاة خلفها الجهد عن الغنم أى لم تطق اللحاق بها لما بها من الهزال قال هل بها من لبن قالت هى أجهد من ذلك قال أتأذنين فى حلابها قالت والله ما ضربها من فحل قط فشأنك أى أصلح شأنك بها إن رأيت منها حلبا فاحلبها فدعا بها فمسح ظهرها بيده أى وفى رواية فبعث النبى صلى الله عليه وسلم معبدا وكان صغيرا فقال ادع هذه الشاة ثم قال يا غلام هات فرقا فمسح ظهرها وفى رواية فمسح بيده ضرعها وظهرها وسمى الله تعالى أى وقال اللهم بارك لنا شاتنا فدرت واجترت وتفاحجت أى فتحت ما بين رجليها للحلب ثم دعا بإناء يربض الرهط أى يروبهم
____________________

بحيث يغلب عليهم الرى فيربضون وينامون والرهط من الثلاثة للعشرة وقيل من التسعة إلى الأربعين فحلب فيها ثجا أى بقوة لكثرة اللبن ومن ثم قال حتى علاه البهاء وفى رواية حتى علته الثمالة بضم المثلثة أى الرغوة وفى رواية فسقاها فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا عللا بعد نهل أى مرة ثانية بعد الأولى ثم شرب صلى الله عليه وسلم فكان آخرهم شربا وقال ساقى القوم آخرهم شربا ثم حلب فيه وغادره أى تركه عندها وارتحل وإلى ذلك أشار الإمام السبكى بقوله فى تائيته ** مسحت على شاة لدى أم معبد ** ** بجهد فألفتها أدر حلوبة ** وإلى ذلك أشار صاحب الهمزية بقوله فى وصف راحته الشريفة ** درت الشاة حين مرت عليها ** ** فلها ثروة بها ونماء **
أى أرسلت لبنها حين مرت راحته الشريفة على تلك الشاة فلتلك الشاة بسبب تلك الراحة كثرة لبن وزيادة
وعن أم معبد أن هذه الشاة بقيت إلى خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه إلى سنة ثمانى عشرة وقيل سبع عشرة من الهجرة ويقال لتلك السنة عام الرمادة أى وكانت تلك السنة أجدبت الأرض إجدابا شديدا حتى جعلت الوحوش تأوى إلى الإنس ويذبح الرجل الشاة فيعافها أى لخبث لحمها وكانت الريح إذا هبت ألقت ترابا كالرماد فسمى ذلك العام عام الرمادة وعند ذلك آلى عمر رضى الله تعالى عنه أن لا يذوق لبنا ولا سمنا ولا لحما حتى تحيا الناس أى تجئ عليهم الحيا وهو المطر وقال كيف لا يعنينى شأن الرعية إذ لم يمسنى مامسهم وهذا السياق يدل على أن الذى حلبه صلى الله عليه وسلم عند أم معبد شاة واحدة
وفى تاريخ العينى شارح البخارى قال يونس عن أبن إسحاق أنه دعا ببعض غنمها فمسح ضرعها بيده ودعا الله وحلب فى العس حتى أرغى وقال اشربى يا أم معبد فقالت أشرب أشرب فأنت أحق به فرده عليها فشربت ثم دعا بحائل أخرى ففعل بها مثل ذلك فسقى دليله ثم دعا بحائل أخرى ففعل بها مثل ذلك فسقى عامر بن فهيرة وطلبت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغوا أم معبد فسألوا عنه صلى الله عليه وسلم ووصفوه لها فقالت ما أدرى ما تقولون قد ضافنى حالب الحائل فقالوا ذلك الذى نريده
____________________


وعند قول عمر رضى الله تعالى عنه ذلك قال كعب لعمر يا أمير المؤمنين إن بنى إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا استسقوا بعصبة الأنبياء فقال عمر هذا عم النبى صلى الله عليه وسلم وصنو أبيه وسيد بنى هاشم يعنى العباس فمشى إليه عمر وشكا إليه ما فيه الناس فصعد عمر المنبر ومعه العباس وقال اللهم إنا قد توجهنا إليك بعم نبينا وصنو أبيه صلى الله عليه وسلم فاسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ثم قال عمر للعباس يا أبا الفضل قم وادع فقام وحمد الله وأثنى عليه ودعا بدعاء منه اللهم شفعنا فى أنفسنا وأهلينا اللهم إنا نشكو إليك جوع كل جائع اللهم إنا لا نرجو إلا إياك ولا ندعو غيرك ولا نرغب إلا إليك فسقوا قبل أن يصلوا إلى منازلهم وخاضوا فى الماء وأخصبت الأرض وعاش الناس فقال عمر هذا والله هو الوسيلة إلى الله تعالى فصار الناس يتمسحون بالعباس ويقولون هنيئا لك سقينا فى الحرمين
وذكر السهيلى أن جماعة كانت مقبلة إلى المدينة فى ذلك اليوم فسمعوا صائحا يصيح فى السحاب أتاك الغوث أبا حفص أتاك الغوث أبا حفص
هذا وذكر العلامة ابن حجر الهيتمى فى الصواعق عن تاريخ دمشق أن الناس كرروا الاستسقاء عام الرمادة سنة سبع عشرة من الهجرة فلم يسقوا فقال عمر رضى الله تعالى عنه لأستسقين غدا بمن يسقينى الله به فلما أصبح غدا للعباس رضى الله تعالى عنه فدق عليه الباب فقال من قال عمر قال ما حاجتك قال اخرج حتى نستسقى الله بك قال اقعد فأرسل إلى بنى هاشم أن تطهروا والبسوا من صالح ثيابكم فأتوه وأخرج طيبا وطيبهم ثم خرج وعلى أمامه بين يديه والحسن عن يمينه والحسين عن يساره وبنو هاشم خلف ظهره وقال يا عمرلا تخلط بنا غيرنا ثم أتى المصلى فوقف فحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال اللهم إنك خلقتنا ولم تؤامرنا وعلمت ما نحن عاملون قبل أن تخلقنا فلم يمنعك علمك فينا عن رزقنا اللهم فكما تفضلت علينا فى أوله فتقضل علينا فى آخره قال جابر فما برحنا حتى سحت السماء علينا سحا فما وصلنا إلى منازلنا إلا خوضا فقال العباس أنا ابن المسقى ابن المسقى ابن المسقى ابن المسقى ابن المسقى خمس مرات أشار إلى أن أباه عبد المطلب استسقى خمس مرا ت فسقى هذا كلامه فلينظر الجمع
قال ابن شهاب كان أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يعرفون للعباس فضله
____________________

ويقدمونه ويشاورونه ويأخذون برأيه أى وكان لايمرعمر وعثمان وهما راكبان إلا ترجلا حتى يجوز العباس وربما مشيا معه إلى بيته إجلالا له أى لأنه صلى الله عليه وسلم قال احفظونى فى العباس فإنه عمى وصنو أبى وفى رواية فإنه بقيه آبائى
قالت أم معبد فى وصف تلك الشاة وكنا نحلبها صبوحا وغبوقا أى بكرة وعشية وما فى الأرض قليل ولا كثير أى مما يتعاطى الدواب أكله ولما جاء زوجها أبو معبد قال السهيلى لا يعرف اسمه وقيل اسمه أكثم بالثاء المثلثة كما تقدم وقيل خنيس وقيل عبد الله جاء عند المساء يسوق اعنزا عجافا ورأى اللبن الذى حلبه صلى الله عليه وسلم عجب وقال يا أم معبد ما هذا اللبن ولا حلوب فى البيت أى والشاة عازب أى لم يطرقها فحل لكن رأيته فى النور فسر العازب بالبعيدة المرعى التى لا تأوى إلى المنزل فى الليل وفى الصحاح العازب الكلأ البعيد الذى لم يؤكل ولم يوطأ
قالت مر بنا رجل مبارك قال صفيه قالت رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلج الوجه أى مشرقه فى أشفاره أى أجفان عينيه أى شعرها النابت بها وطف أى طول وفى عينيه دعج بشدة السواد وفيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن بياض عينيه شديد البياض بل كان أشكل العين والشكلة خمرة فى بياض العين وهو دليل الشهامة وهى من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم فى الكتب القديمة كما تقدم وفى صوته صحل أى بحة بضم الموحدة أى ليس حاد الصوت غصن بين الغصنين لا تشنؤه من طول أى لا تبغضه لفرط طوله ولا تقتحمه من قصر أى تحتقره من قصره لم تعبه ثجلة أى عظم البطن وكبرها ولم تزر به صعلة أى صغر الرأس كأن عنقه إبريق فضة أى والإبريق السيف الشديد البريق إذا نطق فعليه البهاء وإذا صمت فعليه الوقار له كلام كخرزات النظم أزين أصحابه منظرا وأحسنهم وجها أصحابه يحفون به إذا أمر ابتدروا أمره وإذا نهى انتهوا عند نهيه
قال وفى لفظ أنها قالت رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه أى مشرقه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزره صعلة وسيما قسيما أى حسنا فى عينيه دعج وفى أشفاره وطف وفى صوته صحل أو قالت صهل أحور أكحل أى فى أجفان عينيه سواد خلقة وفى عنقه سطع أى نور وفى لحيته كثافة أى لا طويلة ولادقيقة
____________________

أزج أى رقيق طرف الحاجب أقرن أى مقرون الحاجبين شديد سواد الشعر إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما به أى ارتفع على جلسائه وعلاه البهاء أجمل الناس وأبهاهم من بعيد وأحسنهم من قريب حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كأن منطقه خززا ت نظمن يتحدرن ربعة لا تشنؤه أى تبغضه من طول أى من فرط طوله ولا تقتحمه عين من نظر أى لا تتجاوزه إلى غيره اختيارا له غصنا بين عصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا له رفقاء يحفون به إن قال أنصتوا لقوله وإن أمر ابتدروا إلى أمره محفود مخدوم محشود له حشد وجماعة لا عابس ولا مفند أى يكثر اللوم اه قال هذه والله صفة صاحب قريش ولو رأيته لا تبعته ولأجتهدن أن أفعل
أى وفى الإمتاع ويقال إنها أى أم معبد ذبحت لهم شاة وطبختها فأكلوا منها ووضعت لهم فى سفرتهم منها ما وسعته تلك السفرة وبقى عندها أكثر لحمها
وفى الخصائص الكبرى أنه صلى الله عليه وسلم بايعها أى أسلمت قبل أن يرتحلوا عنها وفى كلام ابن الجوزى أن أم معبد هاجرت واسلمت وكذا زوجها هاجر وأسلم
اقول فى شرح السنة للبغوى وهاجرت هى وزوجها وأسلم أخوها حبيش بن الأصفر واستشهد يوم الفتح وكان أهلها يؤرخون بيوم نزول الرجل المبارك ويقال بأن زوجها خرج فى أثرهم فأدركهم وبايعه صلى الله عليه وسلم ورجع
وفى الأجوبة المسكتة لابن عون قيل لأم معبد ما بال صفتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه به من سائر صفات من وصفه أى من الرجال فقالت أما علمتم أن نظر المرأة من الرجل أشفى من نظر الرجل إلى الرجل
وفى ربيع الأبرار للزمخشرى عن هند بنت الجون أنه صلى الله عليه وسلم لما كان بخيمة خالتها أم معبد قام من رقدته فدعا بماء فغسل يديه ثم تمضمض ومج ذلك فى عوسجة إلى جانب الخيمة فأصبحت وهى أعظم دوحة أى شجرة ذات فروع كثيرة وجاءت بثمر كأعظم ما يكون فى لون الورس ورائحة العنبر وطعم الشهد ما أكل منها جائع إلا شبع ولا ظمآن إلا روى ولا سقيم إلا برئ ولا أكل من ورقها بعير إلا در فكنا نسميها المباركة فأصبحنا فى يوم من الأيام وقد سقط ثمرها واصفر
____________________

ورقها ففزعنا لذلك فما راعنا إلا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والعجب كيف لم يشتهر أمر هذه الشجرة كما اشتهر أمر الشاة
وعن أم معبد أنها قالت مر على خيمتى غلام سهيل بن عمرو ومعه قربتان فقلت ما هذا قال إن النبى صلى الله عليه وسلم كتب إلى مولاى يستهديه ماء زمزم فأنا أعجل السيركى لا تنشف القرب أى فإنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى سهيل بن عمرو إن جاءك كتابى ليلا فلا تصبحن أو نهارا فلا تمسين حتى تبعث إلى من ماء زمزم فجاء بقربتين فملأهما من ماء زمزم وبعث بهما على بعير مولاه أزهر ولا زال كفار قريش بمكة لا يعلمون أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حتى سمعوا هاتفا يذكرهما ويذكر أم معبد فى أبيات منها ** جزى الله رب الناس خير جزائه ** ** فيقين قالا خيمتى أم معبد ** ** هما نزلا بالبر ثم ترحلا ** ** فأفلح من أمسى رفيق محمد **
فعلموا توجهه ليثرب أى وفى طريق اليمن محل يقال له الدهيم وبئر أم معبد قال بعضهم وليست بأم معبد التى نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة ويجوز أن يكون الخبر الذى وصل إليهم فى اليوم الثانى من خروجه من الغار هو قول هذا الهاتف أو عقبه من شخص رآهم وإلى قول الهاتف أشار صاحب الهمزية بقوله ** وتغنت بمدحه الجن حتى ** ** أطرب الإنس منه ذاك الغناء **
أى وأظهرت الجن أوصافه صلى الله عليه وسلم الحميدة فى صورة الغناء الذى تتولع به النفس حتى أطرب ذلك الغناء الإنس حيث سمعوه وأما قول بعضهم إنهم علموا ذلك من هاتف هتف بقوله ** إن يسلم السعدان يصبح محمد من الأمر لا يخشى خلاف المخالف **
فقالوا السعود سعد بن بكر وسعد بن زيد مناة وسعد هديم فلما كانت القابلة سمعوا ذلك الهاتف يقول ** فياسعد سعد الأوس كن أنت مانعا ** ** ويا سعد الخزرجين الغطارف **
فقالوا سعد الأوس سعد بن معاذ وسعد الخزرجين سعد بن عبادة ففيه نظر لأن السعدين المذكورين كانا أسلما قبل ذلك فلا يحسن قوله إن يسلم السعدان
أقول يجوز أن يكون أن هنا بمعنى إذ أى صيرورته صلى الله عليه وسلم آمنا لا يخشى
____________________

خلاف المخالف إسلام السعدين أو المراد دوامهما على الإسلام على أنه ذكر فى الأصل أن إنشاد هذين البيتين وسماع أهل مكة له كان قبل إسلام سعد بن معاذ
وذكر بعضهم أن السعود من الأنصار سبعة أربعة من الأوس سعد بن معاذ وسعد بن خيثمة وسعد بن عبيد وسعد بن زيد وثلاثة من الخزرج سعد بن عبادة وسعد بن الربيع وسعد بن عثمان أبو عبيدة والله أعلم
قال وتقديم قصة سراقة على قصة أم معبد هو ما فى الأصل وقد التزم فيه ترتيب الوقائع وقضية الترتيب ذكر قصة أم معبد قبل قصة سراقة لأنه الصحيح الذى صرح به جماعة اه
أقول ومما يدل لذلك ما تقدم من أن كفار قريش لم يعلموا أين توجه صلى الله عليه وسلم حتى سمعوا الهاتف يذكر أم معبد
وعن أسماء بنت أبى بكر رضى الله تعالى عنهما قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل وقفوا على الباب فخرجت إليهم فقالوا أين أبوك قلت والله لا أدرى فرفع أبو جهل يده فلطم خدى لطمة خرم منها قرطى أى وفى لفظ طرح منها قرطى والقرط ما يعلق فى شحمة الأذن قالت ثم انصرفوا فمضى ثلاث ليال ولم ندر أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يغنى بأبيات وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته حتى خرج بأعلى مكة يقول جزى الله رب الناس الأبيات كذا فى الأصل
وفيه أن قولها لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر فى خروجه للغار وقولها فمضى ثلاث لا ندرى أين توجه يقتضى أن المراد خروجه من الغار وتقدم أنهم علموا بخروجه إلى المدينة فى اليوم الثانى من خروجه من الغار وتقدم أنهم لم يعلموا بذلك إلا من الهاتف فليتأمل
وقد تبع الأصل فى ذلك شيخه الحافظ الدمياطى حيث قدم خبر سراقة على قصة أم معبد إلا أن يقال الدمياطى لم يلتزم الترتيب فلا تحسن تبعيته وهنا قصة أخرى فيها زيادة ونقص قيل هى قصة أم معبد وقيل غيرها وهى أنه اجتاز صلى الله عليه وسلم بغنم فقال لراعيها لمن هذه فقال لرجل من أسلم فالتفت صلى الله عليه وسلم لأبى بكر وقال سلمت إن شاء الله تعالى ثم قال للراعى ما اسمك قال مسعود فالتفت إلى أبى بكر رضى الله تعالى عنه فقال سعدت إن شاء الله تعالى
____________________


وفى الإمتاع ولقى بريدة بن الحصيب الأسلمى رضى الله تعالى عنه فى ركب من قومه فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا أى والحصيب بضم الحاء المهملة وفتح الصاد
وفى الشرف أن بريدة لما بلغه ما جعلته قريش لمن يأخذ النبى صلى الله عليه وسلم طمع فى ذلك فخرج هو فى سبعين من أهل بيته وفى لفظ كانوا نحو ثمانين بيتا وجينئذ يراد ببيته قومه فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال له من أنت قال بريدة ابن الحصيب فالتفت النبى صلى الله عليه وسلم وقال يا أبا بكر برد أمرنا وصلح قال ممن أنت قال من أسلم من بنى سهم قال النبى صلى الله عليه وسلم سلمنا وخرج سهمك يا أبا بكر أى لأنه صلى الله عليه وسلم كان يتفاءل ولا يتطير كما تقدم ثم قال بريدة للنبى صلى الله عليه وسلم من أنت قال أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله فقال بريدة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فأسلم بريدة وكل من كان معه أى وصلوا خلفه صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة ثم قال بريدة يا رسول الله لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء فحل بريدة عمامته ثم شدها فى رمح ثم مشى بين يديه أى وقال له كما فى الوفاء تنزل علام يا نبى الله فقال النبى صلى الله عليه وسلم إن ناقتى هذه مأمورة فقال بريدة الحمد لله الذى أسلمت بنو سهم يعنى قومه طائعين غير مكرهين
ولما سمع المسلمون بالمدينة بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة كانوا يغدون كل غداة إلى الحرة ينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة
أقول ولعل خروجهم كان فى ثلاثة أيام وهى المدة الزائدة على المسافة المعتادة بين مكة والمدينة التى كان بها فى الغار والله أعلم
فاتقلبوا يوما بعد أن طال انتظارهم أى وأحرقتهم الشمس وإذا رجل من اليهود صعد على أطم أى محل مرتفع من آطامهم أى من محالهم المرتفعة لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين أى لأنهم لقوا الزبير فى ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضا كما فى البخارى
وقيل إن الذى كساهما طلحة بن عبيد الله قال فى النور ولعلهما لقياه معا أو متعاقبين فكسواه وأبا بكر ما ذكر وهذا الجمع أولى من ترجيح الحافظ الدمياطى لهذا القيل
____________________

ومن ثم ذكر الحافظ ابن حجر أن هذا القيل هو الذى فى السير ومال الدمياطى إلى ترجيحه على عادته فى ترجيح ما فى السير على ما فى الصحيح لكنه ذكر أن ذلك كان شأنه فى ابتداء أمره فلما تضلع من الأحاديث الصحيحة كان يرى الرجوع عن كثير مما وافق عليه أهل السير وخالف الأحاديث الصحيحة
فلما رآهم ذلك اليهودى يزول بهم السراب أى يرفعهم ويظهرهم أى والسراب ما يرى كالماء فى وسط النهار فى زمن الحر فلم يملك اليهودى أن قال بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدكم أى حظكم الذى تنتظرون أى وفى رواية فلما دنوا من المدينة بعثوا رجلا من أهل البادية إلى أبى أمامة وأصحابه من الأنصار أى ولا مانع من وجود الأمرين فثار المسلمون إلى السلاح فبلغوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة أى وفى لفظ فوافوه وهو مع أبى بكر فى ظل نخلة ولعل تلك النخلة كانت بظهر الحرة فلا مخالفة ثم قالوا لهما ادخلا آمنين مطاعين فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بقباء فى دار بنى عمرو بن عوف وذلك فى يوم الأثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول على كلثوم بن الهدم أى لأنه كان شيخ بنى عمرو بن عوف أى وهم بطن من الأوس قيل وكان يومئذ مشركا ثم أسلم وتوفى قبل بدر بيسير وقيل أسلم قبل وصوله صلى الله عليه وسلم المدينة أى وعند نزوله صلى الله عليه وسلم نادى كلثوم بغلام له يا نجيح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنجحت يا أبا بكر وكان يجلس للناس ويتحدث مع أصحابه فى بيت سعد بن خيثمة أى لأنه كان عزبا لا أهل له هناك أى وكان منزله يسمى منزل العزاب والعزب من الرجال من لا زوجة له ولا يقال أعزب وقيل هى لغة رديئة
أقول وبذلك يجمع بين قول من قال نزل على كلثوم وقول من قال نزل على سعد ابن خيثمة ثم رايت الحافظ الدمياطى أشار إلى ذلك والله أعلم
ونزل على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه لما قدم المدينة على كلثوم أيضا بقباء بعد ان تأخر بمكة بعده صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال يؤدى الودائع التى كانت عند النبى صلى الله عليه وسلم لأمره له صلى الله عليه وسلم يذلك كما تقدم
فلما توجه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قام على رضى الله تعالى عنه بالأبطح ينادى
____________________

من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وديعة فليأت إليه أمانته فلما نفد ذلك ورد عليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشخوص إليه فابتاع ركائب وقدم ومعه الفواطم ومعه أم أيمن وولدها أيمن وجماعة من ضعفاء المؤمنين
أقول سيأتى ما يخالف ذلك وهو أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل فى دار أبى أيوب بعث زيد بن حارثه وأبا رافع إلى مكة وأعطاهما خمسمائة درهم وبعيرين يقدمان عليه بفاطمة وأم كلثوم بنته وسودة زوجته وأم أيمن وولدها أسامة إلاأن يقال يجوز أن يكون الكتاب الذى فيه استدعاء سيدنا على رضى الله تعالى عنه للهجرة كان مع زيد وأبى رافع رضى الله تعالى عنهما وأنهما صحباه ولا ينافى ذلك ما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم تأخر بعد على رضى الله تعالى عنه بمكة ثلاث ليال يؤدى الودائع لأن تلك الليالى الثلاث كانت مدة تأدية الودائع ومكث بعدها إلى أن جاءه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحينئذ يكون قدم على صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد نزوله بقباء على كلثوم فلا مخالفة لكن فى السيرة الهشامية فنزل أى على معه أى مع النبى صلى الله عليه وسلم على كلثوم وهو لا يتأتى إلا على القول بأنه صلى الله عليه وسلم مكث فى قباء بضع عشرة ليلة كما سيأتى وحينئذ يخالف ما سبق من مجيئه مع زيد وأبى رافع لما علمت أنه صلى الله عليه وسلم إنما أرسلهما بعد أن تحول من قباء إلى المدينة
وفى الإمتاع لما قدم على من مكة كان يسير الليل ويكمن النهار حتى تقطرت قدماه فاعتنقه النبى صلى الله عليه وسلم وبكى رحمة لما بقدميه من الورم وتفل فى يديه وأمرهما على قدميه فلم يشكهما بعد ذلك ولا مانع من وقوع ذلك من على مع وجود ما يركبه لأنه يجوز أن يكون هاجر ماشيا رغبة فى عظيم الأجر
وفى السيرة الهشامية أن إقامة على بقباء كانت ليلة أو ليلتين وأنه رأى امرأة مسلمة لا زوج لها يأتيها إنسان من جوف الليل يضرب عليها بابها فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه قال على فسألتها فقالت هذا سهل بن حنيف قد عرف أنى امرأة لا أحد لى فإذا أمسى غدا على أوثان قومه فكسرها ثم جاءنى بها فقال احتطبى بهذا أى اجعليه للنار فكان على يعرف ذلك لسهل بن حنيف والله أعلم
قال ونزل أبو بكر على حبيب بن أبى إساف وقيل على خارجة بن زيد بالسنح بضم السين المهملة فنون ساكنة فجاء مهملة
____________________


وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ولد نبيكم يوم الأثنين وحملت به أمه يوم الاثنين وخرج من مكة أى من الغار يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين
قال الحاكم تواترت الأخبار أن خروجه صلى الله عليه وسلم كان يوم الاثنين ودخوله المدينة كان يوم الاثنين زاد بعضهم وفتح مكة كان يوم الاثنين ووضع الركن كان يوم الاثنين
ومن الغريب ما حكاه بعضهم عن الربيع المالكى وكان بمصر كان يوم الاثنين خاصة إذا نام فيه تنام عيناه ولا ينام قلبه وقيل خرج من مكة أى إلى الغار يوم الخميس وعليه يكون مكث صلى الله عليه وسلم فى الغار تلك الليلة التى هى ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد وعليه يكون خروجه من الغار صبيحة ليلة الأحد
ففى البخارى أتاهما أى الدليل براحلتهما صبح ثلاث وتقدم أن خروجهما إلى الغار كان ليلا من بيت أبى بكر وقول أبى بكر سرنا ليلتنا كلها حتى قام قائم الظهيرة يقتضى أنهما خرجا من الغار ليلا بل أول الليل لأن مع التأكد يبعد أن يكون المراد بقية ليلتنا وتقدم عن البخارى أتاهما براحلتيهما صبح ثلاث وحمل ذلك على ماقارب الصبح من الليل بعيد فلتيأمل هذا المحل وقيل دخلها أى المدينة ليلا كما فى رواية لمسلم أى وقال الحافظ ابن حجر ويجمع بأن القدوم كان آخر الليل فدخلها نهارا
أقول لعل مراد الحافظ أن الوصول كان ليلا إلى قرب المدينة فأقاموا بذلك المحل إلى أن أسفر النهار وساروا فما وصلوا إلا وقت الظهيرة فلا يخالف ما تقدم وقيل دخلها يوم الجمعة وذكر الحافظ ابن حجر أنه شاذ والله أعلم
وسرى السرور إلى القلوب بحلوله صلى الله عليه وسلم فى المدينة فعن البراء رضى الله تعالى عنه قال ما رأيت أهل المدينة فرحوا بشئ فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم
وعن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه قال لما كان اليوم الذى دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شئ وصعدت ذوات الخدور على الأجاجير أى الأسطحة عند قدومه صلى الله عليه وسلم يعلن بقولهن طلع البدر علينا الخ
وعن عائشة رضى الله تعالى عنها لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جعل النساء والصبيان والولائد يقلن ** طلع البدر علينا ** من ثنيات الوداع **
____________________

** وجب الشكر علينا ** ما دعا لله داعى ** ** أيها المبعوث فينا ** جئت بالأمر المطاع **
قال واستشكل بأن ثنيات الوداع ليست من جهة القادم من مكة بل هى من جهة الشام فقد قال ابن القيم فى الهدى فى غزوة تبوك ثنيات الوداع من جهة الشام لا يطؤها القادم من مكة ونقل الحافظ ابن حجر عنه عكس ذلك وليس فى محله وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم جاء من جهتها فى دخوله للمدينة عند خروجه من قباء اه
أى وفى كلام بعضهم ما كان أحد يدخل المدينة إلا منها فإن لم يعبر منها مات قبل أن يخرج لوبائها كما زعمت اليهود فإذا وقف عليها قيل قد ودع فسميت به وقيل قيل لها ثنية الوداع لأن المودع يمشى مع المسافر من المدينة إليها وهو اسم قديم جاهلى وقيل إسلامى سمى ذلك المحل لذلك وقيل لأن الصحابة رضى الله تعالى عنهم ودعوا فيها النساء اللاتى استمتعوا بهن فى خيبرعند رجوعهن من خيبر أو وقع توديع من خرج إلى غزوة تبوك فيها أو لكونه صلى الله عليه وسلم ودع بعض المسافرين عندها وهذا يدل على أن هذا الشعر قيل له عند دخوله المدينة لا عند دخوله قباء وسياق بعضهم يقتضيه وسياق بعض آخر يقتضى أنه كان عند دخوله قباء ومن هذا تعلم أن المدينة تطلق ويراد بها ما يشمل قباء ومنه قولنا وسرى السرور إلى القلوب بحلوله صلى الله عليه وسلم فى المدينة فعن البراء إلى آخره وهى المرادة بدخوله المدينة يوم الاثنين على ما تقدم وتطلق ويراد بها ما قابل قباء وحينئذ تكون هذه المرادة بقول أنس لما كان اليوم الذى دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة إلى آخره ولعل منه ما فى بعض الروايات المتقدمة دخل المدينة يوم الجمعة الذى حكم الحافظ ابن حجر بشذوذه كما تقدم
ولما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر للناس أى وأبو بكر شيخ أى شيبه ظاهر والنبى صلى الله عليه وسلم شاب أى شعر لحيته أسود مع كونه أسن من أبى بكر كما تقدم وقد قال أنس لم يكن فى الذين هاجروا أشمط غير أبى بكر فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يجئ أبا بكر فيعرفه بالنبى صلى الله عليه وسلم حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه فعرفه الناس أى عرفه من جاء منهم بعد ذلك أى لأن عدم تأثير الشمس فيه لتظليل الغمامة كان قبل البعثة إرهاصا كما تقدم
____________________


ومما يدل على أن خروجه من قباء كان يوم الجمعة قول بعضهم ولبث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بنى عمرو بن عوف أى فى قباء بقية يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وخرج يوم الجمعة وقيل لبث بضع عشرة ليلة وهو المنقول عن البخارى
وعن ابن عقبة أقام صلى الله عليه وسلم ثنتين وعشرين ليلة وفى الهدى أقام أربعة عشر يوما وهو ما فى صحيح مسلم فليتأمل وأسس فى قباء المسجد الذى أسس على التقوى أى الذى نزلت فيه الآية وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى الهدى ولا ينافى هذا قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن المسجد الذى أسس على التقوى فقال مسجدكم هذا وأشار لمسجد المدينة أى وفى رواية فأخذ حصاة فضرب بها الأرض وقال مسجدكم هذا يعنى مسجد المدينة لأن كلا منهما مؤسس على التقوى هذا كلامه ويوافقه ما نقل عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه كان يرى كل مسجد بنى بالمدينة الشاملة لقباء أسس على التقوى أى لكن الذى نزلت فيه الآية مسجد قباء وكان خروجه صلى الله عليه وسلم من قباء يوم الجمعة حين ارتفع النهار قال قيل وكان محل مسجد قباء مربد أى محلا يجفف فيه التمر لكلثوم بن الهدم وهو أول مسجد بنى فى الإسلام لعموم المسلمين فلا ينافى أنه بنى قبله غيره من المساجد لكن لخصوص الذى بناه كالمسجد الذى بناه الصديق بفناء داره بمكة كما تقدم انتهى
أى وفى كلام ابن الجوزى أول من بنى مسجدا فى الإسلام عمار بن ياسر
وفى السيرة الهشامية عن الحكم بن عيينة لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قباء قال عمار بن ياسر ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم بد من أن يجعل له مكانا يستظل به إذا استيقظ ويصلى فيه فجمع حجارة فبنى مسجد قباء أى فانه لما جمع الحجارة أسسه صلى الله عليه وسلم واستتم بنيانه عمار فعمار أول من بنى مسجدا لعموم المسلمين
قال وعن جابر لبثنا بالمدينة قبل أن يقدم النبى صلى الله عليه وسلم بسنتين نعمر المساجد ونقيم الصلاة انتهى
ونعمر يحتمل أن يكون بالتخفيف فيكون عطف نقيم الصلاة من عطف التفسير ويحتمل أن يكون بالتشديد فيكون بناء المساجد تعدد فى المدينة قبل قدومه صلى الله عليه وسلم
وفيه أن الحافظ ابن حجر قال كان بين ابتداء هجرة الصحابة وبين هجرته صلى الله
____________________

عليه وسلم شهران ونصف شهر على التحرير كما تقدم أى ورواية جابر تدل على أنه كان بين اجتماع الاثنى عشر من الأنصار به صلى الله عليه وسلم ومجيئهم إلى المدينة وبين قدومه صلى الله عليه وسلم للمدينة سنتان
وقد يقال ليس مراد جابر أن ابتداء المدة من قدوم الاثنى عشر عليه بل مراده أن ابتداءها من قدوم الستة عليه الذين منهم جابر والمدة تزيد على السنتين فليتأمل وهو أى مسجد قباء أول مسجد صلى فيه صلى الله عليه وسلم بأصحابه جماعة ظاهرين أى آمنين
وقيل إن هذا المسجد بناه المهاجرون والأنصار يصلون فيه فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وورد قباء صلى فيه ولم يحدث فيه شيئا
ويخالفه ما تقدم عن السيرة الهشامية وما فى الطبرانى بسند رجاله ثقات عن الشموس بفتح الشين المعجمة بنت النعمان رضى الله تعالى عنها قالت نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم ونزل وأسس المسجد مسجد قباء فرأيته يأخذ الحجر أو الصخرة حتى يصهره الحجر أى يتبعه فيأتى الرجل من أصحابه فيقول يا رسول الله بأبى أنت وأمى تعطينى أكفك فيقول لآخذ مثله حتى أسسه
أى وجاء أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد بناءه قال يا أهل قباء ائتونى بأحجار من الحرة فجمعت عنده أحجار كثيرة فخط القبلة وأخذ حجرا فوضعه ثم قال يا أبا بكر خذ بحجر فضعه إلى جنب حجرى ثم قال يا عمر خذ حجرا فضعه إلى جنب حجر أبى بكر ثم قال يا عثمان خذ حجرا فضعه إلى جنب حجر عمر قال بعضهم كأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى ترتيب الخلافة وسيجئ فى بناء مسجد المدينة نحوه ويحتاج للجمع بين هذه الروايات
وبعد تحوله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان يأتيه يوم السبت ماشيا وراكبا وقال من توضأ وأسبغ الوضوء ثم جاء مسجد قباء فصلى فيه كان له أجر عمرة وروى أى الترمذى والحاكم وصححاه عن أسيد بن حضير عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة فى مسجد قباء كعمرة وفى رواية من صلى فى مسجد قباء يوم الاثنين والخميس انقلب بأجر عمرة وكان عمر رضى الله تعالى عنه يأتيه يوم الاثنين ويوم الخميس وقال لو كان بطرف من الأطراف وفى رواية فى افق من الآفاق لضربت إليه أكباد الإبل
أى وصح الحاكم عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال كان رسول الله صلى الله
____________________

عليه وسلم يكثر الاختلاف إلى قباء ماشيا وراكبا وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه عن أبيه قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء وعن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يأتى مسجد قباء فيصلى فيه ركعتين وعنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء فقام يصلى فجاءته الأنصار تسلم عليه فقلت لبلال كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم قال يشير إليهم بيده وهو يصلى أى يجعل باطنها إلى أسفل وظهرها إلى فوق
وقد وقعت له صلى الله عليه وسلم الإشارة فى الصلاة برد السلام لما قدمت عليه ابنته رضى الله تعالى عنها من الحبشة وهو يصلى فسلمت فأومأ إليها برأسه
وفى الهدى وأما حديث من أشار فى الصلاة إشارة تفهم عنه فليعد صلاته فحديث باطل وفى كلام بعضهم قد ثبت فى الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم عليه أحد وهو فى الصلاة أشار بأصبعه المباركة جواب السلام وليس لهذه الأحاديث معارض إلا حديث مجهول وهو من أشار فى صلاته إشارة مفهمة فليعد صلاته وهذا الحديث لا يصلح للمعارضة ولما نزل قوله تعالى { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألهم عن ذلك فقال ما هذا الطهور الذى أثنى الله عليكم به فقالوا يا رسول الله ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل فرجه فقال هو هذا وفى لفظ أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مسجد قباء أى وفى الكشاف ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء فإذا الأنصار جلوس فقال أمؤمنون أنتم فسكت القوم ثم أعادها فقال عمر يا رسول الله إنهم لمؤمنون وأنا منهم فقال عليه الصلاة والسلام أتؤمنون بالقضاء قالوا نعم قال وتصبرون على البلاء قالوا نعم قال أتشكرون على الرخاء قالوا نعم قال عليه الصلاة والسلام مؤمنون ورب الكعبة فجلس وقال يامعشر الأنصار إن الله عز وجل قد أثنى عليكم فما الذى تتبعون عند الوضوء وعند الغائط أى المعبر عنه بالطهور فقالوا يا رسول الله نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء فتلا النبى صلى الله عليه وسلم { فيه رجال يحبون أن يتطهروا } هذا كلامه وفى رواية فقال إن الله قد أحسن إليكم الثناء فى الطهور فما هذا الطهور الذى تتطهرون به قالوا يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود فكانوا يغسلون
____________________

أدبارهم من الغائط فغسلناها كما غسلوا وفى لفظ كنا نستنجى بالماء فى الجاهلية فلما جاء الإسلام لم ندعه قال فلا تدعوه وفى لفظ قالوا نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنانة فقال هل مع ذلك غيره قالوا لا غير إن أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحب أن يستنجى بالماء وفى رواية نستنجي من البول والغائط زاد في رواية ولا ننام الليل كله على الجنابة قال هو ذاك فعليكموه أي الزموه
اي وفي مسند البزار عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم لما سألهم قالوا إنا نتبع الحجارة الماء قال بعضهم في إسناده ضعف وبهذا وما تقدم من ذكر الحجارة يرد على الإمام النووي حيث قال هكذا أي ذكر الحجر مع الماء في خبر الانصار بقباء رواه الفقهاء في كتبهم وليس له أصل في كتب الحديث بل المذكور فيها أنهم قالوا كنا نستنجي بالماء وليس فيها مع الحجر أي ويكون السكوت عن ذكر الحجر لكونه كان معلوما فعله
وفي الخصائص الصغرى أن مما اختص به صلى الله عليه وسلم في شرعه وأمته الإستنجاء بالجامد وبالجمع فيه بين الماء والحجر
ومن اهل قباء عويمر بن ساعدة قال في حقه صلى الله عليه وسلم نعم العبد من عباد الله والرجل من أهل الجنة عويمر بن ساعدة أي لأنه كان أول من استنجى بالماء كما قيل أي ومن ثم جاء تخصيصه بالسؤال فقد روى البيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عويمر بن ساعدة فقال ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم به فقال يا نبي الله ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط الحديث وهذا السياق ربما يقتضي أن الإستنجاء بالماء لم يكن معروفا في غير اهل قباء نزول هذه الآية
وفي كلام بعضهم أول من استنجى بالماء إبراهيم الخليل وكره بعض الصحابة الإستنجاء بالماء وهو حذيفة ولعله لكونه في الإستنجاء بالماء عدول عن الرخصة
ونقل عن ابن عمر انه كان لا يستنجي بالماء ولعله لما ذكرنا وكذا ما نقل عن ابن الزبير ما كنا نفعله وعن الإمام أحمد أنه لم يصح حديث في الإستنجاء بالماء وبالغ مغلطاي في رده وعن سيدنا مالك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء ولعل المراد إنكار صحة ذلك عنه صلى الله عليه وسلم فليتأمل
وذكر الأحجار في الخبر يؤيد ظاهره ما ذكره إمامنا في الأم أن سنة الجمع بين الحجر
____________________

والماء تتوقف على كون الاستنجاء بالحجر كافيا لو اقتصر عليه بقوله والاستنجاء بالحجر كاف ولو أتى به أى بالاستنجاء الكافى رجل ثم غسل بالماء كان أحب إلى وإنما قلنا ظاهره لإمكان رجوع الضمير للاستنجاء لا بقيد كونه كافيا
والذى عليه متأخرو أصحابنا أن سنة الجمع يكتفى فيها بازالة العين ولو بحجر واحد وقد يقال هذا محبوب وما ذكره الإمام أحب
ولا يخفى أن حديث الأنصار يقتضى اختصاص سن الجمع بين الحجر والماء بالغائط وبه قال القفال فى كتابه محاسن الشريعة والمفهوم من نص الأم أن مثل الغائط البول ثم بعد إقامته صلى الله عليه وسلم المذكورة بقباء ركب راحلته الجدعاء وقيل القصواء وقيل العضباء أى قاصدا المدينة والجدعاء بالدال المهملة المقطوعة الأنف أو مقطوعة الأذن كلها والقصواء المقطوع طرف أذنها والغضباء المشقوقة الأذن قال بعضهم وهذه ألقاب ولم يكن بها أى بتلك النوق شئ من ذلك وسيأتى عن الأصل أن هذه ألقاب لناقة واحدة
ولما ركب صلى الله عليه وسلم وخرج من قباء وسار سار الناس معه ما بين ماش وراكب أى ولا زال أحدهم ينازع صاحبه زمام الناقة شحا أى حرصا على كرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له حتى دخل المدينة قال وصار الخدم والصبيان يقولون الله أكبر جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء محمد صلى الله عليه وسلم ولعبت الحبشة بحرابها فرحا برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قالت بنو عمرو بن عوف له صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أخرجت ملالا لنا أم تريد دارا خيرا من دارنا قال إنى أمرت بقرية تأكل القرى أى تغلبها وتقهرها والمراد أهلها أى أن أهلها تفتح القرى فيأكلون أموال أهل تلك القرى ويسبون ذراريهم فخلوا سبيلها يعنى ناقته صلى الله عليه وسلم أى ومن أسماء تلك القرية المدينة
وروى الشيخان أمرت بقرية تأكل القرى يثرب وهى المدينة فالمدينة علم بالغلبة على تلك القرية كالنجم للثريا إذا أطلق فهى المرادة وإن أريد غيرها قيد والنسبة إليها مدنى ولغيرها من المدن مدينى للفرق بينهما ويثرب اسم محل فيها سميت كلها به ولعل ذلك المحل سمى بذلك لأنه نزل به يثرب من نسل نوح وفى الحديث المدينة تنفى الناس أى شرارهم كما ينفى الكير خبث الحديد
____________________


ففى بعض الروايات لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها قيل وكان ذلك فى حياته صلى الله عليه وسلم وقيل يكون ذلك فى زمن الدجال فقد جاء أن الدجال يرجف بأهلها فلا يبقى منافق ولا كافر إلا خرج إليه وفى رواية ينزل الدجال السبخة فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج الله منها كل منافق وكافر وبهذا استدل من قال كون المدينة تنفى الخبث ليس عاما فى الأزمنة ولا فى الأشخاص لأن المنافقين كانوا بها وخرج منها جماعة من خيار الصحابة منهم على وطلحة والزبير وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود
وفى كلام ابن الجوزى أن عبد الله بن مسعود مات بالمدينة وقد قال صلى الله عليه وسلم أى أرض مات بها رجل من أصحابى كان قائدهم ونورهم يوم القيامة وفى رواية فهو شفيع لأهل تلك الأرض
وأما قوله صلى الله عليه وسلم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون أى خيرلهم من بلاد الرخاء بدليل صدر الحديث يأتى على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون والذى نفسى بيده لا يخرج أحد منها رغبة عنها إلا أخلف الله من هو خير منه أى من خرج منها رغبة عنها إلى غيرها من بلاد الرخاء والسعة فلا دليل فى ذلك على أنها أفضل من مكة
ومن أسمائها أكالة البلدان ومن أسمائها البارة بتشديد الراء وتسمى الفاضحة لأن من أضمر فيها شيئا أظهر الله ما أضمره وافتضح به أى فالمراد أضمر شيئا من السوء وقد قال صلى الله عليه وسلم من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله تعالى هى طابة كشامة هى طابة هى طابة قال ذلك ثلاثا وفى رواية فليستغفر الله فليستغفر الله فليستغفر الله هى طيبة كهيبة هى طيبة هي طيبة هى طائب ككاتب
قيل وإنما سميت طيبة لطيب رائحة من مكث بها وتزايد روائح الطيب بها ولا يدخلها طاعون ولا دجال ولا يكون بها مجذوم أى لأن ترابها يشفى من الجذام وتسميتها يثرب فى القرآن إنما هو حكاية لقول المنافقين أى بعد نهيهم عن ذلك وقوله صلى الله عليه وسلم لا أراها إلا يثرب أي ونحو ذذلك من كل ما وقع في كلامه صلى الله عليه وسلم من تسميتها بذلك كان قبل النهى عن ذلك انتهى
أى وجاء إن الإيمان ليأزر إلى المدينة كما تأزر الحية إلى جحرها ويأزر بكسر الزاى أى ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض وفى رواية إن الإسلام بدا غريبا وسيعود غريبا كما
____________________

بدا يأزر كما تأزر الحية إلى جحرها وإنما كرهت تسميتها بيثرب لأن يثرب مأخوذ من التثريب وهو المؤاخذة بالذنب ومنه قوله تعالى { لا تثريب عليكم اليوم } أو من الثرب بالتحريك وهو الفساد
وعن القاسم بن محمد قال بلغنى أن للمدينة فى التوراة أربعين اسما وقيل أحد عشر من جملتها سكينة أى ومن جملتها الجابرة أى التى تجبر والعذراء والمرحومة وفى كلام بعضهم لها نحو مائة اسم منها دار الأخيار ودار الأبرار ودار الإيمان ودار السنة ودار السلامة ودار الفتح قال الإمام النووى لا يعرف فى البلاد أكثر اسما منها ومن مكة
ومما يدل على أن خروجه صلى الله عليه وسلم من قباء متوجها إلى المدينة كان يوم الجمعة قول بعضهم وعند مسيره صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أدركته صلاة الجمعة فى بنى سالم ابن عوف فصلاها فى المسجد الذى فى بطن الوادى بمن معه من المسلمين وهم مائة وصلاها بعد ذلك فى المدينة وكانوا به صلى الله عليه وسلم أربعين
فعن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة وكانوا أربعين رجلا أى ولم يحفظ أنه صلاها مع النقص عن هذا العدد ومن حينئذ صلى الجمعة فى ذلك المسجد سمى هذا المسجد بمسجد الجمعة وهو على يمين السالك نحو قباء فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة أى وخطب لها وهى أول خطبة خطبها فى الإسلام أى ومن خطبته تلك فمن استطاع أن يقى وجهه من النار ولو بشق تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمة طيبة فإنها تجزى الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمة الله وبركاته وفى رواية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ونقل القرطبى هذه الخطبة فى تفسيره وأوردها جميعها فى المواهب وليس فيها هذا اللفظ
أقول هذا واضح إن كان أقام فى قباء والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس كما تقدم وأما على أنه صلى الله عليه وسلم أقام بضع عشرة ليلة أو أكثر من ذلك كما تقدم فيبعد أنه لم يصل الجمعة فى قباء فى تلك المدة ثم رأيت فى كلام بعضهم أنه كان يصلى الجمعة في مسجد قباء فى إقامته هناك
أى ويبعد أنه صلاها من غير خطبة وفى الجامع الصغير إن الله كتب عليكم الجمعة
____________________

فى مقامى هذا فى ساعتى هذه فى مشهدى هذا فى عامى هذا إلى يوم القيامة من تركها من غير عذر مع إمام عادل أو إمام جائر فلا جمع له شمله ولا بورك له فى أمره ألا ولا صلاة له ولا حج له ألا ولا بركة له ولا صدقة له فإن كان قال ذلك فى هذه الخطبة التى خطبها فى مسجد الجمعة كما هو المتبادر اقتضى ذلك أنها لم تكن واجبة قبل ذلك وهو مخالف قول فقهائنا أنها وجبت بمكة ولم تقم بها لعدم قدرتهم على إظهارها بمكة لأن إظهارها أقوى من إظهار جماعة الصلوات الخمس
وفى الإتقان مما تأخر حكمة عن نزوله آية الجمعة فإنها مدنية والجمعة فرضت بمكة وقول ابن الغرس إن إقامة الجمعة لم تكن بمكة قط يرده ما أخرجه ابن ماجه عن عبد الرحمن ابن كعب بن مالك قال كنت قائد أبى حين ذهب بصره فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع النداء يستغفرلأبى أمامة أسعد بن زرارة فقلت يا أبتاه أرأيت صلاتك على أسعد بن زرارة كلما سمعت النداء بالجمعة لم هذا قال أى بنى كان أول من صلى بنا الجمعة قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة هذا كلامه وليتأمل ما وجه الرد من هذا
وجاء صلاة الجمعة بالمدينة كألف صلاة فيما سواها وصيام شهر رمضان فى المدينة كصيام ألف شهر فيما سواها كذا فى الوفاء عن نافع عن ابن عمر وأول قرية صليت فيها الجمعة بعد المدينة قرية عبد القيس بالبحرين وهل كانت الخطبة قبل الصلاة أو بعدها
فى الدر أنه صلى الله عليه وسلم كان وهو بالمدينة يخطب الجمعة بعد أن يصلى مثل العيدين فبينما هو يخطب يوم الجمعة قائما إذ قدمت عير دحية الكلبى وكان إذا قدم يخرج أهله للقائه بالطبل واللهو ويخرج الناس للشراء من طعام تلك العير والتفرج عليها وقيل للتفرج على وجه دحية فقد قيل كان إذا قدم دحية المدينة لم تبق معصر إلا خرجت لتنظر إليه لفرط جماله ولا مانع أن يكون ذلك لاجتماع الأمرين فانفض الناس ولم يبق معه صلى الله عليه وسلم إلا نحو اثنى عشر رجلا والجلال المحلى فى قطعة التفسير أسقط لفظ نحو أى وانفضاض ما عدا هؤلاء يحتمل أن يكون بعد ذلك فى حال الخطبة قبل تمام الأركان ويحتمل أن يكون بعد ذلك
وعلى الأول يجوز أن يكون رجع ممن انفض ما يكمل به العدد أربعين قبل طول
____________________

الفصل وقد أعاد صلى الله عليه وسلم مالم يسمعوه من أركان الخطبة عند انفضاضهم فلا يخالف ما ذهب إليه إمامنا الشافعى رضى الله تعالى عنه من وجوب سماع أربعين لأركان الخطبة
قال مقاتل بلغنى أنهم فعلوا ذلك أى الانفضاض عند الخطبة ثلاث مرات فأنزل الله تعالى { وإذا رأوا تجارة أو لهوا } الآية ثم صار صلى الله عليه وسلم يخطب قبل أن يصلى أى ليحافظ الناس على عدم الإنفضاض لأجل الصلاة وعليه انعقد الإجماع فلا نظر لمخالفة الحسن البصرى وحينئذ يكون قول بعض فقهائنا استدلالا على وجوب تأخر صلاة الجمعة عن الخطبتين يثبت صلاته صلى الله عليه وسلم بعد خطبتين أى استقر ثبوت ذلك
وعن الزهرى بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا خطب أى فى غير الخطبة المتقدمة كل ما هو آت قريب لا بعد لما هو آت لا يعجل الله لعجلة أحد ولا يخف لأمر من الناس يريد الناس أمرا ويريد الله أمرا فما شاء الله كان لا ما شاء الناس وما شاء الله كان ولو كرة الناس لا مبعد لما قرب الله ولا مقرب لما بعد الله ولا يكون شئ إلا بإذن الله والله أعلم
ثم ركب صلى الله عليه وسلم راحلته بعد الجمعة متوجها للمدينة أى وقد أرخى زمامها ولم يحركها وهى تنظر يمينا وشمالا فسأله بنو سالم منهم عتبان بكسر العين المهملة ابن مالك ونوفل بن عبد الله بن مالك وعبادة بن الصامت فقالوا يا رسول الله أقم عندنا فى العدد والعزة والمنعة وفى لفظ والثروة وفى لفظ أنزل فينا فإن فينا العدد والعدة والحلقة أى السلاح ونحن أصحاب الحدائق والدرك يا رسول الله كان الرجل من العرب يدخل هذه البحيرة خائفا فيلجأ إلينا فقال لهم خيرا وقال خلوا سبيلها يعنى ناقته دعوها فإنها مأمورة أى وفى رواية إنها مأمورة خلوا سبيلها وهو يتبسم ويقول بارك الله عليكم فانطلقت حتى وردت دار بنى بياضة أى محلتهم أى والمراد القبيلة فسأله بنو بياضة أى ومنهم زياد بن لبيد وفروة بن عمرو بمثل ما تقدم وأجابهم بأنها مأمورة خلوا سبيلها فانطلقت حتى وردت دار بنى ساعدة أى ومنهم سعد ابن عبادة والمنذر بن عمرو وأبو دجانة فسأله بنو ساعدة بمثل ذلك وأجابهم بخلوا سبيلها فأنها مأمورة فانطلقت حتى مرت بدار عدى بن النجار وهم أخواله صلى الله عليه وسلم
____________________

أى أخوال جده عبد المطلب كما تقدم أى بأوائل دورهم فسأله بنو عدى بن النجار أى أولئك الطائفة منهم بمثل ما تقدم أى وفى رواية أنهم قالوا له نحن أخوالك هلم إلى العدة والمنعة والعزة مع القرابة لا تجاوزنا إلى غيرنا يا رسول الله أى زاد فى رواية لا تجاوزنا ليس أحد من قومنا أولى بك منا لقرابتنا وأجابهم بأنها مأمورة فانطلقت حتى بركت فى محل من محلات بنى النجار وذلك فى محل المسجد أى محل بابه أو فى محل المنبر الآن وذلك عند دار بنى مالك بن النجار وعند باب أبى أيوب الأنصارى أى واسمه خالد بن زيد النجارى الأنصارى الخزرجى شهد العقبة وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مع على بن أبى طالب من خاصته شهد معه الجمل وصفين والنهروان غزا أيام معاوية أرض الشام مع يزيد بن معاوية سنة خمسين وقيل إحدى وخمسين فتوفى عند مدينة قسطنطينية فدفن هناك وأمر يزيد بالخيل فجعلت تقبل وتدبر على قبره حتى خفى أثر القبر خوفا أن تنبشه الكفار فكان المشركون إذا أمحلوا كشفوا عن قبره فيمطروا فلم ينزل عنها صلى الله عليه وسلم ثم وثبت وسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها ثم التفتت خلفها ورجعت إلى مبركها فبركت فيه وتجلجلت أى بالجيم تضعضت ووضعت جرانها أى باطن عنقها من المذبح إلى المنحر وأزرمت أى صوتت من غير أن تفتح فاها فنزل عنها صلى الله عليه وسلم وقال { رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين } أى قال ذلك أربع مرات وأخذه صلى الله عليه وسلم الذى كان يأخذه عند الوحى أى وسرى عنه وقال هذا إن شاء الله يكون المنزل أى وأمر أن يحط رحله وفى لفظ أن أبا أيوب قال له ائذن لى أن أنقل رحلك فأذن له واحتمل أبو أيوب رحله فوضعه فى بيته أى وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلته فكانت عنده أى وذكر بعضهم أن أبا أيوب لما نقل رحله أناخ الناقة فى منزله وقد يقال لا مخالفة لجواز أن يكون أسعد أخذ بزمامها بعد ذلك فكانت عنده
أى وعن أبى أيوب رضى الله تعالى عنه لما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة اقترعت الأنصار أيهم يأويه فقرعتهم الحديث وقد يقال مراده بالأنصار أهل تلك المحلة التى بركت فيها الناقة
وذكر السهيلى أنها لما ألقت جرانها فى دار بنى النجار أى فى محل من محلاتها جعل
____________________

رجل من بنى سلمة وهو جبار بن صخر أى وكان من صالحى المسلمين ينخسها رجاء أن تقوم فينزل فى دار بنى سلمة فلم تفعل
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال خير دور الأنصار بنو النجار ثم بنو عبد الأشهل ثم بنو الحارث ثم بنو ساعدة وفى كل دور الأنصار خير
ولما بلغ ذلك سعد بن عبادة وجد فى نفسه وقال خلفنا فكنا آخر الأربع أسرجوا إلى حمارى آت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ابن أخته سهل فقال أتذهب لترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم أو ليس حسبك أن تكون رابع أربع فرجع وقال الله ورسوله أعلم وأمر بحماره فحل عنه وفى رواية قال له اجلس ألا ترضى أن سماك رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الأربع الدور التى سمى فمن ترك فلم يسم أكثر ممن سمى فانتهى سعد بن عبادة عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجت جويريات من بنى النجار بالدفوف يقلن ** نحن جوار من بنى النجار ** يا حبذا محمد من جار **
فخرج إليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أتحببننى وفى رواية أتحبونى قلن نعم يا رسول الله فقال الله يعلم أن قلبى يحبكن وفى رواية والله أحبكم وفى رواية وأنا والله أحبكم وأنا والله أحبكم وأنا والله أحبكم قال ذلك ثلاثا وهذا دليل لسماع الغناء على الدف من المرأة لغير العرس ويدل لذلك أيضا ما جاء عن ابن عباس مرفوعا أن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم جلسوا سماطين وجاءت جارية يقال لها سيرين معها مزهر تختلف به بين القوم وهى تغنيهم وتقول ** هل على وبحكم ** إن لهوت من حرج **
فتبسم النبى صلى الله عليه وسلم وقال لا حرج إن شاء الله تعالى
وما روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندى جاريتان من جوارى الأنصار يغنيان وفى رواية يضربان بدفين فاضطجع صلى الله عليه وسلم على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر رضى الله تعالى عنه فانتهرنى فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعها وفى رواية قال أبو بكر بمزمور وفى رواية بمزمار وفى لفظ بمزمارة الشيطان فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك مرتين وانتهرنى وكان صلى الله عليه وسلم متغشبا بثوبه
____________________

فكشف النبى صلى الله عليه وسلم عن وجهه الشريف فقال دعها يا أبا بكر فإنها أيام عيد أى لأن تلك كانت أيام منى
وقيل كان يوم عيد الفطر وقيل الأضحى ولا مانع من تعدد الواقعة
أقول فى البخارى عن الربيع بنت معوذ أنه صلى الله عليه وسلم دخل عليها غداة بنى عليها وعندها جويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية وفينا نبى يعلم ما فى غد فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم لا تقولى هكذا وقولى ما كنت تقولين
وفى حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج فى بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت يا رسول الله إنى كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف فقال لها إن كنت نذرت فاضربى فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل عمر فألقت الدف تحتها وقعدت عليه فقال النبى صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ليفرق منك يا عمر إنى كنت جالسا وهى تضرب ودخل أبو بكر وهى تضرب فلما دخلت أنت ألقت الدف أى وإذا كان الشيطان يخاف منك فما بالك بامرأة ضعيفة العقل
ولا ينافى هذا أى سماعه الغناء من المرأة مع الضرب على الدف ما تقدم فى باب ما حفظ به صلى الله تعالى عليه وسلم فى صغره من أمر الجاهلية لأن الدف ثم كان معه مزمار بخلافه هنا وتسمية أبى بكر رضى الله تعالى عنه الدف مزمارا لأنه كان يعتقد حرمة ذلك فشبهه بالمزمار المحرم سماعه
قال بعضهم واعلم أن السماع فى طريق القوم معروف وفى الجواذب إلى المحبة معدود وموصوف وقال بعض آخر إنه من أكبر مصايد النفوس أى والرجوع بها إلى الله تعالى وقد شوهد تأثير السماع فى الحيوانات غير الناطقة بل فى الأشجار ومن لم يحركه السماع فهو فاسد المزاج غليظ الطبع
وعن أبى بشر أن النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر مرا بالحبشة وهم يلعبون ويرقصون ويقولون ** يا أيها الضيف المعرج طارقا ** لولا مررت بآل عبد الدار ** ** لولا مررت بهم تريد قراهم ** منعوك من جهد ومن إقتار **
____________________


أى ولم ينكر عليهم وبه استدل أئمتنا على جواز الرقص حيث خلا عن التكسر فقد صحت الأخبار وتواترت الآثار بإنشاد الأشعار بين يديه صلى الله عليه وسلم بالأصوات الطيبة مع الدف وبغيره وبذلك استدل أئمتنا على جواز الضرب بالدف ولو فيه جلاجل لما هو سبب لإظهار السرور وعلى جواز إنشاد الشعر واستماعه حيث خلا عن هجو لغير نحو فاسق متجاهر بفسقه وخلا عن تشبب بمعين من امرأة أو غلام والخلاف إنما هو فى سماع الملاهى كالأوتار والمزامير وخوف الفتنة من سماع صوت المرأة أو الأمرد الجميل
ونقل عن الجنيد أنه قال الناس فى السماع أى سماع الآلات على ثلاثة أضرب العوام وهو حرام عليهم لبقاء نفوسهم والزهاد وهو مباح لهم لحصول مجاهداتهم والعارفون وهو مستحب لهم لحياة قلوبهم وذكر نحوه أبو طالب المكى وصححه السهروردى فى عوارف المعارف
وفى كلام بعضهم جبلت النفوس حتى غير العاقلة على الإصغاء إلى ما يحسن من سماع الصوت الحسن فقد كانت الطيور تقف على رأس داود عليه الصلاة والسلام لسماع صوته لكن يشكل على ذلك ما أخرجه ابن أبى شيبة عن صفوان بن أمية وهو من المؤلفة قال كنا عند النبى صلى الله عليه وسلم إذ جاء عمر بن قرة فقال يا رسول الله إن الله كتب على الشقوة فلا أنال الرزق إلا من دفى بكفى فأذن لى فى الغناء من غير فاحشة فقال النبى صلى الله عليه وسلم لا إذن لك ولا كرامة ولا نعمة كذبت أى عدو الله أى يا عدو الله والله لقد رزقك الله طيبا فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله أما إنك لو قلت بعد كهذه المقالة لضربتك ضربا وجيعا إلا أن يقال هذا النهى إن صح محمول على من يتخذ ضرب الدف حرفة وهو مكروه تنزيها وقوله صلى الله عليه وسلم اخترت ما حرم الله عليك إلى آخره للمبالغة فى التنفير عن ذلك
ونزل صلى الله عليه وسلم على أبى أيوب وقال المرء مع رحله أى بعد أن قال أى بيوت أهلنا يعنى أهل تلك المحلة من بنى النجار أقرب فقال أبو أيوب دارى هذه وقد حططنا رحلك فيها فذهبت تلك الكلمة أى التى هى المرء مع رحله مثلا وقال اذهب فهيئ لنا مقيلا فذهب فهيأ ذلك ثم جاء فقال يا نبى الله قد هيأت مقيلا فقم على
____________________

بركة الله تعالى ونزل معه صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة رضى الله تعالى عنه
أقول وفى رواية فتنازع القوم أيهم ينزل عليه أى كل يحرص على أن تكون داره له منزلا أى مقاما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل الليلة على بنى النجار أخوال عبد المطلب لأكرمهم بذلك فلما أصبح غدا حيث أمر وحينئذ يكون قوله صلى الله عليه وسلم أنزل الليلة أى غد تلك الليلة ولا يخالف هذا ما قبله من قول بنى النجار هلم إلينا وقوله لهم إنها مأمورة لجواز أن يكون أمر بالنزول عليهم
وأعلم أن خصوص البقعة والمحلة من محلات بنى النجار التى ينزل بها من دارهم ما تبرك به الناقة وفيه أنه يبعد مع ذلك أى مع قوله المذكور أى أنه ينزل على بنى النجار سؤال غير بنى النجار فى النزول عنده إلا أن يقال لعل السائلين له صلى الله عليه وسلم فى ذلك لم يبلغهم قوله المذكور أو جوزوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم بدا له فى ذلك رأى وقد أشار إلى نزوله صلى الله عليه وسلم على بنى النجار الامام السبكى فى تائيته بقوله ** نزلت على قوم بأيمن طائر ** لأنك ميمون السنا والنقيبة ** ** فيالبنى النجار من شرف به ** يجرون أذيال المعالى الشريفة **
وهذا السياق يدل على أن تنازع القوم وقوله لهم المذكور كان فى آخر ليلة وهو فى قباء وهو يرد قول بعضهم يشبه أن يكون ذلك فى أول قدومه صلى الله عليه وسلم من مكة قبل نزوله قباء لا فى قدومه باطن المدينة فالمراد بأهل المدينة أهل قباء
ويرد قول سبط ابن الجوزى لعله نزل على بنى النجار ليلة انتهى أى تلك الليلة ثم ارتحل إلى بنى عمرو بن عوف أى فى قباء هذا وفى رواية عن أنس بن مالك رضى الله عنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل فى علو المدينة فى حى يقال لهم بنو عمرو بن عوف فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى ملأ من بنى النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم قال أنس فكأنى أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر رديفه وملأ من بنى النجار حوله حتى أناخ بفناء أبى أيوب وهذه الرواية وقع فيها اختصار كبير
ويقال إنه صلى الله عليه وسلم عرج على عبد الله بن أبى ابن سلول وكان جالسا محتبيا وأراد النزول عليه فقال له اذهب إلى الذين دعوك وانزل عليهم فقال له سعد
____________________

ابن عبادة يا رسول الله لا تجد فى نفسك من قوله فقد قدمت علينا والخزرج تريد أن تملكه وقد وقع له فى بعض الأيام أنه صلى الله عليه وسلم قيل له يا رسول الله لو أتيت عبد الله بن أبى ابن سلول أى متألفا له ليكون ذلك سببا لإسلام من تخلف من قومه وليزول ما عنده من النفاق فانطلق النبى صلى الله عليه وسلم وركب حمارا وانطلق المسلمون يمشون معه فلما أتاه النبى صلى الله عليه وسلم قال له إليك عنى والله لقد آذانى نتن حمارك فقال رجل من الأنصار والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه فغضب لكل واحد منهما أصحابه فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدى والنعال فنزل { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } كذا فى البخارى
وفيه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على بن أبى ابن سلول وهو فى جماعة فقال ابن أبى لقد عثا ابن أبى كبشة فى هذه البلاد فسمعها ابنه عبد الله رضى الله تعالى عنه فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيه برأسه فقال له صلى الله عليه وسلم لا ولكن بر أباك وكان ابن أبى جميل الصورة ممتلئ الجسم فصيح اللسان وهو المعنى بقوله تعالى { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم } الآية ولكونه متبوعا جئ فيه بصيغة الجمع
وعن الزهرى أخبرنى عروة بن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب حمارا على إكاف وأردف أسامة وراءه يعود سعد بن عبادة فى بنى الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبى ابن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبى ابن سلول فاذا فى المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود وفى المسلمين عبد الله بن رواحة فثار غبار من مشى الحمار فخمر ابن أبى أنفه بردائه ثم قال لا تغبروا علينا فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ثم نزل ودعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فقال ابن أبى أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذينا به فى مجالسنا إرجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه فقال عبد الله بن رواحة بلى يا رسول الله فاغشنا فإنا نحب ذلك واستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتبادرون فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم دابته حتى دخل على سعد بن عبادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا سعد ألم تسمع
____________________

ما قال أبو حباب يعنى ابن أبى قال كذا وكذا فقال سعد بن عبادة يا رسول الله اعف عنه واصفح فوالله الذى أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذى أنزل عليك وقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة فلما رد بالحق الذى أعطاك الله شرق فذلك الذى فعل به ما رأيت فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم
ومكث صلى الله عليه وسلم ببيت أبى أيوب إلى أن بنى المسجد وبعض مساكنه وقد مكث فى بناء ذلك من شهر ربيع الأول إلى شهر صفر من السنة القابلة أى وذلك اثنا عشر شهرا وقيل مكث ببيت أبى أيوب سبعة أشهر
قال ولما تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى عمرو بن عوف إلى المدينة تحول المهاجرون أى غالبهم أخذا مما يأتى فتنافس فيهم الأنصار أن ينزلوا عليهم حتى اقترعوا فيهم بالسهمان فما نزل أحد من المهاجرين على أحد من الأنصار إلا بقرعة بينهم فكان المهاجرون فى دور الأنصار وأموالهم اه
وكان من جملة محل مسجده صلى الله عليه وسلم مسجد لأبى أمامة أسعد بن زرارة رضى الله تعالى عنه وكان أبو أمامة يجمع فيه بمن يليه بناه فى بعض مربد للتمر لسهل وسهيل أى يجفف فيه التمر ويرادف المربد الجرين والمسطح والبيدر وهو ما يبسط فيه الزرع أو التمر للتجفيف
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فى ذلك المسجد قال فعن أم زيد بن ثابت أنها قالت رأيت أسعد بن زرارة قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يصلى بالناس الصلوات الخمس ويجمع بهم فى مسجد بناه فى مربد سهل وسهيل قالت فكأنى أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم وصلى بهم فى ذلك المسجد وبناه أى مع إدخال بقية ذلك المربد فهو مسجده
وحينئذ لا يخالف ذلك قول الحافظ بن الدمياطى عن الزهرى قال بركت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موضع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ يصلى فيه رجال من المسلمين قبل قدومه صلى الله عليه وسلم وكان مربدا لسهل وسهيل وكان جدارا مجدرا ليس عليه سقف وقبلته إلى بيت المقدس وكان أسعد بن زرارة بناه وكان يصلى بأصحابه ويجمع بهم فيه الجمعة قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم أى ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صار يصلى فيه
____________________


وفى الإمتاع كان أسعد بن زرارة بنى فيه جدارا تجاه بيت المقدس كان يصلى إليه بمن أسلم قبل قدوم مصعب بن عمير ثم صلى بهم إليه مصعب هذا كلامه وتعلم ما فيه لما قدمناه فى قدوم مصعب المدينة لكن فى البخارى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى فى مرابض الغنم قبل أن يبنى المسجد أى ولعله اتفق له ذلك فى بعض الأوقات لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى حيث أدركته الصلاة
ثم إنه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك سأل أسعد بن زرارة أن يبيعه تلك البقعة التى كان من جملتها ذلك المسجد ليجعلها مسجدا فإنها كانت فى يده ليتيمين فى حجره وهما سهل وسهيل وقيل كانا فى حجر معاذ بن عفراء قال فى الأصل وهو الأشهر
وفى المواهب أن الأول هو المرجح واليتيمان المذكوران من بنى مالك بن النجار وقيل كانا فى حجر أبى أيوب الأنصارى قال بعضهم والظاهر أن الكل أى من اسعد ومعاذ وأبى أيوب كانوا يتكلمون لليتيمين لأنهم بنو عم فنسبا إلى حجر كل
وقد عرض أبو أيوب عليه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ تلك الأرض ويغرم لليتيمين فيمتها فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابتاعها بعشرة دنانير أداها من مال أبى بكر أى وفى رواية فدعا الغلامين فساومهما بالمربد فقالا نهبه لك يا رسول الله فأبى أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما بعشرة دنانير وأمر أبا بكر أن يعطيهما ذلك أى وحينئذ يكون وصفهما باليتم باعبتار ما كان
وفى رواية أرسل صلى الله عليه وسلم إلى ملأ من بنى النجار ولعلهم من تقدم وهو أسعد ومعاذ وأبو أيوب ومعهم سهل وسهيل فجاءوه صلى الله عليه وسلم فقال لهم ثامنونى بحائطكم هذا أى خذوا منى ثمنه قالوا لا يا رسول الله والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله فأبى أن يأخذه إلا بالثمن
قال وجاء أن أسعد بن زرارة عوض اليتيمين من تلك الأرض نخلا أى له فى بنى بياضة وقيل أرضا هما فيها أبو أيوب وقيل معاذ بن عفراء
وطريق الجمع بين ذلك أنه يحتمل أن كلا من أسعد وأبى أيوب ومعاذ بن عفراء دفع للغلامين شيئا أى زيادة على العشرة دنانير فنسب ذلك لكل منهم
وجاء أنه كان فى تلك الأرض قبور جاهلية فأمر بها صلى الله عليه وسلم فنبشت وأمر بالعظام فألقيت اه أى وفى رواية وأمر بالعظام أن تغيب أى وفى رواية كان
____________________

فى موضع المسجد نخل وخرب أى حفر ومقابر للمشركين فأمر صلى الله عليه وسلم بالقبور فنبشت وبالخرب فسويت وبالنخل فقطعت
أى وفى سيرة الحافظ الدمياطى فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل الذى فى الحديقة أى وهى تلك الأرض التى كانت مربدا أى وسمى حديقة لوجود النخل به وأمر بالغرقد الذى فيه أن يقطع أى والغرقد شجر معروف وبقبع الغرقد مقبرة أهل المدينة وشجر الغرقد يقال له شجر اليهود فإنه لا يدل على اليهودى إذا توارى به عند نزول عيسى عليه الصلاة والسلام وقتله للدجال ولجنده من اليهود فإذا توارى اليهودى بشجرة نادته يا روح ههنا يهودى فيأتى حتى يقف عليه فإما أن يسلم وإما أن يقتل إلا شجر الغرقد فإنه لا يدل على اليهودى إذا توارى به فقيل له شجر اليهود لذلك
قال وكان فى المربد ماء مستبجر فسيروه حتى ذهب والمستبجر الذى ينشع ويظهر من الأرض
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باتخاذ اللبن فاتخذ وبنى به المسجد وجاء أنه صلى الله عليه وسلم عند الشروع فى البناء وضع لبنة ثم دعا أبا بكر فوضع لبنة أى بجانب لبنته صلى الله عليه وسلم ثم دعا عمر فوضع لبنة بجانب لبنة أبى بكر ثم جاء عثمان فوضع لبنة بجانب لبنة عمر
أى وقد أخرج ابن حبان لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ووضع فى البناء حجرا وقال لأبى بكر ضع حجرك إلى جنب حجرى ثم قال لعمر ضع حجرك إلى جنب حجر أبى بكر ثم قال لعثمان ضع حجرك إلى جنب حجر عمر ثم قال هؤلاء الخلفاء بعدى قال أبو زرعة إسناده لا بأس به فقد أخرجه الحاكم فى المستدرك وصححه وفى رواية هؤلاء ولاة الأمر بعدى قال ابن كثير وهذا الحديث بهذا الإسناد غريب جدا
قال بعضهم وقوله صلى الله عليه وسلم لعثمان ما ذكر أى ضع حجرك إلى جنب حجر عمر يرد على من زعم أن هذا منه صلى الله عليه وسلم إشارة إلى قبورهم أى إذ لو كان إشارة إلى ذلك لدفن عثمان بجانب عمر كما دفن عمر بجانب أبى بكر بل هو إشارة إلى ترتيب الخلافة أى لأنه لا يستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الخلفاء بعدى إلا ذلك
____________________

ومن ثم جاء فى رواية فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال أمر الحلافة من بعدى
وتصحيح الحاكم لما ذكر يظهر التوقف فى قول بعضهم إن هذا لم يجئ فى الصحيح إلا أن يريد صحيح الشيخين
وأما قوله قال البخارى فى تاريخه إن ابن حبان لم يتابع على الحديث المذكور لأن عمر وعثمان وعليا قالوا لم يستخلف النبى صلى الله عليه وسلم فقد يقال عليه معناه لم ينص على استخلاف أحد بعينه عند موته وذلك لا ينافى الإشارة إلى وقوع الخلافة لهؤلاء بعده ولا ينافى قوله هؤلاء الخلفاء بعدى لجواز أن يراد الخلافة فى العلم ثم رأيت ابن حجر الهيتمى أشار إلى ذلك حيث قال قلت هذا أى وضع تلك الأحجار وقوله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الخلفاء بعدى مع احتماله للخلافة فى العلم والإشارة متقدم على وقت الاستخلاف عادة وهو قرب الموت فلم يكن نصا سالما من المعارض هذا كلامه ثم قال للناس ضعوا أى الحجارة فوضعوا ورفع بالحجارة أى قريب من ثلاثة أذرع وبنى باللبن وجعل عضادتيه أى جانبيه بالحجارة وسقفه بالجريد وجعلت عمدء وفى رواية سواريه من جذوع النخل وطول جداره قامة أى كان ارتفاعه قدر قامة
قال وعن شهر بن حوشب قال لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى المسجد قال ابنوا لى عريشا كعريش موسى ثمامات وخشبات وظلة كظلة موسى والأمر أعجل من ذلك قيل وماظلة موسى قال كان إذا قام أصاب رأسه السقف انتهى
أى فالمراد اجعلوا سقفه يكون بحيث إذا قمت أصاب رأسى السقف أو رفعت يدى أصابت السقف
والجمع بين هاتين الروايتين يدل على أن المراد ما هو قريب من ذلك بحيث لا يكون كثير الارتفاع فلا ينافى ما يأتى من أمره بجعل ارتفاعه سبعة أذرع فليتأمل
وفى سيرة الحافظ الدمياطى فقيل له ألا تسقف فقال عريش كعريش موسى خشبات وثمام أى وقيل للحسن ما عريش موسى قال إذا رفع يده بلغ العريش يعنى السقف
وفى رواية لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بناء المسجد قال قيل لى أى قال له جبريل عريش كعريش أخيك موسى سبعة أذرع طولا فى السماء وكان
____________________

سبعة أذرع بحيث يصيب رأسه ولا نزخرفه ثم الأمر أعجل من ذلك أى وفيه أن هذا يقتضى أن موسى كان طوله سبعة أذرع وهو يخالف ما اشتهر أن قامة موسى كانت أربعين ذراعا وعصاه كذلك ووثبته كذلك وقد جاء ما أمرت بتشييد المساجد أى ولعل قوله ذلك كان لما جمع الأنصار مالا وجاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله ابن هذا المسجد وزينه إلى متى تصلى تحت هذا الجريد
وجاء لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس فى المساجد وجاء من أشراط الساعة أن يتباهى الناس فى المساجد أى تزخرفها كما تزخرف اليهود والنصارى كنائسهم وبيعهم ولم يكن على السقف كبيرطين إذ كان المطر يكف اى ينزل منه ماء المطر المخالط للطين عليهم بحيث يمتلئ أى المسجد طينا فقالوا يا رسول الله لو أمرت فطين أى جعل عليه طين كثير بحيث لا ينزل عليه المطر فقال لا عريش كعريش موسى فلم يزل كذلك حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند بنائه عمل فيه المسلمون المهاجرون والأنصار وعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ليرغب المسلمين فى العمل فيه
قال فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم صار ينقل اللبن أى فى ثيابه وفى رواية فى ردائه حتى اغبر صدره الشريف وصار يقول ** هذا الحمال لا حمال خيبر ** هذا أبر ربنا وأطهر **
أى هذا المحمول من اللبن أبر وأطهر ياربنا مما يحمل من خيبر من نحو التمر والزبيب فالحمال بالحاء المهملة بمعنى المحمول ووقع فى رواية بالجيم جمع جمل قال بعضهم وله وجه والأول أظهر ولا يحسن هذا الوجه إلا إذا كانت جمال خيبر أنفس من جمال غيرها وصار يقول ** اللهم إن الأجر أجر الآخره ** فارحم الأنصار والمهاجره **
قال البلاذرى وهذا القول لامرأة من الأنصار وتمامه ** وعافهم من حر نار ساعره ** فإنها لكافر وكافره **
والذى فى البخارى فاغفر للأنصار والمهاجره ولعله صلى الله عليه وسلم هو الذى أخرجه عن الوزن كما هو عادته فى إنشاد الشعر كما سيأتى وفى لفظ فأصلح وفى لفظ فأكرم وفى رواية اللهم لا خير إلا خير الآخره فارحم المهاجرين والأناصره وفى رواية فانصر الأنصار والمهاجره وعن الزهرى أنه كان يقول اللهم لا خير إلا خير
____________________

الآخرة فارحم المهاجرين والأنصار لأنه كان لا يقيم الشعر أى لا يأتى به موزونا ولو متمثلا وفيه أنه مع قوله اللهم إن الأجر إلى آخره لا يكون شعرا موزونا إلا إن حذف أل من اللهم وقال لاهم وكسر همزة فأرحم وحينئذ تكون المرأة من الأنصار إنما نطقت بذلك أى قالت لاهم إلى آخره وهو صلى عليه وسلم هو الذى غيره
ونقل عن الزهرى أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل بيتا موزونا متمثلا به إلا قوله هذا الحمال البيت ولم أقف على قائله وسيأتى عن الزهرى أنه من إنشائه صلى الله عليه وسلم وسيأتى ما فيه
وفى كلام بعضهم قال ابن شهاب يعنى الزهرى لم يبلغنا فى الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعرتام أى موزون إلا هذه الأبيات قال ابن عائذ أى التى كان يرتجز بهن وهو ينقل اللبن لبناء المسجد أى وفيه هذا مخالف لما تقدم عن الزهرى أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل بيتا موزونا إلا قوله هذا الحمال فلا يحسن أن يفسر كلامه بذلك على أنه تمثل ببيت شعر تام موزون غير ذلك فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم جعل يدور بين قتلى بدر ويقول ** نفلق هاما من رجال أعزة ** علينا وهم كانوا أعق وألأما **
وفى المواهب وقد قيل إن الممتنع عليه صلى الله عليه وسلم إنشاء الشعر لا إنشاده أى ولذلك جاء ما أبالى ما أوتيت إن أنا قلت الشعر من قبل نفسى وفى الكشاف وقد صح أن الأنبياء معصومون من الشعر ولا دليل على منع إنشاده أى الشعر موزونا مثمثلا
أقول نقل الحافظ الدمياطى عن الزهرى أنه كان يقول إنه صلى الله عليه وسلم لم يقل شيئا من الشعر إلا ما قد قيل قبله إلا قوله ** هذا الحمال لا حمال خيبر ** هذا أبر ربنا وأطهر **
أى فإنه من قوله وهو يخالف ما تقدم عنه ولعله سقط من عبارة الزهرى المذكورة شئ والأصل أنه لم يقل شيئا من الشعر إلا ما قد قيل قبله ولم يقل ما قبله تاما أى موزونا إلا قوله هذا الحمال إلى آخره فلا يخالف ما تقدم عنه وكونه كان لا يقيم الشعر أى لا يأتى به موزونا ولو متمثلا هو المنقول عن عائشة رضى الله تعالى عنها فقد قيل لها هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتى بشئ من الشعر فقالت كان
____________________

أبغض الحديث إليه الشعر غير أنه كان يتمثل ويجعل أوله آخره وآخره أوله أى غالبا كان يقول ويأتيك من لم تزود بالأخبار ويقول كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا أى وذلك قول سحيم بمهملة مصغرا عبد بنى الحساس شاعر مشهور مخضرم كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا ولما غير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له الصديق رضى الله تعالى عنه إنما قال الشاعر كذا فأعاده صلى الله عليه وسلم كالأول فقال الصديق أشهد أنك رسول الله { وما علمناه الشعر } ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قول سحيم ** الحمد لله حمدا لا انقطاع له ** فليس إحسانه عنا بمقطوع **
قال أحسن وصدق وقول الصديق أشهد أنك رسول الله { وما علمناه الشعر } يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لا يجرى الشعر على لسانه موزونا وقد قيل له صلى الله عليه وسلم من أشعر الناس قال الذى يقول ** ألم تريانى كلما جئت طارقا ** وجدت بها وإن لم تطيب طيبا **
الأصل وجدت بها طيبا وإن لم تطيب
وكان أبو بكر رضى الله تعالى عنه يقول له بأبى أنت وأمى يا رسول الله ما أنت بشاعر ولا راوية والمراد بكون الشعر أبغض إليه الإتيان به وإلا فقد كان يسمع الشعر كما تقدم ويستنشده فقد ذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم كان يستنشد الخنساء أخت صخر لأمه ويعجبه شعرها فكانت تنشده وهو يقول هيه يا خناس ويومئ بيده
وقد قال بعضهم أجمع أهل العلم أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها ومن شعرها فى أخيها المذكور ** أعينى جودا ولاتجمدا ** ألا تبكيان لصخر الندى ** ** طويل النجاد عظيم الرماد ** وساد عشيرته أمردا ** وللجلال السيوطى كتاب سماه نزهة الجلساء فى أشعار الخنساء وقولنا فى قول عائشة إنه كان يتمثل بالشعر ويجعل أوله آخره أى غالبا حتى لا ينافى ما جاء عنها كان يتمثل بشعر ابن رواحة ** ويأتيك بالأخبار من لم تزود **
وقولها ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشد شعرا إلا بيتا واحدا
____________________

** تفاءل لما تهوى بكن فلقلما ** يقال لشئ كان إلا تخلفا **
وفى الخصائص الكبرى قال المزنى ولم يبلغنى أنه صلى الله عليه وسلم أنشد بيتا تاما على رويه بل إما الصدر كقول لبيد ألاكل شئ ما خلا الله باطل أو العجز كقول طرفة ويأتيك بالأخبار من لم تزود أى وفيه ما تقدم عن عائشة وكقوله وقد أنشده أعشى بنى مازن أبياتا فى ذم النساء آخر تلك الأبيات وهن من شر غالب لمن غلب فجعل صلى الله عليه وسلم يقول وهن شر غالب لمن غلب فإن أنشد بيتا كاملا غيره أى غالبا لما تقدم كبيت العباس بن مرداس أى فإنه صلى الله عليه وسلم قال يوما للعباس بن مرداس أرأيت قولك وفى لفظ أنت القائل ** أصبح نهبى ونهب العبيد ** بين الأقرع وعيينة **
فقيل له إنما هو بين عيينة والأقرع فقال عليه الصلاة والسلام إنما هو الأقرع وعيينة فقال أبو بكر رضى الله تعالى عنه بأبى أنت وأمى يا رسول الله وفى لفظ أشهد أنك رسول الله ما أنت بشاعر ولا راويه ولا ينبغى لك إنما قال بين عيينة والأقرع أى أنه لا ينبغى لك أن تكون شاعرا كما قال الله ولا ينبغى لك أن تكون راويا للشعر أى بأن تاتى به على وجهه أى لا يكون شأنك ذلك مباعدة عن الشعر وكون شأنه ذلك لا ينافى وجوده منه على وجهه فى بعض الأحيان فليتأمل
وعن بعضهم ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت شعر قط أى موزونا وقد يقال لا يخالف هذا ما تقدم عن المواهب لأنه يجوز أن يكون هذا المنقول عن عائشة
وعن المزنى وعن بعضهم كان أغلب أحواله كما قدمناه فى المنقول عن عائشة ثم رأيته فى الامتاع أشار إلى ذلك بقوله وربما أنشد صلى الله عليه وسلم البيت المستقيم فى النادر وقول المواهب لا دليل على منع إنشاده متمثلا أي دائما وأبدا ويدل لذلك قول الزهري إنه لم يقل بيتا موزونا متمثلا به إلا قوله هذا الحمال إلى آخره وفيه ما علمت ولا يخفى أن الشعر عر ف بأنه كلام عربى موزون عن قصد قال البدر الدمياطى وقولنا عن قصد يخرج ما كان وزنه اتفاقيا كآيات شريفة اتفق جريان الوزن فيها أى من بحور الشعر الستة عشر وقد ذكرها الجلال السيوطى فى نظمه للتلخيص وذلك كما فى قوله تعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وكقوله تعالى { وجفان كالجواب وقدور راسيات }
____________________

وقوله تعالى { نصر من الله وفتح قريب } وككلمات شريفة نبوية جاء الوزن فيها اتفاقيا غير مقصود كما فى قول النبى صلى الله عليه وسلم ** هل انت إلا أصبع دميت ** وفى سبيل الله مالقيت **
أى بناء على تسليم أنه من قوله صلى الله عليه وسلم وإلا فقد قيل إنه من قول عبد الله ابن رواحة أى فإن ذلك مذكور فى أبيات قالها فى غزوة مؤتة وقد صدمت أصبعه فدميت وذكر بدل فى سبيل الله فى كتاب الله ولا مانع أن يكون ابن رواحة أدخل ذلك البيت فى تلك الأبيات التى صنعها كما تقدم
وفى كلام ابن دحية ولا يمر على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضروب الرجز إلا ضربان منهوك ومشطور فالمنهوك أنا النبى لا كذب والمشطور هل أنت إلا أصبع دميت وقيل البيت الواحد لا يكون شعرا على أنه قيل إن الرجز ليس من الشعر عند الأخفش خلافا للخليل أى فإن الأخفش احتج على أن الرجز ليس بشعر رادا على الخليل ومن تبعه القائلين بأنه من الشعر حيث قال لأحتجن عليهم بحجة إن بم يقروا بها كفروا لو كان شعرا ما جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى يقول { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } هذا كلامه قال فى النور والصحيح أنه شعر أى موافقة للخليل وقد علمت أن ما جرى منه على لسانه صلى الله عليه وسلم ليس شعرا لعدم قصده فليتأمل
وقد نقل الماوردى من أئمتنا أنه كما يحرم عليه قول الشعر أى إنشاؤه يحرم عليه روايته أى دون إنشاده متمثلا
وفرق بعضهم بين الإنشاد والرواية بأن الرواية يقول قال فلان كذا وأما إنشاده متمثلا فلا يقول ذلك هذا كلامه
وفيه أنه قال لما قيل له من أشعر الناس قال الذى يقول إلى آخره وقال للعباس ابن مرداس أنت القائل إلى آخره قال ذلك البعض وكان الفرق بين الرواية والإنشاد أن فى قوله قال فلان فيه رفعة للقائل بسبب قوله وهذا متضمن لرفع شأن الشعر والمطلوب منه الإعراض عن الشعر من حيث كونه شعرا
وفيه أن الصديق قال له عند كل من الرواية والإنشاد لست براوية كما تقدم وعن الخليل كان الشعر أحب إليه صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام
____________________


أى وقد يقال لا يخالف هذا ما تقدم عن عائشة رضى الله تعالى عنها كان أبغض الحديث إليه صلى الله عليه وسلم الشعر لأن المراد بالشعر الذى يحبه ما كان مشتملا على حكمة أو وصف جميل من مكارم الأخلاق والذى يبغضه ما كان مشتملا على ما فيه هجنة أو هجو ونحو ذلك
ومن ثم قيل الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح وفى الجامع الصغير الشعر بمنزلة الكلام فحسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام الشعر الحسن أحد الحمالين يكسوه الله المرء المسلم
وقد قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما إذا خفى عليكم شئ من غريب القرآن فالتمسوه فى الشعر فإن الشعر ديوان العرب وفى كلام سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه نعم الأبيات من الشعر يقدمها الرجل فى صدر حاجته يستعطف بها قلب الكريم ويستميل بها لؤم اللئيم
والحاصل أن الحق الحقيق بالاعتماد وبه تجتمع الأقوال أن المحرم عليه صلى الله عليه وسلم إنما هو إنشاد الشعر أى الاتيان بالكلام الموزون عن قصد وزنه وهذا هو المعنى بقوله تعالى { وما علمناه الشعر }
فإن فرض وقوع كلام موزون منه صلى الله عليه وسلم لا يكون ذلك شعرا اصطلاحا لعدم قصد وزنه فليس من الممنوع منه
والغالب عليه صلى الله عليه وسلم أنه إذا أنشد بيتا من الشعر متمثلا أو مسندا لقائله لا يأتى به موزونا وربما أتى به موزونا
وادعى بعض الأدباء أنه صلى الله عليه وسلم كان يحسن الشعر أى يأتى به موزونا قصدا ولكنه كان كان لا يتعاطاه أى لا يقصد الإتيان به موزونا قال وهذا أتم وأكمل مما لو قلنا بأنه كان لايحسنه وفيه أن فى ذلك تكذيبا للقرآن
وفى التهذيب للبغوى من أئمتنا قيل كان صلى الله عليه وسلم يحسن الشعر ولا يقوله والأصح أنه كان لا يحسنه ولكن كان يميز بين جيد الشعر ورديئه ولعل المراد بين الموزون منه وغير الموزون ثم رأيته فى ينبوع الحياة قال كان بعض الزنادقة المتظاهرين بالإسلام حفظا لنفسه وماله يعرض فى كلامه بأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحسن الشعر يقصد بذلك تكذيب كتاب الله تعالى فى قوله تعالى { وما علمناه الشعر وما ينبغي له }
____________________


قال بعضهم والحكمة في تنزيه القرآن الموزون مع أن الموزون من الكلام رتبته فوق رتبة غيره أن القرآن منبع الحق ومجمع الصدق وقصارى أمر الشاعر التخيل بتصور الباطل في صورة الحق والأفراط في الإطراء والمبالغة في الذم والإيذاء دون إظهار الحق والباطل وإثبات الصدق ولهذا نزه الله تعالى نبيه عنه ولأجل شهر الشعر بالكذب سمى أصحاب البرهان القياسات المؤدية في أكثر الأمر إلى البطلان والكذب شعرية
قد جاء التنفير عن إنشاد الشعر في المسجد قال صلى الله عليه وسلم من رأيتموه ينشد شعرا في المسجد فقولوا فض الله فاك ثلاث مرات والأخذ بعمومه فيه من العسر مالا يخفى
وفي العرائس عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال من قال آدم قد قال الشعر فقد كذب على الله ورسوله ورمى آدم بالإثم وإن محمد والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم كلهم في النهى عن الشعر سواء
وفي كلام الشيخ محي الدين بن العربي في قوله تعالى { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } أعلم ان الشعر محل الأجمال واللغز والتورية أى ما رمزنا لمحمد صلى الله عليه وسلم شيئا ولا ألغزنا ولاخاطبناه بشئ ونحن نريد شئيا آخر ولا أجملنا له الخطاب بحيث لم يفهمه وأطال في ذلك وهل ويشكل على ذلك الحروف المقطة أوئل السور ولعله رضي الله بعلمه والله تعالى عنه لايرى أن ذلك من المتشابه أو أن المتشابه ليس مما استأثر الله بعلمه والله اعلم
ولما رأته صلى الله عليه وسلم الصحابة ينقل اللبن بنفسه دأبوا فى ذلك أى فى نقل اللبن أى وهو المراد بالصخر فى قول بعضهم وجعل أصحابه ينقلون الصخر أو المراد الصخر الذى يبنى به الجدار وجانبا الباب كما تقدم حتى قال قائلهم ** لئن قعدنا والنبى يعمل ** لذاك منا العمل المضلل **
وجعل يحمل كل رجل لبنة لبنة وعمار بن ياسر يحمل لبنتين لبنتين فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفض التراب عن رأس عمار ويقول يا عمار ألا تحمل كما يحمل أصحابك قال إنى أريد الأجر من الله تعالى وفى رواية كان يحمل لبنة عن نفسه ولبنة عنه صلى الله عليه وسلم فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره وقال يا ابن سمية للناس أجر ولك أجران وآخر زادك أى من الدنيا شربة من لبن وجاء فى حق
____________________

عمار بن سمية ما عرض عليه أمران قط إلا اختار رضى الله عنه الأرشد منهما إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق وتقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة وتدعوك إلى النار وعمار يقول أعوذ بالله وفى رواية بالرحمن من الفتن أى وهذا السياق يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يستمر ينقل اللبن بل نقل ذلك فى بعض الأوقات
وفى مسلم وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه قال أخبرنى من هو خيرمنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر لعمار حين شغل بحفر الخندق فجعل يمسح رأس عمار ويقول ابن سمية تقتلك فئة باغية وفى رواية تغيين من أبهمه أبو سعيد وهو أبو قتادة وزاد فى رواية أن النبى صلى الله عليه وسلم لما حفر الخندق وكان الناس يحملون لبنة لبنة أى من الحجارة التى تقطع وعمار ناقه من وجع كان به فجعل يحمل لبنتين قال لعمار بؤسا لك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية
ثم رأيت بعضهم قال يشبه أن يكون ذكر الخندق وهما أوقالها عند بناء المسجد وقالها يوم الخندق هذا كلامه أى ويكون عمار بن ياسر فى الخندق قد صار يحمل الحجرين وكان فى بناء المسجد يحمل اللبنتين وكان عثمان بن مظعون رضى الله تعالى عنه رجلا متنظفا أى مترفها فكان إذا حمل اللبنة يجافى بها عن ثوبه لئلا يصيبه التراب فإن أصابه شئ من التراب نفضه فنظر إليه على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه وأنشد يقول أى مباسطة مع عثمان بن مظعون لاطعنا فيه ** لا يستوى من يعمر المساجدا ** يدأب فيها قائما وقاعدا ** ** ومن يرى عن التراب حائدا **
أى وكان عثمان هذا من جملة من حرم الخمر على نفسه فى الجاهلية وقال لا أشرب شرابا يذهب عقلى ويضحك بى من هو أدنى منى
وذكر ابن إسحق قال سألت غير واحد من أهل العلم بالشعر عن هذا الرجز هل تمثل به على أو أنشأه فكل يقول لا أدرى فسمع ذلك الرجز عمار بن ياسر فصار يرتجز بذلك وهو لا يدرى من يعنى بذلك فمر يرتجز بذلك على عثمان فظن عثمان أن عمارا يقصد التعريض به فقال له عثمان يا ابن سمية ما أعرفنى بمن تعرض به لتكفن أو لأعترضن بهذه الحديدة لحديدة كانت معه وجهك وفى لفظ والله إنى أرانى سأعرض هذه العصا بأنفك لعصا كانت فى يده فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب وقال إن عمار بن ياسر جلدة ما بين عينى ووضع يده الشريفة بين عينيه الشريفتين
____________________

فقال الناس لعمار قد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم أى ونخاف أن ينزل فينا قرآن فقال أنا أرضيه فقال يا رسول الله مالى ولأصحابك قال مالك ولهم قال يريدون قتلى فيحملون لبنة لبنة ويحملون على لبنتين لبنتين أى وفى لفظ يحملون على اللبنتين والثلاث أى ولعله حمل ثلاث لبنات فى بعض الأوقات فأخذ بيده وطاف به المسجد وجعل يمسح ذفرته من التراب والذفرة بالذال المعجمة الشعر الذى حهه القفا ويقول يا ابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك تقتلك الفئة الباغية ويقول ويح عمار تقتلة الفئة الباغية يدعوهم ألى الجنة أى إلى سببها وهو اتباع الإمام الحق لأنه كان يدعو إلى اتباع على وطاعته وهو الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك ويدعونه إلى النار أى إلى سببها وهو عدم اتباع على وطاعته واتباع معاوية وطاعته
وفيه ان تلك الفئة التى كان فيها قاتله كان فيها جمع من الصحابة وهو معذورون بالتأويل الذى ظهر لهم إلا أن يقال يدعونه إلى النار باعتبار اعتقاده وإطلاق البغى عليهم حينئذ باعتبار ذلك قال بعضهم وفئة معاوية وإن كانت باغية لكنه بغى لا فسق فيه لأنه إنما صدر عن تأويل يعذر به أصحابة انتهى أى وما زاده بعضهم فى الحديث لا انالهم الله شفاعتى يوم القيامة قال ابن كثير من روى هذا فقد افترى فى هذه الزيادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يقلها إذ لم تنقل عمن يقبل وقال الإمام أبو العباس ابن تيمية وهذا كذب مزيد فى الحديث لم يروه أحد من أهل العلم بإسناد معروف وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم عمار جلدة ما بين عيني لا يعرف له إسناد والذى فى الصحيح تقتل عمارا الفئة الباغية وعن أبى العالية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قاتل عمار فى النار ومن العجب أن أبا العالية هذا هو القاتل لعمار يوم صفين فكان أبو العالية مع معاوية وكان عمار مع على أى ويقول إن عمار ا لما برز للقتال قال اللهم لو أعلم رضاك عنى أن أوقد نارا فأرمى نفسى فيها لفعلت أو أغرق نفسى لفعلت وإنى لا أريد قتال هؤلاء إلا لوجهك الكريم وأنا أرجو أن لا تخيبنى وجعلت يده ترتعش على الحربة أى لأن عمره يومئذ كان ثلاثا وسبعين سنة أى وقد كان جئ له بلبن فضحك فقيل له ما يضحكك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آخر شراب تشربه حين تموت لبن وفى رواية آخر زادك من الدنيا مشيج من اللبن ثم نادى اليوم زخرفت الجنان وزينت الحور الحسان اليوم نلقى الأحبة محمدا وحزبه
____________________


ولما قتل عمار دخل عمرو بن العاص على معاوية فزعا وقال قتل عمار فقال معاوية قتل عمار فماذا قال عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تقتل عمارا الفئة الباغية فقال له معاوية دحضت أى زلفت فى بولك أنحن قتلناه إنما قتله من أخرجه وفى رواية قال له اسكت فو الله ما تزال تدحض أى تزلق فى بولك إنما قتله على واصحابه جاءوا به حتى ألقوا بيننا
وذكر أن عليا رضى الله تعالى عنه لما احتج على معاوية رضى الله تعالى عنه بهذا الحديث ولم يسع معاوية إنكاره قال إنما قتله من أخرجه من داره يعنى بذلك عليا فقال على رضى الله تعالى عنه فرسول الله صلى الله عليه وسلم إذن قتل حمزة حين أخرجه
ولما قتل عمار جرد خزيمة بن ثابت رضى الله تعالى عنه سيفه وقاتل مع على وكان قبل ذلك اعتزل عن الفريقين وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تقتل عمارا الفئة الباغية فقاتل معاوية حتى قتل وكان ذو الكلاع رضى الله تعالى عنه مع معاوية وقال له يوما ولعمرو بن العاص كيف نقاتل عليا وعمار بن ياسر فقالا له إن عمارا يعود إلينا ويقتل معنا فقتل ذو الكلاع قبل قتل عمار
ولما قتل عمار قال معاوية لو كان ذو الكلاع حيا لمال بنصف الناس إلى على أى لأن ذا الكلاع كان ذووه أربعة آلاف أهل بيت وقيل عشرة آلاف
وكان عبد الله بن بديل بن ورقاء رضى الله تعالى عنه مع على رضى الله تعالى عنه فلما قتل عمار أخذ سيفين ولبس درعين ولم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى معاوية فأزاله عن موقفه وأزال أصحابه الذين كانوا معه عن موقفهم ثم قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبى صلى الله عليه وسلم ثم قال ألا إن معاوية ادعى ماليس له ونازع الأمر أهله ومن ليس قبله وجادل بالباطل ليدخض به الحق وصال عليكم بالأعراب والأحزاب وزين لهم الضلالة وزرع فى قلوبهم حب الفتنة ولبس عليهم الأمر وأنتم والله على الحق على نور من ربكم وبرهان مبين فقاتلوا الطغاة الجناة قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين قاتلوا الفئة الباغية الذين نازعوا الأمر أهله قوموا رحمكم الله
ولما قتل عمار ندم ابن عمر رضى الله تعالى عنهما على عدم نصرة على والمقاتلة معه وقال عند موته ما أسفى على شئ ما أسفى على ترك قتال الباغية قال بعضهم شهدنا
____________________

صفين مع على بن أبى طالب فى ثمانمائة من أهل بيعة الرضوان وقتل منهم ثلاثة وستون منهم عمار بن ياسر وكان خزيمة بن ثابت الذى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين كان مع على يوم صفين كافا سلاحه حتى قتل عمار جرد سيفه وقاتل حتى قتل لأنه كان يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عمار تقتله الفئة الباغية
وفى الحديث من عادى عمارا عاداه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله عمار يزول مع الحق حيث يزول عمار خلط الإيمان بلحمه ودمه عمار ما عرض عليه أمران إلا اختار الأرشد منهما
وجاء أن عمارا دخل على النبى صلى الله عليه وسلم فقال مرحبا بالطيب المطيب إن عمار بن ياسر حشى ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنه إيمانا وفى رواية إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه
وتخاصم عمار مع خالد بن الوليد فى سرية كان فيها خالد أميرا فلما جاءا إليه صلى الله عليه وسلم استبا عنده فقال خالد يا رسول الله أيسرك أن هذا العبد الأجدع يشتمنى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خالد لا تسب عمارا فإن من سب عمارا فقد سب الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله ومن لعن عمارا لعنه الله ثم إن عمارا قام مغضبا فقام خالد فتبعه حتى أخذ بثوبه واعتذر إليه فرضى عنه
وعن سعد بن أبى وقاص رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحق مع عمار مالم يغلب عليه دلهة الكبر وهذا الحديث من أعلام النبوة فإن عمارا وقع بينه وبين عثمان بن عفان بعض الشحناء وأشيع عنه أنه يريد أن يخلع عثمان فاستدعاه سعد بن أبى وقاص وكان مريضا فقال له ويحك يا أبا اليقطان كنت فينا من أهل الخير فما الذى بلغنى عنك من السعى فى الفساد بين المسلمين والتألب على أمير المؤمنين أمعك عقلك أم لا فغضب عمار ونزع عمامته وقال خلعت عثمان كما خلعت عمامتى هذه فقال سعد إنا لله وإنا إليه راجعون ويحك حين كبر سنك ورق عظمك ونفد عمرك خلعت ربقة الإسلام من عنقك وخرجت من الدين عريانا كما ولدتك أمك فقام عمار مغضبا موليا وهو يقول أعوذ بربى من فتنة سعد وعند ذلك روى سعد الحديث وقال قد دله وخرف عمار وأظهر عمار القوم على ذلك
____________________


قال وجعلت قبلة المسجد إلى بيت المقدس وجعل له ثلاثة أبواب باب فى مؤخره والباب الذى كان يقال له باب عاتكة وكان يقال له باب الرحمة والباب الذى يقال له الآن باب جبريل انتهى أى وهو الباب الذى كان يدخل منه صلى الله عليه وسلم ويقال له باب عثمان لأنه كان يلى دار عثمان وهو الذى يخرج منه الآن إلى البقيع
أقول وجعل قبلته إلى بيت المقدس كان قبل أن تحول القبلة ولما حولت قبلته إلى الكعبة وهذا محمل قوله صلى الله عليه وسلم ما وضعت قبلة مسجدى هذا حتى رفعت لى الكعبة فوضعتها أتيممها أو أؤمها أى اقصدها وفى رواية ما وضعت قبلة مسجدى هذا حتى فرج لى ما بينى وبين الكعبة والله أعلم
أى وفى كلام بعضهم ومن الفوائد الحسنة ما ذكره مغلطاى أن موضع المسجد كان ابتاعه تبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه بألف سنة وإنه لم يزل على ملكه أى متعلقا به من ذلك العهد على ما دل عليه كتاب تبع
أقول سيأتى أن تبعا بنى للنبى صلى الله عليه وسلم دارا بالمدينة إذا قدمها ينزل فى تلك الدار وأنه يقال إنها دار أبى أيوب
وقد يجمع بأنه يجوز أن يكون ذلك المربد ودار أبى أيوب مجموعهما تلك الدار وأن تلك الدار قسمت فكان دار أبى أيوب بعضها وذلك المربد بعضها الآخر وأن الأيدى تداولت سكنى تلك الدار إلى أن صارت سكنا لأبى أيوب وهذا هو المراد بقول المواهب تداولت الدار الملاك إلى أن صارت لأبى أيوب
لكن قد يقال لو كانت الدار مذكورة فى الكتاب لذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الكتاب كما سيأتى وصل إليه فى مكة فى أول البعثة ونزوله دار أبى أيوب وأخذه المربد على الكيفية المذكورة يبعد ذلك أى أنه ذكر له أمر تلك الدار والله أعلم
قال ومكث صلى الله عليه وسلم يصلى فى المسجد بعد تمامه إلى بيت المقدس خمسة أشهر ولما حولت القبلة سد صلى الله عليه وسلم الباب الذى كان فى مؤخر المسجد
وفى كلام بعضهم لما حولت القبلة لم يبق من الأبواب التى كان يدخل منها صلى الله عليه وسلم إلا الباب الذى يقال له باب جبريل عليه السلام أى فإنه بقى فى محله وأما باب الرحمة الذى كان يقال له أيضا باب عاتكة فأخر عن محله
وسبب وضع الحصا فى المسجد أن المطر جاء ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة
____________________

فجعل الرجل يأتى بالحصا فى ثوبه فيبسطه تحته ليصلى عليه فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال ما أحسن هذا وفى رواية ما أحسن هذا البساط
وقد يعارض هذا ما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يحصب المسجد فمات قبل ذلك فحصبه عمر رضى الله تعالى عنه
أقول قد يقال لا معارضة لأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم لما أعجبه ذلك من فعل بعض الصحابة أمره أن يحصب جميع المسجد لأن الواقع تحصيب بعضه لكن يشكل على ذلك قول بعضهم من البدع فرش المساجد إلا أن يراد بالحصر ونحوها لأنه لم يكن زمنه صلى الله عليه وسلم ولا أمر به ثم رأيت بعضهم ذكر ذلك حيث قال أول من فرش الحصر فى المساجد عمر بن الخطاب وكانت قبل ذلك مفروشة بالحصباء أى فى زمنه صلى الله عليه وسلم كما تقدم
وفى الإحياء أكثر معروفات هذه الأعصار منكرات فى عصر الصحابة رضى الله تعالى عنهم إذ من عزيز المعروف فى زماننا فرش المساجد بالبسط الرقيقة فيها وقد كان يعد فرش البوارى فى المسجد بدعة كانوا لا يرون أن يكون بينهم وبين الأرض حائل هذا كلام الإحياء أى والحصباء لا تعد حائلا وسيأتى أن المسجد بنى بعد فتح خيبر وهى التى عناها خارجة رضى الله تعالى عنه بقوله لما كثر الناس قالوا يا رسول الله لو زيد فيه ففعل ولعلها هى التى أدخل فيها الأرض التى اشتراها عثمان رضى الله تعالى عنه من بعض الأنصار بعشرة آلاف درهم ثم جاء عثمان إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أتشترى منى البقعة التى اشتريتها من الأنصار اى التى كانت مجاورة للمسجد فاشتراها منه ببيت فى الجنة
أى وفى رواية أن عثمان رضى الله تعالى عنه لما حصر أى الحصرة الثانية وأشرف على الناس من فوق سطح داره وقد اشتد به العطش قال أههنا على قالوا لا قال أههنا طلحة قالوا لا قال أنشدكم بالله الذى لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من يبتاع مربد بنى فلان أى لمربد كان مجاورا للمسجد غفر الله له فاتبعته بعشرين ألفا أو بخمسة وعشرين ألفا شك عثمان وتقدم أنه اشتراها بعشرة آلاف درهم فليتأمل فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت قد ابتعته فقال اجعله مسجدنا وأجره لك قالوا اللهم نعم قد كان ذلك وفى لفظ أنشدكم بالله
____________________

وبالإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشتري بقعة ابن فلان لبقعة كانت إلى جانب المسجد فقال صلى الله عليه وسلم من يشتريها ويوسعها فى المسجد له مثلها وفى لفظ بخير له منها فى الجنة فاشتريتها ووسعتها فى المسجد فأنتم الآن تمنعوني أن أصلى فيها ركعتين أى وزاد فيه عثمان رضى الله تعالى عنه بعد ذلك زيادة كبيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج كما فى البخارى وعدد عثمان رضى الله تعالى عنه أشياء منها أنه قال أنشدكم بالله وبالإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة ولم يكن يشرب منها أحد إلا بالثمن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشترى بئر رومة يجعل دلوه فيها مع دلاء المسلمين فى لفظ ليكون دلوه فيها كدلاء المسلمين بخير له منها فى الجنة وفى لفظ له بها مشرب فى الجنة فاشتريتها من صلب مالى فجعلتها للغنى والفقير وابن السبيل قالوا اللهم نعم قال فأنتم اليوم تمنعونى أن أشرب منها بل وتمنعونى الماء ألا أحد يسقينا فإنى أفطر على الماء الملح وفى رواية هل فيكم من يبلغ عليا عطشنا فأبلغوه فلما بلغ ذلك عليا أرسل إليه بثلاث قرب مملوءة ماء فما كادت تصل إليه وجرح بسببها عدة من موالى بنى هاشم وبنى أمية أى وكانت هذه البئر ركية ليهودى يقال له رومة يقال إنه أسلم وكان يبيع المسلمين ماءها كانت بالعقيق وتفل فيها صلى الله عليه وسلم فعذب ماؤها ولما قال رسول الله صلى اللع عيه وسلم من يشتري بئر رومة فيجعلها للمسلمين يضرب بدلوه فى دلائهم وله بها مشرب فى الجنة فساومه فيها عثمان فأبى أن يبيعها كلها فاشترى نصفها باثنى عشر ألف درهم وجعل ذلك للمسلمين وجعل له يوما ولليهودى يوما فإذا كان يوم عثمان استقى المسلمون ما يكفيهم يومين فلما رأى اليهودى ذلك قال لعثمان أفسدت على ركيتى فاشترى النصف الآخر بثمانية آلاف وقيل جملة ما اشتراها به خمسة وثلاثون ألف درهم وقول عثمان جعلتها للغنى والفقير وابن السبيل دليل على أن قوله دلوى فيها كدلاء المسلمين على أنه لم يشترط ذلك بل قصد به التعميم فى الموقوف عليه ولا دليل فيه على جواز أن للواقف أن يشترط له الانتفاع بما وقفه كما زعمه بعضهم
وكان حصار عثمان رضى الله تعالى عنه شهرين وعشرين يوما وفى كلام سبط ابن الجوزى كان الحصار الأول عشرين يوما والثانى أربعين يوما وفى يوم من تلك
____________________

الأيام قال وددت لو أن رجلا صادقا أخبر عن أمرى هذا أى من أين أوتيت فقام رجل من الأنصار فقال أنا أخبرك يا أمير المؤمنين إنك تطأطأت لهم فركبوك وما جرأهم على ظلمك إلا إفراط حلمك فقال له صدقت اجلس
وأول من دخل عليه الدار محمد بن أبى بكر تسور عليه هو وجماعة من الحائط من دار عمرو بن حزم فأخذ بلحيته فقال له دعها يا ابن أخى فوالله لقد كان أبوك يكرمها فاستحى وخرج وفى رواية لما أخذ بلحيته هزها وقال له ما أغنى عنك معاوية وما أغنى عنك ابن أبى سرح فقال له يا ابن أخى أرسل لحيتى فو الله إنك لتجر لحية كانت تعز على أبيك وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا منى فتركه وخرج ويقال إنه قال له ما أريد بك أشد من قبضى على لحيتك فقال عثمان أستنصر بالله عليك وأستعين به ثم طعن جبينه بمشقص كان فى يده ثم ضربه بعض هؤلاء بالسيف فأتته نائلة زوج عثمان فقطع أصابع يدها الخمس
وعن ابن الماجشون عن مالك أن عثمان بعد قتله ألقى على المزبلة ثلاثة أيام وقيل أغلق عليه بابه بعد قتله ثلاثة أيام لا يستطيع أحد أن يدفنه فلما كان الليل أتاه اثنا عشر رجلا منهم حويطب بن عبد العزى وحكيم بن حزام وعبد الله بن الزبير وقيل صلى عليه أربعة وإن ابن الزبير لم يشهد قتل عثمان فاحتملوه فلما اجتازوا به للمقبرة منعوهم وقالوا والله لا يدفن فى مقابر المسلمين فدفنوه بمحل كان الناس يتوقون أن يدفنوا موتاهم به فكان يمر به ويقول سيدفن هنا رجل صالح فيتأسى به الناس فى دفن موتاهم به وكان ذلك المحل بستانا فاشتراه عثمان وزاده فى البقيع فكان هو أول من قبر فيه وحملوه على باب وإن رأسه ليقرع الباب لإسراعهم به من شدة الخوف ولما دفنوه عفوا قبره خوفا عليه أن ينبش وأما غلاماه اللذان قتلا معه فجروهما برجليهما وألقوهما على التلال فأكلتهما الكلاب
وسبب هذه الفتنة أنهم نقموا عليه أمورا
منها عزله لأكابر الصحابة ممن ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من أوصى عمر رضى الله تعالى عنه بأن يبقى على ولايته وهو أبو موسى الأشعرى رضى الله تعالى عنه من البصرة فإن عمر رضى الله تعالى عنه أوصى بأن يبقى على ولايته فعزله عثمان وولى ابن خاله عبد الله بن عامر محله وعزل عمرو بن العاص عن مصر وولاها ابن أبى سرح
____________________

وعزل المغيرة بن شعبة عن الكوفة وعزل ابن مسعود رضى الله تعالى عنه عنها أيضا وأشخصه إلى المدينة وعزل سعد بن أبى وقاص رضى الله تعالى عنه عن الكوفة وولى أخاه لأمه الوليد بن عقبة بن أبى معيط الذى سماه الله تعالى فاسقا بقوله تعالى { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا } وصار الناس يقولون بئس ما فعل عثمان عزل اللين الهين الورع المستجاب الدعوة وولى أخاه الخائن الفاسق المدمن للخمر ولعل مستندهم فى ذلك ما رواه الحاكم فى صحيحه من ولى رجلا على عصابة وهو يجد فى تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين
ومنها أنه أدخل عمه الحكم بن أبى العاص والد مروان المدينة وكان يقال له طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعنه وقد كان صلى الله عليه وسلم طرده إلى الطائف ومكث به مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدة أبى بكر بعد أن سأله عثمان فى إدخاله المدينة فأبى فقال له عثمان عمى فقال عمك إلى النار هيهات هيهات أن أغير شيئا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا رددته أبدا فلما توفى أبو بكر وولى عمر كلمه عثمان فى ذلك فقال له ويحك يا عثمان تتكلم فى لعين رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريده وعدو الله وعدو رسوله فلما ولى عثمان رده إلى المدينة فاشتد ذلك على المهاجرين والأنصار فأنكر ذلك عليه أعيان الصحابة فكان ذلك من أكبر الأسباب على القيام عليه واعتذر عثمان عن ذلك بأن النبى صلى الله عليه وسلم كان وعده برده وهو فى مرض موته قال فشهدت عند أبى بكر فقال إنك شاهد واحد ولاتقبل شهادة الواحد ثم قال لى عمر كذلك فلما صار الأمر إلى قضيت بعلمى اى وأما عزله لأبى موسى فإن جند عمله شكوا شحه فعزله خوف الفتنة
ومنها أنه جاء إلى عثمان أهل مصر يشكون ممن ولاه عليهم وهو ابن أبى سرح وقالوا كيف توليه على المسلمين وقد أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح دمه وتعزل عمرو بن العاص عنا
ورد هذا بأن عزله لعمرو إنما كان لكثرة شكايتهم منه وابن أبى سرح أسلم بعد الفتخ وحسن حاله ووجدوه لسياسة الأمر أقوى من عمرو بن العاص وعزله للمغيرة بأنه أنهى إليه فيه أنه ارتشى فرأى المصلحة فى عزله فلما عادوا إلى مصر قتل ابن أبى سرح رجلا منهم فعادوا إلى عثمان وكلموا أكابر الصحابة كعلى وطلحة بن عبيد الله فقالوا
____________________

اعزله عنهم فإنهم يسالونك رجلا مكانه فقال لهم عثمان يختارون رجلا أوليه عليهم فاختاروا محمد بن أبى بكر فكتب إليه عهده وولاه فخرج وخرج معه جماعة من المهاجرين والأنصار وجماعة من التابعين لينظروا بين أهل مصر وبين ابن أبى سرح فلما كان محمد بن أبى بكر ومن معه على مسيرة ثلاثة مراحل من المدينة فإذا هم بغلام أسود على بعير فقالوا له ما قضيتك فقال لهم أنا غلام أمير المؤمنين أرسلنى إلى عامل مصر فقال له واحد منهم هذا عامل مصر يعنى محمد بن أبى بكر فقال ما هذا أريد فلما أخبر ذلك الرجل محمد بن أبى بكر استدعاه فقال له بحضور من معه من المهاجرين والأنصار أنت غلام من فصار تارة يقول غلام أمير المؤمنين وتارة يقول غلام مروان فعرفه رجل من القوم وقال هذا غلام عثمان فقال له محمد إلى من أرسلت قال إلى عامل مصر برسالة قال معك كتاب قال لا ففتشوه فإذا معه كتاب من عثمان إلى ابن أبى سرح فى قصبة من رصاص فى جوف الإداوة فى الماء ففتح الكتاب فحضره جميع من معه فإذا فيه إذا أتاك محمد وفلان وفلان فاحتل فى قتلهم وفى رواية انظر فلانا وفلانا إذا قدموا عليك فاضرب أعناقهم وعاقب فلانا بكذا وفلانا بكذا منهم نفر من الصحابة ونفر من التابعين
وفى رواية اذبح محمد بن أبى بكر واحش جلده تبنا وكن على عملك حتى يأتيك كتابى فلما قرءوا الكتاب فزعوا ورجعوا إلى المدينة وقرئ الكتاب على جميع من بالمدينة من الصحابة والتابعين فما منهم أحد إلا واغتم لذلك فدخل عليه على مع جماعة من أهل بدر ومعه الكتاب والغلام فقالوا له هذا الغلام غلامك قال نعم قالوا والبعير بعيرك قال نعم قالوا فأنت كتبت هذا الكتاب فقال لا وحلف بالله ما كتبت هذا الكتاب ولا أمرت به ولا علم لى به فقال له على والخاتم خاتمك قال نعم قال فكيف يخرج غلامك ببعيرك وبكتابك عليه ختمك وأنت لا تعلم به فحلف بالله ما أمرت بهذا الكتاب ولا وجهت هذا الغلام إلى مصر فعرفوا أنه خط مروان لا عثمان لأن عثمان لا يحلف باطلا وفى رواية الخط خط كاتبى والخاتم خاتمى وفى رواية انطلق الغلام بغير أمرى وأخذ الجمل بغير علمى قالوا فما نقش خاتمك قال نقش عليه مروان فسألوه أن يدفع لهم مروان وكان مروان عنده فى الدار فأبى فخرجوا من عنده غضابا وقالوا لا يبرأ عثمان إلا أن يدفع إلينا مروان حتى نبحث ونعرف
____________________

حال الكتاب فإن كان عثمان أمر به عزلناه وإن كان مروان كتبه على لسان عثمان نظرنا ما يكون فى أمر مروان فأبى عثمان أن يخرج إليهم مروان خوفا عليه من القتل فحوصر عثمان بسبب ذلك ومنعوه الماء ووقع ما تقدم
وذكر ابن الجوزى أنه لما دخل المصريون على عثمان رضى الله عنه والمصحف فى حجره يقرأ فيه فمدوا إليه أيديهم فمد يده فضربت فسال الدم وقيل وقعت قطرة على { فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } فقال أما إنها أول يد خطت المفصل هذا كلامه أى وهذا من أعلام النبوة فقد أخرج الحاكم عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا عثمان تقتل وأنت تقرأ سورة البقرة فتقع قطرة من دمك على { فسيكفيكهم الله } قال الذهبى إنه حديث موضوع أى قوله فيه وأنت تقرأ إلى آخره
وروى أنه لما حوصر قال والله ما زنيت فى جاهلية ولا إسلام ولا تمنيت أن لى بدينى بدلا منذ هدانى الله ولا قتلت نفسا فبم تقتلوننى وقال { ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد } يا قوم لا تقتلونى إنكم أن قتلتمونى كنتم هكذا وشبك بين أصابعه وقال معددا لنعم الله تعالى عليه ما وضعت يدى على فرجى منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما مرت بى جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة إلا أن لا يكون عندى شئ فأعتقها بعد ذلك قال بعضهم وجملة من أعتقه عثمان ألفان وأربعمائة رقبة تقريبا
وذكر أنه رأى فى الليلة التى قتل فى يومها المصطفى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر فى المنام وقالوا له اصبر فإنك تفطر عندنا الليلة القابلة فلما أصبح دعا بالمصحف فنشره بين يديه ولبس السراويل ولم يكن لبسها قبل ذلك فى الجاهلية ولا فى الإسلام خوفا أن يطلع على عورته عند قتله
وكان من جملة ما انتقم به على عثمان رضى الله تعالى عنه أنه أعطى ابن عمه مروان بن الحكم مائة ألف وخمسين أوقية واعطى الحارث عشر ما يباع فى السوق أى سوق المدينة وأنه جاء إليه ابو موسى بكيلة ذهب وفضة فقسمها بين نسائه وبناته وأنه انفق أكثر بيت المال فى عمارة ضياعه ودوره وأنه حمى لنفسه دون إبل الصدقة وانه حبس عبدالله بن مسعود وهجره وحبس عطاء وابى بن كعب ونفى أبا ذر إلى الربدة
____________________

وأشخص عبادة بن الصامت من الشام لما شكاه معاوية وضرب عمار بن ياسر وكعب بن عبدة ضربه عشرين سوطا ونفاه إلى بعض الجبال وقال لعبد الرحمن بن عوف إنك منافق وإنه أقطع اكثر أراضى بيت المال وأن لا يشترى أحد قبل وكيله وأن لا تسير سفينة فى البحر إلا فى تجارته وأنه احرق الصحف التى فيها القرآن وأنه أتم الصلاة بمنى ولم يقصرها لما حج بالناس وأنه ترك قتل عبيد الله وقد قتل الهرمزان وقد أجاب عن ذلك كله فى الصواعق فراجعه
وما رواه الزبير بن بكار عن أنس من أنه صلى الله عليه وسلم لم يعمل اللبن ولم يبن به المسجد إلا بعد أربع سنين من الهجرة رأيت ما يرده فى تاريخ للمدينة ونصه ما روى عن أنس واه أو مؤول والمعروف خلافه والله أعلم
وعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو بنى مسجدى هذا إلى صنعاء كان مسجدى قال بعضهم إن صح هذا كان من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم أى لأنه وسع بعد ذلك أى وسعه المهدى وذلك فى سنة ستين ومائة ثم زاد فيه المأمون فى سنة اثنتين ومائتين
وبه يرد القوم بأن المضاعفة خاصة بالموجود حين الإشارة أى لكن المحافظة على الصلاة فيما كان فى عهده صلى الله عليه وسلم أولى
قال وبنى حجرتين لعائشة وسودة أى بناهما مجاورتين للمسجد وملاصقتين له على طرز بناء المسجد من لبن وجعل سقفهما من جذوع النخل والجريد أى وقدم رجل من أهل اليمامة عند الشروع فى بناء المسجد يقال له طلق من بنى حنيفة فعنه رضى الله تعالى عنه قال قدمت على النبى صلى الله عليه وسلم وهو يبنى مسجده والمسلمون يعملون معه فيه وكنت صاحب علاج الطين فأخذت المسحاة وخلطت بها الطين فقال لى يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله امرأ أحسن صنعته وقال لى الزم أنت هذا الشغل فإنى أراك تحسنه وفى لفظ إن هذا الحنفى لصاحب طين وفى لفظ قربوا اليمانى من الطين فإنه أحسنكم له مسكا وأشدكم منكبا وفى لفظ دعوا الحنفى والطين فإنه من أصنعكم للطين وأرسل وهو فى بيت أبى أيوب زيد بن حارثة وأبا رافع مكة وأعطاهما خمسمائة درهم وبعيرين ليأتيا بأهله أى والخمسمائة أخذها من أبى بكر ليشتريا بها ما يحتاجان إليه فاشترى بها زيد ثلاثة أبعرة وأرسل معهما أبو بكر رضى الله تعالى
____________________

عنه عبد الله بن الأريقط دليلا أى ببعرين أو ثلاثة فقدما بفاطمة وأم كلثوم بنتيه صلى الله عليه وسلم وسودة زوجته وأم أيمن حاضنته صلى الله عليه وسلم زوج زيد بن حارثة وابنها أسامة بن زيد فأسامة أخو أيمن لأمه وكان أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه وابن حاضنته
عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن أسامة عثر يوما فى أسكفة الباب فشج وجهه فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم أميطى عنه قالت عائشة فكأنى تقذرته أى لأنه كان أسود أفطس فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمصه يعنى الدم ثم يمجه
وأما بنته صلى الله عليه وسلم زينب التى هى أكبر بناته فكانت مع زوحها ابن خالتها أبى العاص بن الربيع فمنعها من الهجرة وسيأتى أنها هاجرت بعد ذلك قبله وتركته على شركة وبعد أن اسر فى بدر وأطلق وأمره صلى الله عليه وسلم بأن يخلى سبيلها ففعل ثم لما أسلم ردها إليه
وأما بنته رقية فتقدم أنها هاجرت مع زوجها عثمان بن عفان وخرج مع فاطمة ومن ذكر معها عبد الله بن أبى بكر ومعه عيال أبى بكر فيهم زوجته أم رومان وعائشة وأختها أسماء زوج الزبير أى وهى حامل بابنها عبد الله بن الزبير وعن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها كانت هى وأمها على بعير فى محفة فنفر البعير قالت فصارت أمى تقول وابنتاه واعروساه فمسك البعير وسلم الله وفى رواية عن عائشة رضى الله تعالى عنها لما صارت أمى تقول واعروساه وابنتاه سمعت قائلا يقول أرسلى خطامه فأرسلت خطامه فوقف بإذن الله وسلمنا الله وأم رومان ولدت لأبى بكر عائشة وعبد الرحمن رضى الله تعالى عنهم وكانت قبل أبى بكر تحت عبد الله بن الحارث فولدت له الطفيل قال صلى الله عليه وسلم فى حقها من يسره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان وتوفيت فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ماتت سنة ست من الهجرة ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قبرها وقال اللهم إنه لم يخف عليك ما لاقت أم رومان فيك وفى رسولك صلى الله عليه وسلم
وعورض القول بموتها فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فى البخارى عن مسروق قال سألت أم رومان وهى أم عائشة رضى الله تعالى عنهما ومسروق ولد بعد
____________________

موت النبى صلى الله عليه وسلم بلا خلاف وما فى البخارى حديث صحيح مقدم على ما ذكره أهل السير من موتها فى حياته صلى الله عليه وسلم
وفى البخارى عن أسماء فنزلت بقباء فولدته بها يعنى ولدها عبدالله بن الزبير ثم أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فوضعته فى حجرة ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل فى فيه فكان أول شئ دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حنكه بتمرة أى بتلك التمرة ففى المواهب وحنكه بها ثم دعا له وبرك عليه وهو أول مولود ولد فى الإسلام أى للمهاجرين
وفيه أن أسماء إنما قدمت المدينة أى إلى قباء بعد تحوله صلى الله عليه وسلم من قباء ويدل له قول بعضهم قدم آل أبى بكر من مكة وهو صلى الله عليه وسلم يبنى مسجده وأنزلهم أبو بكر فى السنح إلا أن يقال يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم جاء إلى قباء بعد ذلك فقد قال بعضهم وهذا السياق يدل على أن عبدالله بن الزبير ولد فى السنة الأولى لافى الثانية كما قاله الواحدى وتبعه غيره فقال ولد بعد عشرين شهرا من الهجرة ففرح به المسلمون فرحا شديدا لأن اليهود كانوا يقولون قد سحرناهم فلا يولد لهم مولود وهذا ربما يؤيد القول الثانى إلا أن يقال يجوز أن يكون عبدالله مكث فى بطنها المدة المذكورة
فقد ذكر أن مالكا رضى الله تعالى عنه مكث فى بطن أمه سنتين وكذا الضحاك ابن مزاحم التابعى مكث فى بطن أمه سنتين وفى المحاضرات للجلال السيوطى أن مالكا مكث فى بطن أمه ثلاث سنين وأخبر سيدنا مالك أن جارة له ولدت ثلاثة أولاد فى اثنتى عشرة سنة بحمل أربع سنين وحينئذ يجوز أن تكون سيدتنا أسماء جاءت إلى قباء فولدت سيدنا عبدالله وصادف مجيئه صلى الله عليه وسلم إلى قباء فى ذلك اليوم وقد سماه صلى الله عليه وسلم عبد الله وكناه أبا بكر بكنية جده الصديق رضى الله تعالى عنه
وروى أنه جاء النبى صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع أو ثمان ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمره والده الزبير بذلك فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعه وكون آل أبى بكر نزلوا عند مجيئهم المدينة فى السنح لا ينافى كون أسماء نزلت بقباء وولدت بها لأنه يجوز أن يكون نزول أسماء فى السنح بعد نزولها فى قباء قصدا لراحتها لكونها كانت حاملا حتى وضعت والسياق المتقدم يدل على ذلك وكون عبدالله بن الزبير
____________________

أول مولود ولد فى الإسلام للهاجرين بالمدينة كذلك عبدالله بن جعفر بن أبى طالب أول مولود ولد للمهاجرين بالحبشة ويقال له عبدالله الجواد
واتفق أن النجاشى ولد له مولود يوم ولد عبدالله هذا فأرسل إلى جعفر يقول له كيف سميت ابنك فقال سميته عبدالله فسمى النجاشى ابنه عبدالله وأرضعته أسماء بنت عميس مع ابنها عبدالله المذكور فكانا يتراسلان بتلك الأخوة من الرضاع
وأول مولود ولد للأنصار بعد الهجرة مسلمة بن مخلد وقيل النعمان بن بشير وذكر أن أم أسماء قدمت المدينة وهى مشركة على أسماء بهدية فحجبتها أسماء وردت عليها هديتها فسألت عائشة رضى الله تعالى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمر أسماء أن تؤوى أمها وتقبل هديتها
قيل وفى ذلك وفى إرسال عبدالرحمن بن أبى بكر وهو بمكة على دينه قبل أن يسلم إلى أبيه يسأله النفقة فأبى أبوه أن ينفق عليه أنزل الله الإذن فى الإنفاق على الكفار
وقال أبو أيوب الأنصارى لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتى نزل فى أسفل البيت وأنا وأم أيوب فى العلو فقلت يا رسول الله بأبت أنت وأمى إنى أكره وأعظم أن أكون فى العلو وتكون تحتى فاظهر أنت وكن فى العلو وننزل نحن فنكون فى السفل فقال صلى الله عليه وسلم يا أبا أيوب أرفق بنا أى السفل أرفق بنا وبمن يغشانا أي وفى لفظ إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون فى سفل البيت قال أبو أيوب فانكسر حب ليا فيه ماء والحب بضم الحاء المهملة الجرة الكبيرة فقمت أنا وأم أيوب بقطيقة لنا ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوفا أن يقطر منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ فيؤذيه ولم أزل أتضرع للنبى صلى الله عليه وسلم حتى تحول في العلو أي وفي رواية عن أبي أيوب قال نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة فكنت فى العلو فلما خلوت إلى أم أيوب فقلت لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بالعلو منا ينتثر التراب عليه من وطء أقدامنا وتنزل عليه الملائكة وينزل عليه الوحى وفى رواية ينزل عليه القرآن ويأتيه جبريل فما بت تلك الليلة أنا ولا أم أيوب فلما أصبحت قلت يا رسول الله ما بت الليلة أنا ولا أم أيوب قال لم يأبا أيوب قلت كنت أحق العلو منا ينزل عليك الملائكة وينزل عليك الوحى والذى بعثك بالحق لا أعلو سقيفة أنت تحتها أبدا أى وعن أفلح مولى أبى أيوب أن
____________________

رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل أسفل وأبو أيوب فى العلو انتبه أبو أيوب ذات ليلة فقال نمشى فوق رسول الله صلى الله عليه وسلم فباتا فى جانب فلما أصبح الحديث
وعند نزوله صلى الله عليه وسلم فى بيت أبى أيوب صارت تأتى إليه جفنة سعد بن عبادة وجفنة أسعد به زرارة كل ليلة أي وكانت جفنة سعد بن عبادة بعد ذلك تدور معه صلى الله عليه وسلم فى بيوت أزواجه فقد جاء كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم من سعد بن عبادة جفنة من ثريد أى عليه لحم أو خبز فى لبن أو فى سمن أو فى عسل أو بخل وزيت فى كل يوم تدور معه أينما دار مع نسائه وصار وهو فى بيت أبى أيوب يأتى إليه الطعام من غيرهما أى فقد جاء وما كان من ليلة إى وعلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة والأربعة يحملون الطعام يتناوبون حتى تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزل أبى أيوب أى وفى لفظ وجعل بنو النجار يتناوبون فى حمل الطعام إليه صلى الله عليه وسلم مقامه فى منزل أبى أيوب رضى الله تعالى عنه وهو تسعة أشهر وأول طعام جئ به إليه صلى الله عليه وسلم فى دار أبى أيوب قصعة أم زيد بن ثابت
فعن زيد بن ثابت أول هدية دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت أبى أيوب قصعة أرسلتنى بها أمى إليه فيها ثريد خبز بر بسمن ولبن فوضعتها بين يديه وقلت يا رسول الله أرسلت بهذه القصعة أمى فقال له بارك الله فيها أى وفى رواية بارك الله فيك ودعا أصحابه فأكلوا قال زيد فلم أرم الباب أى أرده حتى جاءت قصعة سعد ابن عبادة ثريد وعراق لحم أى بفتح العين عظم عليه لحم فإن أخذ عنه اللحم قيل له عراق بضم العين وقد جاء كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الثريد ويقال له الثفل بالمثلثة والفاء
ولما بنى المسجد جعل فى المسجد محلا مظللا يأوى إليه المساكين يسمى الصفة وكان أهله يسمون أهل الصفة وكان صلى الله عليه وسلم فى وقت العشاء يفرقهم على أصحابه ويتعشى معه منهم طائفة
وظاهر السياق أن ذلك أى المحل فعل فى زمن بناء المسجد وآوى إليه المساكين من حينئذ لكن روى البيهقى عن عثمان بن اليمان قال لما كثر المهاجرون بالمدينة ولم يكن لهم زاد ولا مأوى أنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وسماهم أصحاب الصفة وكان يجالسهم ويأنس بهم أى وكان إذا صلى الله عليه وسلم أتاهم فوقف عليهم فقال لو تعلموا مالكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فقرا وحاجة
____________________

أقول ذكر أن المسجد كان إذا جاءت العتمة يوقد فيه بسعف النخل فلما قدم تميم الدارى المدينة صحب معه قناديل وحبالا وزيتا وعلق تلك القناديل بسوارى المسجد وأوقدت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نورت مسجدنا نور الله عليك أما والله لو كان لى ابنة لأنكحتكها
هذا وفى كلام بعضهم أول من جعل فى المسجد المصابيح عمر بن الخطاب رضر الله تعالى عنه ويوافقه قول بعضهم والمستحب من بدع الأفعال تعليق القناديل فيها أى المساجد وأول من فعل ذلك عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فإنه لما جمع الناس على أبى بن كعب فى صلاة التروايح علق القناديل فلما رآها على تزهر قال نورت مساجدنا نور الله قبرك يا ابن الخطاب ولعل المراد تعليق ذلك بكثرة فلا يخالف ما تقدم عن تميم الدارى
ثم رأيت فى أسد الغابة عن سراج غلام تميم الدارى قال قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن خمسة غلمان لتميم الدارى فأمرنى يعنى سيده فأسرجت المسجد بقنديل فيه زيت وكانوا لا يسرجون فيه إلا بسعف النخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسرج مسجدنا فقال تميم غلامى هذا فقال ما اسمه فقال فتح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل اسمه سراج فسمانى رسول الله صلى الله عليه وسلم سراجا
وعن بعضهم قال أمرنى المأمون أن أكتب بالاستكثار من المصابيح فى المساجد فلم أدر ما أكتب لأنه شئ لم أسبق إليه فأريت فى المنام أكتب فإن فيها أنسا للمجتهدين ونفيا لبيوت الله عن وحشة الظلم فانتبهت وكتبت بذلك قال بعضهم لكن زيادة الوقود كالواقع ليلة النصف من شعبان ويقال لها ليلة الوقود ينبغى أن يكون ذلك كتزويق المساجد ونقشها وقد كرهه بعضهم والله أعلم
قال وذكر ابن إسحاق فى كتاب المبدأ وقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن تبع بن حسان الحميرى وهو تبع الأول أى الذى ملك الأرض كلها شرقها وغربها وتبع بلغة اليمن الملك المتبوع ويقال له الرئيس لأنه رأس الناس بما أوسعهم من العطاء وقسم فيهم من الغنائم وكان أول من غنم
ولما عمد إلى البيت يريد تخريبه رمى بداء تمخض منه رأسه قيحا وصديدا وأنتن
____________________

حتى لا يستطيع أحد أن يدنو منه قيد رمح كما تقدم وتقدم أنه بعد ذلك كسا الكعبة وبعد ذلك اجتاز بيثرب وكان فى ركابه مائة ألف وثلاثون ألفا من الفرسان ومائة ألف وثلاثة عشر ألفا من الرجالة فأخبر أن أربعمائة رجل من أتباعه من الحكماء والعلماء تبايعوا أن لا يخرجوا منها فسألهم عن الحكمة فى ذلك فقالوا إن شرف البيت إنما هو برجل يخرج يقال له محمد هذه دار إقامته ولا يخرج منها فبنى فيها لكل واحد منهم دارا واشترى له جارية واعتقها وزوجها منه وأعطاهم عطاء جزيلا وكتب كتابا وختمه ودفعه إلى عالم عظيم منهم وأمره أن يدفع ذلك الكتاب لمحمد صلى الله عليه وسلم إن أدركه وفى ذلك الكتاب أنه آمن به وعلى دينه وبنى دارا له صلى الله عليه وسلم ينزلها إذا قدم تلك البلد ويقال إنها دار أبى أيوب أى كما تقدم وأنه من ولد ذلك العالم الذى دفع إليه الكتاب أى فهو صلى الله عليه وسلم لم ينزل إلا داره أى على ما تقدم
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أى دعا إلى الإسلام أرسلوا إليه ذلك الكتاب مع شخص يسمى أبا ليلى فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أنت أبو ليلى الذى معك كتاب تبع الأول فقال له أبو ليلى من أنت قال أنا محمد هات الكتاب فلما قرأه أى قرئ عليه وذكر بعضهم أن مضمون الكتاب أما بعد يا محمد فإنى آمنت بك وبربك ورب كل شئ وبكل ما جاءك من ربك من شرائع الإسلام والإيمان وإنى قلت ذلك فإن أدركتك فيها ونعمت وإن لم أدركك فاشفع لى يوم القيامة ولا تنسنى فإنى من أصل الأولين وبايعتك قبل مجيئك وقبل أن يرسلك الله وأنا على ملتك وملة إبراهيم وختم الكتاب وتلا أى قرأ عليه لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله فقد قرأ هذا قبل نزوله وكتب عنوان الكتاب إلى محمد بن عبد الله خاتم النبين والمرسلين ورسول رب العالمين من اتبع لأول حمير أمانة الله فى يد من وقع هذا الكتاب فى يده إلى أن يدفعه إلى صاحبه ودفعه إلى رأس العلماء المذكورين ثم وصل الكتاب المذكور إلى النبى صلى الله عليه وسلم على يد بعض ولد العالم المذكور حين هاجر وهو بين مكة والمدينة وسياق الرواية الأولى يدل على أن ذلك كان فى أول البعثة وبعد قراءة الكتاب عليه صلى الله عليه وسلم قال مرحبا بتبع الأخ الصالح ثلاث مرات وكان بين تبع هذا أى بين قوله إنه آمن به
____________________

وعلى دينه وبين مولد النبى صلى الله عليه وسلم ألف سنة سواء أى وتقدم أنه ابتاع المحل الذى بناه دارا له قبل مبعثه بألف سنة فليتأمل ويقال إن الأوس والخزرج من أولاد أولئك العلماء والحكماء اه
أقول قد علمت أن نزوله صلى الله عليه وسلم دار أبى أيوب على الوجه المتقدم وأخذه المربد على الكيفية المتقدمة مع وصول الكتاب إليه أول البعثة أو بين مكة والمدينة وهو مهاجر إلى المدينة يبعد هذا
وفيه أيضا أن الذى فى التنوير لابن دحية أن هذا تبع الأوسط وأنه الذى كسا البيت بعد ما أراد غزوة وبعد ما غزا المدينة وأراد خرابها انصرف عنها لما أخبر أنها مهاجر نبى اسمه محمد
أى فقد ذكر بعضهم أن تبعا أراد تخريب المدينة واستئصال اليهود فقال له رجل منهم بلغ من العمر مائتين وخمسين سنة الملك أجل من أن يستخفه غضب وأمره أعظم أن يضيق عنا حلمه أو نحرم صفحه مع أن هذه البلدة مهاجر نبى يبعث بدين إبراهيم فكتب كتابا وذكر فيه شعرا فكانوا يتوارثون ذلك الكتاب إلى أن هاجر النبى صلى الله عليه وسلم فأدوه إليه ويقال إن الكتاب كان عند أبى أيوب الأنصارى وكان ذلك قبل مبعثه بسبعمائة عام
وفى التنوير أيضا أن ابن أبى الدنيا ذكر أنه حفر قبر بصنعاء قبل الإسلام فوجد فيه امرأتان لم يبليا وعند رءوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب هذا قبر فلانة وفلانة اينتى تبع ماتتا وهما يشهدان أن لا إله إلا الله ولا يشركان به وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما وجاء لاتسبوا تبعا فإنه كان مؤمنا وفى رواية لاتسبوا تبعا الحميرى فإنه أول من كسا الكعبة قال السهيلى وكذا تبع الأول كان مؤمنا بالنبى صلى الله عليه وسلم وقال شعرا ينبئ فيه بمبعثه صلى الله عليه وسلم والله أعلم
وكانت المدينة فى الجاهلية معروفة بالوباء أى الحمى وكان إذا أشرف على واديها أحد ونهق نهيق الحمار لا يضره الوباء وفى لفظ كان إذا دخلها غريب فى الجاهلية يقال له إن أردت السلامة من الوباء فانهق نهيق الحمار فإذا فعل ذلك سلم
وفى حياة الحيوان كانوا فى الجاهلية إذا خافوا وباء بلد عشروا كتعشير الحمار أى نهقوا عشرة أصوات فى طلق واحد قبل أن يدخلوها وكانوا يزعمون أن ذلك يمنعهم من الوباء
____________________

ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اهلها من أخبث الناس كيلا فأنزل الله تعالى { ويل للمطففين } الآية فأحسنوا الكيل بعد ذلك
ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة وأصحابه أصابت أصحابه بالحمى وفى لفظ استوخم المهاجرون هواء المدينة ولم يوافق أمزجتهم فمرض كثير منهم وضعفوا حتى كانوا يصلون من قعود فرآهم صلى الله عليه وسلم فقال اعلموا أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم فتجشموا المشقة وصلوا قياما
قالت عائشة رضى الله تعالى عنها قدمنا المدينة وهى أوبأ أرض الله ولما حصلت لها الحمى قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مالى أراك هكذا قالت بأبى أنت وأمى هذه الحمى وسبتها فقال لا تسبيها فإنها مأمورة ولكن إن شئت علمتك كلمات إذا قلتهني أذهبها الله تعالى عنك قالت فعلمنى قال قولى اللهم ارحم جلدى الرقيق وعظمى الدقيق من شدة الحريق يا أم ملدم إن كنت آمنت بالله العظيم فلا تصدعى الرأس ولا تنتنى الفم ولا تأكلى اللحم ولا تشربى الدم وتحولى عنى إلى من اتخذ مع الله إلها آخر فقالتها فذهبت عنها
وعن على رضى الله تعالى عنه لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها فأصابنا بها وعك أى حمى ومن جملة من أصابته الحمى سيدنا أبو بكر رضى الله تعالى عنه ومولياه عامر بن فهيرة وبلال أى وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى أنشد ** كل امرئ مصبح فى أهله ** والموت أدنى من شراك نعله **
أى وهذا من شعر حنظلة بن يسار بناء على الصحيح أن الرجز يقال له شعر كما تقدم وليس من شعر أبى بكر
فعن عائشة رضى الله تعالى عنها أن أبا بكر لم يقل شعر فى الإسلام أي ولا في الجاهلية كما في رواية عنها والله ما قال أبو بكر بيت شعر في الجاهلية ولا فى الاسلام أى لم ينشئه حتى مات أى وهذا ربما ينافى ما فى الينبوع ليس عمل الشعر رذيلة قد كان الصديق وعمر وعلى رضوان الله تعالى عليهم يقولون الشعر وعلى كرم الله وجهه أشعر من أبى بكر وعمر وما تقدم عن عائشة معارض بظاهر ما روى عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه قال كان أبو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه أذا رأى النبى صلى الله عليه وسلم يقول
____________________

** أمين مصطفى بالخير يدعو ** كضوء البدر زايله الظلام **
إلا أن يحمل قولها على أنها لما تسمع ذلك منه بناء على أن ذلك من إنشاء الصديق وكان بلال إذا أقلعت عنه الجمى يرفع عقيرته أى صوته يقول متشوقا إلى مكة ** الا ليت شعرى هل أبيتن ليلة ** بواد وحولى إذخر وجليل ** ** وهل أردن يوما مياه مجنة ** وهل يبدون لى شامة وطفيل **
اللهم العن شيبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء وأراد بلال بالوادى وادى مكة وإلا ذخر نبت معروف وجليل بالجيم نبت ضعيف وشامة وطفيل جبلان بقرب مكة أى وفى رواية وهل يبدون لى عامر وطفيل وعامر أيضا جبل من جبال مكة
وفى شرح البخارى للخطابى كنت أحسب شامة وطفيلا جبلين حتى مررت بهما فإذا هما عينان من ماء هذا كلامه
وقد يقال يجوز أن تكون العينان بقرب الجبلين المذكورين فأطلق اسم كل منهما على الآخرين ولعل هذا اللعن من بلال كان قبل النهى عن لعن المعين لأنه لا يجوز لعن الشخص المعين على الراجح إلا إن علم موته على الكفر كأبى جهل وأبى لهب دون الكافر الحى لأنه يحتمل أن يختم له بالحسنى فيموت على الإسلام لأن اللعن هو الطرد عن رحمة الله تعالى المستلزم لليأس منها وأما اللعن على الوصف كآكل الربا فجائز أو أن ذلك محمول فى ذلك على الإهانة الطرد عن مواطن الكرامة لا على الطرد عن رحمة الله تعالى الذى هو حقيقة اللعن وكان كل من أبى بكر وعامر وبلال فى بيت واحد قالت عائشة رضى الله تعالى عنها فاستأدنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عيادتهم فدخلت عليهم وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فإذا بهم مالا يعلمه إلا الله تعالى من شدة الوعك فسلمت عليهم أى وقالت لأبيها يا أبت كيف أصبحت فأنشدها الشعر المتقدم قالت فقلت إنا لله إن أبى ليهذى قالت فقلت لعامر بن فهيرة كيف تجدك فقال ** إنى وجدت الموت قبل ذوقه إن الجبان خنقه من فرقه **
قالت فقلت هذا والله لا يدرى ما يقول قالت ثم قلت لبلال كيف أصبحت فإذا هولا لا يعقل وفى رواية فأنشدها البيتين قالت وذكرت حالهم للنبى صلى الله عليه وسلم وقلت إنهم يهذون ولا يعقلون من شدة الحمى
____________________


أى وهذا السياق يخالف ما فى السيرة الهاشمية أن الصديق رضى الله تعالى عنه لما قدم المدينة أخذته الحمى هو وعامر بن فهيرة وبلال إلا أن يقال لا مخالفة لأنه يجوز أنها أخذتهم أولا وأقلعت عنهم ثم عادت عليهم بعد دخوله صلى الله عليه وسلم بعائشة أو أن عائشة استأذنته فى ذلك وذكرت له حالهم قبل دخوله بها لأنها كانت معقودا عليها ولعل الصديق كان فى غير بيت أم عائشة
والذى فى تاريخ الأزرقى عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت لما قدم المهاجرون المدينة شكوا بها فعاد النبى صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضى الله تعالى عنه فقال كيف تجدك فأنشده ما تقدم ثم دخل على بلال فقال كيف تجدك يا بلال فأنشده ما تقدم ثم دخل على عامر بن فهيرة فقال كيف تجدك يا عامر فأنشده ما تقدم ولا مانع من التعدد فليتأمل
وحين ذكرت عائشة رضى الله تعالى عنها له ذلك نظر إلى السماء أى لأنها قبلة الدعاء وقال اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد وفى رواية وأشد وبارك لنا فى مدها وصاعها وصححها لنا ثم انقل وباءها إلى مهيعة أى الجحفة كما فى رواية وهى قرية من رابع محل إحرام من يجئ من جهة مصر حاجا وكان سكانها إذ ذاك يهود ودعاؤه صلى الله عليه وسلم أن يحبب إليهم المدينة إنما هو لما جلبت عليه النفوس من حب الوطن والحنين إليه ومن ثم جاء فى حديث أن عائشة رضى الله تعالى عنها سألت رجلا بحضور رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة من مكة فقالت له كيف تركت مكة فذكر من أوصافها الحسنة ما غرغرت منه عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لا تشوقنا يا فلان وفى رواية دع القلوب تقر
اقول ودعاؤه صلى الله عليه وسلم بنقل الحمى كان فى أخر الأمر وأما عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة فخير بين الطاعون والحمى أى بقائها فأمسك الحمى بالمدينة وأرسل الطاعون إلى الشام كما جاء فى بعض الأحاديث أتانى جبريل بالحمى والطاعون فأمسكت الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام وقولنا أى بقائها رد لما قد يتوهم من الحديث أن الحمى لم تكن بالمدينة قبل قدومه صلى الله عليه وسلم إليها وإنما اختار الحمى على الطاعون لأنه كان حينئذ فى قلة من أصحابه فاختار بقاء الحمى لقلة الموت بها غالبا بخلاف الطاعون ثم لما احتاج للجهاد وأذن له فى القتال ووجد الحمى تضعف أجساد
____________________

الذين يقاتلون دعا بنقل الحمى من المدينة ألى الجحفة فعادت المدينة أصح بلاد الله تعالى بعد أن كانت بخلاف ذلك كذا قيل فليتأمل
فإنه يقتضى أن الحمى لما نقلت إلى الجحفة لم يبق منها بقية بالمدينة وهو الموافق لما يأتى عن الخصائص وحين نقلت الحمى إلى الجحفة صارت الجحفة لا يدخلها أحد إلا حم بل قيل أذا مر بها الطائر حم
واستشكل حينئذ جعلها ميقاتا للإحرام وقد علم من قواعد الشرع أنه صلى الله عليه وسلم لا يأمر بما فيه ضرر
وأجيب بأن الحمى انتقلت إليها مدة مقام اليهود بها ثم زالت بزوالهم من الحجاز أو قبله حين التوقيت بها كذا قيل فليتأمل
وعنه صلى الله عليه وسلم قال رأيت أى فى النوم امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت مهيعة فأولتها أن وباء المدينة نقل إلى مهيعة
وفى الخصائص الصغرى للسيوطى وصرف الحمى عنها يعنى المدينة أول ما قدمها ونقلها إلى الجحفة ثم لما أتاه جبريل بالحمى والطاعون أمسك الحمى بالمدينة وأرسل الطاعون إلى الشام ولما عادت الحمى إلى المدينة باختياره صلى الله عليه وسلم إياها لم تستطع أن تأتى أحدا من أهلها حتى جاءت ووقفت ببابه واستأذنته فيمن يبعثها إليه فأرسلها إلى الأنصار
فقد جاء إن الحمى جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت أنا أم ملدم وفى رواية أنا الحمى أبرى اللحم وأشرب الدم قال لا مرحبا بك ولا أهلا
وفيه أنه تقدم أنه صلى الله عليه وسلم الله نهى عائشة عن سبها فقالت له أمضى إلى أحب قومك أو أحب أصحابك إليك فقال اذهبى للأنصار فذهبت إليهم فصرعتهم فقالوا له ادع لنا بالشفاء فقال إن شئتم دعوت الله عز وجل يكشفها عنكم وإن شئتم تركتموها فأسقطت ذنوبكم وفى رواية كانت لكم طهورا فقالوا بلى دعها يا رسول الله ولعل هذا كان لطائفة من الأنصار فلا ينافى ما جاء أن الأنصار لما شكوا له الحمى وقد مكثت عليهم ستة أيام بلياليها دعا لهم بالشفاء وصار صلى الله عليه وسلم يدخل دارا دارا وبيتا بيتا يدعو لهم بالعافية وهذا الذى فى الخصائص يدل على أن الحمى لما ذهبت إلى الجحفة لم يبق منها بقية بالمدينة وأنها بعد ذلك عادت إلى المدينة باختيار منه صلى الله عليه وسلم
____________________


والذى نقله هو عن الحافظ ابن حجر أن الحمى كانت تصيب من أقام بالمدينة من أهلها وغيرهم فارتفعت بالدعاء عن أهلها إلا النادر ومن لا يألف هواها
وقد جاء وإن حمى ليلة كفارة سنة ومن حم يوما كانت له براءة من النار وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه
والذى رواه الإمام أحمد وابن حبان فى صحيحه عن جابر استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من هذه قالت أم ملدم فأمر بها إلى أهل قباء فلقوا مالا يعلمه إلا الله تعالى فشكوا إليه صلى الله عليه وسلم فقال إن شئتم دعوت الله تعالى ليكشفها وإن شئتم تكون لكم طهورا قالوا أو يفعل قال نعم قالوا فدعها والله أعلم
ثم دعا صلى الله عليه وسلم بقوله اللهم اجعل بالمدينة ضعفى ما جعلت بمكة من البركة وفى رواية واجعل مع البركة بركتين وجاء أنهم شكوا له صلى الله عليه وسلم سرعة فناء طعامهم فقال لهم قوتوا طعامكم يبارك لكم فيه قيل معناه تصغير الأرغفة ودعا لغنم كانت ترعى بالمدينة فقال اللهم اجعل نصف أكراشها مثل ملئها فى غيرها من البلاد أى ولعل الدعاء بذلك ليس خاصا بتلك الأغنام الموجودة فى زمنه صلى الله عليه وسلم
ويدل لذلك ما ذكره السيوطى فى الخصائص الصغرى مما اختصت به المدينة أن غبارها يطفئ الجذام ونصف أكراش الغنم فيها مثل ملئها فى غيرها من البلاد والكرش كالمعدة للإنسان
وكما صينت المدينة عن الطاعون بإرساله إلى الشام صينت عن الدجال روى الشيخان عن أبة هريرة رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنقاب المدينة أى على أبوابها ملائكة لايدخلها الطاعون ولا الدجال وفى رواية لها أى المدينة سبعة أبواب على كل باب ملك
فإن قيل كيف مدحت المدينة بعدم دخول الطاعون وكيف أرسله صلى الله عليه وسلم إلى الشام مع أنه شهادة
وأجيب بأنه إنما أرسله إلى الشام لما تقدم وصينت عنه بعد انتقاء ما تقدم لأن سببه طعن كفار الجن وشياطينهم فمنع من المدينة احتراما لها ولم يتفق دخول الطاعون
____________________

بها فى زمن من الأزمنة بخلاف مكة فإنه وجد بها فى بعض السنين وهى سنة تسع وأربعين وسبعمائة
ويقال إنه وقع فى سنة تسع وثلاثين بعد الألف لما هدم السيل الكعبة أى الجانب الذى جهة الحجر قال بعضهم فمن حين انهدم وجد الطاعون بمكة واستمر إلى أن أقاموا الأخشاب موضع المنهدم وجعلوا عليها الستر فعند ذلك ارتفع الطاعون كذا أخبر بعض الثقات من أهل مكة
وكونه لم يتفق دخول الطاعون فى المدينة فى زمن من الأزمنة يخالفه قول بعضهم وفى السنة السادسة من الهجرة وقع طاعون فى المدينة أفنى الخلق وهو أول طاعون وقع فى الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقع فلا بأرض تخرجوا منها وإن سمعتم به فى أرض فلا تقربوها
ويروى أنه لما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة رفع يديه وهو على المنبر وقال اللهم انقل عنها الوباء ثلاثا أى وفيه أن هذا قد يخالف ما سبق من أن هذا كان فى آخره الأمر لاعند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة إلا أن يحمل على أن قدومه صلى الله عليه وسلم كان من سفر لا للهجرة
وفى الحديث سيأتى على الناس زمان يلتمسون فيه الرخاء فيحملون بأهليهم إلى الرخاء المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون لا يلبث فيها أحد فيصبر للأوائها وشدتها حتى يموت إلا كنت له يوم القيامة شهيدا وشفيعا
وفي مسلم لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا وكنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا أي شفيعا للعاصي وشهيدا للطائع وللأواء بالمد الجوع
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت فإنى أشفع لمن يموت بها لا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله تعالى ذوب الملح فى الماء وفى رواية أذابه الله فى النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح فى الماء لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها كما ينفى الكير خبث الحديد أى وفى رواية فى مسلم تنفى الخبث كما تنفى النار خبث الفضة وتقدم أن هذا ليس عاما فى الأزمنة ولا فى الأشخاص وفى رواية مكة والمدينة ينفيان الذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله عز وجل وعليه لعنة الله والملائكة والناس لايقبل الله
____________________

منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا أى وبهذا الحديث تمسك من جوز اللعن على يزيد لما تقدم عنه فى إباحة المدينة فى وقعة الحرة
ورد بأنه لا دلالة فيه على جواز لعن يزيد باسمه إنما هو والكلام فيه وإنما يدل على جواز لعنه بالوصف وهو من أخاف أهل المدينة وليس الكلام فيه والفرق بين المقامين واضح كما علمت
وجاء أهل المدينة جيرانى وحقيق على أمتى حفظ جيرانى ما اجتنبوا الكبائر من حفظهم كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة ومن لم يحفظهم سقى من طينة الخبال أى وهى عصارة أهل النار وفى لفظ من أخاف هذا الحى من الأنصار فقد أخاف ما بين هذين ووضع يده على جنبيه وقيل لها طيبة لطيب العيش بها ولأن للعصر أى الطيب بها رائحة لا توجد فيه فى غيرها
ومن خصائصها أن ترابها شفاء من الجذام كما تقدم زاد بعضهم ومن البرص بل من كل داء وعجوتها شفاء من السم
اى وفى الحديث تخرب المدينة قبل يوم القيامة بأربعين سنة وإن خرابها يكون من الجوع وإن خراب اليمن يكون من الجراد أى وقد دعا صلى الله عليه وسلم على الجراد فقال اللهم أهلك الجراد واقتل كباره وأهلك صغاره واقطع دابره وخذ بأفواهها عن مواشينا وارزقنا إنك سميع الدعاء وفى مسلم عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه كان صلى الله عليه وسلم يؤتى بأول التمر فيقول اللهم بارك لنا فى مدينتنا وفى ثمارها وفى مدنا وفى صاعنا بركة مع بركة ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك دعاك لمكة وإنى عبدك ونبيك أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه
ثم بنى صلى الله عليه وسلم بقية الحجر التسع عند الحاجة إليها أى وهذا هو الموافق لما سبق أن بعضها بنى مع المسجد وهى حجرة سودة وحجرة عائشة رضى الله تعالى عنهما كما تقدم
وفى كلام أئمتنا أن بيوته صلى الله عليه وسلم كانت مختلفة وأكثرها كان بعيدا عن المسجد وكلام الأصل يقتضى أنها بنيت كلها فى السنة الأولى من الهجرة حيث قال وفيها أى السنة الأولى بنى مسجده صلى الله عليه وسلم ومساكنه أى وخط صلى الله
____________________

عليه وسلم للمهاجرين فى كل أرض ليست لأحد وفيما وهبته له الأنصار من خططها وأقام قوم منهم ممن لم يمكنه البناء بقباء عند من نزلوا عليه بها
قال عبدالله بن زيد الهذلى رأيت بيوت أزواج النبى صلى الله عليه وسلم حين هدمها عمر بن عبدالعزيز بأمر الوليد بن عبد الملك أى بعد موت أزواجه صلى الله عليه وسلم قال بعضهم حضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ بادخالها في المسجد فما رأيت أكثر باكيا من ذلك اليوم أى وكانت تسعة أربعة مبنية باللبن أى وسقفها من جريد النخل مطين بالطين ولها حجر من جريد أى غير بيت أم سلمة فإنها جعلت حجرتها بناء
وكان صلى الله عليه وسلم فى غزوة دومة الجندل فلما قدم دخل عليه أول نسائه فقال لها ما هذا البنيان قالت أردت أن أكف أبصار الناس فقال صلى الله عليه وسلم وإن شر ما ذهب فيه مال المرء المسلم البنيان وعن على رضى الله تعالى عنه إن لله بقاعا تسمى المنتقمات فإذا اكتسب الرجل المال من حرام سلط الله عليه الماء والطين ثم لا يمتعه به أى وكانت تلك الحجر التى من الجريد مغشاة من خارج بمسوح الشعر وخمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر بها على أبوابها ستور من مسوح الشعر أى وهى التى يقال لها البلانس ذرع الستر فوجد ثلاثة أذرع فى ذراع
هذا وفى كلام السهيلى كانت مساكنه صلى الله عليه وسلم مبنة من جريد عليه طين وبعضها من حجارة موضوعة وسقوفها كلها من جريد وكانت حجرته عليه الصلاة والسلام أكسية من شعر مربوطة بخشب من عرعر هذا كلامه
قال بعضهم وليتها تركت ولم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء ويريدون ما رضى الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ومفاتيح خزائن الأرض بيده أى فإن ذلك مما يزهد الناس فى التكاثر والتفاخر فى البنيان
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى بعض طرق المدينة فرأى فيه مشرعة فقال ما هذه قالوا هذه لرجل من الأنصار فجاء ذلك الرجل فسلم على النبى صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه فعل ذلك مرارا فأعلم بالقصة فهدمها الرجل
وعن الحسن البصرى قال كنت وأنا مراهق أدخل بيوت أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فى خلافة عثمان فأتناول سقفها بيدى أى لأن الحسن البصرى ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب يقينا وكان ابنا لمولاة لأم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم اسمها
____________________

خيرة وكانت أم سلمة تخرجه للصحابة يباركون عليه وأخرجته إلى عمر رضى الله تعالى عنه فدعاله بقوله اللهم فقهه فى الدين وحببه إلى الناس وكان والده من جملة السبى الذى سباه خالد فى خلافة الصديق من الفرس
وروى عن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه لأن عمره كان قبل أن يخرج على من المدينة إلى الكوفة وذلك بعد قتل عثمان أربع عشرة سنة قيل له يا أبا سعيد إنك تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنك لم تدركه فقال لذلك السائل كل شئ سمعتنى أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عن على ابن أبى طالب رضى الله تعالى عنه غير أنى فى زمان لا أستطيع أن أذكر عليا أى خوفا من الحجاج
وقد أخرج له عن على جماعة من الحافظ كالترمذى والنسائى والحاكم والدار قطنى وأبو نعيم ما بين حسن وصحيح وبه يرد قول من أنكر أنه لم يسمع من على لأن المثبت مقدم على النافى أو هو محمول على أنه لم يسمع من على بعد خروج على من المدينة
قال بعضهم كان الحسن البصرى أجمل أهل البصرة وفى كلام ابن كثير كان الحسن البصرى شكلا ضخما طوالا هذا كلامه وكان إذا أقبل كأنه أقبل من دفن حميمة وإذا جلس فكأنه أسير أمر يضرب عنقه وإذا ذكرت النار فكأنها لم تخلق إلا له
وعن الواقدى كان لحارثة بن النعمان منازل قرب المسجد وحوله فكلما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلا تحول له حارثة عن منزل حتى صارت منازله كلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم أى وهذا يخالف ما تقدم عن الأصل من أن مساكنه ينيت فى السنة الأولى
ومات عثمان بن مظعون وهو أخوه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وأمر صلى الله عليه وسلم أن يرش قبره بالماء ووضع حجرا عند رأس القبر أى بعد أن أمر رجلا أن يأتيه بحجر فأخذ الرجل حجرا ضعف عن حمله فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

فحسر عن ذراعيه ثم حمله ووضعه فى المحل المذكور وقال أتعلم به قبر أخى وأدفن إليه من مات من أهلى أى ومن ثم دفن ولده إبراهيم عند رجليه
وعن عائشة رضى الله تعالى عنها أنه صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت قالت ورأيت دموع رسول الله صلى الله عليه وسلم على خدى عثمان بن مظعون
أى وفى الاستيعاب أنه مات بعد شهوده بدرا فلما غسل وكفن قبله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه ولا معارضة بينه وبين خبر عائشة رضى الله تعالى عنها السابق كما لا يخفى وجعل النساء يبكين فجعل عمر يسكتهن فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مهلا يا عمر ثم قال إياكن ونعيق الشيطان ومهما كان من العين فمن الله ومن الرحمة وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان وقالت امرأته وهى خولة بنت حكيم وقيل أم العلاء الأنصارية وكان نزل عليها وقيل أم خارجة بن زيد طبت هنيئا لك الجنة أبا السائب فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرة غضب وقال وما يدريك فقالت يا رسول الله مارسك وصاحبك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أدرى ما يفعل بى فأشفق الناس على عثمان
وعن عائشة رضى الله تعالى عنها أن خولة بنت حكيم دخلت عليها وهى متشوشة الخاطر فقالت لها عائشة مابالك قالت زوجى تعنى عثمان بن مظعون يقوم الليل ويصوم النهار فدخل النبى صلى الله عليه وسلم على عائشة فذكرت له ذلك فلقى عثمان فقال له يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا أمالك بى أسوة والله إن أخشاكم لله وحدوده لأنا أى وسماه السلف الصالح فقال عند دفن ولده إبراهيم الحق بسلفنا الصالح وقال عند دفن بنته زينب الحقى بسلفنا الخير عثمان بن مظعون
ومات أسعد بن زرارة رضى الله تعالى عنه ووجد أى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدا شديدا عليه وكان نقيبا لبنى النجارفلم يجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبا بعده أى بعد أن قالوا له اجعل لنا رجلا مكانه يقيم من أمرنا ما كان يقيم وقال لهم أنتم أخوالى وأنا نقيبكم وكره أن يخص بذلك بعضهم دون بعض فكانت من مفاخرهم
أى ووهم ابن منده وأبو نعيم فى قولهما إن أبا أمامة كان نقيبا لبنى ساعدة لأنه صلى الله عليه وسلم كان يجعل نقيب كل قبيلة منهم ومن ثم كان نقيب بنى ساعدة سعد بن عبادة
____________________

أى وقد قيل إن قبل قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة مات البراء بن معرور فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ذهب هو وأصحابه فصلى على قبره وقال اللهم اغفر له وارحمه وارض عه وقد فعلت وهي أول صلاة صليت على الميت فى الإسلام بناء على أن المراد بالصلاة حقيقتها وإلا جاز أن يراد بالصلاة الدعاء ويوافق ذلك قول الإمتاع لم أجد فى شئ من كتب السير متى فرضت صلاة الجنازة
ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم صلى على عثمان بن مظعون وقد مات في السنة الثانية وكذلك أسعد بن زرارة مات في السنة الأولى ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه الصلاة الحقيقة وقد تقدم ذلك وتقدم ما فيه
وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود أى بنى قينقاع وبنى قريظة وبنى النضير أى صالحهم على ترك الحرب والأذى أى أن لا يحاربهم ولا يؤذيهم وأن لا يعينوا عليه أحدا وأنه إن دهمه بها عدو ينصروه وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم
وقد ذكر فى الأصل صورة الكتاب وآخى صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار فى دار أنس بن مالك وهى دار أبى طلحة زوج أم أنس أى واسمه زيد ابن سهل وقد ركب البحر غازيا فمات فلم يجدوا جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فدفنوه بها ولم يتغير
وعن أنس رضى الله تعالى عنه أن أبا طلحة لم يكن يكثر من الصوم فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب الغزو فلما مات صلى الله عليه وسلم سرد الصوم وكانت المؤاخاة بعد بناء المسجد وقيل والمسجد يبنى على المواساة والحق وأن يتوارثوا بعد الموت دون ذوى الأرحام وفى لفظ دون القرابة فقال تأخوا فى الله أخوين أخوين
اقول ذكر ابن الجوزى عن زيد بن أبى أوفى قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مسجد المدينة فجعل يقول أين فلان أين فلان فلم يزل يتفقدهم ويبعث إليهم حتى اجتمعوا عنده فقال إنى محدثكم بحديث فاحفظوه وعوه وحدثوا به من بعدكم إن الله تعالى اصطفى من خلقه خلقا ثم تلا هذه الآية { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس } وإنى أصطفى منكم من أحب أن أصطفيه وأوخى بينكم كما آخى الله تعالى بين ملائكتة قم يا أبا بكر فقام فجثا بين يديه صلى الله عليه وسلم فقال
____________________

إن لك عندى يدا الله يجزيك بها ولو كنت متخذا خليلا لا تخذتك خليلا فأنت منى بمنزلة قميصى من جسدى وحرك قميصه بيده ثم قال ادن يا عمر فدنا فقال قد كنت شديد البأس علينا يا أبا حفص فدعوت الله أن يعز بك الدين أو بأبى جهل ففعل الله ذلك بك وكنت أحبهما إلى الله فأنت معى فى الجنة ثالث ثلاثة من هذه الأمة وآخى بينه وبين أبى بكر هذا كلام ابن الجوزى وهو يقتضى أنه صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة آخى بين المهاجرين والأنصار أيضا كما آخى بينهم قبل الهجرة وهذا لا يتم إلا لو آخى بين غير أبى بكر وعمر من المهاجرين ويكون ابن أبى أوفى اقتصر
والمعروف المشهور أن المؤاخاة إنما وقعت مرتين مرة بين المهاجرين قبل الهجرة ومرة بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة والله اعلم ويدل لذلك قول بعضهم كانوا إذ ذلك خمسين من المهاجرين وخمسين من الأنصار أى وقيل كانوا تسعين فأخذ بيد على بن ابى طالب وقال هذا أخى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أخوين وآخى بين أبى بكر وخارجة بن زيد وكان صهر لأبى بكر كانت ابنته تحت أبى بكر وبين عمر وعتبان بن مالك وبين أبى رويم الخثعمى وبين بلال وبين أسيد ابن حضير وبين زيد بن حارثة وكان أسيد ممن كناه النبى صلى الله عليه وسلم كناه أبا عبس وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن وكان أحد العقلاء أهل الرأى وكان الصديق رضى الله تعالى عنه يكرمه ولا يقدم عليه أحدا وآخى بين أبى عبيدة وبين سعد ابن معاذ وأخى بين عبدالرحمن بن عوف وبين سعد بن الربيع وعند ذلك قال سعد لعبدالرحمن يا عبد الرحمن إنى من أكثر الأنصار مالا فأنا مقاسمك وعندى امرأتان فأنا مطلق إحداهما فإذا انقضت عدتها فتزوجها فقال له بارك الله لك فى أهلك ومالك
وفى الأصل عن ابن اسحق آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال تآخوا فى الله أخوين أخوين
وفى كلام بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم آخى بين حمزة وبين زيد بن حارثة وإليه أوصى حمزة يوم أحد فليتأمل فإنهما مهاجران ثم أخذ بيد على بن أبى طالب وقال هذا أخى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أخوين وفيه أن هذا ليس من المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وقد تقدم فى المؤاخاة بين المهاجرين قبل الهجرة مؤاخاته له صلى الله عليه وسلم وفى رواية لما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه جاء على
____________________

تدمع عيناه فقال يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بينى وبين أحد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت أخى فى الدنيا والآخرة قال الترمذى هذا حديث حسن غريب وآخى بين جعفر بن أبى طالب وهو غائب بالحبشة وبين معاذ بن جبل أي أرصد معاذ لأخوة جعفر إذا قدم من الحبشة وبه يرد ما قيل جعفر بن أبي طالب إنما قدم فى فتح خيبر سنة سبع فكيف يؤاخى بينه وبين معاذ بن جبل أول مقدمه عليه الصلاة والسلام وآخى بين أبى ذر الغفارى والمنذر بن عمرو وبين حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وبين مصعب بن عمير وأبى أيوب
وفى الاستيعاب أنه آخى بين سلمان وأبى الدرداء وجاء سلمان لأبى الدرداء زائرا فرأى أم الدرداء مبتذلة فقال ما شأنك قالت إن أخاك ليس له حاجة فى شئ من الدنيا فقال له سلمان إن لربك عليك حقا ولأهلك عليك حقا ولجسدك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فسأل أبو الدرداء النبي صلى الله عليه وسلم عما قال سلمان فقال له مثل ما قال سلمان ولعل هذه المؤاخاة بين سلمان وأبى الدرداء كانت قبل عتق سلمان لأنه تأخر عتقه عن أحد لأن أول مشاهده الخندق كما تقدم وروى الإمام أحمد عن أنس أنه آخى بين أبى عبيدة وبين أبى طلحة وقد تقدم أنه آخى بينه وبين سعد بن معاذ وقال المهاجرون يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة فى قليل ولا أحسن بذلا فى كثير كفونا المؤنة وأشركونا فى المهنة اى الخدمة حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله قال لا ما أثنيتم عليهم ودعوتهم لهم أى فإن ثناءكم عليهم ودعاءكم لهم حصل منكم به نوع مكافأة
قال بعضهم والمؤاخاة من خصائصه صلى الله عليه وسلم ولم يكن ذلك لنبى قبله ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لى بعياش بن أبى ربيعة وهشام بن العاص أي المحبوسين عند قريش المانعين لهما من الهجرة فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة اى بعد أن خرج إلى المدينة من حبس أهله له بمكة كما تقدم أنا لك يا رسول الله بهما فخرج إلى مكة فقدمها مستخفيا فلقى امرأة تحمل طعاما فقال لها أين تريدين يا أمة الله قالت أريد هذين المحبوسين تعنيهما فتبعها حتى عرف موضعهما وكان بيتا لا سقف له فلما أمسى تسور عليهما ثم اخذ مروة أى حجرا فوضعها تحت قيدهما
____________________

ثم ضربهما بسيفه فقطعهما فان يقال لسيفه ذو المروة ثم جعلهما على بعيره وساق بهما فعثر فدميت اصبعه فأنشد أي متمثلا هل أنت إلا اصبع دميت ** وفي سبيل الله ما لقيت **
ثم قدم بهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم ان ذلك يرد القول بان عياشا استمر محبوسا حتى فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقد دعا صلى الله عليه وسلم في قنوت الصلاة بقوله اللهم أنج الوليد بن الوليد أي وذلك ان يتخلص من حبسه بمكة أي فإن الوليد اسر يوم بدر أسره عبد الله بن جحش فقدم في فدائه اخواه خالد وكان اخاه لأبيه أي ومن ثم لما أبى الله أن يأخذ في فداء الوليد إلا أربعة آلاف درهم وصار خالد يأبى ذلك قال له هشام إنه ليس بابن امك والله لو أبى فيه إلا كذا وكذا لفعلت
ويقال إنه صلى الله عليه وسلم فضفاضة قال لعبد الله بن جحش ولا تقبل في فدائه إلاشلمة ابيه وهي درع فضافة مقومة بمائة دينار فجاءا بها وسلماها إلى عبد الله فلما افتدى وقدم إلى مكة اسلم فقيل له هلا أسلمت قبل ان تفتدى فقال كرهت أن يظنوا بي أني جزعت من الاسار فلما أسلم حبسه اهل مكة ثم أفلت ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد عمرة القضاء وكتب إلى أخيه خالد فوقع الاسلام في قلب خالد وكان خالد من جملة من خرج من مكة الى اخيه خالد فوقع الإسلام في قلب خالد وكان خالد من جملة من خرج من مكة فارا لئلا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه كراهة الإسلام وأهله فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد عنه وقال لو اتانا خالد لاكرمناه وما مثله يجهل الاسلام فكتب له اخوه الوليد بذلك وفي مدة حبس الوليد كان صلى الله عليه وسلم في كل ليلة اذا صلى العشاء الآخرة قنت في الركعة الأخيرة يقول اللهم انج هشام بن العاص اللهم انج سلمة بن هشام اللم انج عياش بن ابي ربيعة اللهم انج هشام بن العاص اللهم انج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلهم عليهم سنين مثل سني يوسف فأكلوا العلهز ثم لو يزل يدعو المستضعفين حتى نجاهم الله أي بعد ان نجى عياشا وهشاما والوليد
أقول هذه الراية تدل على انه كان يدعو بما ذكر في الركعة الأخيرة من العشاء الآخرة وفي البخاري ان ذلك كان في الركعة الأخيرة من الصبح
وقد يقال لا مخالفة لانه صلى الله عليه وسلم تارة يدعو في الركعة الاخيرة
____________________

من صلاة العشاء الآخرة وتارة في الركعة الاخيرة من الصبح أو كان يدعو بذلك فيهما وكل روى بحسب ما رأى والله اعلم
ثم لا زال المهاجرون الانصار يتوارثون بذلك الاخاء دون القرابات إلى أن نزل قوله تعالى في وقعة بدر { وأولو الأرحام } أي القرابات { بعضهم أولى ببعض } أي في الإرث { في كتاب الله } أي اللوح المحفوظ فنسخت ذلك أي لأنه كان الغرض من المؤاخاة ذهاب وحشة الغربة ومفارقة الأهل والعشيرة وشد أزر بعضهم ببعض فلما عز الإسلام واجتمع الشمل وذهبت الوحشة بطل التوارث ورجع كل إنسان إلى نسبه وذوي رحمه أي ومن ثم قيل لزيد بن حارثة زيد بن حارثة أي بعد أن كان يقال له زيد بن محمد وكانت المؤاخاة بعد الهجرة بخسمة أشهر وقيل غير ذلك
أقول تقدم ان سبب امتناع أن يقال زيد بن محمد نزول قوله تعالى { ادعوهم لآبائهم } أي ومن ثم قيل للمقداد بن عمرو وكان له المقدد بن الأسود لأن الأسود كان تبناه في الجاهلية ومن لم يعرف أبوه رد اليه مواليه ومن ثم قيل لسالم مولى أبي حذيفة ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بعد أن كان يقال له سالم بن أبي حذيفة فكا ابو حذيفة يرى أنه ابنه ومن ثم انكحه ابنة اخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة
وجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو امرأة أبي حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إنا كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل على وقد بلغ ما يبلغ الرجال وإنه يدخل علي وأظن في نفس ابي حذيفة من ذلك شيئا فماذا ترى فيه فقال ارضعيه تحرمي
وعن اسلم زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لعائشة ما ترى هذه إلا رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم وكان سالم رضي الله تعالى عنه يؤم المهاجرين الأولين في مسجد قباء فيهم أبو بكر وعمر
وفي ينبوع الحياة كانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار توجب التوارث بينهم ثم نسخ ذلك قبل العمل به وأما قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كانوا يتوارثون بذلك حتى نزلت { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض } فمعناه أنهم التزموا هذا الحكم ودانوا به
ومن المشكل حينئذ ما نقل أن الحتات بضم الحاء وفتح المثناة فوق مخففة كان
____________________

صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين معاوية ولما مات الحتات عند معاوية في خلافته ورثه بالاخوة مع وجود أولاده ثم رأيت الحافظ ابن حجر في الإصابة ذكر ذلك ونظر فيه والله اعلم & باب بدء الأذان ومشروعيته
أي والإقامة ومشروعيتها وكل منهما من خصائص هذه الأمة كما أن من خصائصها الركوع والجماعة وافتتاح الصلاة بالتكبير فإن صلاة الامم السابقة كانت لا ركوع فيها ولا جماعة وكانت الأنبياء كأممهم يستفتحون الصلاة بالتوحيد والتسبيح والتهليل أي وكان دأبه صلى الله عليه وسلم في إحرامه لفظة الله أكبر ولم ينقل عنه سواها أي كالنية
ولا يشكل على الركوع قوله تعالى لمريم { واسجدي واركعي مع الراكعين } لأن المراد به في ذلك الخضوع أو الصلاة لا الركوع المعهود كما قل لكن في البغوي قيل إنما قد السجود على الركوع لأنه كان كذلك في شريعتهم وقيل بل كان الركوع قبل السجود في الشرائع كلها وليست الواو للترتيب بل للجمع هذا كلامه فليتأمل وكان وجود ذلك أي الآذان والإقامة في السنة الأولى وقيل في الثانية
ذكر أن الناس إنما كانوا يجتمعون للصلاة لتحين مواقيتها أي لدخول أوقاتها من غير دعوة أي وقد قال ابن المنذر هو صلى الله عليه وسلم كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور
قال ووردت أحاديث تدل على أن الآذان شرع بمكة قبل الهجرة من تلك الأحاديث ما في الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم أوحى الله تعالى اليه الأذان فنزل به وعلمه بلالا قال الحافظ ابن رجب هو حديث موضوع
ومنها ما رواه ابن دمويه عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعا لما اسرى بي أذن جبريل فظنت الملائكة أنه أي جبريل يصلي بهم فقدمني فصليت قال فيه الذهبي حديث منكر بل موضوع هذا كلامه على أنه يدل على أن المراد بالأذان الإقامة كما تقدم أنها المرادة بالأذان انتهى
____________________


أقول ومن أغرب ما وقع في بدء الآذان ما رواه ابو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل إن جبريل نادى بالأذان لآدم حين اهبط من الجنة وقد سئل الحافظ السيوطي هل ورد أن بلالا أو غيره أذن بمكة قبل الهجرة فأجاب بقوله ورد ذلك بأسانيد ضعيفة لا يعتمد عليها والمشهور الذي صححه اكثر العلماء ودلت عليه الأحاديث الصحيحة أن الأذان انما شرع بعد الهجرة وأنه لم يؤذن قبلها لا بلال ولا غيره وذكر في الدر في قوله تعالى { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا } أنها نزلت بمكة في شأن المؤذنين والآذان إنما شرع في المدينة فهي مما تأخر حكمه عن نزوله هذا كلامه
وفي كلام الحافظ ابن حجر ما يوافقه حيث ذكر أن الحق أنه لا يصح شيء من الأحاديث الدالة على أن الآذان شرع بمكة قبل الهجرة وذكر ما تقدم عن ابن المنذر من أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من غير أذن منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك أي فقد ائتمر صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه كيف يجمع الناس فقيل له انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رآها الناس آذن أي أعلم بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك فذكر له بوق يهود أي ويقال له الشبور بفتح الشين المعجمة ثم موحدة مشددة مضمومة ثم واو ساكنة ثم راء ويقال له القبع بضم القاف وإسكان الموحدة وقيل بفتحها وقيل بإسكان النون وبالعين المهملة
قال السهيلي وهو أولى بالصواب وقيل بالمثناة فوق وقيل بالمثلثة وهو القرآن الذي يدعون به لصلاتهم أي يجتمعون لها عند سماع صوته فكرهه صلى الله عليه وسلم وقال هو من أمر اليهود فذكر له الناقوس الذي يدعون به النصارى لصلاتهم فقال هو من أمرالنصارى أي فقالوا لو رفعنا نارا أي فإذا رآها الناس اقبلوا إلى الصلاة فقال ذلك للمجوس وقيل كما في حديث الشيخين عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنهما قال أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة أي بحضروها أي ففعلوا ذلك وكان المنادي هو بلال رضي الله تعالى عنه
قال الحافظ ابن حجر وكان اللفظ الذي ينادي به بلال أي قبل رؤيا عبد الله الصلاة جامعة كما رواه ابن سعد وسعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب مرسلا
وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال لقد هممت أن أبث رجالا ينادون الناس بحين
____________________

الصلاة أي في حينها أي وقتها وقد هممت أن آمر رجالا تقوم على الآطام ينادون المسلمين بحين الصلاة أي ولعل هذا كان معه صلى الله عليه وسلم قبل وقوع ما تقدم عن بلال ثم أمر بلال بما تقدم
وقيل أئتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو واصحابه بالناقوس أي اتفقوا عليه فنحت ليضرب به المسلمون أي وهو خشية طويلة يضرب عليها بخشبة صغيرة فنام عبد الله بن زيد فأرى الأذان أي والإقامة في منامه
فعنه رضي الله عنه قال لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس فطاف بي وأنا نائم رجل وفي لفظ إني لبين نائم ويقظان طاف بي رجل والمراد أنه نام نوما خفيفا قريبا من اليقظة فروحه كالمتوسطة بين النوم واليقظة
قال الحافظ السيوطي اظهرمن هذا أن يحمل على الحالة التي تعترى أرباب الاحوال ويشاهدون فيها ما يشاهدون ويسمعون ما يسمعون والصحابة رضي الله تعالى عنهم اجمعين هم رءوس أرباب الأحوال أي وهذه الحالة هي التي عناها الشيخ عبد الله الدلاصي بقوله كنت بالمسجد الحرام في صلاة الصبح فلما أحرم الإمام واحرمت اخذتني اخذه فرايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إماما وخلفه العشرة فصليت معهم فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الاولى سورة المدثر وفي الثانية { عم يتساءلون } ثم سلم الإمام فعقلت تسليمه فسلمت
أي ويدل لذلك قول عبد الله بن زيد كما جاء في رواية ولولا أن يقول الناس أي يستبعد الناس ذلك لقلت إني كنت يقظان غير نائم وذلك الرجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبد الله اتبيع الناقوس قال وما تصنع به فقلت ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على ما هو على ما هو خير لك من ذلك فقلت بلى أي وفي رواية فقلت اتبيع الناقوس فقال ماذا تريد به فقلت اريد أن اتباعه لكي أضرب به للصلاة اتبيع الناقاوس فقال قال فأنا احدثك بخير لك من ذلك فقلت بل قال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله اكبر أشهد أن لا إل إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد ان محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله اكبر الله اكبر لا إله إلا الله قال عبد الله ثم استأخر عني أي ذلك لرجل غير بعيد ثم قال وتقول
____________________

إذا قمت إلى الصلاة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله اكبر الله أكبر لا إله إلا الله أي ففي هذه الرواية إفراد الفاظ الإقامة إلا لفظها ولفظ التكبير اولا وآخرا وفي رواية رأى رجلا عليه ثياب خضر وهو قائم على سقف المسجد وفي رواية على جذم حائط بكسر الجيم وسكون المعجمة أي اصل الحائط ولا مخالفة لما سيعلم فأذن ثم قعد قعدة ثم قال فقال مثلها أي مثل الكلمات أي كلمات الآذان إلا أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة أي زيادة على تلك الكلمات التي هي الأذان ففي هذه الرواية تثنية ألفاظ الإقامة والإتيان بالتكبير في أولها اربعا كالآذان أي وهذا أي كونه على سقف المسجد وكونه على جذم حائط لا مخالفة بينهما لانه يجوز أن يكون لما قال له تقول الله اكبر إلى آخر الأذان والإقامة كان قائما على سقف المسجد قريبا من جذم الحائط فنسب قيامه إلى كل منهما ويكون قوله ثم استأخر عني غير بعيد أي سكت غير طويل قال عبد الله فلما اصبحت اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت أي وفي رواية أنه أتاه ليلا واخبره وهي المذكورة في سيرة الحافظ الدمياطي
ولا منافاة لانه يجوز أن يكون قوله عبد الله فلما اصبحت أي قاربت الصباح فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى وفي رواية أمد صوتا منك أي أعلى وارفع وقيل أحسن واعذب ولا مانع من إرادة ما أمرك به عبد الله بن زيد فافعله فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به أي فبلال أول مؤذنيه صلى الله عليه وسلم أي وقيل أول مؤذنيه عبد الله ابن زيد ذكره الإمام والغزالي وأنكره ابن الصلاح أي حيث قال أجد هذا بعد البحث عنه هذا كلامه
وقد يقال لا منافاة لان عبد الله اول من نطق بالأذان وبلال أول من أعلن به وحينئذ يكون أول مشروعيته كان في اذان الصبح فلما سمع بذلك أي بأذان بلال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو في بيته خرج يجر رداءه وفي رواية إزاره أي عجلا أي وقد أعلم بالقصة لقوله والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل
____________________

ما رأى عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه وفي رواية مثل ما يقول أي بلال رضي الله تعالى عنه فقال صلى الله عليه وسلم فلله الحمد قال الترمذي عبد الله ابن زيد بن عبد ربه لا نعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا يصح إلا هذا الحديث الواحد في الأذان
وقيل رأى رأى مثل ما رأى عبد الله ابو بكر رضي الله تعالى عنه وقيل سبعة من الأنصار وقيل أربعة عشر
قال ابن الصلاح لم أجد هذا بعد إمعان النظر وتبعه النووي فقال هذا ليس بثابت ولا معروف وإنما الثابت خروج عمر يجر رداءه وقيل رآه صلى الله عليه وسلم ليلة الأسراء اسمع ملكا يؤذن أي فقد جاء في حديث بعض رواته متروك
بل قيل إنه من وضعه أنه لما أراد الله عز وجل أن يعلم رسوله الاذان جاء جبريل عليه الصلاة والسلام بدابة يقال لها البراق فركبها حتى أتى الحجاب الذي يلي الرحمن فبينما هو كذلك خرج من الحجاب ملك فقال الله أكبر فقيل من وراء الحجاب صدق عبدي أنا أكبر أنا أكبر وذكر بقية الأذان
فرؤيا عبد الله دلت على أن هذا الذي رآه في السماء يكون سنة في الأرض عند الصلوات الخمس التي فرضت عليه تلك الليلة أي فلذلك قال إنها لرؤيا حق إن شاء الله
وفيه أن الذي تقدم عن الخصائص أن المراد بها الأذان الذي أتى به الملك الإقامة لا حقيقة الأذان أي ويدل لذلك أن الملك قال فيه قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فقال الله صدق عبدي أنا أقمت فريضتها ثم قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم فأم أهل السماء فيهم ادم ونوح
قال بعضهم والأذان ثبت بحديث عبد الله بن زيد باجماع الامة لا يعرف بينهم خلاف في ذلك إلا ما روي عن محمد بن الحنفية وعن أبي العلاء قال قلت لمحمد ابن الحنفية إنا لنتحدث أن بدء هذا الآذان كان من رؤيا رآها رجل من الانصار في منامه قال ففزع لذلك محمدا بن الحنفية فزعا شديدا وقال عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنه إنما كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه تحتمل الصدق والكذب وقد تكون اضغاث احلام قال فقلت له هذا الحديث قد
____________________

استفاض في الناس قال هذا والله هو الباطل ثم قال وانما أخبرني أبي أن جبريل عليه الصلاة والسلام أذن في بيت المقدس ليلة الإسراء وأقام ثم أعاد جبريل الأذان لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء فسمعه عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب
وفي رواية عنه أنه لما انتهى إلى مكان من السماء وقف به وبعث الله ملكا فقيل له علمه الأذان فقال الملك الله أكبر فقال الله صدق عبدي أنا الله أكبر إلى أن قال قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة وفيه ما علمت أن هذا الإقامة لا الأذان وقد رد عليه بأنه لو ثبت بقول جبريل لما احتاج صلى الله عليه وسلم إلى المشورة والمعراج كان بمكة قبل الهجرة
والأولى أن يتمسك ابن الحنفية بما يأتي عن بعض الروايات من قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله قد سبقك بذلك الوحي وكونه أتى بالبراق إلى الحجاب هو بناء على أن العروج كان على البراق وتقدم ما فيه ويحتمل أن يكون هذا عروجا آخر غير ذلك وحينئذ لا يخالف هذا ما تقدم أنه لما أسرى به أذن جبريل وتقدم ما فيه ولا ما جاء عن علي رضي الله تعالى عنه مؤذن أهل السماء جبريل لجواز حمل ذلك على الغالب وحينئذ لا يخالف أيضا ما جاء أسرافيل مؤذن أهل السماء وامامهم ميكائيل عند البيت المعمور وفي لفظ يؤم بالملائكة في البيت المعمور ولعل كون ميكائيل إمام أهل السماء لا يخالف ما جاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها إمام أهل السماء جبريل لما علم وجاء إن مؤذن أهل السماء يؤذن لاثنتى عشرة ساعة من النهار ولاثنتى عشرة ساعة من الليل
أقول وفي النور لو رآه أي الأذان ليلة الإسراء لم يحتج إلا إلى ما يجمع به المسلمين إلى الصلاة ويرد بأنه لم يكن يعلم قبل هذه الرؤيا أن ما رآه في السماء يكون سنة للصلوات الخمس التي فرضت عليه تلك الليلة فبتلك الرؤيا علم أن ذلك سنة في الأرض كما تقدم
وعبارة بعضهم ولا يشكل على أذان جبريل ببيت المقدس أن الأذان إنما كان بعد الهجرة لأنه لا مانع من وقوعه ليلة الإسراء قبل مشروعيته للصلوات الخمس وهذا كله على تسليم أن المرئى له الأذان حقيقة لا الإقامة وقد علمت ما فيه
ثم رأيت بعضهم قال وأما قول القرطبي لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعا في حقه ففيه نظر لقوله في أوله لما أراد الله تعالى أن يعلم رسوله الأذان أي لأن المتبادر تعليمه الأذان الذي يأتي به في الأرض للصلوات
____________________

وقد يقال على تسليم ذلك قد علمت أن المراد بالأذان الذي سمعه ليلة الإسراء الإقامة وقد قال الحافظ ابن حجر الحق أنه لم يصح شيء من هذه الأحاديث الواردة بأنه سمعه ليلة الإسراء ومن ثم قال ابن كثير في بعض الأحاديث الواردة بأنه سمع هذا الأذان في السماء ليلة المعراج هذا الحديث ليس كما زعم البيهقي أنه صحيح بل هو منكر تفرد به زياد بن المنذر أبو الجارود الذي تنسب إليه الفرقة الجارودية وهو من المتهمين وبهذا يعلم ما في الخصائص الصغرى خص صلى الله عليه وسلم بذكر اسمه في الأذان في عهد آدم وفي الملكوت الأعلى والله أعلم
أي وروى بسند واه إن أول من أذن بالصلاة جبريل عليه الصلاة والسلام في سماء الدنيا فسمعه عمر وبلال رضي الله تعالى عنهما فسبق عمر بلالا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء بلال فقال له سبقك بها عمر وهذا لادلاله فيه لأنه يجوز أن يكون ذلك بعد رؤيا عبد الله
وذكر أن عمر رضي الله تعالى عنه رآه من عشرين يوما وكتمه ولما أخبر صلى الله عليه وسلم بذلك قال له ما منعك أن تخبرني قال سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت منه
أقول في هذا الكلام ما لا يخفى فليتأمل إنما قال له إنها رؤيا حق لأنه يجوز أن يكون جاءه صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك قبل أن يجئ إليه عبد الله بن زيد به ومن ثم قال له حين أخبره بذلك على مافي بعض الروايات قد سبقك بذلك الوحي فالأذان إنما ثبت بالوحي لا بمجرد رؤيا عبد الله
قال بعضهم في قوله وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا الآية كان اليهود إذا نودي إلى الصلاة وقام المسلمون إليها يقولون قاموا لا قاموا صلوا لاصلوا على طريق الاستهزاء والسخرية
وفيها دليل على مشروعية الأذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده هذا كلامه ورده أبو حيان بان هذه جملة شرطية دلت على سبق المشروعية لا على إنشائها هذا كلامه أي وذلك على تسليم أن يكون المدعو به للصلاة خصوص اللفظ الذي وجد في المنام وصار بلال يؤذن بذلك للصلوات الخمس وينادي في الناس لغير الصلوات الخمس لأمر يحدث يطلب له حضور الناس كالكسوف والخسوف والاستسقاء الصلاة جامعة
____________________


قيل وكان بلال إذا أذن قال أشهد أن لا إله إلا الله حي على الصلاة فقال له عمر على أثرها أشهد أن محمدا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال قل كما قال عمر وهذا روي عن ابن عمر في حديث فيه راو ضعيف ولولا التعبير بكان لأمكن حمل ذلك على أن بلالا أتى بذلك ناسيا في ذلك الوقت لما لقنه عبد الله بن زيد ثم رأيت ابن حجر الهيتمي قال والحديث الصحيح الثابت في أول مشروعية الأذان يرد هذا كله هذا كلامه
قيل وزاد بلال في أذان الصبح بعد الحيعلات الصلاة خير من النوم مرتين فأقرها صلى الله عليه وسلم أي لأن بلالا كان يدعو النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة فيقول له الصلاة فدعاه ذات غداة إلى الفجر فقيل له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم فصرخ بأعلى صوته الصلاة خير من النوم مرتين أي اليقظة الحاصلة للصلاة خير من الراحة الحاصلة بالنوم
أقول وهذا يقال له التثويب وذكر فقهاؤنا أنه صح أنه صلى الله عليه وسلم لقن ذلك لأبي محذورة أي قال له فإن كانت صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم ولا مناقاة لأن تعليم أبي محذور للأذان كان عند منصرفه صلى الله عليه وسلم من حنين على ما سيأتي وكذا ما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم قال إن ذلك من السنة لأنه يجوز أن يكون ذلك صدر منه بعد أن أقر بلالا عليه نعم ذكر أنه لم ينقل أن ابن أم مكتوم كان يقوله أي لقول بلال له في الإذان الأول وهو يدل لمن قال إنه إذا قيل في الأذان الأول لا يقال في الثاني لأن أذانه اللصبح كان متأخرا عن أذان بلالا في أكثر الأحوال وهو محمل ما جاء في كثير من الأحاديث إن بلالا يؤذن بليل فكلوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ومن غير الأكثر محمل ما جاء إن ابن أم مكتوم ينادي بليل وكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال ابن أم مكتوم أعمى فإذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا وإذا أذن بلال فأمسكوا ولا تأكلوا والراجح أنه يقوله فيهما لكن ربما يخالف ذلك ما في الموطأ أن المؤذن جاء عمر يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائما فقال الصلاة خير من النوم فأمره عمر رضي الله عنه أن يجعلها في نداء الصبح وفي الترمذي أن بلالا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تثويب في شيء من الصلاة أي من أذان الصلاة إلا في صلاة الفجر أي يقول الصلاة خير من النوم
____________________


وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه سمع الأذان في مسجد فأراد أن يصلي فيه فسمع المؤذن يثوب في غير الصبح فقال لرفيق له اخرج بنا من عند هذا المبتدع فإن هذه بدعة أي سمع المؤذن يقول بين الأذان والإقامة على باب المسجد الصلاة الصلاة وهذا هو المراد بالتثويب الذي سمعه ابن عمر كما قاله بعضهم
وفي كلام بعضهم من المحدثات أن المؤذن يجئ بين الأذان والإقامة إلى باب المسجد فيقول حي على الصلاة قيل وأول من أحدثه مؤذن معاوية رضي الله تعالى عنه فكان يأتيه بعد الأذان وقبل الإقامة يقول حي على الصلاة حي على الصلاة وحي على الفلاح حي على الفلاح يرحمك الله
أما قول المؤذن بين الأذان والإقامة الصلاة الصلاة فليس بدعة لأن بلالا كان يقول ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وأما قوله حي على الصلاة فهذا لم يعهد في عصره صلى الله عليه وسلم
ثم رأيت في درر المباحث في أحكام البدع والحوادث اختلف الفقهاء في جواز دعاء الأمير إلى الصلاة بعد الأذان وقبل الإقامة بأن يأتي المؤذن باب الأمير فيقول حي على الصلاة حي على الفلاح أيها الأمير وفسر به التثويب فاحتج من قال بجواره أي بسنيته أن بلالا كان إذا أذن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يرحمك الله أي كما كان يفعل مؤذن معاوية رضي الله تعالى عنه فليس من المحدثات
وفي الحديث المشهور أنه في مرضه صلى الله عليه وسلم أتاه بلال فقال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته الصلاة يرحمك الله فقال صلى الله عليه وسلم له مر أبا بكر فليصل بالناس واحتج من قال بالمنع بأن عمر رضي الله تعالى عنه لما قدم مكة أتاه أبو محذورة فقال الصلاة يا أمير المؤمنين حي على الصلاة حي على الفلاح فقال ويحك أمجنون أنت أما كان في دعائك الذي دعوته ما يكفيك حتى تأتينا ولو كان هذا سنة لم ينكر عليه أي وكون عمر رضي الله تعالى عنه لم يبلغه فعل بلال من البعيد
وعن ابي يوسف لا أرى بأسا أن يقول المؤذن السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يرحمك الله لاشتغال الأمراء بمصالح المسلمين أي ولهذا كان مؤذن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه يفعله
____________________


وذكر بعضهم أن في دولة بني بويه كانت الرافضة تقول بعد الحيعلتين حي على خير العمل فلما كانت دولة السلجوقية منعوا المؤذنين من ذلك وأمروا أن يقولوا في أذان الصبح بدل ذلك الصلاة خير من النوم مرتين وذلك في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة
ونقل عن ابن عمرو عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما أنهما كانا يقولان في أذانيهما بعد حي على الفلاح حي على خير العمل
وورد الترجيح في خبر أذان أبي محذورة أيضا وهو أن يخفض صوته بالشهادتين قبل رفعه بهما ففي مسلم عن أبي محذورة أنه قال قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان قال فمسح مقدم رأسي وقال تقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها وتك ثم ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله وكان أبو محذورة يشفع الإقامة كالأذان أي يكرر ألفاظها فيقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لقنه صلى الله عليه وسلم ذلك وهي الرواية الثانية التي تقدمت عن عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه
وذكر الإمام أبو العباس بن تيمية رحمه الله أن النقل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أبا محذورة الأذان فيه الترجيع والإقامة مثناة كالأذان وأن بلالا كان يشفع الإذان ويوتر الإقامة أي ولا يرجع الإذان
ففي الصحيحين أمر بلال أن يشفع الأذان أي ومن شفع الأذان التكبير أوله أربعا ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم الإقتصار فيه على مرتين وإن كان هو عمل أهل المدينة كما سيأتي نعم يرد على شفع الأذان التهليل آخره فإنه مفرد فالأولى أن يقال يشفع معظم الأذان ويوتر الإقامة إلا الإقامة أي لفظها أي وهي قد قامت الصلاة فإنه يكررها مرتين يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم
____________________

إفرادها البتة أي وإن كان هو عمل أهل المدينة كما سيأتي وصح عنه تكرير لفظ التكبير مرتين أولا وآخرا وحينئذ يكون المراد بإفراد الإقامة إفراد معظمها فكان يقول في الإقامة الله أاكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ولم يكن في أذانه ترجيع أي وهو الإتيان بالشهادتين مرتين سرا ثم يأتي بهما جهرا أي كما تقدم قال فنقل إفراد الإقامة صحيح بلا ريب وتثنيتها صحيح بلا ريب
أي وكل روى عن عبد الله بن زيد كما علمت قال أي ابن تيمية وأحمد وغيره أخذوا بأذان بلال وإقامته أي فلم يستحبوا الترجيع في الأذان واستحبوا إفراد الإقامة إلا لفظها
والشافعي رضي الله عنه تعالى عنه أخذ بأذان أبي محذرة وإقامة بلال فاستحب الترجيع في الأذن والإفراد إلا لفظها وأبو حنيفة رحمه الله وأخذ بأذان بلال وإقامة أبى محذورة أي فلم يستحب الترجيع واستحب تثنية ألفاظ الإقامة
قال في الهدى وأخذ مالك بما عليه عمل أهل المدينة من الإقتصار في التكبير على مرتين في الأذان وعلى كلمة الإقامة مرة واحدة أي ولعل هذا بحسب ما كان في المدينة والإ ففي أبى داود ولم يزل ولد أبي محذورة وهم الذين يلون الأذان بمكة يفردون الإقامة أي معظم ألفاظها ويحكونه عن جدهم غير أن التثنية عنه أكثر فيحتمل أن إتيان أبى محذورة بالإقامة فرادى واستمراره وولده بعده على ذلك كان بأمر منه صلى الله عليه وسلم له بذلك بعد أمره أولا له بتثنيتها أي فيكون آخر أمره الإفراد وقد قيل لأحمد رضي الله تعالى عنه وقد كان يأخذ بأذان بلال أي كما تقدم أليس أذان أبى محدورة بعد أذان بلال أي لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه له عند منصرفه من حنين على ما سيأتي وهو الذي رواه إمامنا الشافعي رضي الله عنه عن أبي محذورة أنه قال خرجت في نفر وكنا ببعض طريق حنين فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

بالصلاة فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون أي عن الطريق فصرنا نحكيه ونستهزئ به فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع فأشار القوم كلهم إلى فحبسني أي أبقاني عنده وأرسلهم وقال قم فأذن فقمت ولا شيء أكره إلى من النبي صلى الله عليه وسلم ولا مما يأمرني به فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى على التأذين هو بنفسه صلى الله عليه وسلم الحديث ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة ثم وضع يده على ناصيتي ومر بها على وجهي ثم بين يدي ثم على كبدي حتى بلغت يده سرتي ثم قال بارك الله فيك وبارك عليك فقلت يارسول الله مرني بالتأذين بمكة فقال صلى الله عليه وسلم قد أمرتك به وذهب كل شيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهته وعاد ذلك كله محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمت على عتاب بن أسيد رضي الله تعالى عنه عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة فأذنت بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقيل علمه صلى الله عليه وسلم ذلك يوم فتح مكة لما أذن بلال رضي الله تعالى عنه للظهر على ظهر الكعبة وصار فتية من قريش يستهزئون ببلال ويحكون صوته وكان من جملتهم أبو محذورة فأعجبه صلى الله عليه وسلم صوته فدعاه وعلمه الأذان وأمره أن يؤذن لأهل مكة فليتأمل الجمع وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بالمتأخر عنه لأن المتأخر ينسخ المتقدم فقال أليس لما عاد إلى المدينة أقر بلالا على أذانه
قال أبو داود وتثنية الإذان وإفراد الإقامة مذهب أكثر علماء الأمصار وجرى به العمل في الحرمين والحجاز وبلاد الشام واليمن وديار مصر ونواحي المغرب أي إلا مصر في المساجد التي تغلب صلاة الأروام بها فإن الإقامة تثنى كالأذان فيها
وقد ذكر أن أبا يوسف رحمه الله ناظر إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه في المدينة بين يدي مالك رضي الله تعالى عنه والرشيد فأمر الشافعي بأحضار أولاد بلال وأولاد سائر مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم كيف تلقيتم االإذان والإقامة عن
____________________

آبائكم فقالوا الأذان مثنى مثنى والإقامة فرادى هكذا تلقيناه من آبائنا وآباؤنا عن أسلافنا إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء أنه صلى الله عليه وسلم سمع بلالا يقيم الصلاة فلما قال قد قامت الصلاة قال صلى الله عليه وسلم أقامها الله وأدامها وفي البخاري من قال حين يسمع النداء أي الأذان اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته وجبت له شفاعتي يوم القيامة
قال بعضهم كان المؤذنون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنين بلالا وابن ام مكتوم فلما كان زمن عثمان رضي الله تعالى عنه جعلهم أربعا وزاد الناس بعده
ولما مات صلى الله عليه وسلم ترك بلال الإذان ولحق بالشام فمكث زمانا فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له يا بلال جفوتنا وخرجت من جوارنا فاقصد إلى زيارتنا وفي لفظ أنه قال له ما هذه الجفوة يا بلال ما آن لك أن تزورنا فانتبه بلال رضي الله تعالى عنه فقصد المدينة فلما انتهى إلى المدينة تلقاه الناس أي وأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يبكي عنده ويتمرغ عليه وأقبل على الحسن والحسين يقبلهما ويضمهما وألحوا عليه أن يؤذن فلما صعد ليؤذن اجتمع أهل المدينة رجالهم ونساؤهم وخرجت العذارى من خدورهن ليستمتعوا أذانه رضي الله تعالى عنه فلما قال الله أكبر ارتجت المدينة وصاحوا وبكوا فلما قال أشهد أن لا إله إلا الله ضجوا جميعا فلما قال أشهد أن محمدا رسول الله لم يبق ذو روح إلا بكى وصاح وكان ذلك اليوم كيوم موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف إلى الشام وكان يرجع إلى المدينة في كل سنة مرة فينادي بالأذان إلى أن مات رضي الله تعالى عنه
أقول في كلام بعضهم كان سعد القرظ رضي الله تعالى عنه مؤذنه صلى الله عليه وسلم بقباء فلما لحق بلال بالشام أيام عمر رضي الله تعالى عنه أمر سعد القرظ أن يؤذن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فإن بلالا لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال ياخليفة رسول الله إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أفضل أعمال المؤمن الجهاد في سبيل الله وقد أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت فقال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه أنشدك الله يا بلال وحرمتي وحقي عليك أن لا تفارقني فأقام بلال حتى توفي أبو بكر رضي الله تعالى عنه
____________________

وهو يؤذن ثم جاء إلى عمر فقال له كما قال لأبي بكر ورد عليه رضي الله عنه كما رد عليه أبو بكر فأبى وخرج إلى الشام مجاهدا
وفي أنس الجليل لما فتح أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه بيت المقدس حضرت الصلاة فقال يا بلال أذن لنا يرحمك الله قال بلال يا أمير المؤمنين والله ما أردت أن أؤذن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد ولكن سأطيعك إذ أمرتني في هذه الصلاة وحدها فلما أذن بلال وسمعت الصحابة رضي الله تعالى عنهم صوته ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم فبكوا بكاء شديدا ولم يكن من الصحابة يومئذ أطول بكاء من أبى عبيدة ومعاذ بن جبل حتى قال لهما عمر رضي الله تعالى عنه حسبكما رحمكما الله تعالى فلم يؤذن بلال بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة لما أمره عمر بالأذان هذا ما في أنس الجليل أي فالمراد بالمرة هذه المرة التي كانت ببيت المقدس
وفيه أن هذا يخالف ما تقدم مما ظاهره أنه استمر يؤذن مدة خلافة أبى بكر رضي الله تعالى عنه وما تقدم من إلحاح الحسن والحسين عليه في أن يؤذن عند مجيئه للمدينة
إلا أن يقال المراد لم يؤذن خارج المدينة فلا يخالف ما سبق من أذانه بعد إلحاح الحسن والحسين ولعل ما سبق كان بعد فتح بيت المقدس بل وبعد موت الخلفاء الأربعة
ثم رأيت الزين العراقي قال لم يؤذن بلال بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لأحد من الخلفاء إلا أن عمر لما قدم الشام حين فتحها أذن بلال هذا كلامه فليتأمل مع ما سبق
وفي الكتاب المذكور روي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن رجلا قال يا رسول الله أي الخلق أول دخولا الجنة قال الأنبياء قال ثم من قال الشهداء قال ثم من قال مؤذنو بيت المقدس قال ثم من قال مؤذنو بيت الحرام قال ثم من قال مؤذنو مسجدي قال ثم من قال سائر المؤذنين
ثم رأيت في نسخة من شرح المنهاج للدميري عن جابر تقديم مؤذني المسجد الحرام على مؤذني بيت المقدس ورأيت في بعض الروايات ما يوافقه وهي أول من يدخل الجنة بعدى أبو بكر ثم الفقراء ثم مؤذنو المسجد الحرام ثم مؤذنو بيت المقدس ثم مؤذنو مسجدي ثم سائرهم على قدر أعمالهم
وفي البدور السافرة عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رجلا قال يا رسول الله أي
____________________

الخلق أول دخولا الجنة يوم القيامة قال الأنبياء قال ثم من قال الشهداء قال ثم من قال مؤذنو الكعبة قال ثم من قال مؤذنو بيت المقدس قال ثم من قال مؤذنو مسجدي هذا قال ثم من قال سائر المؤذنين على قدر أعمالهم
وفيها عن جابر أيضا أول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم ثم محمد صلى الله عليه وسلم ثم النبيون والرسل ثم يكسى المؤذنون وجاء إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم قالوا يا رسول الله لقد تركتنا نتنافس في الأذان بعدك فقال أما إنه يكون قوم بعدكم كفلتهم مؤذنوهم قيل وهذه الزيادة منكرة وقال الدار قطنى ليست محفوظة
وجاء إذا أخذ المؤذن في أذانه وضع الرب جل وعز يده فوق رأسه ولا يزال كذلك حتى يفرغ من أذانه وأنه ليغفر له مد صوته فإذا فرغ قال الرب صدقت عبدي وشهدت شهادة الحق فأبشر والله أعلم
قال وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كان رجل من اليهود أي من التجار وعن السدى من النصارى بالمدينة سمع المؤذن يقول أشهد أن محمدا رسول الله قال أخزى الله الكاذب وفي رواية أحرق الله الكاذب فدخلت خادمه بنار وهو نائم وأهله نيام فسقطت شرارة فأحرقت البيت واحترق هو وأهله انتهى
أي وفي بعض الأسفار حضر وقت الصلاة أي صلاة الصبح فطلبوا بلالا يؤذن فلم يوجد أي لتأخره في السير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن زياد بن الحارث الصدائي أي بأمره صلى الله عليه وسلم فقال له أذن يا أخا صداء وصداء حي من اليمن
وعنه رضي الله تعالى عنه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمرني على قومي فقال لا خير في الإمرة لرجل مؤمن فقلت حسبي ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم مسيرا فسرت معه فانقطع عنه أصحابه وأضاء الفجر فقال لي أذن يا أخا صداء فأذنت ثم لما حضرت الصلاة و فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إنما يقيم من أذن واختلف هل أذن صلى الله عليه وسلم بنفسه فقيل نعم أذن مرة واستدل على ذلك بأنه جاء في بعض الأحاديث أي وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم أذن في السفر وصلى وهم على رواحلهم فتقدم على راحلته صلى الله عليه وسلم فصلى بهم يومي إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع وقيل ما أذن وإنما أمر بلالا بالأذان كما في بعض طرق ذلك الحديث
____________________

ففي الهدى وصلى بهم الفرض على الرواحل لأجل المطر والطين وقد روي أحمد والترمذي أنه صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحابه والسماء من فوقهم والمسيل من أسفل منهم فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن وأقام ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم الحديث والمفصل يقضي على المجمل
وفي رواية أذن اختصارا أي أمر بالأذان أي وهذا المجمل الذي تشير إليه هو فأذن صلى الله عليه وسلم على راحلته وأقام أي ويروي أن بلالا كان يبدل الشين في أشهد سينا فقال صلى الله عليه وسلم سين بلال عند الله شين قال ابن كثير لا أصل لرواية سين بلال شين في الجنة ولا يلزم من كون هذه الرواية لا أصل لها أن تكون تلك الرواية كذلك
وكان بلال وابن أم مكتوم يتناوبان في أذاني الصبح فكان أحدهما يؤذن بعد مضى نصف الليل الأول والليل باق والثاني يؤذن بعد طلوع الفجر وروى الشيخان إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم أي وفي مسلم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنعن أحدا منكم أذان بلال أو قال نداء بلال من سحوره فإنه يؤذن وقال ينادي ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم إنما يؤذن بليل بعد نصفه الأول فيرجع القائم المتهجد إلى راحلته لينام غفوة ليصبح نشيطا ويستيقظ النائم ليتأهب للصبح
قال في الهدى وانقلب على بعض الرواة فقال إن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال أي وقد علمت أنه لا قلب وأنهما كانا يناديان فكان بلال تارة يؤذن بليل وابن ام مكتوم عند الفجر الثاني وتارة يكون ابن مكتوم بالعكس فوقع كل من الأحاديث باعتبار ما هو موجود عند النطق ولم يكن بين أذانهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا أي أن ينزل المؤذن الأول من أذانه ويرقى المؤذن الثاني كما ذكر فمن كان يؤذن أولا يتربص بعد أذانه لنحو الدعاء ثم يرقب الفجر فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر صاحبه فيرقى ويؤذن مع الفجر أو عقبه من غير فاصل وهذا هو المراد مما قيل إن ابن أم مكتوم كان لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت
وعن ابن عمر كان ابن مكتوم يتوخى الفجر فلا يخطئه وفي أبى داود عن ابن عمر أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي ألا إن
____________________

العبد نام فرجع فنادى ألا إن العبد نام إلا إن العبد نام أي غفل عن الوقت أو رجع لينام لبقاء الليل ولعل هذا كان قبل أن يتخذ ابن أم مكتوم مؤذنا ثانيا أو كان أذان بلال في هذه المرة بعد أذان ابن أم مكتوم على ما تقدم فلا مخالفة
والثابت في الجمعة أذان واحد كان يفعل بين يديه صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر وجلس عليه كذا قال فقهاؤنا مستدلين على ذلك بحديث البخاري عن السائب بن يزيد قال كان التاذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام على المنبر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وليس فيه أن ذلك الأذان كان بين يديه ولما كثر المسلمون أمر عثمان رضي الله تعالى عنه أي وقيل عمر وقيل معاوية بأن يؤذن قبله على المنارة
وعبارة بعضهم وفي السنة الرابعة والعشرين زاد عثمان النداء على الزوراء يوم الجمعة ليسمع الناس فيأتوا إلى المسجد وأول من أحدثه بمكة الحجاج والتذكير قبل الأذان الأول الذي هو التسبيح أحدث بعد السبعمائة في زمن الناصر محمد بن قلاوون
وأول ما أحدثت الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أي على الكيفية المعهودة الآن بعد تمام الأذان على المنارة أي في غير المغرب في زمن السلطان المنصور حاجي بن الأشرف شعبان بن حسن بن محمد بن قلاوون بأمر المحتسب نجم الدين الطنبدي في أواخر القرن الثامن واستمر ذلك إلى الآن لكن في غير أذان الصبح الثاني وغير أذان الجمعة أول الوقت أما أذان الصبح الثاني وأذان الجمعة المذكور فتقدم الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم على الأذان فيهما وكان أحدث ذلك في زمان صلاح الدين بن أيوب ولعل الحكمة في ذلك أما في الأول فلاستيقاظ النائم وأما في الثاني فلأجل حصول التكبير المطلوب في الجمعة
ولا يخفى أن من السنة مطلق الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم بعد فراغ الأذان ففي مسلم إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي وقيس بذلك الإقامة فالأذان والإقامة من المواطن التي يستحب فيها الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى { ورفعنا لك ذكرك } فقد قيل في معناه لا أذكر إلا وتذكر معي لكن بعد فراغهما لا عند الابتداء بهما كما يقع لبعض الأروام أن يقول المقيم للصلاة عند ابتداء الإقامة اللهم صل على سيدنا محمد الله أكبر الله أكبر فإن ذلك بدعة
____________________


ومن البدع التطريب في الأذان والتلحين فيه وفي كلام إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه ويكون الأذان مرسلا بغير تمطيط ولا تغن قيل التمطيط التفريط في المد والتغني أن يرفع صوته حتى يجاوز المقدار
ومن البدع رفع المؤذنين أصواتها بتبليغ التكبير لمن بعد عن الإمام من المقتدين قال بعضهم ولا بأس به لما فيه من النفع أي حيث لم يبلغهم صوت الإمام بخلاف ما إذا بلغهم
ففي كلام بعضهم التبليغ بدعة منكرة باتفاق الأئمة الأربعة حيث بلغ المأمومين صوت الإمام ومعنى منكرة أنها مكروهة
وأول ما أحدث التسبيح بالأسحار في زمن موسى عليه الصلاة والسلام حين كان بالتيه واستمر إلى أن بني داود عليه الصلاة والسلام بيت المقدس فرتب فيه جماعة يقومون به على الآلات إلى ثلت الليل الأخير ثم بعد ثلث الليل الأخير يقومون به على الآلات عند الفجر
وأول حدوثه في ملتنا كان بمصر أمر به أميرها من قبل معاوية مسلمة بن مخلد الصحابي رضي الله تعالى عنهما فإنه لما اعتكف بجامع عمرو سمع أصوات النواقيس عالية فشكا ذلك إلى شرحبيل بن عامر عريف المؤذنين بجامع عمرو ففعل ذلك من نصف الليل إلى قريب الفجر ومسلمة هذا تولى مصر من معاوية بعد عتبة بن أبي سفيان أخي معاوية رضي الله تعالى عنهما وعتبة تولاها حين مات أميرها عمرو بن العاص وهذا مما يدل على أن عمرو بن العاص مدفون بمصر وكان عتبة خطيبا فصيحا
قال الأصمعي الخطباء من بني أمية عتبة بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان خطب عتبة يوما أهل مصر فقال يا أهل مصر خف على ألسنتكم مدح الحق ولا تأتونه وذم الباطل وأنتم تفعلونه كالحمار يحمل أسفارا يثقله حملها ولا ينفعه علمها وإني لا أداوي داءكم إلا بالسيف ولا أبلغ السيف ما كفاني السوط ولا أبلغ السوط ما صلحتم على الدرة فالزموا ما ألزمكم الله لنا تستوجبوا ما فرض الله لكم علينا وهذا يوم ليس فيه عتاب ولا بعده عتاب
ومما يؤثر عنه ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم وقال لبنيه يوما تلقوا النعم بحسن مجاورتها والتمسوا المزيد منها بالشكر عليها
____________________


ومسلمة أول من جعل بنيان المنابر التي هي محل التأذين في المساجد فلما ولى أحمد بن طولون رتب جماعة يكبرون ويسبحون ويحمدون فلما ولى صلاح الدين يوسف ابن أيوب وحمل الناس على اعتقاد مذهب الأشعري والخروج عما كان يعتقد الفواطم أمر المؤذنين أن يعلنوا وقت التسبيح بذكر العقيدة المرشدة وقد وقفت عليها فإذا هي ثلاث ورقات ولم أقف على اسم مؤلفها فواظبوا على ذكرها في كل ليلة
قيل في سبب نزول قوله تعالى { قل كل من عند الله } أن اليهود قالوا في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ دخل المدينة نقصت ثمارها وغلت أسعارها فرد الله تعالى عليهم بقوله { قل كل من عند الله } أي يبسط الأرزاق ويقبضها وعند ظهور الإسلام وقوته في المدينة قامت نفوس أحبار اليهود ونصبوا العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم { قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر } وقال في موضع آخر { إن تمسسكم حسنة تسؤهم }
وعن صفية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها بنت حيي قالت كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمى أبى ياسر وكانا من أكبر اليهود وأعظمهم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة غدوا إليه ثم جاءا من العشي فسمعت عمي يقول لأبي أهو هو قال نعم والله قال أتعرفه وتثبته قال نعم قال فما في نفسك منه قال عداوته والله ما بقيت قال وفي رواية أنها قالت إن عمى أبا ياسر حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ذهب إليه وسمع منه صلى الله عليه وسلم وحادثه ثم رجع إلى قومه فقال يا قوم أطيعوني فإن الله قد جاءكم بالذي كنتم تنتظرونه فاتبعوه ولا تخالفوه ثم انطلق إبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه ثم رجع إلى قومه فقال لهم أتيت من عند رجل والله لا أزال له عدوا فقال له أخوه أبو ياسر يا ابن أم أطعني في هذا الأمر واعصني فيما شئت بعد لا تهلك فقال والله لا نطيعك 1 هـأي ثم وافق أخاه حييا فكانا أشد اليهود عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا فأنزل الله تعالى فيهما وفيمن كان موافقا لهما في ذلك { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق }
وحيي بن أخطب هذا قيل هو الذي قال لما نزل تعالى { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا }
____________________

يستقرضنا ربنا وإنما يستقرض الفقير الغني فأنزل الله تعالى { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء }
أي وقيل في سبب نزولها إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه دخل بيت المدارس فقال لفنحاص اتق الله وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله فقال والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر وإنه إلينا لفقير فغضب أبو بكر وضرب وجه فنحاص ضربا شديدا وقال والله لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك فشكاه فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له أبو بكر ما كان منه فأنكر قوله ذلك فنزلت الآية
وقيل في سبب نزولها أيضا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل أبا بكر رضي الله تعالى عنه إلى فنحاص بن عازوراء بكتاب وكان انفرد بالعلم والسيادة على يهود بني قينقاع بعد إسلام عبد الله بن سلام يأمرهم في ذلك الكتاب بالإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضا حسنا فلما قرأ فنحاص الكتاب قال أقد احتاج ربكم سنمده وفي رواية قال يا أبا بكر تزعم أن ربنا يستقرضنا أموالنا وما يستقرض إلا الفقير من الغني فإن كان حقا ما تقول فإن الله جل وعلا أذن لفقير ونحن أغنياء فضرب أبو بكر وجه فنحاص ضربا شديدا وقال لقد هممت أن أضربه بالسيف وما منعني أن أضربه بالسيف إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دفع إلى الكتاب قال لي لا تفتت على بشيء حتى ترجع إلى فجاء فنحاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكا أبا بكر رضي الله تعالى عنه فقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ما حملك على ما صنعت قال يا رسول الله إنه قال قولا عظيما زعم أن الله عز وجل فقير وأنهم أغنياء فغضبت لله تعالى وقال فنحاص والله ما قلت هذا فنزلت الآية تصديقا لأبي بكر رضي الله تعالى عنه
وقد قال بعض اليهود لبعض العلماء إنما قلنا إن الله فقير ونحن أغنياء لأنه استقرض أموالنا فقال له إن كان استقرضها لنفسه فهو فقير وإن كان استقرضها لفقرائكم ثم يكافئ عليها فهو الغني الحميد
ومن شدة عداوتهم أي اليهود أن لبيد بن الأعصم اليهودي سحر النبي صلى الله عليه وسلم في مشط أي له صلى الله عليه وسلم وقيل في أسنان من مشطه صلى الله عليه وسلم
____________________

ومشاطة وهي ما يخرج من الشعر إذا مشط أي من شعر رأسه صلى الله عليه وسلم أعطاها لهم غلام يهودي كان يخدمه صلى الله عليه وسلم وجعل مثالا من شمع وقيل من عجين كمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم وغرز فيه إبرا وجعل معه وترا عقد فيه إحدى عشرة عقدة
وفي لفظ أن الإبر كانت في العقد ودفن ذلك تحت راعونة في بئرذي أروان وقد مسخ الله تعالى ماءها حتى صار كنقاعة الحناء فكان يخيل إليه صلى الله عليه وسلم أنه يفعل الفعل وهو لا يفعله أي ومكث في ذلك سنة وقيل ستة أشهر وقيل أربعين يوما
قال بعضهم ويمكن أن تكون السنة أو الستة أشهر من ابتداء تغير مزاجه الشريف وأن مدة اشتداده كانت في الأربعين وقيل اشتد عليه ثلاثة أيام وقد يقال هي أشد الأربعين فلا منافاة وعند ذلك نزل جبريل عليه الصلاة والسلام وقال له إن رجلا من اليهود سحرك وعقد لك عقدا ودفنها بمحل كذا فأرسل صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله تعالى عنه فاستخرجها فجاء بها فجعل كلما حل عقدة وجد صلى الله عليه وسلم بذلك خفة حتى قام كأنما نشط من عقال وفي رواية أن اليهودي دفن ذلك بقبر فأنزل الله تعالى سورة الفلق وسورة الناس وهما إحدى عشرة آية سورة الفلق خمس آيات وسورة الناس ست آيات كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى انحلت العقد كلها وفي لفظ فإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر فلم يقدروا على حل تلك العقد فنزلت المعوذتان فكلما قرأ جبريل آية انحلت عقدة ووجد صلى الله عليه وسلم بعض الخفة حتى قام عند انحلال العقدة الأخيرة كأنما نشط من عقال وجعل جبريل يقول بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء يؤذيك أي ولعله كان يقول ذلك عند حل كل عقدة بعد قراءة الآية أي وكان ذلك بين الحديبية وخيبر
وذكر بعضهم أنه بعد خيبر جاءت رؤساء يهود الذين بقوا في المدينة ممن يظهر الإسلام إلى لبيد بن الأعصم وكان أعلمهم بالسحر فقالوا له يا أبا الأعصم قد سحرنا محمدا سحره منا الرجال فلم يصنع شيئا أي ولم يؤثر سحرهم وأنت ترى أمره فينا خلافة في ديننا ومن قتل وأجلى ونجعل لك على سحره ثلاثة دنانير ففعل ذلك ثم إنه صلى الله عليه وسلم قال جاءني رجلان أي وهما جبريل وميكائيل كما في بعض طرق الحديث
____________________

فقعد أحدهما عند رأسي والآخر تحت رجلي فقال أحدهما ما وجع الرجل فقال الآخر مطبوب أي مسحور فقال من طبه قال لبيد بن الأعصم قال فيم قال في مشط ومشاطة وفي لفظ ومشاقة أي وهي المشاطة وقيل هي مشاقة الكتان وجف بالجيم والفاء وقيل بالباء الموحدة طلعة ذكر أي غشاء طلع الذكر الذي يقال له كوز الطلع قال فأين هو قال في بئر ذي ذروان على وزن مروان وفي لفظ بئرذي أروان وفي لفظ بئر ذروان وعليه اقتصر في الإمتاع تحت صخرة في الماء قال فما دواء ذلك قال تنزح البئر ثم تقلب الصخرة فتوجد الكدية فيها تمثال فيه إحدى عشرة عقدة فتحرق فإنه يبرأ بإذن الله تعالى ثم أحضر صلى الله عليه وسلم لبيدا فاعترف فعفا عنه لما اعتذر له بأن الحامل له على ذلك حب الدنانير وقيل له يا رسول الله لو قتلته فقال صلى الله عليه وسلم قد عافاني الله ماوراءه من عذاب الله تعالى أشد
ويحتاج إلى الجمع بين كون جبريل قال له سحرك إلى آخره وكون جاءه رجلان قعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال أحدهما للآخر ما وجع الرجل إلى آخره قيل وهذا أي عدم قتل الساحر ربما يعارض القول بأن الساحر يتحتم قتله فيه أنه عندنا لا يتحتم قتله ولا يقتل إلا إذا قتل بسحره واعترف بأن سحره يقتل غالبا
ولبيد هذا قيل إنه أول من قال ينفي صفات الباري وقال بها الجهم بن صفوان وأظهرها فقيل لاتباعه في ذلك الجهمية
فعند ذلك بعث صلى الله عليه وسلم عليا وعمار بن ياسر إلى تلك البئر فاستخرجا ذلك وقيل الذي استخرج السحر بأمر رسول الله صلى الله عيه وسلم قيس بن محصن
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه صلى الله عيله وسلم توجه إلى البئر مع جماعة من أصحابه فإذا ماؤها كأنه خضب بالحناء فاستخرجا أي النبي صلى الله عليه وسلم وجماعته منها ذلك
ويحتاج إلى الجمع بين كونه صلى الله عليه وسلم أرسل لاستخراج السحر عليا كرم الله وجهه وكونه بعث لاستخراجه عليا وعمار بن ياسر وكونه أمر قيس بن محصن باستخراجه وكونه صلى الله عليه وسلم ذهب هو وجماعته لاستخراجه فإذا وتر به فيه إحدى عشرة عقدة أي وإذا فيها إبر مغروزة ونزلت المعوذتان فجعل رسول الله
____________________

صلى الله عليه وسلم كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى انحلت العقد فذهب عنه صلى الله عليه وسلم وسلم ما كان يجد
أي ولا ينافي ما تقدم أن القارىء لذلك جبريل عليه الصلاة والسلام لجواز أن يكون كلاهما صار يقرأ الآية أو أنه صلى الله عليه وسلم صار يقرأ بعد قراءة جبريل
وفي الإمتاع عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت له أفلا استخرجته قال لا أما أنا فقد عافاني الله وكرهت أن أثير على الناس شرا ومراد عائشة بقولها أفلا استخرجته السحر أي هلا استخرجت السحر من الجف والمشاطة حتى تنظر إليه فقال أكره أن أثير على الناس شرا
قال ابن بطال أي كره أن يخرجه فيتعلم منه بعض الناس فذلك هو الشر الذي كرهه صلى الله عليه وسلم وذكر السهيلي أنه يجوز أن يكون الشر غير هذا وهو أنه لو أظهر للناس لربما قتله طائفة من المسلمين ويغضب آخرون من عشيرته فيثور شر
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت له صلى الله عليه وسلم هلا تنشرت أي استعملت النشرة قال بعضهم وفيه دليل على عدم كراهة استعمال النشرة حيث لم ينكر عليها قولها وكرهها جمع واستندوا الحديث في أبي داود مرفوعا النشرة من عمل الشيطان وحمل ذلك على النشرة التي تصحبها العزائم المشتملة على الأسماء التي لا تفهم فأمر بها فطمت أي تلك البئر وحفروا بئرا أخرى فأعانهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرها حيث طموا الأخرى التي سحر فيها هذا كلامه فليتأمل مع ما قبله
وقيل إنما سحره بنات أعصم أخوات لبيد ودخلت إحداهن على عائشة فسمعت عائشة تذكر ما أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بصره ثم خرجت إلى أخواتها فأخبرتهن بذلك فقالت إحداهن إن يكن نبيا فسيخبر وإن يكن غير ذلك فسوف يذهله هذا السحر حتى يذهب عقله فدله الله تعالى عليه
وقد يجمع بين كون الساحر له صلى الله عليه وسلم لبيدا وكون الساحر له أخوات لبيد بأن الساحر له أخوات لبيد ونسب السحر إلى لبيد لأنه جاء أنه الذي ذهب به فأدخله تحت راعونة البئر أي أو في القبر كما تقدم ولا منافاة لجواز أن يكون وضعه في القبر مدة ثم أخرجه منه ووضعه تحت تلك الراعونة أي وهي حجر يوضع على رأس البئر يقول
____________________

عليه المستقى وقد يكون في أسفل البئر يجلس عليه الذي ينظف البئر أي والثاني هو المراد بدليل ما سبق
وفي النهر لأبي حيان ونص القرآن والحديث أن السحر تخييل أي لا يقلب الأعيان ولا شك في وجوده في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وأما في زماننا الآن فكل ما وقفنا عليه من كتبه فهو كذب وافتراء لا يترتب عليه شيء فلا يصح منه شيء ألبتة
وطعنت المعتزلة وطوائف من أهل البدع في كونه صلى الله عليه وسلم سحر وقالوا لا يجوز على الأنبياء أن يسحروا ولو جاز أن يسحروا لجاز أن يجنوا وقد عصموا من الناس
ورد بأن الحديث الدال على ذلك صحيح والعصمة إنما وجبت لهم في عقولهم وأديانهم وأما أبدانهم فيبتلون فيها والسحر إنما أثر في بعض جوارجه صلى الله عليه وسلم من بصره لكن تقدم أنه صلى الله عليه وسلم صار يخيل له أنه يفعل الشيء ولا يفعله وهذا متعلق بالعقل
ثم رأيت أبا بكر بن العربي قال لم يقل كل الرواة إنه اختلط عليه صلى الله عليه وسلم أمر وإنما هذا اللفظ زيد في الحديث لا أصل له
قال ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين تلعنا واستجرارا إلى القول وإبطال معجزات الأنبياء عليه الصلاة والسلام والقدح فيها وأنه لا فرق بين معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبين فعل السحرة وأن جميعه من نوع واحد هذا كلامه
وممن كان حريصا على رد الناس عن الإسلام أيضا شاس بن قيس كان شديد الطعن على المسلمين شديد الحسد لهم مر يوما على الأنصار الأوس والخزرج وهم مجتمعون يتحدثون فغاظه ما رأى من ألفتهم بعد ما كان بينهم من العداوة فقال قد اجتمع بنو قيلة والله مالنا معهم إذا اجتمعوا من قرار فأمر فتى شابا من يهود فقال اعمد إليهم فاجلس معهم ثم اذكر يوم بعاث أي يوم الحرب الذي كان بينهم وما كان فيه وأنشدهم ما كانوا يتقاولون به من الأشعار ففعل فتكلم القوم عند ذلك أي قال أحد الحيين قد قال شاعرنا كذا وقال الآخر قد قال شاعرنا كذا وتنازعوا وتواعدوا على المقاتلة أي قالوا تعالوا نرد الحرب جذعا كما كانت فنادى هؤلاء
____________________

ياللأوس ونادى هؤلاء ياللخزرج ثم خرجوا إليهم وقد أخذوا السلاح واصطفوا للقتال فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم فقال يا معشر المسلمين الله الله أي اتقوا الله أبدعوى الجاهليه أي وهي يا للخزرج ياللأوس وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله إلى الإسلام وألفكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم فعرف القوم أنها نزغة من الشيطا وكيد من عدوهم فبكوا وعانق الرجال من الأوس الرجال من الخزرج ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى في شاس بن قيس { يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا } الآية
وقد جاء في ذم هذه الكلمة التي هي دعوى الجاهلية وهي يالفلان قوله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا أي قولوا له اغضص على ذكر أبيك ولا تكنوا عنه بالهن فلا تقولوا على هن أبيك بل قولوا على ذكر أبيك تنكيلا له وزجرا عما أتى به أي وقد كان أنزل الله تعالى فيهم { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب } الآية وقد قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين الصفين رافعا بها صوته فألقوا السلاح وفعلوا ما تقدم
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن يهود كانوا يستفتحون أي يستنصرون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه أي يقولون سيبعث نبي صفته كذا وكذا نقتلكم معه قتل عاد وإرم كما تقدم عند مبايعة العقبة فقال لهم معاذ ابن جبل وبشر بن البراء يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك وكفر وتخبرونا أنه مبعوث وتصفونه لنا بصفته فقال سلام أي بالتشديد ابن مشكم من عظماء يهود بني النضير ما جاءنا بشيء نعرفه ما هو الذي كنا نذكره لكم فأنزل الله تعالى في ذلك قوله تعالى { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين }
وقيل في سبب نزول قوله تعالى { ما أنزل الله على بشر من شيء } أنه صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الصيف وكان رئيسا على اليهود أنشدك بالذي أنزل التواراة على موسى
____________________

هل تجد فيها أن الله يبعض الحبر السمين فأنت الحبر السمين قد سمنت من مالك الذي تطعمك اليهود فضحك القوم فغضب والتفت إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال ما أنزل الله على بشر من شيء فقالت له اليهود ما هذا الذي بلغنا عنك فقال إنه أغضبني فنزعوه من الرياسة وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف أي لأن في قوله المذكور طعنا في التوراة
وقيل إن يهود المدينة من بني قريظة وبني النضير وغيرهم كانوا إذا قاتلوا من بينهم من مشركي العرب من أسد وغطفان وجهينة وعذرة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم يقولون اللهم إنا نستنصرك بحق النبي الأمي الذي وعدت أنك وعدت باعثه في آخره الزمان إلا نصرتنا عليهم وفي لفظ قالوا اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته وصفته في التوراة فينصرون ولفظ يقولون اللهم ابعث النبي الذي نجده في التوراة يعذبهم ويقتلهم وفي لفظ أن يهود خيبر كانت تقاتل غطفان فكلما التقوا هزمت يهود فدعت يوما اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فيهزمون غطفان وصار اليهود يسألونه صلى الله عليه وسلم عنأشياء ليلبسوا الحق بالباطل أي ومن جملة ما سألوه صلى الله عليه وسلم عن الروح فعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث المدينة يتوكأ على عسيب أي جريدة من جريد النخل إذ مر بنفر من اليهود فقال بعضهم لبعض لا تسألوه لئلا يسمعكم ما تكرهون وفي رواية لئلا يستقبلكم بشيء تكرهونه أي يجيبكم بما هو دليل عندكم على أنه النبي الأمي وأنتم تنكرون نبوته فقاموا إليه فقالوا يا محمد وفي رواية يا أبا القاسم ما الروح وفي رواية أخبرنا عن الروح فسكت قال ابن مسعود فظننت أنه صلى الله عليه وسلم يوحى إليه فقال { ويسألونك عن الروح } أي التي يكون بها الحيوان حيا { قل الروح من أمر ربي } فقالوا هكذا نجد في كتابنا أي التوراة وقد تقدم الكلام على ذلك عند الكلام على فترة الوحي
قال صاحب الإفصاح إنه إنما سأل اليهود عن الروح تعجيزا وتغليطا لأن الروح تطلق بالإشتراك على الروح للإنسان وعلى القرآن وعلى عيسى وعلى جبريل وعلى ملك آخر وعلى صنف من الملائكة فقصد اليهود أنه بأي شيء أجابهم به قالوا
____________________

ليس هو فجاءهم الجواب مجملا فكان هذا الجواب لرد كيدهم لأن كل واحد مما ذكر أمر من مأمورات الحق تعالى ولما أنزل الله تعالى في حق اليهود { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } قالوا أوتينا علما كثيرا أوتينا التوراة ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا فأنزل الله تعالى { قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا } وفي الكشاف أنهم قالوا نحن مخصوصون بهذا الخطاب أم أنت معنا فيه فقال صلى الله عليه وسلم نحن وأنتم لم نؤت من العلم إلا قليلا فقالوا ما أعجب شأنك ساعة تقول { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا } وساعة تقول هذا فنزلت { ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله } هذا كلامه وسألوه صلى الله عليه وسلم متى الساعة إن كنت نبيا فأنزل الله تعالى { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي } الآية
أي وجاء يهوديان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن قوله تعالى { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات } فقال صلى الله عليه وسلم لهما لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسرقوا ولا تسحروا ولا تمشوا ببرئ إلى سلطان ولاتأكلوا الربا ولا تقذفوا محصنة وعليكم يا يهود خاصة أن لا تعتدوا في السبت فقبلا يديه ورجليه صلى الله عليه وسلم وقالا نشهد أنك نبي قال ما يمنعكما أن تسلما فقالا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا يهود
أي وسألوه صلى الله عليه وسلم عن خلق السموات أي في اي زمن والأرض وما بينهما أي مدة ما بينهما فقال لهم خلق الأرض في يوم الأحد والإثنين وخلق الجبال وما فيها يوم الثلاثاء اي ولذلك يقول الناس إنه يوم ثقيل وخلق البحر والماء والمدائن والعمران والخراب يوم الأربعاء وخلق السموات يوم الخميس وخلق الشمس والقمر والنجوم والملائكة يوم الجمعة قالوا ثم ماذا يا محمد قال ثم استوى على العرش قالوا قد أصبت لو تممت ثم استراح أي لو قلت هذا اللفظ لأنهم يقولون إنه استراح جل وعز يوم السبت ومن ثم يسمونه يوم الراحة فأنزل الله تعالى { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب } أي تعب { فاصبر على ما يقولون }
وفي رواية خلق الله الأرض يوم الأحد والإثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء
____________________

وخلق الأنهار والأشجار يوم الأربعاء وخلق الطير والوحش والسباع والهوام والآفة يوم الخميس وخلق الإنسان يوم الجمعة وفرغ من الخلق يوم السبت
وهذا يشكل على ما تقدم أن مبدأ الخلق يوم السبت حتى يكون آخر الأسبوع يوم الجمعة وهو الراجح على ما تقدم وقد قيل في سبب نزول قوله تعالى { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم } إلى قوله { إن الدين عند الله الإسلام } أن حبرين من أراضي الشام لم يعلما ببعثته صلى الله عليه وسلم فقدما المدينة فقال أحدهما للآخر ما أشبه هذه بمدينة النبي الخارج في آخر الزمان فأخبرا بمهاجرة النبي صلى الله عليه وسلم ووجوده في تلك المدينة فلما رأياه قالا له أنت محمد قال نعم قالا نسألك مسألة إن أخبرتنا بها آمنا فقال صلى الله عليه وسلم اسألاني فقالا أخبرنا عن أعظم الشهادة في كتاب الله تعالى فنزلت هذه الآية فتلاها صلى الله عليه وسلم عليهما فآمنا
قال وعن قتادة رضي الله تعالى عنه أن رهطا من اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد هذا الذي خلق الجن والإنس من خلقه وفي لفظ خلق الله الملائكة من نور الحجاب وآدم من حمأ مسنون وإبليس من لهب النار والسماء من دخان والأرض من زبد الماء فأخبرنا عن ربك من أي شيء خلق فغضب صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه فجاء جبريل عليه الصلاة والسلام وقال له خفض عليك فأنزل الله تعالى عليه ( { قل هو الله أحد } السورة أي متوحد في صفات الجلال والكمال منزه عن الجسمية وأجب الوجود لذاته أي اقتضت ذاته ووجوده مستغن عن غيره وكل ما عداه محتاج إليه 1 هـ
أقول ونزول جبريل بذلك ربما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم توقف ولم يدر ما يقول كما وقع له لما سأله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه وقال له صف ربك كما سيأتي
ثم رأيت عن الشيخين وغيرهما أن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ذكر في سبب نزول هذه السورة غير ما ذكر ولعله ما سيأتي في قصة إسلام عبد الله بن سلام ولا مانع من تكرر النزول لأسباب مختلفة
____________________


ثم رأيته في الإتقان ذكر أن سورة الإخلاص تكرر نزولها فنزلت جوابا للمشركين بمكة وجوابا لأهل الكتاب بالمدينة وقال قبل ذلك إنها إنما نزلت بالمدينة
وفي دعوة تكرر نزولها يقال حيث سئل أولا ونزلت جوابا كيف يتوقف ثانيا عند السؤال الثاني حتى يحتاج إلى نزولها مع بعد نسيان ذلك له صلى الله عليه وسلم
ثم رأيت عن البرهان قد ينزل الشيء مرتين تعظيما لشأنه وتذكيرا عند حدوث سببه خوف نسيانه وهو كما ترى لا يدفع التوقف وكان من أعلم أحبار يهود عبد الله بن سلام بالتخفيف وكان قبل أن يسلم اسمه الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله وكان من ولد يوسف الصديق أي وقد أثنى الله تعالى عليه في قوله تعالى { وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم } وكان من يهود بني قينقاع كما تقدم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع كلامه أي في أول يوم دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم دار أبي أيوب أي ولعل الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم هو قوله يا أيها الناس أفشوا السلام وصلوا الأرحام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام
فعنه رضي الله تعالى عنه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنجفل إليه الناس أي بالجيم أسرعوا فكنت ممن أتى إليه أي وهذا يدل على أنه جاءه في قباء وسيأتي قال فلما رأيت وجهه صلى الله عليه وسلم عرفت أنه وجه غير كذاب أي لأن صورته وهيئته وسمته صلى الله عليه وسلم تدل العقلاء على صدفة وأنه لا يقول الكذب قال عبدالله فسمعته صلى الله عليه وسلم يقول أيها الناس إلى آخره
أي ولا مانع أن يكون ذلك تكرر منه صلى الله عليه وسلم وعند ذلك قال أشهد أنك رسول الله حقا وأنك جئت بحق ثم رجعت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا وكتمت إسلامي من اليهود ثم جئته صلى الله عليه وسلم أي في بيت أبي أيوب وقلت له لقد علمت اليهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فأخبئني يا رسول الله قبل أن يدخلوا عليك فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني أسلمت فإنهم قوم بهت أي بضم الباء والهاء يواجهون الإنسان بالباطل وأعظم قوم عضيهة أي كذبا وإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ماليس في وخذ عليهم ميثاقا أني إن اتبعتك اتبعتك بكتابك أن يؤمنوا بك وبكتابك الذي أنزل عليك فأرسل رسول الله
____________________

صلى الله عليه وسلم إليهم فدخلوا عليه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر يهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق أسلموا قالوا ما نعلم فأعاد ذلك عليهم ثلاثا وهم يجيبونه كذلك قال فأي رجل فيكم ابن سلام قالوا ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا وفي رواية خيرنا وابن خيرنا بالخاء المعجمة والياء المثناة تحت أفعل تفضيل وقيل بالمهملة والباء الموحدة أي أعلمنا بكتاب الله سيدنا وعالمنا وأفضلنا قال أفرايتم إن شهد أني رسول الله وآمن بالكتاب الذي أنزل علي تؤمنوا بي قالوا نعم فدعاه فقال يا ابن سلام اخرج عليهم فخرج عليهم فقال يا عبدالله بن سلام أما تعلم أني رسول الله تجدني عندكم مكتوبا في التوراة والإنجيل أخذ الله ميثاقكم أن تؤمنوا بي وأن تتبعوني من أدركني منكم قال ابن سلام بلى يا معشر يهود ويلكم اتقوا الله والله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقا وأنه جاء بالحق قال زاد في رواية تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة اسمه وصفته قالوا كذبت انت اشرنا وابن اشرنا وهذه لغة رديئة والفصحى شرنا وابن شرنا بغير همزة وهي رواية البخارى قال ابن سلام رضى الله تعالى عنه هذا الذي كنت اخاف يا رسول الله الم اخبرك انهم قوم بهت اهل غدر وكذب وفجور انتهى فاخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واظهرت إسلامي وانزل الله تعالى { قل أرأيتم إن كان من عند الله } يعني الكتاب او الرسوال { وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل } يعني عبدالله بن سلام على مثله يعنى اليهود { فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين }
اقول هذا السياق الا يناسب ما حكاه في الخصائص الكبرى عن تاريخ الشام لابن عساكر ان ابن سلام اجتمع بالني صلى الله عليه وسلم بمكة قبل ان يهاجر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم انت ابن سلام عالم اهل يثرب قال نعم قا ل ناشدتك بالذى انزل التوارة على موسى هل تجد صفتي في كتاب الله يعنى التوراة قال انسب ربك يا محمد فارتج النبي صلى الله عليه وسلم أي توقف ولم يدر ما يقول فقال له جبريل { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } فقال ابن سلام اشهد انك رسول الله وان الله مظهرك ومظهر دينك على الاديان واني لاجد صفتك في كتاب الله تعالى { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } انت عبدي
____________________

ورسولى الى آخر ما تقدم عن التوراه فانه يدل على ان ابن سلام اسلم بمكة وكتم اسلامه ولو كان كذلك لما قال فلما رايت وجهه الشريف عرفت انه غير وجه كذاب ولما قال وكنت عرفت صفته واسمه ولما ساله عن الامور الاتية ولما احتاج إلى الاسلام ثانيا إلا ان يقال على تسليم صحة ما قاله ابن عساكر جاز ان يكون قال ذلك وفعل ما ذكر اقامة للحجة على اليهود
وقد وقع لابن سلام هذا انه لقى عليا بالربذة وقد خرج بعد قتل عثمان وبعد ان بويع بالخلافة متوجها إلى البصرة لما بلغه ان عائشة وطلحة والزبير ومن معهم خرجوا إلى البصرة في طلب دم عثمان وكان ذلك سببا لوقعة الجمل فاخذ بعنان فرس علي وقال يا امير المؤمنين لا تخرج منها يعني المدينة فوالله لئن خرجت منها لايعود اليها سلطان المسلمين ابدا فسبه بعض الناس وقال له ما لك ولهذا يا ابن اليهودية فقال علي دعوه فنعم الرجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وعن ابى هريرة رضى الله تعالى عنه قال لقد لقيت عبدالله بن سلام فقلت له اخبرني عن ساعة الاجابة يوم الجمعة فقال في آخر ساعة في يوم الجمعة قلت وكيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلى وتلك الساعة لا صلاة فيها فقال ابن سلام الم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي
وفيه ان في الصحيحين ان في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي فسال الله عز وجل شيئا الا اعطاه اياه ثم رايت عن سنن ابن ماجه ان جواب ابن سلام تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم
ونص السنن المذكورة عن عبدالله بن سلام رضى الله تعالى عنه قال قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم جالس إنا لنجد في كتابنا يعنى التوراة في الجمعة ساعة يوافقها عبدا مؤمن يسال الله عز وجل فيها شيئا الا قضى حاجته قال عبد الله ابن سلام فاشار الى رسول الله صلى الله عليه وسلم او بعض ساعة فقلت صدقت يا رسول الله او بعض ساعة قلت أي ساعة هي قال ى خر ساة من ساعات النهار قلت انها ليست ساعة صلاة قال بلى ان العبد المؤمن اذا صلى ثم جلس لا يحبسه الا الصلاة فهو في الصلاة أي ولعل لفظ قائم في رواية الصحيحين يراد به
____________________

مريد القيام الى الصلاة أي صلاة العصر وقد قيل ان تلك الساعة رفعت بعد موته صلى الله عليه وسلم وقيل هي باقية وهو الصحيح وعليه فقيل لا زمن لها معين وقيل هي في زمن معين وعليه ففي تعيينها احد عشر وقولا قيل اربعون قولا
وقد وقع لميمون بن يامين وكان راس اليهود مثل ما وقع لابن سلام مع اليهود فانه جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ابعث اليهم واجعلني حكما فانهم يرجعون الي فادخله داخلا وارسل اليهم فجاءوه صلى الله عليه فقال لهم اختاروا رجلا حكما يكون بيني وبينكم قالوا قد رضينا ميمون بن يامين فقال اخرج اليهم فقال اشهد انه لرسول الله فابوا ان يصدقوه والله اعلم
وقد اشار الى انكارهم نبوته صلى الله عليه وسلم مع معرفتهم لها صاحب الهمزية بقوله ** عرفوه وانكروه فظلما ** كتمته الشهادة الشهداء ** ** او نور الاله تطفئه الاف ** واه وهو الذي به يستضاء ** ** كيف يهدي الاله منهم قلوبا ** ** حشوها من حبيبه البغضاء ** أي عرفوه انه النبي المنتظر وانكروه بظواهرهم ولاجل ظلمهم كتمت الشهادة به العارفون به او نور الاله الذي هو النبوة تذهبه الالسن لا يكون ذلك وكيف يكون ذلك وهو الذي يستضاء به في الظاهر والباطن كيف يوصل الاله قلوبا للحق وملؤها البغضاء لحبيبه صلى الله عليه وسلم
اقول وقيل في سبب نزول سورة { قل هو الله أحد } ان وفد نجران لما نطقوا بالتثليث قال لهم المسلمون من خلقكم قالوا الله قالوا لهم فلم عبدتم غيره وجعلتم معه الهين فقالوا بل هو اله واحد لكنه حل في جسد المسيح اذ كان في بطن امه فقالوا لهم هل كان المسيح ياكل الطعام قالوا كان ياكل الطعام فانزل الله تعالى { قل هو الله أحد الله الصمد } تكذيبا لهم في انه ثالث ثلاثة والصمد هو الذي لا جوف له فهو غير محتاج الى الطعام
وقيل سبب نزولها ان قريشا هم الذين قالوا له انسب لنا ربك يا محمد وتقدم ما فيه والله اعلم
وقد جاء عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما في تفسير قوله تعالى { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم }
____________________

قال الله تعالى للاحبار من اليهود { وأوفوا بعهدي } الذي اخذته في اعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءكم بتصديقه واتباعه { أوف بعهدكم } انجز لكم ما وعدتم عليه بوضع ما كان عليكم من الاصر والاغلال { ولا تكونوا أول كافر به } وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم { وتكتموا الحق وأنتم تعلمون } أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به وانتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بايديكم
قا ل بعضهم ولم يسلم من رؤساء علماء اليهود الا عبدالله بن سلام وضم اليه السهيلي عبدالله بن صوريا قال الحافظ ابن حجر لم اقف لعبد الله بن صوريا على اسلام من طريق صحيح وانما نسب لتفسير النقاش أي ويضم لعبدالله بن سلام ميمون المتقدم ذكره
وروى في سبب اسلام عبدالله بن سلام أي اظهار اسلامه على ما تقدم انه لما بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وسلم اتاه في قباء فعنه رضى الله تعالى عنه جاء رجل حتى اخبر بقدومه صلى الله عليه وسلم وانا في راس نخله اعمل فيها وعمتي تحتي جالسة فلما سمعت بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت فقالت لي عمتي لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زدت فقلت لها أي عمة فوالله هو اخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به قالت يا ابن اخي اهو النبي الذي كنا نخبر انه يبعث مع بعث الساعة وفي لفظ مع نفس الساعة فقلت لها نعم
أي وقد جاء عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف امري وجاء انه صلى الله عليه وسلم قال بعثت انا والساعة كهاتين وقال باصبعيه هكذا يعني السبابه والوسطى أي جمع بينهما وفي رواية بعثت في نفس الساعة سبقتها كما سبقت هذه هذه وفي رواية سبقتها بما سبقت هذه هذه واشار باصبعيه الوسطى والسبابة قال الطبري الوسطى تزيد على السبابة بنصف سبع أصبع كما أن نصف يوم من سبعة ايام نصف سبع أي وقد تقدم عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما الدنيا سبعة ايام كل يوم الف سنة وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في اخر يوم منها وتقدم في حديث اخرجه ابو داود لن يعجز الله ان يؤخر هذه الامة نصف يوم يعني خمسمائة سنة
____________________


قال بعضهم فان قيل ما وجه الجمع بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الساعة ما المسئول عنها باعلم من السائل لدلالة الرواية الاولى على علمه بها
اجيب بان القران نطق بان علمها عند الله لا يعلمها الا هو ومعنى قوله بعثت انا والساعة كهاتين انه ليس بيني وبينها نبي آخر ياتي بشريعة لولا يتراخى الى ان تندرس شريعتي فهو صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم اول اشراطها لانه نبي اخر الزمان وهذا لا يقتضي ان يكون عالما بخصوص وقتها قال ابن سلام وكنت عرقت صفته واسمه أي في التوراة زاد في روايه فكنت مسرا لذلك ساكتا عليه حتى قدم المدينة فجئته صلى الله عليه وسلم فقلت يا محمد اني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن الا نبي ما اول اشراط الساعة وما اول طعام ياكله اهل الجنة وما بال الولد ينزع الى ابيه او الى امه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أخبرني بهن جبريل انفا فقال ابن سلام ذلك يعني جبريل عدو اليهود من الملائكة
وقيل قائل ذلك عبدالله بن صوريا ولا مانع من ان يكون قال ذلك كل منهما أي وعن ابن صوريا انه قال له صلى الله عليه وسلم من ينزل عليك بالوحي قال جبريل قال ذلك عدونا لو كان غيره وفي لفظ لو كان ميكائيل لامنا بك لان جبريل ينزل بالخسف والحرب والهلاك وميكائيل ينزل بالخصب والسلم
وسبب العداوة انهم زعموا انه امر ان يجعل النبوة فيهم أي يجعل النبي المنتظر في بني اسرائيل الذين هم اولاد اسحاق فجعلها في غيرهم أي في ولد اسماعيل
وقيل سبب عداوتهم لجبريل انه انزل على نبيهم ان بيت المقدس سيخربه بختنصر فبعثوا من يقتله من اعظم بني اسرائيل قوة فاراد قتله فمنعه عنه جبريل وقال ان كان ربكم امره باهلاككم فانه لا يسلطكم عليه فصدقه ورجع عنه
أي فان بني اسرائيل لما اعتدوا وقتلوا شعياء جاء بختنصر ملك فارس وحاصر بيت المقدس وفتحها عنوة واحرق التوراة وخرب بيت المقدس
وقيل في سبب العداوة كونه يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على سرهم ولا مانع من ان يكون كل ذلك سببا للعداوة
ثم قال صلى الله عليه وسلم اما اشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق الى المغرب
____________________

واما اول طعام ياكله اهل الجنة فزيادة كبد الحوت أي وهي القطعة المنفردة المعلقة بالكبد قال بعضهم وهي في الطعم في غاية اللذة ويقال انها اهنأ طعام وامرؤه
وروى ان الثور ينطح الحوت بقرنه فيموت فتاكل منه اهل الجنة ثم يحيا فينحر الثور بذنبه فتاكله اهل الجنة ثم يحيا قال واما الولد فاذا سبق ماء الرجل ماء المراة نزع الولد إليه واذا سبق ماء المراة ماء الرجل نزع الولد إليها أي لكن في فتح البارى عن عائشة رضى الله تعالى عنها اذا علا ماء الرجل ماء المراه اشبه اعمامه واذا علا ماء المراه ماء الرجل اشبه اخواله والمراد بالعلو السبق
وعن ثوبان اذ علا مني الرجل مني المراه جاء الولد ذكرا وان علا مني المراه مني الرجل جاء انثى العلو فيه على بابه هذا كلامه أي واذا استوى الماآن جاء خنثى وفي رواية قالوا له صلى الله عليه وسلم أين تكون الناس يوم تبدل الارض غير الارض والسموات ومن اول الناس اجازة وما تحفتهم أي الناس حين يدخلون الجنة وما غذاؤهم على اثره وما شرابهم عليه فاجابهم عليه الصلاة والسلام بانهم يكونون في ظلمة دون الجسر ولعل المراد بالجسر الصراط لكن في رواية مسلم اين الناس يومئذ قال على الصراط ثم رايت عن البيهقي ان قوله على الصراط مجاز لكونهم بمجاورته
ونقل القرطبي على صاحب الافصاح ان الارض والسماء يتبدلان مرتين
المرة الاولى تتبدل صفتهما فقط وذلك قبل نفخة الصعق فتتناثر كواكبها وتخسف الشمس والقمر وتتناثر السماء كالمهل وتنكشط الارض وتسير الجبال
والمرة الثانية تتبدل ذاتهما وذلك اذا وقفوا في المحشر فتتبدل الارض بارض من فضة لم يقع عليها معصية وهي الساهرة أي والسماء تكون من ذهب كما جاء عن علي رضى الله تعالى عنه
وفي الصحيحين عن ابي سعيد الخدري تكون الارض يوم القيامة خبزة واحدة يكفاها الخباز كما يكفا احدكم خبزته في السفر نزلا لاهل الجنة فياكل المؤمن من تحت رجليه ويشرب من الحوض
قال الحافظ ابن حجر ويستفاد منه ان المؤمنين لا يعذبون بالجوع في طول زمان الموقف بل يقلب الله بقدرته طبع الارض خبزا حتى ياكلون منها من تحت اقدامهم ما شاء الله من غير علاج ولا كلفة
____________________

قال ويؤيد ان هذا مراد الحديث ما جاء تبدل الارض بيضاء مثل الخبزة ياكل منها اهل الاسلام حتى يفرغوا من الحساب هذا كلامه فليتامل مع ما قبله من ان الارض تبدل بارض من فضة وان هذا يدل على ان تلك الارض التي تكون خبزة تكون في موقف الحساب وما جاء عن علي رضى الله تعالى عنه يدل على انها تكون بعد مجاوزتهم الصراط واول الناس اجازة فقراء المهاجرين وتحفة اهل الجنة حين يدخلونها زيادة كبد النون أي الحوت وغذاؤهم ينحر لهم ثور الجنة التي ياكل من اطرافها وشرابهم من عين تسمى سلسبيلا وسالوه صلى الله عليه وسلم فقالوا اخبرنا عن علامة النبي فقال عليه الصلاة والسلام تنام عيناه ولا ينام قلبه وسالوه أي طعام حرم اسرائيل على نفسه قبل ان تنزل التوراة قال انشدكم بالله الذي انزل التوراة على موسى هل تعلمون ان اسرائيل يعقوب مرض مرضا شديدا وطال سقمه فنذر لله لئن شفاه الله تعالى من سقمه ليحرمن احب الشراب إليه واحب الطعام اليه فكان احب الطعام اليه لحمان الابل واحب الشراب اليه البانها قالوا اللهم نعم أي حرمهما ردعا لنفسه ومنعا لها عن شهواتها وقيل لانه كان به عرق النسا وكان اذا طعم ذلك هاج به
وذكر ان سبب نزول قوله تعالى { كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه } قول اليهود له صلى الله عليه وسلم كيف تقول انك على ملة ابراهيم وانت تاكل لحوم الابل وتشرب البانها وكان ذلك محرما على نوح وابراهيم حتى انتهى الينا أي علمه في التوراه فنحن اولى الناس بابراهيم منك ومن غيرك فانزل الله تعالى الاية تكذيبا لهم أي بان هذا انما حرمه يعقوب على نفسه ومن ثم جاء فيها { فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين }
وكانت اليهود اذا حاضت المراه منهم اخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها أي وفي كلام الواحدى قال المفسرون كانت العرب في الجاهلية اذا حاضت المراه لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يساكنوها في بيت كفعل المجوس هذا كلامه فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك أي قال له بعض الاعراب يا رسول الله البرد شديد والثياب قليلة فان آثرناهن بالثياب هلك سائر اهل البيت وان استاثرنا بهاهلك الحيض فانزل الله تعالى { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } الاية فقال لهم رسول الله
____________________

صلى الله عليه وسلم اصنعوا كل شىء الا النكاح أي الوطء وما في معناه وهو مباشرة ما بين السرة والركبة أي فان الاية لم تنص الا على عدم قربانهن بالوطء في الحيض
ومن ثم جاء في رواية انما امرتم ان تعتزلوا مجامعتهن اذا حضن ولم يأمركم باخراجهن من البيوت فبلغ ذلك اليهود فقالو ا ما يريد هذا الرجل ان يدع من امرنا شيئا الا خالفنا فيه فجاء اسيد بن حضير وعباد بن بشر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالا ان اليهود قالت كذا فهلا نجامعهن أي نوافقهن فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وعند ذلك قال بعض الصحابة فظننا انه قد وجد أي غضب عليهما فلما خرجا استقبلتهما هدية من لبن الى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فارسل في اثرهما فسقاهما فعرفنا انه لم يجد عليهما
وذكر المفسرون ان في منع الوطء للحائض اقتصادا من افراط اليهود وتفريط النصارى فانهم لا يمتنعون من وطء الحيص أي وذكر ان ابن سلام وغيره ممن اسلم من يهود استمروا على تعظيم السبت وكراهة اكل لحم الابل وشرب البانها فانكر ذلك عليهم المسلمون فقالوا ان التوراة كتاب الله فنعمل به ايضا فانزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة } أي وفي رواية قالوا له ما هذا السواد الذي في القمر فاجابهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك بانهما كانا شمسين أي شمس في الليل وشمس في النهار قال الله تعالى { فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } فالسواد الذي يرى هو المحو أي اثره قال بعضهم في قوله تعالى { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار } ان الليل ذكر والنهار انثى فالليل كادم والنهار كحواء
وقد ذكر ان الليل من الجنة والنهار من النار ومن ثم كان الانس بالليل اكثر وجاء انه صلى الله عليه وسلم قال لرجل من علماء اليهود اتشهد اني رسول الله قال لا قال اتقرا التوراة قال نعم قال والانجيل قال نعم فناشده هل تجدني في التوراة والانجيل قال نجد مثلك ومثل مخرجك ومثل هيئتك فلما خرجت خفنا ان تكون انت فنظرنا فاذا انت لست هو قال ولم ذاك قال معه من امته سبعون الفا ليس عليهم حساب ولا عذاب وانما معك نفر يسير قال والذي نفسي بيده لانا هو وانهم لاكثر من سبعين الفا وسبعين الفا وقد ساله صلى الله عليه وسلم اليهود عن الرعد أي
____________________

والبرق فقال صوت ملك موكل بالسحاب يسوقه أي بمخراق من نار في يده يزجر به السحاب الى حيث امره الله تعالى
عن علي بن ابي طالب رضى الله تعالى عنه قال البرق مخاريق من نار بايدي ملائكة يزجرون به السحاب والمخراق المنديل يلف ليضرب به أي وحينئذ فالمراد بالملك الجنس وفي رواية ان الله ينشىء السحاب فينطق احسن النطق ويضحك احسن الضحك ومنطقها الرعد وضحكها البرق
وفي بعض الاثار لله ملائكة يقال لهم الحيات فاذا حركوا اجنحتهم فهو البرق أي وتحريكهم لاجنحتهم يكون غالبا عند الرعد لان الغالب وجود البرق عند الرعد
وعن بعضهم قال بلغني ان البرق ملك له اربعة وجوه وجه انسان ووجه ثور وجه نسر ووجه اسد فاذا مصع بذنبه أي حركه فذلك البرق أي وتحريكه غالبا يكون عند وجود الرعد
وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما البرق ملك يتراءى أي يظهر ويغيب وفي رواية الرعد ملك يزجر السحاب والبرق طرف ملك أي ينظر به عند وجود الرعد غالبا وفي رواية ان ملكا موكل بالسحاب في يده مخراق فاذا رفع برقت واذا زجر رعدت واذا ضربه صعقت
وعن مجاهد الرعد ملك والبرق اجنحته يسوق بها السحاب فيكون المسموع صوته او صوت سوقه فليتامل الجمع بين هذه الروايات
وذهب الفلاسفة الى ان الرعد صوت اصطكاك اجرام السحاب والبرق ما ينقدح من اصطكاكها فقد زعموا ان عند اصطكاك اجرام السحاب بعضها ببعض تخرج نار لطيفة حديدة لا تمر بشىء الا اتت عليه الا انها مع حدتها سريعة الخمود
وقيل في سبب نزول قوله تعالى { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } ان اليهود انكروا النسخ فقالوا الا ترون الى محمد يامر اصحابه بامر ثم ينهاهم عنه ويامرهم بخلافه ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا فنزلت
وسالوه صلى الله عليه وسلم مم يخلق الولد فقال يخلق من نطفة الرجل ومن نطفة المراه اما نطفة الرجل فنطفة غليظة أي بيضاء منها العظم والعصب واما نطفة المراه فنطفة رقيقة أي صفراء منها اللحم والدم فقالوا هكذا كان يقول من قبلك أي
____________________

من الانبياء وتقدم في ترجمة سطيح ايراد عيسى عليه الصلاة والسلام على ذلك أي وقالوا اغاظه له صلى الله عليه وسلم ما نرى لهذا الرجل همة الا النساء والنكاح ولو كان نبيا كما زعم لشغله امر النبوة عن النساء فانزل الله تعالى { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية }
فقد جاء انه كان لسليمان عليه الصلاة والسلام مائة امرأه وتسعمائة سرية وسالوه صلى الله عليه وسلم عن رجل زنى بامراه بعد احصانه أي كان شريفا من خيبر زنى بشريفة وهما محصنان فكرهوا رجمهما لشرفهما فبعثوا رهطا منهم الى بني قريظة ليسألوا رسول لله صلى الله عليه وسلم أي قالوا لهم ان هذا الرجل الذي بيثرب ليس في كتابه الرجم ولكنه الضرب فسالوه فاجابهم بالرجم فلم يفعلوا ذلك فقال لجمع من علمائهم انشدكم بالله الذي انزل التوراة على موسى اما تجدون في التوراة على من زنى بعد احصان الرجم فانكروا ذلك فقال عبدالله بن سلام كذبتم فان فيها اية الرجم فاتوا بالتوراة فوضع واحد منهم يده على تلك الاية فقال له ابن سلام ارفع يدك عنها فرفعها فاذا اية الرجم
اقول هذا كان في السسنة الرابعة وهو يخالف ما في بعض الروايات ان بعض احبار يهود أي وهم كعب بن الاشرف وسعيد بن عمرو ومالك بن الصيف وكنانه بن ابي الحقيق اجتمعوا في بيت المدراس حين قدم رسول لله صلى الله عليه وسلم المدينة وقد زنى رجل من يهود بعد احصانه بامراه محصنة من اليهود وقالوا ان افتانا بالجلد اخذنا به واحتججنا بفتواه عند الله وقلنا فتيا نبي من انبيائك وان افتانا بالرجم خالفناه لانا خالفنا التوراة فلا علينا من مخالفته
وفي رواية الصحيحين عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما ان اليهود جاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ان امراه منهم ورجلا زنيا أي بعد احصان فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شان الرجم قالوا نفضحهما أي بان نسود وجوههما ثم يحملان على حمارين وجوههما من قبل ادبار الحمار وفي لفظ يحملان على الحمار وتقابل اقفيتهما ويطاف بهما ويجلدان أي بحبل من ليف مطلي بقار فقال عبدالله بن سلام كذبتم ان فيها اية الرجم فاتوا بالتوراة فنشروها فوضع احدهم يده على اية الرجم فقرا ما قبلها وما بعدها فقال له عبدالله بن
____________________

سلام ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها اية الرجم فقالوا صدقت يا محمد فيها اية الرجم
قد جاء ان موسى عليه الصلاة والسلام خطب بني اسرائيل فقال يا بني اسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين جلدة ومن زنى وليست له امراه جلدناه مائة جلدة ومن زنى له امراه رجمناه حتى يموت والله اعلم
قال ولما جاءوا اليه صلى الله عليه وسلم قالوا يا ابا القاسم ما ترى في رجل وامراه زنيا أي بعد احصان فقال لهم ما تجدون في التوراة فقالوا دعنا من التوراة فقل لنا ما عندك فافتاهم بالرجم فانكروه فلم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اتى بيت مدراسهم فقام على الباب فقال يا معشر يهود اخرجوا الى اعلمكم فاخرجوا اليه عبدالله بن صوريا وابا ياسر بن اخطب ووهب بن يهود فقالوا هؤلاء علماؤنا فقال انشدكم بالله الذي انزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى بعد احصان قالوا يحم أي يعير ويجتنب فقال عبدالله بن سلام كذبتم فان فيها اية الرجم أي وفي رواية لما سالهم واجابوه الا شابا منهم فانه سكت فالح عليه صلى الله عليه وسلم في النشدة فقال اللهم اذ نشدتنا فانا نجد في التوراة الرجم ولكن راينا انه ان زنى الشريف جلدناه والوضيع رجمناه كان من الحيف فاتفقنا على ما نقيمه على الشريف والوضيع وهو ما علمت فعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا احكم بما في التوراة ولعل هذا الشاب ابن صوريا ففي الكشاف انه لما امرهم عليه الصلاة والسلام بالرجم بأبوا ان ياخذوا به فقال له جبريل عليه السلام اجعل بينك وبينهم أين صوريا حكما أي ووصفه له جبريل فقال صلى الله عليه وسلم هل تعرفون شابا امرد ابيض اعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا قالوا نعم وهو اعلم يهودي على وجه الارض بما انزل الله على موسى في التورا ورضوا به حكما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انشدك الله الذي لا اله الا هو الذي انزل التوراة على موسى وفلق البحر ورفع فوقكم الطور وانجاكم واغرق فرعون وظلل عليكم الغمام انزل عليكم المن والسلوى والذي انزل عليكم كتابه وحلاله وحرامه هل تجدون فيه الرجم على من احصن قال نعم فوثب عليه سفلة اليهود فقال خفت ان كذبته ان ينزل علينا العذاب وفي رواية قال نعم والذي ذكرتني به لولا خشيت ان تحرقني التوراة ان كذبتك ما اعترفت لك ولكن كيف
____________________

هي في كتابك يا محمد قال اذا شهد اربعة رهط عدول انه قد ادخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب عليه الرجم فقال ابن صوريا والذي انزل التوراة على موسى هكذا انزل الله في التوراة على موسى فليتامل الجمع بين هذه الروايات على تقدير صحتها ثم ساله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اشياء يعرفها من اعلامه فقال اشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله النبي الامي وهذا مما يدل على اسلامه وتقدم انكار صحته عن الحافظ ابن حجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتوا بالشهود فجاءوا باربعة فشهدوا انهم راوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة فامر بهما فرجما عند باب مسجده صلى الله عليه وسلم قال ابن عمر فرايت الرجل يحني على المراه يقيها الحجارة فكان ذلك سببا لنزول قوله تعالى { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور } ولنزول قوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } وفي اية اخرى { فأولئك هم الفاسقون } وفي اخرى { فأولئك هم الكافرون }
وعن عمرو بن ميمون قال رايت الرجم في الجاهلية في غير بني آدم كنت في اليمن في غنم لاهلي فجاء قرد ومعه قردة فتوسد يدها ونام فجاء قرد اصغر منه فغمزها فسلت يدها من تحت راس القرد برفق وذهبت معه ثم جاءت فاستيقظ القرد فزعا فشمها فصاح فاجتمعت القردة فجعل يصيح ويومي اليها بيده فذهبت القردة يمنة ويسرة فجاءوا بذلك القرد فحفروا لهما حفرة فرجموهما وفي لفظ رايت في الجاهلية قردة زنت فرجموها يعني القردة ورجمتها معهم
قال في الاستيعاب وهذا عند جماعة من اهل العلم منكر لاضافة الزنا الى غير المكلف واقامة الحدود في البهائم ولو صح هذا لكانوا من الجن لان العبادات في الانس والجن دون غيرهما هذا كلامه فليتامل والله اعلم
وقد ذكر غير واحد ان احبار يهود غيروا صفته صلى الله عليه وسلم التي في التوراة خوفا على انقطاع نفقتهم فانهم كانت على عوامهم لقيامهم بالتوراة فخافوا ان تؤمن عوامهم فتنقطع عنهم النفقة أي وكانوا يقولون لمن اسلم لا تنفقوا مالكم على هؤلاء يعني المهاجرين فانا نخشى عليكم الفقر فانزل الله تعالى { الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله } أي من صفة النبي صلى الله عليه وسلم التي يجدونها في كتابهم فقد كان فيه اكحل عين ربعة جعد الشعر حسن الوجه فمحوه وقالوا
____________________

تجده طويلا ازرق العين سبط الشعر واخرجوا ذلك الى اتباعهم وقالوا هذا نعت النبي الذي يخرج اخرالزمان وعند ذلك انزل الله تعالى { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب } الآية
وكان اليهود اذا كلموا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا راعنا سمعك واسمع غير مسمع ويضحكون فيما بينهم أي لان ذلك بما قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما بلسان اليهود السب القبيح فلما سمع المسلمون منهم ذلك ظنوا ان ذلك شيء كان اهل الكتاب يعظمون به انبياءهم فصاروا يقولون ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ففطن سعد بن معاذ لليهود يوما وهم يضحكون فقال لهم يا اعداء الله لئن سمعنا من رجل منكم هذا بعد هذا المجلس لاضربن عنقه فانزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا }
وفي رواية ان اليهود لما سمعوا الصحابة رضي الله تعالى عنهم تقول له صلى الله عليه وسلم اذا القى عليهم شيئا يا رسول الله راعنا أي انتظرنا وتان علينا حتى نفهم وكانت هذه الكلمة عبرانية تتسابب بها اليهود فلما سمعوا المسلمين يقولون له صلى الله عليه وسلم راعنا خاطبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم براعنا يعنون بها تلك السبة ومن ثم لما سمع سعد بن معاذ ذلك من اليهود قال لهم يا اعداء الله عليكم لعنة الله والذي نفسي بيده ان سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لاضربن عنقه فقالوا الستم تقولونها فنزلت وجاءه صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود باطفالهم فقالوا له يا محمد هل على اولادنا هؤلاء من ذنب قال لا فقالوا والذي يحلف به ما نحن الا كهيئتهم ما من ذنب نعمله بالليل الا كفر عنا بالنهار وما من ذنب نعمله بالنهار الا كفر عنا بالليل فانزل الله تعالى { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم } ) الاية
وجاء ان احبار يهود منهم ابن صوريا أي قبل ان يسلم على ما تقدم وشاس بن قيس وكعب بن اسيد اجتمعوا وقالوا نبعث الى محمد لعلنا نفتنه في دينه فجاءوا اليه صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد قد عرفت انا احبار يهود واشرافهم وان اتبعناك اتبعك كل اليهود وبيننا وبين قوم خصومة فنحاكمهم اليك فتقضي لنا عليهم فنؤمن بك فابى ذلك عليهم فنزل قوله تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم } الاية
ومن اليهود من دخل في الاسلام تقيه من القتل لما قهرهم الاسلام بظهوره واجتماع قومهم عليه فكان هواهم مع يهود في السر أي وهم المنافقون
____________________

وقد ذكر بعضهم ان المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثمائة منهم الجلاس بجيم مضمومة فلام مخففة فالف فسين مهملة ابن سويد بن الصامت قال يوما ان كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير فسمعها عمير بن سعد رضى الله تعالى عنه وهو ابن زوجة جلاس أي فان الجلاس كان زوجا لام عمير وكان عمير يتيما في حجره ولا مال له وكان يكفله ويحسن اليه فجاء الجلاس ليلة فاستلقى على فراشه فقال لئن كان ما يقوله محمد حقا فلنحن شر من الحمير فقال له عمير يا جلاس انك لاحب الناس واحسنهم عندي يدا ولقد قلت مقالة لئن رفعتها عليك لافضحنك ولئن صمت عليها أي سكت عنها ليهلكن على ديني ولاحداهما ايسر على من الاخرى فمشى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له مقالة جلاس فارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جلاس فحلف بالله لقد كذب على عمير وما قلت ما قال عمير فقال عمير بلى والله لقد قلته فتب الى الله ولولا ان ينزل القران فيجعلني معك ما قلته
وجاء انه صلى الله عليه وسلم الله استحلف الجلاس عند المنبر فحلف انه ما قال واستحلف الراوي عنه فحلف لقد قال وقال اللهم انزل على نبيك تكذيب الكاذب وتصديق الصادق فقال النبي صلى الله عليه وسلم امين فنزل قوله تعالى { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم } الى قوله { فإن يتوبوا يك خيرا لهم } فاعترف الجلاس وتاب وقبل منه صلى الله عليه وسلم توبته وحسنت توبته ولم ينزع عن خير كان يصنعه مع عمير فكان ذلك مما عرف به حسن توبته فقال صلى الله عليه وسلم لعمير وقيت اذنك
ومنهم نبتل بنون مفتوحة فموحدة ساكنة فمثناة فوقية مفتوحة فلاح ابن الحارث قال النبي صلى الله عليه وسلم من احب ان ينظر الى الشيطان فلينظر الى نبتل بن الحارث كان يجلس اليه صلى الله عليه وسلم ثم ينقل حديثه للمنافقين وهو الذي قال لهم انما محمد اذن من حدثه بشيء صدقه فانزل الله تعالى فيه { ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن } الاية
وجاء جبريل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له يجلس اليك رجل معك صفته كذا نقال أي للحديث الذي تحدث به كبده اغلظ من كبد الحمار ينقل حديثك الى المنافقين فاحذره
____________________

ومنهم عبدالله بن ابي ابن سلول وهو راس المنافقين ولاشتهاره بالنفاق لم يعد في الصحابة وكان من اعظم اشرا ف اهل المدينة وكانوا قبل مجيئه صلى الله عليه وسلم قد نظموا له الخرز ليتوجوه ثم يملكوه عليهم أي كما تقدم لان الانصار من ال قحطان ولم يتوج من العرب الا قحطان ولم يبق من الخرز الا خرزه واحدة كانت عن شمعون اليهودي فلما جاءهم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم انصرف عنه قومه الى الاسلام فضغن أي اضمر العداوة لانه راى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سلبه ملكا عظيما فلما راى قومه قد ابوا الاسلام دخل فيه كارها مصرا على النفاق أي وكان له اماء يكرههن على الزنا لياخذ اجورهن فانزل الله تعالى { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } الاية
وقد قيل في سبب نزول قوله تعالى { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا } أي عبدالله بن ابي واصحابه خرجوا ذات يوم فاستقبلهم قوم من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ابو بكر وعمر وعلي رضى الله تعالى عنهم فقال عبدالله بن ابي انظروا كيف ارد هؤلاء السفهاء عنكم فاخذ بيد ابي بكر فقال مرحبا بالصديق سيد بني تيم وشيخ الاسلام وثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اخذ بيد عمر فقال مرحبا بسيد بني عدى الفاروق القوى في دين الله الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اخذ بيد علي فقال مرحبا بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه سيد بني هاشم ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم افترقوا فقال له علي اتق الله يا عبد الله ولا تنافق فان المنافقين شر خليقة الله تعالى فقال له عبدالله مهلا يا ابا الحسن الى تقول هذا والله ان ايماننا كايمانكم وتصديقنا كتصديقكم فقال لاصحابه كيف رأيتموني فعلت فأثنوا عليه خيرا فنزلت
وقد وقد قال صلى الله عليه وسلم مثل المنافق مثل الشاة العابرة بين الغنمين أي المترددة بينهما تعبر الى هذه مرة والى هذه مرة
وفي السنة الاولى من الهجرة اعرس صلى الله عليه وسلم بعائشة رضى الله تعالى عنها كذا في الأصل وفي المواهب ان ذلك كان في السنة الثانية من الهجرة في شوال على راس ثمانية عشر شهرا وقيل بعد سبعة اشهر وقيل بعد ثمانية اشهر من مقدمه صلى الله عليه وسلم
____________________

قالت عائشة رضى الله تعالى عنها تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى بي في شوال فاى نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت احظى عنده مني أي فما توهمه بعض الناس من التشاؤم بذلك لكونه بين العيدين فتحصل المفارقة بين الزوجين لا عبرة به ولا التفات اليه
وعن عائشة رضى الله تعالى عنها جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بيتنا واجتمع اليه رجال ونساء من الانصار فجاءتني امي واني لفي ارجوحة بين عذقين أي نخلتين فانزلتني من الارجوحة ولي جميمة أي شعر لاني وعكت أي مرضت لما قدمنا المدينة أي اصابتها الحمى
فعن البراء رضى الله تعالى عنه قال دخلت مع ابي بكر الصديق على اهله فاذا عائشة ابنته مضطجعة قد اصابتها الحمى فرايت اباها يقبل خدها ويقول كيف انت يا بنية قالت عائشة رضى الله تعالى عنها فتمزق شعرى ففرقتها ومسحت وجهي بشيء من ماء ثم اقبلت تقودني حتى وقفت بي عند الباب واني لانهج حتى سكن نفسي ثم دخلت بي فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على سرير في بيتنا وعنده رجال ونساء من الانصار فاجلستني في حجره ثم قالت هؤلاء اهلك بارك الله لك فيهم وبارك لهم فيك فوثب الرجال والنساء فخرجوا وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا أي فقد بنى بها نهارا
وفي الصحاح العامة تقول بنى باهله وهو خطا وانما يقال بنى على اهله قال الحافظ ابن حجر ولا يغنى عن الخطا كثرة استعمال الفصحاء له أي كاستعمال عائشة له هنا وفي الاستيعاب واقره عن عائشة رضى الله تعالى عنها ان ابا بكر رضى الله تعالى عنه قال يا رسول الله ما يمنعك ان تبنى باهلك قال الصداق فاعطاه ابو بكر اثنتي عشرة اوقية ونشا فبعث بها الينا وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي هذا الذي انا فيه وهو الذي توفى به ودفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه ان سياق ما تقدم وما ياتي يدل على انه انما دخل بها في بيت ابيها بالسنح
ثم رايت بعضهم صرح بذلك فقال كان دخوله بها عليه الصلاة والسلام بالسنح نهارا وهذا خلاف ما يعتاده الناس اليوم هذا كلامه وفي رواية عنها اتتني امي واني لفى ارجوحة مع صواحب لي فصرخت بي فاتيتها ما ادرى ما تريد مني فاخذت بيدي
____________________

حتى وقفت بي على باب الدار وانا انهج حتى سكن بعض نفسي ثم اخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي وراسي ثم ادخلتني الدار فاذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن على الخير والبركة وعلى خير طائر فاسلمتني اليهن وأصلحهن من شأني فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين قال بعضهم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة ولعبتها معها
اي وعنها رضى الله تعالى عنها انها كانت تلعب بالبنات أي اللعب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تاتيها جويريات يلعبن معها بذلك وربما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيرهن اليها أي يطلبهن لها ليلعبن معها قالت وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك او حنين فهبت ريح فكشفت ناحية من ستر على صفة في البيت عن بنات لي فقال ما هذا يا عائشة قلت بناتي وراى بينهن فرسا لها جناحان من رقاع قال وما هذا الذي ارى وسطهن قلت فرس قال وما هذا الذي عليه قلت جناحان قال جناحان قلت اما سمعت ان لسليمان خيلا لها اجنحة فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وفيه هلا امرها بتغيير ذلك
واجيب بان هذا مستثنى من عدم جواز تصوير ذى الروح وقولها اما سمعت ان لسليمان خيلا لها اجنحة واقراره صلى الله عليه وسلم لها على ذلك يدل على صحته
ثم رايت بعضهم اورد انه كان لسليمان خيل لها اجنحة وقد ذكرت ذلك عند الكلام على اسمعيل صلوات الله وسلامه عليه في اوائل هذه السيرة
وعنها رضى الله تعالى عنها ايضا انها قالت وما نحرت على جزور ولا ذبحت على شاة أي عند بنائه بها صلى الله عليه وسلم حتى ارسل الينا سعد بن عبادة بجفنته التي كان يرسلها وارسل بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وفي كلام بعضهم وروى انه صلى الله عليه وسلم ما اولم على عائشة رضى الله تعالى عنها بشيء غير ان قدحا من لبن اهدى من بيت سعد بن عبادة فشرب النبي صلى الله عليه وسلم بعضه وشربت عائشة رضى الله تعالى عنها باقيه
اقول يجوز ان يكون سعد رضى الله تعالى عنه ارسل بالقدح من اللبن وبالجفنه وان بعض الرواه اقتصر على احدهما
ثم لا يخفى انه يجوز ان تكون الرواية الاولى واقعة بعد هذه الرواية الثانية وانها
____________________

ذهبت الى الارجوحة ثانيا بعد ان اصلح النساء من شانها وفعلت بها امها ما ذكر وانه وقع الاقتصار في الرواية الاولى والله سبحانه وتعالى اعلم & باب ذكر مغازيه صلى الله عليه وسلم
ذكر ان مغازيه أي وهي التي غزا فيها بنفسه كانت سبعا و عشرين أي وهي غزوة بواط ثم غزوة العشيرة ثم غزوة سفوان ثم غزوة بدر الكبرى ثم غزوة بني سليم ثم غزوة بني قينقاع ثم غزوة السويق ثم غزوة قريرة الكدر ثم غزوة غظفان وهي غزوة ذي امر ثم غزوة نجران بالحجاز ثم غزوة احد ثم غزوة حمراء الاسد ثم غزوة بني النضير ثم غزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب وبني تغلبه ثم غزوة بدر الاخرة وهي غزوة بدر الموعد ثم غزوة دومة الجندل ثم غزوة بني المصطلق ويقال لها المريسيع ثم غزوة الخندق ثم غزوة بني قريظة ثم غزوة بني لحيان ثم غزوة الحديبية ثم غزوة ذى قرد ويقال لها قرد بضمتين وهو في اللغة الصوف الردىء ثم غزوة حنين ثم غزوة وادى القرى ثم غزوة عمرة القضاء ثم غزوة فتح مكة ثم غزوة حنين والطائف ثم غزوة تبوك
والتي وقع فيها القتال من تلك الغزوات أي وقع القتال فيها من ا صحابه وهو المراد يقول بعضهم كالاصل التي قاتل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وهي غزوة بدر الكبرى واحد والمريسيع اعني بني المصطلق والخندق وقريظة وخيبر وفتح مكة وحنين والطائف أي وبعضهم اسقط فتح مكة قال النووي رحمه الله ولعل مذهبه انها فتحت صلحا كما قال امامنا الشافعي وموافقوه أي فيصح بيع دورها واجارتها واستدل لذلك بانها لو كانت فتحت عنوة لقسمها بين الغانمين وسياتي الجمع بأن اسفلها فتح عنوة أي لوقوع القتال فيه من خالد بن الوليد مع المشركين واعلاها فتح صلحا لعدم وجود القتال فيه
وفي الهدى من تامل الاحاديث الصحيحة وجدها كلها دالة على قول الجمهور انها فتحت عنوة أي لوقوع القتال بها
وما يدل على ذلك انه صلى الله عليه وسلم لم يصالح اهلها عليها والا لم يحتج الى
____________________

قوله من دخل دار ابي سفيان فهو امن الى الخ وانما لم يقسمها لانها دار المناسك فكل مسلم له فيها حق
اقول هذا واضح في غير دورها وسياتي الجواب عن ذلك وبما قررناه يعلم ان قول المواهب قاتل صلى الله عليه وسلم في تسع بنفسه فيه نظر ظاهر لانه صلى الله عليه وسلم لم يقاتل بنفسه في شيء من تلك الغزوات الا في احد كما سياتي وكانه اغتر في ذلك بقول بعضهم المتقدم قاتل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علمت المراد منه والله اعلم
ولا يخفى انه صلى الله عليه وسلم مكث بضع عشرة سنة ينذر بالدعوة بغير قتال صابرا على شدة اذية العرب بمكة واليهود بالمدينة له صلى الله عليه وسلم ولاصحابه لامر الله تعالى له بذلك أي بالانذار والصبر على الاذى والكف بقوله { فأعرض عنهم } وبقوله { واصبر } ووعده بالفتح أي فكان ياتيه اصحابه بمكة ما بين مضروب ومشجوج فيقول صلى الله عليه وسلم لهم اصبروا فاني لم اؤمر بالقتال لانهم كانوا بمكة شرذمة قليلة ثم لما استقر امره صلى الله عليه وسلم أي بعد الهجرة وكثرت اتباعه وشانه ان يقدموا محبته على محبة ابائهم وابنائهم وازواجهم واصر المشركون على الكفر والتكذيب اذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أي ولأصحابه في القتال أي وذلك في صفر من السنة الثانية من الهجرة لكن لمن قاتلهم وابتداهم به بقوله { فإن قاتلوكم فاقتلوهم } قال بعضهم ولم يوجبه بقوله تعالى { أذن للذين يقاتلون } أي للمؤمنين ان يقاتلوا { بأنهم ظلموا } أي بسبب انهم ظلموا { وإن الله على نصرهم لقدير } أي فكان ذلك القتال عوضا من العذاب الذي عوملت به الأمم السالفة لما كذبت رسلهم
وذكر في سبب نزول قوله تعالى { ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم } الاية ان جماعة منهم عبدالرحمن بن عوف والمقداد بن الاسود وقدامة بن مظعون وسعد بن ابى وقاص وكانوا يلقون من المشركين اذى كثيرا بمكة فقالوا يا رسول الله كنا في عز ونحن مشركون فلما امنا صرنا اذلة فاذن لنا في قتال هؤلاء فيقول لهم كفوا ايديكم عنهم فاني لم اومر بقتالهم فلما هاجر صلى الله عليه وسلم الى المدينة وامر بالقتال للمشركين كرهه بعضهم وشق عليه ذلك فانزل الله تعالى الاية
لا يقال يدل لما تقدم من انه قاتل صلى الله عليه وسلم بنفسه في تلك الغزوات ما جاء
____________________

عن بعض الصحابة كنا ا ذا لقينا كتيبة او جئنا اول من يضرب النبي صلى الله عليه وسلم لاني اقول لا يبعد ان يكون المراد بالضرب السير في الارض أي اول من يسير الى تلقاء العدو ويؤيده ما جاء عن علي رضى الله تعالى عنه لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان اشد الناس باسا وما كان احد اقرب الى المشركين منه صلى الله تعالى عليه وسلم
وفي رواية كنا اذا حمى الباس والتقى القوم بالقوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم أي كان وقاية لنا من العدو
وقد نقل اجماع المسلمين على انه لم يرو احد قط انه صلى الله عليه وسلم انهزم بنفسه في موطن من المواطن بل ثبتت الاحاديث الصحيحة باقدامه صلى الله عليه وسلم وثباته في جميع المواطن
لا يقال سياتي في غزوة بدر عن السيرة الهشامية غير معزو لاحد انه قاتل بنفسه قتالا شديدا وكذلك ابو بكر رضى الله عنه وكانا في العريش يجاهدان بالدعاء فقاتلا بابدانهما جمعا بين المقامين وايضا سياتي في خيبر ما قجد يدل على انه صلى الله عليه وسلم قاتل بنفسه
لانا نقول سياتي مافي ذلك مما يدل على انه صلى الله عليه وسلم لم يباشر القتال الا في احد كما سياتي ولم تقاتل معه الملائكة الا في بدر والا في حنين قيل واحد وسياتي مافي ذلك ولم يرم صلى الله عليه وسلم بالحصباء في وجوه العدو في شىء من الغزوات الا في هذه الثلاثة على خلاف في الثلاثة أي ولم يجرح أي لم يصبه جراحة في غزوة من الغزوات الا في احد ولم ينصب المنجنيق في غزوة من الغزوات الا في غزوة الطائف وفيه انه نصبه عى بعض حصون خيبر وسيأتي الجمع بينهما ولم يتحصن بالخندق في غزوة الا في غزوة الاحزاب
ثم لا يخفى ان الاية المذكورة أي التي هي { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير } قال بعضهم هي اول اية نزلت في شان القتال ولما نزلت اخبر صلى الله عليه وسلم بقوله امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله أي وفي لفظ حتى يشهدوا ان لا اله الا الله واني محمد رسول الله فاذا قالوها عصموا مني
____________________

دماءهم واموالهم الا بحقها وحسابهم على الله تعالى قيل وما حقها قال زنا بعد احصان وكفر بعد اسلام او قتل نفس
اقول وظاهر هذا الساق يقتضي ان لاية فيها الامر له صلى الله عليه وسلم بالقتال المذكور وقد يتوقف في ذلك ولعله امر بذلك بغير الاية المذكورة لان الاية انما هي ظاهرة في الاباحة المباح ليس مامورا به وحينئذ يكون قوله في الاية الاخرى وهي { فإن قاتلوكم فاقتلوهم } للاباحة لان صيغة افعل تاتي لها وان كان الاصل فيها الوجوب
وعلى ان قوله صلى الله تعالى عليه وسلم امرت وان امره كان بغير هذه الاية يحمل على ان المراد الندب لان الامر مشترك بين الوجوب والندب فلا ينافى ما تقدم من انه لم يكن وجب عليهم القتال حينئذ والله اعلم
ثم لما رمتهم العرب قاطبة عن قوس وتعرضوا لقتالهم من كل جانب كانوا لا يبيتون الا في السلاح ولا يصبحون الا فيه ويقولون ترى نعيش حتى نبيت مطمئنين لا نخاف الا الله عز وجل انزل الله عز وجل { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا } ثم اذن في القتال أي ابيح الابتداء به حتى لمن لم يقاتل أي لكن في غير الاشهر الحرم أي التي هي رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم أي بقوله { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين } الاية ثم امر به وجوبا أي بعد فتح مكة في السنة الثانية مطلقا أي من غير تقييد بشرط ولا زمان بقوله { وقاتلوا المشركين كافة } أي جميعا في أي زمن
فعلم ان القتال كان قبل الهجرة وبعدها الى صفر من السنة الثانية محرما أي لانه كان في ذلك مامورا بالتبليغ وكان انذار بلا قتال لا نه نهى عنه في نيف وسبعين اية ثم صار ماذونا له فيه أي ابيح قتال من قاتل ثم ابيح قتال من لم يبدا به في غير الاشهر الحرم ثم امر به مطلقا أي لمن قاتل ومن لم يقاتل في كل زمن أي في الاشهر الحرم وغيرها
وظاهر كلام الامام الاسنوى ان القتال في الحالة الثانية كان مامورا به لا مباحا كالحالة الاولى وعبارته لما بعث صلى الله عليه وسلم امر بالتبليغ والانذار بلا قتال فقال واعرض عنهم وقال واصبر ثم ا ذن له بعد الهجرة في القتال ان ابتدءوا به فقال { فإن قاتلوكم فاقتلوهم } ثم أمر بذلك ابتداء ولكن في غير الأشهر الحرم فقال { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين }
____________________

ثم امر به مطلقا فقال وقاتلوا المشركين كافة هذا كلامه
ولا يخفى ان الاستوى ممن يرى ان امر للوجوب وهو يقتضي ان يكون الامر به في الحالة الثانية للوجوب والراجح ما علمت ان امر مشترك بين الوجوب والندب وانه في الحالة الثانية مباح لا مامور به
ثم استقر امر الكفار معه صلى الله عليه وسلم بعد نزول براءة على ثلاثة اقسام القسم الاول محاربون له صلى الله عليه وسلم وهؤلاء المحاربون اذا كانوا ببلادهم يجب قتالهم على الكفاية في كل عام مرة أي يكفي ذلك في اسقاط الحرج كاحياء الكعبة وستدل لذلك بقوله تعالى { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة } أي فهلا نفر وقيل كان فرض عين لقصة الثلاثة الذين تخلفوا عن الجهاد في غزوة تبوك ويحتاج الى الجواب عن ذلك
وقيل كان فرض كفاية في حق الانصار وفرض عين في حق المهاجرين والقسم الثاني اهل عهدوهم المؤمنون من غير عقد الجزية أي صالحهم ووادعهم على ان لا يحاربوه ولا يظاهروا عليه عدوهم وهم على كفرهم امنون على دمائهم واموالهم
والقسم الثالث اهل ذمة أي وهم من عقدت لهم الجزية وهناك قسم اخر وهو من دخل في الاسلام تقيه من القتل وهم المنافقون كما تقدم وامر صلى الله عليه وسلم ان يقبل منهم علانيتهم ويكل سرائرهم الى الله تعالى فكان معرضا عنهم الا فيما يتعلق بشعائر الاسلام الظاهرة كالصلاة فلا يخالف ما رواه الشيخان لقد هممت ان امر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب الى قوم لا يشهدون الصلاة فاحرق عليهم بيوتهم بالنار فقد ذكر ائمتنا ان ذلك ورد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون أي اصلا بدليل السياق أي لان صدر الحديث اثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر أي جماعتهما ولو يعلمون ما فيهما لاتوهما ولو حبوا ولقد هممت الخ
وفي الخصائص الصغرى وكان الجهاد في عهده صلى الله عليه وسلم فرض عين في احد الوجهين عندنا وكان اذا غزا بنفسه صلى الله عليه وسلم يجب على كل احد الخروج معه لقوله تعالى { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله } ومن ثم وقع لمن تخلف عنه في غزوة تبوك ما وقع
____________________

واما بعده صلى الله عليه وسلم فللكفار حالان مذكوران في كتب الفقه وعند الاذن له صلى الله عليه وسلم في القتال خرج لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر صفر من السنة الثانية من الهجرة اي مكث بالمدينة باقي الشهر الذي قدم فيه وهو شهر ربيع الاول وباقي ذلك العام كله الى صفر من السنة الثانية من الهجرة
فخرج صلى الله عليه وسلم غازيا حتى بلغ ودان بفتح الواو وتشديد الدال المهملة اخره نون وهي قرية كبيرة بينه وبين الابواء ستة اميال او ثمانية والابواء بالمد قرية كبيرة بين مكة والمدينة كما تقدم سميت بذلك لتبوىء السيول بها وقيل لما كان فيها من الوباء فيكون على القلب والا لقيل الاوباء وحينئد لا تخالف بين تسمية ابن الخفاف لها بغزوة ودان وبين تسمية البخارى لها بغزوة الابواء لتقارب المكانين اي وفي الامتاع ودان جبل بين مكة والمدينة
واقول قد يقال لا منافاة لانه يجوز ان تكون تلك القرية كانت عند الجبل المذكور فسميت باسمه والله اعلم
وكان خروجه صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين ليس فيهم انصارى يعترض عيرا لقريش ولبنى ضمرة أي وخرج صلى الله عليه وسلم لبني ضمرة فكان خروجه للشيئين كما يفهم من الاصل
ويوافقه قول بعضهم وخرج صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلا من اصحابه يريد قريشا وبني ضمرة والمفهوم من سيرة الشامى ان خروجه صلى الله عليه وسلم الله انما كان لاعتراضه العير وانه اتفق له موادعة بني ضمرة ويوافقه قول الحافظ الدمياطي خرج يعترض عيرا لقريش فلم يلق كيدا وفي هذه الغزوة وادع بني ضمرة هذا كلامه أي صالح سيدهم حينئذ وهو مجدي بن عمر
وعبارة بعضهم فلما بلغ الابواء لقى سيد بني ضمرة مجدي بن عمر الضمري فصالحه ثم رجع الى المدينة والمصالحة على ان لا يغزوهم ولا يغزوه ولا يكثروا عليه صلى الله عليه وسلم جمعا و لا يعينوا عليه عدوا قال وكتب بينه وبينهم كتابا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم هذا الكتاب من محمد رسول الله لبني ضمرة بانهم امنون على اموالهم وانفسهم وان لهم النصرة على من رامهم أي قصدهم الا ان يحاربوا في دين الله مابل بحرصوفة أي ما بقي فيه ما يبل الصوفة وان النبي صلى الله عليه وسلم اذا دعاهم لنصره اجابوه عليهم بذلك ذمة الله وذمة رسوله أي أمانهما انتهى
____________________

وكان لواؤه صلى الله عليه وسلم ابيض وكان مع عمه حمزة واستعمل على المدينة سعد بن عبادة وانصرف الى المدينة راجعا فهي اول غزواته صلى الله عليه وسلم أي وكانت غيبته خمس عشرة ليلة والله اعلم عزوة بواط
ثم ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الاول أي وقيل الاخر أي من السنة المذكورة يريد عيرا لقريش فيها امية بن خلف ومائة رجل من قريش والفان وخمسمائة بعير خرج في مائتين من اصحابه أي من ا المهاجرين خاصة وحمل اللواء وكان ابيض سعد بن ابي وقاص واللواء هو العلم الذي يحمل في الحرب يعرف به موضع امير الجيش وقد يحمله امير الجيش وقد يجعل في مقدم الجيش
واول من عقد الالوية ابراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم بلغه ان قوما غاروا على لوط عليه السلام فعقد لواء وسار اليهم بعبيده ومواليه قال بعضهم صرح جماعة من اهل اللغة بترادف اللواء والراية أي فيطلق على كل اسم الاخر
وعن ابن اسحاق وابن سعد ان اسم الراية انما حدث بعد خيبر واستعمل صلى الله عليه وسلم على المدينة سعد بن معاذ وقيل السائب بن مظعون أي اخا عثمان بن مظعون وقيل السائب بن عثمان حتى بلغ بواط بضم الموحدة وفتحها وتخفيف الواو والطاء المهملة أي وهو جبل الينبع أي ومن ثم قيل لها غزوة بواط
قال بعضهم ومن هذا الجبل تقلع أحجار المسان وهذا الجبل لجهينة من ناحية رضوى وهو أحد الأجبل التي بنى منها أساس الكعبة
وفيه انه لم يذكر رضوى في تلك الاجبل الخمس التي كان منها اساس الكعبة المتقدم ذكرها على المشهور
وقد جاء في الحديث رضوى رضى الله تعالى عنه وتزعم الكيسانية وهم اصحاب كيسان مولى على رضى الله تعالى عنه ان محمد بن الحنفية مقيم برضى حي يرزق وهو الامام المنتظر عندهم
اي وفي كلام بعضهم ان المنتظر هو محمد القاسم بن الحسن العسكري الذي تزعم الشيعة انه المنتظر وهو صاحب السرداب يزعمون انه دخل السرداب في دار ابيه وامه
____________________

تنظر اليه فلم يخرج اليها وكان عمره تسع سنين وانه يعمر الى اخر الزمان كعيسى وسيظهر فيملا الدنيا عدلا كما ملئت جورا واختفاؤه الان خوفا فا من ا عدائه قال وهو زعم باطل لا اصل له ثم رجع صلى الله عليه وسلم الى المدينة ولم يلق كيدا أي حربا واصل الكيد الاحتيال والاجتهاد ومن ثم يسمى الحرب كيدا والله اعلم غزوة العشيرة
اي وبها بدا البخاري المغازي ويدل له ما جاء عن زيد بن اسلم وقد قيل له ما اول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذات العشيرة واجيب عنه بان المراد ما اول غزوة غزاها وانت معه
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر جمادى الاولى و في سيرة الدمياطي الاخرة من تلك السنة
اي وفي الامتاع في جمادى الاخرة ويقال جمادى الاولى يريد عيرا لقريش متوجهة للشام يقال ان قريشا جمعت جميع اموالها في تلك العير لم يبق بمكة لا قرشى ولا قرشية له مثقال فصاعدا الا بعث به في تلك العير الا حويطب بن عبد العزى يقال ان في تلك العير خمسين الف دينار أي والف بعير وكان فيها ابو سفيان أي قائدها وكان معه سبعة وعشرون قيل تسعة وثلاثون رجلا منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص وهي العير التي خرج اليها حين رجعت من الشام وكان سببا لوقعة بدر الكبرى كما سياتي خرج في خمسين ومائة ويقال في مائتين من المهاجرين خاصة حتى بلغ العشيرة بالمعجمة والتصغير اخره هاء أي ولم يختلف فيه اهل المغازى كما قال الحافظ ابن حجر وفي البخارى اخرها همزة وفيه ايضا العسيرة بالسين المهملة اخره هاء أي بالتصغير واما التي بغير تصغير فهي غزوة تبوك كما سياتي والتي بالتصغير فقال ايضا لموضع ببطن الينبع أي وهو منزل الحاج المصري وهي لبني مدلج واستخلف على المدينة ابا سلمة بن عبد الاسد وحمل اللواء وكان ابيض عمه حمزة بن عبد المطلب خرجوا على ثلاثين بعيرا يعتقبونها فوجدوا العير قد مضت قبل ذلك بايام ورجع ولم يلق حربا ووادع صلى الله عليه وسلم فيها بني مدلج قال في الاصل وحلفاءهم من بني ضمرة
وذكر في المواهب هنا صورة الكتاب الذي كتبه صلى الله عليه وسلم لبني ضمرة في==

4. السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون
علي بن برهان الدين الحلبي
سنة الولادة 975/ سنة الوفاة 1044

غزوة ودان الذي قدمناه ثم فليتامل ذلك وكنى صلى الله عليه وسلم فيها عليا بابي تراب حين وجده نائما هو وعمار بن ياسر وقد علق به ال التراب فايقظه عليه الصلاة والسلام برجله وقال له قم ابا تراب لما يرى عليه من التراب أي الذي سفته عليه الريح ولما قام قال له صلى الله عليه وسلم الا اخبرك باشقى الناس اجمعين عاقر الناقة والذي يضر بك على هذا ووضع يده على قرن راسه فيخضب هذه ووضع يده على لحيته وفي رواية اشقى الاولين عاقر ناقة صالح واشقى الاخرين قاتلك وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم قال يوما لعلي كرم الله وجهه من اشقى من الاولين فقال علي الذي عقر الناقة يا رسول الله قال فمن اشقى الاخرين قال علي لا علم لي يا رسول الله قال الذي يضربك على هذه واشار الى يافوخه وكان كما اخبر صلى الله عليه وسلم فهو من اعلام نبوته
فانه لما كان شهر رمضان سنة اربعين صار يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبدالله بن جعفر لا يزيد في اكله على ثلاث لقم ويقول احب ان القى الله وانا خميص فلما كانت الليلة التي ضرب صبيحتها اكثر الخروج والنظر الى السماء وجعل يقول والله انها الليلة التي و عدت فلما كان وقت السحر واذن المؤذن بالصلاة خرج الى المسجد فاقبل الاوز الذي في داره يصحن في وجهه فمنعهن بعض نساء اهل بيته فقال دعوهن فأنهن نوائح فلما دخل المسجد اقبل ينادي الصلاة الصلاة فشد عليه عبدالرحمن بن ملحم المرادى لعنه الله من طائفة الخوارج فض فضربه الضربة التي اخبر بها صلى الله عليه وسلم وعند ذلك شد عليه الناس من كل جانب فطرح عليه رجل قطيقة ثم طنبوه واخذ السيف منه وقالوا له يا امير المؤمنين خل بيننا وبين مراد يعنون قبيلة الرجل الذي ضربه فقال لا ولكن احبسوا الرجل فان انا مت فاقتلوه وان اعش فالجروح قصاص فحبس
فلما مات رضى الله تعالى عنه غسله الحسن والحسين و عبدالله بن جعفر ومحمد بن الحنفية يصب الماء وكفن في ثلاثة اثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة وصلى عليه الحسن وكبر عليه سبعا ودفن ليلا قيل بدار الامارة بالكوفة وقيل بغير ذلك واخفى قبره لئلا تنبشه الخوارج وقيل حملوه على بعير ليدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه
____________________

وسلم فبينا هم في مسيرهم ليلا اذ ند البعير الذي عليه فلم يدر اين ذهب ومن الناس من يزعم انه انتقل الى السماء وانه الان في السحاب
ولما اصيب كرم الله وجهه دعا الحسن والحسين رضى الله تعالى عنهما فقال لهما اوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا ولا تبكيا على شي زوى منها عنكما وقولا الحق فلا تاخذكما في الله لومة لائم ثم نظر الى ولده محمد ابن الحنفية فقال هل حفظت ما اوصيت به اخويك فقال نعم فقال اوصيك بمثله واوصيك بتوقير اخويك لعظم حقهما عليك ولا ترين امرا دونهما ثم قال اوصيكما به فإنه اخوكما وابن ابيكما وقد علمتما ان اباكما كان يحبه ثم لم ينطق إلا بلا اله الا الله الى ان قبض فلما قبض اخرج الحسن رضى الله تعالى عنه ابن ملجم من الحبس وقتله
أقول ذكر بعضهم عن المبرد قال ابن ملجم لعلي كرم الله تعالى وجهه اني اشتريت سيفي هذا بألف وسمته بألف وسألت الله تعالى ان يقتل به شر خلقه فقال علي قد اجاب الله دعوتك يا حسن اذا انامت فاقتله بسيفه ففعل به الحسن ذلك ثم احرقت جثته وقد ذكر انه قطعت اطرافه وجعل في قوصرة واحرقوه بالنار
وقد ذكر ان عليا قال يوما وهو مشير لابن ملجم هذا والله قاتلي فقيل له الا نقتله فقال من يقتلني وتبع الاصل في كون تكنية على بابي تراب في هذه الغزوة شيخه الدمياطى
واعترضه في الهدى بانه صلى الله عليه وسلم انما كناه بذلك بعد نكاحه فاطمة رضى الله تعالى عنها فانه صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوما وقال اين ابن عمك قالت خرج مغاضبا فجاء الى المسجد فوجده مضطجعا فيه وقد لصق به التراب فجعل ينفضه عنه ويقول اجلس ابا تراب وقيل انما كناه ابا تراب لانه كان اذا غضب على فاطمه في شىء لم يكلمها ولم يقل لها شيئا تكرهه الا انه ياخذ ترابا فيضعه على راسه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رأى التراب على رأسه عرف انه عاتب على فاطمه
قال في النور يجوز ان يكون صلى الله عليه وسلم خاطبه بهذه الكنية مرتين اي ويكون س سبب الكنية علوق التراب به وكونه يضعه على راسه والله اعلم
____________________

غزوة سفوان ويقال لها غزوة بدر الاولى
وحين قدم صلى الله عليه وسلم من غزوة العشيرة لم يقم بالمدينة الا ليالى لم تبلغ العشرة حتى غزا وخرج خلف كرز بن جابر الفهرى وقد اغار قبل ان يسلم على سرح المدينة اي النعم والمواشي التي تسرح للمرعى بالغداة خرج في طلبه حتى بلغ واديا يقال له سفوان بالمهملة والفاء ساكنة وقيل مفتوحة من ناحية بدر اي ولذا قيل لها غزوة بدر الاولى وفاته صلى الله عليه وسلم كرز ولم يدركه وكان قد استعمل على المدينة زيد بن حارثة وحمل اللواء وكان ابيض على بن ابي طالب رضى الله تعالى عنه وقد تبعت الاصل في تقديم غزوة العشيرة على غزوة سفوان لما تقدم وهو عكس ما في سيرة الشامى الموافق لسيرة الدمياطى ولما في الامتاع والله اعلم & باب تحويل القبلة
وحولت القبلة في شهر رجب من السنة المذكورة التي هي الثانية في نصفه وقيل في نصف شعبان قال بعضهم وعليه الجمهور الاعظم وقيل كان في جمادى الاخرة اي فقد قيل انه صلى الله عليه وسلم صلى في المدينة الى بيت المقدس ستة عشر شهرا وقيل سبعة عشر شهرا وقيل أربعة عشر شهرا وقيل غير ذلك وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم صلى في مسجده بعد تمامه الى بيت المقدس خمسة اشهر
والاكثرون على أن تحويلها كان في صلاة الظهر وقيل العصر اي ففي الصحيحين عن البراء ان اول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم اي للكعبة صلاة العصر
وقد يقال لا منافاة لجواز ان يكون المراد اول صلاة صلاها كلها للكعبة صلاة العصر لان الظهر صلى نصفها الاول لبيت المقدس ونصفها الثاني للكعبة ثم رايت الحافظ ابن حجر فعل كذلك حيث قال التحقيق ان اول صلاة صلاها بالمسجد النبوى صلاة العصر او ان التحويل في العصر كان في محل اخر للانصار اي وهم بنو حارثة
وقيل حولت في صلاة الصبح وهو محمول على ان ذلك كان في قباء لان الخبر لم يبلغهم
____________________

الا حينئذ كما سياتي وانما حولت لانه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه ان تكون قبلته الكعبة سيما لما بلغه ان اليهود قالوا يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا اي وفي لفظ قالوا للمسلمين لو لم نكن على هدى ما صليتم لقبلتنا فاقتديتم بنا فيها
وفي لفظ كان يحب ان يستقبل الكعبة محبة لموافقة ابراهيم واسمعيل عليهما الصلاة والسلام وكراهة لموافقة اليهود ولقول كفار قريش للمسلمين لم تقولون نحن على ملة ابراهيم وانتم تتركون قبلته وتصلون الى قبلة اليهود اي ولانه لما هاجر صار اذا استقبل صخرة بيت المقدس يستدبر الكعبة فشق ذلك عليه صلى الله عليه وسلم فقال لجبريل وددت ان الله سبحانه وتعالى صرفنى عن قبلة اليهود فقال جبريل انما انا عبد لا املك لك شيئا الا ما امرت به فادع الله تعالى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى يكثر اذا صلى الى بيت المقدس من النظر الى السماء ينتظر امر الله تعالى اي لان السماء قبلة الدعاء وفي رواية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل وددت انك سالت الله تعالى ان يصرفني الى الكعبة فقال جبريل لست استطيع ان ابتدىء الله جل وعز بالمسالة ولكن ان سالني اخبرته وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زائر ام بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة فصنعت له طعاما وحانت صلاة الظهر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باصحابه في مسجد هناك فلما صلى ركعتين نزل جبريل فاشار اليه ان صل الى الكعبة واستقبل الميزاب فاستدار رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الكعبة اي فاستدار النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء اي فقد تحول من مقدم المسجد الى مؤخره لان من استقبل الكعبة في المدينة يلزم ان يستدبر بيت المقدس اي كما ان من يستقبل بيت المقدس يستدبر الكعبة وهو صلى الله عليه وسلم لو دار كما هو مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف قيل وكان ذلك وهم راكعون وفيه أن هذا يستدعى عملا كثيرا في الصلاة وهو مفسد لها عندنا اذا توالى
وقد يقال لا مانع لجواز أن يكون ذلك قبل تحريم العمل الكثير في الصلاة أو أن هذا العمل لم يكن على التوالي
أقول وبدخوله اي على ام بشر صلى الله عليه وسلم وعلى الربيع بنت معوذ ابن عفراء وعلى ام حرام بنت ملحان وعلى اختها ام سليم والخلوة بكل منهن فقد كانت
____________________

ام حرام بنت ملحان تفلى راسه الشريفه وينام عندها استدل ان من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز النظر الى الاجنبية والخلوة بها لامنه الفتنة كماا سياتي والله اعلم
وسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين وقيل كانت تلك الصلاة التي هي صلاة الظهر التي وقع التحول فيها في مسجده صلى الله عليه وسلم فخرج عباد بن بشر وكان صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومر على قوم من الانصار يصلون العصر وهم راكعون فقال اشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البيت يعني الكعبة ثم بلغ اهل قباء ذلك وهم في صلاة الصبح في اليوم الثاني اي وهم ركوع وقد ركعوا ركعة فنادى مناد الا ان القبلة قد حولت الى الكعبة فتحولوا اليها
اي وفي البخاري بينا الناس بقباء في صلاة الصبح اذ جاءهم ات فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انزل عليه الليلة قران وقد امر ان يستقبل الكعبة فاستقبلوها فاستداروا الى الكعبة وفي مسلم بدل صلاة الصبح الغداة قال الحافظ ابن حجر وهو احد اسمائها
وقد نقل بعضهم كراهة تسميتها بذلك ولم ينقل انهم امروا بقضاء العصر والمغرب والعشاء ولا اعادة الركعة التي صلوها من الصبح وهو دليل على ان الناسخ لا يلزم حكمه الا بعد العلم به وان تقدم نزوله وعلى انه يجوز ترك الامر المقطوع به وهو استقبال بيت المقدس الى امر مظنون وهو خبر الواحد
واجيب عن هذا الثاني بان الخبر المذكور احتفت به قرائن افادت القطع عندهم بصدق المخبر فلم يتركوا الامر المعلوم الا لامر معلوم ايضا على انه يجوز نسخ المتواتر بالاحاد لان محل النسخ الحكم ودلالة المتواتر عليه ظنية كما تقرر في محله ويقال ان المبلغ لهم عباد ابن بشر ايضا فيكون عباد اتى بني حارثة اولا في صلاة العصر ثم توجه الى اهل قباء فاعلمهم بذلك في وقت الصبح والقران الذي نزل قوله تعالى { قد نرى تقلب وجهك في السماء } الايات أي والى هذا يشير بعضهم بقوله ** كم للنبي المصطفى من اية ** ** غراء حار الفكر في معناها ** ** لما راى البارى تقلب وجهه ** ** ولاه ايمن قبلة يرضاها **
وعن عمارة بن اوس الانصارى قال صلينا احدى صلاتي العشى أي وهما الظهر والعصر فقام الرجل على باب المسجد ونحن في الصلاة فنادى ان الصلاة قد وجهت
____________________

نحو الكعبة فتحول امامنا نحو الكعبة وقوله تعالى { قد نرى تقلب وجهك في السماء } أي متطلعا نحو الوحى ومتشوقا للامر باستقبال الكعبة { فلنولينك } أي نحولنك { قبلة ترضاها } أي تحبها { فول وجهك شطر المسجد الحرام } اي نحوه والمراد بالمسجد الحرام الكعبة { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق } أي الرجوع الى الكعبة { من ربهم } أي لما في كتبهم من نعته صلى الله عليه وسلم بأنه يتحول الى الكعبة
اقول ولعل هذه القصة التي رواها عمارة هي التي رويت عن رافع بن خديج قال اتانا ات ونحن نصلي في بني عبد الاشهل فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد امر ان يتوجه الى الكعبة فدار امامنا الى الكعبة ودرنا معه والله اعلم
واجتمع قوم من كبار اليهود وجاءوا اليه صلى الله عليه وسلم وقالوا له يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وانت تزعم انك على ملة ابراهيم ودينه أي وما كنت عليه قبلة ابراهيم وهذا بناء على دعواهم ان بيت المقدس كان قبلة الانبياء عليهم الصلاة والسلام كما سياتي عنهم وسياتي ما فيه ثم قالوا ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك وانما يريدون بذلك فتنته ليعلم الناس انه صلى الله عليه وسلم في حيرة من امره أي واختبارا لما يجدونه في نعته صلى الله عليه وسلم من انه يرجع عن استقبال بيت المقدس الى استقبال الكعبة وانه لا يرجع عن تلك القبلة وفي رواية انهم قالوا للمسلمين ما صرفكم عن قبلة موسى ويعقوب وقبلة الانبياء أي ويوافقه قول الزهرى لم يبعث الله منذ هبط آدم عليه الصلاة والسلام الى الارض نبيا الا جعل قبلته صخرة بيت المقدس ويوافق هذا ظاهر قول الامام السبكى رحمه الله تعالى في تائيته ** وصليت نحو القبلتين تفردا ** وكل نبي ماله غير قبلة **
قال شارحها يشير الى ان كل نبي كانت قبلته بيت المقدس وهو صلى الله عليه وسلم قد شاركهم فيها أي واختص بالكعبة
ومن ثم جاء في التوراة في وصفه صلى الله عليه وسلم صاحب القبلتين وفيه ان قبلة الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم انما هي الكعبة فعن ابي العالية كانت الكعبة قبلة الانبياء وكان موسى يصلي الى صخرة بيت المقدس وهي بينه وبين الكعبة ومثل هذا لا يقال الا عن توقيف أي ويقال بمثل هذا فيما تقدم عن اليهود وعن الزهري على
____________________

تسليم صحته ان صخرة بيت المقدس كانت قبلة لجميع الانبياء انهم كانوا يصلون اليها ويجعلونها بينهم وبين الكعبة فلا مخالفة
لا يقال هذا ليس اولى من العكس أي ان استقبال الانبياء للكعبة انما كانوا يجعلونها بينهم وبين صخرة بيت المقدس لانا نقول قد ذكر في الاصل في تفسير قوله تعالى { ليكتمون الحق وهم يعلمون الحق من ربك } أي يكتمون ما علموا من ان الكعبة هي قبلة الانبياء أي المقصودة بالاستقبال لا انهم يستقبلونها لاجل صخرة بيت المقدس
وذكر عن بعضهم ان اليهود لم تجد كون الصخرة قبلة في التوراة وانما كان تابوت السكينة على الصخرة فلما غضب الله على بني اسرائيل رفعه فصلوا الى الصخرة بمشاورة منهم أي وادعوا انها قبلة الانبياء وما تقدم عن الزهرى تقدم الجواب عنه ثم قالوا والله ان انتم الا قوم تفتنون فانزل الله تعالى { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب } أي الجهات كلها فليامر بالتوجه الى أي جهة شاء لا اعتراض عليه { يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } أي فكان اول ما نسخ امر القبلة
فعن ابن عباس اول ما نسخ من القران فيما يذكر لنا والله اعلم شان القبلة فاستقبل صلى الله عليه وسلم بيت المقدس أي بمكة والمدينة ثم صرفه الله تعالى الى الكعبة
أي واما قوله تعالى { فأينما تولوا فثم وجه الله } فمحمول على النفل في السفر اذا صلى حيث توجه
وما قيل ان سبب نزولها ما ذكره بعض الصحابة قال كنا في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر اين القبلة فصلى كل منا على حياله فلما اصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت ففيه نظر لضعف الحديث او هو محمول على ما اذا صلوا باجتهاد
أي ولما توجه صلى الله عليه وسلم الى الكعبة قال المشركون من اهل مكة توجه محمد بقبلته اليكم وعلم انكم كنتم اهدى منه ويوشك أي يقرب ان يدخل في دينكم ومن ثم ارتد جماعة وقالوا مرة هاهنا ومرة هاهنا
ولما حولت القبلة الى الكعبة اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قباء فقدم جدار المسجد موضعه الان وقالت الصحابة له يا رسول الله لقد ذهب منا قوم قبل التحول فهل يقبل منا ومنهم فانزل الله تعالى قوله { وما كان الله ليضيع إيمانكم } أي
____________________

صلاتكم الى بيت المقدس وذكر في الاصل ان الصحابة قالوا مات قبل ان تحول قبل البيت رجال وقتلوا أي وهم عشرون ثمانية عشر من اهل مكة واثنان من الانصار وهما البراء بن معرور واسعد بن زرارة فلم ندر ما نقول فيهم فانزل الله تعالى { وما كان الله ليضيع إيمانكم } الاية ولفظة القتل وقعت في البخارى
وانكرها الحافظ ابن حجر فقال ذكر القتل لم اره الا في رواية زهير وباقي الروايات انما فيها ذكر الموت فقط ولم اجد في شىء من الاخبار ان احدا من المسلمين قتل قبل تحويل القبلة لكن لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع فان كانت هذه اللفظة محفوظة فتحمل على ان بعض المسلمين ممن لم يشتهر قتل في تلك المدة في غير الجهاد
ثم قال وذكر لي بعض الفضلاء انه يجوز ان يراد من قتل بمكة من المستضعفين كابوي عمار فقلت يحتاج الى ثبوت ان قتلهما كان بعد الاسراء هذا كلام الحافظ وفيه ان الركعتين اللتين كان يصليهما هو والمسلمون بالغداة وبالعشى قبل فرض الصلوات الخمس كانتا لبيت المقدس فقد تقدم انه كان يصلي هو واصحابه الى الكعبة ووجوههم الى بيت المقدس فكانوا يصلون بين الركنين اليماني والذي عليه الحجر الاسود لاجل استقبال بيت المقدس وتقدم انه صلى الله عليه وسلم لم يلتزم ذلك بل كان في بعض الاوقات يصلى الى الكعبة في أي جهة اراد
ثم لما قدم المدينة صار يستقبل بيت المقدس ويستدبر الكعبة الى وقت التحويل ومن ثم قال في الاصل ولما كان صلى الله عليه وسلم يتحرى القبلتين جميعا أي يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس لم يتبين توجهه الى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكه أي فانه استدبر الكعبة واستقبل بيت المقدس
فقول ابن عباس لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة واليهود يستقبلون بيت المقدس امره الله تعالى ان يستقبل بيت لامقدس معناه امره الله تعالى ان يستمر على استقبال بيت المقدس وهذا هو المراد بقوله الذي نقله بعضهم عنه وهو انه صلى الله عليه وسلم واصحابه كانوا يصلون بمكة الى الكعبة فلما هاجروا امره الله تعالى ان يصلي نحو صخرة بيت المقدس أي يستمر على ذلك ويستدبر الكعبة ثم امره الله باستقبال الكعبة واستدبار بيت المقدس فلم يقع النسخ مرتين كما قد يفهم من ظاهر السياق ومن
____________________

قول ابن جرير رسول الله صلى الله عليه وسلم اول ما صلى الى الكعبة ثم صرف الى بيت المقدس وهو بمكة فصلى صلاة ثلاث حجج ثم هاجر فصلى اليه ثم وجهه الله تعالى إلى الكعبة هذا كلامه ومن ثم قال الحافظ ابن حجر هذا ضعيف ويلزم منه دعوى النسخ مرتين قيل وكان امره بمداومة استقبال بيت المقدس ليتالف اهل الكتاب لانه كان ابتداء الأمر يحب ان يتألف اهل الكتاب فيما لم ينه عنه فلا يخالف ماسبق من انه كان يحب ان يستقبل الكعبة كراهة لموافقة اليهود في استقبال بيت المقدس ولا يخالف هذا قول بعضهم كان صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة يحب موافقة اهل الكتاب فيما لم ينه عنه وبعد الفتح يحب مخالفتهم لجواز ان يكون ذلك اغلب احواله وقد يؤخذ من ان استدامة استقباله لبيت المقدس كان لتالف اهل الكتاب جواب عما يقال اذا كانت الكعبة قبلة الانبياء كلهم فلم وفق الى استقبال بيت المقدس هو بمكة بناء على ان صلاته لبيت المقدس وهو بمكة كانت باجتهاد
وحاصل الجواب انه امر بذلك او وفق اليه لانه سيصير الى قوم قبلتهم بيت المقدس ففيه تاليف لهم وقد يوافقه مافي الاصل عن محمد بن كعب القرظى قال ما خالف نبي نبيا قط في قبلة الا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل بيت المقدس أي فهو مخالف لغيره من الانبياء في ذلك وهذا موافق لما تقدم عن ابي العالية كانت الكعبة قبلة الانبياء أي ثم في السنة المذكورة التي هي الثانية فرض صوم رمضان وفرضت زكاة الفطر وطلبت الاضحية أي استحبابا
وعن ابي سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه فرض شهر رمضان بعد ما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر في شعبان أي على ما تقدم وكان صلى الله عليه وسلم يصوم هو واصحابه قبل فرض رمضان ثلاثة ايام من كل شهر أي وهي الايام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر قيل وجوبا
فعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفطر الايام البيض في حضر ولا سفر وكان يحث على صيامها
وقيل كان الواجب عليه صلى الله عليه وسلم قبل فرض رمضان صوم عاشوراء ثم نسخ ذلك بوجوب رمضان
وعاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم ففي البخارى ثم عن ابن عمر رضى
____________________

الله عنهما صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء فلما فرض رمضان ترك صوم عاشوراء هذا والمشهور من مذهبنا معاشر الشافعية انه لم يجب على هذه الامة صوم قبل رمضان
وحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما لا دلالة فيه على الوجوب لجواز ان يكون شانه صلى الله عليه وسلم صيام تلك الايام على الوجه المذكور حتى بعد فرض رمضان وحديث البخارى ايضا لا دلالة فيه لجواز ان يكون تركه لصوم يوم عاشوراء في بعض الاحايين بعد فرض رمضان خشية اعتقاد وجوب صومه كرمضان
ويجاب بمثل ذلك عما في الترمذى عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه موافقة لهم اي ولم يامر احدا من اصحابه بصيامه فلما قدم المدينة صامه وامر بصيامه فلما فرض رمضان كان رمضان هو الفريضة وترك عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه أي ترك صلى الله عليه وسلم صومه خوفا من توهم انه فرض كرمضان وقولها رضى الله تعالى عنها فلما قدم المدينة صامه وامر بصيامه أي لانه صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة أي في ايام قدومه للمدينة وذلك في شهر ربيع الاول وجد اليهود تصومه وتعظمه فسالهم عن ذلك فقالوا يوم عظيم انجى الله فيه موسى وقومه واغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن احق بموسى منكم فصامه وامر بصيامه كما جاء ذلك عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما
وفي كلام الحافظ ناصر الدين عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة يوم عاشوراء فاذا اليهود صيام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا قالوا هذا يوم اغرق الله تعالى فيه فرعون وانجى فيه موسى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا اولى بموسى فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصومه هذا حديث صحيح اخرجه البخارى ومسلم
والمدينة يحتمل ان المراد بها قباء ويحتمل ان المراد بها باطنها قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فلما فرض رمضان قال صلى الله عليه وسلم أي لاصحابه من شاء صامه ومن شاء تركه أي قال ذلك لهم خشية اعتقادهم وجوب صومه كوجوب صوم رمضان
وفي كونه صلى الله عليه وسلم وجدهم صائمين لذلك اليوم اشكال لان يوم عاشوراء
____________________

هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم كما تقدم او هو اليوم التاسع منه كما يقول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فكيف يكون في ربيع الاول
واجيب بان السنة عند اليهود شمسية لا قمرية فيوم عاشوراء الذي كان عاشر المحرم واتفق فيه غرق فرعون لا يتقيد بكونه عاشر المحرم بل اتفق في ذلك الزمن أي زمن قدومه صلى الله عليه وسلم وجود ذلك اليوم بدليل سؤاله صلى الله عليه وسلم اذ لو كان ذلك اليوم يوم عاشوراء ما سال
ومما يدل على ذلك ما في المعجم الكبير للطبراني عن خارجه بن زيد قال ليس يوم عاشوراء اليوم الذي تقوله الناس انما كان يوم تستر في الكعبة وتلعب فيه الحبشة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدور في السنة وكان الناس ياتون فلانا اليهودي فيسالونه فلما مات اليهود اتو زيد بن ثابت فسالوه فصام صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم وامر بصيامه حتى انه ارسل في ذلك اليوم اسلم بن حارثة إلى قومه وهم اسلم وقال مر قومك بصيام عاشوراء فقال ارايت ان وجدتهم قد طعموا قال فليتموا أي يمسكوا تعظيما لذلك اليوم
وفي دلائل النبوة للبيهقي عن بعض الصحابيات قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظم يوم عاشوراء ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو يوم عاشوراء بالرضعاء فيتفل في افواههم ويقول للامهات لا ترضعنهم الى الليل
والظاهر ان المراد بيوم عاشوراء هذا اليوم الذي هو عاشر المحرم الهلالى لا الشمسي وكذا يقال في قوله وقيل سمى الخ فليتامل
وقيل سمى يوم عاشوراء لان عشرة من الانبياء اكرمهم الله تعالى فيه بعشر كرامات تاب الله فيه على آدم واستوت فيه سفينة نوح على الجودى أي فصامه نوح ومن معه حتى الوحش شكرا لله ورفع الله فيه ادريس ونصر الله فيه موسى ونجى فيه ابراهيم من النار وفيه اخرج يوسف من السجن أي وفيه ولد وردفيه على والده يعقوب واخرج فيه يونس من بطن الحوت أي وتاب الله على اهل مدينته وتاب الله فيه على داود وعوفى فيه ايوب
وفي كلام الحافظ ابن ناصر الدين عن ابي هريرة رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل افترض على بني اسرائيل صوم يوم في السنة وهو
____________________

يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من المحرم فصوموه ووسعوا على اهاليكم فيه فانه من وسع على اهله من ماله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته فصوموه وهو اليوم الذي تاب الله فيه على آدم وذكر ما تقدم وزاد عليه وانه اليوم الذي انزل الله فيه التوراة على موسى وفيه فدى الله اسمعيل من الذبح وهو اليوم الذي رد الله فيه على يعقوب بصره وهو اليوم الذي رد الله فيه على سليمان ملكه وهو اليوم الذي غفر الله فيه لمحمد صلى الله عليه وسلم ذنبه ما تقدم وما تاخر واول يوم خلق من الدنيا يوم عاشوراء واول مطر نزل من السماء يوم عاشوراء واول رحمة نزلت من السماء يوم عاشوراء فمن صام يوم عاشوراء فكانما صام الدهر كله وهو صوم الانبياء الحديث بطوله ثم قال هذا حديث حسن ورجاله ثقات
وذكر الحافظ المذكور عن بعضهم قال كنت افت للنمل خبزا في كل يوم فلما كان يوم عاشوراء لم تاكل وتقدم ان الصرد اول طير صام عاشوراء
وفي كلام بعضهم ما قيل في يوم عاشوراء كانت توبة آدم الى اخر ما تقدم من الاحاديث الموضوعة وفي كلام بعض اخر ما يفعل فيه من اظهار الزينة بالخصاب والاكتحال ولبس الجديد وطبخ الحبوب والاطعمة والإغتسال والتطيب من وضع الكذابين
والحاصل ان الرافضة اتخذوا ذلك ماتما يندبون وينوحون ويحزنون فيه والجهال اتخذوا ذلك موسما وكلاهما مخطىء مخالف للسنة واما التوسعة فيه على العيال فحديثها وان لم يكن صحيحا فهو حسن خلافا لقول ابن تيمية ان التوسعة على العيال لم يرد فيها شىء عنه صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يصوم عاشوراء كما تصومه اليهود أي ويوم عاشوراء مختلف لانه عند اليهود من السنة الشمسية وعند اهل الاسلام من السنة الهلالية
وفي مسلم عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صام يوم عاشورا وامر بصيامه قال له بعض الصحابة يا رسول الله انه يوم تعظمه اليهود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا كان العام المقبل صمنا اليوم التاسع قبله أي مخالفة لليهود فلم يات العام المقبل حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

2 وفي هذا الحديث اشكال فان سياقه يدل على انه صلى الله عليه وسلم ما صام يوم عاشوراء ولا امر بصيامه الا في السنة التي توفى فيها وهو مخالف لما سبق
ويجاب عن هذا الاشكال بان المراد بقوله حين صام أي حين واظب على صومه اتفق ان قول بعض الصحابة ذلك كان في السنة التي توفى فيها وهو صلى الله عليه وسلم كان شانه موافقة اهل الكتاب قبل فتح مكة ومخالفتهم بعده كما تقدم وبعض متاخرى فقهائنا ظن ان قوله صلى الله عليه وسلم اذا كان العام المقبل ان شاء الله تعالى صمنا اليوم التاسع من تتمة حديث ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصومه فصامه وامر بصيامه فاستشكل
واجاب بان المراد لما قدم من سفرة سافرها من المدينة بعدالهجرة أي وكان قدومه من تلك السفرة في السنة التي توفى فيها وقد علمت انهم حديثان قد علمت معنى الحديث الذي تتمته اذا كان العام المقبل وفي كون اغراق فرعون ونجاة موسى كان يوم قدومه صلى الله عليه وسلم يلزم عليه ان ذلك اليوم انتقل من ذلك الشهر الى اليوم العاشر من المحرم الذي هو الشهر الهلالي من السنة الثانية واستمر كذلك كما هو ظاهر سياق الاحاديث ان الذي واظب على صيامه انما هو ذلك اليوم كونه وافق اليهود على صوم ذلك اليوم ثم خالفهم في السنة الثانية وما بعدها من ابعد البعيد
ثم رايت ابا الريحان البيروتي نازع في ذلك في كتابة الاثار الباقية عن القرون الخالية حيث قال رواية ان الله اغرق فرعون ونجى موسى وقومه يوم قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة الامتحان يشهد عليها بالبطلان وبين ذلك بما يطول وحينئذ يكون من جملة ما يحكم عليها بالبطلان اقرارهم على ذلك وكونه صلى الله عليه وسلم صامه وامر بصيامه وفرض الله عز وجل عليه صلى الله عليه وسلم وعلى امته صيام شهر رمضان او الاطعام عن كل يوم مسكينا بقوله تعالى { وعلى الذين يطيقونه } من الاصحاء المقيمين { فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا } أي زاد على اطعام المسكين { فهو خير له وأن تصوموا خير لكم } أي من الفطر والاطعام فكان من شاء صام ومن شاء اطعم عن كل يوم مدا
ثم ان الله تعالى نسخ هذا التخيير بايجاب صوم رمضان عينا بقوله { فمن شهد منكم الشهر } أي علمه { فليصمه } الا في حق من لا يستطيع صومه لكبر او لمرض لا يرجى زواله فيجزيه الاطعام ورخص فيه للمريض أي اذا كان بحيث تحصل له مشقة تبيح التيمم
____________________

وللمسافر أي الذي يباح له قصر الصلاة وان لم يحصل له مشقة بالكلية مع وجوب القضاء اذا زال المرض والسفر بقوله تعالى { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } أي فافطر فعليه صيام عدة ما افطر من ايام اخر وكانوا ياكلون ويشربون وياتون النساء مالم يناموا بعد الغروب او يدخل وقت العشاء الاخرة فاذا ناموا او دخل وقت العشاء الاخرة امتنع عليهم ذلك الى اللية القابلة ثم نسخ الله ذلك واحل الاكل والشرب واتيان النساء الى طلوع الفجر ولو بعد النوم ودخول وقت العشاء بقوله تعالى { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } ثم قال تعالى { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } ولما فهم بعض الصحابة ان المراد الخيط حقيقة حتى صار يجعل عند وسادته حبلا ابيض وحبلا اسود انزل الله تعالى من الفجر اشارة الى ان المراد بياض النهار وسواد الليل
وذكر في التفسير في سبب نزول هذه الاية ان عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه واقع اهله بعد ما صلى العشاء فلما اغتسل اخذ يبكي ويلوم نفسه فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اعتذر الى الله واليك من نفسي هذه الخاطئة اني رجعت الى اهلي فوجدت رائحة طيبة فسولت لي نفسي فجامعت اهلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما كنت جديرا بذلك يا عمر فقام رجال فاعترفوا بمثله فنزلت وذكر له صلى الله عليه وسلم ان بعض اصحابه سقط مغشيا عليه بسبب الصوم فساله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فاخبر انه اهل حرث وانه جاء لينظر ما تعمله له زوجته ليتعشى به فغلبته عينه فنام فلم يستيقظ الا بعد الغروب فلم يتناول شيئا فانزل الله تعالى { وكلوا واشربوا } الاية وقوله تعالى { كما كتب على الذين من قبلكم } جاء في بعض الروايات ان المراد بهم اهل الكتاب أي اليهود والنصارى وجاء في بعضها ان المراد بهم النصارى خاصة وجاء في بعض الروايات ان المراد بهم جميع الامم السابقة فقد جاء ما من امة الا وجب عليها صوم رمضان الا انهم اخطئوه ولم يهتدوا له وهذه الرواية تدل على انه لم يصمه احد من الامم السابقة فصومه من خصوصيات هذه الامة
وفي الانساب لابن قتيبة اول من صام رمضان نوح عليه الصلاة والسلام هذا كلامه وفي بعض الروايات ما يفيد ان النصارى صامته واتفق انه وقع في بعض السنين في شدة الحر فاقتضى رايهم تاخيره بين الصيف والشتاء وان يزيدوا في مقابلة تاخيره
____________________

عشرين يوما وعلى هذا فصومه ليس من خصائص هذه الامة وقيل التشبيه انما هو في مطلق الصوم لافي خصوص صوم رمضان لانه كان الواجب على جميع ما تقدم من الامم صوم ثلاثة ايام من كل شهر صام ذلك نوح فمن دونه حتى صامه النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم وتقدم ان تلك الايام التي صامها صلى الله عليه وسلم كانت البيض التي هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وتقدم انه قيل ان صوم ذلك كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم وعلى امته
وقيل كان الواجب عليه وعلى اصحابه قبل صوم رمضان عاشوراء وتقدم رده وكان فرض زكاة الفطر قبل العيد بيومين وكان صلى الله عليه وسلم يخطب قبل العيد بيومين يعلم الناس زكاة الفطر فيامر باخراج تلك الزكاة قبل الخروج إلى صلاة العيد أي بعد ان شرعت لان مشروعيتها تاخرت عن مشروعية صلاة عيد الاضحى وكان فرض زكاة الفطر قبل فرض زكاة الاموال وكان فرض زكاة الاموال في تلك السنة التي هي الثانية ولم اقف على خصوص الشهر الذي وجبت فيه قال بعضهم ولعل هذا محمل قول بعض المتاخرين المطلعين على الفقه والحديث لم يتحرر لي وقت فرض الزكاة أي زكاة المال ولعله عنى ببعض المتاخرين الامام سراج الدين البلقيني رحمه الله لان الامام سراج الدين البلقيني سئل هل علمت السنة التي فرضت فيها زكاة المال فاجاب بقوله لم يتعرض الحفاظ ولا اصحاب السير للسنة التي فرض فيها زكاة المال ووقع لي حديثان ظهر منهما تقريب ذلك ولم اسبق اليه ثم قال فقد ظهر ان زكاة المال بعد زكاة الفطر وقيل قدوم ضمام بن ثعلبة وقدومه كان في السنة الخامسة هذا كلامه
وقيل فرضت زكاة الفطر قبل الهجرة وعليه يحمل ظاهر مافي سفر السعادة كان صلى الله عليه وسلم يرسل مناديا ينادي في الاسواق والمحلات والازقة من مكة ألا ان صدقة الفطر واجبه على كل مسلم ومسلمة الحديث
ورد بانه لم يفرض قبل الهجرة بعد الايمان الا الصلوات الخمس وكل الفروض فرضت بعد الهجرة وفيه انه فرض قيام الليل كما تقدم وصلاة الركعتين بالغداة والركعتين بالعشى على ما تقدم الا ان يقال المراد الفروض الموجودة الان المستمر فرضها وما تقدم عن سفر السعادة يجوز ان يكون صلى الله عليه وسلم يرسل المنادي الذي ينادي في مكة بوجود زكاة الفطر وهو بالمدينة بعد وجوبها بالمدينة وامر صلى الله عليه وسلم ان
____________________

تخرج زكاة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد والذكر والانثى صاع من تمر او صاع من شعير او صاع من زبيب او صاع من بر فكان يصلى العيدين قبل الخطبة بلا اذان ولا اقامه أي بل يقال الصلاة جامعة لكن في سفر السعادة وكان صلى الله عليه وسلم اذا بلغ المصلى شرع في الصلاة من وقته بلا اذان ولا اقامه ولا الصلاة جامعة والسنة ان لا يكون شىء من هذا كله هذا كلامه وكانت تحمل العنزة بين يديه فاذا وصل المصلى نصبت تجاهه وهي عصا قدر نصف الرمح في اسفلها زج من حديد وكانت تلك العنزة للزبير بن العوام قدم بها من ارض الحبشة فاخذها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يصلى اليها أي اخذها منه بعد وقعة بدر وقد قتل بها الزبير عبيدة بفتح العين المهملة وبضمها ابن سعيد بن العاص الذي كان يقال له ابو ذات الكرش قال الزبير لقيته لا يرى منه الا عيناه فقال لي انا ابو ذات الكرش فحملت عليه بالعنزة فطعنته في عينه فمات واردت اخراجها فوضعت رجلي عليه ثم تمطيت فكان الجهد ان نزعتها وقد انثنى طرفها ولما قبض صلى الله عليه وسلم اخذها الزبير ثم طلبها أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأعطاه إياها فلما قبض أبو بكر رضي الله تعالى عنه أخذها الزبير ثم سألها عمر رضى الله تعالى عنه فاعطاه اياها فلما قبض عمر اخذها ثم طلبها عثمان فاعطاه اياها فلما قتل دفعت الى على ثم اخذها عبدالله بن الزبير فكانت عنده حتى قتل
وكان صلى الله عليه وسلم اذا رجع من صلاة عيد الفطر وخطبته يقسم زكاة الفطر بين المساكين ولعل المراد الزكاة المتعلقة به لانه تقدم انه صلى الله عليه وسلم كان يامر الناس باخراجها قبل الصلاة الا ان يقال المراد باخراجها جمعها له صلى الله عليه وسلم ليفرقها
واذا فرغ صلى الله عليه وسلم من صلاة الاضحى وخطبته يؤتى له بكبشين وهو قائم في مصلاه فيذبح احدهما بيده ويقول هذا عن امتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ
وعند الحاكم عن ابي سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح كبشا اقرن بالمصلى أي بعد ان قال بسم الله والله اكبر وقال اللهم هذا عني وعمن لم يضح من امتي
استدل بذلك على ان من خصائصه صلى الله عليه وسلم ان يضحى عن غيره بغير
____________________

اذنه ويذبح الاخر ويقول هذا عن محمد وال محمد فياكل هو واهله منهما ويطعم المساكين ولم يترك الاضحيه قط وهل كانت الانبياء من بعد ابراهيم تضحي هم وأممهم او هم خاصة وكان في مسجده صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة قبل ان يوضع له المنبر يخطب ويسند ظهره الى اسطوانة من جذوع النخل او من الدوم وهو شجر المقل
وعبارة بعضهم كان يخطب الناس وهو مستند الى جذع عند مصلاه في الحائط القبلي فلما كثر الناس أي وقالوا له صلى الله عليه وسلم لو اتخذت شيئا تقوم عليه اذا خطبت يراك الناس وتسمعهم خطبتك فقال ابنوا لي منبرا فلما بنى له المنبر عتبتين اى ومحل الجلوس فكان ثلاث درجات وقام عليه في يوم جمعة أي وخطب وفي لفظ لما عدل إلى المنبر ليخطب عليه وجاوز ذلك الجذع سمع لتلك الاسطوانة حنين كحنين الوالة بصوت هائل سمعه اهل المسجد حتى ارتج اى اضطرب المسجد وكثر بكاء الناس لذلك ولا زالت تحن حتى تصدعت وانشقت اى وفي رواية سمع له صوت كصوت العشار اى النوق التي اتى لحملها عشرة اشهر وقيل التي اخذ ولدها وفي بعض الروايات كحنين الناقة الحاوج وهي التي انتزع ولدها منها وفي رواية جأر بفتح الجيم وبعدها همزة مفتوحة اى صوت او بالحاء المعجمة بلا همزة وهو بمعناه كخوار الثور فنزل صلى الله عليه وسلم فالتزمها وحضنها أي فجعلت تئن انين الصبي الذي يسكت فيسكت
أي وفي كلام بعضهم وذكر الاسفراينى ان النبي صلى الله عليه وسلم دعاه الى نفسه فجاءه يخرق الارض فالتزمه فعاد الى مكانه وفى رواية ووضع يده عليها وقال لها اسكني واسكتي فسكتت وفي رواية ان هذا اى الجذع يبكي لما فقد من الذكر والذي نفسي بيده لو لم التزمه لم يزل هكذا أي يحن الى يوم القيامة زاد في رواية حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله لما فقد من الذكر هو واضح على الرواية الاولى واما على الثانية فالمراد لما يفقده من الذكر والى حنين الجذع اشار الامام السبكى رحمه الله تعالى في تائيته بقوله ** وحن اليك الجذع حين تركته ** حنين الثكالى عند فقد الاحبة **
وعن بعضهم قال قال لي الامام الشافعي رضى الله تعالى عنه ما اعطى الله نبيا ما اعطى محمدا صلى الله عليه وسلم فقلت اعطى عيسى احياء الموتى فقال اعطى
____________________

محمدا صلى الله عليه وسلم حنين الجذع فهذا اكبر من ذاك وفي رواية لا تلوموه أي الجذع على حنينه فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارق شيئا الا وجد عليه أي حزن وفي رواية انه قال له ان شئت اردك الى الحائط أي البستان الذي كنت فيه تنبت لك عروقك ويكمل خلقك ويجدد لك خوص وثمرة وان شئت اغرسك في الجنة فيأكل اولياء الله من ثمرك ثم اصغى له صلى الله عليه وسلم يسمع ما يقول فقال بصوت سمعه من يليه بل تغرسني في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلت قد فعلت وفي رواية لما اصغى اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الله سئل فقال اختار ان اغرسه في الجنة أي وفي رواية اختار دار البقاء على دار الفناء ولا يخالف ما قبله لانه يجوز ان يكون السائل من غير من سمع جوابه وامر به فدفن تحت المنبر وقيل جعل في السقف واخذ عنده ابى رضى الله عنه بعد ان هدم المسجد وازيل سقفه فكان عنده الى ان اكلته الارضة وعاد رفاتا أي متكسرا من شدة اليبس
اقول في سيرة الحافظ الدمياطى قالوا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يخطب الى جذع في المسجد قائما فقال ان القيام شق علي فقال له تميم الدارى الا اعمل لك منبرا كما رأيت يصنع بالشام أي تصنعه النصارى في كنائسهم لاساقفتهم تسمى المرقاة يصعدون اليها عند تذكيرهم فتشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المسلمين في ذلك فراوا ان يتخذوه فقال العباس بن عبد المطلب رضى الله عنهما ان لي غلاما يقال له كلاب اعلم الناس أي بالنجارة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره ن يعمله فارسله الى اثلة بالغابة فقطعها ثم عمل منها درجتين ومقعدا ثم جاء به فوضعه في موضعه اليوم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام عليه أي وقال ان اتخذ منبرا فقد اتخده ابى ابراهيم أي ولعله صلى الله عليه وسلم عنى به المقام الذي كان يقوم عليه عند بناء البيت وهو الحجر الا ان ثبت ان ابراهيم كان له منبر يحدث عليه الناس
وعن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند المنبر يقول ياخذ الجبار بسمواته وارضه بيده ثم يقول انا الجبار انا الجبار اين الجبارون اين المتكبرون ويميل يعني النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه وشماله حتى نظرت الى المنبر يتحرك حتى اني اقول اساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم وفي
____________________

رواية عنه فقال المنبر هكذا وهكذا فجاء وذهب ثلاث مرات وفي رواية عن عائشة رضى الله تعالى عنها فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم منبره حتى قلن ليحزن وقال منبري هذا على ترعه بضم المثناة فوق واسكان الراء وبالعين المهملة من ترع الجنة أي افواه جداول الجنة وقوائم منبري رواتب أي ثوابت في الجنة وقال صلى الله عليه وسلم منبري على حوضي وقال ان حوضي كما بين عدن الى عمان اشد بياضا من اللبن واحلى من العسل واطيب رائحة من المسك اباريقه عدد نجوم السما من شرب منه شربة لم يظما بعدها ابدا واكثر الناس ورودا عليه يوم القيامة فقراء المهاجرين قلنا من هم يا رسول الله قال الشعثة رؤسهم الدنسة ثيابهم الذين لا ينكحون المنعمات ولا تفتح لهم السدد أي الابواب الذين يعطون الذي عليهم ولا ياخذون الذي لهم وقال صلى الله عليه وسلم مابين قبري ومنبري وفي رواية يدل قبري بيتي وفي لفظ حجرتي والمراد قبره الشريف فانه في حجرته وحجرته هي بيته صلى الله عليه وسلم روضة من رياض الجنة أي يكون بعينه في الجنة بقعة من بقاعها أي ينقلها الله تعالى فتكون في الجنة بعينها
وقيل ان الصلاة والدعاء فيها يستحق بذلك من الثواب ما يكون موجبا لدخول الجنة كما قيل بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم الجنة تحت ظلال السيوف مع ان تلك السيوف كانت بارض الكفر وقيل انها لبركتها اضيفت الى الجنة كما قيل في الضان انها من دواب الجنة
وقال ابن حزم ليس على ما يظنه اهل الجهل من ان تلك الروضة قطعة مقتطعة من الجنة وقال صلى الله عليه وسلم من حلف على منبري كاذبا ولو على سواك اراك فيتبوأ مقعده من النار وفي رواية الا وجبت له النار
اقول وجاء انه صلى الله عليه وسلم كان على المنبر يعتمد على عصا من شوحط وفي الهدى لم يعتمد صلى الله عليه وسلم في خطبته على سيف ابدا وقبل ان يتخذ له المنبر كان يعتمد على قوس او عصا أي وقيل كان يعتمد على قوس ان خطب في الحرب على عصا ان خطب في غيره
واختلف فيها يعني تلك العصا هل هي العنزة لتي كان يصلي اليها او غيرها وما يظنه بعض الناس من انه كان يعتمد على سيف وان ذلك اشارة الى ان الدين قام
____________________

بالسيف فمن فرط جهله هذا كلامه وفيه ان بعض فقهائنا ذكر ان اعتماده في خطبته كان على سيف روى ولم يثبت
وذكر فقهاؤنا تلك الحكمة حيث قالوا وحكمة اعتماده على العصا او القوس او السيف الاشارة إلى ان هذا الدين قام بالسلاح وقول صاحب الهدى وكان قبل ان يتخذ المنبر يعتمد على قوس او عصا يقتضى ان بعد اتخاذ المنبر لم يعتمد على شىء من ذلك أي وصرح به صاحب القاموس في سفر السعادة حيث قال لم يكن ياخذ السيف والحربة بيده بل كان يعتمد على القوس او العصا وذا قبل اتخاذ المنبر واما بعد اتخاذ المنبر فلم يحفظ انه اعتمد على العصا ولا على القوس ولا على غير ذلك هذا كلامه فيكون الاعتماد على ذلك فوق المنبر بدعة وهو خلاف ما عليه ائمتنا من انه يسن ان يشغل يمناه بحرف المنبر ويسراه بما يعتمد عليه من نحو العصا لكن قالوا كعادة من يريد الضرب بالسيف والرمي بالقوس وهو لا ياتي في العصا ولا ياتي في السيف اذا كان في غمده
ووجود المرقى الذى يقرأ الاية والخبر المشهور بدعة لانه حدث بعد الصدر الاول ولم اقف على اول زمان فعل فيه ذلك لكن ذكر بعضهم انه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع امر من يستنصت له الناس عند ارادة خطبته وعليه ان كان استنصتهم بالحديث فذكر المرقى للخبر ليس من البدعة الا ان يقال هو بالنسبة لخطبة الجمعة بدعة لانه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الحديث على المنبر فالسنة ان يذكره الخطيب كذلك
ففي سفر السعادة وكان صلى الله عليه وسلم في اثناء الخطبة يامر الناس بالانصات ويقول ان الرجل اذا قال لصاحبه انصت فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له وكان صلى الله عليه وسلم يقول من تكلم يوم الجمعة والامام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل اسفارا والذي يقول انصت ليس له جمعة
وقول الحافظ الدمياطي كان صلى الله عليه وسلم يخطب على جذع قائما وانه قال ان القيام شق على يقتضى ان حنين الجذع كان عند قيامه على ذلك المنبر من الخشب وانه لم يتخذ قبل ذلك المنبر من الطين الذي قدمناه وفيه نظر وكذا في قوله وقال له تميم الدارى الى اخره لان تميما الدارى انما اسلم في السنة التاسعة وهذا المنبر الذي من الخشب انما فعل في السابعة او الثامنة وعلى هذا اقتصر الاصل حيث قال في الحوادث
____________________

وفيها أي السنة الثامنة اتخاذ المنبر والخطبة عليه وحنين الجذع وهو اول منبر عمل في الاسلام وهو في ذلك موافق لما قدمه هو أي الاصل من اتخاذ المنبر له من الطين قبل ذلك وانه كان عنده حنين الجذع
وعلى كون المنبر عمل في الثامنة لا يشكل كون العباس رضى الله تعالى عنه امر غلامه بعمله لان العباس رضى الله عنه قدم المدينة في السنة الثامنة لكن في بعض الروايات انه صلى الله عليه وسلم دعا رجلا فقال اتصنع لي المنبر قال نعم قال ما اسمك قال فلان قال لست بصاحبه ثم دعا اخر فقال له مثل ذلك ثم دعا الثالث فقال له ما اسمك قال ابراهيم قال خذ في صنعته فصنعه وفي رواية عمله رجل رومى اسمه باقوم غلام سعيد بن العاص أي ولعله هو الذي تقدم ذكره عند بناء قريش للكعبة
وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم ارسل الى امراه فقال لها مرى غلامك يعمل لي اعوادا اكلم الناس عليها فعمل له صلى الله عليه وسلم درجات من طرفاء الغابة ويجوز ان يكون غلام العباس رضى الله تعالى عنه انتقل الى ملك تلك المرأه وانه كان غلاما لسعيد بن العاص وانه اشترك في عمله مع ابراهيم المتقدم ذكره فنسب لكل منهما
فعلم من كلام الاصل في غير الحوادث انه كان صلى الله عليه وسلم يخطب اولا على الجذع ثم على المنبر من الطين وان حنين الجذع كان عند قيامه صلى الله عليه وسلم على ذلك المنبر من الطين وهو مخالف لكلامه في الحوادث ان حنين الجذع كان عند اتخاذه صلى الله عليه وسلم المنبر من الخشب ويكون ذكر حنين الجذع عند القيام عليه من تصرف بعض الرواة لان حنين الجذع لم يتكرر حتى يقال جاز ان يكون كان عند قيامه صلى الله عليه وسلم على المنبر من الطين ثم عند قيامه على المنبر من الخشب
ثم رأيته في النور رجع كلام الاصل في غير الحوادث الى كلام الاصل في الحوادث من انه صلى الله عليه وسلم لم يكن له منبر من طين حيث قال قوله أي الاصل فبنوا له منبرا وهذا الكلام فيه تجوز يعنى اتخذوا له منبرا وذلك لان المنبر كان من طرفاء الغابة وهو شجر معروف هذا كلامه وليته عكس لان هذا منه يقتضى حينئذ ان يكون صلى الله عليه وسلم استمر من حين خطب في المسجد الى السنة الثامنة يخطب الى الجذع لان المنبر من الخشب اتخذ في السنة الثامنة كما تقدم عن الاصل
____________________

ويشكل عليه قول عائشة رضى الله تعالى عنها في قصة الافك فثار الحيان الاوس والخزرج حتى كادوا ان يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر لان قصة الافك كانت في سنة خمس
ثم رايت في كتاب الشريعة للاجرى عن انس بن مالك رضى الله تعالى عنه كان صلى الله عليه وسلم يخطب مسندا ظهره الى خشبة فلما كثر الناس قال ابنوا لي منبرا فبنوا له عتبتين أي غير المستراح فلما قام على المنبر يخطب حنت الخشبة الحديث
وعن سهل بن سعد رضى الله تعالى عنه لما كثر الناس وصار يجىء القوم ولا يكادون يسمعون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخطبة قال الناس يا رسول الله قد كثر الناس وكثير منهم لا يكاد يسمع كلامك فلو انك اتخذت شيئا تخطب عليه مرتفعا من الارض ويسمع الناس كلامك فارسل صلى الله عليه وسلم الى غلام نجار لامرأة من الانصار فاتخذ له مرقاتين من طرفاء الغابة فلما قام حنت الخشبة التي كان يخطب اليها هذا كلامه وهو موافق لما تقدم عن الاصل في الحوادث
والذي ينبغي الجمع بين الروايتين لان ما علم من ان اتخاذ المنبر من طرفاء الغابة كان بعد اتخاذه من الطين لانه اقوى في الارتفاع من منبر الطين وكون حنين الجذع عند اتخاذ المنبر من الطرفاء من تصرف بعض الرواة لان حنينه انما كان عند اتخاذ المنبر من الطين ولم يتكرر حنينه كما تقدم
ولما ولى معاوية الخلافة كسا ذلك المنبر قبطية ثم كتب الى عاملة بالمدينة وهو مروان ابن الحكم ان يرفع ذلك المنبر عن الارض فدعا بالنجارين وفعل ست درج ورفع ذلك المنبر عليها فصارت تسع درجات وهذا يدل على ان قوله فاتخذ له مرقاتين أي غير المستراح ومن ثم تقدم فعمل له درجات
وقيل امره بحمله الى الشام فلما ارادوا قلعة اظلمت المدينة وكسفت الشمس حتى بدت النجوم وثارت ريح شديدة فخرج مروان الى الناس فخطبهم وقال يا اهل المدينة انكم تزعمون ان امير المؤمينن بعث الى ان ابعث اليه بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وامير المؤمنين اعلم بالله من ان يغير منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم انما امرني ان اكرمه وارفعه ففعل ما تقدم
وقيل ان معاوية لما حج اراد ان ينقل المنبر الى الشام فحصل ما تقدم من كسوف
____________________

الشمس الخ فاعتذر معاوية للناس وقال اردت ان انظر الى ما تحته وخشيت عليه من الارضة وكساه يومئذ قبطية
ولا مانع من تعدد الواقعة وان واقعة معاوية سابقة على واقعة مروان لقوله لانظر ما تحته والا فمروان رفعه عن الارض
ثم ان هذا المنبر احرق بسبب الحريق الواقع في المسجد اول مرة فارسل صاحب اليمن منبرا فوضع موضعه مكث عشر سنين
وفي الامتاع ثم تهافت المنبر النبوى على طول الزمان فعمل بعض خلفاء بني العباس منبرا واتخذ من اعواد المنبر النبوى امشاطا يتبرك بها فاحترق هذا المنبر المجدد في حريق المسجد فبعث المظفر ملك اليمن منبر هذا كلامه ثم ارسل الملك الظاهر بيبرس من مصر منبرا فرفع منبر صاحب اليمن ووضع منبر الملك الظاهر فمكث مائة سنة واثنتين وثلاثين سنة فبدأفيه اكل الارضة فارسل الظاهر برقوق منبرا فرفع منبر الملك الظاهر بيبرس ووضع منبر الملك الظاهر برقوق ومكث ثلاثا أو اربعا وعشرين سنة
ثم ان السلطان المؤيد شيخ لما بنى مدرسته بالقاهرة التي يقال لها المؤيدية عمل اهل الشام له منبرا وارسلوا به اليه ليجعله في مدرسته فوجد اهل مصر قد صنعوا لها منبرا فسير المؤيد منبر اهل الشام إلى المدينة فمكث سبعا وستين سنة ثم احرق في الحريق الواقع في المسجد ثاني مرة ثم جعل موضعه منبر مبنى بالاجر مطلى بالنورة فمكث احدى وعشرين سنة ثم جعل موضعة المنبر الرخام الموجود الان
قيل واعجب منبر في الدنيا منبر جامع قرطبة قاعدة بلاد الاندلس بالمغرب ذكر ان خشبه من ساج وابنوس وعود قاقلى احكم عمله ونقشه في سبع سنين وكان يعمل فيه سبع صناع لكل صانع في كل يوم نصف مثقال ذهب فكان جملة ما صرف على اجرته عشرة الاف مثقال وخمسين مثقالا وبالجامع المذكور مصحف فيه اربع ورقات من مصحف عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه بخط يده وفيه نقط من دمه وفي هذا المسجد ثلاثة اعمدة حمر مكتوب على احدها اسم محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الثاني صفة عيسى وموسى عليهما الصلاة والسلام واهل الكهف وعلى الثالث صورة غراب نوح الجميع خلقة ربانية ولا بدع
____________________

فقد ذكر بعضهم رايت بحمام القاهرة رخامة عليها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم مفسرا يقرؤه كل احد خلقه
وعن سهل قال رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم اول يوم جلس على المنبر أي من الخشب كبر فكبر الناس خلفه ثم ركع وهو على المنبر ثم رجع فنزل القهقرى ثم سجد في اصل المنبر ثم عاد حتى اذا فرغ من الصلاة يصنع فيها كما يصنع في الركعة الاولى فلما فرغ اقبل على الناس وقال ايها الناس انما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي وقوله لتأتموا بي أي تقتدوا بي في مثل هذا الفعل من الاحرام والركوع على المحل المرتفع ثم النزول عنه والسجود تحته ثم الصعود اليه وهكذا الى ان تتم الصلا وهذا عند أئمتنا مخصوص جوازه بما اذا لم يلزم عليه استدبار القبلة او توالى حركات ثلاث وقوله ولتعلموا صلاتي هو واضح لو كان ذلك اول صلاة الا ان يقال المراد ولتعلموا جواز صلاتي هذه
وفي كلام فقهائنا انه صلى الله عليه وسلم كان ينزل من المنبر ويسجد للتلاوة اسفل المنبر واخر الأمرين ترك ذلك فعلم ان منبره صلى الله عليه وسلم كان ثلاث درجات بالمستراح وحينئذ يشكل ان صح ما روى ان ابا بكرنزل درجة عن موقفه صلى الله عليه وسلم وعمر نزل درجة اخرى وعثمان درجة اخرى ومن ثم قال في النور وهذا يدل على انه كان اكثر من ثلاث درجات أي اربعة غير المستراح والا يلزم ان يكون عمر وعثمان كانا يخطبان على الارض
قال ويمكن تأويله هذا كلامه ولينظر ما تأويله فانه يلزم على كونه درجتين غير المستراح ان يكون الصديق كان يخطب على الدرجة الثانية وعمر يخطب على الارض وان عثمان فعل كفعل عمر وحينئذ لا يحسن قولهم وعثمان نزل درجة اخرى اذ لا درجة بعد الدرجة الثانية ينزل عنها وحينئذ يشكل مافي الامتاع وهو كان منبره صلى الله عليه وسلم درجتين ومجلسا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس على المجلس ويضع رجليه اذا قعد على الدرجة الثانية فلما ولى ابو بكر رضى الله تعالى عنه قام على الدرجة الثانية ووضع رجليه على الدرجة السفلى فلما ولى عمر رضى الله تعالى عنه قام على الدرجة السفلى ووضع رجليه على الارض اذا قعد فلما ولى عثمان رضى الله تعالى عنه فعل كذلك أي كفعل عمر ست سنين من خلافته ثم علا الى موضع وقوفه صلى الله عليه وسلم هذا كلامه
____________________

وكان ينبغي ان يقول بدل قوله فلما ولى ابو بكر قام على الدرجة الثانية جلس على الدرجة الثانية وكذا قوله فلما ولى عمر قام على الدرجة السفلى جلس على الدرجة السفلى أي فقد خطب على الارض وكذا عثمان
وذكر فقهاؤنا أن منبره صلى الله عليه وسلم كان ثلاث درج غير الدرجة التي تسمى المستراح وتسمى بالمقعد والمجلس فكان صلى الله عليه وسلم يقف على الثالثة أي بالنسبة للسفلى وإذا جلس يجلس على المستراح ويجعل رجليه محل وقوفه إذا قام للخطبة وكذا الخلفاء الثلاثة كل يجعل رجليه محل وقوفه
ويذكر أن المتوكل قال يوما لجلسائه وفيهم عبادة أتدرون ما الذي نقم على عثمان نقم عليه أشياء منها أنه قام أبو بكر رضي الله تعالى عنه دون مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرقاة ثم قام عمر رضي الله تعالى عنه عنه دونه بمرقاة فصعد عثمان رضي الله تعالى عنه ذروة المنبر فقال له عبادة ما أحد أعظم منه عليك يا أمير المؤمنين من عثمان قال وكيف ذاك قال لأنه صعد ذروة المنبر وإنه لو كان كلما قام خليفة نزل عمن تقدمه كنت أنت تخطبنا في بئر عميق فضحك المتوكل ومن حوله وكون عثمان صعد ذروة المنبر إنما هو في آخر الأمر كما علمت
وفي كلام بعضهم أول من اتخذ المنبر خمس عشرة درجة معاوية رضي الله تعالى عنه وأنه أول من اتخذ الخصيان في الإسلام وأول من قيدت بين يديه الجنائب وعثمان أول من كسا المنبر قبطية
وعن الواقدي أن امرأة سرقت كسوة عثمان للمنبر فأتى بها إليه فقال لها عثمان هل سرقت قولي لا فاعترفت فقطعها ثم كساه معاوية كما تقدم ثم كساه عبد الله ابن الزبير فسرقتها امرأة فقطعها كما قطع عثمان ثم كساه الخلفاء من بعده & باب غزوة بدر الكبرى
ويقال لها بدر العظمى ويقال لها بدر القتال ويقال بدر الفرقان أي لأن الله تعالى فرق فيها بين الحق والباطل
ثم إن العير التي خرج صلى الله عليه وسلم في طلبها حتى بلغ العشيرة ووجدها سبقته بأيام لم يزل مترقبا قفولها أي رجوعها من الشأم فلما سمع بقفولها من الشأم ندب المسلمين
____________________

أي دعاهم وقال هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا اليها لعل الله أن ينفلكموها فانتدب ناس أي أجابوا وثقل آخرون أي لم يجيبوا لظنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلق حربا ولم يحتفل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لم يهتم بها بل قال من كان ظهره أي ما يركبه حاضرا فليركب معنا ولم ينتظر من كان ظهره غائبا عنه
ولما خرج صلى الله عليه وسلم إلى بدر قالت له أم ورقة بنت نوفل يا رسول الله ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم لعل الله يرزقني الشهادة فقال لها قرى في بيتك فإن الله يرزقك الشهادة وكانت قد قرأت القرآن فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة فكان الناس يقولون لها الشهيدة فلما كان زمن خلافة سيدنا عمر عدا عليها غلام وجارية كان دبرتهما فغمياها بقطيفة إلى أن ماتت فجيء بهما إلى سيدنا عمر فأمر بصلبهما فكانا أول مصلوب بالمدينة وقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول انطلقوا بنا نزور الشهيدة
فكان أبو سفيان حين دنا بالعير من أرض الحجاز يتجسس الأخبار أي يبحث عنها ويسأل من لقي من الركبان تخوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استنفر أصحابه للعير أي ويقال إنه لقي رجلا فأخبره أنه صلى الله عليه وسلم قد كان عرض لغيره في بدايته وأنه تركه مقيما ينتظر رجوع العير فخاف خوفا شديدا فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري أي استأجره بعشرين مثقالا ولا يعرف له إسلام والذي من الصحابة ضمضم بن عمر الخزاعي ليأتي مكة أي وأن يجدع بعيره وأن يحول رحله ويشق قميصه من قبله ومن دبره إذا دخل مكة ويستنقر قريشا ويخبرهم أن محمدا قد عرض لعيرهم هو وأصحابه فخرج ضمضم سريعا إلى مكة وقبل أن يقدم بثلاث ليال رأت عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم اختلف في إسلامه رؤيا أفزعتها فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني أي اشتدت على وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة فاكتم عني ما أحدثك
قال وفي رواية أنها قالت له لن أحدثك حنى تعاهدني أن لا تذكرها فإنهم إن
____________________

سمعوها تعني كفار قريش آذونا واسمعونا ما لا نحب فعاهدها العباس اه فقال لها ما رأيت قالت رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح أي وهو ما بين المحصب ومكة ثم صرخ بأعلى صوته ألا فانفروا يا آل غدر أي يا أصحاب الغدر وعدم الوفاء إلى مصارعكم في ثلاث أي بعد ثلاثة أيام
وفي كلام السهيلي يا آل غدر بضم الغين والدال جمع غدور أي إن تخلفتم فأنتم غدر لقومكم قالت فأرى الناس اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره أي انتصب به على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوى حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت أي تكسرت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار إلا دخلها منه فلقة فقال لها العباس والله إن هذه لرؤيا وأنت فاكتميها ولا تذكريها لأحد ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة أي وكان صديقا له فذكرها له أي واستكتمه فذكرها الوليد لأبيه عتبة فتحدث بها ففشا الحديث قال العباس فغدوت لأطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة فلما رآني أبو جهل قال يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم فقال أبو جهل لعنه الله يا بني عبد المطلب متى حدثت فيكم هذه النبية قال قلت وما ذاك قال ذاك الرؤيا التي رأت عاتكة فقلت وما رأت قال يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن تستنبأ رجالكم حتى تستنبأ نساؤكم
وفي رواية ما رضيتم يا بني هاشم بكذب الرجال حتى جئتمونا بكذب النساء اه قال أبو جهل قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فإن يك حقا ما تقول فسيكون وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب قال العباس فوالله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا وفي رواية أن العباس قال لأبي جهل هل أنت منته يا مصفر استه أي يا مابون أو يا جبان أو الذي يغير لون البرص الذي بمقعدته الزعفران فإن الكذب فيك وفي أهل بيتك فقال من حضرهما ما كنت يا أبا الفضل جهولا ولا خرقا ولقي العباس رضي الله تعالى عنه من أخته عاتكة أذى شديدا حين أفشى من حديثها قال العباس فلم أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب
____________________

إلا أتتني أقررتم أي قائلة أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ثم لم يكن عندك غيرة لشيء مما سمعت
ثم قلت لهن وايم الله لأتعرضن له وإن عاد قاتلته وغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا مغضب أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه فدخلت المسجد فرأيته فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود إلى بعض ما قال فأوقع به إذ هو قد خرج نحو باب المسجد يشتد أي يعدو فقلت في نفسي ماله لعنه الله أكل هذا فرق أي خوف مني فإذا هو يسمع ما لم أسمع سمع صوت ضمضم بن عمرو الغفاري وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره قد جدع بعيره أي قطع أنفسه وأذناه وحول رحله وشق قميصه وهو يقول يا معشر قريش اللطمة اللطيمة أي أدركوا اللطيمة وهي العير التي تحمل الطيب والبز أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها وفي لفظ إن أصابها محمد لم تفلحوا أبدا الغوث الغوث قال العباس فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر فتجهز الناس سراعا أي وفزعوا أشد الفزع وأشفقوا أي خافوا من رؤيا عاتكة
ويروى أنه قالوا أيظن محمد واصحابه ان تكون كعير ابن الحضرمي والله ليعلمن غير ذلك فكانوا بين رجلين إما خارج وإما باعث مكانه رجلا أي وأعان قويهم ضعيفهم وقام أشراف قريش يحضون الناس على الخروج وقال سهيل بن عمرو يا آل غالب أتاركون أنتم محمدا والصباة من أهل يثرب يأخذون أموالكم من أراد مالا فهذا مالي ومن أراد قوتا فهذا قوتي ولم يتخلف من أشراف قريش إلا أبو لهب أي خوفا من رؤيا عاتكة فإنه كان يقول رؤيا عاتكة كأخذ بيد أي صادقة لا تتخلف وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة أي استأجره بأربعة آلاف درهم كانت له عليه دينا أفلس بها أي قال له أخرج وديني لك أي ويقال إن ذلك الدين كان ربا ومن ثم جاء في لفظ وكان لاطه بأربعة آلاف درهم قال أبو عبيد وسمى الربا لياطا لأنه ملصق بالبيع وليس ببيع
وفي كلام البلاذري أنه قامر أبا لهب على أن يطيعه فيما أراد فقمره أبو لهب فأسلمه إلى ضيق أي ضيق عليه بالطلب ثم قامره فقمره أبو لهب أيضا فأرسله مكانه إلى بدر
____________________

وهشام هذا قتله عمر بن الخطاب في هذه الغزوة حتى إن أمية بن خلف أراد القعود وكان شيخا جسيما ثقيلا فجاء إليه وهو جالس مع قومه عقبة بن أبي معيط بمجمرة فيها مجمر أي بخور يحملها حتى وضعها بين يديه ثم قال يا أبا علي استجمر فإنما أنت من النساء فقال له قبحك الله وقبح ما جئت به أي وكان عقبة كما في فتح الباري سفيها وكان أبو جهل سلط عقبة على ذلك وفي لفظ أتاه أبو جهل فقال له يا ابا صفوان إنك متى يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادي وفي لفظ وأنت من أشراف الوادي تخلفوا معك فسر يوما أو يومين أي ولا مانع من وجود ذلك كله فتجهز مع الناس
أي وسبب تخلفه أن سعد بن معاذ قدم مكة معتمرا فنزل عليه لأن أمية كان ينزل على سعد بالمدينة إذا ذهب إلى الشام في تجارته فقال سعد لأمية أنظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت فقال أمية لسعد انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفلت الناس انطلقت فطفت وفي لفظ فخرج أمية به قريبا من نصف النهار فبينما سعد يطوف إذ أتاه أبو جهل فقال من هذا الذي يطوف فقال له سعد أنا سعد بن معاذ فقال له أبو جهل أتطوف بالكعبة آمنا وقد آويتم محمدا واصحابه وفي لفظ آويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما فتلاحيا أي تخاصم وسعد يرفع صوته بقوله أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة فصار أمية يقول لسعد لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي وجعل يسكت سعدا فقال سعد لأمية إليك عني فإني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك قال إياي قال نعم قال بمكة قال لا أدري قال والله ما كذب محمد فكاد يحدث أي يبول في ثيابه فزعا فرجع إلى امرأته فقال ما تعلمين ما قال أخي اليثربي يعني سعد بن معاذ قالت وما ذاك قال زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي قالت فوالله ما يكذب محمد قال فلما جاء الصريخ واراد الخروج قالت له امرأته أما علمت ما قال لك أخوك اليثربي قال فإني إذن لا أخرج فلما صمم على عدم الخروج بل أقسم بالله لا يخرج من مكة قيل له ما تقدم فخرج ناويا أن يرجع عنهم
أي ومعنى كونه صلى الله عليه وسلم قاتله أنه كان سببا في قتله وإلا فهو صلى الله عليه
____________________

وسلم لم يباشر إلا قتل أخيه وهو أبي بن خلف في أحد كما سيأتي ومن ثم جاء في رواية قال لأمية إن أصحابه يعني النبي صلى الله عليه وسلم يقتلونك
ويحتمل أن سعد بن معاذ رضي الله عنه سمعه صلى الله عليه وسلم يقول أنا اقتل أبي ابن خلف ففهم رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم يريد أمية لا أبيا
أي وفي الإمتاع أن أمية بن خلف وعتبة وشيبة ابني ربيعة وزمعة بن الأسود وحكيم ابن حزام استقسموا بالأزلام فخرج لهم القدح الناهي أي المكتوب عليه لا تفعل فأجمعوا على المقام فجاءهم أبو جهل لعنه الله وأزعجهم وأعانه على ذلك عقبة ابن أبي معيط والنضر بن الحارث
ويقال إن عداسا قال لسيده عتبة وشيبة ابني ربيعة بأبي وأمي أنتما والله ما تساقان إلا لمصارعكما فأراد عدم الخروج فلم يزل بهما أبو جهل حتى خرجا عازمين على العود عن الجيش
ولما فرغوا من جهازهم أي وكان ذلك في ثلاثة أيام وقيل في يومين وأجمعوا السير أي عزموا عليه وكانوا خمسين وتسعمائة وقيل كانوا ألفا وقادوا مائة فرس أي عليها مائة درع سوى دروع المشاة قال ابن إسحاق وخرجوا على الصعب والذلول أي لشدة إسراعهم والصعب الذي لا ينقاد والذلول الذي ينقاد معهم القيان أي بفتح القاف وتخفيف المثناة تحت وفي آخره نون جمع قينة وهي الأمة مطلقا وقيل المغنية والمراد هنا الثاني لقوله في الإمتاع ومعهم القينات يضربن بالدفوف يغنين أي بهجاء المسلمين
وسيأتي في أحد خروج جماعة من نساء قريش معهن الدفوف وعند خروجهم ذكروا ما بينهم وبين كنانة من الحرب أي والدماء وقالوا نخشى أن يأتونا من خلفنا أي لأن قريشا كان قتلت شخصا من كنانة وأن شخصا من قريش كان شابا وضيئا له ذؤابة وعليه حلة خرج في طلب ضالة له فمر ببني كنانة وفيهم سيدهم وهو عامر بن الخلوج فرآه فأعجبه فقال له من أنت يا غلام فذكر أنه من قريش فلما ولى الغلام قال عامر لقومه أمالكم في قريش من آدم قالوا بلى فأغراهم به فقتلوه ثم قال بنو كنانة لقريش رجل برجل فقالت قريش نعم رجل برجل ثم إن أخا المقتول ظفر بعامر بمر الظهران فعلاه بالسيف حتى قتله ثم خاط بطنه بسيفه ثم جاء وعلقه بأستار الكعبة من الليل
____________________

فلما أصبحت قريش رأوا سيف عامر عرفوه وعرفوا قاتله أي وكاد ذلك يثنيهم أي يصرفهم عن الخروج فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك المدلجي وكان من أشراف بني كنانة وقال لهم أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه فخرجوا سراعا وخرج معهم إبليس بعدهم أن بني كنانة وراءهم قد اقبلوا لنصرهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكره ببئر أبي عتبة أي وأمر أصحابه أن يستقوا منها وشرب من مائها
وفي الإمتاع عسكر ببيوت السقيا وهي عين بينها وبين المدينة يومان كان يستقى له صلى الله عليه وسلم الماء منها وقد جاء أن عبده صلى الله عليه وسلم رباحا كان يستقي له من بئر غرس مرة ومن بيوت السقيا مرة وقال صلى الله عليه وسلم بئر غرس من عيون الجنة ومن ثم غسل منها صلى الله عليه وسلم كما سيأتي وغرس اسم عبد كان يقوم عليها وقيل غير ذلك
وأمر صلى الله عليه وسلم حين فصل من بيوت السقيا أن تعد المسلمون فوقف لهم عند بئر ابي عتبة فعدوا وهي على ميل من المدينة فعرض اصحابه ورد من استصغر أي وكان ممن رده أسامة بن زيد ورافع بن خديج والبراء بن عازب وأسيد بن ظهير وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ورد عمير بن أبي وقاص فبكى فأجازه وقتل وعمره ستة عشر عاما وحينئذ يتوقف في رده لأن الخمسة عشر بلوغ بالسن على ما عليه أئمتنا
وخرج صلى الله عليه وسلم في خمسة وثلثمائة رجل من المهاجرين أربعة وستون وباقيهم من الأنصار وقيل كان المهاجرون نيفا وثمانين وكانت الأنصار نيفا وأربعين ومائتين
وذكر الإمام الدواني أنه سمع من مشايخ الحديث أن الدعاء عند ذكرهم يعني أصحاب بدر مستجاب وقد جرب ذلك وخلف عثمان على ابنته صلى الله عليه وسلم رقية وكانت مريضة أ ي وقيل لأنه كان مريضا بالجدري أي ولا مانع من وجود الأمرين وقد قال صلى الله عليه وسلم إن لك لأجر رجل وسهمه أي وكان أبو أمامة بن ثعلبة الأنصاري
____________________

أجمع الخروج إلى بدر وكانت أمه مريضة فأمره صلى الله عليه وسلم بالمقام على أمه فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر وقد توفيت فصلى على قبرها
واستعمل صلى الله عليه وسلم أبا لبابة رضي الله عنه واليا على المدينة ة ورده من المحل المذكور أي من بئر أبي عتبة كذا في الأصل وقيل رده من الروحاء وهو المشهور وهي قرية على ليلتين من المدينة كما تقدم
واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بالناس في المدينة وخلف عاصم بن عدي على أهل قباء وأهل العالية أي لشيء بلغه عن أهل مسجد الضرار لينظر في ذلك وكسر بالروحاء خوات بن جبير أي وفي كلام ابن عبد البر وقال موسى بن عقبة خرج خوات بن جبير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ الصفراء أصاب ساقه حجر ودميت رجله واعتلت فرجع وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأهل الأخبار يقولون إنه شهد بدرا
وله في الجاهلية قصة مشهورة مع ذات النحيين التي تضرب العرب بها المثل فتقول أشغل من ذات النحيين وهي خولة يروي أنه صلى الله عليه وسلم سأله عنها وتبسم فقال يا رسول الله قد رزقني الله خيرا منها وأعوذ بالله من الحور بعد الكور وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال له ما فعل بعيرك الشارد يعرض بهذه القصة فقال قيده الإسلام يا رسول الله وقيل لم يعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القول لتلك القضية وإنما هو لقضية أخرى هي أن خواتا مر بنسوة في الجاهلية أعجبه حسنهن فسألهن أن يفتلن له قيدا لبعيره وزعم أنه شارد وجلس إليهن بهذه العلة فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث إليهن فأعرض عنه وعنهن فلما أسلم سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك البعير وهو يتبسم وكسر أيضا الحارث بن الصمة
وبعث له صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد رضي الله عنهم يتحسسان خبر العير والتحسس للأخبار بالحاء المهملة أن يفحص الشخص عن الأخبار بنفسه وبالجيم أي يفحص عنها بغيره وجاء تحسسوا ولا تجسسوا ولم يحضرا لهذا القتال بل رجعا بخبر العير إلى المدينة على ظن أنه صلى الله عليه وسلم بالمدينة فلما علما أنه ببدر خرجا إليه فلقياه منصرفا من بدر واسهم لكل وصار كل من أسهم له يقول وأجري
____________________

يا رسول الله فيقول وأجرك ودفع صلى الله عليه وسلم اللواء وكان أبيض إلى مصعب ابن عمير وكان أمامه صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوتان إحداهما مع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أي ويقال لها العقاب وكانت من مرط لعائشة
وفي كلام بعضهم كان أبو سفيان بن حرب من أشراف قريش وكانت إليه راية الرؤساء المعروفة بالعقاب وكان لا يحملها في الحرب إلا هو أو رئيس مثله وسيأتي أنه حملها في هذه الغزوة الأب الخامس لإمامنا الشافعي وهو السائب بن يزيد والأخرى مع بعض الأنصار وابن قتيبة اقتصر على الأولى وذكر بعضهم أن بعض الأنصار هذا قيل هو سعد بن معاذ وقيل الحباب بن المنذر وهذا يرد ما تقدم في غزوة بواط عن ابن إسحاق وما سيأتي في غزوة بني قينقاع عن ابن سعد أن الرايات لم تكن وجدت وإنما حدثت يوم خبير
ومما يؤيد الرد ما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اعطى عليا كرم الله وجهه الراية يوم بدر وهو ابن عشرين سنة وفي الهدى أن لواء المهاجرين كان مع مصعب بن عمير ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر ولواء الأوس مع سعد بن معاذ ولم يذكر الرايتين
وفي الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم عقد الألوية وهي ثلاثة لواء يحمله مصعب ابن عمير ورايتان سوداوتان إحداهما مع علي والأخرى مع رجل من الأنصار وفيه إطلاق اللواء على الراية وقد تقدم أن جماعة من أهل اللغة صرحوا بترادف اللواء والراية
وكان صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة على غير لواء معقود وقال في الأصل والمعروف أن سعد بن معاذ كان على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش أي كما سيأتي قال أي جوابا عما تقدم عن الأصل العريش كان ببدر أي وهذا كان عند خروجهم وفي الطريق فلا منافاة أي لأنه يجوز أن يكون في بدر دفع الراية لغيره بإذنه صلى الله عليه وسلم ليكون معه في العريش ولبس صلى الله عليه وسلم درعه ذات الفضول وتقلد صلى الله عليه وسلم سيفه العضب
وحين فصل صلى الله عليه وسلم من بيوت السقيا قال اللهم إنهم حفاة فاحملهم وعراة فاكسهم وجياع فأشبعهم وعالة فأغنهم من فضلك فما رجع أحد منهم يريد
____________________

أن يركب إلا وجد ظهرا للرجل البعير والبعيران واكتسى من كان عاريا وأصابوا طعاما من أزوادهم وأصابوا فداء الأسارى فاغتنى به كل عائل
وكان حبيب بن يساف ذا بأس ونجدة ولم يكن اسلم ولكنه خرج نجدة لقومه من الخزرج طالبا للغنيمة ففرح المسلمون بخروجه معهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصحبنا إلا من كان على ديننا أي وفي رواية ارجع فإنا لا نستعين بمشرك أي وسيأتي في أحداثه صلى الله عليه وسلم قال لا ننتصر بأهل الشرك على أهل الشرك لما رد حلفاء عبد الله بن أبي ابن سلول من يهود وتكررت من حبيب المراجعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الثالثة قال له تؤمن بالله ورسوله قال نعم فأسلم وقاتل قتالا شديد
وفي الإمتاع وقدم حبيب بن يساف بالروحاء مسلما ولا مخالفة لجواز أن يكون أسلم قبل الروحاء
ولما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما أو يومين ثم نادى مناديه يا معشر العصاة إني مفطر فأفطروا
وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان قال لهم قبل ذلك أفطروا فلم يفطروا انتهى وسيأتي في فتح مكة أنه صلى الله عليه وسلم بالفطر فلم يفعل جماعة منهم ذلك فقال أولئك العصاة وكانت إبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي التي معهم يومئذ سبعين بعيرا فاعتقبوها كل ثلاثة يعتقبون بعيرا أي إلا ما كان من حمزة وزيد بن حارثة وأبي كبشة وأنيسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هؤلاء الأربعة كانوا يعتقبون بعيرا
أي وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالأجراس أن تقطع من أعناق الإبل يوم بدر
وفي الإمتاع فكانوا يتعاقبون الإبل الاثنين والثلاثة والأربعة هذا كلامه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومرثد يعتقبون بعيرا وفي لفظ كان أبو لبابة وعلي والنبي صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيرا أي وذلك قبل أن يرد أبا لبابة للمدينة من الروحاء وبعد أن رده قام مقامه مرثد وقيل زيد بن حارثة وقيل زيد كان مع حمزة أي كما تقدم
____________________

ويجوز انه كان مع حمزة تارة ومع النبي صلى الله عليه وسلم اخرى فكان اذا كانت عقبة النبي صلى الله عليه وسلم قالا له أي رفيقاه اركب حتى نمشى معك فيقول ما انتما باقوى مني على المشي وما انا باغنى عن الاجر منكما
وكان ابو بكر وعمر وعبدالرحمن بن عوف رضى الله عنهم يعتقبون بعيرا أي ورفاعة وخلاد ابنا رافع وعبيد بن يزيد الانصارى يعتقبون بعيرا حتى اذا كانوا بالروحاء برك بعيرهم عيا فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله برك علينا بكرنا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتمضمض والقاه في اناء أي وفي الامتاع فتمضمض وتوضا في اناء ثم قال افتح فاه فصب منه في فيه ثم صب باقي ذلك عليه ثم قال اركبا ومضى فلحقاه وانه لينفر بهم أي وامر صلى الله عليه وسلم باحصاء من معه وهو محتمل لان يكون امر بذلك ثانيا بعد الروحاء بعد ان رد ابا لبابة وبعد عدهم في بئر ابي عتبة فاذا هم ثلثمائة وثلاثة عشر ففرح بذلك وقال عدة اصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر وهذا قول عامة السلف كما قاله ابن جرير رحمه الله ومن زاد على ذلك عد منهم من رده صلى الله عليه وسلم من الروحاء ومن اسهم له ولم يحضر ومن نقص عن ذلك وعدهم ثلثمائة وخمس رجال أو ست رجال أو سبعة رجال فالجواب عنه لا يخفى
وكان في الجيش خمسة افراس فرسان له صلى الله عليه وسلم وفرس لمرثد ويقال له السيل وفرس للمقداد بن الاسود نسب اليه لانه تبناه في الجاهلية كما تقدم ويقال لها سبحة وفرس للزبير ويقال له اليعسوب وقيل لم يكن في الجيش الا فرسان فرس المقداد وفرس الزبير
وعن علي رضى الله تعالى عنه ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد اقول يجوز ان يكون المراد لم يقاتل يوم بدر فارسا الا المقداد وغيره ممن له فرس قاتل راجلا ويؤيده ما يأتي انه صلى الله عليه وسلم لما قسم الغنيمة لم يميز احدا عن احد الراجل مع الراجل والفارس مع الفارس لكن قد يخالفه قول الزمخشري في خصائص العشرة كان الزبير رضى الله عنه صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وليس على الميمنة يومئذ فارس غيره هذا كلامه الا ان يقال كون الزبير فارسا على الميمنة
____________________

لا يخالف كون المقداد فارسا في محل اخر مع الجماعة الذين فيهم سيدنا علي كرم الله وجهه فقول سيدنا علي لم يكن فينا أي في الجماعة الملازمين لنا تأمل والله اعلم
وفي اثناء الطريق بعرق الظبية لقوا رجلا من الاعراب فسالوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبرا فقال له الناس سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال افيكم رسول الله قالوا نعم فسلم عليه ثم قال ان كنت رسول الله فاخبرني بما في بطن ناقتي هذه فقال له سلامه بن سلامة بن وقش لا تسل رسول الله صلى الله عليه وسلم اقبل علي انا اخبرك عن ذلك نزوت عليها ففي بطنها منك سخلة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم افحست على الرجل ثم اعرض عن سلامة فلما نزلوا بواد يقال له ذفران بكسر الفاء أي وهو واد قريب من الصفراء اتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه واخبرهم الخبر أي قال لهم ان القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول أي مسرعين فما تقولون العير احب اليكم من النفير فقالوا بلى أي قالت ذلك طائفة منهم العير احب الينا من لقاء العدو وفي رواية هلا ذكرت لنا القتال حتى نتأهب له انا خرجنا للعير وفي رواية يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو فعند ذلك تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى ذلك عن ابي ايوب رضى الله عنه في سبب نزول قوله تعالى { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون } وعند ذلك قام ابو بكر فقال واحسن ثم قام عمر فقال واحسن ثم قام المقداد فقال يا رسول الله امض لما امرك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل أي لموسى { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون } اذهب انت وربك فقاتلا انا معكم مقاتلون ما دامت منا عين تطرف فوالله الذي بعثك بالحق نبيا لو سرت بنا الى برك الغماد وهي مدينة بالحبشة لجالدنا أي ضربنا بالسيوف معك من دونه حتى نبلغه وفي لفظ نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك قال ابن مسعود فرايت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك وسر بذلك
وفي الكشاف فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ثم دعا له بخير
هذا وفي العرائس روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه يوم الحديبية
____________________

حين صد عن البيت اني ذاهب بالهدى فتأخر عند البيت واستشار اصحابه في ذلك فقال المقداد بن الاسود اما والله لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى فاذهب انت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون ولكنا نقول انا معكم مقاتلون والله لنقاتلن عن يمينك وشمالك ومن بين يديك ولو خضت بحرا لخضناه معك ولو علوت جبلا لعلوناه معك ولو ذهبت بنا برك الغماد لتابعناك فلما سمع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك تابعوه فاشرق عند ذلك وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعدد ممكن لكنه بعيد ثم قال اشيروا علي فقال عمر يا رسول الله انها قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت ولا امنت منذ كفرت والله لتقاتلنك فتاهب لذلك اهبته واعدد لذلك عدته أي ثم استشارهم ثالثا فقال اشيروا على ايها الناس ففهمت الانصار انه يعنيهم وذلك لانهم عدد الناس أي اكثرهم عددا ومن ثم قيل وانما كرر رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستشارة أي في ذلك المجلس ليعرف حال الانصار فانه تخوف ان لا تكون الانصار ترى عليها نصرته الا ممن دهمه أي جاءه على حين غفلة بالمدينة من عدوه وان ليس عليهم ان يسير بهم الى عدو من بلادهم عملا بظاهر قولهم له صلى الله عليه وسلم حين بايعوه عند العقبة يا رسول الله اناء براء من ذمامك حتى تصل الى دارنا فاذا وصلت اليها فانت في ذمتنا نمنعك بما نمنع به ابناءنا ونساءنا ومن ثم قال له سعد بن معاذ سيد الاوس وقيل سعد ابن عبادة سيد الخزرج وانما حكى بصيفة التمريض لانه قد اختلف في عده في البدريين والصحيح انه لم يشهد بدرا فانه كان تهيأ للخروج فنهش بالمهملة أي لدغته الحيه قبل ان يخرج فاقام أي وضرب له بسهم فقال لعلك تريدنا معاشر الانصار يا رسول الله فقا أجل قال قد امنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به هو الحق واعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة زاد في رواية ولعلك يا رسول الله تخشى ان تكون الانصار ترى عليها ان لا ينصروك الا في ديارهم واني اقول عن الانصار واجيب عنهم فاظعن حيث شئت وصل حبل من شئت واقطع حبل من شئت وفي لفظ وصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وسالم من شئت وعاد من شئت وخذ من اموالنا ما شئت وما اخذت منا اكان احب الينا مما تركت وما امرت فيه من امر فامرنا تبع لامرك فامض يا رسول الله لما اردت فنحن معك والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره ان تلقى بنا عدونا
____________________

وانا لصبر في الحرب صدق اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك وفي لفظ بعض ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله تعالى فنحن عن يمينك وشمالك وبين يديك ومن خلفك فسر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك أي واشرق وجهه بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال صلى الله عليه وسلم سيروا وابشروا فان الله تعالى قد وعدني احدى الطائفتين أي وهما عير قريش ومن خرج من مكة من قريش يريد حماية ذلك العير فوالله لكأني الان انظر الى مصارع القوم أي فقد اعلمه الله تعالى بعد وعده بذلك بالظفر بالطائفة الثانية واراه مصارعهم فعلم القوم انهم ملاقون القتال وان العير لا تحصل لهم
ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذفران حتى نزل قريبا من بدر فركب صلى الله عليه وسلم هو وابو بكر رضى الله عنه أي وقيل بدل ابي بكر قتادة بن النعمان وقيل معاذ بن جبل حتى وقفا على شيخ من العرب أي يقال له سفيان قال في النور لا اعلم له اسلاما فساله صلى الله عليه وسلم عن قريش وعن محمد واصحابه وما بلغه عنهم فقا الشيخ لا اخبركما حتى تخبراني من انتما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اخبرتنا اخبرناك فقال الشيخ ذاك بذاك قال نعم قال فانه قد بلغني ان محمدا واصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فان كان صدق الذي اخبرني به فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه وبلغني ان قريشا خرجوا يوم كذا وكذا فان كان الذي اخبرني به صدق فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي نزلت به قريش فلما فرغ من خبره قال من انتما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن من ماء أي من ماء دافق وهو المنى ثم انصرفا عنه فقال الشيخ من ماء من ماء العراق فهم ان المراد بالماء حقيقته
أي لكن في الامتاع فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحن من ماء واشار بيده الى العراق فقال من ماء العراق أي واضيف الماء إلى العراق لكثرته به وفيه ان هذا من التورية وقد تقدم في اوائل الهجرة انه لا ينبغي لنبي ان يكذب ولو صورة ومنه التورية
لكن في كلام القاضي البيضاوى وما روى انه عليه الصلاة والسلام قال لابراهيم عليه الصلاة والسلام ثلاث كذبات تسمية للمعاريض كذبا لما شابهت صورتها صورته ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اصحابه ودعا لهم فقال اللهم انهم حفاة فاحملهم
____________________

اللهم انهم عراة فاكسهم اللهم انهم جياع فاشبعهم ففتح الله لهم يوم بدر فانقلبوا حين انقلبوا وما منهم رجل الا وقد رجع بجمل او جملين واكتسوا وشبعوا اخرجه ابو داود عن عمرو ابن العاص رضى الله تعالى عنه أي شبعوا واكتسوا بما اصابوه من كسوة وأزواد قريش
وفي الامتاع ان دعاءه صلى الله عليه وسلم المذكور كان عند مفارقته محل معسكره بالمدينة وهو بيوت السقيا كما تقدم وتقدم فيه زيادة وعالة فأغنهم فأصابوا الاسرى فاغتنى بهم كل عائل ولا مانع ان يكون دعاؤه صلى الله عليه وسلم بذلك تكرر
فلما امسى صلى الله عليه وسلم بعث علي بن ابي طالب والزبير بن العوام وسعد بن ابي وقاص في نفر من اصحابه رضى الله تعالى عنهم إلى بدر يلتمسون الخبر فاصابوا راوية لقريش معها غلام لبني الحجاج وغلام لبني العاص فأتوا بهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي فقالوا لمن أنتما وظنوا انهما لابي سفيان فقالا نحن سقاة لقريش بعثونا نسقيهم من الماء فضربوهما فلما أوجعوهما ضربا قالا نحن لابي سفيان فتركوهما فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته قال إذا صدقاكم ضربتوهما واذا كذبا كم تركتموهما صدقا والله انهما لقريش اخبراني عن قريش قالا هم وراء هذا الكثيب أي التل من الرمل الذي يرى بالعدوة القصوى أي جانب الوادي المرتفع فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كم القوم قالا كثير أي وفي لفظ هم والله كثير عددهم شديد بأسهم قال ما عدتهم قالا لا ندري أي وجهد النبي صلى الله عليه وسلم ان يخبراه كم هم فأبيا قال صلى الله عليه وسلم كم تنحرون أي من الجزر كل يوم قالا يوما تسعا ويوما عشرا فقال صلى الله عليه وسلم القوم ما بين التسعمائة والالف أي لكل جزور مائة ثم قال لهما فمن فيهم من اشراف قريش قالا عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وابو البحتري بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدي بن نوفل والنضر بن الحارث وزمعة بن الاسود وابو جهل بن هشام وامية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو العامري أي رضى الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك يوم الفتح وهو من اشراف قريش وخطبائهم وسيأتي انه ممن اسر في هذه الغزاة وعمرو بن عبدود فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال هذه مكة قد ألقت اليكم افلاذ أي قطع كبدها أي اشرافها وعظماءها وذكر ان مسيرهم واقامتهم كانت عشر
____________________

ليال حتى بلغوا الجحفة أي وهي قرية بقرب رابغ كما تقدم نزلوا بها عشاء أي وفي الامتاع انهم ردوا القيان من الجحفة
اقول هذا والذي في مسلم وابي داود عن انس رضي الله تعالى عنه فاذا هم بروايا قريش فيها رجل اسود لبني الحجاج فجاءوا به فكانوا يسالونه عن ابي سفيان فيقول مالي بأبي سفيان علم فاذا قال ذلك ضربوه واذا قال هذا ابو سفيان تركوه الحديث
أي وفي الامتاع واخذ تلك الليلة يسار غلام عبيدة بن سعيد بن العاص واسلم علام منبه بن الحجاج وابو رافع غلام اميه بن خلف فاتى بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي الحديث
وقد يقال لا منافاة لان بعض الرواة ذكر الثلاثة وبعضهم اقتصر على اثنين وبعضهم اقتصر على واحد والله اعلم
وكان مع قريش رجل من بني المطلب بن عبد مناف يقال له جهم بن الصلت رضي الله تعالى عنه فانه اسلم في عام خيبر واعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ثلاثين وسقا وقيل اسلم بعد الفتح فوضع راسه فأغفى ثم قام فزعا فقال لاصحابه هل رأيتم الفارس الذي وقف على فقالوا لا قال قد وقف على فارس فقال قتل ابو جهل وعتبة وشيبة وزمعة وابو البحتري وامية بن خلف وفلان وفلان وعد رجالا من اشراف قريش ممن قتل يوم بدر أي وقال اسر سهيل بن عمرو وفلان وفلان وعد رجالا ممن اسر قال ثم رايت ذلك الفارس ضرب في لبه بعيره ثم ارسله في العسكر فما من خباء من أخيه العسكر إلا أصابه من دمه فقال له أصحابه إنه لعب بك الشيطان ولما شاعت هذه الرؤيا في العسكر وبلغت ابا جهل قال قد جئتم بكذب بني عبد المطلب مع كذب بني هاشم سيرون غدا من يقتل وفي لفظ قال ابو جهل هذا نبي آخر من بني المطلب سيعلم غدا من المقتول نحن أو محمد وأصحابه وأول من نحر لهم حين خرجوا من مكة ابو جهل بن هشام عشر جزائر أي بم الظهران وكانت جزور منها بعد ان نحرت بها حياة فجالت في العسكر فما بقي خباء من اخبية العسكر الا اصابه من دمها كذا في الامتاع
ومن هذا المحل رجع بنو عدي أي تفاؤلا بذلك ثم نحر لهم سفيان بن امية بعسفان تسع جزائر ونحر لهم سهيل بن عمرو بقديد عشر جزائر وساروا من قديد فضلوا بهائم
____________________

ثم اصبحوا بالجحفة فنحر لهم عتبة بن ربيعة عشر جزائر فلما اصبحوا بالابواء نحر لهم مقيس بن عمرو الجمحى تسع جزائر أي ويقال ان الذي نحر لهم بالابواء نبيه ومنبه ابنا الحجاج عشرا ونحر لهم العباس بن عبد المطلب عشر جزائر ونحر لهم الحارث بن عامر ابن نوفل تسعا ونحر لهم ابو البحترى على ماء بدر عشر جزائر ونحر لهم مقيس الجمحى على ماء بدر تسعا أي ثم شغلهم الحرب فأكلوا من ازوادهم ثم مضى رجلان من الصحابة أي قبل وصوله صلى الله عليه وسلم الى بدر وكذا قبل وصول قريش الى بدر كما يدل عليه الكلام الاتي خلاف ما يدل عليه هذا السياق الى ما ء بدر فنزلا قريبا منه عند تل هناك ثم اخذا شنا لهما يستقيان فيه وشخص على الماء واذا جاريتان يتلازمان أي يتخاصمان تمسك احداهما الاخرى على الماء والملزومة تقول لصاحبتها انما يأتي العير غدا او بعد غد فاعمل لهم واقضيك الذي لك فقال ذلك الرجل الذي على الماء صدقت ثم خلص بينهما وسمع ذلك الرجلان فجلسا على بعيرهما ثم انطلقا حتى اتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبراه بما سمعا ثم ان ابا سفيان تقدم العير حذرا حتى ورد الماء فلقى ذلك الرجل فقال له هل احسست احدا قال ما رايت احدا انكره الا اني قد رايت راكبين قد اناخا الى هذا التل ثم استقيا في شن لهما ثم انطلقا
فأتى ابو سفيان مناخهما فاخذ من ابعار بعيرهما ففتته فاذا فيه النوى فقال والله علائف يثرب فرجع الى اصحابه سريعا فصوب عيره عن الطريق وترك بدرا بيسار وانطلق حتى اسرع فلما علم انه قد احرز عيره ارسل الى قريش أي وقد كان بلغه مجيئهم ليحرزوا العير وكانوا حينئذ بالجحفة انكم انما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم واموالكم وقد نجاها الله تعالى فارجعوا فقال ابو جهل والله لا نرجع حتى نحضر بدرا فنقيم عليه ثلاثة ايام فلا بد ان ننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان أي تضرب بالمعازف أي الملاهي وقيل الدفوف وقيل ل الطنابير وقيل نوع منها يتخذه اهل اليمن وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا ابدا بعدها وسيأتى في غزاة بدر الموعد ان موسم بدر يكون عند هلال ذى القعدة في كل عام يمكث ثمانية ايام ويبعد ارادة ذلك لابي جهل أي اقامتهم ببدر بقية رمضان وتمام شوال
قال ولما ارسل ابو سفيان يقول لقريش ما تقدم أي ورد عليه ابو جهل بما ذكر
____________________

قال هذا بغي والبغي منقصة وشؤم وعند ذلك رجع منهم بنو زهرة وكانوا نحو المائة انتهى أي وقيل ثلثمائة وقائدهم كان الأخنس بن شريق
وفي كلام ابن الاثير فلم يقتل منهم أي من بني زهرة أحدا ببدر وفي كلام غيره ولم يشهد بدرا احد من بني زهرة الا رجلان قتلا كافرين فان الاخنس قال لبني زهرة يا بني زهرة قد نجى الله اموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل انما نفرتم لتمنعوه وماله واجعلوا بي حميتها وارجعوا فانه لا حاجة لكم بان تخرجوا في غير منفعة لاما يقول هذا يعني ابا جهل وقال لابي جهل أي وقد خلا به اترى محمدا يكذب فقال ما كذب قط كنا نسميه الامين لكن اذا كانت في بني عبد المطلب السقاية والرفادة والمشورة ثم تكون فيهم النبوة فاي شيء يكون لنا فانخنس الاخنس ورجع ببني زهرة أي واسمه ابي وانما لقب بالاخنس من حين رجع ببني زهرة فقيل خنس بهم فسمى الاخنس كان حليفا لبني زهرة مقدما فيهم رضى الله تعالى عنه فانه اسلم يوم الفتح واعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المؤلفة قلوبهم
ورأيت عن السهيلي انه قتل يوم بدر كافرا وتبعه على ذلك التلمساني في حاشية الشفاء واستدل له بقول القاضي البيضاوي ان قوله تعالى { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } الاية نزلت في الاخنس بن شريق وفي الاصابة انه كان من المؤلفة ومات في خلافة عمر
وعن السدى ان الاخنس جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فاظهر اسلامه وقال الله يعلم اني لصادق ثم هرب بعد ذلك فمر بقوم مسلمين فحرق زرعهم فنزلت { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } الى قوله { وبئس المهاد }
قال ابن عطيه ما ثبت قط ان الاخنس اسلم قلت قد اثبته في الصحابة جماعة ولا مانع ان يكون اسلم ثم ارتد ثم رجع إلى الاسلام هذا كلام الاصابة
وفي كلام ابن قتيبة ولم يسلم الاخنس وفي كلام بعضهم ثلاثة ابن وابوه وجده شهدوا بدرا الاخنس وابنه يزيد وابنه معن فليتأمل ذلك
قال واراد بنو هاشم الرجوع فاشتد عليهم ابو جهل وقال لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع انتهى
ثم لم يزالوا سائرين حتى نزلوا بالعدوة القصوى قريبا من الماء ونزل رسول الله
____________________

صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعيدا من الماء بينهم وبين الماء رحلة فظمىء المسلمون وأصابهم ضيق شديد واجنب غالبهم والقى الشيطان في قلوبهم الغيظ فوسوس إليهم تزعمون انكم اولياء الله تعالى وانكم على الحق وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وانتم عطاش وتصلون مجنبين أي وما ينتظر اعداؤكم الا ان يقطع العطش رقابكم ويذهب قواكم فيحكموا فيكم كيف شاؤوا
وفي الكشاف فاذا قطع العطش اعناقكم مشوا اليكم فقتلوا من احبوا وساقوا بقيتكم الى مكة فحزنوا حزنا شديدا وأشفقوا وكان الوادي دهسا بالسين المهملة أي لينا كثير التراب تسيخ فيه الاقدام فبعث الله السماء أي المطر فأطفأت الغبار ولبدت الارض أي شدتها للنبي صلى الله عليه وسلم ولاصحابه أي وطهرهم به واذهب عنه رجز الشيطان أي وسوسته وشربوا منه وملئوا الاسقية وسقوا الركائب واغتسلوا من الجنابة أي وطابت نفوسهم فذلك قوله تعالى { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } أي من الاحداث { ويذهب عنكم رجز الشيطان } أي وسوسته { وليربط على قلوبكم } أي يشدها ويقويها { ويثبت به الأقدام } أي بتلبيد الارض حتى لا تسوخ في الرمل واصاب قريشا منها مالم يقدروا على ان يرتحلوا منه أي ويصلوا الى الماء أي فكان المطر نعمة وقوة للمؤمنين وبلاء ونقمة للمشركين
وعن علي رضى الله تعالى عنه اصابنا من الليل طس من مطر فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها من المطر وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه
وعن علي رضى الله تعالى عنه ما كان فينا أي تلك الليلة قائم الا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تحت شجرة ويكثر في سجوده أي يقول يا حي ياقيوم يكرر ذلك حتى اصبح أي لا ن المسلمين اصابهم تلك الليلة نعاس شديد يلقى الشخص على جنبه
أي وعن قتادة كان النعاس امنة من الله وكان النعاس نعاسين نعاس يوم بدر ونعاس يوم احد لان النعاس هنا كان ليلا قبل القتال وفي احد كان وقت القتال وكون النعاس امنة وقت القتال أو وقت التأهب له وهو وقت المصافة واضح لاقبله
هذا وذكر الشمس الشامى انه لما نزلت الملائكة والناس بعد على مصافهم لم يحملوا على عدوهم وبشرهم صلى الله عليه وسلم بنزول الملائكة حصل لهم الطمأنينة والسكينة وقد حصل لهم النعاس الذي هو دليل على الطمأنينة وربما يقتضي انه حصل لهم النعاس
____________________

عند المصافة والا فقد يقال ان قوله وقد حصل لهم النعاس جملة حالية أي والحال انه حصل لهم قبل ذلك في تلك الليلة لا في وقت المصافة
ولا يبعد ذلك قوله بعد ذلك ولهذا قال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه النعاس في المصاف من الايمان والنعاس في الصلاة من النفاق أي لانه في الاول يدل على ثبات الجنان وفي الثاني يدل على عدم الاهتمام بامر الصلاة
فلما ان طلع الفجر نادى صلى الله عليه وسلم الصلاة عباد الله فجاء الناس من تحت الشجر الحجف فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرض على القتال أي في خطبة خطبها افقال بعد ان حمد الله واثنى عليه اما بعد فاني احثكم على ما حثكم الله عليه الى ان قال وان الصبر في مواطن الباس مما يفرج الله تعالى به الهم وينجى به من الغم الحديث
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم أي يسابق قريشا الى الماء فسبقهم عليه حتى جاء ادنى ماء من بدر أي اقرب ماء الى بدر من بقية مياهها فنزل به صلى الله عليه وسلم فقال له الحباب بن المنذر يا رسول الله ارأيت هذا المنزل امنزل انزلكه الله تعالى ليس لنا ان نتقدمه ولا نتأخر عنه ام هو الراي والحرب والمكيدة قال بل هو الرأي والحرب والمكيدة قال يا رسول الله ان هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تاتي ادنى ماء من القوم أي اذا نزل القوم يعني قريشا كان ذلك الماء اقرب المياه أي محله اقرب المياه إليهم قال الحباب فاني اعرف غزارة مائه وكثرته بحيث لا ينزح فننزله ثم نغور ما عداه من القلب أي وهي الابار غير المبنية ثم نبني عليه حوضا فتملآه ماء فنشرب ولا يشربون لان القلب كلها حينئذ تصير خلف ذلك القليب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد اشرت بالرأي ونزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرأي ما اشار اليه الحباب فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس فسار حتى اتى ادنى ماء من القوم أي من المحل الذي ينزل به القوم فنزل عليه ثم امر بالقلب فغورت بسكون الواو
وقال السهيلي لما كانت القلب عينا جعلها كعين الانسان ويقال في عين الانسان غرتها فغارت ولا يقال غورتها أي بالتشديد وبنى صلى الله عليه وسلم حوضا على القليب
____________________

الذى نزل به فملاه ماء ثم قذفوا فيه الانية ومن يومئذ قيل للحباب ذو الرأي وظاهر كلام بعضهم انه كان معروفا بذلك قبل هذه الغزاة
وفيه ان ذلك القليب اذا كان خلف ظهورهم وسائر القلب خلفه ما المعنى في تغويرها لانها اذا لم تغورهم يشربون ولا يشرب القوم الا ان يقال المعنى لئلا ياتوا اليها من خلفهم فالغرض قطع اطماعهم من الماء فليتأمل واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم بل هو الرأي على جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم في الحرب نظرا لصورة السبب أو مطلقا لان صورة السبب لا تخصص وجواز الاجتهاد له مطلقا هو الراجح
ومما استدل به على وقوع الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم في الاحكام قوله الا الاذخر عقب ما قيل له الا الاذخر قال السبكى وليس قاطعا لاحتمال ان يكون اوحى إليه في تلك اللحظة
هذا وفي كلام بعضهم انهم نزلوا على ذلك القليب نصف الليل فصنعوا الحوض وملئوه وقذفوا فيه الانية بعد ان استقوا منه وسيأتى ما يؤيده
وقال سعد بن معاذ يا نبي الله الا نبني عريشا أي وهو شيء كالخيمة من جريد يستظل به تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فان اعزنا الله تعالى واظهرنا على عدونا كان ذلك ما احببنا وان كانت الاخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا فقد تخلف عنك اقوام يا نبي الله ما نحن باشد لك حبا منهم ولا اطوع لك منهم لهم رغبة في الجهاد ونية ولو ظنو انك تلقى حربا ما تخلفوا عنك انما ظنوا انها العير يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك فاثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير أي وقال او يقضى الله خيرا من ذلك يا سعد أي وهو نصرهم وظهورهم على عدوهم ثم بنى أي ذلك العريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي فوق تل مشرف على المعركة كان فيه
أي وعن علي رضي الله تعالى عنه انه قال لجمع من الصحابه اخبروني عن اشجع الناس قالوا انت قال اشجع الناس ابو بكر لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا فقلنا من مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي من يكون معه لئلا يهوى اليه احد من المشركين فوالله مادنا منا احد الا ابو بكر شاهرا بالسيف على راس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوى اليه احد الا اهوى اليه أي
____________________

ولذلك حكم علي انه اشجع الناس وبه يرد قول الشيعة والرافضة ان الخلافة لا يستحقها الا علي لانه اشجع الناس أي وهذا كان قبل ان يلتحم القتال والا فبعد التحامه كان علي على باب العريش الذي به صلى الله عليه وسلم وابو بكر وسعد بن معاذ قائمان على باب العريش في نفر من الانصار كما سيأتي
ومما استدل على ان ابا بكر اشجع من علي ان عليا اخبره النبي صلى الله عليه وسلم انه لا يقتله الا ابن ملجم فكان اذا دخل الحرب ولاقى الخصم علم انه لا قدرة له على قتله فهو معه كالنائم على فراشه واما ابو بكر فلم يخبر بقاتله فكان اذا دخل الحرب لا يدري هل يقتل اولا ومن هذه حاله يقاسي من التعب مالا يقاسيه غيره
ومم يدل على ذلك ما وقع له في قتال اهل الردة وتصميمه العزم على مقاتلة مانعي الزكاة مع تثبيط سيدنا عمر له عن ذلك
فلما كان الصباح اقبلت قريش من الكثيب هذا يؤيد القول بانه صلى الله عليه وسلم سار باصحابه ليلا يبادرهم الى الماء لان ذلك بعد طلوع الفجر وصلاة الصبح كما تقدم لان الظاهر من قول الراوي اقبلت أي عليهم هم ماكثون
ويؤيده ايضا ما في مسلم عن انس رضى الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليلة بدر أي بعد ان وصل الى محل الوقعة هذا مصرع فلان ان شاء الله غدا ووضع يده على الارض وهذا مصرع فلان ههنا وهذا مصرع فلان ههنا قال انس ما ماط احدهم عن موضع يده صلى الله عليه وسلم أي ما تنحى فليتأمل الجمع
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا وقد اقبلت بالدروع الساترة والجموع الوافرة والاسلحة الشاكية أي التامة قال اللهم هذه قريش قد اقبلت بخيلائها أي كبرها وعجبها وفخرها تجادلك أي تعايك وتخالف امرك وتكذب رسولك فنصرك أي انجز نصرك الذي وعدتني أي وفي لفظ اللهم انك انزلت على الكتاب وامرتني بالثبات ووعدتني احدى الطائفتين أي وقد فاتت احداهما وهي العير وانك لا تخلف الميعاد اللهم احبهم أي اهلكهم الغداة وفي رواية اللهم لا تفلتن ابا جهل فرعون هذه الامة اللهم لا تفلتن زمعة بن الاسود اللهم واسحق عين ابي زمعة واعم بصر ابي زمعة اللهم لا تفلتن سهيلا الحديث
ولما اطمأنت قريش ارسلوا عمير بن وهب الجمحى أي رضى الله تعالى عنه
____________________

فانه اسلم بعد ذلك وحسن اسلامه وشهد احدا معه صلى الله عليه وسلم فقالوا احزر لنا اصحاب محمد أي انظر لنا عدتهم فاستجال بفرسه حول عسكر النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع اليهم فقال ثلثمائة رجل يزيدون قليلا او ينقصون قليلا ولكن امهلوني حتى انظر للقوم كمينا او مددا فذهب في الوادى حتى ابعد فلم ير شيئا ثم رجع إليهم وقال ما رأيت شيئا ولكني قد رايت يا معشر قريش البلايا أي وهي في الاصل النوق تبرك على قبر صاحبها فلا تعلف لا تسقى حتى تموت تحمل المنايا أي الموت أي نواضح يثرب تحمل الموت الناقع أي البالغ
زاد بعضهم الا ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الافاعى لا يريدون ان ينقلبوا الى اهلهم زرق العيون كأنهم الحصا تحت الحجف يعنى الانصار قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ الا سيوفهم والله ما نرى ان نقتل منهم رجلا حتى يقتل رجل منكم فاذا اصابوا منكم اعدادهم فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فاتى عتبة بن ربيعة فقال يا ابا الوليد انك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها هل لك الى ان لا تزال تذكر فيها بخير الى اخر الدهر قال وما ذاك يا حكيم قال ترجع بالناس فقام عتبة خطيبا فقال يا معشر قريش انكم والله ما تصنعون بان تلقوا محمدا وأصحابه شيئا والله لئن اصبتموه لا يزال رجل ينظر في وجه رجل يكره النظر اليه قتل ابن عمه وابن خاله ورجلا من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب فان اصابوه فذاك الذي اردتم وان كان غير ذلك اكفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون أي يا قوم اعصبوها اليوم براسي أي اجعلوا عارها متعلقا بي وقولوا جبن عتبة وانتم تعلمون اني لست بأجبنكم
أي وفي لفظ اخر ان حكيم بن حزام قال لعتبة بن ربيعة تجير بين الناس وتحمل دم حليفك عمرو بن الحضرمى أي الذي قتله واقد بن عبدالله في سرية عبدالله ابن جحش الى نخلة وهو اول قتيل قتله المسلمون وتحمل ما اصاب محمد من تلك العير أي الذي غنمه عبدالله بن جحش كما سيأتى في السرايا فانهم لا يطلبون من محمد الا ذلك فقال عتبة نعم قد فعلت أي هو حليفى فعلى عقله وما اصيب من المال ونعم ما قلت ونعم مادعوت اليه وركب عتبة جملا له وصار يجيله في صفوف قريش
____________________

يقول يا قوم اطيعوني فانكم لا تطلبون غير دم ابن الحضرمي وما اخذ من العير وقد تحملت ذلك
زاد بعضهم انه قال يا معشر قريش انشدكم الله في هذه الوجوه التي تضىء ضياء المصابيح يعنى قريشا ان تجعلوها اندادا لهذه الوجوه التي كأنها عيون الحيات يعنى الانصار وهذا كما ترى وما يأتى ايضا يضعف قول من قال انه صلى الله عليه وسلم عقل ابن الحضرمى أي اعطى ديته
وقد كان صلى الله عليه وسلم لما رأى قريشا اقبلت من الكثيب وعتبة على جمل احمر قال ان يكن في احد من القوم خير فعند صاحب الجمل الاحمر
أي وفي رواية ان يكن احد يامر بخير فعسى ان يكون صاحب الجمل الاحمر ان يطيعوه يرشدوا ولما راى رسول الله صلى الله عليه وسلم راكب الجمل الاحمر يجيله في صفوف قريش قال يا علي ناد حمزه وكان اقربهم إلى المشركين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من صاحب الجمل الاحمر وماذا يقول لهم فقال هو عتبة بن ربيعة ينهى عن القتال وحينئذ يكون قوله صلى الله عليه وسلم ان يكن في احد من القوم خير الخ من اعلام نبوته صلى الله عليه وسلم
ثم قال عتبة لحكيم بن حزام انطلق لابن الحنظلية يعنى ابا جهل قال حكيم فانطلقت حتى جئت ابا جهل فوجدته قد سل درعا له من جرابها أي اخرجها منه فقلت له يا ابا الحكم ان عتبة ارسلني اليك بكذا وكذا للذي قال فقال انتفخ والله سحره أي رئته كلمه تقال للجبان
وفي لفظ انه قال لعتبة وقد جاء الله اليه انت تقول هذا والله لو غيرك يقول هذا لاعضضته أي قلت له اغضض على بظر امك ان قد ملأت رئتك جوفك رعبا كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وقال لحكيم ما بعتبة ما قال ولكنه قد راى ان محمدا واصحابه اكلة جزور أي في قلة بحيث يكفيهم الجزور وفيهم ابنه أي وهو ابو حذيفة رضى الله تعالى عنه فانه كان ممن اسلم قديما فقد تخوفكم عليه
أي وفي رواية انه قال يا معشر قريش انما يشير عليكم عتبة بهذا لان ابنه مع محمد ومحمد ابن عمه فهو كره ان تقتلوا ابنه وابن عمه فغضب عتبة وسب ابا جهل وقال سيعلم اينا افسد لقومه
____________________

أي ومن غريب الاتفاق ان ام ابان بنت عتبة بن ربيعة المذكور كان لها اربعة اخوة وعمان كل منهم حضر بدرا اثنان من اخوتها مسلمان واثنان مشركان وواحد من عميها مسلم ولاخر كافر فالاخوان المسلمان ابو حذيفة ومصعب بن عمير ولعله كان اخاها لامها والكافران الوليد بن عتبة وابو عزيز العم المسلم معمر بن الحارث ولعله كان اخا لعتبة لأمه والعم الكافر شيبة بن ربيعة وكان من حكمة الله تعالى ان الله جعل المسلمين قبل ان يلتحم القتال في اعين المشركين قليلا استدراجا لهم ليقدموا ولما التحم القتال جعلهم الله في اعين المشركين كثيرا ليحصل لهم الرعب والوهن وجعل الله المشركين عند التحام القتال في اعين المسلمين قليلا ليقوى جأشهم على مقاتلتهم
ومن ثم جاء عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه انه قال لقد قللوا في اعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل اتراهم سبعين قال اراهم مائة وانزل الله تعالى { وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم } ومن ثم قال الله تعالى { قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم } أي يرى اولئك الكفار المؤمنين مثليهم راى العين
أي وقد ذكر ان قباث بن اشيم رضى الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك قال في نفسه يوم بدر لو خرجت نساء قريش باكمتها لردت محمدا واصحابه وعنه انه قال لما كان بعد الخندق قدمت المدينة سالت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا هو ذاك في محل المسجد مع ملأ من اصحابه فاتيته وانا لا اعرفه من بينهم فسلمت عليه فقال صلى الله عليه وسلم يا قباث انت القائل يوم بدر لو خرجت نساء قريش بأكمتها ردت محمدا واصحابه فقال قباث والذى بعثك بالحق ما تحدث به لساني ولا ترفرفت به شفتاى ولا سمعه مني احد وما هو الا شىء هجس في قلبي وحينئذ يكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم له انت القائل أي في نفسك اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله وان ما جئت به الحق
ولما بلغ عتبة ما قاله ابو جهل قال سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره انا ام هو وقد تقدم معنى مصفر استه
وذكر السهيلى هنا ان هذه الكمة لم يخترعها عتبة ولا هو ابو عذرتها فقد قيلت لبعض الملوك وكان مترفها لا يغزو في الحروب يريدون صفرة الخلوق والطيب وسادة
____________________

العرب لا تستعمل الخلوق والطيب الا في الدعة وتعيبه في الحرب اشد العيب واظن ان ابا جهل لما علم بسلامة العير استعمل الطيب والخلوق فلذلك قال له عتبة هذه الكلمة وانما اراد مصفر بدنه ولكنه قصد المبالغة في الذم فخص منه بالذكر ما يسوؤه ان يذكر هذا كلامه
وذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه اليهم يقول ارجعوا فانه ان يل هذا الامر منى غيركم احب الي من ان تلوه مني فقال حكيم ابن حزام قد عرض نصفا فاقبلوه فوالله لا تنصرون عليه بعد ما عرض من النصف فقال ابو جهل والله لا نرجع بعد ان مكننا الله منهم ثم ان ابا جهل بعث الى عامر ابن الحضرمي أي اخو المقتول الذي هو عمرو وقال هذا حليفك يعني عتبة يريد ان يرجع بالناس وفي لفظ يخذل الناس عن القتال وقد تحمل دية اخيك من ماله يزعم انك قابلها الا تستحي ان تقبل الدية من مال عتبة وقد رايت ثأرك بعينك فقم فاذكر مقتل اخيك وكان عامر كأخيه المقتول من حلفاء عتبة وسياتي ذلك فقام عامر بن الحضرمى فاكتشف أي كشف استه أي وحثا عليه التراب ثم صرخ واعمراه واعمراه فثارت النفوس أي وعامر هذا لا يعرف له اسلام
أي وفي الاستيعاب عامر بن الحضرمى قبل يوم بدر كافرا واما اخوهما العلاء فمن فضلاء الصحابة رضى الله تعالى عنهم أي وقد كان يقال انه مجاب الدعوة وانه خاض البحر هو وسريته التي كان اميرا عليها وذلك في زمن خلافة عمر رضى الله تعالى عنه ويقال يبس حتى رىء الغبار من حوافر الخيل بكلمات قالها ودعا بها وهى يا علي يا حكيم يا علي يا عظيم انا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك اللهم فاجعل لنا اليهم سبيلا
وقد وقع نظير ذلك أي دخول البحر لأبي مسلم الخولاني التابعي فانه لما غزا الروم مع جيشه مروا بنهر عظيم بينهم وبين العدو فقال ابو مسلم اللهم اجزت بني اسرائيل البحر وانا عبادك وفي سبيلك فأجزنا هذا النهر اليوم ثم قال اعبروا بسم الله فعبروا فلم يبلغ الماء بطون الخيل
وكذا وقع نظير ذلك لابي عبيد الثقفي التابعى امير الجيوش في ايام سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه فان دجلة حالت بينه وبين العدو فتلا قوله تعالى { وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا }
____________________

ثم سمى الله تعالى واقتحم بفرسه الماء واقتحم الجيش وراءه ولما نظر اليهم الاعاجم صاروا يقولون ديوانا ديوانا أي مجانين ثم ولوا مدبرين فقتلهم المسلمون وغنموا اموالهم وله اخ يقال له ميمون وهو الذي حفر البئر التي بأعلى مكة التي يقال لها بئر ميمون ولم اقف على اسلامه
واما اختهم التي هي الصعبة وهي ام طلحة بن عبيد الله فصحابية رضى الله تعالى عنها كانت اولا تحت ابي سفيان بن حرب فطلقها فخلف عليها عبيدالله فولدت له طلحة الذي قال في حقه صلى الله عليه وسلم من اراد ان ينظر الى شهيد يمشى على وجه الارض فلينظر الى طلحة بن عبيدالله
ثم ان الاسود بن عبد الاسد المخزومي وهو اخو ابي سلمة عبدالله بن عبد الاسد وكان رجلا شرسا سيء الخلق شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء انه اول من يعطى كتابه بشماله كما ان اخاه ابا سلمة اول من يعطى كتابه بيمينه كما تقدم قال اعاهد الله لاشربن من حوضهم او لاهدمنه او لاموتن دونه فلما خرج خرج اليه حمزة بن عبد المطلب فلما التقيا ضربه حمزة فأطل قدمه بنصف ساقه أي اسرع قطعها فطارت وهو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دما ثم حبا الى الحوض حتى اقتحم فيه أي وشرب منه وهدمه برجله الصحيحه يريد ان تبر يمينه فاتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض واقبل نفر من قريش حتى وردوا ذلك الحوض منهم حكيم بن حزام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم فما شرب منه رجل يومئذ الا قتل كافرا الا ما كان من حكيم بن حزام فانه لم يقتل ثم اسلم بعد ذلك وحسن اسلامه فكان اذا اجتهد في يمينه قال لا والذي نجاني يوم بدر
وعلى ان هذا الحوض كان وراء ظهره صلى الله عليه وسلم يكون مجىء هؤلاء للحوض من خلفه صلى الله عليه وسلم فليتأمل
ثم ان عتبة بن ربيعة التمس بيضة أي خودة ليدخلها في رأسه فما وجد في الجيش بيضة تسع راسه لعظمها فاعتجر على راسه ببردله أي تعمم به ولم يجعل تحت لحيته من العمامة شيئا وخرج بين اخيه شيبة وابنه الوليد حتى فصل من الصف ودعا للمبارزة فخرج اليه فتية من الانصار ثلاثة اخوة اشقاء هم معوذ ومعاذ وعوف بنو عفراء وقيل بدل عوف عبدالله بن رواحة فقالوا من انتم قالوا رهط من الانصار
____________________

قالوا ما لنا بكم من حاجة وفي رواية اكفاء كرام انما نريد قومنا أي وفي لفظ ولكن اخرجوا الينا من بني عمنا أي وفي لفظ انه صلى الله عليه وسلم امرهم بالرجوع فرجعوا الى مصافهم وقال لهم خيرا لانه كره ان تكون الشوكة لغير بني عمه وقومه في اول قتال وعند ذلك نادى مناديهم يا محمد اخرج الينا اكفاءنا من قومنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم قم يا عبيدة بن الحارث وقم يا حمزة وقم يا علي وفي لفظ قوموا يا بني هاشم فقاتلوا بحقكم الذي بعث به نبيكم اذ جاءوا ببطلانهم ليطفئوا نور الله قم يا عبيدة بن الحرث قم يا حمزة قم يا علي فلما قاموا ودنوا قالوا لهم من انتم أي لانهم كانوا ملبسين لا يعرفون من السلاح قال عبيدة عبيدة وقال حمزة حمزة وقال علي علي قالوا نعم اكفاء كرام فبارز عبيدة بن الحارث وكان اسن القوم كان اسن من النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين عتبة بن ربيعة وبارز حمزة شيبة وبارز على الوليد فأما حمزة فلم يمهل ان قتل شيبة واما علي فلم يمهل ان قتل الوليد واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما اثبت صاحبه وكر حمزة وعلي باسيافهما على عتبة فذفناه بالمهملة والمعجمة واحتملا صاحبهما فجراه الى اصحابه أي واضجعوه الى جانب موقفه صلى الله عليه وسلم فافرشه رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه الشريفه فوضع خده عليها وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهد انك شهيد أي بعد ان قال له عبيدة الست شهيدا يا رسول الله فتوفى في الصفراء ودفن بها عند مرجع المسلمين الى المدينة
وقيل برز حمزة لعتبة وعبيدة لشيبة وعلي للوليد واختلف عبيدة وشيبة بينهما بضربتين كلاهما اثبت صاحبه وقعت الضربة في ركبة عبيدة فاطاحت رجله وصار مخ ساقه يسيل ثم مال حمزة وعلي على شيبة فذففا عليه
أي ويقال ان شيبة لما صرع من ضربة عبيدة قام فقام إليه حمزة فاختلفا ضربتين فلم يصنع سيفهما شيئا فاعتنق كل واحد منهما صاحبه فاهوى عبيدة وهو صريع فضرب شيبة فقطع ساقه فذفف عليه حمزة
وقيل بارز علي شيبة وبارز عبيدة الوليد فقد روى الطبراني باسناد حسن عن علي انه قال اعنت انا وحمزة عبيدة بن الحارث على الوليد فلم يعب النبي صلى الله عليه وسلم علينا ذلك
____________________

وقال الحافظ ابن حجر وهذا اصح الروايات ولكن المشهور ان عليا كرم الله وجهه انما بارز الوليد وهذا هو اللائق بالمقام لان عتبة وشيبة كانا شيخين كعبيدة وحمزة بخلاف علي والوليد فكانا شابين وقتل حمزة طعيمة بن عدي اخا المطعم بن عدي وتقدم ان المطعم مات قبل هذه الغزاة بستة اشهر كافرا
قيل وهذه المبارزة اول مبارزة وقعت في الاسلام
وفي الصحيحين عن ابي ذر انه كان يقسم قسما ان هذه الاية { هذان خصمان اختصموا في ربهم } نزلت في حمزة وصاحبه وعتبة وصاحبه يوم بدر
وفي البخارى عن علي رضى الله تعالى عنه انه اول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة
وقيل اول من يقف بين يدي الله تعالى للخصومة علي ومعاوية ثم تزاحم الناس ودنا بعضهم من بعض وقد كان عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوف اصحابه بقدح في يده أي بسهم لا نصل له ولا ريش فمر بسواد بتخفيف الواو لا بتشديدها كما زعمه ابن هشام بن غزية بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد الياء أي حليف بني النجار وهو خارج من الصف فطعنه صلى الله عليه وسلم في بطنه بالقدح وقال استو يا سواد فقال يا رسول الله اوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني أي مكني من القود أي القصاص من نفسك فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال استقد أي خذ القود أي القصاص فاعتنقه فقبل بطنه الشريف فقال ما حملك على هذا يا سواد فقال يا رسول الله حضر ما ترى فاردت ان يكون اخر العهدبك ان يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير
وفيه ان هذا لا قود فيه ولا قصاص عندنا فليتأمل وسواد هذا جعله صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر عاملا على خيبر كما سيأتي
أي وفي حديث حسن عن عبدالرحمن بن عوف قال صفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فبدرت منا بادرة امام الصف فنظر اليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال معي معي
اقول وقع له صلى الله عليه وسلم بعض الانصار أي وهو سواد بن عمرو مثل هذا الذي وقع له مع سواد بن غزية
____________________

ففي ابي داود ان رجلا من الانصار كان فيه مزاح فبينما هو يحدث القوم يضحكهم اذ طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود كان في يده وفي لفظ بعرجون وفي اخر بعصا فقال اصبرني يا رسول الله أي اقدني ومكني من نفسك لاقتص منك فقال اصبر أي اقتص قال ان عليك قميصا وليس على قميص فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فاحتضنه وجعل يقبل كشحه
أي ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم انه ما التصق ببدنه مسلم وتمسه النار كذا في الخصائص الصغرى وفيها في محل اخر ولا تاكل النار شيئا مس جسده وكذلك الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم
ثم لما عدل الصفوف قال لهم ان دنا القوم منكم فانصحوهم أي ادفعوهم عنكم بالنبل واستبقوا نبلكم أي لا ترموهم على بعد فان الرمى مع البعد غالبا يخطىء فيضيع النبل بلا فائدة أي وقال لهم لا تسلوا السيوف حتى يغشوكم وخطبهم خطبة حثهم فيها على الجهاد وعلى المصابرة فيه منها وان الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله عز وجل به الهم وينجى به من الغم وهذا السياق يدل على تكرر هذه الخطبة أي وقوعها قبل مجيئهم الى محل القتال وبعد مجيئهم اليه ولا مانع منه
ثم رجع صلى الله عليه وسلم الى العريش فدخله ومعه ابو بكر ليس معه فيه غيره وسعد بن معاذ قائم على باب العريش متوشح بسيفه مع نفر من الانصار يخافون على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرة العدو أي والجنائب مهيأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان احتاج اليها ركبها ولما اصطف الناس للقتال رمى قطبه بن عامر حجرا بين الصفين وقال لا افر الا ان فر هذا الحجر وكان اول من خرج من المسلمين مهجع بكسر الميم واسكان الهاء فجيم مفتوحة فعين مهملة مولى عمر بن الخطاب فقتله عامر ابن الحضرمى بسهم ارسله اليه ونقل بعض المشايخ انه اول من يدعى من شهداء هذه الامة وانه صلى الله عليه وسلم قال يومئذ مهجع سيد الشهداء أي من هذه الامة فلا ينافى ما جاء ان سيد الشهداء يوم القيامة يحيى بن زكريا وقائدهم الى الجنة وذابح الموت يوم القيامة يضجعه ويذبحه بشفرة في يده والناس ينظرون إليه لكن جاء سيد الشهداء هابيل الا ان تجعل الاولية اضافية فيراد اول اولاد آدم لصلبه
قيل وكون مهجع اول قتيل من المسلمين لا ينافى كون اول قتيل من المسلمين عمير بن
____________________

الحمام لان ذاك اول قتيل من المهاجرين وعمير اول قتيل من الانصار ولا ينافى ذلك ان اول قتيل من الانصار حارثة بن قيس أي قتل بسهم لم يدر راميه
ففى البخارى عن حميد قال سمعت انسا يقول اصيب حارثة يوم بدر وهو غلام قتل بارسال سهم اليه أي فانه اصابه سهم غرب أي لا يعرف راميه وهو يشرب من الحوض
وفي كلام ابن اسحاق اول من قتل من المسلمين مهجع مولى عمر بن الخطاب ومن بعده حارثة بن سراقة وقد جاءت ام حارثة وهي عمة انس بن مالك الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله حدثني عن حارثة فان يكن في الجنة لم ابك عليه ولكن احزن وان يكن في النار بكيت ما عشت في دار الدنيا وفي رواية ان يكن في الجنة صبرت وان يكن غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء فقال يا ام حارثة انها ليست بجنة ولكنها جنات وحارثة في الفردوس الاعلى فرجعت وهي تضحك وتقول بخ بخ لك يا حارثة وهذا قد يخالف قول ابن القيم كالزمخشري ان الجنة التي هي دار الثواب واحدة بالذات كثيرة بالاسماء والصفات وهذا الاسم الذي هو الجنة يجمعها من اسمائها جنة عدن والفردوس والمأوى ودار السلام ودار الخلد ودار المقامة ودار النعيم ومقعد صدق وغير ذلك مما يزيد على عشرين اسما
أي وعن الواقدى انه بلغ امه واخته وهما بالمدينة مقتله فقالت امه والله لا ابكى عليه حتى يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأساله فان كان في الجنة لم ابك عليه وفي رواية اصبر واحتسب وان كان ابني في النار بكيته
وفي رواية ترى ما اصنع فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر جاءت امه فقالت يا رسول الله قد عرفت موقع حارثة من قلبي فأردت ان ابكي عليه ثم قلت لا افعل حتى اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فان كان في الجنة لم ابك عليه وان كان في النار بكيته فقال النبي صلى الله عليه وسلم هبلت وفي رواية ويحك أو هبلت اجنة واحدة انها جنان كثيرة والذي نفسي بيده انه لفي الفردوس لاعلى ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء من ماء فغمس يده فيه ومضمض فاه ثم ناوله ام حارثة فشربت ثم ناولت ابنتها فشربت ثم امرهما ينضحان في جيوبهما ففعلتا فرجعتا من عند النبي صلى الله عليه وسلم وما بالمدينة امرأتان اقر عينا منهما ولا اسر
____________________

وقد كان حارثة سال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يدعو له بالشهادة فقد جاء انه صلى الله عليه وسلم قال لحارثة يوما وقد استقبله كيف اصبحت يا حارثة قال اصبحت مؤمنا بالله حقا قال انظر ما تقول فان لكل قول حقيقة قال يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلى وأظمأت نهاري فكأني بعرش ربى بارزا وكاني انظر الى اهل الجنة يتزاورون فيها وكاني انظر الى اهل النار يتعاوون فيها قال ابصرت فالزم عبد أي انت عبد بذر الله الايمان في قلبه قال فقلت ادع الله لي بالشهادة فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقال ابو جهل واصحابه حين قتل عتبة وشيبة والوليد تصبرا لنا لعزى ولا عزى لكم ونادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم الله مولانا ولا مولى لكم قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار
اقول سياتي وقوع مثل ما قال ابو جهل واصحابه من ابي سفيان وانه اجيب بمثل هذا الجواب في يوم وأحد والله اعلم
وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر أي وهذا العريش هو المراد بالقبة في قول البخاري عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة يوم بدر اللهم انشدك عهدك الحديث ويقول اللهم ان تهلك هذه العصابة اليوم فلا تعبد أي وفي مسلم انه صلى الله عليه وسلم قال اللهم انك ان تشأ لا تعبد في الارض قال ذلك في هذا اليوم وفي يوم احد
قال العلماء فيه التسليم لقدر الله تعالى والرد على غلاة القدرية الذين يزعمون ان الشر غير مراد لله ولا مقدور له
وذكر الامام النوي ان كونه قال ما ذكر يوم بدر هو المشهور وفي كتب التفسير والمغازي انه يوم احد ولا معارضة بينهما فقاله في اليومين هذا كلامه
أي يجوز ان يكون قال ذلك في يوم بدر وفي يوم احد وفي رواية اللهم ان ظهروا على هذه العصابة ظهر الشرك ولا يقوم لك دين أي لانه صلى الله عليه وسلم علم انه اخر النبيين فاذا هلك هو ومن معه لا يبقى من يتعبد بهذه الشريعة وفي لفظ اخر اللهم لا تودع مني ولا تخذلني انشدك ما وعدتني لانه كان وعده النصر وفي رواية ما زال يدعو ربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبه فاخذ ابو بكر رداءه وألقاه على منكبه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كفاك تناشدك ربك فانه سينجز
____________________

لك ما وعدك أي وفي رواية والله لينصرنك الله وليبيضن وجهك أي وفي لفظ قد الححت على ربك وكون وعد الله لا يتخلف لا ينافى الالحاح في الدعاء لان الله يحب الملحين في الدعاء وانما قال ابو بكر ما ذكر لانه شق عليه تعب النبي صلى الله عليه وسلم في الحاحه بالدعاء لانه رضى الله تعالى عنه رقيق القلب شديد الاشفاق على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقيل لان الصديق كان في تلك الساعة في مقام الرجاء والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مقام الخوف لان الله يفعل ما يشاء وكلا المقامين سواء في الفضل ذكره السهيلي
وحين راى المسلمون القتال قد نشب عجوا بالدعاء الى الله تعالى فانزل الله تعالى عند ذلك { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين } أي متتابعين وقيل ردفا لكم ومددا لكم وقيل وراء كل ملك ملك اخر
ويوافق ذلك ما جاء عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما امد الله نبيه يوم بدر بالف من الملائكة فكان جبريل في خمسمائة وميكائيل في خمسمائة فأمده الله تعالى بالملائكة الف مع جبريل والف مع ميكائيل وجاء امده الله بثلاثة الاف الف مع جبريل والف مع ميكائيل والف مع اسرافيل وهذا رواه البيهقي في الدلائل عن على باسناد فيه ضعف
وقيل وعدهم الله تعالى ان يمدهم بالف ثم زيدوا في الوعد بالفين ثم زيدوا في الوعد بالفين ايضا
وقيل امدهم الله تعالى بثلاثة الاف من الملائكة ثم اكملهم بخمسة الاف قال الله تعالى { إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين } أي الف مع جبريل والف مع ميكائيل والف مع اسرافيل { بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } فان ذلك كان يوم بدر على ما عليه الاكثر وقيل يوم احد كان الامداد فيه بذلك أي بثلاثة الاف ثم وقع الوعد بإكمالهم خمسة الاف معلقا على شرط وهو التقوى والصبر عن حوز الغنائم فلم يصبروا ففات الامداد بما زاد على الثلاثة الاف
وهذا الثاني هو الذي في النهر لابي حيان كان المدد يوم بدر بالف من الملائكة ويوم احد بثلاثة الاف ثم بخمسة لو صبروا عن اخذ العنائم فلم يصبروا فلم تنزل هذا
____________________

كلامه وهو واضح لان عدم صبرهم عن اخذ الغنائم وعدم امتثال امره انما كان في احد لا في بدر
وروى البيهقى عن حكيم بن حزام رضى الله عنه ان يوم بدر وقع نمل من السماء قد سد الافق فاذا الوادي يسيل نملا أي نازلا من السماء فوقع في نفسي ان هذا شىء ايد به صلى الله عليه وسلم وهي الملائكة
أي وروى بسند حسن عن جبير بن مطعم قال رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الاسود مبثوث حتى امتلآ الوادى فلم اشك انها الملائكة فلم يكن الا هزيمة القوم والبجاد كساء مخطط من اكسية الاعراب وسيأتي وقوع مثل ذلك في حنين
قال وانما كانت الملائكة شركاء لهم في بعض الفعل ليكون الفعل منسوبا للنبي صلى الله عليه وسلم ولاصحابه والا فجبريل قادر على ان يدفع الكفار بريشة من جناحه كما فعل بمدائن قوم لوط واهلك قوم صالح وثمود بصيحة واحدة وليهابهم العدو بعد ذلك حيث يعلمون ان الملائكة تقاتل معهم
وبهذا يرد ما قيل لم تقاتل الملائكة يوم بدر وانما كانوا يكثرون السواد والا فملك واحد كاف في اهلاك اهل الدنيا كلهم
وجاء لولا ان الله تعالى حال بيننا وبين الملائكة التي نزلت يوم بدر لمات اهل الارض خوفا من شدة صعقاتهم وارتفاع اصواتهم
وجاء في حديث مرسل ما رؤ ى الشيطان ا حقر ولا ادحر ولا اصغر من يوم عرفة الا ما رىء يوم بدر أي وكذا سائر مواسم المغفرة والعتق من النار كأيام رمضان سيما ليلة القدر
وجاء ان ابليس جاء في صورة سراقة بن مالك المدلجي الكناني في جند من الشياطين أي مشركي الجن في صور رجال من بني مدلج من بني كنانة معه رايته وقال للمشركين لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم اه أي كما قال لهم ذ لك عند ابتداء خروجهم وقد خافوا من بني كنانة قوم سراقة وقد تقدم انه كان وحده ولا منافاة لجواز ان يكون جنده لحقوا به بعد قال فلما رأى جبريل والملائكة وفي رواية اقبل جبريل الى ابليس فلما راه وكانت يده في يد رجل من المشركين أي وهو الحارث بن هشام اخو ابي جهل
____________________

انتزع يده من يد الرجل ثم نكص على عقبه وتبعه جنده فقال له الرجل يا سراقة اتزعم انك لنا جار فقال اني برىء منكم اني ارى ما لا ترون اني اخاف الله والله شديد العقاب وتشبث به الحارث بن هشام رضى الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك وقال له والله لا ارى الا خفافيش يثرب فضربه ابليس في صدره فسقط وعند ذلك قال ابو جهل يا معشر الناس لا يهمنكم خذلان سراقة فانه كان على ميعاد من محمد ولا يهمنكم قتل عتبة وشيبة أي والوليد فانهم قد عجلوا واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا واصحابه بالجبال وصار يقول لا تقتلوهم خذوهم باليد
وذكر السهيلي انه يروى ان من بقى من قريش وهرب الى مكة وجد سراقة بمكة فقالوا له يا سراقة خرقت الصف واوقعت فينا الهزيمة فقال والله ما علمت بشىء من امركم وما شهدت وما علمت فما صدقوه حتى اسلموا وسمعوا ما انزل الله فعلموا انه ابليس هذا كلامه
قال قتادة صدق ابليس في قوله اني ارى مالا ترون وكذب في قوله اني اخاف الله والله ما به مخافة من الله
قال في ينبوع الحياة ولا يعجبني هذا فان ابليس عارف بالله ومن عرف الله خافه أي وان لم يكن ابليس خافه حق الخوف
قيل وانما خاف ان يكون هذا اليوم هو اليوم الموعود الذي قال فيه سبحانه وتعالى { يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين }
ورايت عن سيدي على الخواص انه لا يلزم من قول ابليس ذلك ان يكون معتقدا له بالباطن كما هو شان المنافقين
ورايت عن وهب ان اليوم المعلوم الذي انظر فيه ابليس هو يوم بدر قتلته الملائكة في ذلك اليوم والمشهور انه منظر الى يوم القيامة ويدل لذلك ما روى ان ابليس لما ضرب الحارث في صدره لم يزل ذاهبا حتى سقط في البحر ورفع يديه وقال يا رب موعدك الذي وعدتني اللهم اني اسألك نظرتك إياي وخاف ان يخلص اليه القتل
هذا وفي زوائد الجامع الصغير عن مسلم ان سيدنا عيسى عليه السلام يقتل ابليس بيده بعد نزوله وفراغه من صلاته ويرى المسلمين دمه في حربته
وفي كلام بعضهم ولعل المراد بيوم القيامة الذي انظر اليه ابليس ليس نفخة البعث
____________________

بل نفخة الصعق التي بها يكون موت من لم يمت من اهل السموات واهل الارض قيل الا حملة العرش وجبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت وهؤلاء ممن استثنى الله تعالى في قوله { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله } ثم يموت جبريل وميكائيل ثم حملة العرش ثم اسرافيل ثم ملك الموت فهو اخر من يموت

وفي كلام بعضهم الصعق اعم من الموت أي فالمراد ما يشمل الغشى وذهاب الشعور أي فمن مات قبل ذلك وصار حيا في البرزخ كالأنبياء والشهداء لا يموت وانما يحصل له غشى وذهاب شعور ويكون المستثنى من القسم الاول من تقدم ذكره من الملائكة ومن القسم الثاني موسى صلوات الله وسلامه عليه فانه جوزى بذلك أي بعدم الغشى وذهاب الشعور بما حصل له من ذلك بسبب صعقة الطور
وفيه انه صلى الله عليه وسلم لم يجزم بذلك بل تردد في ذلك حيث قال فاكون اول من رفع راسه أي افاق من الغشى فاذ انا بموسى اخذ بقائمة من قوائم العرش فلا ادرى ارفع راسه أي افاق من الغشى قبلي او كان ممن استثنى الله فلم يصعق وفي رواية فاذا موسى متعلق بقائمة العرش فلا ادرى اكان فيمن صعق فأفاق قبلي ام كان ممن استثنى الله ولعل بعض الرواه ضم هذا الخبر لخبر الشيخين انا اول من تنشق عنه الارض يوم القيامة فاذا موسى الخ وفيه نظر لان المراد بيوم القيامة عند نفخة البعث ونفخة الصعق سابقة عليها كما علمت
ويلزم على هذا التردد مع كون الخبرين خبرا واحدا اشكال جزمه صلى الله عليه وسلم بانه اول من تنشق عنه الارض
واجاب شيخ الاسلام بما يفيد انهما خبران لاخبر واحد حيث قال التردد كان قبل ان يعلم انه اول من تنشق عنه الارض أي فهما حديثان لا حديث واحد
فان قيل قوله صلى الله عليه وسلم لا تخيروني على موسى فان الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم فأكون اول من يفيق فاذا موسى الحديث يقتضى انه صلى الله عليه وسلم ليس افضل من موسى
قلنا هو كقوله صلى الله عليه وسلم من قال انا خير من يونس بن متى فقد كذب وذلك منه صلى الله عليه وسلم تواضع او كان قبل ان يعلم انه افضل الخلق اجمعين وقيل الوقت المعلوم خروج الدابة واذا خرجت قتلته بوطئها
____________________

0 وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان ابليس اذا مرت عليه الدهور وحصل له الهرم عاد ابن ثلاثين سنة وهذه النفخة التي هي نفخة الصعق مسبوقة بنفخة الفزع التي تفزع بها اهل السموات والأرض فتكون الارض كالسفينة في البحر تضر بها الامواج وتسير الجبال كسير السحاب وتنشق السماء وتكسف الشمس ويخسف القمر وهي المعنية بقوله تعالى { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة } وبقوله تعالى { إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها } الاية وقال تعالى { ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله } قيل وهم الشهداء
فقد جاء ان الاموات يومئذ لا يعلمون بشىء من ذلك قلنا يا رسول الله فمن استثنى الله تعالى في قوله { إلا من شاء الله } قال اولئك الشهداء وانما يصل الفزع الى الاحياء وهم احياء عند ربهم يرزقون وقاهم الله فزع ذلك اليوم وامنهم منه
واقتصاره صلى الله عليه وسلم على ذكر الشهداء وسكوته عن الانبياء لما هو معلوم من الاصل ان مقام الانبياء ارقى من مقام الشهداء وان كان قد يوجد في المفضول مالا يوجد في الفاضل ومن ثم قيل الرزق خاص بالشهداء ومن ثم اختصوا بحرمة الصلاة عليهم
ويقال انه كان مع المسلمين يوم بدر من مؤمني الجن سبعون أي لكن لم يثبت انهم قاتلوا فكانوا مجرد مدد
ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خفق خفقة أي مالت راسه من النعاس ثم انتبه فقال ابشر يا ابا بكر اتاك نصر الله هذا جبريل اخذ بعنا فرسه وفي لفظ اخذ براس فرسه يقوده على ثناياه النقع أي الغبار وهو يقول اتاك نصر الله اذ دعوته أي وفي رواية ان جبريل عليه الصلاة والسلام اتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما فرغ من بدر على فرس حمراء معقودة الناصية قد خضب الغبار ثنيته عليه درعه وقال يا محمد ان الله بعثنى إليك وامرني ان لا افارقك حتى ترضى ارضيت
أي ولا مانع من تعدد رؤيته صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه الصلاة والسلام وان هذه بعد تلك وان المرة الاولى مساقها يقتضى انها كانت مناما وان الغبار في المرة الثانية كان اكثر منه في المرة الاولى بحيث علا على ثناياه
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العريش الى الناس فحرضهم وقال والذي
____________________

نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر الا ادخله الله الجنة فقال عمير بن الحمام بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم وبيده تمرات يأكلهن بخ بخ كلمة تقال لتعظيم الامر والتعجب منه ما بيني وبين ان ادخل الجنة الا ان يقتلني هؤلاء ثم قذف التمرات من يده واخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل أي وفى رواية انه صلى الله عليه وسلم قال قوموا الى جنة عرضها السموات والارض اعدت للمتقين فقال عمير ابن الحمام بخ بخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تبخبخ أي م تتعجب فقال رجاء ان اكون من اهلها أي وفي رواية ما يحملك على قولك بخ بخ قال لا والله يا رسول الله الا رجاء ان اكون من اهلها فاخذ تمرات فجعل بلوكهن ثم قال والله ان بقيت حتى الوكهن وفي لفظ ان حييت حتى اكل تمراتي هذه انها لحياة طويلة فنبذهن وقاتل أي وهو يقول ** ركضنا الى الله بغير زاد ** الا التقى وعمل المعاد ** ** والصبر في الله على الجهاد وكل زاد عرضه النفاد ** ** غير التقى والبر والرشاد ** ولا زال يقاتل حتى قتل رضى الله تعالى عنه وسيأتى في غزاة احد مثل هذا لبعض الصحابة ابهمه جابر رضى الله تعالى عنه في القاء التمرات من يده ومقاتلته حتى قتل فعن جابر رضي الله تعالى عنه قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم احد أرأيت إن قتلت فأين أنا قال في الجنة قال فألقى تمرات في يده ثم قاتل حتى قتل اخرجه البخارى ومسلم والنسائي وسيأتي ما في ذلك
وقال عوف بن الحارث بن عفراء يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده أي ما يرضيه غاية الرضا قال غمسه يده في العدو حاسرا أي لا درع له ولا مغفر فنزع درعا كانت عليه فقذفها ثم اخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل رضى الله تعالى عنه فالضحك في حق الله كناية عن غاية رضاه
وقد جاء انه صلى الله عليه وسلم قال في طلحة بن الغمر اللهم الق طلحة يضحك اليك وتضحك اليه أي القه لقاء كلقاء المتحابين المظهرين لما في انفسهما من غاية الرضا والمحبة فهي كلمة وجيزة تتضمن الرضا مع المحبة واظهار البشر فهى من جوامع كلمه التي اوتيها صلى الله عليه وسلم
____________________

وقاتل في ذلك اليوم معبد بن وهب زوج هريرة بنت زمعة اخت سودة بنت زمعة ام المؤمنين رضى الله تعالى عنها بسيفين ثم اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من الحصباء بالمد امره بذلك جبريل عليه الصلاة والسلام كما جاء في بعض الروايات أي قال خذ قبضة من تراب وارمهم بها فتناولها صلى الله عليه وسلم
وفي رواية انه قال لعلي كرم الله وجهه ناولني فاستقبل بها قريشا ثم قال شاهت الوجوه أي قبحت الوجوه أي وزاد بعضهم اللهم ارعب قلوبهم وزلزل اقدامهم ثم نفخهم أي ضربهم بها فلم يبق من المشركين رجل الا ملأت عينه وفي رواية وانفه وفمه لا يدري اين يتوجه يعالج التراب لينزعه من عينيه أي فانهزموا وردفهم المسلمون يقتلون ويأسرون
هذا والمحفوظ المشهور أن تلك إنما كان في حنين لكن يوافق الأول ما نقله بعضهم أن قوله تعالى { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } نزل يوم بدر هكذا قال عروة وعكرمة ومجاهد وقتادة قال هذا البعض وقد فعل عليه الصلاة والسلام مثل ذلك في غزوة أحد هذا كلامه
وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم اخذ ثلاث حصيات فرمى بحصاة في ميمنة القوم وحصاة في ميسرة القوم وحصاة بين ايديهم فقال شاهت الوجوه فانهزم القوم وهذه الحصيات الثلاث قال جابر بن عبدالله رضى الله تعالى عنهما وقعن من السماء يوم بدر كأنهن وقعن في طست فأخذهن رسول اله صلى الله عليه وسلم فرمى بهن في وجوه المشركين أي يمنة ويسرة وبين ايديهم وحين رمى صلى الله عليه وسلم بذلك قال لاصحابه شدوا فكانت الهزيمة وانزل الله تعالى { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى }
وقد يقال لا مانع من اجتماع الامرين وكل منهما مراد من الاية قال وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بنفسه قتالا شديدا وكذلك ابو بكر رضى الله تعالى عنه كما كانا في العريش يجاهدان بالدعاء قاتلا بأبدانهما جمعا بين المقامين انتهى
اقول كذا نقل بعضهم عن الاموى ويتأمل ذلك فاني لم اقف عليه في كلام احد غيره وكان قائل ذلك فهم مباشرته صلى الله عليه وسلم للقتال مما تقدم عن على رضى الله تعالى عنه لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان اشد الناس بأسا ولا دلالة في ذلك والله اعلم
____________________

نعم ذكر ابن سعد انه لما انهزم المشركون رؤى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثرهم مصلتا السيف يتلو هذه الاية { سيهزم الجمع ويولون الدبر } وهذه الاية ذكر في الاتقان انها مما تأخر حكمه عن نزوله فانها نزلت بمكة وكان ذلك يوم بدر
فعن عمر رضى الله تعالى عنه قلت أي جمع فلما كان يوم بدر وانهزمت قريش نظرت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثارهم مصلتا السيف يقول { سيهزم الجمع ويولون الدبر } فكانت ليوم بدر اخرجه الطبراني في الاوسط ولو قاتل صلى الله عليه وسلم لجرح او قتل من قاتله ولو وقع ذلك لنقل لانه مما تتوفر الدواعي على نقله
وسيأتي في احد عن النور انه صلى الله عليه وسلم لم يقتل بيده الشريفة قط احد الا ابي بن خلف لا قبله ولا بعده والى رميه بالحصا أشار صاحب الهمزية بقوله ** ورمى بالحصا فاقصد جيشا ** ما العصا عنده ما الالقاء ** ي ورمى صلى الله عليه وسلم بالحصا جيشا فأصابهم كلهم بها أي شىء القاء عصا موسى عليه الصلاة والسلام على حبال سحرة فرعون وعصيهم عند ذلك الحصى المرمى به لا يقاربه ذلك الالقاء ولا يدانيه لان ذاك وجد له نظير وهو القاء السحرة الحبال والعصى والرمى بالحصا لم يوجد له نظير
أي وقال صلى الله عليه وسلم حينئذ من قتل قتيلا فله سلبه ومن اسر اسيرا فهو له كما في الامتاع فلما وضع القوم ايديهم يأسرون نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى سعد فوجد في وجهه الكراهية لما يصنع القوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم قال اجل والله يا رسول الله كانت اول وقعة اوقعها الله بأهل الشرك فكان الاثخان في القتل أي الاكثار منه والمبالغة فيه احب الى من استبقاء الرجال
وذكر بعضهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه انكم قد عرفتم ان رجالا من بني هاشم وغيرهم قد اخرجوا اكراها لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقى منكم احدا من بني هاشم فلا يقتله أي بل يأسره وذكر ابا البحتري بن هشام أي فقال من لقى ابا البحتري فلا يقتله أي لانه كان ممن قام في نقض الصحيفة ونص على العباس بن عبدالمطلب فقال ابو حذيفة رضى الله تعالى عنه ايقتل اباؤنا وابناؤنا واخواننا و عشيرتنا ويترك العباس أي لانه تقدم ان اباه عتبة وعمه شيبة واخاه الوليد اول من قتل من الكفار
____________________

مبارزة وعشيرته وهي بنو عبد شمس قدقتل منها جماعة لئن لقيته يعنى العباس لألجمنه السيف هو بالمهملة والمعجمة فبلغت أي تلك المقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر يا أبا حفص ايضرب وجه عم رسول الله السيف فقال عمر والله انه لاول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بابي حفص يا رسول الله دعني اضرب عنقه يعني ابا حذيفة بالسيف فوالله لقد نافق فكان ابو حذيفة يقول ما انا بآمن من تلك الكلمة التي قلتها يومئذ ولا ازال منها خائفا الا ان تكفرها عني الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدا في جملة من قتل فيها من الصحابة هم اربعمائة وخمسون وقيل ستمائة رضى الله تعالى عنهم
ولقى المجذر رضى الله تعالى عنه ابا البحترى فقال له ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك فقال وزميلي أي ورفيقي وكان معه زميل له خرج معه من مكة أي يقال له جنادة بن مليحة فقال له المجذر لا والله ما نحن بتاركي زميلك ما امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بك وحدك قال لا والله اذا لاموتن انا وهو جميعا لا تتحدث عني نساء مكة اني تركت زميلي أي يقتل حرصا على الحياة فقتله المجذر أي بعد ان قاتله ثم اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه ان يستأسر فآتيك به فابى الا ان يقاتلني فقتلته
اقول لعل المجذر فهم ان ما عدا من نهى عن قتله يقتل وان استأسر حتى قال ما نحن بتاركى زميلك أي ولا بد من قتله وان استاسر فكان ذلك حاملا لأبي البحترى على ان لا يستأسر ويترك زميله فيقتل خوف السبه والله اعلم
أي وكان من جملة من خرج مع المشركين يوم بدر عبدالرحمن بن ابي بكر رضى الله تعالى عنهما وكان اسمه قبل الاسلام عبد الكعبة وقيل عبد العزى فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن وكان من اشجع قريش واشدهم رماية وكان اسن ولد ابيه وكان صالحا وفيه دعابة فلما اسلم قال لابيه لقد اهدفت لي أي ارتفعت لي يوم بدر مرارا فصدفت عنك أي اعرضت عنك فقال ابو بكر لو هدفت لي لم اصدف أي اعرض عنك فالمراد بكونه اهدف له ارتفع وهو لا يشعر بذلك فلا ينافى ماقيل ان عبدالرحمن ابن ابي بكر يوم بدر دعا الى البراز فقام اليه ابوه ابو بكر ليبارزه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم متعنا بنفسك يا ابا بكر اما علمت انك عندى بمنزلة سمعى وبصرى
____________________

5 أي وفي بعض السير ان الصديق قال لولده عبدالرحمن يوم بدر وهو مع المشركين لم يسلم أين مالي يا خبيث فقال له عبدالرحمن كلاما معناه لم يبق الا عدة الحرب التي هي السلاح وفرس سريعة الجرى وجنان يقاتل عليه شيوخ الضلال أي وهذا يدل على ان الصديق رضى الله تعالى عنه ترك مالا عند اهله لما هاجر وهو قد يخالف ماتقدم عن ابنته اسماء من قولها ان ابا بكر ارسل ابنه عبدالله فحمل ماله وكان خمسة الاف درهم الى الغار فدخل علينا جدي ابو قحافة الحديث ولعل ماله الذي عناه الصديق ما كان من نحو امتعة وبعض مواشي لا النقد فلا مخالفة
ويروى عن ابن مسعود ان الصديق رضى الله تعالى عنه دعا ابنه يعنى عبدالرحمن يوم احد الى البزار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم متعنا بنفسك اما علمت انك مني بمنزلة سمعي وبصري فانزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } ولا مانع من التعدد حتى في نزول الاية لكن يبعد نزولها في احد ايضا كون ابي بكر يدعو للمبارزة بعد نزولها اولا في بدر
ثم رأيت ابن ظفر قال في الينبوع انه لم يثبت ان ابا بكر دعا ابنه للمبارزة وانما هو شىء ذكر في كتب التفسير فانزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } فالاية مدنية لا مكية وبه يرد ما ذكر ان سببها ان ابا بكر سمع والده ابا قحافة يذكر النبي صلى الله عليه وسلم بشر فلطمه لطمة سقط منها فأخبر ابو بكر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له لا تعد لمثلها فقال والله لو حضرني السيف لقتلته به
وفي كلام الزمخشري ان عبدالرحمن اسلم في هدنة الحديبية وهاجر الى المدينة ومات سنة ثلاث وخمسين بمحل بينه وبين مكة ستة اميال وحمل على اعناق الرجال الى مكة وقدمت اخته عائشة رضى الله تعالى عنها من المدينة فأتت قبره فصلت عليه
أي وفي هذا اليوم الذي هو يوم بدر قتل ابو عبيدة بن الجراح اباه وكان مشركا فان اباه قصده ليقتله فولى عنه ابو عبيدة لينكف عنه فلم ينكف عنه فرجع عليه وقتله وانزل الله تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم } الاية
وعن عبدالرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنه لقد لقيت اميه بن خلف وكان
____________________

صديقا لي في الجاهلية ومعه أي مع امية ابنه علي أي اخذ بيده وكان علي ممن اسلم والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل ان يهاجر رففتنهم اقاربهم عن الاسلام ورجعوا عنه وماتوا على كفرهم وانزل الله تعالى فيهم { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم } الاية أي وهم الحرث بن ربيعة وابو قيس بن الفاكه وابو قيس بن الوليد والعاص ابن منبه وعلي بن اميه المذكور
وفي السيرة الهشامية وذلك انهم كانوا اسلموا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة حبستهم اباؤهم وعشيرتهم بمكة وفتنوهم فافتتنوا أي رجعوا عن الاسلام ثم ساروا مع قومهم الى بدر فأصيبوا جميعا وسياقه كما ترى يقتضى انهم لم يرجعوا الى الكفر الا بعد الهجرة وسياق ما قبله ربما يقتضى انهم رجعوا الى الكفر قبل ان يهاجر صلى الله عليه وسلم
قال عبدالرحمن بن عوف وكان معي ادراع استلبتها أي فانا احملها فلما رآني اميه ناداني باسمي الاول يا عبد عمرو فلم اجبه لانه كان قال لي لما سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن اترغب عن اسم سماك به ابوك فقلت نعم قال الرحمن لا اعرفه ولكني اسميك بعبد الاله كما تقدم فلما ناداني بعبدالاله قلت نعم
أي وظاهر السياق يقتضى انه عرف انه المراد بذلك وانه ترك اجابته قصدا حيث جعله عبدا للصنم ويحتمل وهو الاقرب أنه لم يجبه لعدم معرفته انه المراد بذلك الاسم لكونه هجر بالمرة فلما ناداه اميه بما ذكر عرفه وعرف انه المراد بذلك لما ذكر وعند ذلك قال له اميه هل لك في فأنا خير لك من هذه الادراع التي معك قلت نعم فطرحت الادراع من يدي واخذت بيده وبيد ابنه علي وهو يقول ما رأيت كاليوم قط ثم قال لي يا عبدالاله من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره أي كانت في درعه بحيال صدره قلت ذاك حمزة بن عبد المطلب قال ذاك الذي فعل بنا الافاعيل وقيل قائل ذلك ابنه ثم خرجت امشي بهما فو الله اني لاقودهما اذ رآه بلال معي وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة على ان يترك الاسلام أي كما تقدم فقال بلال راس الكفر اميه بن خلف لا نجوت ان نجا فقلت أي بلال أفبأسيرى أي تفعل ذلك بهما قال لا نجوت ان نجا وكررت وكر ذلك ثم صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله راس الكفر اميه بن خلف لا نجوت ان نجا وكرر ذلك فأحاطوا بنا
____________________

فأصلت رجل السيف أي سله من غمده وذلك الرجل هو بلال فضرب رجل ابنه فوقع وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط فضربوهما بأسيافهم فهبروهما
اقول الذي في البخاري عن عبدالرحمن بن عوف ان بلالا لما استصرخ الانصار قال خشيت ان يلحقونا فخلفت لهم ابنه لاشغلهم به فقتلوه ثم اتونا حتى لحقوا بنا وكان امية رجلا ثقيلا أي كما تقدم فقلت ابرك فألقيت نفسي عليه لامنعه فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه فأصاب احدهم رجلي بسيفه أي ظهر قدمه
وفي كلام ابن عبد البر قال ابن هشام قتل امية بن خلف معاذ بن عفراء وخارجه ابن زيد وحبيب بن اساف اشتركوا فيه
قال ابن اسحاق وابنه على قتله عمار بن ياسر وحبيب بن اساف هذا شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوج بنت خارجة بد ان توفى عنها ابو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه وهو جد حبيب شيخ مالك رضى الله تعالى عنه والله اعلم
وكان عبدالرحمن بن عوف يقول يرحم الله بلالا ذهبت ادراعى وفجعني بأسيرى أي وفي رواية لما كان يوم بدر خصل لي درعان ولقيني امية فقال خذني وابني فأنا خير لك من الدرعين فالقيت الدرعين فاخذتهما فلما قتلا صار يقول يرحم الله بلالا فلا درعي ولا اسيرى أي لانه صلى الله عليه وسلم جعل في هذه الغزاة ان كل من اسر اسيرا فهو له كما تقدم وسياتي أي فله فداؤه وهو يخالف ما عليه ائمتنا ان مال فداء الاسرى ورقابهم اذا استرقوا كسائر اموال الغنيمة الا ان يقال ذاك كان في صدر الاسلام ترغيبا في الجهاد ثم استقر الامر على ما قاله فقهاؤنا أي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من له علم بنوفل ابن خويلد فقال علي كرم الله وجهه انا قتلته فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الحمد لله الذي اجاب دعوتي فيه أي فانه لما التقى الصفان نادى نوفل بصوت رفيع يا معاشر قريش اليوم يوم الرفعة والعلاء فقال صلى الله عليه وسلم اللهم اكفني نوفل بن خويلد وفي كلام بعضهم ما يفيد ان قتل علي كرم الله وجهه له كان بعد ان اسره جبار بن صخر فقد جاء ان جبارا بينما هو يسوقه اذ رأى عليا فقال يا اخا الانصار من هذا واللات والعزى انه ليريدني فقال هذا علي بن ابي طالب فعمد له علي كرم الله وجهه فقتله ثم امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي جهل ان يلتمس في القتلى وقال ان خفى عليكم أي بان قطع
____________________

رأسه وازيل عن جثته انظروا الى اثر جرح في ركبته فاني ازدحمت يوما انا وهو على مائدة لعبد الله بن جدعان ونحن غلامان وكنت اسن منه أي اكبر منه بيسير فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش أي خدش على أحديهما جحشا لم يزل اثره به
أي ولعل هذا هو محمل قول بعضهم انه صلى الله عليه وسلم صارع ابا جهل فانه لم يصح انه صارعه ولعل هذا الاثر هو الذي عناه ابن مسعود رضى الله تعالى عنه بقوله لما قتلت ابا جهل لعنه الله وقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قتلت ابا جهل فقال لي عقيل وهو اسير عند النبي صلى الله عليه وسلم كذبت ما قتلته فقلت له بل انت الكذاب الآثم يا عدو الله قد والله قتلته قال فما علامته قلت ان بفخذه حلقة كحلقة الجمل المحلق قال صدقت وكان ابو جهل قد استفتح أي طلب الحكم على نفسه لانه لما دنا القوم بعضهم من بعض قال اللهم اقطعنا للرحم اتيانا بما لا نعرف فأحنه أي اهلكه العداة أي زاد بعضهم اللهم من كان احب اليك وارضى عندك وفي لفظ اللهم اولانا بالحق فانصره اليوم فانزل الله تعالى { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح }
اقول كون ابي جهل طلب الحكم على نفسه واضح لو سكت عن قوله واتيانا بما لا نعرف اذ هو نص فيه صلى الله عليه وسلم
وفي تفسير سهل ان ابا جهل قال يوم بدر اللهم انصر افضل الدينين عندك وارضاهما لك أي وفي رواية اللهم انصر خير الدينين اللهم ديننا القديم ودين محمد الحادث فنزل { إن تستفتحوا } يعنى تستنصروا { فقد جاءكم الفتح }
وفي اسباب النزول للواحدى ان المشركين حين ارادوا الخروج من مكة اخذوا بأستار الكعبة وقالوا اللهم انصر اعلى الجندين واهدى الفئتين واكرم الحزبين وافضل الدينين فانزل الله تعالى الاية
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين والله اعلم
قال معاذ بن عمرو بن الجموح رأيت ابا جهل وقد احاطوا به وهم يقولون ابو الحكم لا يخلص اليه فلما سمعتها عمدت نحوه وحملت عليه فضربته ضربة اطنت قدمه بنصف ساقه أي اسرعت قطعه فو الله ما شبهتها حين طاحت الا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى والمرضخة بالخاء المعجمة وبالمهملة وقيل الرضخ بالمعجمة كسر الرطب وبالمهملة كسر اليابس وضربني ابنه أي عكرمه رضى الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جسمي واجهضني القتال أي
____________________

شغلني عنه فلقد قاتلت عامة يومي واني لاستحسها خلفي فلما آذتني وضعت عليها قدمى ثم تمطيت عليها حتى طرحتها في رواية انه جاء بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق عليها أي ولصقها فلصقت والى ذلك يشير الامام السبكى في تائيته لكن قال ابن عفراء ولا منافاة لجواز ان يكون معاذ بن عمرو بن الجموح بن عفراء وسيأتي ما يدل على ذلك بقوله ** وبانت بهاكف بن عفرا فاشتكى ** اليك فعادت بعد احسن عودة **
الا ان قوله بها يرجع لغزاة احد وقد علمت ان ذلك انما هو ببدر واحتمال تكرر ذلك في احد وفي بدر لشخص واحد بعيد الا ان يثبت النقل بذلك ثم مر بابي جهل وهو عقير معوذ بضم الميم وتشديد الواو مفتوحة ومكسورة ابن عفراء فضربه حتى اثبته وتركه وبه رمق أي وما جاء في بعض الروايات ضربه حتى برد بفتح الموحدة والراء والدال المهملة أي مات لا ينافيه لانه يجو ان يكون المراد صار في حالة من مات بان صار الى حركة المذبوح ومن ثم جاء في بعض الروايات حتى برك بالكاف بدل الدال أي سقط الى الارض أي الى جنبه والا فقطع قدمه مع نصف ساقه لا يفضى غالبا ان يسقط الى جنبه ومعوذ هذا لا زال يقاتل حتى قتل قال عبدالله بن مسعود رضى الله عنه ورايت ابا جهل بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه ثم قلت له هل اخزاك الله يا عدو الله قال وبم اخزاني اعار على رجل قتلتموه أي ليس بعار على رجل قتلتموه وفي رواية اعمدمن رجل قتلتموه أي انا سيد رجل قتلتموه لان عميد القوم سيدهم أي فلا عار على في قتلكم اياي
وجاء انه قال لو غير أكار قتلني والاكار الزراع يعني الانصار لانهم كانو اصحاب زرع أي لو كان الذي قتلني غير فلاح لكان احب الي واعظم لشاني لم يكن على في ذلك نقص لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا اخبرني لمن الدبرة أي النصرة والظفر اليوم زاد في رواية لنا او علينا قلت لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الصحاح في دبر بالباء الموحدة والدبرة الهزيمة في القتال
ومما يدل للاول ما تقدم من قول ابي جهل اخبرني على من كانت الدبر لنا او علينا وفي مغازي ابن عقبة التي قال فيها مالك رضى الله تعالى عنه مغازي موسى بن عقبة اصح المغازي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على القتلى والتمس ابا جهل فلم يجده حتى عرف ذلك في وجهه ثم قال اللهم لا تعجزني فرعون هذه الامة فسعى له الرجال حتى
____________________

وجده ابن مسعود الحديث وفي الصحيحين عن انس رضى الله تعالى عنه لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينظر لنا ما صنع ابو جهل فانطلق ابن مسعود رضى الله تعالى عنه فوجده قد ضربه ابن عفراء حتى برد ولمسلم برك أي وهو المراد من الاول كما تقدم فاخذ بلحيته فقال انت ابو جهل الحديث واخذه بلحيته لا ينافى وضع رجله على رقبته لجواز ان يكون جمع بينهما قال ابن مسعود ثم احتزرت راسه
وفي رواية رويت عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه قال لما ضربته بسيفى لم يغن شيئا فبصق في وجهى وقال خذ سيفي فاحتز به راسي من عرشي ليكون انهى للرقبة والعرش عرق في اصل الرقبة ففعلت كذلك ثم جئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا رأس عدو الله ابي جهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله الذي لا اله غيره أي ورددها ثلاثا وروى الطبراني آلله قتلت ابا جهل بنصب الجلالة وهو بهذا اللفظ عندنا كناية يمين ومثل النصب الرفع والجر قال قلت نعم والله الذي لا اله غيره ثم القيت راسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله تعالى أي ويقال انه صلى الله عليه وسلم سجد خمس سجدات شكرا ويقال انه قال الله اكبر الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب حده وكون ابي جهل بصق في وجه ابن مسعود رضى الله تعالى عنه وقال له خذ سيفي الخ ينافى كونه وصل الى حركة المذبوح الا ان يقال يجوز ان يكون في اول الامر كان كذلك ثم تراجعت اليه روحه حتى قدر على ماذكر فليتأمل مع ما ياتي
قيل وبهذا أي بحمل راس ابي جهل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد على الزهى ي قوله لم يحمل الى النبي صلى الله عليه وسلم راس قط ولا يوم بدر وحمل راس لأبي بكر رضى الله عنه فانكره ويجاب بان البيهقي رحمه الله قال ما روى من حمل راس ابي جهل قد تكلم في ثبوته وبتقدير صحته فهو من محل الى محل لا من بلد الى بلد أي من بلد الكفر إلى دار الاسلام أي الذي انكره ابو بكر رضى الله عنه فانه انكر نقل الراس من بلد الكفر الى بلد الاسلام
وقد جوزه من ائمتنا الماوردى والغزالي اذا كان في ذلك مكايدة للكفار وفي النور تحصلنا على جماعة حملت رؤوسهم اليه صلى الله عليه وسلم ابو جهل وسفيان بن خالد وكعب بن الاشرف ومرحب اليهودي والاسود العنسى على ما روى و عصماء بنت
____________________

مروان ورفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة أي ورأس عتبة بن أبي وقاص الذي كسر رباعيته صلى الله عليه وسلم وشق شفته السفلى يوم أحد كما سيأتي
وفي وضع ابن مسعود رضي الله تعالى عنه رجله على عنق أبي جهل وقطع رأسه تصديق لتعبيره للرؤيا التي رآها لأبي جهل وقال له إن صدقت رؤياي لأطأن رقبتك ولأذبحنك ذبح الشاة
وفي رواية أن ابن مسعود رضي الله عنه وجده مقنعا في الحديد وهو منكب لا يتحرك فرفع سابغة البيضة أي الخودة عن قفاه لأن سابغة البيضة ما يغطى بها العنق ومن ثم يقال بيضة لها سابغ فضربه فوقع رأسه بين يديه
وعن ابن مسعود كما في المعجم الكبير للطبراني انتهيت إلى أبي جهل وهو صريع وعليه بيضة ومعه سيف جيد ومعي سيف ردىء فجعلت ألقف رأسه وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة فأخذت سيفه فرفع رأسه فقال على من كانت الدبرة ألست برويعينا بمكة فقتله ثم سلبه فلما نظر إليه إذ هو ليس به جراح وإنما هي أحدار أي أورام في عنقه ويديه وكتفيه كهيئة آثار السياط أي آثار سود كسمة النار أي ليس به جراح من جراح الآدميين داخل بدنه فلا ينافي ما تقدم من قطع ابن الجموح لرجله
ويجوز أن يكون ضرب ابن عفراء له حتى أثبته لم ينشأ عنه جراحة داخل بدنه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره به فقال ذاك ضرب الملائكة أي فإن الملائكة عليهم السلام كانت لا تعلم كيف قتل الآدميين فعلمهم الله تعالى ذلك بقوله تعالى { فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } أي مفصل فكانوا يعرفون قتلى الملائكة من قتلاهم بآثار سود كسمه النار ولا ينافي ذلك وصفه بالخضرة في بعض الروايات لأن الأخضر لشدة خضرته ربما قيل فيه أسود وتلك الآثار في الأعناق والبنان الظاهر أن ذلك يكون موجودا حتى بعد مفارقة الرأس أو اليد ليستدل به على أن مفارقة الرأس أو اليد من فعل الملائكة وينبغي أن يكون هذا أي ضربهم فوق الأعناق والبنان أكثر أحوالهم فلا ينافي وجود أثر ضربهم في الكتفين كما تقدم وفي الوجه والأنف
فعن بعض الصحابة رضي الله عنهم كنا ننظر إلى المشرك أمامنا مستلقيا فننظر إليه فإذا هو قد حطم أنفه وشق في وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك الموضع وفسر بعضهم الأعناق بالرءوس وهو غير مناسب لما ذكر هنا
وروى عن سهل بن حنيف عن أبيه رضي الله عنه قال لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا
____________________

ليشير بسيفه إلى المشرك أي يرفعه عليه فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف ويمكن الجمع بين هذا وما قبله بأن ضرب الملائكة في الأعناق تارة يفصلها وتارة لا وفي الحالتين يرى أثر ذلك أسود في العنق ليستدل به على أنه من فعل الملائكة كما تقدم
وفي رواية عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وقد قطعت رجله وهو صريع وهو يذب الناس عنه بسيف له فقلت الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله قال هل هو إلا رجل قتله قومه قال فجعلت أتناوله بسيف لي غير طائل فأصبت يده فبدر أي سقط سيفه فأخذته فضربته حتى قتلته ثم خرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم كأنما أقل من الأرض أي أحمل من شدة الفرح فأخبرته فقال الله الذي لا إله إلا هو وفي لفظ تقدم لا إله غيره ردده ثلاثا وفي رواية عن ابن مسعود فاستحلفني صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ثم قال الحمد لله الذي أعز الإسلام وأهله ثلاث مرات وخر ساجدا أي خمس سجدات شكرا كما تقدم
وفي رواية صلى ركعتين قال ابن مسعود رضي الله عنه ثم إنه صلى الله عليه وسلم خرج يمشي معي حتى قام عليه فقال الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله هذا كان فرعون هذه الأمة زاد في لفظ ورأس قاعدة الكفر ونفلني سيفه أي وكان قصيرا عريضا فيه قبائع فضة وحلق فضة ومع قصره كان أقصر من سيف ابن مسعود فلا منافاة
أقول يجوز أن يكون المضي إليه بعد إلقاء الرأس بين يديه صلى الله عليه وسلم استعظاما لقتله أي وأن ابن مسعود في هذه الرواية سكت عن قطع رأسه والمجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا مخالفة وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم يوما وقد أخذ بمجامع ثوبه أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى أي وعيد على وعيد فقال ما تستطيع أنت ولا ربك بي شيئا وإني لأعز من مشى بين جبليها فأنزل الله تعالى { فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى } وقيل نزلت كالتي قبلها في عدي بين ربيعة لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر القيامة فأخبره به فقال لو عاينت هذا اليوم لم أصدقك أو يجمع الله هذه العظام فأنزل الله تعالى { أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه } الآيات والله أعلم
وعن قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لكل أمة فرعونا وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل قتله الله شر قتله بكسر القاف الهيئة قتلته الملائكة وفي لفظ قتله ابن عفراء وقتلته الملائكة وقد ذففه أي أجهز عليه ابن مسعود
____________________

وابن عفراء هذا يجوز أن يكون هو معاذ بن عمرو بن الجموح ويجوز أن يكون أخاه معاذ بن الحارث وكونه قتله لأنه أزال منعته كما تقدم
وفي مسلم عن عبدالرحمن بن عوف أنه قال إني لواقف يوم بدر في الصف نظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل بن هشام قلت نعم وما حاجتك به قال بلغني أنه كان يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو رأيته لم يفارق سوادي سواده أي شخص شخصه حتى يموت الأعجل منا أي الأقرب أجلا فغمزني الآخر فقال مثلها فعجبت لذلك أي لحرص كل منهما على ذلك وإخفائه عن صاحبه ليكون المختص به فلم أنشب أي ألبث أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس أي بالزاي يتحول من محل إلى محل آخر فقلت لهما ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه أي أشرفا به على القتل فصيراه إلى حركة مذبوح ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلته قال هل مسحتما سيفيكما قال لا فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في السيفين فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه أي ما عدا سيفه لهما فلا ينافي ما سبق من إعطائه لابن مسعود رضي الله عنه وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء بن الحارث فهما أي معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن الحرث ابنا عفراء غاية الأمر أن الأول اشتهر بأبيه عمرو بن الجموح والثاني اشتهر بأمه التي هي عفراء
وقول الحافظ ابن حجر إن معاذ بن عمرو بن الجموح ليس اسم أمه عفراء يجوز أن يكون مستنده في ذلك مقابلة ابن الجموح بابن عفراء في كلامهم المقتضى ذلك لأن يكون ابن الجموح ليس ابن عفراء
ولا يشكل على ذلك ما في النور نقلا عن الإمام النووي أن عمرو بن الجموح وابني عفراء أي معاذ ومعوذ اشتركوا في قتل أبي جهل لأن معاذا الثاني ابن الحرث فكل من عمرو بن الجموح والحرث تزوج عفراء وكل سمى ولده منها بمعاذ ويدل لذلك ما يأتي عن الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم قال رحم الله ابني عفراء اشتركا في قتل فرعون هذه الأمة ولما قيل له يا رسول الله من قتله معهما قال الملائكة ولم يقل عمرو بن الجموح لكن رأيت بعضهم ذكر أن عفراء شهد لها بدرا سبع بنين ثلاثة من الحارث بن رفاعة
____________________

وهم معوذ ومعاذ وعامر وأربعة من بكر بن عبد ياليل وهم خالد وأساس وعاقل وعامر واستشهد منهم ببدر معاذ ومعوذ وعاقل هذا كلامه وذكر عامر في الأول تقدم بدله ذكر عوف وهو واضح فقد تقدم أن عوف بن الحارث بن عفراء قال يا رسول الله ما يضحك الرب الخ ولم يذكر هذا البعض أن من أولادها معاذ بن عمرو بن الجموح وهو يؤيد ما تقدم عن الحافظ وعن الإمام النووي فعليك بالتأمل وقيل قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح
أقول أي لكونه هو الذي أزال منعته فاستحق سلبه ولا ينافي ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لهما كلاكما قتله لجواز أن يكون أتى بذلك ملاطفة للثاني وترغيبا له في الجهاد لأن له مشاركة ما في قتله لأنه زاد في إثخانه إلى أن صيره إلى آخر رمق
ويرده كونه صلى الله عليه وسلم أشركهما في سلبه ومن ثم قال فقهاؤنا يعطي السلب لمن أثخن دون من قتل أي بعد ذلك فقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلب أبي جهل لمثخنيه ابني عفراء دون قاتله ابن مسعود لكن هذا القيل قال به بعض آخر من فقهائنا وهو الموافق لما في البخاري في كتاب فرض الخمس معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء قتلا أبا جهل ثم تنازعا فيه وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى السيفين فرأى فيهما أثر الدم فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن الجموح قال الأصحاب لأنه أثخنه والآخر جرحه بعده وقوله كلاكما قتله تطييب لقلب الآخر هذا كلامه فليتأمل فإن الذي أظنه أن كونه رأى أثر الدم في سيفيهما خلط من الراوي لأن ذلك كان في قتل بن الأشرف ويؤيد الخلط ما تقدم عن ابن مسعود أنه لم ير فيه أثر جراح داخل بدنه
وفي الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم قال يرحم الله ابني عفراء فإنهما قد اشتركا في قتل فرعون هذه الأمة ورأس أئمة الكفر فقيل يا رسول الله من قتله معهما قال الملائكة وذففه ابن مسعود وهذا السؤال يقتضي أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم إنهما قد اشتركا في قتل فرعون هذه الأمة أن غيرهما شاركهما في ذلك فليتأمل
وفي شرح الروض وهو من أجل كتبنا أن عبدالله بن رواحة وابني عفراء تقاتلا مع أبي جهل مبارزة وأنه صلى الله عليه وسلم علم ذلك واقره وجعلوا ذلك دليلا على إباحة مبارزة القوي لكافر لم يطلب المبارزة
____________________


أي وأما ما تقدم من أمره صلى الله عليه وسلم لحمزة وعلي وعبيدة بن الحارث بمبارزة عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة فذاك لكافر طلب المبارزة فقد تقدم أن عتبة خرج بين أخيه شيبة وولده الوليد حتى فصل من الصف ودعا للمبارزة وأنه خرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة إخوة أشقاء وهم معاذ ومعوذ وعوف بنو عفراء وقيل بدل عوف عبدالله بن رواحة فلم يرضوا بمبارزتهم فعند ذلك أمر صلى الله عليه وسلم من ذكر بمبارزتهم وعندي أن ما ذكره في شرح الروض من مبارزة عبدالله بن رواحة وابني عفراء لأبي جهل ذكر أبي جهل اشتباه وإنما هو لهؤلاء الثلاثة ولم تقع منهم مقاتلة وكيف يبارز ثلاثة واحدا فليتأمل
وجاء في الحديث إن الله قتل فرعون هذه الأمة أبا جهل فالحمد لله الذي صدق وعده ونصر دينه والله أعلم
وكان على الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها إلى ظهورهم أي إلا جبريل فإنه كان عليه عمامة صفراء أي وقيل حمراء
قال بعضهم وكان بعضهم بعمائم خضر وبعضهم بعمائم صفر وبعضهم بعمائم حمر أي وبعضهم بعمائم بيض وبعضهم بعمائم سود فلا منافاة
وذكر أن عمامة جبريل عليه السلام يوم أغرق فرعون كانت سوداء قال وفي رواية سيماهم عمائم سود وعند ابن مسعود رضي الله عنه كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم قد أرخوها بين أكتافهم خضر وصفر وحمر اه أي وبيض وسود
وفي كلام بعضهم نزلت الملائكة يوم بدر بعمائم صفر ورواية بيض وسود ضعيفة
وفي كلام ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرخوها على ظهورهم إلا جبريل فإنه كان عليه عمامة صفراء من نور أي وكانوا يوم أحد بعمائم حمر ويوم حنين كذلك
في الجامع الصغير كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم سود ويوم أحد عمائم حمر وما ذكر لا ينافي ما قيل سيماهم ببدر عمائم صفر قد أرخوها بين أكتافهم وما جاء كان على الزبير رضي الله عنه ببدر عمامة صفراء معتجرا بها فقال صلى الله عليه وسلم نزلت الملائكة علي بسيما أبي عبدالله يعني الزبير رضي الله عنه لجواز أن يكون أكثرهم كان بعمائم صفر
____________________


وقد ذكر أن الزبير رضي الله عنه قاتل يوم بدر قتالا شديدا حتى كان الرجل يدخل يده في الجراح في ظهره وعاتقه
وقد سئل الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى عن قوله تعالى { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } ما السمة التي كانت عليهم فأجاب بأن ابن أبي حاتم ذكر في تفسيره بأسانيد عن علي كرم الله وجهه أنها الصوف الأبيض في نواصي خيولهم وأذنابها
وعن مكحول وغيره أنها العمائم وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها كانت عمائم بيض قد أرسلوها إلى ظهورهم وفي سنده رجل ضعيف وعنه أيضا عمائم سود وفي سنده متروك ثم قال ورواية البيض والسود ضعيفة هذا كلامه أي وعلى تقدير صحتها يجاب بما قدمنا وكان شعار الأنصار أي علامتهم التي يتعارفون بها في ذلك إذا جاء الليل أو وقع اختلاط أحد أحد أي وشعار المهاجرين يومئذ يا بني عبدالرحمن
أي وعن زيد بن علي قال كان شعار النبي صلى الله عليه وسلم أي المهاجرين أو هو حتى لا يشتبه بغيره يا منصور أمت ويقال أحد أحد وشعار الخزرج يا بني عبدالله وشعار الأوس يا بني عبيدالله
وعن ابن سعد يقال كان شعار الجميع يومئذ يا منصور أمت
أي وقد يقال لا منافاة بين هذه الرواية وما قبلها من الروايات لأن المراد بالجميع المجموع لكن يحتاج إلى الجمع بين تلك الروايات السابقة على تقدير صحتها وكانت خيل الملائكة بلقا
وعن علي رضي الله تعالى عنه قال كان سيما الملائكة أي سيما خيلهم يوم بدر الصوف الأبيض أي وفي لفظ بالعهن الأحمر في نواصي الخيل وأذنابها
أي ولا منافاة لجواز أن يكون بعضهم كذا وبعضهم كذا وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم سوموا خيلكم فإن الملائكة قد سومت فهو أول يوم وضع فيه الصوف أي في نواصي الخيل وأذنابها ولم أقف على لون الصوف الذي وضع في ذلك
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال حدثني رجل من بني غفار قال أقبلت أنا وابن عم لي حتى صعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة أي الغلبة فننهب مع من ينهب فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل فسمعت قائلا يقول اقدم حيزوم فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه
____________________

أي غشاؤه فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت واقدم بضم الدال من التقدم كلمة يزجر بها الخيل وحيزوم بالميم وربما قيل بالنون اسم فرس جبريل ولعلها هي الحياة وأحدهما اسم لها والآخر لقب وقيل لها الحياة لأنها ما مسها شيء إلا صار حيا وهي التي قبض من أثرها أي من تراب حافرها السامري نسبة إلى سامر قرية أو طائفة ما ألقاه في العجل الذي صاغه من حلي القبط فكان له خوار أي صوت فكان إذا خرا سجدوا وإذا سكت رفعوا قال في النهر الظاهر أنه قامت به الحياة
وقيل لما صنعه السامري أجوف تحيل لتصويته بأن جعل في تجويفه أنابيب على شكل مخصوص وجعله في مهب الرياح فتدخل في تلك الأنابيب فيظهر له صوت يشبه الخوار وفي كلام بعضهم فرس جبريل التي هي حيزوم كان صهيله التسبيح والتقديس وإذا نزل عليها جبريل عليه السلام علمت الملائكة أن نزوله للرحمة وإذا نزل منشور الأجنحة علمت أن نزوله للعذاب أي وحينئذ فنزول جبريل عليه السلام عليها يوم بدر كان لرحمة المسلمين وإن كان عذابا على الكافرين ويكون نزوله لا عليها بل منشور الأجنحة إذا كان لمحض العذاب
ويحتمل أن يكون حيزوم غير فرس الحياة وإليه ذهب السهيلي رحمه الله فقال والحياة أيضا فرس لجبريل عليه السلام
قال الحافظ ابن حجر ومن الأخبار الواهية أن الموت كبش لا يجد ريحه شيء إلا مات والحياة فرس بلقاء أثنى أي خطوتها كما في العرائس مد البصر وهي التي كان جبريل عليه السلام والأنبياء عليهم السلام يركبونها أي كلهم كما في العرائس لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيى
هذا وفي أثر مرسل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل من القائل يوم بدر من الملائكة اقدم حيزوم فقال جبريل عليه السلام يا محمد ما كل أهل السماء أعرف
قال ابن كثير وهذا الأثر يرد قول من زعم أن حيزوم اسم فرس جبريل عليه السلام أي وفيه أنه لا يبعد أن يقول أحد من الملائكة لفرس جبريل اقدم حيزوم ولا يعرف ذلك القائل وكأن الحافظ ابن كثير رحمه الله فهم من قوله صلى الله عليه وسلم من القائل الخ أن ذلك الفرس لذلك القائل نعم إن كان هذا الأثر وقع بعد الرواية التي تلي هذه وهي جاءت سحابة الخ أو أن ذلك الأثر سقط منه لفظة لفرسه والأصل من
____________________

القائل يوم بدر من الملائكة لفرسه اتجه ما فهمه ابن كثير رحمه الله فليتأمل قال وفي رواية جاءت سحابة فسمعنا أصوات الرجال والسلاح وسمعنا رجلا يقول لفرسه اقدم حيزوم فنزلوا على ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاءت سحابة أخرى نزل منها رجال كانوا على ميسرته فإذا هم على الضعف من قريش فمات ابن عمي وأما أنا فتماسكت وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم وأسلمت ومن ثم ذكر في الصحابة
وفي النور هذا الرجل مذكور في الصحابة وليس في الحديث أي الرواية الأولى ما يدل على إسلامه إلا أن تحديثه لابن عباس رضي الله تعالى عنهما بهذه المعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم يشعر بإسلامه هذا كلامه
وفيه أن قوله ونحن مشركان يدل على أنه كان مسلما عند تحديثه لابن عباس رضي الله تعالى عنهما
وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الغمام الذي ظلل بني إسرائيل في التيه هو الذي يأتي الله تعالى فيه يوم القيامة وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر
أي وعن علي رضي الله تعالى عنه هبت ريح شديدة ما رأيت مثلها قط ثم جاءت أخرى كذلك ثم جاءت أخرى كذلك ثم جاءت أخرى كذلك فكانت الأولى جبريل نزل في ألف من الملائكة أي لعلها أمامه أخذا من قوله وكانت الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الثالثة إسرافيل نزل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك سكوت عن الرابعة أي زاد في الإمتاع وكان إسرافيل وسط الصف لا يقاتل كما يقاتل غيره من الملائكة
وظاهر هذا أن كلا من جبريل وميكائيل قاتل وتقدم أنهم في هذه الغزاة التي هي غزاة بدر قيل لم يمدوا إلا بألف من الملائكة ورواية ألفين ضعيفة جاءت عن علي رضي الله تعالى عنه فتكون هذه الرواية التي جاءت عن علي أيضا كذلك ولا نظر لما تقدم عن بعضهم أن إمدادهم يوم بدر بثلاثة آلاف أولا وأنهم وعدوا أن يمدوا بخمسة آلاف إن ثبتوا وصبروا وهو ما عليه الأكثر لما علمت أن ذلك إنما كان في أحد وسيأتي ذلك مع زيادة قال بعضهم ولم تقاتل الملائكة إلا في يوم بدر أي وفي غيره يكونون مددا من غير مقاتلة وسيأتي أنهم قاتلوا يوم أحد ويوم حنين
____________________


ففي مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه رأى عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض ما رأيتهما قبل ولا بعد يعني جبريل وميكائيل عليهما السلام يقاتلان كأشد القتال
قال الإمام النووي رحمه الله فيه أن قتال الملائكة لم يختص بيوم بدر وهذا هو الصواب خلافا لمن زعم اختصاصه فإن هذا صريح في الرد عليه
أقول يمكن الجمع بأن المختص ببدر قتال الملائكة عنه وعن أصحابه وفي غيره كان عنه صلى الله عليه وسلم خاصة فلا منافاة ثم رأيتني ذكرت هذا الجمع في غزوة أحد عن البيهقي وتعقبته بما جاء أن الملائكة قاتلت في ذلك اليوم عن عبدالرحمن بن عوف وعلى تسليم ورود ذلك فيه أنهم لو قاتلوا يوم أحد لظهر أثر قتلهم كما ظهر في يوم بدر
وقد يقال مرادهم بالمقاتلة يوم أحد المدافعة من غير أن يوقعوا فعلا وفي يوم بدر المراد بالمقاتلة إيقاع الفعل والله أعلم
وانكسر سيف عكاشة بتشديد الكاف أكثر من تخفيفها ابن محصن وهو يقاتل به فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جذلا من حطب أي أصلا من أصول الحطب وقال له قاتل بهذا يا عكاشة فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه فعاد في يده سيفا طويل القامة شديد المتن أبيض الحديد فقاتل به رضي الله عنه حتى فتح الله تعالى على المسلمين وكان ذلك السيف يسمى العون
ثم لم يزل عند عكاشة وشهد به المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يزل متوارثا عند آل عكاشة وعكاشة مأخوذ من عكش على القوم إذا حمل عليهم والعكاشة العنكبوت وسيأتي مثل ذلك في أحد لعبدالله بن جحش
وانكسر سيف سلمة بن أسلم رضي الله عنه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده أي عرجونا من عراجين النخل وقال اضرب به فإذا هو سيف جيد فلم يزل عنده
قال وعن خبيب بن عبدالرحمن قال ضرب خبيب جدي يوم بدر فمال شقه فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمه ورده فانطبق
وعن رفاعة بن مالك رضي الله عنه قال لما كان يوم بدر رميت بسهم ففقئت عيني فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي فما آذاني منها شيء اه
____________________


ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى من المشركين أن ينقلوا من مصارعهم التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وجودها فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرينا مصارع أهل بدر يقول هذا مصرع عتبة بن ربيعة وهذا مصرع شيبة بن ربيعة وهذا مصرع أمية بن خلف وهذا مصرع أبي جهل بن هشام وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله تعالى أي ويضع صلى الله عليه وسلم يده الشريفة على الأرض فما تنحى أحدهم عن موضع يده كما تقدم عن أنس وتقدم عنه أن ذلك كان ليلة بدر بعد أن وصل إلى محل الواقعة إذ لا يتصور وضع يده على الأرض إلا إذا كان بمحل الوقعة
وبه يعلم ما ذكره بعضهم أن إخباره صلى الله عليه وسلم بمصارع القوم تكرر منه مرتين قبل الوقعة بيوم أو أكثر ويوم الوقعة هذا كلامه إلا أن يقال قوله يوم الوقعة هو بناء على أنه صلى الله عليه وسلم وصل بدرا في النهار والقول بأن ذلك كان ليلا بناء على أنه وصل بدرا ليلا ومعلوم أنه إنما وضع يده في محل الوقعة
ثم أمر صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا فطرحوا في القليب إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملأه فذهبوا ليحركوه فتزايل أي تقطعت أوصاله فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة
وهذا دليل على أن الحربي لا يجب دفنه وبه قال أئمتنا بل قالوا يجوز إغراء الكلاب على جيفته
وفي سنن الدارقطني كان من سنته صلى الله عليه وسلم في مغازيه إذا مر بجيفة إنسان أمر بدفنه لا يسأل عنه مؤمنا كان أو كافرا أي ولكثرة جيف الكفار كره صلى الله عليه وسلم أن يشق على أصحابه أن يأمرهم بدفنهم فكان جرهم إلى القليب أيسر وكان الحافر لهذا القليب رجل من بني النجار فكان فألا مقدما لهم ذكره السهيلي
ولما ألقى عتبة والد أبي حذيفة رضي الله عنه في القليب تغير وجه أبي حذيفة ففطن بفتح الطاء له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له لعلك دخلك من شأن أبيك شيء فقال لا والله ولكني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا فكنت أرجو أن يهديه الله للإسلام فلما رأيت ما مات عليه أحزنني ذلك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خيرا
____________________


أقول وذكر فقهاؤنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أبا حذيفة عن قتل أبيه في هذه الغزاة وقد أراد ذلك والله أعلم
ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على شفير القليب أي قيل بعد ثلاثة أيام من إلقائهم في القليب وذلك ليلا أي وفي الصحيحين عن أنس رضي الله تعالى عنه كان صلى الله عليه وسلم إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان اليوم الثالث أمر صلى الله عليه وسلم براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه حتى قام على شفة الركى أي وهو القليب وجعل يقول يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقا فإني وجدت ما وعدني الله حقا
وجاء في بعض الطرق نداؤهم بأسمائهم فقال يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف ويا أبا جهل بن هشام وهذا يقتضي أنه في تلك الرواية نطق بلفظ يا فلان ابن فلان ولا يخفى بعده فليتأمل
واعترض بأن أمية بن خلف لم يكن من أهل القليب لما علمته وأجيب بأنه كان قريبا من القليب بئس عشيرة النبي كنتم كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس فقال عمر رضي الله عنه يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها وفي رواية أجسادا قد أجيفوا وفي لفظ قد جيفوا فقال صلى الله عليه وسلم ما أنتم بأسمع وفي رواية لأسمع لما أقول منهم وفي رواية لقد سمعوا ما قلت غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا شيئا
وعن قتادة رضي الله عنه أحياهم الله تعالى حتى سمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم توبيخا لهم وتصغيرا ونقمة وحسرة
أقول والمراد بإحيائهم شدة تعلق أرواحهم بأجسادهم حتى صاروا كالأحياء في الدنيا للغرض المذكور لأن الروح بعد مفارقة جسدها يصير لها تعلق به أو بما يبقى منه ولو عجب الذنب فإنه لا يفني وإن اضمحل الجسم بأكل التراب أو بأكل السباع أو الطير أو النار وبواسطة ذلك التعلق يعرف الميت من يزوره ويأنس به ويرد سلامه إذا سلم عليه كما ثبت في الأحاديث والغالب أن هذا التعلق لا يصير الميت به حيا كحياته في الدنيا بل يصير كالمتوسط بين الحي والميت الذي لا تعلق لروحه بجسده وقد يقوى حتى يصير كالحي في الدنيا ولعله مع ذلك لا يكون فيه القدرة على الأفعال الإختيارية فلا يخالف ما حكى
____________________

عن السعد اتفقوا على أنه تعالى لم يخلق في الميت القدرة والأفعال الإختيارية هذا كلامه والكلام في غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والشهداء رضي الله عنهم أي شهداء المعركة أما هما فتعلق أرواحهم بأجسادهم تصير به أجسادهم حية كحياتها في الدنيا ويكون لهم القدرة والأفعال الإختيارية
فقد روى البيهقي رحمه الله في الجزء الذي ألفه في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون وجاء إن علمي بعد موتي كعلمي في الحياة
وروى أبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه لينزلن عيسى بن مريم عليه السلام ثم إن قام على قبري وقال يا محمد لأجبته ومن ثم قال الإمام السبكي حياة الأنبياء والشهداء كحياتهم في الدنيا ويشهد له صلاة موسى عليه السلام في قبره فإن الصلاة تستدعي جسدا حيا وكذا الصفات المذكورة في الأنبياء ليلة الإسراء كلها صفات الأجسام
ولا يلزم من كونها حياة حقيقية أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الإحتياج إلى الطعام والشراب وأما الإدراكات كالعلم والسمع فلا شك أن ذلك ثابت لهم ولسائر الموتى هذا كلامه وسائر الموتى شامل للكفار أي وأكل الشهداء وشربهم في البرزخ لا عن احتياج بل لمجرد الإكرام وكون الشهداء اختصوا بذلك دون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا مانع منه لأن المفضول قد يخص بما لا يوجد في الفاضل ألا ترى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام شرعت الصلاة عليهم وجوبا وحرمت على الشهداء وبهذا يرد قول بعضهم في الإستدلال على حياة الأنبياء بقوله تعالى { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } والأنبياء أولى بذلك لأنهم أجل وأعظم وما من نبي إلا وقد جمع بين النبوة ووصف الشهادة فيدخلون في عموم لفظ الآية ولأنه صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته لم أزل أحد ألم الطعام الذي أكلته بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم فثبت كونه صلى الله عليه وسلم حيا في قبره بنص القرآن إما من عرف اللفظ أو من مفهوم الموافقة
ووجه رده أن الأولوية قد تمنع بل أصل القياس لما علمت أنه قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وإن جمعوا بين النبوة والشهادة
____________________

إلا أن المراد في الآية شهداء المعركة لا مطلق الشهادة إذ شهادة المعركة لم تحصل لأحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
ثم لا يخفى أن الذي ثبت حياة الأنبياء وصلاتهم في قبورهم وحجهم وأما صومهم وأكلهم وشربهم في ذلك فلم أقف على ما يدل على ذلك في شيء من الأحاديث والآثار وقياسهم في ذلك على الشهداء علمت أنه قد يمنع لما أنه قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل
والذي يدل على أنهم يحجون ما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة فمررنا بواد فقال أي واد هذا فقالوا وادي الأزرق فقال صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى موسى عليه الصلاة والسلام واضعا أصبعيه في أذنيه له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية مارا بهذا الوادي ثم سرنا حتى أتينا على ثنية فقال صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى يونس عليه الصلاة والسلام على ناقة حمراء عليه جبة صوف مارا بهذا الوادي ملبيا وقد جاء في موسى عليه السلام أنه كان على بعير وفي رواية على ثور ولا منافاة لجواز أن يكون تكرر حجه أو ركب البعير مرة والثور أخرى ولا يخفى أن رزق الشهداء يصدق على الجماع لأنه مما يلتذذ به كالأكل والشرب
ثم رأيت سيدي أبا المواهب الشاذلي رحمه الله ونفعنا ببركاته قال في كتابه المسمى بعنوان أهل السر المصون في كشف عورات أهل المجون وأخبر سبحانه عن الشهداء أنهم أحياء عند ربهم يرزقون وحمله أهل العلم على الحقيقة وأنهم يأكلون ويشربون وينكحون حقيقة وقائل غير هذا أي أن الأكل والشرب عبارة عن لذة تحصل لهم كاللذة الناشئة عن الأكل والشرب والنكاح صرف هذه الآية عن ظاهرها من غير ضرورة تلجىء إلى ذلك ثم قاس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على الشهداء في ذلك لما تقدم من أنهم أجل وأعظم وما من نبي إلا وقد جمع بين النبوة والشهادة وقد علمت جواب من منع القياس
ثم رأيت عن إفتاء شيخنا الشمس الرملي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم والشهداء رضي الله عنهم يأكلون في قبورهم ويشربون ويصلون ويصومون ويحجون ووقع الخلاف هل ينكحون فقيل نعم وقيل لا وأنهم يثابون على صلاتهم وصومهم
____________________

وحجهم ولا تكليف عليهم في ذلك لانقطاع التكليف بالموت بل من قبيل التكرمة ووقع الدرجات هذا كلامه ولعل مستنده في إثبات ما عدا الصلاة والحج للأنبياء قياسهم على الشهداء وقد علمت ما فيه وإثبات الخلاف الذي ذكره شيخنا في نكاح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا أدري هل هو خلاف أهل عصره أو من تقدمهم
على أن إثبات النكاح للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ربما يبعده ما ذكروه في حكمة قوله صلى الله عليه وسلم حبب إلي من دنياكم النساء والطيب حيث لم يقل من دنياي ولا من الدنيا فإنه أشار بهذه الإضافة إلى أن النساء والطيب من دنيا الناس لأنهم يقصدونهما للإستلذاذ وحظوظ النفس وهو عليه الصلاة والسلام منزه عن ذلك
وإنما حبب إليه النساء لينقلن عنه محاسنه ومعجزاته الباطنة والأحكام السرية التي لا يطلع عليها غالبا غيرهن وغير ذلك من الفوائد الدينية
وحبب إليه الطيب لملاقاته للملائكة لأنهم يحبونه ويكرهون الريح الخبيث لأن حقيقة الإكرام أن يحصل له في البرزخ ما كان يلتذ به في الدنيا ليكون حاله فيه كحاله في الدنيا
وفيه أن الحكمة المذكورة لا تناسب قوله صلى الله عليه وسلم فضلت على الناس بأربع وعد منها كثرة الجماع وهم كغيرهم في هذا التعلق متفاوتون بحسب مقاماتهم وإنه يعبر عن قوة هذا التعلق بعود الحياة ومنه ما ذكر عن قتادة وتعود الروح ومنه قول بعضهم أرواح الأنبياء والشهداء بعد خروجها من أجسادها تعود إلى تلك الأجسام في القبر وأذن لهم في الخروج من قبورهم والتصرف في الملكوت العلوي والسفلي
ومن ثم قال ابن العربي رحمه الله تعالى رؤية المصطفى عليه الصلاة والسلام بصفته العلوية إدراك له على الحقيقة وعلى غير صفته العلوية إدراك للمثال ويعبر عنه بردها
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم ما من أحد يسلم علي إلا رد الله تعالى علي روحي حتى أرد عليه السلام أي إلا قوى تعلق روحي وذلك إكراما لهذا المسلم حيث لا يرد عليه سلامه إلا وقد قوى تعلق روحه الشريفة بجسده الشريف والروح بناء على أنها غير عرض مع كونها في مقاماتها لها تعلق بجسدها وبما يبقى منه كما تقدم كالشمس في السماء الرابعة ولها تعلق بالأرض وربما عبر عن ضعف هذا التعلق بصعودها وطلوعها وبناء على أنها عرض تزول ويعود مثلها وقد أوضحت ذلك في النفحة العلوية في الأجوبة
____________________

الحلبية عن الأسئلة القروية وهي أسئلة سئلت عنها من بعض أهل القرى المصرية وذكرت أن هذا أولى مما أطال به الجلال السيوطي من الأجوبة مع ما فيها مما لا يخفى ورأيت في حديث عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن لله ملكا أعطاه سمع العباد كلهم وإنه ما من أحد يصلي علي صلاة إلا بلغنيها وإني سألت ربي عز وجل أن لا يصلي علي أحد صلاة إلا صلى الله عليه بها عشرة أمثالها وذكر الحافظ الذهبي أن راوي هذا الحديث تفرد به متنا وإسنادا والله أعلم
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها أنكرت قوله صلى الله عليه وسلم لقد سمعوا ما قلت وقالت إنما قال لقد علموا أن الذي كنت أقول حق وقالت إنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أي بقوله في حق أهل القليب ما أنتم بأسمع منهم أنهم الآن ليعلمون أن الذي أقول لهم هو الحق أي لا أنهم يسمعون ما أقول بحاسة سمعهم التي كانت موجودة في الدنيا ثم قرأت أي محتجة على ذلك قوله تعالى { إنك لا تسمع الموتى } الآية وبقوله { وما أنت بمسمع من في القبور }
ويجاب بأنه لا مانع من إبقاء السمع هنا على حقيقته لأنه إذا قوى تعلق أرواح هؤلاء الكفار بأجسادهم بحيث صاروا أحياء كحياتهم في الدنيا للغرض المذكور لا مانع من سماعهم بحاسة سمعهم لبقاء محل تلك الحاسة منهم كما أن الجسد بذلك التعلق يقوى على الجلوس للسؤال في القبر والسماع المنفي في الآيتين بمعنى السماع النافع وقد أشار إلى ذلك الجلال السيوطي رحمه الله بقوله نظما ** سماع موتى كلام الخلق قاطبة ** جاءت عندنا الآثار في الكتب ** ** وآية النفي معناها سماع هدى ** لا يقبلون ولا يصغون للأدب **
لأنه تعالى شبه الكفار الأحياء بالأموات في القبور في أنهم لا ينتفعون بالدعاء إلى الإسلام النافع
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن رواحة رضي الله عنه بشيرا لأهل العالية أي وهي محل قريب من المدينة على عدة أميال وزيد بن حارثة بشيرا لأهل السافلة بها راكبا ناقته القصوى وقيل العضباء بما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين فجعل عبدالله بن رواحة ينادي في أهل العالية يا معشر الأنصار أبشروا
____________________

بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل المشركين وأسرهم ونادى زيد بن حارثة في أهل السافلة بمثل ذلك أي ويقولان قتل فلان وفلان أي وأسر فلان وفلان من أشراف قريش وصار عدو الله كعب بن الأشرف يكذبهما ويقول إن كان محمد قتل هؤلاء القوم فبطن الأرض خير من ظهرها قال أسامة بن زيد رضي الله عنهما فأتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ولما عزى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمد لله دفن البنات من المكرمات وفي رواية من المكرمات دفن البنات ويعجبني قول الباخرزي رحمه الله تعالى ** القبر أخفى سترة للبنات ** ودفنها يروى من المكرمات ** ** أما رأيت الله عز اسمه ** قد وضع النعش بجنب البنات **
وجاء عثمان رضي الله عنه من رقية هذه بولد يقال له عبدالله فاكتنى به وكان قبل ذلك يكنى أبا عمرو وتزوج بعدها أختها أم كلثوم بوحي
فقد روى أنه صلى الله عليه وسلم رأى عثمان بن عفان مهموما بعد موت رقية رضي الله عنها فقال له ما لي أراك لهفانا مهموما فقال له يا رسول الله وهل دخل على أحد ما دخل علي انقطع الصهر بيني وبينك فبينا هو يحاوره إذ قال صلى الله عليه وسلم هذا جبريل عليه السلام يأمرني عن الله عز وجل أن أزوجك أختها أم كلثوم على مثل صداقها وعلى مثل عشرتها فزوجه إياها ولما تزوجها دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا بنية أين أبو عمرو قالت خرج لبعض حاجاته قال كيف رأيت بعلك قالت يا أبت خير بعل وأفضله فقال يا بنية كيف لا يكون كذلك وهو أشبه الناس بجدك إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه وأبيك محمد وجاء عثمان من أشبه أصحابي بي خلقا وجاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل عليه السلام إن أردت أن تنظر من أهل الأرض شبيه يوسف الصديق فانظر إلى عثمان بن عفان ولتزوجه ببنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له ذو النورين ولم يجمع أحد منذ آدم إلى اليوم بين بنتي نبي غيره رضي الله عنه ومن ثم لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا عنه قال ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى ذا النورين
ولما ماتت أم كلثوم تحته وذلك سنة تسع قال صلى الله عليه وسلم زوجوا عثمان لو كان لي ثالثة لزوجته إياها وما زوجته إلا بوحي من الله وجاء أنه صلى الله عليه وسلم
____________________

قال له لو أن لي أربعين بنتا زوجتك واحدة بعد واحدة حتى لا يبقى منهن واحدة وأم عثمان بنت عمته صلى الله عليه وسلم أروى بنت عبدالمطلب توأمة عبدالله أبي النبي صلى الله عليه وسلم
قال وقال رجل من المنافقين لأبي لبابة رضي الله عنه قد تفرق أصحابكم تفرقا لا يجتمعون بعده أبدا قد قتل محمد وغالب أصحابه وهذه ناقته عليها زيد بن حارثة لا يدرى ما يقول من الرعب قال أسامة فجئت حتى خلوت بأبي لبابة وسألته عما أسره له الرجل فأخبرني بما أخبره به فقلت أحق ما تقول قال أي والله حق ما أقول يا بني فقويت نفسي ورجعت إلى ذلك المنافق فقلت أنت المرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم لنقدمنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم فيضرب عنقك فقال إنما هو شيء سمعته من الناس يقولونه انتهى أي وهذا كان قبل أن يجتمع أسامة بأبيه زيد بن حارثة
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة فلما خرج من مضيق الصفراء قسم النفل أي الغنيمة وكانت مائة وخمسين من الإبل وعشرة أفراس ومتاعا وسلاحا وأنطاعا وثيابا وأدما كثيرا حمله المشركون للتجارة ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله سلبه ومن أسر أسيرا فهو له أي كما تقدم ولعله تكرر ذلك منه صلى الله عليه وسلم مرتين مرة للتحريض على القتال ومرة عند القسمة فالمقسوم ما بقي بعد إخراج السلب وإخراج الأسرى قسم على المسلمين بالسوية بعد الإختلاف فيه فادعى من قاتل العدو صده أنهم أحق به وادعى من جمعه أنهم أحق به وادعى من كان يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش أن غيرهم ليس بأحق به منهم أي لأن سسعد بن معاذ رضي الله عنه قام على باب العريش الذي به صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه في نفر من الأنصار وفي رواية عبادة بن الصامت أن جماعة خرجت في أثر العدو عند انهزامه وجماعة أكبوا على جمع الغنيمة فجمعوها وجماعة عند انهزام العدو أحدقوا به صلى الله عليه وسلم في العريش خوفا أن يصيب العدو منه غرة ولعل هؤلاء كانوا زيادة عمن كان مع سعد بن معاذ على باب العريش فادعى من أكب على جمعها أنهم أحق بها وادعى من عداهم أن أولئك ليسوا بأحق بها منهم
أي وكون جماعة أحدثوا به صلى الله عليه وسلم بعد انهزام العدو قد يقال لا ينافي
____________________

ذلك ما تقدم عن ابن سعد أنه لما انهزم المشركون دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم بالسيف مصلتا يتلو هذه الآية { سيهزم الجمع ويولون الدبر } لجواز أن يكون صلى الله عليه وسلم خرج في أثرهم برهة من الزمان ثم عاد إلى العريش فأحدق به هؤلاء مع من تقدم فأنزل الله تعالى سورة الأنفال { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول }
فالنفل قد يطلق على الغنيمة كما هنا كما أشرنا إليه وسماها الله تعالى أنفالا لأنها زيادة في أموال المسلمين وكذا الفيء المذكور في سورة الحشر التي نزلت في غزوة بني النضير يطلق على الغنيمة وسمى فيئا لأن الله تعالى أفاءه على المؤمنين أي رده عليهم من الكفار فإن الأصل أن الله تعالى إنما خلق الأموال إعانة على عبادته لأنه إنما خلق الخلق لعبادته فقد رد إليهم ما يستحقونه كما يعاد ويرد على الرجل ما غصب من ميراثه وإن لم يقبضه قبل ذلك ومنه قول بعضهم كان أهل الفيء بمعزل عن أهل الصدقة وأهل الصدقة بمعزل عن أهل الفيء كان يعطى من الصدقة اليتيم والمسكين والضعيف فإذا احتلم اليتيم نقل إلى الفيء أي إلى الغنيمة وأخرج من الصدقة فنزعه الله من أيديهم فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يضعه حيث شاء فدلت الآية على أن الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ليس لأحد من المقاتلة شيء منها ثم نسخت هذه الآية بقوله تعالى { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } والأربعة أخماس الباقية للمقاتلة أي فكان ذلك الخمس يخمس خمسة أخماس واحد له صلى الله عليه وسلم يفعل فيه ما أحب والأربعة من ذلك الخمس لمن ذكر في الآية والأربعة الأخماس الباقية تكون للمقاتلة
وسيأتي في سرية عبدالله بن جحش لنخلة أنه صلى الله عليه وسلم خمس العير الذي جاء به عبدالله كذلك فجعل خمس ذلك لله وأربعة أخماسه للجيش وقيل عبدالله هو الذي خمسها كذلك وأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك وهي أول غنيمة في الإسلام وأول غنيمة خمست فكان تخميسها قبل نزول الآية لما علمت أن نزول تلك الآية كان بعد بدر فهي من الآيات التي تأخرت تلاوتها عن حكمها قال بعضهم وكان ابتداء تحليل الغنائم لهذه الأمة في وقعة بدر كما ثبت في الصحيحين وذلك في قوله تعالى { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } فأحل الغنيمة لهم
____________________


أقول وفيه أن هذا قد يعين القول بأنه صلى الله عليه وسلم وقف غنائم نخلة حتى رجع من بدر ويضعف ما سبق من أنه صلى الله عليه وسلم خمسها أو أن عبدالله هو الذي خمسها قبل بدر وأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك وقد علمت أن ما أصابه من بدر قسمه بين المسلمين سواء أي لم يتميز فيه أحد عن أحد الراجل مع الراجل والفارس مع الفارس سواء وفيه تفضيل الفارس على الراجل في ذلك اليوم وسيأتي التصريح بذلك وهذا يؤيد القول بأن الجيش كان فيه خمسة أفراس أو فرسان دون القول بأنه لم يكن فيه إلا فرس واحد على ما تقدم حتى هو صلى الله عليه وسلم كان سهمه كسهم واحد منهم أي كفارس منهم بناء على ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان له فرسان إلا ما اصطفاه وهو سيفه ذو الفقار كما سيأتي وحينئذ يكون قول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يا رسول الله أتعطي فارس القوم الذي يغيظهم مثل ما تعطي الضعيف أراد بالفارس فيه القوي
ففي مسند الإمام أحمد قال سعد بن أبي وقاص قلت يا رسول الله الرجل يكون حاجته للقوم يكون سهمه وسهم غيره سواء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثكلتك أمك وهل تنصرون إلا بضعفائكم وما في مسند الإمام أحمد يدل على أن مراد سعد بالفارس القوي لمقابلته في هذه الرواية بالضعيف فلا ينافي أنه أعطى الفارس لفرسه سهمين وله سهم كالراجل
وقد أسهم لمن لم يحضر كمن أمره صلى الله عليه وسلم بالتخلف لعذر منعه من الحضور كعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه فإنه صلى الله عليه وسلم خلفه لأجل مرض زوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم أو لما كان به رضي الله تعالى عنه من الجدري على ما تقدم ولهذا عد من البدريين وأبي لبابة لأنه صلى الله عليه وسلم خلفه على أهل المدينة وعاصم بن عدي فإنه خلفه على أهل قباء والعالية ولمن أرسله لكشف أمر العدو يتجسس خبره فلم يجيء إلا وقد انقضى القتال وهما طلحة بن عبيدالله وسعيد بن زيد كما تقدم والحارث بن حاطب أمره بما مر في بني عمرو بن عوف وخوات ابن جبير والحارث بن الصمة لأن كلا منهما كسر بالروحاء كما تقدم
وبهذا يظهر التوقف في قول الجلال السيوطي في الخصائص الصغرى وضرب لعثمان رضي الله تعالى عنه يوم بدر بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره رواه أبو داود
____________________

عن ابن عمر قال الخطابي هذا خاص بعثمان لأنه كان يمرض ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا كلامه
وأسهم صلى الله عليه وسلم لأربعة عشر رجلا قتلوا ببدر ولعلهم ماتوا بعد انقضاء الحرب فلا يشكل على ما قاله فقهاؤنا أن من مات قبل انقضاء الحرب لاحق له
وتنفل صلى الله عليه وسلم زيادة على سهمه سيفه ذا الفقار أي وكان لمنبه بن الحجاج أي وقيل لابنه العاص قتل أيضا يوم بدر وقيل كان لعمه نبيه وفي كلام أبي العباس بن تيمية أنه كان لأبي جهل أي ويمكن أن يكون ذلك السيف كان في الأصل لأبي جهل ثم أعطاه لمنبه بن الحجاج أو لغيره ممن ذكر لا يقال أو بالعكس لأن سيف أبي جهل أخذه ابن مسعود كما تقدم فلا مخالفة
وتنفل أيضا صلى الله عليه وسلم جمل أبي جهل وكان مهريا ولم يزل يغزو عليه حتى ساقه في هدى الحديبية كما سيأتي وهذا الذي كان يأخذه زيادة على سهمه أي قبل قسمة الغنيمة إذا كان صلى الله عليه وسلم مع الجيش يقال له الصفي والصفية عبدا أو أمة أو دابة أو سيفا أو درعا لكن في الإمتاع عن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفى من المغنم حضر أو غاب قال بعضهم وهو محسوب من سهمه صلى الله عليه وسلم وقيل يكون زائدا عليه إلا أن يقال ذاك الذي وقع فيه الخلاف كان بعد نزوله آية التخميس وهذا كان قبل ذلك فلا يخالف ما سبق أن ما أخذه قبل القسمة كان زائدا على سهمه المساوي لسهام القوم أي وكان في الجاهلية يقال للذي يأخذه الرئيس إذا غزا بالجيش المرباع وهو ربع الغنيمة ولم يسمع مرباع إلا في الربع دون غيره من الخمس وما بعده والصفايا أشياء كان يصطفيها الرئيس لنفسه من خيار ما يغنم والنشيطة ما أصابه الجيش في طريقه قبل أن يصل إلى مقصده وكان للرئيس النقيعة أيضا وهو بعير ينحره قبل القسمة فيطعمه الناس كذا في شرح الحماسة للتبريزي
قال وقد سقط في الإسلام النقيعة والنشيطة وأمر صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله وجهه فقتل النضر بن الحارث بالصفراء
أي وفي الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى النضر وهو أسير فقال النضر للأسير الذي بجانه محمد والله قاتلي فإنه نظر إلي بعينين فيهما الموت فقال له والله
____________________

ما هذا منك إلا رعب وقال النضر لمصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه يا مصعب أنت أقرب من هذا إلي رحما فكلم صاحبك أن يجعلني كرجل من أصحابي يعني المأسورين هو والله قاتلي فقال مصعب إنك كنت تقول في كتاب الله كذا وكذا وتقول في نبيه صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وكنت تعذب أصحابه
وفي أسباب النزول للسيوطي وأقره وكان المقداد رضي الله تعالى عنه أسر النضر فلما أمر صلى الله عليه وسلم بقتله قال المقداد يا رسول الله أسيري فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول وقد رثته أخته وقيل بنته رضي الله تعالى عنها فإنها أسلمت بعد ذلك يوم الفتح فقالت من أبيات ** أمحمد يا خير ضنء كريمة **
والذي رأيته في الحماسة ** أمحمد ولأنت ضنء نجيبة ** في قومها والفحل فحل معرق **
أي له عرق في الكرم والضنء الولد ** ما كان ضرك لو مننت وربما ** من الفتى وهو المغيظ المحنق **
وحين سمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حتى أخضل أي بل لحيته وقال لو بلغني هذا الشعر قبل قتله لمننت عليه أي لقبول شفاعتها عندي بهذا الشعر وليس معناه الندم لانه صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا حقا
أي وكان للنضر هذا أخ يقال له النضير بالتصغير وكان أسن المهاجرين وقيل كان من مسلمة الفتح وربما يدل له أنه صلى الله عليه وسلم أمر له بمائة بعير من غنائم حنين فجاءه شخص يبشره بذلك فقال لا آخذها فإني أحسب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعطني ذلك إلا تألفا على الإسلام وما أريد أن أرتشي على الإسلام فقيل له إنها عطية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها وأعطى المبشر منها عشرة أبعرة
ثم قتل صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط بعرق الظبية بضم الظاء المعجمة وهي شجرة يستظل بها قال وحين قدم للقتل من للصبية يا محمد قال النار
وجاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن عقبة لما قدم للقتل نادى يا معشر قريش مالي أقتل من بينكم صبرا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بكفرك وافترائك على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وفي لفظ ببزاقك في وجهي أي فإن عقبة كان يكثر مجالسته صلى الله عليه وسلم واتخذ ضيافة فدعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل وكان أبي بن خلف صديقه فعاتبه وقال صبأت يا عقبة قال لا ولكن أبى أن يأكل من طعامي وهو في بيتي فاستحييت منه فشهدت له الشهادة وليست في نفسي فقال وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا فلم تطأ قفاه وتبزق في وجهه وتلطم عينه فوجده صلى الله عليه وسلم ساجدا في دار الندوة ففعل به ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ألقاك خارج مكة إلا علوت رأسك بالسيف كذا في الكشاف وفي لفظ آخر بكفرك وفجورك وعتوك على الله ورسوله وأنزل الله فيه { ويوم يعض الظالم على يديه } الآية
وذكر ابن قتيبة أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل عقبة أي وقد قال يا معشر قريش مالي أقتل من بينكم أي وأنا واحد منكم قال له يا محمد ناشدتك الله والرحم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أنت إلا يهودي من أهل صفورية وفي رواية قال له إنما أنت يهودي من أهل صفورية أي فليس هو من قريش أي لا رحم بيني وبينك أي لأن أمية جد أبيه خرج إلى الشام لما نافر عمه هاشم كما تقدم فأقام بصفورية ووقع على أمة يهودية ولها زوج يهودي من أهل صفورية فولدت له أبا عمرو الذي هو والد أبى معيط على فراش اليهودي فاستلحقه بحكم الجاهلية ثم قدم به مكة وكناه بأبي عمرو وسماه ذكوان مع أن الولد للفراش وقيل كان عبدا لأمية فتبناه فلما مات أمية خلفه على زوجته
ويدل لهذا الثاني ما ذكره بعض المؤرخين أن معاوية رضي الله تعالى عنه سأل رجلا من علماء النسب وفد عليه كم عمرك قال أربعون ومائتا سنة قال كيف رأيت الزمان فقال سنيات بلاء وسنيات رخاء يهلك والد ويخلف مولود فلولا الهالك لامتلأت الدنيا ولولا المولود لم يبق أحد فقال له هل رأيت عبدالمطلب قال نعم أدركته شيخا وسيما منسما جسيما يحف به عشرة من بنيه كأنهم النجوم فقال له هل رأيت أمية بن عبد شمس يعني جده قال نعم رأيته أخفش أزرق ذميما يقوده عبده ذكوان فقال ويحك كف فقد جاء غير ما ذكرت ذاك ابنه فقال أنتم تقولون ذلك
والقاتل لعقبة عاصم بن ثابت وقيل علي رضي الله تعالى عنهما أي وقيل صلب على الشجرة
____________________


أقول قال محمد بن حبيب الهاشمي هو أول مصلوب في الإسلام ورده ابن ابن الجوري بأن أول من صلب في الإسلام خبيب بن عدي
وقد يقال لا مخالفة لأن المراد بالثاني أول مصلوب من المسلمين وبالأول أول مصلوب من الكفار
وذكر أن أول من استعمل الصلب فرعون ولعل المراد به فرعون موسى بن عمران لا فرعون إبراهيم الخليل وهو أول الفراعنة ولا فرعون يوسف بن يعقوب وهو ثاني الفراعنة وفي قول إن فرعون يوسف هذا هو فرعون موسى بمعنى أنه بقي إلى زمن موسى عليه السلام وكان هلاكه على يده
وفي كلام ابن قتيبة عن سعيد بن جبير ضم طعيمة بن عدي إلى عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث أي لأنه ممن قتل معهما صبرا وفيه نظر فقد تقدم أن القاتل له حمزة رضي الله عنه في الحرب وسيأتي في أحد أن قتل حمزة كان بسبب قتله لطعيمة المذكور
ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل الأسارى بيوم أي وروى عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال لما قدمت إلى المدينة وكنت جائعا استقبلتني امرأة يهودية على رأسها جفنة فيها جدي مشوي فقالت الحمد لله يا محمد الذي سلمك الله كنت نذرت لله إن قدمت المدينة سالما لأذبحن هذا الجدي ولأشوينه ولأحملنه إليك لتأكل منه فأنطق الله الجدي فقال يا محمد لا تأكلني فإني مسموم أي بخلاف ما وقع له صلى الله عليه وسلم في خيبر فإنه لم يخبره الذراع بذلك إلا بعد أكله منه كما سيأتي وسيأتي أنه سأل المرأة عن سبب ذلك وهنا لم يسألها ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة أي قاربها خرج المسلمون للقائه وتهنئته بما فتح الله عليه فتلاقوا معه بالروحاء أي وقال لهم سلمة بن سلامة بن وقش ما الذي تهنونا به فوالله إن لقينا أي ما لقينا إلا عجائز صلعا كالبدن المعقولة فنحرناها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أولئك الملأ من قريش أي الأشراف والرؤساء وتلقته الولائد عند دخوله المدينة والولائد جمع وليدة وهي الصبية والأمة وتلك الولائد يقلن ** طلع البدر علينا ** من ثنيات الوداع ** ** وجب الشكر علينا ** ما دعا لله داع **
وتلقاه أسيد بن الحصير فقال الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك
____________________


ولما أقبلوا من بدر فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقفوا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي فقالوا يا رسول الله فقدناك فقال إن أبا الحسن وجد مغصا في بطنه فتخلفت عليه ثم لما قدمت الأسارى فرقهم بين الصحابة وقال استوصوا بهم خيرا
وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش ابن عبد عمرو رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك فقال قتل عتبة وشيبة وأبو الحكم وأمية وفلان وفلان من أشراف قريش أي وأسر فلان وفلان فقال صفوان بن أمية وكان يقال له سيد البطحاء وكان من أفصح قريش لسانا وكان جالسا في الحجر والله إن يعقل أي ما يعقل هذا سلوه عني فسألوه أي قالوا ما فعل صفوان فقال هو ذاك الجالس في الحجر وقد رأيت أباه وأخاه حين قتلا
وعن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت غلاما للعباس بن عبدالمطلب أي ثم وهبه العباس له صلى الله عليه وسلم وسيأتي الكلام عليه في السرايا وكان العباس رضي الله تعالى عنه أسلم وأسلمت زوجته أي أم الفضل قيل إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة كما تقدم وهي أم أولاده وهم عبدالله وعبيدالله وعبدالرحمن والفضل وقثم ومعبد وأم حبيب
قيل رآها صلى الله عليه وسلم وهي تدب بين يديه فقال إن بلغت وأنا حي تزوجتها فقبض صلى الله عليه وسلم قبل أن تبلغ قال ابن الجوزي فليس في الصحابيات من كنيتها أم الفضل إلا زوج العباس قال أبو رافع وأسلمت أنا وكنا نكتم الإسلام أي لأن العباس كان يكره خلاف قومه لأنه كان ذا مال كثير وأكثره متفرق فيهم أي وسيأتي الجواب عن كونه أسر وأخذ منه الفداء مع كونه مسلما وسيأتي أنه لم يظهر إسلامه إلا يوم الفتح
فلما جاء الخبر عن مصاب قريش ببدر سرنا ذلك فوالله إني لجالس إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس عندنا فبينا هو جالس إذ قدم أبو سفيان بن الحارث وكان مع قريش في بدر فقال له أبو لهب هلم إلى عندك الخبر فقال والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا ويأسروننا كيف شاءوا وايم الله ما لمت
____________________

الناس لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والأرض والله ما يقوم لها شيء قال أبو رافع فقلت والله تلك الملائكة فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة وثاورته أي واثبته أي قام كل للآخر فاحتملني وضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني فقامت أم الفضل إلى عمود وضربته به ضربة في رأسه أثرت شجة منكرة وقالت استضعفته أن غاب سيده تعني العباس فقام موليا ذليلا فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رمى بالعدسة أي ما عاش صحيحا قبل أن يرمي بالعدسة إلا سبع ليال أي وهي بثرة تشبه العدسة من جنس الطاعون فقتلته فلم يحفروا له حفيرة ولكن أسندوه إلى الحائط وقذفوا عليه الحجارة خلف الحائط حتى واروه أي لأن العدسة قرحة كانت العرب تتشاءم بها ويرون أنها تعدى أشد العدوى فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه وبقي بعد موته ثلاثة أيام لا تقرب جنازته ولا يحاول دفنه حتى أنتن فلما خافوا السبة أي سب الناس لهم في تركه فعلوا به ما ذكر
وفي رواية حفروا له ثم دفعوه بعود في حفيرته وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت إذا مرت بموضعه ذلك غطت وجهها
أقول قال في النور وهذا القبر الذي يرجم خارج باب شبيكة أي الآن ليس بقبر أبي لهب وإنما هو قبر رجلين لطخا الكعبة بالعذرة وذلك في دولة بني العباس فإن الناس أصبحوا وجدوا الكعبة ملطخة بالعذرة فرصدوا للفاعل فمسكوهما بعد أيام فصلبا في ذلك الموضع فصارا يرجمان إلى الآن والله أعلم
فلما ظهر الخبر ناحت قريش على قتلاهم أي شهرا وجز النساء شعورهن وكن يأتين بفرس الرجل أو راحلته وتستر بالستور وينحن حولها ويخرجن إلى الأزقة ثم أشير عليهم أن لا تفعلوا فيبلغ محمد وأصحابه فيشمتوا بكم ولا نبكي قتلانا حتى نأخذ بثأرهم وتواصوا على ذلك وكان الأسود بن زمعة بن المطلب أصيب له في بدر ثلاثة ولداه وولده ولده وكان يحب أن يبكي عليهم وكان قد ذهب بصره أي بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم لانه كما تقدم كان من المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا رآهم يقول قد جاءكم ملوك الأرض ومن يغلب على ملك كسرى وقيصر ويكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يشق عليه فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمى وتقدم ذلك وتقدم سبب عماه
____________________


وفي كلام بعضهم كان صلى الله عليه وسلم دعا على الأسود هذا بأن يعمي الله تعالى بصره ويثكل ولده فاستجاب الله تعالى له سبق العمى إلى بصره أولا ثم أصيب يوم بدر بمن نعاه من ولده أي وهو زمعة وهو أحد الثلاثة الذين كان يقال لكل واحد منهم زاد الراكب كما تقدم وأخوه عقيل والحارث فإنهما قتلا كافرين ببدر فتمت إجابة الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا به قد سمع صوت باكية بالليل فقال لغلامه أنظر هل أحل النحب أي البكاء هل بكت قريش على قتلاهم لعلي أبكي فإن جوفي قد احترق فلما رجع الغلام قال إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته فأنشد من أبيات ** أتبكي أن يضل لها بعير ** ويمنعها من النوم السهود ** ** فلا تبكي على بكر ولكن ** على بدر تقاصرت الجدود **
والسهود بضم السين المهملة عدم النوم والبكر الفتى من الإبل والجودود بضم الجيم جمع جد بفتحها وهو الحظ والسعد وبعد هذين البيتين بيت آخر وهو ** ألا قد ساد بعدهمو رجال ** ولولا يوم بدر لم يسودوا **
يعرض بأبي سفيان فإنه رأس قريش قال وقد جاء في بعض الروايات اختلاف الصحابة فيما يفعل بالأسرى لما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترون في هؤلاء الأسرى إن الله قد مكنكم منهم أي وقد يخالف هذا ما سبق من قوله إن من أسر أسيرا فهو له
وقد يقال لا مخالفة لأن معنى كونه له أنه مخير فيه بين قتله وأخذ فدائه ولعله لا يخالف ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل النضر قال المقداد رضي الله تعالى عنه وكان أسره يا رسول الله أسيري فقال له إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول وفي رواية استشار صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا أي وفي رواية أبا بكر وعمر وعبدالله بن جحش فيما هو الأصلح من الأمرين القتل وأخذ الفداء فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه يا رسول الله أهلك وقومك وفي رواية هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان قد أعطاك الله الظفر ونصرك عليهم أرى أن تستبقيهم وتأخذ الفداء منهم فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار وعسى الله أن يهديهم بك فيكونون لنا عضدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقول يا ابن الخطاب قال يا رسول الله قد كذبوك وأخرجوك وقاتلوك ما أرى ما رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكنني من فلان قريب
____________________

وفي لفظ نسيب لعمر فأضرب عنقه وتمكن عليا من أخيه عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من فلان أخيه أي العباس رضي الله تعالى عنه فيضرب عنقه حتى يعلم أنه ليست في قولبنا مودة للمشركين ما أرى أن تكون لك أسرى فاضرب أعناقهم هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم أي وقال ابن رواحة رضي الله تعالى عنه أنظروا واديا كثير الحطب فأضرمه عليهم نارا فقال العباس رضي الله تعالى عنه وهو يسمع ثكلتك رحمك فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت أي ولم يرد عليهم فقال بعض الناس يأخذ بقول أبي بكر وقال بعض الناس يأخذ بقول ابن رواحة ولم يقال قائل يأخذ بقول عمر ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله ليلين قلوب أقوام فيه حتى تكون ألين من اللين وإن الله ليشدن قلوب أقوام فيه حتى تكون أشد من الحجارة مثلك يا أبا بكر في الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة لعله لا ينزل إلا بالرحمة فلا ينافي أن جبريل ينزل بالرحمة في بعض الأحايين كما تقدم قريبا ومن ثم جاء في الحديث أرأف أمتي بأمتي أبو بكر ومثلك في الأنبياء مثل إبراهيم حيث يقول { فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى بن مريم إذ قال { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم }
قيل إنه قوله { فإنك أنت العزيز الحكيم } من مشكلات الفواصل إذ كان مقتضى الظاهر فإنك أنت الغفور الرحيم
ورد بأن العزيز الذي لا يغلبه أحد ولا يغفر لمن استحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه والحكيم هو الذي يضع الشيء محله
ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل نزل بالشدة والبأس والنقمة على أعداء الله تعالى أي أغلب أحواله ذلك فلا ينافي أنه ينزل بالرحمة في بعض الأوقات كما تقدم ومثلك في الأنبياء مثل نوح عليه الصلاة والسلام إذ قال { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } ومثلك في الأنبياء مثل موسى عليه الصلاة والسلام إذ قال { ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم }
قال الجلال السيوطي رحمه الله تعالى في الخصائص الصغرى ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم من أصحابه من يشبه بجبريل وبإبراهيم وبنوح وبموسى وبعيسى وبيوسف وبلقمان الحكيم وبصاحب يس هذا كلامه
وقد علمت أن أبا بكر رضي الله عنه شبه بميكائيل ولم يذكر ميكائيل ولينظر من
____________________

شبه من أصحابه بيوسف ثم رأيتني ذكرت فيما تقدم قريبا أنه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ولينظر من شبه من أصحابه بلقمان الحكيم وبصاحب يس
ثم قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر ولو توافقتما ما خالفتكما فلا يفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق
وقد وقع له صلى الله عليه وسلم أنه قال مثل ذلك لهما وقد اختلفا في تولية شخصين أراد صلى الله عليه وسلم تولية أحدهما على بني تميم فقال أبو بكر يا رسول الله استعمل فلانا وقال عمر يا رسول الله استعمل فلانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنكما لو اجتمعتما لأخذت برأيكما ولكنكما اختلفتما علي أحيانا فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } الآية واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم مثلك يا أبا بكر الخ على جواز ضرب المثل من القرآن وهو جائز في غير المزح ولغو الحديث وإلا كره ونسبة الإختلاف في أسارى بدر لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما لا تخالف ما سبق من نسبته إلى الصحابة رضي الله تعالى عنهم لأنه يجوز أن يكونا هما المرادين بالصحابة وعدم ذكر علي رضي الله تعالى عنه مع إدخاله في الإستشارة وكذا عبدالله بن جحش على ما تقدم لأنه يجوز أن يكون وافق أحدهما أي فقد ذكر ابن رواحة مع عدم إدخاله في الإستشارة
وفي كلام الإمام أحمد رحمه الله استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال إن الله قد مكنكم منهم قال فقام عمر رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله إضرب أعناقهم فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد فقال يا أيها الناس إن الله قد مكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس فقام عمر رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم ثم عاد فقال للناس مثل ذلك فقام أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء قال فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم فعفا عنهم وقبل الفداء فلما كان الغد غدا عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال يا رسول الله ما يبكيكما وفي لفظ ماذا يبكيك أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كاد لمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم لو نزل عذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب
____________________


وفي مسلم والترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء أي للعذاب الذي كاد أن يقع على أصحابك لأجل أخذهم الفداء أي إرادة أخذه لقد عرض علي عقابهم أدنى أي أقرب من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه صلى الله عليه وسلم وأنزل الله تعالى { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } الآيات
أقول قال بعضهم في هذه الآيات دليل على أنه يجوز الإجتهاد للأنبياء لأن العتاب الذي في الآيات لا يكون فيما صدر عن وحي ولا يكون فيما كان صوابا وإذا أخطئوا لا يتركون عليه بل ينبهون على الصواب
وأجاب ابن السبكي رحمه الله بأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم أي ما كان هذا لنبي غيرك ولا يخفى عليك ما فيه
وفي كلام بعضهم ما يقتضي أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام غير نبينا صلى الله عليه وسلم يجوز أن يقروا على الخطأ لأن من بعد من يخطىء منهم يبين خطأه بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم لا نبي بعده يبين خطأه فلا يقر على الخطأ وفيه أن بعد نبينا عليه الصلاة والسلام عيسى عليه الصلاة والسلام وأنه يوحي إليه
ونظر بعضهم في وقوع الخطأ من الأنبياء واستمرارهم عليه بأنه غير لائق بمنصب النبوة لأن وجود من يستدرك الخطأ لا يدفع مقتضيه
وفيه جواز وقوع الخطأ والعمل به قبل مجيء الإستدراك وتقدم جواز الإجتهاد له مطلقا لا في خصوص الحرب واستثناء عمر ربما يفيد أن جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وافقوا أبا بكر على أخذ الفداء وخالفوا عمر مع أنه تقدم قريبا أن سعد بن معاذ كره ذلك قبل عمر فقد تقدم أن المسلمين لما وضعوا أيديهم يأسرون رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ فوجد في وجهه الكراهية لما يصنع القوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم قال أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها الله تعالى بأهل الشرك فكان الإثخان في القتل أحب إلي من
____________________

استبقاء الرجال ومن ثم قال لو نزل عذاب لم يفلت منه إلا ابن الخطاب وسعد بن معاذ كما سيأتي وفيه أن ابن رواحة كرهه بل أشار بإحراقهم بالنار
وفي الأصل أن جبريل عليه الصلاة والسلام نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر فقال إن شئتم أخذتم منهم الفداء ويستشهد منكم سبعون بعد ذلك فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه فجاءوا أو من جاء منهم أي وهم المعظم فقال إن هذا جبريل يخبركم بين أن تقدموهم فتقتلوهم وبين أن تفادوهم ويستشهد قابلا منكم بعدتهم فقالوا بل نفاديهم فنتقوى به عليهم ويدخل قابلا منا الجنة سبعون وفي لفظ ويستشهد منا عدتهم فليس في ذلك ما نكره وهو كما ترى يدل على أن الصحابة وافقوا أبا بكر رضي الله عنهم على أخذ الفداء ولعل هذا الإخبار بالتخيير كان بعد الإستشارة التي تكلم فيها أبو بكر وعمر وأن بكاءه صلى الله عليه وسلم كان بعد هذه الإستشارة الثانية وقوله صاحب الهدى بكاؤه صلى الله عليه وسلم وبكاء الصديق رحمة وخشية أن العذاب يعم ولا يصيب من أراد ذلك خاصة يفيد أن الذي أشار بأخذ الفداء طائفة من الصحابة لا كلهم
أقول وفيه أن هذا يشكل عليه قوله لو نزل عذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب أو إلا ابن الخطاب وسعد بن معاذ فإن فيه تصريحا بأن العذاب لو وقع لا يعم وأنه لا يصيب إلا من أشار بالفداء وفيه أن من أشار بالفداء غاية الأمر أنهم اختاروا غير الأصلح من الأمرين واختيار غير الأصلح لا يقتضي العذاب على أن حل أخذ الفداء علم من واقعة عبدالله بن جحش التي قتل فيها ابن الحضرمي فإنه أسر فيها عثمان بن المغيرة والحكم بن كيسان ولم ينكره الله تعالى وذلك قبل بدر بأزيد من عام إلا أن يقال أراد الله تعالى تعظيم أمر بدر لكثرة الأسارى فيها مع شدة تصلبهم في مقاتلته صلى الله عليه وسلم وفي المواهب كلام في الآية المذكورة يتأمل فيه
ورأيت فيها عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لولا أني لا أعذب من عصاني حتى أقدم إليه الحجة لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم
وعن الأعمش سبق منه أنه لا يعذب أحدا شهد بدرا ومن ثم جاء كما يأتي أن رجلا قال يا رسول الله إن ابن عمي نافق أي ائذن لي أن أضرب عنقه فقال له إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم والله أعلم ولا ينافي
____________________

قتل سبعين منهم في قابل أي في أحد كون بعض الأسارى في بدر مات في الأسر ولم يؤخذ فداؤه وهو ومالك بن عبيد الله أخو طلحة بن عبيد الله وكون بعضهم أطلق من غير أخذ فداء لأن المنكر عدم قتل اولئك السبعين الذين أسروا
قال بعضهم اتفق أهل العلم بالسير على أن المخاطبين بقوله تعالى { أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها } هم أهل أحد أي قد أصبتم يوم بدر مثلي من استشهد منكم يوم أحد سبعين قتيلا وسبعين أسيرا والله أعلم
وتواصت قريش على أن لا يعجلوا في طلب فداء الأسرى لئلا يتخالى محمد وأصحابه في الفداء فلم يلتفت لذلك المطلب بن أبي وداعة السهمي بل خرج من الليل خفية وقدم المدينة فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم وقد كان صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه رضي الله تعالى عنهم لما رأى أبا وداعة أسيرا إن له بمكة ابنا كيسا تاجر ذا مال وكأنكم به قد جاء في طلب فداء أبيه أي فكان أول أسير فدى واسم أبي وداعة الحارث وذكر في الصحابة قال الزبير بن بكار زعموا أنه كان شريكا للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة
أي والمشهور أن شريكه صلى الله عليه وسلم إنما هو السائب بن أبي السائب الذي قال في حقه وقد أسلم يوم الفتح وقد جعل الناس يثنون عليه أنا أعلمكم به هذا شريكي نعم الشريك كان لا يداري ولا يماري وفي رواية أنه لما قال صلى الله عليه وسلم أنا أعلمكم به قال صدقت بأبي أنت وأمي كنت شريكك فنعم الشريك لا تداري ولا تماري وعند ذلك بعثت قريش في فداء الأسارى وكان الفداء فيهم على قدر أموالهم وكان من أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألفين إلى ألف ومن لم يكن معه فداء أي وهو يحسن الكتابة دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم الكتابة فإذا تعلموا كان ذلك فداءه
وجاء جبير بن مطعم وهو كافر أي إلى المدينة يسأل النبي صلى الله عليه وسلم في اسارى بدر فقال له صلى الله عليه وسلم لو كان شيخك أو الشيخ أبوك حيا فأتانا فيهم لشفعناه وفي رواية لو كان مطعم حيا وكلمني في هؤلاء النفر وفي رواية في هؤلاء النتنى لتركتهم له لان المطعم كان أجار النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من الطائف وكان ممن سعى في نقض الصحيفة كما تقدم ذلك
وكان من جملة الأسارى عمرو بن أبي سفيان بن حرب أخو معاوية أي أسره علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فقيل لأبي سفيان أفد عمرا ابنك قال أيجمع علي دمي
____________________

ومالي قتلوا حنظلة يعني ابنه وهو شقيق أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأفدى عمرا دعوه في أيديهم يمسكونه ما بدرا لهم فبينما أبو سفيان إذ وجد سعد بن النعمان أخا بني عمرو بن عوف أي قد وفد من المدينة معتمرا فعدا عليه أبو سفيان فحبسه بابنه عمرو فمضى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبر سعد بن النعمان وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان فيفكون به صاحبهم ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل سعد أي ولم يذكر عمرو هذا فيمن أسلم من الأسارى والظاهر أنه مات على شركه
وكان في الاسارى زوج بنت النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها وهو أبو العاص بن الربيع بكسر الموحدة وتشديد الياء مفتوحة قال في الأصل ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بناء على ما تقوله العامة ان ختن الرجل زوج ابنته والمعروف لغة أن ختن الرجل أقارب زوجته مثل أبيها وأخيها ومع ذلك لا ينبغي أن يقال في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ختن أبي العاص ولا ختن علي لإيهامه النقص
وفي حفظي أن عند المالكية من قال عنه صلى الله عليه وسلم يتيم أبي طالب وختن حيدرة كان مرتد وفي عبارة أو بدل الواو ورواية أو مبينة للمراد من رواية الواو وأن ما أفهمته من اعتبار الجمعية ليس مرادا وحيدرة اسم علي رضي الله تعالى عنه وأبو العاص اسلم بعد ذلك كما سيأتي وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد أخت خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأبو ولدها علي الذي أردفه صلى الله عليه وسلم خلفه يوم فتح مكة ومات مراهقا وأبو بنتها أمامة التي كان يحملها صلى الله عليه وسلم في الصلاة أي وكان يحبها حبا شديدا
فعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهديت له هدية فيها قلادة من جذع فقال لأدفعنها إلى أحب أهلي إلى فقالت النساء ذهبت بها ابنة أبي قحافة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب فعلقها في عنقها وتزوجها علي بعد موت خالتها فاطمة رضي الله تعالى عنها بوصية من فاطمة زوجها له الزبير بن العوام وكان أبوها أوصى بها إلى الزبير ومات عنها فتزوجها المغيرة بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب فماتت عنده وكان تزويجها للمغيرة بوصية من علي رضي الله وتعالى عنه فإنه لما حضرته الوفاة قال لها إني لا آمن أن يخطبك معاوية وفي لفظ هذا
____________________

الطاغية بعد موتي فإن كان لك في الرحال حاجة فقد رضيت لك المغيرة بن نوفل عشيرا فلما إنقضت عدتها أرسل معاوية إلى مروان أن يخطبها عليه ويبذل لها مائة ألف دينار فلما خطبها أرسلت إلى المغيرة بن نوفل إن هذا الرجل أرسل يخطبني فإن كان لك حاجة في فأقبل فجاء وخطبها من الحسن بن علي أي فزوجها منه
أي ولا يخالف ما تقدم أن المزوج لها الزبير بن العوام لأنه يجوز أن يكون الحسن كان هو السبب في تزويج الزبير لها فبعثت زينب رضي الله تعالى عنها في فداء زوجها أبي العاص قلادة لها كانت أمها خديجة رضي الله تعالى عنها أدخلتها بها عليه حين بنى بها أي والجائي بها أخوه عمرو بن الربيع ولا يعلم لعمرو هذا إسلام فلما رأى تلك القلادة رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال للصحابة إن رايتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها قلادتها فافعلوا قالوا نعم يا رسول الله فأطلقوه وردوا عليها القلادة وشرط عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلي سبيل زينب أي أن تهاجر إلى المدينة
أي وقد كان كفار قريش مشوا إليه أن يطلق زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما طلق ولدا أبي لهب بنتي النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدخول بهما رقية وأم كلثوم كما تقدم وقالوا له نزوجك أي أمرأة من قريش شئت فأبى ذلك وقال والله لا أفارق صاحبتي وما أحب أن لي بها امرأة من قريش فشكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك واثنى عليه بذلك خيرا فلما وصل ابو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها فخرجت
وقد كان صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار قال لهما تكونان بمحل كذا لمحل قريب من مكة حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها أي وذكر أن حماها كنانة بن الربيع خا زوجها قدم لها بعيرا فركبته واتخذ قوسه وكنانته ثم خرج بها نهارا يقودها في هودج لها وكانت حاملا فتحدث بذلك رجال من قريش فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طوى فكان أول من سبق إليها هبار ابن الأسود رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك ونخس البعير بالرمح فوقعت والقت حملها
وفي رواية أنه سبق إليها هبار ورجل آخر يقال له نافع وقيل خالد بن عبد قيس
____________________

ثم ان كنانة برك ونثر كنانته واخذ قوسه وقال والله لا يدنو مني رجل الا وضعت فيه سهما فجاء اليه أبو سفيان في رجال من قريش وقال له كف عنا نبلك حتي نكلمك فكف ثم قال له انك لم تصب في فعلك فانك خرجت بالمراة جهارا على رءوس الاشهاد وقد عرفت مصيبتنا التي كانت وما دخل علينا من محمد فيظن الناس اذا خرجت زينب علانية على رءوس الناس من بين أظهرنا أن ذلك من ذل أصابنا وأن ذلك منا من ضعف ووهن ولعمري مالنا بحبسها عن أبيها من حاجة ولكن أرجع بها حتى اذا هدات الاصوات وتحدث الناس أن قد رددناها فسر بها سرا فألحقها بأبيها ففعل وأقامت ليالى ثم خرج بها ليلا حتى أسلمها الى زيدابن حارثة وصاحبه
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لزيد بن حارثة ألاتنطلق فتجيئ بزينب قال بلى يا رسول لله قال فخذ خاتمي فأعطها فانطلق زيد فلم يزل يتلطف حتى لقي راعيا فقال لمن ترعى قال لابي العاص قال فلمن هذه الغنم قال لزينب بنت محمد فتكلم معه ثم قال له هل ان أعطيتك شيئا تعطهااياه ولا تذكره لأحد قال نعم فأعطاه الخاتم فانطلق الراعي الى زينب وأدخل غنمه وأعطاها الخاتم فعرفته فقالت من أعطاك هذا قال رجل قالت فأين تركته قال بمكان كذا وكذا فسكتت حتى اذا كان الليل خرجت اليه فلما جاءته قال لها زيد اركبي بين يدي على بعيري قالت لا ولكن اركب انت بين يدي فركب وركبت خلفه حتى أتت المدينة وذلك بعد شهرين من بدر وكان صلى الله عليه وسلم يقول زينب أفضل بناتي أصيبت بي اي بسببي ز
ومن العجب أن هذه العبارة ساقها الامام سراج الدين البلقيني في فتاويه في حق فاطمه رضي الله تعالى عنها حيث قال وقد روي البزار في مسنده من طريق عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة هي خير بناتي لانها أصيبت في هذا كلامه ولينظر ما الذي أصيبت فاطمة بسببه صلى الله عليه وسلم وقد يقال اصابتها بسبب موته صلى الله عليه وسلم في حياتها ز
ثم رايت الحافظ ابن حجر أجاب بذلك حيث قال لأنها رزئت بأبيها فكان في صحيفتها اى فهو من أعلام نبوته او ان قوله في زينب ما ذكر كان قبل ما وهب الله لفاطمة من الكمالات
____________________


وقد سئل الإمام البلقيني رحمه الله تعالى هل بقية بناته صلى الله عليه وسلم أي بعد فاطمة سواء في الفضل أو يفضل بعضهم على بعض ولم يجب عن ذلك ولا مخالفة بين خروج زينب إلى زيد وخروج حميها بها إلى زيد وبهذا أي بتأخر هجرة زينب يظهر التوقف في قول ابن اسحاق أما بناته صلى الله عليه وسلم فكلهن أدرن الإسلام واسلمن وهاجرنا معه إلا ان يقال المراد اشتركن معه في الهجرة وتقدم ما في قوله وأسلمن وكون الجائي في فداء أبي العاص أخوه عمرو يخالف ما جاء أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها أرسلت في فداء أبي العاص وأخيه عمرو بن الربيع بمال وبعثت فيه بقلادة الحديث ولعلها تصحيف وأن الأصل بعثت في فداء أبي العاص أخاه عمرو بن الربيع ويدل لذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال في هذه الرواية إن رايتم أن تردوا لها أسيرها فأطلقوه ولم يقل أسيريها وكان في الأسارى سهيل بن عمرو العامري
وتقدم أنه كان من أشراف قريش وخطبائها فقد سئل سعد بن المسيب عن خطباء قريش في الجاهلية فقال الأسود بن المطلب وسهيل بن عمرو وسئل عن خطبائهم في الإسلام فقال معاوية بن أبي سفيان وابنه يعني يزيد وسعيد بن العاص وابنه يعني عمرو بن سعيد وعبد الله بن الزبير
ولعل هذا لا يخالف ما تقدم من قول الأصمعي الخطباء من بني مروان عتبة ابن ابي سفيان أخو معاوية وعبد الملك بن مروان ومما يؤثر عن عتبة ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم كما تقدم وقال عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم دعني أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو ويدلع أي بالدال والعين المهملتين يخرج لسانه أي لأنه كان أعلم والأعلم إذا نزعت ثنيتاه لم يستطع الكلام فلا يقم عليك خطيبا في موطن أبدا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا امثل بي فيمثل الله تعالى بي إن كنت نبيا وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه فكان كذلك فإنه لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أكثر أهل مكة الرجوع عن الإسلام حتى خافهم أمير مكة عتاب بن أسيد رضي الله عنه وتوارى فقام سهيل بن عمرو رضي الله عنه خطيبا فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ايها الناس من كان يعبد محمد فإن محمد قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ألم تعلموا ان الله تعالى قال { إنك ميت وإنهم ميتون } وقال { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } الآيات وتلى آيات
____________________

آخر ثم قال والله إني أعلم أن هذا سيمتد امتداد الشمس في طلوعها وغروبها فلا يغرنكم هذا من أنفسكم يعني ابا سفيان فإنه ليعلم من هذا الأمر ما أعلم لكنه قد ختم على صدره حسد بني هاشم وتوكلوا على ربكم فإن دين الله قائم وكلمته تامة إن الله ناصر من نصره ومقو دينه وقد جمعكم الله على خيركم يعني أبا بكر رضي الله تعالى عنه وقال إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة فمن رأيناه ارتد ضربنا عنقه فتراجع الناس وكفوا عما هموا به
وعند ذلك ظهر عتاب بن أسيد رضي الله عنه وقدم مكرز بن حفص في فداء سهيل فلما ذكر قدرا أرضاهم به قالوا له هات فقال اجعلوا رجلي مكان رجله وخلوا سبيله حتى يبعث إليكم بفدائه فخلوا سبيل سهيل وحبسوا مكرز وكان في الأسارى الوليد أخو خالد بن الوليد افتكه أخواه هشام وخالد فلما افتدى أسلم فعاتبوه في ذلك فقال كرهت أن يظن بي أني جزعت من الأسر ولما أسلم وأراد الهجرة حبسه أخواه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له في القنوت كما تقدم ثم أفلت ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء كما سيأتي أي وكان في الأسارى السائب وهو الأب الخامس لإمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه وكان صاحب راية بني هاشم في ذلك اليوم أي التي يقال لها في الحرب العقاب ويقال لها راية الرؤساء ولا يحملها في الحرب إلا رئيس القوم وكانت لأبي سفيان أوة لرئيس مثله ولغيبة أبي سفيان في العير حملها السائب لشرفه وفدى نفسه
وأما أبوه الرابع الذي هو شافع الذي ينسب إليه أمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه الذي هو ولد السائب لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مترعرع فأسلم وكان في الأسارى وهب بن عمير رضي الله تعالى عنه فإن أسلم بعد ذلك واسره رفاعة بن رافع وكان أبوه عمير شيطانا من شياطين قريش وكان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه بمكة رضي الله تعالى نه فإنه أسلم بعد ذلك فجلس يوما مع صفوان بن أمية رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وكان جلوسه معه في الحجر فتذاكرا أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان ما في العيش والله خير بعدهم فقال عمير والله صدقت أما والله لولا دين على ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيع بعد كنت آتي محمد حتى أقتله فإنني فيهم علة ابن أسير في ايديهم فاغتنمها صفوان وقال له على دينك أنا أقضيه
____________________

عنك وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا قال عمير فاكتم عني شأني وشأنك قال افعل ثم ان عميرا أخذ سيفه وشحذه بالمعجمة أي سنه وسمه أي جعل فيه السم ثم أنطلق حتى قدم المدينه فبينا عمر بن الخطاب رضي الله تعال عنه في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر اذ نظر الى عمير حين أناخ راحلته على باب المسجد متوشحا السيف فقال هذا الكلب عدو الله عمير ما جاء الابشر فدخل عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه قال صلى الله عليه وسلم فأدخله علي فأقبل عمر رضي الله عنه حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه والحمالة بكسر الحاء المهملة العلاقة فمسكه بها وقال لرجال ممن كانو معه من الانصار أدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسوا عنده فان هذا الخبيث غير مأمون ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر رضي الله عنه اخذ بحمالة سيفه في عنقه قال أرسله يا عمر ادن يا عمير فدنا ثم قال عمير أنعمو صباحا وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنه ما جاء بك يا عمير قال جئت لهذا الاسير الذي في أيديكم يعني ولده وهبا فأحسنوا فيه قال فما بال السيف قال قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا شيئا قال صلى الله عليه وسلم أصدقني مالذي جئت له قال ما جئت الا لذلك قال صلى الله عليه وسلم بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لولا دين على وعيالي لخرجت حتى أقتل محمدا فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على ان تقتلني له والله حائل بينك وبين ذلك قال عمير أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما تأتي به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي وهذا امر لم يحضر الا أنا وصفوان فوالله اني لا اعلم ما أتاك به الا الله تعالى فالحمد لله الذى هدانا للاسلام وساقني هذا المساق ثم شهد شهادة الحق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقهوا أخاكم في دينه وأقرئوه القرأن وأطلقوا أسيره ففعلوا ذلك ثم قال يا رسول الله اني كنت جاهدا على اطفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دين الله فأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكه فأدعوهم الى الله وإلى الإسلام لعل الله يهديهم وإلا أذيتهم
____________________

في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق بمكة وأسلم ولده وهب رضي الله عنه
وكان صفوان حين خرج عمير يقول أبشروا بوقعة تأتيكم الآن تنسيكم وقعة بدر وكان صفوان يسأل عن الركبان حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه فحلف أن لا يكلمه أبدا وأن لا ينفعه بنفع أبدا
أي ولما قدم عمير لم يبدا بصفوان بل بدا ببيته واظهر الإسلام ودعا إليه فبلغ ذلك صفوان فقال قد عرفت حيث لم يبدأ بي قبل منزله أنه قد نكس وصبأ ولا أكلمه ابدا ولا انفعه ولا عياله بنافعة
ثم إن عميرا وقف على صفوان وناداه أنت سيد من سادتنا رايت الذي كنا عليه من عبادة الحجر والذبح له أهذا دين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله فلم يجبه صفوان بكلمة وعند فتح مكة هو الذي استأمنه صلى الله عليه وسلم لصفوان كما سيأتي
وكان في الأسارى أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه قال أبو عزيز مر بي أخي مصعب فقال للذي أسرني شد يدك به فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك فقلت له يا أخي هذه وصايتك بي فبعثت أمه في فدائه أربعة آلاف درهم ففدته بها
وكان في الأسارى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم اي وقد شدوا وثاقه فأن فلم يأخذه صلى الله عليه وسلم نوم فقيل ما سهرك يا رسول الله قال لأنين العباس فقام رجل وأرخى وثاقه وفعل ذلك بالأسارى كلهم والذي أسره أبو اليسر كعب بن عمرو وكان ذميما أي بالمهملة صغير الجثة والعباس جسيما طويلا فقيل للعباس رضي الله تعالى عنه لو أخذته بكفك لوسعته كفك فقال ما هو إن لقيته فظهر في عيني كالخدمة أي وهو جبل من جبال مكة أي وأبو اليسر هذا هو الذي انتزع راية المشركين وكانت بيد أبي عزيز بن عمير قال وفي رواية أن البني صلى الله عليه وسلم سأل كعب وقال له كيف أسرت العباس قال يا رسول الله لقد أعانني عليه ملك كريم أي وفي رواية أن العباس رضي الله تعالى عنه لما قيل له ما تقدم قال والله إن هذا ما اسرني لقد أسرني رجل أبلج من أحسن الناس وجها على فرس أبلق فما أراه في القوم فقال الذي جاء به والله أنا الذي أسرته يا رسول الله فقال اسكت فقد أيدك الله بملك كريم
____________________


وفي الكشاف أن العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخذ أسيرا ببدر لم يجدوا له قميصا وكان رجلا طوالا فكساه عبد الله بن أبي ابن سلول قميصه وجعل صلى الله عليه وسلم فداء العباس أربعمائة أوقية وفي رواية مائة أوقية وفي رواية أربعين أوقية من ذهب وفي رواية جعل على العباس أيضا فداء عقيل ابن أخيه ثمانين أوقية أي وجعل عليه فداء ابن أخيه نوفل بن الحارث
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال له افد نفسك يا عباس وابني أخيك عقيل ابن أبي طالب ونوفل بن الحارث ابني عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو ففدى نفسه بمائة أوقية وكل واحد بأربعين أوقية وسيأتي ما يدل على أنه إنما فدى نفسه وابن أخيه عقيل فقط وقال للنبي صلى الله عليه وسلم تركتني فقير قريش ما بقيت وفي لفظ تركتني أسأل الناس في كفى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين المال الذي دفعته لأم الفضل يعني زوجته وقلت لها إن أصبت فهذا لبني الفضل وعبد الله وقثم وفي كلام ابن قتيبة فللفضل كذا ولعبد الله كذا وقثم كذا فقال والله إني لأعلم أنك رسول الله إن هذا شيئ ما علمه إلا انا وأم الفضل زاد في رواية وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله
وفي رواية أن العباس قال للنبي صلى الله عليه وسلم لقد تركتني فقير قريش ما بقيت فقال له كيف تكون فقير قريش وقد استودعت بنادق الذهب أم الفضل وقلت لها إن قتلت فقد تركتك غنية ما بقيت
وفي رواية أين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل فقال أشهد أن الذي تقوله قد كان وما اطلع عليه إلا الله وتقدم عن أبي رافع مولى العباس أن العباس رضي الله تعالى عنه وزوجته أم الفضل كانا مسلمين بل تقدم أنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة رضي الله تعالى عنها وكانا يكتمان إسلامهما وأن أبا رافع كان كذلك
ومما يؤيد إسلام العباس رضي الله تعالى نه أنه جاء في بعض الروايات أن العباس رضي الله تعالى عنه قال علام يأخذ ما الفداء وكنا مسلمين أي وفي رواية كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم الله أعلم بما تقول إن يك حق فإن الله يجزيك ولكن ظاهر أمرك أنك كنت علينا وقد أنزل الله تعالى { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا } أي إيمانا { يؤتكم خيرا مما أخذ منكم }
____________________

أي من الفداء الآيات فعند ذلك أي عند نزول الآيات قال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم لوددت أنك كنت أخذت مني أضعافا فقد آتاني الله خير منها مائة عبد وفي لفظ أربعين عبدا كل عبد في يده مال يضرب به أي يتجرفيه وإني لأرجو من الله المغفرة أي وهذا القول من العباس رضي الله تعالى عنه يدل على تأخر نزول هذه الآيات
وجاء أن العباس رضي الله تعالى عنه خرج لبدر ومعه عشرون أوقية من ذهب ليطعم بها المشركين فأخذت منه في الحرب فكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحسب العشرين أوقية من فداءه فأبى وقال أما شيء خرجت تستعين به علينا فلا نتركه لك وجاء في بعض الروايات أن العباس رضي الله تعالى عنه لما أسر تواعدت طائفة من الأنصار على قتله فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لعمر لم أنم الليلة من أجل عمي العباس زعمت الأنصار أنهم قاتلوه فأتى عمر الأنصار فقال لهم أرسلوا العباس فقالوا والله لا نرسله فقال لهم عمر فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي فقالوا إن كان رضي فخذه فأخذه عمر فلما صار في يده قال له يا عباس أسلم فوالله لأن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب
أي وفي اسباب النزول للواحدي لما أسر العباس يوم بدر أقبل المسلمون عليه يعيرونه بكفره بالله وقطيعة الرحم وأغلظ علي له من القول فقال العباس ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا قال له علي ألكم محاسن قال نعم إنا لنعمر المسجد الحرام ونحيي الكعبة ونسقي الحاج ونفك العانى فأنزل الله تعالى { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله } الآية
وجاء انه قال للمسلمين لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج فأنزل الله تعالى { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله } الآية
وذكر بعضهم أن العباس رضي الله تعالى عنه كان رئيسا في قريش وإليه عمارة المسجد الحرام فكان لا يدع أحدا يتشبب فيه ولا يقول فيه هجرا والتشبيب ترقيق الشعر بذكر النساء والهجر الكلام الفاحش فكانت قريش اجتمعت وتعاقدت على تسليم ذلك للعباس وكانوا عونا له على ذلك
____________________

ومن ثم قيل في العباس هذاوالله هو الشرف يطعم الجائع ويؤدب السفيه فإن طعامه كان لفقراء بني هاشم وقيل وسوطه معد لسفهائهم وإذا كان ذلك لسفهاء بني هاشم فلسفهاء غيرهم بطريق الاولى
والظاهر أن ذلك لا يختص بسكونهم في المسجد كما قد يدل عليه الروايه الاولى ولاينافي هذا أي قول عمر له أسلم إلى أخره ما تقدم عن مولاه أبي رافع من أن العباس كان مسلما ومن قوله للنبي صلى الله عليه وسلم إنه كان مسلما ومن إتيانه بالشهادتين عنده صلى الله عليه وسلم لأن ذاك لم يظهره علانية بل أظهره له صلى الله عليه وسلم فقط ولم يعلم به عمر ولا غيره ولم يظهر النبي صلى الله عليه وسلم إسلام العباس رفقا به لما تقدم أن العباس كان له ديون متفرقة في قريش وكان يخشى إن أظهر إسلامه ضاعت عندهم
ومن ثم لما قهرهم الإسلام يوم فتح مكة أظهر إسلامه أي فلم يظهر إسلامه إلا يوم الفتح وكان كثيرا ما يطلب الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكتب له مقامك بمكة خير لك
أي وفي رواية استأذن العباس رضي الله تعالى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة فكتب إليه يا عم أقم مكانك الذي أنت فيه فإن الله عز وجل يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة فكان كذلك
وفي رواية أنه قال لابن عمه نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أفد نفسك يا نوفل ما لي شيء أفدي به نفسي قال أفد نفسك من مالك الذي يجدة وفي لفظ بارماحك التي بجدة فقال أشهد أنك رسول الله والله ما أحد يعلم أن لي بجدة أرماحا غير الله أي وفدى نفسه ولم يفده العباس
ويدل لذلك ما رواه البخاري عن انس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بمال من البحرين أي من خراجهما فقال انثروه في المسجد فكان أكثر مال أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم أي كان مائة ألف وكان أول خراج حمل إليه صلى الله عليه وسلم وكان ياتي في كل سنة وحينئذ لا يعارض هذا قوله صلى الله عليه وسلم لجابر لو قد جاء مال البحرين أعطيتك فلم يقدم مال البحرين حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن المراد أنه لم يقدم
____________________

في تلك السنة ولما نثر ذلك المال في المسجد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ولم يلتفت إليه فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه فكان لا يرى احدا إلا اعطاه فجاءه العباس فقال يا رسول الله أعطني إني فاديت نفسي وفاديت عقيلا أي ولم يقل نوفلا ولا حليفه عتبة بن عمرو فقال خذ فحثى في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر بعضهم يرفعه إلي قال لا قال فارفعه أنت على قال لا فنثر منه ولا زال يفعل كذلك حتى بقى ما يقدر على رفعه على كاهله أى بين كتفيه ثم إنطلق وهو يقول إنما أخذت ما وعد الله فقد أنعلى قتال المسلمين أنجز فما زال صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره عجبا من حرصه حتى خفى
ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفر من الاسارى بغير فداء منهم أبو عزه عمرو الجمحي الشاعر كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين بشعره فقال يا رسول الله إني فقير وذو عيال وحاجه قد عرفتها فا منن علي فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أى وفي رواية قال له إن لي خمس بنات ليس لهن شيء فتصدق بي عليهن ففعل وأعتقه وأخذ عليه أن لا يظاهر عليه أحدا أي ولما وصل إلى مكة قال سحرت محمدا
ولما كان يوم أحد خرج مع المشركين يحرض على قتال المسلمين بشعره فأسر وقتل صبرا وحملت رأسه إلى المدينة كما سيأتي
أي فعلم أن أسرى بدر منهم من فدى ومنهم من خلى سبيله من غير فداء وهو أبو العاص أبوعزة ووهب بن عمير ومنهم من مات ومنهم من قتل وهو النضر ابن الحارث وعقبة بن أبي معيط كما تقدم
ولما بلغ النجاشي نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر فرح فرحا شديدا فعن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن النجاشي أرسل إليه وإلى أصحابه الذين معه بالحبشة ذات يوم فدخلوا عليه فوجدوه جالسا على التراب لابسا أثوابا خلقة فقالوا له ما هذا أيها الملك فقال لهم إني أبشركم بما يسركم إنه قد جاءني من نحو أرضكم عين لي فأخبرني أن الله عز وجل قد نصر نبيه وأهلك عدوه فلانا وفلانا وعدد جمعا التقوا بمحل يقال له بدر كثير الأراك كنت أرعى فيه غنما لسيدي من بني ضمرة فقال له جعفر ما لك جالس على التراب عليك هذه الأخلاق قال إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى أن حقا على عباد الله أن يحدثوا لله عز وجل تواضعا عندما أحدث لهم نعمة
____________________


وفي رواية كان عيسى صلوات الله وسلامه عليه إذا حدث له من الله نعمة ازداد تواضعا فلما أحدث الله تعالى نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم أحدثت هذا التواضع
وفي رواية إنا نجد في الإنجيل أن الله سبحانه وتعالى إذا أحدث بعبده نعمة وجب على العبد أن يحدث لله تواضعا وإن الله قد أحدث إلينا وإليكم نعمة عظيمة الحديث
قال ولما أوقع الله تعالى بالمشركين يوم بدر واستاصل وجوههم قالوا إن ثأرنا بأرض الحبشة فلنرسل إلى ملكها ليدفع إلينا من عنده من أتباع محمد فنقتلهم بمن قتل منا فأرسلوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة رضي الله تعالى عنهما فإنهما أسلما بعد ذلك إلى النجاشي ليدفع إليهما من عنده من المسلمين فأرسلوا معهما هدايا وتحفا للنجاشي فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمرى بكتاب يوصيه فيه على المسلمين انتهى وفي الأصل هنا ما يوافقه
وفيه أن عمرو بن امية الضمر لم يكن أسلم بعد أي لأنه كما في الأصل شهد بدر وأحدا مع المشركين وأول مشهد شهده مع المسلمين بئر معونة واسر في ذلك وجزت ناصيته واعتق وكان ذلك في سنة أربع كما سيأتي قال فلما وصل عمرو وعبد الله إلى النجاشي ردهما خائبين
أي فعن عمرو بن العاص قال دخلت على النجاشي فسجدت له فقال مرحبا بصديقى أهديت لي من بلادك شيئا فقلت نعم أيها الملك أهديت لك أدما كثيرا ثم قربته إليه فأعجبه وفرق منه اشياء بين بطارقته وأمر بسائره فأدخل في موضع وامر ان يكتب ويتحفظ به قال عمرو فلما رأيت طيب نفسه قلت أيها الملك إني رأيت رجلا خرج من عندك يعني عمرو بن أمية الضمرى وهو رسول عدو لنا وترنا وقتل أشرافنا وخيارنا فأعطنيه فأقتله فغضب ثم رفع يده فضرب بها أنفى ضربة ظننت أنه قد كسره فجعلت أتقي الدم بثيابي وفي رواية ثم رفع يده فضرب بها أنف نفسه ظننت أنه قد كسر وقد يجمع بوقوع الأمرين منه وعند ذلك قال عمرو فأصابني من الذل ما لو إنشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقا منه ثم قلت أيها الملك لو ظننت أنك تكره ما قلت ما سألتكه فقال يا عمرو تسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى والذي كان يأتي عيسى ابن مريم لتقتله قلت وتشهد أنت ايها الملك أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نعم أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

عليه وسلم أشهد بذلك عند الله يا عمرو فاطعني واتبعه فوالله إنه لعلى الحق قلت له افتبايعنى له على الإسلام قال نعم فمد يده فبايعته على الإسلام ثم خرجت إلى اصحابي وقد كساني فلما رأوا كسوة الملك سروا بذلك وقالوا هل من صاحبك قضاء لحاجتك يعنون قتل عمرو بن أمية الضمرى فقلت لهم كرهت أن أكلمه أول مرة وقلت أعود إليه قالوا الراي ما رايت وفارقتهم وهذا يدل على أنه كان معه ومع عبد الله جماعة آخرون من قريش ويحتمل أنه عنى بأصحابه عبد الله بن ربيعة ويؤيد الأول ما يأتي فاليتأمل
وكاني أعمد إلى حاجة فعمدت إلى موضع السفن فوجدت سفينة قد شحنت فركبت معهم ودفعوها من ساعتهم حتى إنتهوا إلى الشعبية وهو محل معروف كان مورد لجدة أي كان ترسى به السفن قبل وجود جدة كما تقدم فخرجت من السفينة فابتعت بعيرا وتوجهت إلى المدينة حتى إذا كنت بالهداة اسم محل إذا رجلان وهما خالد ابن الوليد وعثمان بن أبي طلحة فرحبا بي وإذا هما يريدان الذي اريد فتوجهنا إلى المدينة
فقد علمت ما في ارسال عمرو بن أمية الضمرى إلى النجاشي عقب وقعة بدر من أنه كان في ذلك الوقت كافرا لأنه شهد مع الكفار أحدا
ومن ثم قال في الأصل هنا فلما كان شهر ربيع الأول وقيل المحرم سنة سبع أي وقيل سنة ست حكاه ابن عبد البر عن الواقدي من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام وبعث به عمرو بن أمية الضمرى فلما قرئ عليه الكتاب أسلم وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه أم حبيبة ففعل وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه من بقي عنده من أصحابه ويحملهم ففعل وقد تقدم القول عند ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة أن توجه عمرو بكتابى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحرم سنة سبع يدعوه في أحدهما إلى الإسلام والثاني في تزويجه عليه الصلاة والسلام أم حبيبة وقيل ارسال عمرو كان في شهر ربيع الأول منها وسيأتي ذكر كتابي النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي مع عمرو عند ذكر كتبه إلى الملوك هذا كله كلام الأصل فليتأمل ما فيه
____________________


ثم رأيت صاحب النور قال قد رأيت غير واحد صرح بأن النجاشي أسلم في السنة السابعة يعنون من الهجرة وهذا يعكر على تصديقه وإسلامه عند إرسال عمرو بن العاص وعبد الله بن ربيعة أي عقب بدر حيث قال أنا أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر ما تقدم هذا كلامه
أي فكيف يكون إرسال عمرو بن أمية إلى النجاشي ليسلم وقد يجاب بأن المراد إظهار إسلامه اي بعث له عمرو بن أمية لأجل ان يظهر إسلامه ويعلن به بين قومه اي لأنه كان يخفي إسلامه عن قومه ولما بلغ قومه أنه اعترف بأن عيسى صلوات الله وسلامه عليه عبد الله ووافق جعفر بن أبي طالب على ذلك سخطوا وقالوا له أنت فارقت ديننا وأظهروا له المخاصمة فأرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه فهيأ لهم سفنا وقال اركبوا فيها وكونوا كما أنتم فإن هربت فاذهبوا حيث شئتم وإن ظفرت فأقيموا ثم عمد إلى كتاب فكتب وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويشهد أن عيسى عبده ورسوله وروحه وكلمته القاها إلى مريم ثم جعله في ثيابه عند منكبه الأيمن وخرج إلى الحبشة وقد صفوا له فقال يا معشر الحبشة ألست أرفق الناس بكم قالوابلى قال فكيف رأيتم سيرتي فيكم قالوا خير سيرة قال فما لكم قالوا فارقت ديننا وزعمت أن عيسى عبد قال فماذا تقولون أنتم في عيسى قالوا نقول هو ابن الله فقال لهم النجاشي ووضع يده على صدره على قبائه وقال هو يشهد أن عيسى ابن مريم ولم يزد على هذا وإنما يعني ما كتب فرضوا منه ذلك
ويذكر أن عليا رضي الله عنه وجد ابن النجاشي عند تاجر بمكة فاشتراه منه وأعتقه مكافأة لما صنع أبوه مع المسلمين وكان يقال له نيزرمولى علي كرم الله وجهه
ويقال أن الحبشة لما بلغهم خبره أرسلوا وفدا منهم إليه ليملكوه ويتوجوه ولم يختلفوا عليه فأبى وقال ما كنت لأطلب الملك بعد أن من الله علي بالإسلام
على أن ابن الجوزي رحمه الله ذكر أن ذهاب عمرو بن العاص إلى النجاشي كان عند منصرفه مع قريش في غزوة الأحزاب أي لا عقب بدر
فعن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش كانوا يرون مكاني ويسمعون مني فقلت لهم تعلمون والله أني لأرى أمر محمد يعلو لأمور علوا منكرا وإني قد رأيت رايا فما ترون فيه قالوا
____________________

وما رأيت قال أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا أن نكون تحت يدي محمدا وإن ظهر قومنا فنحن ممن قد عرفوا فلن يأتينا منهم إلا خير فقالوا إن هذا هو الرأي فقلت اجمعوا ما يهدي له وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم فجمعنا أدما كثيرا ثم خرجنا إليه فوالله إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمرى بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن جعفر وأصحابه الحديث
وهذا لا يمنع أن يكون عمرو بن العاص وفد على النجاشي هو وعبد الله بن ربيعة عقب بدر فيكون وصول عمرو بن العاص على النجاشي كان ثلاث مرات مرة مع عمارة عقب مهاجرة من هاجر إلى الحبشة ومرة مع عبد الله بن ربيعة عقب بدر وهذه المرة الثالثة التي كانت عقب الأحزاب وإن إرسال عمرو بن أمية وإسلام عمرو بن العاص على يد النجاشي كان في هذه المرة الثالثة
وحينئذ لا يشكل ارسال عمرو بن أمية للنجاشي لأنه كان مسلما حينئذ فيكون ذكر مجىء عمرو بن أمية إلى النجاشي في المرة الثانية التي كانت عقب بدر اشتباه من بعض الرواة وكذا ذكر إسلام عمرو بن العاص على يد النجاشي في المرة الثانية من تخليط بعض الرواة
ثم رأيته في الامتاع قال وقد رويت قصة الهجرة إلى الحبشة وإسلام النجاشي من طرق عديدة مطولة ومختصرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل عمرو بن أمية الضمرى في أموره لأنه كان من رجال النجدة أي ومعلوم أنه كان لا يرسله إلا بعد إسلامه وإسلامه قد علمت أنه كان سنة أربع وفي الأصل أنه صلى الله عليه وسلم أرسله إلى مكة بهدية لأبي سفيان بن حرب
أي ولعل المراد بذلك ما حكاه بعض الصحابة قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراد أن يبعثني بمال إلى أبي سفيان يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح وقال لي التمس صاحبا قال فجاءني عمرو بن أمية فقال بلغني أنك تريد الخروج إلى مكة وتلتمس صاحبا قلت أجل قال فأنا لك صاحب قال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت وجدت صاحبا فقال من قلت عمرو بن أمية الضمرى فقال إذا هبط بلاد قومه فاحذروه فإنه قد قال القائل أخوك البكري ولا تأمنه
____________________

وقد أسلم عبد الله ولده قبل ابيه عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال فيهما وفي أم عبد الله نعم البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله وكان صلى الله عليه وسلم يفضل عبد الله على أبيه لانه كان من عباد الصحابة وزهادهم وفضلائهم وعلمائهم ومن أكثرهم رواية
وذكر ابن مرزوق رحمه الله أن ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما مر ببدر فإذا رجل يعذب ويئن فناداه يا عبد الله قال فالتفت إليه فقال اسقني فأردت أن أفعل فقال الأسود الموكل بتعذيبه لا تفعل يا عبد الله فإن هذا من المشركين الذين قتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الطبراني في الأوسط زاد السيوطي في الخصائص فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته قال أوقد رأيته قلت نعم قال ذاك عدو الله أبو جهل وذاك عذابه إلى يوم القيامة
وأخرج ابن ابي الدنيا والبيهقي عن الشعبي أن رجلا قال لنبي صلى الله عليه وسلم إني مررت ببدر فرايت رجلا يخرج من الأرض فيضربه رجل بمقمعة حديد وفي لفظ بعمود حديد حتى يغيب في الأرض ثم يخرج فيفعل به مثل ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أبو جهل يعذب إلى يوم القيامة
ومما جاء في فضل من شهد بدرا أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تعدون أهل بدر فيكم قال من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها قال جبريل عليه السلام وكذلك من شهد بدرا من الملائكة وفي رواية إن للملائكة الذين شهدوا بدرا في السماء لفضلا على من تخلف منهم وجاء بعض الصحابة رضي الله تعالى عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن ابن عمي نافق أي وقد كان من أهل بدر أتأذن لي ان أضرب عنقه فقال صلى الله عليه وسلم إنه شهد بدرا وعسى أن يكفر عنه وفي رواية وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدرا وقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
قال وفي الطبراني بسند جيد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع الله على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم أو قال فقد وجبت لكم الجنة أي غفرت لكم ما مضى وما سيقع من الذنوب أي وهو يفيد أن ما يقع مهم من الكبائر لا يحتاجون إلى التوبة عنه لأنه إذا وقع يقع مغفورا
____________________

وعبر فيه بالماضي مبالغة في تحققه وهذا كما لا يخفى بالنسبة للآخرة لا بالنسبة لأحكام الدنيا ومن ثم لما شرب قدامة بن مظعون الخمرة في أيام عمر جلده وكان بدريا
أي وقد يقال هذا يقتضي وجوب التوبة في الدنيا فإذا لم تقع لا يؤاخذ بذلك في الآخرة لأن وجوب التوبة من أحكام الدنيا
لا يقال إذا سلم أن الذنب إذا وقع منهم يقع مغفورا لا معنى لوجوب التوبة وإنما حد عمر رضي الله تعالى عنه قدامة زجرا عن شرب الخمر لأنا نقول بل لوجوب التوبة في الدنيا معنى وإن كان الذنب إذا وقع يقع مغفورا لأن المراد بذلك عدم المؤاخذة في الآخرة وذلك لا ينافي وجوب التوبة عنه في الدنيا لأنه لا تلازم بين وجوب التوبة في الدنيا وبين غفران الذنب في الآخرة
هذا وفي الخصائص الصغرى نقلا عن شرح جمع الجوامع أن الصحابة كلهم لا يفسقون بارتكاب ما يفسق به غيرهم وقدامة هذا كان متزوجا أخت عمر رضي الله تعالى عنه وكان عمر متزوجا بأخت قدامة وهي أم حفصة رضي الله تعالى عنها فكان خالا لحفصة ولأخيها عبد الله وكان عاملا لعمر في بعض النواحي أي البحرين فقدم الجارود سعد بن عبد القيس على عمر من البحرين وكان قدامة واليا عليها فأخبر عمر أن قدامة سكر قال وإني رايت حدا من حدود الله حق على ان أرفعه إليك فقال له عمر من يشهد معك قال أبو هريرة فشهد أبو هريرة رضي الله عنه أنه رآه سكران أي قال لم أره يشرب ولكني رأيته سكران يقيء فأحضر قدامة فقال له الجارود أقم عليه الحد فقال له عمر رضي الله عنه أخصم أنت أم شاهد فصمت ثم عاوده فقال له عمر رضي الله عنه لتمسكن أو لأسوءنك فقال ليس في الحق وفي لفظ أما والله ما ذلك بالحق أن يشرب ابن عمك وتسوءني فأرسل عمر رضي الله عنه إلى زوجة قدامة أي بعد أن قال له ابو هريرة رضي الله عنه إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنه الوليد يعني زوجته فجاءت فشهدت على زوجتها بأنه سكر فقال عمر لقدامة أريد أن أحدك فقال ليس لك ذلك لقول الله عز وجل { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } فقال له عمر أخطأت التأويل فإن بقية الآية { إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات } فإنك إن اتقيت اجتنبت ما حرم الله تعالى عليك ثم أمر به فحد فغاضبه قدامة ثم حجا جميعا ففي يوم استيقظ عمر رضي الله تعالى عنه من نومه
____________________

فزعا فقال عجلوا بقدامة أتاني آت فقال صالح قدامة فإنه أخوك فاصطلحا
أي وقد احتح بهذه الآية ايضا جمع من الصاحبة شربوا الخمر وهم أبو جندل وضرار بن الخطاب وأبو الأزور فأراد أبو عبيدة رضي الله عنه وهو وال في الشام أن يحدهم فقال أبو جندل ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما أتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك وقال خصمني أبو جندل بهذه الآية فكتب عمر لأبي عبيدة إن الذي زين لأبي جندل الخطيئة زين له الخصومة فاحددهم فلما أراد أبو عبيدة أن يحدهم قال أبو الأزور في لأبي عبيدة دعنا نلقى العدو غدا فإن قتلنا فذاك وإن رجعنا إليكم فحدونا فلقوا العدو فاستشهد أبو الأزور وحد الآخران
وفي حواشي البخاري للحافظ الدمياطي أن نعيمان كان ممن شهد بدرا وسائر المشاهد وأتى في شربه الخمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحده أربعا أو خمسا أي من المرات فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يشرب وأكثر ما يحد فقال عليه الصلاة والسلام لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله ولعل هذا التعليل لا ينظر لمفهومه
وعند الإمام أحمد رحمه الله عن حفصة رضي الله تعالى عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني لأرجو أن لا يدخل النار احد إن شاء الله تعالى ش شهد بدرا والحديبية ولعل الواو بمعنى أو ويدل لذلك ما في بعض الروايات عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة
ولا ينافي ما في مسلم والترمذي عن جابر أن عبدا لحاطب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا إليه فقال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدرا والحديبية لأنه يجوز أن يكون ذلك لكونه أي الجمع بين بدر والحديبية هو الواقع لحاطب
وفي الطبراني عن رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر والذي نفسي بيده لو ان مولودا ولد في فقه أربعين سنة من أهل الدين يعمل بطاعة الله تعالى كلها ويجتنب معاصي الله كلها إلى أن يرد إلى أرذل العمر أو يرد إلى أن لا يعلم بعد علم شيئا لم يبلغ أحدكم هذه الليلة
____________________


وكان صلى الله عليه وسلم يكرم أهل بدر ويقدمهم على غيرهم ومن ثم جاء جماعة من أهل بدر للنبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في صفة ضيقه ومعه جماعة من أصحابه فوقفوا بعد أن سلموا ليفسح لهم القوم فلم يفعلوا فشق قيامهم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لمن لم يكن من أهل بدر من الجالسين قم يا فلان قم يا فلان بعدد الواقفين فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الكراهة في وجه من أقامه فقال رحم الله رجلايفسح لأخيه فنزل قوله تعال { يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا } الأية فجعلوا يقومون لهم بعد ذلك أى ولعل المراد يجلسونهم مكانهم
وفي الخصائص الصغرى وخص أهل بدر من أصحابه صلى الله عليه وسلم بأن يزادوا في الجنازه على أربع تكبيرات تمييزا لهم لفضلهم
وقد ذكر أن عمر بن عبد العزيز بن مروان كان يختلف إلى عبيد الله بن عبد الله ليسمع منه فبلغ عبيد الله أن عمر ينتقص عليا رضي الله تعال عنه فأتاه عمر فأعرض عبيد الله عنه وقام ليصلى فجلس عمر ينتظره فلما سلم أقبل عليه وقال له متى بلغك أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم ففهمها عمر وقال معذر إلى الله وإليك والله لا أعود فما سمع بعد ذلك يذكر عليا كرم الله وجهه إلا بخير غزوة بني سليم
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينه من بدر لم يقم إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بني سليم واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم
أي وفي رواية أبي داود أن استخلاف ابن أم مكتوم إنما كان على الصلاة بالمدينة دون القضايا والاحكام فإن الضريرا لا يجوز له ان يحكم بين الناس لانه لا يدرك الاشخاص ولا يثبت الاعيان ولا يدري لمن يحكم ولا على من يحكم أى فأمر القضايا والاحكام يجوز أن يكون فرضه صلى الله عليه وسلم لسباع فلا مخالفة فلما بلغ ماء من مياههم يقال له الكدر أى وقيل لهذا الماء الكدر لان به طيرا في ألوانها كدرة فأقام صلى الله عليه وسلم على ذلك ثلاث ليال ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا أي وكان لواؤه صلى الله عليه وسلم أبيض حمله علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
____________________

وكان في تلك السنة تزويج علي بفاطمة رضي الله عنهما أي عقد عليها في رمضان وقيل في رجب ودخل بها في ذي الحجة وقيل بعد أن تزوجها بنى بها بعد سبعة أشهر ونصف أي فيكون عقد عليها في أول جمادى الأولى وكان عمرها خمس عشرة سنة وكان سن علي يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر أي وأولم عليها بكبش من عند سعد وآصع من ذرة من عند جماعة من الأنصار ولما خطبها علي قال صلى الله عليه وسلم إن عليا يخطبك فسكتت أي وفي رواية قال لها أي بنيه إن ابن عمك عليا قد خطبك فماذا تقولين فبكت ثم قالت كأنك يا أبت إنما ادخرتني لفقير قريش فقال صلى الله عليه وسلم والذي بعثني بالحق ما تكلمت في هذا حتى اذن لي الله فيه من السماء فقالت فاطمة رضي الله عنها رضيت بما رضي الله ورسوله
وقد كان خطبها ابو بكر ثم عمر فسكت صلى الله عليه وسلم وفي رواية قال لكل انتظر بها القضاء فجاءا اي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى علي كرم الله وجهه يأمرانه أن يخطبها قال علي فنبهاني لأمر كنت عنه غافلا فجئته صلى الله عليه وسلم فقلت تزوجني فاطمة قال وعندك شيء قلت فرسي وبدني أي درعي قال أما فرسك فلا بد لك منها وأما بدنك فبعها فبعتها بأربعمائة وثمانين درهما فجئته صلى الله عليه وسلم بها فوضعها في حجره فقبض منها قبضة فقال أي بلال ابتع لنا بها طيبا
وفي رواية لما خطبها قال له صلى الله عليه وسلم ما تصدقها وفي لفظ هل عندك شيء تستحلها به قال ليس عندي شيء قال فاين درعك الحطمية التي أعطيتك يوم كذا وكذا قال عندي فباعها من عثمان بن عفان بأربعمائة مائة وثمانين درهما ثم أن عثمان رضي الله عنه رد الدرع إلى علي كرم الله وجهه فجاء علي بالدرع والدراهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا لعثمان بدعوات
وفي فتاوي الجلال السيوطي أنه سئل هل لصحة ما قيل إن عثمان بن عفان رأى درع علي رضي الله عنها يباع بأربع مائة درهم ليلة عرسه على فاطمة رضي الله عنها فقال عثمان هذا درع علي فارس الإسلام لا يباع أبدا فدفع لغلام على أربعمائة درهم وأقسم أن لا يخبره بذلك ورد الدرع معه فلما أصبح عثمان وجد في داره أربع مائة كيس في كل كيس أربع مائة درهم مكتوب على كل درهم هذا ضرب الرحمن لعثمان بن عفان فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال هنيئا لك يا عثمان
____________________


وفيها أيضا أن عليا خرج ليبيع إزار فاطمة ليأكل بثمنه فباعه بستة دراهم فسأله سائل فاعطاه إياه فجاء جبريل في صورة أعرابي ومعه ناقة فقال يا أبا الحسن اشتر هذه الناقة قال ما معي ثمنها قال إلى اجل فاشتراها بمائة ثم عرض له ميكائيل في صورة رجل في طريقه فقال أتبيع هذه الناقة قال نعم بكم اشتريتها قال بمائة قال آخذها بمائة ولك من الربح ستون فباعها له فعرض له جبريل فقال بعت الناقة قال نعم قا ل ادفع إلي ديني فدفع له مائة ورجع بستين فقالت له فاطمة من أين لك هذا قال ضاربت مع الله بستة فأعطاني ستين ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ذلك فقال البائع جبريل والمشتري ميكائيل والناقة لفاطمة تركبها يوم القيامة له أصل أم لا
فأجاب عن ذلك كله بأنه لم يصح وهي تصدق بان ذلك لم يرد فهو من الكذب الموضوع ولما اراد صلى الله عليه وسلم أن يعقد خطب خطبة منها الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بحكمته ثم إن الله عز وجل جعل المصاهرة نسبا وصهر وكان ربك قديرا ثم أن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي على أربع مائة مثقال فضة أرضيت يا علي قال رضيت بعد أن خطب علي كرم الله وجهه ايضا خطبة منها الحمد لله شكرا لأنعمه وأياديه وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تبلغه وترضيه اي وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال يا علي اخطب لنفسك فقال علي الحمد لله الذي لا يموت وهذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنته فاطمة على صداق مبلغه أربع مائة درهم فاسمعوا ما يقول واشهدوا قالوا ما تقول يا رسول الله قال أشهدكم أني قد زوجته كذا رواه ابن عساكر قال الحافظ ابن كثير وهذا خبر منكر وقد ورد في هذا الفصل أحاديث كثيرة منكرة وموضوعة أضربنا عنها
ولما تم العقد دعا صلى الله عليه وسلم ب ط بطبق بسر فوضع بين يديه ثم قال للحاضرين انتبهوا وقول علي كرم الله وجهه نبهاني لأمر كنت عنه غافلا لا ينافي ما روي عن اسماء بنت عميس أنها قالت قيل لعلى ألا تتزوج بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما لي صفراء ولا بيضاء ولست بمأبور بالباء الموحدة يعني غير الصحيح الدين ولا المتهم في الإسلام أي لا اخشى الفاحشة إذا لم أتزوج وليلة بنى بها قال صلى الله عليه وسلم
____________________

لعلي لا تحدث شيئا حتى تلقانى فجاءت بها أم أيمن حتى قعدت في جانب البيت وعلي في جانب أخر وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لفاطمه ائتيني بماء فقامت تعثر في ثوبها وفي لفظ في مرطها من الحياء فأتته بقعب فيه ماء فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومج فيه ثم قال لها تقدمي فتقدمت فنضح بين ثدييها وعلى رأسها وقال اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ثم قال ائتوني بماء فقال علي كرم الله وجهه فعلمت الذي يريد فقمت وملأت القعب فأتيته به فأخذه فمج فيه وصنع بي كما صنع بفاطمة ودعا لي بما دعا لها به ثم قال اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في شملهما أى الجماع وتلا قل هو الله احد والمعوذتين ثم قال أدخل بأهلك باسم الله والبركه وكان فراشها إهاب كبش أى جلده وكان لهما قطيفة إذا جعلاها بالطول انكشفت ظهورهما وإذا جعلاها بالعرض إنكشفت رؤوسهما
ثم مكث صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام لا يدخل على فاطمة وفي اليوم الرابع دخل عليهما في غداة باردة وهما في تلك القطيفة فقال لهما كما أنتما وجلس عند رأسهما ثم أدخل قدميه وساقيه بينهما فأخذ على كرم الله وجهه إحداهما فوضعها على صدره وبطنه ليدفئها وأخذت فاطمة رضي الله عنها الأخرى فوضعتها كذلك
وقالت له في بعض الأيام يا رسول الله ما لنا فراش إلا جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه نا ضحنا بالنهار فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بنية اصبري فإن موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام أقام مع إمرأته عشر سنين ليس لهم إلا عباءة قطوانية أى وهي نسبة إلى قطوان موضع بالكوفة أى ولعل العباءة التي كانت تجب من ذلك الموضع كانت صفيقة وعن علي رضي الله تعالى عنه لم يكن لي خادم غيرها
وعنه رضي الله تعالى عنه لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع وإن صدقتي اليوم لتبلغ أربعين ألف دينار ولعل المراد في السنة
قال الإمام أحمد بن حنبل ما ورد لأحد من الصحابة ما ورد لعلي رضي الله تعالى عنه أى من ثنائه صلى الله عليه وسلم
وسبب ذلك أنه كثرت أعداؤه والطاعون عليه من الخوارج وغيرهم فاضطر لذلك الصحابة أن يظهر كل منهم من فضله ما حفظه ردا على الخوارج وغيرهم
____________________

وعن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما ما نزل في أحد من الصحابة من كتاب الله ما نزل في علي نزل في على ثلاثمائة آية
وعن ابن عباس رضي الله عنهما كل ما تكلمت به في التفسيرفإنما أخذته عن علي كرم الله وجهه
ومن كلماته البديعة الوجيزة لا يخافن أحد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه ولا يستحي من لايعلم أن يتعلم ولا من يعلم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول الله اعلم ما أبردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن اقول الله أعلم
ومن ذلك العالم من عمل بما علم ووافق علمه عمله وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم تخالف سريرتهم علانيتهم ويخالف علمهم عملهم يجلسون حلقا فيبا هي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم من مجالسهم تلك إلى الله
وقال صلى الله عليه وسلم لعلي يهلك فيك رجلان محب مطر وكذاب مفتر مكره لك يأتي بالكذب المفترى وقال له يا علي ستفترق أمتي فيك كما افترقت في عيسى ابن مريم وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا بنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد ابن ابي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني ما ارابها ويؤذيني ما آذاها غزوة بني قينقاع
بضم النون وقيل بكسرها أي وقيل بفتحها فهي مثلثة النون والضم أشهر قوم من اليهود وكانوا أشجع يهود وكانوا صاغة وكانوا حلفاء عبادة بن الصامت رضي الله عنه وعبدالله بن ابي ابن سلول فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي والحسد ونبذوا العهد أى لأنه صلى الله عليه وسلم كان عاهدهم وعاهد بني قريظة وبني النضير أن لا يحاربوه وأن لا يظاهروا عليه عدوه
وقيل على ان لا يكونوا معه ولا عليه وقيل على أن ينصروه صلى الله عليه وسلم على من
____________________

دهمه من عدوه أى كما تقدم فهم أول من غدر من يهود فإنه مع ما هم عليه من العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت إ مرأة من العرب بجلب لها أى وهو ما يجلب ليباع من إبل وغنم وغيرها فباعته بسوق بني قينقاع وجلست إلى صائغ منهم أى وفي الامتاع أن المرأة كانت زوجة لبعض الانصار أى ومعلوم أن الانصار كانوا بالمدينة أى وقد يقال لا مخالفة لجواز ان تكون زوجة بعض الانصار من الأعراب وأنها جاءت بجلب لها فجعلوا أى جماعة منهم يراودونها عن كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها قال وفي رواية خله بشوكة وهي لا تشعر فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا منها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وشدت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ اهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون أى وتقدم وقوع مثل ذلك وأنه كان سببا لوقوع حرب الفجار الأول
ولما غضب المسلمون على بني قينقاع أى وقال لهم صلى الله عليه وسلم ما على هذا أقررناهم تبرأ عبادة بن الصامت رضي الله عنه من حلفهم أى قال يا رسول الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وتشبث به عبدالله بن أبي أبن سلول أى لم يتبرأمن حلفهم كما تبرأمنه عبادة الصامت أى وفيه نزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } إلى قوله تعالى { فإن حزب الله هم الغالبون } فجمعهم صلى الله عليه وسلم وقال لهم يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما أنزل بقريش من النقمة اى ببدر واسلموا فإنكم قد عرفتم أني مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله تعالى إليكم قالوا يا محمد إنك ترى أنا قومك أى تظننا أنا قومك قومك ولا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت لهم فرصة إنا والله لو حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس وفي لفظ لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا أى لأنهم كانوا أشجع اليهود وأكثرهم أموالا وأشدهم بغيا فأنزل الله تعالى { قل للذين كفروا ستغلبون } الأية أى وأنزل الله { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } الآية فتحصنوا في حصونهم فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولواؤه وكان ابيض بيد عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه قال ابن سعد ولم تكن الرايات يومئذ يومئذ
وقد قدمنا أن هذا يرده ما تقدم في ضمن غزاة بدر من أنه كان أمامه رايتان سوداوان إحداهما مع علي ويقال لها العقاب ولعلها سميت بذلك في مقابلة الراية التي كانت في الجاهلية
____________________

تسمى بهذا الاسم ويقال لها راية الرؤساء لأنه كان لا يحملها في الحرب إلا رئيس وكانت في زمنه صلى الله عليه وسلم مختصة لأبي سفيان رضي الله عنه لا يحملها في الحرب إلا هو أو رئيس مثله إذا غاب كما في يوم بدر والأخرى مع بعض الأنصار وسيأتي في خيبر أن العقاب كان قطعة من برد لعائشة رضي الله عنها
واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا لبابة وحاصرهم خمس عشرة ليلة اشد الحصار لأن خروجه صلى الله عليه وسلم كان في نصف شوال واستمر إلى هلال ذي القعدة الحرام فقذف الله في قلوبهم الرعب وكانوا أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلي سبيلهم وأن يجلو من المدينة اي يخرجوا منها وأن لهم نساءهم والذرية وله صلى الله عليه وسلم الأموال أي ومنها الحلقة التي هي السلاح والظاهر من كلامهم أنه لم يكن لهم نخيل ولا أرض تزرع وخمست أموالهم أي مع كونها فيئاله صلى الله عليه وسلم ولأنها لم تحصل بقتال ولا جلوا عنها قبل التقاء الصفين فكان له صلى الله عليه وسلم الخمس ولأصحابه الأربعة الأخماس
أقول ولا يخفى أن من جملة اموالهم دورهم ولم أقف على نقل صريح دال على ما فعل بها وعلم أنه صلى الله عليه وسلم جعل هذاالفيء كالغنيمة ومذهبنا معاشر الشافعية أن الفيء المقابل للغنيمة كالواقع في هذه الغزوة وغزوة بني النضير الآتية كان في زمنه صلى الله عليه وسلم يقسم خمسة اقسام له صلى الله عليه وسلم أربعة منها والقسم الخامس يقسم خمسة أقسام له صلى الله عليه وسلم منها قسم فيكون له أربعة اخماس وخمس الخمس والأربعة الأخماس الباقية من الخمس منها واحد لذوي القربى وآخر لليتامى وآخر للمساكين وآخر لابن السبيل فجميع ما مال الفيء مقسوم على خمسة وعشرين سهما منها أحد وعشرون سهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم واربعة اسهم لأربعة اصناف هم ذو القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ولعل إمامنا الشافعي رضي الله عنه راى أن ذلك كان اكثر أحواله صلى الله عليه وسلم وإلا فهو هنا وفي بني النضير كما سيأتي لم يفعل ذلك بل خمسه هنا ثم استقل به أي لم يعط الجيش منه وقد جعل صلى الله عليه وسلم ذوي القربى بين بني هاشم أي وبنات هاشم وبني أي وبنات المطلب دون بني أخويهما عبد شمس ونوفل مع أن الأربعة أولاد عبد مناف كما تقدم
ولما فعل ذلك جاء إليه صلى الله عليه وسلم جبير بن مطعم من بني نوفل وعثمان بن عفان
____________________

من بني عبد شمس فقالا يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله منهم أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وفي لفظ ومنعتنا وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة وفي رواية أن بني هاشم شرفوا بمكانك منهم وبنوا المطلب ونحن ندلي إليك بنسب واحد ودرجة واحدة فبما فضلتهم علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا وشبك بين أصابعه زاد في رواية أنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا في إسلام أي لأن الصحيفة إنما كتبت على يد بني هاشم والمطلب لأنهم هم الذين قاموا دونه صلى الله عليه وسلم ودخلوا الشعب وبعده صلى الله عليه وسلم صار الفيء أربعة أخماس للمرتزقة المرصدة للجهاد وخمس الخمس الخامس لمصالح المسلمين والخمس الثاني منه لذوي القربى والخمس الثالث منه لليتامى والخمس الرابع منه للمساكين والخمس الباقي منه لابن السبيل
ثم لا يخفى أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان مع الجيش وغنم شيء بقتال أو إيجاف خيل أو جلا عنه أهله بعد التقاء الصفين كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن يختار من ذلك قبل قسمته ويقال لهذا الذي يختاره الصفي والصفية كما تقدم
أقول وتقدم عن الإمتاع عن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما خلافه وتقدم هل صفيه صلى الله عليه وسلم كان محسوبا عليه من سهمه أولا قيل نعم وقيل كان خارجا عنه وتقدم الجواب عن ذلك في غزاة بدر أن هذا الخلاف لا ينافي الجزم ثم بأنه كان زائدا على سهمه صلى الله عليه وسلم لان ذلك قبل نزول آية تخميس الغنيمة فكان سهمه صلى الله عليه وسلم كسهم واحد من الجيش فصفيه يكون زائدا على ذلك
وأما سهمه صلى الله عليه وسلم بعد نزول آية التخميس للغنيمة فهو خمس الغنيمة فيجري فيما يأخذه قبل القسمة الخلاف هل يكون زائدا على ذلك الخمس أو يكون محسوبا منه فلا مخالفة بين إجراء الخلاف والجزم والله أعلم
وقيل لما نزلت بنو قينقاع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتفوا فكتفوا فاراد قتلهم فكلمه فيهم عبد الله بن أبي ابن سلول وألح عليه أي فقال يا محمد أحسن في موالي فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلفه أي وتلك الدرع هي ذات الفضول فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

ويحك أرسلني وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه سمرة لشدة غضبه ثم قال ويحك أرسلني فقال والله لا ارسلك حتى تحسن في موالي فإنهم عترتي وأنا امرؤ أخشى الدوائر فقال صلى الله عليه وسلم خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم وتركهم من القتل أي وقال له خذهم لا بارك الله لك فيهم وأمر صلى الله عليه وسلم أن يجلوا من المدينة اي ووكل بإجلائهم عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه وأمهلهم ثلاثة ايام فجلو منها بعد ثلاث أي بعد أن سالوا عبادة بن الصامت أن يمهلهم فوق الثلاث فقال لا ولا ساعة واحدة وتولى إخراجهم وذهبوا إلى اذرعات بلدة بالشام أي ولم يدر الحول عليهم حتى هلكوا أجمعون بدعوته صلى الله عليه وسلم في قوله لابن أبي لا بارك الله لك فيهم
ويذكر أن ابن أبي قبل خروجهم جاء إلى منزله صلى الله عليه وسلم يسأله في إقرارهم فحجب عنه فأراد الدخول فدفعه بعض الصحابة فصدم وجهه الحائط فشجه فانصرف مغضبا فقال بنو قينقاع لا نمكث في بلد يفعل فيه بابي الحباب هذا ولا ننتصر له وتأهبوا للجلاء قال وقيل الذي تولى إخراجهم محمد بن مسلمة رضي الله عنه أي ولا مانع أن يكونا أي عبادة بن الصامت ومحمد بن مسلمة اشتركا في إخراجهم
ووجد صلى الله عليه وسلم في منازلهم سلاحا كثيرا أي لأنهم كما تقدم أكثر يهود اموالا واشدهم بأسا واخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاحهم ثلاث قسى قوسا يدعى الكتوم أي لا يسمع له صوت إذا رمي به وهو الذي رمى به صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى تشظى بالظاء المشالة كما سيأتي ما فيه وقوسا يدعى الروحاء وقوسا يدعى البيضاء واخذ درعين درعا يقال له السغدية أي بسين مهملة وغين معجمة ويقال إنها درع داوود التي لبسها صلى الله عليه وسلم حين قتل جالوت والأخرى يقال لها فضة وثلاث أرماح وثلاثة اسياف سيف يقال له قلعى وسيف يقال له بتار والآخر لم يسم إنتهى أي وسماه بعضهم بالحيف ووهب صلى الله عليه وسلم درعا لمحمد بن مسلمة ودرعا لسعد بن معاذ رضي الله عنهما والله تعالى اعلم
____________________

غزوة السويق
لما أصاب قريشا في بدر ما أصابهم نذر أبو سفيان أن لا يمس رأسه ماء من جنابة أى لا يأتي النساء ولعل هذه العبارة وهي لا يمس رأسه من جنابة وقعت من بعض الصحابة مراده بها ما ذكر من انه لا ياتي النساء ويؤيده ما جاء في بعض الروايات لا يمس النساء والطيب حتى يغزو محمدا او أن ذلك قاله أبو سفيان بناء على أنهم كانوا يغتسلون من الجنابة
ومن ثم ذكر الدميري أن الحكمة في عدم بيان الغسل في آية الوضوء كون الغسل من الجنابة كان معلوما قبل الاسلام بقية من دين إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام فهو من الشرائع القديمة
وفي كلام بعضهم كانوا في الجاهلية يغتسلون من الجنابة ويغسلون موتاهم ويكفنونهم ويصلون عليهم وهو أن يقوم وليه بعد أن يوضع على سريره ويذكر محاسنه ويثني عليه ثم يقول عليك رحمة الله ثم يدفن
وما ذكره الدميري تبع فيه السهيلي حيث قال إن الغسل من الجنابة كان معمولا به في الجاهلية بقية من دين إبراهيم وإسماعيل كما بقي فيهم الحج والنكاح فكان الحدث الاكبر معروفا عندهم ولذلك قال تعال { وإن كنتم جنبا فاطهروا } فلم يحتاجوا إلى تفسيره وأما الحدث الاصغر فلما لم يكن معروفا عندهم قبل الاسلام لم يقل وإن كنتم محدثين فتوضئوا بل قال فاغسلوا الآية الاية
فخرج ابو سفيان في مائتي راكب من قريش ليبر بيمينه حتى نزل بمحل بينه وبين المدينة نحو بريد ثم اتى لبني النضير أى وهم حي من يهود خيبر ينسبون إلى هارون أخي موسى بن عمران عليهما الصلاة والسلام تحت الليل فأتى حيي بن أخطب أى وهومن رؤساء بني النضير وهو أبو صفية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له لأنه خافه فانصرف عنه وجاء إلى سلام بن مشكم سيد بني النضير أى وصاحب كنزهم أى المال الذى كانوا يجمعونه ويدخرونه لنوائبهم وما يعرض لهم أى وكان حليا يعيرونه لأهل مكة فاستأذن عليه فأذن له واجتمع به ثم خرج إلى أصحابه فبعث رجالا من قريش فأتوا ناحية من المدينة فحرقوا فخلا منها ووجدوا رجلا
____________________

من الانصار قال في الامتاع وهذا الانصاري هو معبد بن عمرو وحليفا لهم فقتلوهماثم انصرفوا راجعين فعلم بهم الناس فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى طلبهم فى مائتين من المهاجرين والانصار أى واستعمل صلى الله عليه وسلم على المدينة بشير ابن عبد المنذر وكان خروجه لخمس خلون من ذى الحجه
وجعل أبو سفيان وأصحابه يخففون للهرب أى لاجله فجعلوايلقون جرب السويق أى وهو قمح وشعير يقلى ثم يطحن ليسف تارة بماء وتارة بسمن وتارة بعسل وسمن وهو عامه أزوادهم فيأخذه المسلمون ولم يلحقو بهم وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة وكانت غيبته خمسة أيام غزوة قرقرة الكدر
ويقال قرقرة الكدر ويقال قراقر فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من بنى سليم وغطفان بقرقرة الكدر اى لعله بلغه أنهم يريدون الإغارة على المدينة بعد أن غزاهم صلى الله عليه وسلم كما تقدم وقرقرة الكدر ارض ملساء فيها طيور في ألوانها كدرة عرف بهاذلك الموضع كما تقدم ان الماء الذي بأرضهم الذى بلغه صلى الله عليه وسلم ولم يجد به أحدامنهم يسمى الكدر لوجود ذلك الطير به فسار إليهم في مائتين من أصحابه وحمل لواء علي بن أبي طالب واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وتقدم فى تلك أنه استخلف على المدينة سباع بن عرفطة أو ابن أم مكتوم وتقدم ما فيه فلما سار إليه أى إلى ذلك الموضع لم يجد به أحدا وأرسل نفر من أصحابه إلى أعلى الوادي واستقبلهم فى بطن الوادي فوجد خمسمائة بعير مع رعاة منهم غلام يقال له يسار فحازوها وانحدروابها إلى المدينة فلما كانوا بمحل على ثلاثة أميال من المدينة خمسها صلى الله عليه وسلم فأخرج خمسة وقسم الاربعة الأخماس على أصحابه فخص كل رجل منهم بعيران ووقع يسار في سهمه صلى الله عليه وسلم فأعتقه صلى الله عليه وسلم لأنه رآه يصلى أى وقد أسلم وتعلم الصلاة من المسلمين بعد أسره أى وفى كون هذا غنيمة حيث قسمه كذلك وقفة
وكانت مدة غيبته صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة فعلم أنه صلى الله عليه وسلم
____________________

غزا بني سليم وأنه وصل الى ماء من مياههم يقال له الكدر لوجود ذلك الطير به وأنه استعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم وهنا وقع الجزم بالثاني وأن الأولى لم يذكر أنه وجد فيها شيئا من النعم
وظاهر هذا يدل على التعدد وجرى عليه الأصل أي وحينئذ تكون تلك الطيور توجد في ذلك الماء وفي تلك الأرض فعلى هذا يكون صلى الله عليه وسلم غزا بني سليم مرتين مرة وصل فيها لذلك الماء ولم يجد شيئا من النعم ومرة وصل فيها لتلك الأرض ووجد بها تلك النعم ولم أقف على أن محل ذلك الماء سابق على تلك الأرض أو أن تلك الأرض سابقة على محل ذلك الماء
وفي السيرة الشامية أن غزوة بني سليم هي غزوة قرقرة الكدر فعليه يكون إنما غزا بني سليم مرة واحدة أي وحينئذ يكون الماء الذي كان به ذلك الطير كان في تلك الأرض الملساء أو قريبا منها فليتأمل والحافظ الدمياطي جعل غزوة بني سليم هي غزوة بحران الآتية وسنذكرها غزوة ذي أمر
بتشديد الراء اسم ماء أي وسماها الحاكم غزوة أنمار ويقال أنها غزوة غطفان
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا يقال له دعثور بضم الدال وإسكان العين المهملتين ثم مثلثة مضمومة ابن الحارث أي الغطفاني من بني محارب جمع جمعا من ثعلبة ومحارب بذى أمر أي وهو موضع من ديار غطفان أي ولعل به ذلك الماء المسمى بما ذكر كما تقدم يريدون أن يصيبوا من أطراف المدينة فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعمائة وخمسين رجلا لاثنتين عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول واستخلف على المدينة عثمان بن عفان وأصاب أصحابه رجلا منهم أي يقال له جبار وقيل حباب بكسر الحاء المهملة وبالباء الموحدة من بني ثعلبة فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره من خبرهم أي وقال له لن يلاقوك ولو سمعوا بمسيرك إليهم هربوا في رءوس الجبال وأنا سائر معك فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام فأسلم وضمه صلى الله عليه وسلم إلى بلال أي وأخذ به ذلك الرجل طريقا وهبط به عليهم فسمعوا بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم فهربوا في رءوس الجبال أي فبلغوا ماء
____________________

يقال له ذو أمر فعسكر به صلى الله عليه وسلم وأصابهم مطر أي كثير بل ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثياب أصحابه فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبيه ونشرهما على شجرة ليجفا واضطجع أي بمرأى من المشركين واشتغل المسلمون في شئونهم فبعث المشركون دعثورا الذي هو سيد القوم وأشجعهم المجمع لهم أي فقالوا له قد انفرد محمد فعليك به أي وفي لفظ أنه لما رآه قال قتلني الله ان لم أقتل محمدا فجاء دعثور ومعه سيفه حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من يمنعك مني اليوم وفي رواية الآن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده أي بعد وقوعه على ظهره فأخذ السيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له من يمنعك مني قال لا أحد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وفي رواية وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ثم أتى قومه أي بعد أن أعطاه صلى الله عليه وسلم سيفه فجعل يدعوهم الى الاسلام وأخبرهم أنه رأى رجلا طويلا دفع في صدره فوقع على ظهره فقال علمت أنه ملك فأسلمت ونزلت هذه الآية ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ) الآية ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق حربا وكانت مدة غيبته إحدى عشرة ليلة غزوة بحران
بفتح الموحدة وتضم وسكون الحاء المهملة وعبر عنها الحافظ الدمياطي بغزوة بني سليم كما تقدم
لما بلغه صلى الله عليه وسلم أن ببحران موضع بالحجاز معروف بينه وبين المدينة ثمانية برد جمعا كثيرا من بني سليم خرج في ثلثمائة من أصحابه لست خلون من جمادى الأولى واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم أي ولم يظهر وجها للسير وأحث السير حتى بلغ بحران فوجدهم قد تفرقوا في مياههم أي وكان صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل الى ذلك بليلة لقي رجلا من بني سليم فأخبره أن القوم تفرقوا فحبسه مع رجل وسار إلى أن وجدهم كذلك فأطلق الرجل وأقام بذلك المحل أياما ثم رجع ولم يلق حربا وكانت غيبته عشر ليال
____________________


وعلى مقتضى هذا السياق تبعا للأصل يكون غزا بني سليم ثلاث مرات مرة عقب بدر وهذه الغزوة وغزوة ذي أمر كانتا في السنة الثالثة من الهجرة
وفي تلك السنة التي هي الثالثة عقد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت أختها رقية وتقدم وقت موتها
وعقد صلى الله عليه وسلم على حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما وذلك في شعبان لما انقضت عدة وفاة زوجها خنيس بن حذيفة من شهداء بدر بعد أن عرضها عمر على أبي بكر فلم يجبه لشيء وعرضها على عثمان فلم يجبه لشيء فقال عمر يا رسول الله قد عرضت حفصة على عثمان فأعرض عني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد زوج عثمان خيرا من ابنتك وزوج ابنتك خيرا من عثمان فتزوج عثمان أم كلثوم وتزوج صلى الله عليه وسلم حفصة
وتزوج أيضا صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة في رمضان وتزوج زينب بنت جحش بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب في تلك السنة
وقيل تزوجها في السنة الرابعة وصححها في الأصل وقيل في الخامسة وكان اسمها برة بفتح الموحدة واسم أمها برة بضمها فغير صلى الله عليه وسلم اسمها وسماها زينب وقال لها صلى الله عليه وسلم لو كان أبوك مسلما لسميناه باسم رجل منا ولكن قد سميته جحشا أي والجحش في اللغة السيد
وقد كان صلى الله عليه وسلم جاء إليها ليخطبها لمولاه زيد بن حارثة فقالت لست بناكحته قال بل فانكحيه قالت يا رسول الله أؤامر أي أشاور نفسي فإني خير منه حسبا فأنزل الله تعالى ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) الآية فقالت عند ذلك رضيت
وفي رواية أنها وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فزوجها من زيد فسخطت هي وأخوها وقالا إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها عبده فنزلت الآية
أي وعن مقاتل أن زيد بن حارثة لما أراد أن يتزوج زينب جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله أخطب على قال له من قال زينب بنت جحش فقال له لا أراها تفعل إنها أكرم من ذلك نسبا فقال يا رسول الله إذا كلمتها أنت وقلت زيد أكرم الناس على فعلت قال إنها امرأة لسناء أي فصيحة والمراد لسانها
____________________

طويل فذهب زيد إلى علي رضي الله تعالى عنه فحمله على أن يكلم له النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق معه علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال إني فاعل ذلك ومرسلك يا علي إلى أهلها لتكلمهم ففعل ثم عاد فأخبره بكراهتها وكراهة أخيها لذلك فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم يقول قد رضيته لكم وأقضي أن تنكحوه فانكحوه وساق إليهم عشرة دنانير وستين درهما ودرعا وخمارا وملحفة وإزارا وخمسين مدا من الطعام وعشرة أمداد من التمر أعطاه ذلك كله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك جاء صلى الله عليه وسلم بيت زيد يطلبه فلم يجده فتقدمت إليه زينب فأعرض عنها فقالت له ليس هو هنا يا رسول الله فادخل فأبى أن يدخل وأعجبت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لأن الريح رفعت الستر فنظر إليها من غير قصد فوقعت في نفسه صلى الله عليه وسلم فرجع وهو يقول سبحان مصرف القلوب وفي رواية مقلب القلوب وسمعته زينب يقول ذلك فلما جاء زيد أخبرته الخبر فجاء إليه صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله لعل زينب أعجبتك فأفارقها لك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك زوجك فما استطاع زيد إليها سبيلا بعد ذلك اليوم أي فلم يستطع أن يغشاها من حين رآها صلى الله عليه وسلم إلى أن طلقها
فعنها رضي الله تعالى عنها لما وقعت في قلب النبي صلى الله عليه وسلم لم يستطعني زيد وما امتنعت منه وصرف الله تعالى قلبه عني وجاءه يوما وقال له يا رسول الله إن زينب اشتد على لسانها وأنا أريد أن أطلقها فقال له اتق الله وامسك عليك زوجك فقال استطالت على فقال له إذن طلقها فطلقها فلما انقضت عدتها ارسل زيدا لها فقال له اذهب فاذكرها علي فانطلق قال فلما رأيتها عظمت في صدري فقلت يا زينب أبشري أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك قالت ما انا بصانعه شيئا حتى أؤامر ربي أى أستخيره فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس يتحدث مع عائشة إذ نزل عليه الوحي بأن الله زوجه زينب فسرى عنه وهو يبتسم وهو يقول من يذهب الى زينب فيبشرها أن الله زوجنيها من السماء وجاء إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن قالت دخل علي وأنا مكشوفة الشعر فقلت يا رسول الله بلا خطبة ولا إشهاد قال الله المزوج وجبريل الشاهد أي وأنزل الله تعالى وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك الآية فهذه
____________________

الآية نزلت في زيد رضي الله عنه وقد قالها صلى الله عليه وسلم في حق ولده أسامه فقد جاء أحب أهلي إلى من أنعم الله وأنعمت عليه أسامه بن زيد وعلي بن أبي طالب فنعمة الله على زيد وعلى ولده أسامه الاسلام ونعمة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما العتق لأن عتق أبيه عتق له تأمل
وإنما توجه هذا العتب أي لأن الله تعالى كان أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه صلى الله عليه وسلم فلما شكا إليه زيد قال له أمسك عليك زوجك واتق الله وأخفى منه في نفسه ما الله مبديه ومظهره وهو ما أعلمه الله به من أنك ستزوجها فالذي أخفاه ما كان الله أعلمه به ( وتخشى الناس ) أي اليهود والمنافقين أن يقولوا تزوج امرأة ابنه ( والله أحق أن تخشاه ) في إمضاء ما أحبه ورضيه لك وأعطاك إياه
وقد جعل الله تعالى طلاق زيد لها وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم إياها لإزالة حرمة التبني قال تعالى { لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم } وأولم صلى الله عليه وسلم عليها بما لم يولم به على نسائه وذبح شاه وأطعم فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ففي البخاري فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يرجع وهم قعود يتحدثون وفي البخاري أيضا فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق الى حجرة عائشة فقال السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته فقالت وعليك السلام ورحمة الله وبركاته كيف وجدت أهلك بارك الله لك ثم دخل حجر نسائه كلهن يقول كما قال لعائشة ويقلن له كما قالت عائشة ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فوجد القوم في البيت يتحدثون قال أنس رضي الله تعالى عنه وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء فخرج فطلبها الى حجرة عائشة فأخبر أن القوم خرجوا فرجع حتى وضع رجله في أسكفة البيت داخله وأخرى خارجه أرخى الستر بيني وبينه فنزلت آية الحجاب قال في الكشاف وهي أدب أدب الله تعالى به الثقلاء
وفي مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت خرجت سودة بعد ما ضرب علينا الحجاب تقضي حاجتها أي بالمناصع محل كان أزواجه صلى الله عليه وسلم يخرجن إليه بالليل للتبرز وكانت امرأة جسيمة فرآها عمر بن الخطاب فقال يا سودة والله ما تخفين علينا فانظري علينا كيف تخرجين فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

في بيتي ليتعشى وفي يده عرق فدخلت فقالت يا رسول الله اني خرجت فقال لي عمر كذا وكذا قالت فأوحى الله تعالى اليه ثم رفع عنه ان العرق في يده ما وضعه فقال انه قد أذن لكن ان تخرجن لحاجتكن وكان قول عمر لسودة ما ذكر حرصا على أن ينزل الحجاب قالت عائشة رضي الله تعالى عنها فأنزل الله الحجاب وفيه أنه تقدم عنها ان قول عمر لسودة كان بعد أن ضرب
وقد يقال المراد بالحجاب هنا عدم خروجهن للبراز فلا ترى أشخاصهن والحجاب المتقدم عدم رؤية شئ من أبدانهن فلا مخالفة فليتأمل
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دخلت على زينب بنت جحش وعندى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلت عليه فقالت له ما كل واحد منا عندك إلا على خلاء أي على ما أردت ثم أقبلت علي تسبني فردعها النبي صلى الله عليه وسلم فلم تنته فقال لي سبيها فسببتها وكنت أطول لسانا منها حتى جف ريقها في فمها ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل سرورا أي وفي يوم غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على زينب لقولها في صفية بنت حيي تلك اليهودية فهجرها لذلك ذا الحجة والمحرم وبعض صفر ثم أتاها بعد وعاد الى ما كان عليه معها
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم تستأذن والنبي صلى الله عليه وسلم معي فأذن لها فدخلت عليه فقالت يا رسول الله ان أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة أي أن تعدل بينهن وبينها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي بنية ألست تحبين ما أحب فقالت بلى قال فأحبي هذه يعنيني فقامت فاطمة فخرجت فجآءت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فحدثتهن بما قالت وبما قال لها فقلن لها ما أغنيت عنا من شئ فارجعي الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت والله لا أكلمه فيها أبدا فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش فاستأذنت عليه وهو في بيت عائشة فأذن لها فدخلت فقالت يا رسول الله أرسلني أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة ثم وقعت أي زينب بي تسمعني ما أكره فطفقت أنظر الى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يأذن لي فيها فلم أزل حتى عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكره
____________________

أن أنتصر فوقعت بها أسمعها ما تكره فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال لها إنها ابنة أبي بكر أي محل الفصاحة والشهامة
وسبب ذلك اي طلبهن ان يعدل بينهن وبين عائشة ان الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضات رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة أحد وكانت في شوال سنة ثلاث باتفاق الجمهور وشذ من قال سنة أربع وأحد جبل من جبال المدينة قيل سمي بذلك لتوحده وانفراده عن غيره من الجبال التي هناك وهذا الجبل يقصد لزيارة سيدنا حمزه ومن فيه من الشهداء وهو على نحو ميلين وقيل على ثلاث أميال من المدينة يقال أن فيه قبر هارون أخي موسى عليهما الصلاة والسلام وفيه قبض فواراه موسى فيه وكانا قدما حاجين أو معتمرين
وعن ابن دحية ان هذا باطل بيقين وأن نص التوراة انه دفن بجبل من جبال بعض مدن الشام
وقد يقال لا مخالفة لأنه يقال المدينة شامية وقيل دفن بالتيه هو وأخوه موسى عليهما الصلاة والسلام كما تقدم
قال صلى الله عليه وسلم ان أحدا هذا جبل يحبنا ونحبه اذا مررتم به فكلوا من شجرة ولو من عضاهه اي وهي كل شجرة عظيمة لها شوك والقصد الحث على عدم اهمال الأكل من شجره تبركا به
وقال صلى الله عليه وسلم أحد ركن من أركان الجنة أي جانب عظيم من جوانبها وفي رواية على باب من أبواب الجنة ولا يخالف ما قبله فإنه جاز أن يكون ركنا بجانب الباب وفي رواية جبل من جبال الجنة ولا مانع ان تكون المحبة من الجبل على حقيقتها وضع الحب فيه كما وضع التسبيح في الجبال المسبحة مع داود عليه السلام وكما وضعت الخشية في الحجارة التي قال الله فيها { وإن منها لما يهبط من خشية الله }
وقيل هو على حذف مضاف اي يحبنا أهله وهم الأنصار أو لأن اسمه مشتق من الأحدية وأخذ من هذا أنه أفضل الجبال وقيل أفضلها عرفة وقيل أبو قبيس وقيل الذي كلم الله عليه موسى وقيل قاف
____________________


ولما أصاب قريشا يوم بدر ما أصابها مشى عبدالله بن أبي ربيعه وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية رضي الله تعالى عنهم فإنهم أسلموا بعد ذلك ورجال آخر من أشراف قريش إلى أبي سفيان رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك أيضا وإلى من كان له تجارة في تلك العير أي التي كان سببها وقعة بدر وكانت تلك العير موقوفة في دار الندوة لم تعط لأربابها فقالوا إن محمدا قد وتركم أي قتل رجالكم ولم تدركوا دمائهم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا عمن أصاب منا أي وقالوا نحن طيبو النفوس أن تجهزوا بربح هذه العير جيشا الى محمد فقال أبو سفيان وأنا أول من أجاب إلى ذلك وبنو عبد مناف معي فجعلوا لذلك ربح المال فسلم لأهل العير رؤوس أموالهم وكانت خمسين ألف دينار وأخرجوا أرباحها وكان الربح لكل دينار دينارا أي فكان الذي أخرج خمسين ألف دينار وقيل أخرجوا خمسة وعشرين ألف دينار وأنزل الله تعالى في تلك { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون }
وتجهزت قريش ومن والاهم من قبائل كنانة وتهامة وقال صفوان بن أمية لأبي عزة يا أبا عزة إنك رجل شاعر فأعنا بلسانك ولك علي ان رجعت أن أغنيك وإن أصبت أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر فقال ان محمدا قد من علي أي وأخذ على أن لا أظاهر عليه أحدا حين أطلقني وأنا أسير في أسارى بدر فلا أريد أن ظاهر عليه قال بلى فأعنا بلسانك
فخرج أبو عزة ومسافع يستنقران الناس بأشعارهما فأما مسافع فلا يعلم له إسلام لكن في كلام ابن عبد البر مسافع بن عياض بن صخر القرشي التيمي له صحبة وكان شاعرا لم يرو شيئا ولا أدري هل هو هذا أو غيره وأما أبو عزة فظفر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الوقعة بحمراء الأسد أي المكان المعروف الآتي بيانه قريبا وتقدم استطراد ثم أمر صلى الله عليه وسلم عاصم بن ثابت فضرب عنقه وحملت رأسه الى المدينة كما سيأتي وتقدم استطرادا
ودعا جبير بن مطعم بن عدي رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك غلاما له حبشيا يقال له وحشي رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وكان يقذف بحربة له قذف الحبشة قلما يخطئ بها فقال له اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة عم محمد بن طعيمة
____________________

ابن عدي فأنت عتيق أي لأن حمزة هو القاتل له وقيل وحشي كان غلاما لطعيمة وإن ابنة سيده طعيمة قالت له إن قتلت محمدا أو حمزة أو عليا في أبي فأبى لا أدري في القوم كفؤا له غيرهم فأنت عتيق وخرج معهم النساء بالدفوف
وفي كلام سبط بن الجوزي وساروا بالقيان والدفوف والمعازف والخمور والبغايا هذا كلامه وخرج من نساء قريش خمس عشرة امرأة أي مع أزواجهن ومنهن هند زوج أبي سفيان رضي الله تعالى عنها فإنها أسلمت بعد ذلك اي وأم حكيم بنت طارق مع زوجها عكرمة رضي الله تعالى عنهما فإنهما أسلما بعد ذلك وسلافة مع زوجها طلحة ابن أبي طلحة وأم مصعب بن عمير يبكين قتلى بدر وينحن عليهم يحرضنهم على القتال وعدم الهزيمة والفرار وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أرسل به إليه عمه العباس اي بعد أن راودوه على الخروج معهم فاعتذر بما لحقه من القوم يوم بدر ولم يساعدهم بشئ وذلك في كتاب جاء اليه صلى الله عليه وسلم وهو بقباء أرسله العباس مع رجل استأجره من بني غفار وشرط عليه أن يأتي المدينة في ثلاثة أيام بلياليها ففعل كذلك فلما جاءه الكتاب فك ختمه ودفعه لأبي فقرأه عليه أبي بن كعب واستكتم أبيا ونزل صلى الله عليه وسلم على سعد بن الربيع فأخبره بكتاب العباس أي فقال والله أني لأرجو أن يكون خيرا فاستكتمه إياه فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده قالت له امرأته ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها لا أم لك وأنت وذاك فقالت قد سمعت ما قال وأخبرته بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسترجع وأخذ بيدها ولحقه صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها وقال يا رسول الله اني خفت أن يفشو الخبر فترى أني أنا المفشي له وقد استكتمتني إياه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خل عنها
وسارت قريش وهم ثلاثة آلاف رجل وقال بعض الحفاظ جمع أبو سفيان قريبا من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش وخرج معه أبو عامر الراهب في سبعين فارسا من الأوس قال في الأصل والأحابيش الذين حالفوا قريشا وهم بنو المصطلق وبنو الهون ابن خزيمة اجتمعوا عند حبشي وهو جبل بأسفل مكة وتحالفوا على أنهم مع قريش يدا واحدة على غيرهم ما سجى ليل ووضح نهار وما رسا حبشي مكانه فسموا أحابيش باسم الجبل وقيل سموا بذلك لتحبشهم أي تجمعهم وفيهم مائتا فارس أي وثلاثة
____________________

آلاف بعير وسبعمائة دارع حتى نزلوا مقابل المدينة بذي الحليفة أي وهو ميقات أهل المدينة الذي يحرمون منه أي وأرجفت اليهود والمنافقون فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عينين له أي جاسوسين فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم
ويقال أن عمرو بن سالم الخزاعي مع نفر من خزاعة فارقوا قريشا من ذي طوى وجاءوا الى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه خبرهم وانصرفوا ولما وصلوا أي كفار قريش ومن معهم للأبواء أرادوا نبش قبر أمه صلى الله عليه وسلم والمشير عليهم بذلك هند بنت عتبة زوج أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما فقالت لو بحثتم قبر أم محمد فإن أسر منكم أحدا فديتم كل إنسان بأرب من آرابها أي جزء من أجزائها فقال بعض قريش لا يفتح هذا الباب وإلا نبش بنو بكر موتانا عند مجيئهم وحرست المدينة وبات سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة وعليهم السلاح في المسجد بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبحوا
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا قال رأيت البارحة في منامي خيرا رأيت بقرا تذبح ورأيت في ذبابة سيفي أي وهو ذو الفقار ( ثلما ) بإسكان اللام وفي لفظ وكأن ظبة سيفي انكسرت وفي لفظ ورأيت سيفي ذي الفقار انفصم من عند ظبته فكرهته وهما مصيبتان ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة وفي رواية ورأيت أني في درع حصينة أي وأني مردف كبشا قال صلى الله عليه وسلم بعد أن قيل له ما أولتها قال فأما البقر فناس من اصحابي يقتلون وفي لفظ أولت البقر بقرا يكون فينا وأما الثلم الذي رأيت في سيفي فهو رجل من أهل بيتي أي وفي رواية من عترتي يقتل وفي رواية رأيت أن سيفي ذا الفقار فل فأولته فلا فيكم أي وفلول السيف كسور في حده وقد حصل في حد سيفه كسور وحصل انفصام ظبته وذهابها فكان ذلك علامة على وجود الأمرين وأما الدرع الحصينة فالمدينة أي وأما الكبش فإني اقتل كبش القوم أي حاميهم وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فإن أقاموا أقاموا بشر مقام وإن هم دخلوا علينا قاتلنا فيها أي فأنا أعلم بها منهم وكانوا قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن وكان ذلك رأي أكابر المهاجرين والأنصار قال ووافق على ذلك عبدالله ابن أبي سلول أي فان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل يستشيره ولم يستشره قبل
____________________

ذلك قال يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج فوالله ما خرجنا منها الى عدو لنا قط إلا أصاب منا ولا دخلها إلا أصبنا منه فدعهم يا رسول الله فإن أقاموا أقاموا بشر مجلس وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم الصبيان بالحجارة من ورائهم وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا
وهذا هو الظاهر خلافا لما ذكره بعضهم من أنه صلى الله عليه وسلم دعا عبدالله بن أبي ابن سلول ولم يدعه قط قبلها فاستشاره فقال يا رسول الله اخرج بنا الى هذه الأكالب إذ لا يناسب ذلك ما يأتي عنه من رجوعه وقوله خالفني الخ وإنما قال ذلك رجل من المسلمين ممن أكرمه الله بالشهادة يوم أحد وقال رجال أي غالبهم أحداث أحبوا لقاء العدو وغالبهم ممن أسف على ما فاته من مشهد بدر أخرج بنا الى أعدائنا لا يرونا أنا جبنا عنهم وضعفنا أي فيكون ذلك جرءاة منهم علينا والله لا نطيع العرب في أن تدخل علينا منازلنا
وفي لفظ أن الأنصار قالوا يا رسول الله ما غلبنا عدو لنا أتانا في دارنا أي في ناحية من نواحيها فكيف وأنت فينا ووافقهم على ذلك حمزة بن عبدالمطلب وقال للنبي صلى الله عليه وسلم والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم طعاما حتى آجالدهم بسيفي خارج المدينة كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم كاره للخروج فلم يزالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وافق على ذلك فصلى الجمعة بالناس ثم وعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد وأخبرهم أن لهم النصرة ما صبروا وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم ففرح الناس بذلك ثم صلى بالناس العصر وقد حشدوا أي اجتمعوا وقد حضر أهل العوالي ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فعمماه وألبساه وصف الناس ينتظرون خروجه صلى الله عليه وسلم فقال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج فردوا الأمر إليه أي فما أمركم به وما رأيتم له فيه هوى ورأيا فأطيعوه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لبس لأمته وظاهر بين درعين أي لبس درعا فوق درع وهما ذات الفضول وفضة التي أصابها من بني قينقاع كما تقدم وذات الفضول هذه هي التي أرسلها إليه صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة رضي الله عنه حين سار الى بدر وهي التي مات صلى الله عليه وسلم عنها وهي مرهونه عند اليهودي وافتكها أبو بكر رضي الله عنه وأظهر الدرع وحزم
____________________

وسطها بمنطقة من أدم من حمائل سيفه صلى الله عليه وسلم وأنكر الامام أبو العباس ابن تيمية أنه صلى الله عليه وسلم تمنطق حيث قال لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم شد وسطه بمنطقة وقد يقال مراد ابن تيمية المنطقة المعروفة وليس هذا منها وفيه رد على بعضهم في قوله كان له صلى الله عليه وسلم منطقة من أدم فيها ثلاث حلق من فضة والطرف من فضة
وقد يقال لا يلزم من كونه له منطقة أن يكون تمنطق بها فليتأمل
وتقلد صلى الله عليه وسلم السيف وألقى الترس في ظهره أي وفي رواية فركب صلى الله عليه وسلم فرسه السكب وتقلد القوس وأخذ قناته بيده أي ولا مانع أن يكون جمع بين ذلك فقالوا له ما كان لنا أن نخالفك ولا نستكرهك على الخروج فاصنع ما شئت وفي رواية فان شئت فاقعد أي وقال قد دعوتكم الى القعود فأبيتم وما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه أي وفي رواية حتى يقاتل
وأخذ منه أنه يحرم على النبي نزع لأمته اذا لبسها حتى يلحق العدو ويقاتل وبه قال أئمتنا أي وقيل إنه مكروه واستبعد وقوله صلى الله عليه وسلم وما ينبغي لنبي يقتضى أن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثله في ذلك أي لأن نزع ذلك يشعر بالجبن وذلك ممتنع على الأنبياء صلى الله وسلم عليهم قاله في النور
وما اختص به من المحرمات فهو مكروه له لأن المحرم في المنهيات كالواجب في المأمورات
وعقد صلى الله عليه وسلم ثلاثة ألوية لواء للأوس وكان بيد أسيد بن حضير ولواء للمهاجرين وكان بيد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقيل بيد مصعب بن عمير أي لأنه كما قيل لما سئل عمن يحمل لواء المشركين فقيل طلحة بن أبي طلحة أي من بني عبد الدار فأخذه صلى الله عليه وسلم من علي ودفعه لمصعب بن عمير أي لأن مصعب بن عمير من بني عبد الدار وهم أصحاب اللواء في الجاهلية كما تقدم وسيأتي ولواء للخزرج كان بيد الحباب بن المنذر وقيل بيد سعد بن عبادة
وخرج في ألف وقيل تسعمائة ولعله تصحيف عن سبعمائة لما سيأتي أن عبدالله
____________________

ابن أبي ابن سلول رجع معه ثلاثمائة فبقي سبعمائة من أصحابه صلى الله عليه وسلم منهم مائة دارع وخرج السعدان أمامه صلى الله عليه وسلم يعدوان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة دارعين واستعمل على المدينة ابن ام مكتوم أي وسار الى أن وصل رأس الثنية أي وعندها وجد كتيبة كبيرة فقال ما هذا قالوا هؤلاء حلفاء عبدالله بن أبي ابن سلول من يهود فقال أسلموا فقيل لا فقال إنا لا ننتصر بأهل الكفر على أهل الشرك فردهم أي وهؤلاء اليهود غير حلفائه من بني قينقاع فلا يقال هذا انما يأتي على أن اجلاء بني قينقاع كان بعد أحد لأنهم هم حلفاؤه من يهود كما تقدم لأنا نمنع انحصار حلفائه من يهود في بني قينقاع
وسار صلى الله عليه وسلم وعسكر بالشيخين وهما أطمان أي جبلان وعند ذلك عرض قومه فرد جمعا أي شبابا لم يرهم بلغوا خمس عشرة سنة بل أربع عشرة سنة كذا نقل عن امامنا الشافعي رضي الله عنه ونقل عنه بعضهم أنه قال لم يرهم بلغوا أربع عشرة سنة منهم عبدالله بن عمر وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وأسيد بن ظهير وعرابة بن أوس خلافا لمن أنكر صحبته وعرابة هذا هو القائل فيه الشماخ ** رأيت عرابة الأوسي يسمو ** الى الخيرات منقطع القرين ** ** إذا ما راية رفعت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين **
وأوس والده هو القائل في يوم الأحزاب إن بيوتنا عورة كما سيأتي وأبو سعيد الخدري وسعد بن خيثمة رضي الله تعالى عنهم أي وزيد بن حارثة الأنصاري كان أبوه حارثة من المنافقين من أصحاب مسجد الضرار ورافع بن خديج وسمرة بن جندب
ثم أجاز صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج لما قيل له إنه رام وأصيب في ذلك اليوم بسهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أشهد له يوم القيامة ومات في زمن عبدالملك بن مروان لما نقض عليه ذلك الجرح وعندما أجازه قال سمرة بن جندب لزوج أمه أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج وردني وأنا أصرعه فأعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تصارعا فصرع سمرة بن جندب رافعا فأجازه
وممن رده صلى الله عليه وسلم يوم أحد لصغر سنه سعد بن حبته عرف بأمه حبته
____________________

فلما كان يوم الخندق رآه صلى الله عليه وسلم يقاتل قتالا شديدا فدعاه ومسح على راسه ودعا له بالبركة في ولده ونسله فكان عما لأربعين وخالا لأربعين وأبا لعشرين ومن ولده أبو يوسف صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهم وتقدم في بدر أنه صلى الله عليه وسلم رد زيد بن ثابت وزيد ابن أرقم واسيد بن ظهير فما فرغ العرض إلا وقد غابت الشمس فأذن بلال بالمغرب فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باصحابه ثم أذن بالعشاء فصلى بهم وبات واستعمل على الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين رجلا يطوفون بالعسكر ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وذكوان بن عبد قيس يحرسه لم يفارقه لما قال صلى الله عليه وسلم من يحفظنا الليلة حتى كان السحر
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال لقد رأيت أي في النوم الملائكة تغسل حمزة رضي الله تعالى عنه وأدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر فحانت صلاة الصبح بالشوط حائط بين المدينة وأحد ومن ذلك المكان رجع عبد الله ابن أبي ابن سلول ومن معه من أهل النفاق وهم ثلثمائة رجل وهو يقول عصاني واطاع الولدان ومن لا أرى له سيعلم ما ندري علام نقتل أنفسنا ارجعوا ايها الناس فرجعوا فتبعهم عبد الله ابن عمرو ابن حرام وهو والد جابر رضي الله تعالى عنهما وكان في الخزرج كعبد الله ابن أبي يقول يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا بضم الذال المعجمة قومكم ونبيكم أي تتركوا نصرتهم وإعانتهم عندما حضر من عدوهم قالوا لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ولكن لا نرى أنه يكون قتالا وابو إلا الانصراف فقال لهم أبعدكم الله أي اهلككم الله أعداء الله فسيغني الله تعالى عنكم نبيه وفيه أن قوله المذكور يخالف قوله علام نقتل أنفسنا إلا ان يقال على فرض أنه يقع قتالا علام نقتل أنفسنا
فلما رجع عبد الله بن أبي ابن سلول بمن معه قالت طائفة نقتلهم وقالت طائفة أخرى لا نقتلهم وهما ان يقتتلا والطائفتان هما بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج فأنزل الله تعالى { فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم } أي ردهم إلى كفرهم بما كسبوا
وفي كلام سبط ابن الجوزي ولما رأى بنو سلمة وبنو حارثة عبد الله ابن أبي قد خذل هموا بالانصراف وكانوا جناحين من العسكر ثم عصمهما الله وأنزل قوله تعالى { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا } الآية فبقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع مائة رجل
____________________


ومن هذا يعلم ما في المواهب من قوله ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالانصراف لكفرهم بمكان يقال له الشوط لأن الذين ردهم صلى الله عليه وسلم لكفرهم حلفاء عبد الله ابن أبي بن سلول من يهوجد وكان رجوعهم قبل الشوط والذين رجع بهم عبد الله كانوا منافقين ورجوعه بهم كان من الشوط ولم يكن مع المسلمين يومئذ إلا فرسان فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس لأبي بردة وقيل لم يكن معهم فرس أي وهذا القيل نقله في ( فتح الباري ) عن موسى ابن عقبة واقره وقالت الأنصار أي لما رجع ابن أبي يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من يهود اي يهود المدينة ولعلهم عنوا بهم بني قريظة لأن بني قريظة من حلفاء سعد بن معاذ وهو سيد الاوس
وقال بعضهم كان في الأنصار كأبي بكر في المهاجرين فقال صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا فيهم
أقول وحينئذ يكون المراد قالت طائفة من الأنصار وهم الأوس ولم يكونوا سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم إنا لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك والله أعلم
وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه من يخرج بنا على القوم من كثيب أي من طريق قريب لا يمر بنا عليهم فقال أبو خيثمة أنا يا رسول الله فنفذ به من حرة بني حارثة وبين أموالهم حتى دخل في حائط للمربع بن قيظي الحارثي وكان رجلا منافقا ضريرا فقام يحثي التراب أي في وجوههم ويقول إن كنت رسول الله فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي وفي يده حفنة من تراب وقال والله لو أعلم أني لا اصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك فابتدر إليه سعد ابن زيد فضربه بالقوس في راسه فشجه وأراد القوم قتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب وأعمى البصر أي وغضب له ناس من بني حارثة كانوا على مثل رأيه أي منافقين لم يرجعوا مع من رجع مع عبد الله ابن أبي فهم بهم أسيد ابن حضير حتى أومأ أي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بترك ذلك ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد فجعل ظهره وعسكره إلى احد قال واستقبل المدينة وصف المسلمين في جبل أحد أي بعد أن بات به تلك الليلة وحانت الصلاة صلاة الصبح والمسلمون يرون المشركين فأذن بلال وأقام وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باصحابه صفوفا وخطب خطبة حثهم فيها على الجهاد
____________________


ومن جملة ما ذكر فيها من كان يؤمن بالله واليوم لاآخر فعليه الجمعة إلا صبيا أو امرأة أو مريضا أو عبد مملوكا وفي رواية إلا امرأة أو مسافر أو عبد أو مريض بالرفع وعليها فالمستثنى محذوف أي إلا اربعة وما ذكر بدل منها قال ومن استغنى عنها استغنى الله عنه والله غني حميد ما اعلم من عمل يقربكم إلى الله تعالى إلا وقد أمرتكم به ولا أعلم من عمل يقربكم من النار إلا وقد نهيتكم عنه وإنه قد نفث أي أوحى والقى في روعى بضم الراء أي قلبي الروح الأمين أي الذي هو جبريل إنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها لا ينقص منه شيء وإن أبطأ عنها فاتقوا الله ربكم وأجملوا أي أحسنوا في طلب الرزق لا يحملنكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية الله والمؤمن من المؤمن كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى إليه سائر جسده والسلام عليكم إنتهى
أي ولما أقبل خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك ومعه عكرمة ابن أبي جهل رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك كما تقدم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام وقال له استقبل خالد بن الوليد فكن بإزائه وأمر بخيل أخرى فكانوا من جانب آخر ولعل المراد وأمر جماعة بأن يكونوا بإزاء خيل أخرى للمشركين لأنه تقدم أنه لم يكن معهم إلافرس أو إلا فرسان
أي وما وقع في الهدى أن الفرسان من المسلمين يوم أحد كانوا خمسين رجلا سبق قلم وقال لا تبرحوا حتى أوذنكم وقال لا يقاتلن أحد حتى آمره بالقتال وكان الرماة خمسين رجلا وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا وأثبت مكانك إن كانت لنا أو علينا
أي وفي رواية إن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم وإن رايتمونا ظهرنا على القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم زاد في رواية وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا قال وفي رواية أنه قال أي للرماة الزموا مكانكم لا تبرحوا منه فإذا رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل في عسكرهم فلا تفارقوا مكانكم وإن رايتمونا نقتل فلا تغيثونا ولا تدفعوا عنا وارشقوهم بالنبل فإن الخيل لا تقدم على النبل إنا لن نزال غالبين ما مكثتم مكانكم اللهم إني أشهدك عليهم إنتهى
وأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا أي وكان مكتوبا في إحدى صفحتيه
____________________

** في الجبن عار وفي الإقبال ** مكرمة والمرء بالجبن لا ينجو من القذر ** وقال من يأخذ هذا السيف بحقه ام إليه رجال فأمسكهم عنه من جملتهم علي رضي الله تعالى عنه قام ليأخذه فقال اجلس عمر رضي الله تعالى عنه فأعرض عنه والزبير رضي الله تعالى عنه أي وطلبه ثلاث مرات كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه حتى قام إليه أبو دجانة وقال ما حقه يا رسول الله قال فضرب به في وده العدو حتى ينحني قال أنا أهخذه في حقه فدفعه إليه فكاان رجل شجاعا يحتال عند الحرب أي يمشي مشية المتكبر وحين رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبختر بين الصفين قال إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن أي لأن فيها دليل على عدم الاكتراث بالعدو
وعند اصطفاف القوم ناد أبو فيان بن حرب يا معشر الأوس والخزرج خلو بيننا وبين بني عمنا وننصرفغ عنكم فشتموه أقبح شتم ولعنوه اشد اللعن قال وخرج رجل من المشركين على بعير له فدعى للبراز فأحجم عنه الناس حتى دعا ثلاث فقام إليه الزبير ووثب حتى استوى معه على البعير ثم عانقه فاقتتلا فوقالبعير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ييلي حضي الأرض مقتول فوقع المشرك فوقع عليه الزبير فذبحه فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي حواري وإن حواري الظزبير وقال صلى الله عليه وسلم لو لم يبرز إليه الزبير لبرزت إليه لما رأى من احجام الناس عنه انتهى
وخرج رجل من المشركين بين الصفين أي وهو طلحة بن أبي طلحة وأبو طلحة والده اسمه عبد الله بن عثمان بن عبد الدار وكان بيده لواء المشركين لأن بني عبد الدار كانوا أصحاب لواء المشركين لأن اللواء كان لوالدهم عبدالدار كما تقدم وطلب طلحة المبارزة مرارا فلم يخرج إليه أحد فقال يا اصحاب محمد زعمتم أن قتلاكم إلى الجنة وأن قتلانا إلى النار وفي رواية قال يا اصحاب محمد إنكم تزعمون أن الله تعالى يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة فهل أحد منكم يعجلني بسيفه إلى النارأو اعجله بسيفي إلى الجنة كذبتم واللات والعزى لو تعلمون ذلك حقا لخرج إلي بعضكم فخرج إليه علي بن أبي طالب فاختلفا ضربتين فقتله علي رضي الله تعالى عنه
أي وفي رواية فالتقيا بين الصفين فبدره علي فصرعه أي قطع رجله ووقع على
____________________

الأرض وبدت عورته فقال يابن عمي أنشدك الله والرحم فرجع عنه ولم يجهز عليه فقال له بعض أصحابه أفلا أجهزت عليه فقال إنه استقبلني بعورته فعطفني عليه الرحم وعرفت أن الله قد قتله
وفي رواية قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعك أن تجهز عليه فقال ناشدني الله والرحم فقال اقتله فقتله
أي ووقع لسيدنا علي كرم الله وجهه مثل ذلك في يوم صفين مرتين الأولى حمل على بسر بن أرطاة فلما رأى أنه مقتول كشف عن عورته فانصرف عنه والثانية حمل على عمرو بن العاص فلما راى أنه مقتول كشف عن عورته فانصرف عنه علي كرم الله وجهه
فأخذ لواء المشركين أخو طلحة وهو عثمان بن أبي طلحة وعثمان هذا هو ابو شيبة الذي ينسب إليه الشيبيون فيقال بني شيبة فحمل عليه حمزة فقطع يده وكتفه حتى انتهى إلى مؤتزره فرجع حمزة وهو يقول أنا ابن ساقي الحجيج يعني عبدالمطلب فأخذه أخو عثمان وأخو طلحة وهو ابو سعيد بن أبي طلحة فرماه سعد بن أبي وقاص فأصاب حنجرته فقتله فحمله مسافع بن طلحة بن ابي طلحة الذي قتله علي رضي الله تعالى عنه فرماه عاصم ابن ثابت بن أبي الأفلح فقتله ثم حمله أخو مسافع وهو الحرث بن طلحة فرماه عاصم فقتله أي فكانت أمهما هي سلافة معهما وكل واحد منهما بعد أن رماه عاصم يأتي أمه يضع رأسه في حجرها فتقول له يا بني من أصابك فيقول سمعت رجلا حين رماني يقول خذها وأنا ابن أبي الأفلح فنذرت إن أمكنها الله من رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر وجعلت لمن جاء برأسه مائة من الأبل
وسيأتي مقتل عاصم في سرية الرجيع فحمله أخو مسافع وأخو الحرث وهو كلاب بن طلحة فقتله الزبير أي وقيل قزمان فحمله أخوهم وهو الجلاس بن طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله فكل من مسافع والحرث وكلاب والجلاس الأربعة أولاد طلحة بن أبي طلحة كل قتل كأبيهم طلحة وعميهم وهما عثمان وأبو سعيد
وعند ذلك حمله أرطاة بن شرحبيل فقتله علي بن أبي طالب وقيل حمزة فحمله شريح بن قارظ فقتل أي ولم يعرف قاتله ثم حمله أبو زيد بن عمرو بن عبد مناف
____________________

ابن هاشم بن عبد الدارفقتله قزمان فحمله ولد لشرحبيل بن هاشم فقتله قزمان أيضا ثم حمله صواب غلامهم أي وكان حبشيا فقاتل حتى قطعت يده ثم برك عليه فأخذه لصدره وعنقه حتى قتل عليه أي قتله قزمان وقيل القاتل له سعد بن أبي وقاص وقيل علي
وقد كان أبو سفيان قال لأصحاب اللواء أي لواء المشركين من بني د عبدالدار يحرضهم على القتال يا بني عبد الدار إنكم تركتم لواءنا يوم بدرفأصابنا ما قد رايتم وإنما تؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا فإما أن تكفونا لواءنا وإما أن تخلو بيننا وبينه فنكفيكموه فهموا به وتواعدوه وقالوا نحن نسلم إليك لواءنا ستعلم غدا إذا التقينا كيف نضع وذلك الذي اراد ابو سفيان
قال ابن قتيبة ويقال إن هذه الآية نزلت في بني عبدالدار { إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون }
ولما صرع صاحب لواء المشركين أي الذي هو طلحة بن أبي طلحة استبشر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أي لأنه كبش الكتيبة أي الجيش أي حاميهم الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه المتقدمة أنه مردفا كبشا وقال أولت ذلك إني أقتل كبش الكتيبة فهذا كبش الكتيبة
وند وجود ما ذكر من قتل أصحاب اللواء صاروا كتائب متفرقة فجاس المسلمون فيهم ضربا حتى أجهضوهم أي ازالوهم عن أثقالهم وكان شعارالمسلمين يومئذ أمت أمت وشعارالكفار يا للعزى وهي شجرة كانوا يعبدونها يا لهبل وهو صنم كان داخل الكعبة منصوبا على بئر هناك وسيأتي في فتح مكة أنه كان خارجها بجانب الباب
وقد يقال لا منافاة لأنه يجوز أن يكون في أول الامر كان داخل الكعبة ثم اخرج منها وجعل في بجانبها
أي وخرج عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك فقال من يبارز فنهض إليه أبو بكر شاهر سيفه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم شم سيفك وارجع إلى مكانك ومتعنا بنفسك وتقدم طلب عبد الرحمن المبارزة أيضا في يوم بدر وتقدم عن ابن مسعود أن الصديق دعا ابنه يعني عبد الرحمن يوم أحد إلى البراز
____________________

وهو يخالف ما هنا إلا أن يقال إنه هنا يجوز وقوع كل من الأمرين أي طلب المبارزة من الصديق لولده عبد الرحمن وطلب المبارزة من عبد الرحمن لوالده الصديق
وقد وقع للصديق رضي الله تعالى عنه أن العرب لما ارتدت بعد موته صلى الله عليه وسلم خرج مع الجيش شاهرا سيفه فأخذ علي رضي الله تعالى عنه بزمام راحلته وقال له إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول لك كما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد شم سيفك ولا تفجعنا بنفسك وارجع إلى المدينة فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا فرجع وأمضى الجيش
وفي أول الأمر حملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات كل ذلك تنضح بالنبل فترجع مفلولة أي بالفاء متفرقة وحمل المسلمون على المشركين فنهكوهم أي أضعفوهم قتلا فلما التقى الناس وحميت الحرب قامت هند في النسوة اللاتي معها وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال ويقلن ** ويها بني عبد الدار ** ويها حماة الأدبار ** ضربا بكل بتار **
وويها كلمة إغراء وتحريض كما تقول دونك يا فلان والأدبار الأعقاب أي الذين يحمون أعقاب الناس والبتار السيف القاطع ويقلن ** نحن بنات طارق ** نمشي على النمارق ** مشي القطا النوازق ** والمسك في المفارق ** والدر في المخانق ** إن تقبلوا نعانق ** ونفرش النمارق ** أو تدبروا نفارق ** فراق غير وامق **
والطارق النجم قال تعالى { والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب } قيل هو زحل أي نحن بنات من بلغ العلو وارتفاع القدر كالنجم واعترض بأنها لو أرادت النجم لقالت نحن بنات الطارق
ثم رأيت أن هذا الرجز لهند بنت طارق وحينئذ فليس المراد بطارق النجم وإنما هو الرجل المعروف كأنها قالت نحن بنات طارق المعروف بالعلو والشرف
وعن بعضهم قال جلست بمكة وراء الضحاك فسؤل عن قول هند يوم أحد
____________________

نحن بنات طارق ما طارق فقلت هو النجم فقال لي كيف ذلك فقلت له قال الله تعالى { والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق } والنمارق الوسائد الصغار
والمراد نفرش ما تجعل عليه الوسائد مع جعلها عليه والوامق المحب أي فراق غير محب لأن غيرالمحب لا يرجع إذا غضب بخلاف المحب ومن ثم قيل غضب المحب في الظاهر مهابة سيف وفي الباطن كسحابة صيف
وقال وكان صلى الله عليه وسلم إذا سمع ذلك أي تحريض هند بما ذكر يقول اللهم بك أحول بالحاء المهملة أي أمنع وبك اصول وفيك أقاتل حسبي الله ونعم الوكيل انتهى
أي وفي رواية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي العدو قال اللهم بك أصاول وبك أحاول أي اطالب
وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس فعن الزبير قال وجدت أي غضبت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف أي الذي قال فيه من يأخذه بحقه ثلاث مرات وأنا ابن عمته فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة فقلت والله لأنظرن ما يصنع فاتبعته فأخذ عصابة حمراء أي أخرجها من ساق خفه وكان مكتوبا على أحد طرفيها نصر من الله وفتح قريب وفي طرفها الآخر الجبانة في الحرب عار ومن فر لم ينج من النار فعصب بها رأسه فقالت الأنصار أخرج أبو دجانة عصابة الموت أي لأنهم كانوا يقولون ذلك إذا تعصب بها فجعل لا يلقى أحداإلا قتله أي وكان إذا كل ذلك السيف يشحذه أي يحده بالحجارة ولم يزل يضرب به العدو حتى انحنى وصار كأنه منجل وكان رجل من المشركين لا يدع لنا جريحا إلا ذنف عليه أي اسرع قتله فدعوت الله أن يجمع بينه وبين أبي دجانة فالتقيا فاختلفا ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاها بدرقته فعضت الدرقة على سيفه وضربه أبو دجانة فقتله ثم رايته حمل بالسيف على رأس هند أي بنت عتبة زوج أبي سفيان وقيل غيرها ثم رد السيف عنها
قال أبو دجانة رأيت إنسانا يحمس الناس أي بالسين المهملة حمسا شديدا أي يشجعهم وبالشين المعجمة يوقد الحرب ويثيرها فعمدت إليه فلما حملت عليه بالسيف ولول أي دعا بالويل أي قال يا ويلاه فعلمت أنه امرأة فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به أمرأة
____________________


وقاتل حمزة بن عبد المطلب قتالا شديدا ومر به سباع بن عبد العزى فقال له حمزة هلم أي اقبل يا ابن مقطعة البظور لأن أمه أم أنمار مولاة شريق والد الأخنس كانت ختانة بمكة
أي وفي البخاري يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور اتحاد الله ورسوله أي تحاربهما تعاندهما
وفيه أنهم لما اصطفوا للقتال خرج سباع فقال هل من مبارز فخرج إليه حمزة فشد عليه فلما التقيا ضربه حمزة فقتله وفي رواية فكان كأمس الذاهب أي وكان تمام واحد وثلاثين قتلهم حمزة
وفيه أنه سيأتي عن الأصل وقتل من كفار قريش يوم أحد ثلاثة وعشرين رجلا وأكب حمزة عليه ليأخذ درعه قال وحشي غلام جبير بن مطعم إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه يهد بالدال المهملة يهدم وبالذال المعجمة يقطع أي وقد عثر حمزة فانكشف الدرع عن بطنه فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته بالمثلثة وهو موضع تحت السرة وفوق العانة وفي لفظ فندرته حتى خرجت من بين رجليه فأقبل نحوى فغلب فوقع فأمهلته حتى إذا مات جئته فاخذت حربتي ثم تنحيت إلى العسكر ولم يكن لي في شيء حاجة غيره
أي وفي لفظ آخر كان حمزة يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين وهو يقول أنا أسد الله فبينا هو كذلك إذ عثر عثرة وقع منها على ظهره فانكشفت الدرع عن بطنه فطعنه وحشي الحبشي بحربته
ثم لما قتل أصحاب لواء المشركين واحدا بعد واحد ولم يقدر أحد يدنو منه انهزم المشركون وولوا لا يلوون على شيء ونساؤهم يدعون بالويل بعد فرحهم وضربهم بالدفوف وألقين الدفوف وقصدن الجبل كاشفات سيقانهن يرفعن ثيابهن وتبع المسلمون المشركين يضعون فيهم السلاح وينتهبون الغنائم ففارقت الرماة محلهم الذي أمرهم صلى الله عليه وسلم أن لا يفارقوه ونهاهم أميرهم عبد الله بن جبير فقالوا له انهزم المشركون فما مقامنا ههنا وانطلقوا ينتهبون وثبت عبد الله بن جبير مكانه وثبت معه دون العشرة وقال لا أجاوز أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل من الرماة وقلة من به منهم فكر بالخيل ومعه عكرمة بن أبي جهل رضي الله تعالى عنهما
____________________

فإنهما أسلما بعد ذلك فحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم مع أميرهم عبد الله بن جبير أي ومثلوا به ومن كثرة طعنه بالرماح خرجت حشوته وأحاطوا بالمسلمين فبينما المسلمون قد شغلوا بالنهب والأسر إذ دخلت خيول المشركين تنادي فرسانها بشعارها يا للعزى يا لهبل ووضعوا السيوف في المسلمين وهم آمنون وتفرقت المسلمون في كل وجه وتركوا ما انتهبوا وخلوا من أسروا وانتفضت صفوف المسلمين واختلط المسلمون وصار يضرب بعضهم بعضا من غير شعار أي من غير أن يأتوا بما كانوا ينادون به في الحرب يتعارفون به في ظلمة الليل وعند الاختلاط وهو أمت أمت مما اصابهم من الدهش والحيرة ولم يزل لواء المشركين ملقى حتى أخذته عمرة بنت علقمة ورفعته لهم فلاثوا أي بالمثلثة استداروا به واجتمعوا عنده ونادى ابن قمئة بفتح القاف وكسر الميم وبعدها همزة إن محمدا قد قتل وقيل المنادي بذلك ابليس أي متمثلا بصورة جعال أو جعيل ابن سراقة وكان رجلا صالحا ممن أسلم قديما وكان من أهل الصفة قيل وهو الذي غير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه يوم الخندق وسماه عمرا كما سيأتي وسيأتي ما فيه
ثم إن الناس وثبوا على جعال ليقتلوه فتبرأ من ذلك القول وشهد له خوات بن جبير وأبو بردة بأن جعالا كان عندهما وبجنبهما حين صرخ ذلك الصارخ وقيل المنادي بذلك ازب العقبة قال ذلك ثلاث مرات أي لأنه لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صرخ الشيطان به قال هذا ازب العقبة بكسر الهمزة وسكون الزاي والازب القصير كما تقدم
وقد ذكر أن عبد الله بن الزبير رأى رجل طوله شبران على رحله فقال ما أنت قال ازب قال ما ازب قال رجل من الجن فضربه على رأسه بعود السوط حتى هرب أي ويجوز أن يكون ذلك صدر من الثلاثة وهم ابن قمئة وإبليس وإزب العقبة فرجعت الهزيمة على المسلمين أي وقال قائل يا عباد الله أخراكم أي احترزوا من جهة أخراكم فعطف المسلمون على أخراهم يقتل بعضهم بعضا وهم لا يشعرون وانهزمت طائفة منهم إلى جهة المدينة ولم يدخلوها وقال رجال من المسلمين حيث قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجعوا إلى قومكم يؤمنوكم وقال آخرون إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل أفلا تقاتلون على دين نبيكم وعلى ما كان عليه نبيكم حتى تلقوا الله شهداء
اي وفي الامتاع أن ثابت بن الدحداح قال يا معشر الأنصار إن كان محمد قد قتل فإن
____________________

الله حي لا يموت قاتلوا على دينكم فإن الله مظفركم وناصركم فنهض إليه نفر من الأنصار فحمل بهم على كتيبة فيها خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب فحمل عليه خالدبن الوليد بالرمح فقتله وقتل من كان معه من الأنصار رضي الله تعالى عنهم
وكان من جملة من انهزم عثمان بن عفان والوليد بن عقبة و خارجة بن زيد ورفاعة ابن معلى فاقاموا ثلاثة ايام ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبتم فيها عريضة وأنزل الله تعالى { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم } قال وقال جماعة ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي ليأخذ لنا أمانا من أبي سفيان يا قوم إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم وانهزمت طائفة منهم حتى دخلت المدينة فلقيتهم أم أيمن رضي الله تعالى عنها فجعلت تحثو التراب في وجوههم وتقول لبعضهم هاك المغزل فاغزل به وهلم سيفك آه أي اعطني سيفك أي فالمنهزمون في ذلك اليوم طائفتان طائفة لم تدخل المدينة وأخرى دخلتها وفيه أن أم أيمن كانت في الجيش تسقي الجرحى
أي فقد جاء أن حباب بن العرقة رمى بسهم فأصاب أم أيمن وكانت تسقي الجرحى فوقعت وتكشفت فإغرق عدو الله في الضحك فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع إلى سعد سهما لا نصل له وقال ارم به فوقع السهم في نحر حباب فوقع مستلقيا حتى بدت عورته فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال استقاد لها سعد أجاب الله دعوته أي وفي رواية اللهم استجب لسعد إذا دعاك فكان مجاب الدعوة وقد يقال لا منافاة بين كون أم أيمن كانت في الجيش وبين كونها كانت في المدينة لجواز أن تكون رجعت ذلك الوقت من الجيش إلى المدينة
وقال رجال أي من المنافقين لما قيل قد قتل محمد الذين بقوا ولم يذهبوا مع عبد الله ابن أبي ابن سلول لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا أي وقال بعضهم لو كان نبيا ما قتل فارجعوا إلى دينكم الأول وفي النهر أن فرقة قالوا نلقى إليهم بأيدينا فإنهم قومنا وبنو عمنا وهذا يدل على أن هذه الفرقة ليست من الأنصار بل من المهاجرين
____________________


قال وعن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه قال لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين اشتد علينا الخوف وأرسل علينا النوم فما منا أحد إلا وذقنه في صدره فوالله إني لأسمع كالحلم قول معتب بن قشير أي ويقال ابن بشير وكان ممن شهد العقبة لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا فحفظتها فأنزل الله تعالى في ذلك قوله { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا } الآية
وعن كعب بن عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال لقد رأيتني يومئذ في أربعة عشر من قومي إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصابنا النعاس أمنة منه أي لأنه لا ينعس إلا من يأمن ما منهم أحد إلا غط غطيطا حتى إن الحجف اي الدرق تتناطح ولقد رأيت سيف بشر بن البراء بن معرور سقط من يده وما يشعر وإن المشركين لتحثنا آه وتقدم في بدر أنه حصل لهم النعاس ليلة القتال لافيه على ما تقدم وتقدم أن النعاس في الصف من الإيمان وفي الصلاة من الشيطان
وثبت صلى الله عليه وسلم لما تفرقت عنه أصحابه وصاريقول إلي يا فلان إلي يا فلان أنا رسول الله فما يعرج إليه أحد والنبل يأتي إليه من كل ناحية والله يصرفه عنه
أي وفي الامتاع أنه صلى الله عليه وسلم قال ( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب أنا ابن العواتك ) فليتأمل فإن المحفوظ أنه إنما قال ذلك في حنين وإن كان لا مانع من التعدد
وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة أي من أصحابه منهم أبو طلحة فإنه استمر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يحوز عنه بحجفته وكان رجلا راميا شديد الرمي فنثركنانته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وصاريقول نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوقاء فلم يزل يرمي بها وكان الرجل يمر بالجعبة بضم الجيم من النبل فيقول صلى الله عليه وسلم انثرها لأبي طلحة أي وكسر ذلك اليوم قوسين أو ثلاثة وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرف أي ينظر إلى القوم وفي لفظ ليرى مواضع النبل فيقول له أبو طلحة يا نبي الله بأبي أنت وأمي لأتشرف يصبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك انتهى أي ويتطاول ابو طلحة بصدره يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

واستدل بذلك على ان من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يجب على كل مؤمن أن يؤثر حياته صلى الله عليه وسلم على حياته قال فلا خلاف أن هذا لا يجب لغيره وهذا المذكور عن أبي طلحة من قوله نحري دون نحرك نقله ابن المنير عن سعد بن أبي وقاص فقال ولهذا قال سعد يوم أحد نحري دون نحرك ولا زال صلى الله عليه وسلم يرمي عن قوسه أي المسماة بالكتوم لعدم تصويتها إذا رمى عنها حتى صارت شظايا أي ذهب منها قطع
وفي رواية رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها والسية ما انعطف من طرفي القوس اللذين هما محل الوتر قال وما زال صلى الله عليه وسلم يرمي عن قوسه حتى تقطع وتره وبقيت في يده منه قطعة تكون شبرا في سية القوس فأخذ القوس عكاشة بن محصن ليوتره له فقال يا رسول الله لا يبلغ الوتر فقال مده يبلغ قال عكاشة فوالذي بعثه بالحق لمددته حتى بلغ وطويت منه لفتين أو ثلاثا على سية القوس ورمى صلى الله عليه وسلم بالحجارة وكان أقرب الناس إلى القوم آه
اي وانكر الإمام ابو العباس بن تيمية كونه صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى صارت شظايا أي لانه يبعد وجود رميه صلى الله عليه وسلم من غير اصابة ولو أصاب أحدا لذكر لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله وقاتل جماعة من اصحابه منهم سعد بن أبي وقاص فإنه كان من الرماة المذكورين رمى بقوسه قال سعد لقد رأيته يعني النبي صلى الله عليه وسلم يناولني النبل ويقول ( ارم فداك أبي وأمي ) حتى إنه ليناولني السهم ما له نصل فيقول ارمي به وقد تقدم أنه رمى بسهم من تلك السهام التي لا نصل لها لمن رمى أم ايمن
قال وفي رواية عن سعد قال ( أجلسني رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامه فجعلت أرمي وأقول اللهم سهمك فارم به عدوك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم استجب لسعد اللهم سدد رميته وأجب دعوته حتى إذا فرغت من كنانتي نثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في كنانته ) آه أي فكان سعد مجاب الدعوة كما تقدم
ولما سعى أهل الكوفة به إلى سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه أرسل جماعة للكوفة يسألون عن حاله من أهل الكوفة فصاروا كلما سألوا عنه أحدا قال خيرا واثنى عليه
____________________

معروفا حتى سألوا رجلا يقال له أبو سعدة ذمه وقال لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية فلما بلغ سعدا ذلك قال اللهم إن كان كاذبا فأطل عمره وأدم فقره وأعمي بصره وعرضه للفتن فعمي وافتقر وكبر سنه وصار يتعرض للإماء في سكك الكوفة فإذا قيل له كيف أنت يا أبا سعدة يقول شيخ كبير فقير مفتون أصابتني دعوة سعد
قيل لسعد لم تستجاب دعوتك من دون الصحابة فقال ما رفعت إلي فمي لقمة إلا وأناأعلم من اين جاءت ومن اين خرجت أي لأنه جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ( تليت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا } فقام سعد بن أبي وقاص فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال والذي نفس محمد بيده إن العبد ليعقد اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما )
وقد جاء في الحديث من كان مأكله حراما ومشربه حراما وملبسه حراما فأنى يستجاب له فليتأمل هذا الجواب
وقد يقال مراد سعد بقوله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة أي ممن يأكل الحلال الطيب ويميز عند الأكل بين الحرام وبين غيره حتى أكون مستجاب الدعوة
ولعل المراد بالأكل ما يشمل الشرب ولعل السكوت عن اللبس لأنه نادر بالنسبة للأكل وجوابه صلى الله عليه وسلم بقوله والذي نفس محمد بيده تقرير لما فهمه سعد رضي الله تعالى عنه أن من يأكل غير الحلال لا يكون مستجاب الدعوة تأمل
والحق أن سبب استجابة دعوة سعد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك ولعله إنما لم يجب بذلك لمن سأله بقوله لم تستجاب دعوتك من بين الصحابة لأنه يجوز أن يكون دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك تأخر عن هذا فليتأمل وفي الشرف ان سعدا رضي الله تعالى عنه رمى يوم أحد ألف سهم ما منها سهم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له ارم فداك أبي وأمي ففداه في ذلك اليوم ألف مرة وعن علي كرم الله وجهه ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فداك أبي وأمي إلا لسعد رضي الله تعالى عنه وفي رواية فما جمع صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد إلا لسعد رضي الله تعالى عنه
____________________

قال في النور الرواية الأولى اصح لأنه أخبر فيها أنه لم يسمع أي لأنه حينئذ لا يخالف ما جاء عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع لأبيه الزبير رضي الله تعالى عنه بين أبويه أي قال له فداك أبي وأمي كسعد أي وفي ذلك في يوم الخندق حيث أتاه بخبر بني قريظة وكذا الرواية الثانية لا تخالف لأنها محمولة على سماعه
وعلى الأخذ بظاهرها وعدم حملها على ذلك يجاب بما قال في النور ظهر لي أن عليا كرم الله وجهه إنما أراد تفدية خاصة وهي ألف مرة أو في خصوص أحد
وكان صلى الله عليه وسلم يفتخر بسعده فيقول هذا سعد خالي فليرني امرؤ خاله لأن سعدا رضي الله تعالى عنه كان من بني زهرة وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم منهم كما تقدم أي وكان رضي الله تعالى عنه إذا غاب يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مالي لا ارى الصبيح المليح الفصيح
ولما كف بصره رضي الله تعالى عنه قيل له لو دعوت الله سبحانه أن يرد عليك بصرك فقال قضاء الله أحب إلي من بصري ولما حضرت الوفاة سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه دعا دع بخلق جبة من صوف فقال كفنوني فيها فإني كنت لقيت فيها المشركين يوم بدر وإنما كنت أخبؤها لهذا وممن كان مشهورا بالرماية سهيل بن حنيف رضي الله تعالى عنه وكان ممن ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم الذي هو يوم احد قال بعضهم وكان بايعه صلى الله عليه وسلم يومئذ على الموت فثبت معه صلى الله عليه وسلم حتى انكشف الناس عنه وجعل ينضح بالنبل يومئذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم نبلوا سهيلا أي أعطوه النبل
وجاء أن خاله صلى الله عليه وسلم وهوالأسود بن وهب بن عبد مناف بن زهرة استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا خالي ادخل فدخل فبسط له صلى الله عليه وسلم رداءه وقال اجلس عليه إن الخال والد يا خال من أسدى إليه معروف فلم يشكر فليذكر فإنه إذا ذكر فقد شكر وقال له ألا أنبئك بشيء عسى الله أن ينفعك به قال بلى قال إن أربى الربى استطالة المرء في عرض أخيه بغير حق
____________________


وعن أم عمارة المازنية رضي الله تعالى عنها أي وهي نسيبة بالتصغير على المشهور زوج زيد بن عاصم رضي الله تعالى عنه قالت خرجت يوم أحد لأنظر ما يصنع الناس ومعي سقاة فيه ما أسقي به الجرحى فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والربح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس حتى حصلت الجراحة إلي ورؤى على عاتقها جرح أجوف له غور فقيل لها من أصابك بهذا قالت ابن قمئة لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير فضربني هذه الضربة وضربته ضربات ولكن عدو الله كان عليه درعان
قال وفي كلام بعضهم خرجت نسيبة يوم أحد وزوجها زيد ابن عاصم وابناهما خبيب وعبد الله رضي الله تعالى عنهم وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمكم الله أهل البيت وفي رواية بارك الله فيكم أهل بيت قالت له أم عمارة رضي الله تعالى عنها ادع الله أن نرافقك في الجنة فقال اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة أي وعند ذلك قالت رضي الله تعالى عنها ما أبالي ما اصابني من أمر الدنيا
وقال صلى الله عليه وسلم في حقها ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا ورايتها تقاتل دوني آه أي وقد جرحت رضي الله تعالى عنها إثني عشر جرحا بين طعنة برمح أو ضربة بسيف وعبد الله ابنها رضي الله تعالى عنهما هو القاتل لمسيلمة الكذاب لعنه الله
فعنها رضي الله تعالى عنها قالت يوم اليمامة تقطعت يدي وأنا أريد قتل مسيلمة وما كان لي ناهية أي مانعة حتى رأيت الخبيث مقتولا وإذا ابني عبد الله بن زيد يمسح سيفه بثيابه فقلت أقتلته فقال نعم فسجدت لله شكرا
ولاينافيه ما اشتهر أن قاتله وحشي فعن وحشي رضي الله تعالى عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعد أن قدم عليه في وفد ثقيف واسلم كما سيأتي يا وحشي اخرج فقاتل في سبيل الله كما كنت تقاتل لتصد عن سبيل الله فلما كان خروج المسلمين لقات لقتال مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة لما ولى الصديق رضي الله تعالى عنه الخلافة وارتدت العرب خرجت معهم فأخذت حربتي فلما رايته تهيأت له وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى كلانا يريده وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها فوقعت فيه وشد
____________________

عليه الأنصاري فضربه بالسيف فربك أعلم اينا قتله له قال بعضهم والأنصاري هو عبد الله ابن زيد أي كما تقدم وقيل غيره
أي وفي كلام بعضهم اشترك في قتل مسيلمة الكذاب لعنه الله أبو دجانة وعبد الله بن زيد ووحشي رضي الله تعالى عنهم وفي تاريخ ابن كثير رحمه الله الاقتصار على وحشي وأبي دجانة
وقد يقال لا مخالفة لأن كلا من الرواة روى بحسب ما رأى وذكر ابن كثير أن ما يروي عن أبي دجانة رضي الله تعالى عنه من ذكر الحرز المنسوب إليه اسناده ضعيف لا يلتفت إليه
وقد نقل عن وحشي رضي الله تعالى عنه أنه قال قتلت بحربتي هذه خير الناس وشر الناس وكان عمر مسيلمة حين قتل مائة وخمسون سنة
وذكر أن أبا دجانة رضي الله تعالى عنه تترس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار يقع النبل على ظهره وهو منحن حتى كثر فيه النبل
وقاتل دونه صلى الله عليه وسلم زيادة بن عمارة حتى أثبتته الجراحه أي اصابت مقاتله فقال صلى الله عليه وسلم ادنوه مني فوسده قدمه الشريف فمات رضي الله عنه وخده على قدمه الشريف صلى الله عليه وسلم
وقاتل مصعب بن عمير رضي الله عنه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتله ابن قمئه لعنه الله وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع الى قريش فقال قتلت محمدا
وقيل القاتل لمصعب رضي الله عنه أبي بن خلف لعنه الله فإنه أقبل نحو النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول أين محمدا لا نجوت إن نجا فاستقبل مصعب بن عمير رضي الله عنه فقتل مصعبا فاعترضه رجال من المسلمين فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلوا طريقه أي فأقبل وهو يقول يا كذاب أين تفر وتناول النبي صلى الله عليه وسلم الحربة من بعض أصحابه أي وهو الحارث بن الصمة أو الزبير بن العوام على ما سيأتي فخدشه بها في عنقه خدشا غير كبير احتقن الدم أي لم يخرج بسبب ذلك الخدش فقال قتلني والله محمد فقالوا ذهب والله فؤادك أي وفي لفظ ذهب والله عقلك إنك لتأخذ السهام من أضلاعك فترمي بها فما هذا والله ما بك من بأس ما أخدعك إنما
____________________

هو خدش ولو كان هذا الذي بك بعين أحدنا ما ضره فقال واللات والعزى لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز أي السوق المعروف من جملة أسواق الجاهلية كان عند عرفه كما تقدم وفي لفظ لو كان بربيعه ومضر أي وفي لفظ بأهل الأرض لماتوا أجمعون إنه قد كان قال لي بمكة أنا أقتلك فوالله لو بصق علي لقتلني أي فضلا عن هذه الضربة لأنه كان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم في مكة يا محمد إن عندي العود يعني فرسا له أعلفه في كل يوم فرقا ( بفتح الراء ) هو مكيال معروف يسع اثني عشر مدا من ذرة أقتلك عليها فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا اقتلك إن شاء الله فحقق الله تعالى قول نبيه صلى الله عليه وسلم
هذا وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن أبي بن خلف قال حين افتدى أي من الأسر في ببدر والله إن عندي لفرسا أعلفها كل يوم فرقا من ذرة أقتل عليها محمدا فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بل أنا أقتله إن شاء الله
أقول يمكن الجمع بأنه تكرر ذلك من أبي لعنه الله ومن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم وفي رواية أبصر صلى الله عليه وسلم ترقوته بالفتح لا بالضم من فرجة من سابقة الدرع وهي ما يغطى به العنق من الدرع كما تقدم فطعنه طعنة أي كسر فيها ضلعا بكسر الضاد وفتح اللام وتسكينها من أضلاعه أي وهو المناسب لما في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم طعنه طعنة وقع فيها مرارا من على فرسه وجعل يخور كما يخور الثور إذا ذبح وإنه صلى الله عليه وسلم لما أخذ الحربة من الحارث بن الصمه وقيل من الزبير بن العوام رضي الله عنه إنتفض بها انتفاضة شديدة ثم استقبله فطعنه في عنقة
أقول ولا مخالفة بين كون الطعنه في عنقه وكونها في ترقوته لأن الترقوة في أصل العنق
ولا مخالفة أيضا بين كون الحاصل من الطعنة خدشا مع اعتنائه صلى الله عليه وسلم بالطعنة وناهيك بعزمه صلى الله عليه وسلم لأن كون الخدش في الظاهر أي بحسب ما يظهر للرئي والشدة في الباطن أقوى في النكاية ودليل وجود الشدة في الباطن وقوعه مرارا وكونه خار كالثور الذي يذبح وكون الطعن في العنق يفضي إلى كسر الضلع من خوارق العادات لكن رأيت في رواية أنه ضربه تحت إبطه فكسر ضلعا من أضلاعه
وقد يقال يجوز أن تكون الحربه نفذت من المكان المذكور قال في النور ولم يقتل
____________________

بيده الشريفه صلى الله عليه وسلم قط أحدا إلا أبي بن خلف لا قبل ولا بعد ثم مات عدو الله وهم قافلون به إلى مكة أي بسرف بفتح السين المهملة وكسر الراء وهو المناسب لوصفه لأنه مسرف وقيل ببطن رابغ
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال انى لأ سير ببطن رابغ بعد هدوء من الليل إذا نار تأجج لى لهبها وإذا رجل يخرج منها فى سلسلة يجتذب بها يصيح العطش ونادانى ياعبد الله فلا أدرى أعرف اسمى أو كما يقول الرجل لمن يجهل اسمه ياعبد الله فالتفت إليه فقال اسقنى فأردت أن أفعل وإذارجل وهو الموكل بعذابه يقول لاتسقه هذا قتيل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أبي بن خلف لعنه الله رواه البيهقي
ويدل لهذا ما جاء في الحديث كل من قتله نبي أو قتل بأمر نبي في زمنه يعذب من حين قتل إلى نفخ الصعقة وجاء أشد الناس عذابا من قتله نبي أي وفي رواية اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم فسحقا لأصحاب السعير وفي رواية اشتد غضب الله عز وجل على رجل قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم أكملهم لطفا ورفقا وسعة بعباد الله
وفي شرح التقريب احترز بقوله في سبيل الله عمن يقتله حدا أو قصاصا لأن من يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله كان قاصدا قتله صلى الله عليه وسلم وقد إتفق ذلك لأبي بن خلف لعنه الله وقد تقدم أن ابن مرزوق رحمه الله ذكر أن ابن عمر مر ببدر فإذا رجل يعذب ويئن فناداه يا عبدالله فالتفت إليه فقال اسقني فأردت أن أفعل فقال الأسود الموكل بتعذيبه لا تفعل يا عبدالله فإن هذا من المشركين الذين قتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أى أصحابه رواه الطبراني في الأوسط ولابعد في تعدد الواقعة
ثم رأيت في الخصائص الكبرى ما يقتضى التعدد فإنه ذكر فيها ان ابن عمر رضي الله عنهما ذكر ذلك أى مرور ببدر للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه صلى الله عليه وسلم قال له ذلك أبو جهل وذلك عذابه إلى يوم القيامة وقد ذكرت ذلك في الكلام على غزوة بدر
ووقع صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي حفرت للمسلمين أى التى حفرها أبو عامر الفاسق والد حنظلة غسيل الملا ئكة رضى الله عنه واسم أبي عامر عبد عمرو مات كافرا بأرض الروم فر إليها لما فتحت مكة ليقعوا فيها وهم لا يعلمون فأغمى
____________________

عليه صلى الله عليه وسلم وجحشت أى خدشت ركبتاه فأخذ علي كرم الله وجهه بيده ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما
وكان سبب وقوعه صلى الله عليه وسلم أن ابن قمئة لعنه الله علاه صلى الله عليه وسلم بالسيف فلم يؤثر فيه السيف إلا أن ثقل السيف أثر في عاتقه الشريف فشكا صلى الله عليه وسلم منه شهرا أو أكثر وقذف صلى الله عليه وسلم بالحجارة حتى وقع لشقه ورماه صلى الله عليه وسلم عتبة بن أبي وقاص أ أخو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بحجر فكسر رباعيته اليمنى السفلى وشق شفته السفلى أى ودعا عليه صلى الله عليه وسلم بقوله اللهم لا يحول عليه الحول حتى يموت كافرا وقد استجاب الله تعالى ذلك وقتله في ذلك اليوم حاطب بن ابي بلتعة رضي الله عنه
قال حاطب لما رأيت ما فعل عتبة برسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أين توجه عتبة فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى حيث توجه فمضيت حتى ظفرت به فضربته بالسيف فطرحت راسه فنزلت وأخذت فرسه وسيفه وجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي رضي الله عنك رضي الله عنك مرتين أى ولا يخالف هذا قول بعضهم فمات بعد قليل لكن يخالف القول بانه مات بعد ان أسلم بعد الفتح وانه اثبت ولم يولد لعتبة ولد أو ولد ولد إلا هو اهتم اى ساقط مقدم اسنانه اى التي هي الرباعيات أبخر يعرف ذلك في عقبه وكسرت البيضة اى الخوذة على رأسه صلى الله عليه وسلم وشج وجهه الشريف شجه عبدالله بن شهاب الزهري رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك وهو جد الإمام الزهري رحمه الله ويجوز أن يكون من قبل أمه أى ويقال له عبدالله الأصغر اى ولعل هذا حصل منه اقبل او بعد قوله دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف إلى جنبه ما معه أحد ثم جاوزه فعاتبه في ذلك صفوان فقال والله ما رأيته أحلف بالله إنه منا ممنوع
وجد الأمام الزهرى من قبل ابيه يقال له عبدالله بن شهاب ويقال له عبدالله الأكبر رضي الله عنه كان من مهاجري الحبشة توفي بمكة قبل الهجرة وأشار صاحب الهمزية رحمه الله إلي أن هذه الشجة لم تشنه صلى الله عليه وسلم بل زادته جمالا بقوله ** مظهر شجة الجبين على البر ** ءكما أظهر الهلال البراء ** ستر الحسن منه بالحسن فاعجب ** لجمال له الجمال وقاء ** فهو كالزهرلاح من سجف الأك ** مام والعود شق عنه اللحاء **
____________________


أي مظهر وجهه الشريف اثر جرح جبينه اى جبهته مع برئها ظهورا كظهور الهلال ليلة استهلاله ستر ذلك الوجه الحسن الأصلي بالحسن العارض بسبب ذلك الجرح فاعجب لجمال أصلي له الجمال العارض وقاية وساتر فهو أى ما ظهر بذلك الجرح كالزهر إذا ظهر من ستره وكالعودالذي يتطيب به إذا أزيل عنه قشره وقال حسان رضي الله عنه في وصف جبينه الشريف صلى الله عليه وسلم
** متى بيد في الداجي البهيم جبينه ** يلح مثل مصباح الدجى المتوقد ** وجرحت وجناته صلى الله عليه وسلم بسبب دخول حلقتين من المغفر في وجنتيه بضربة من ابن قمئة لعنه الله وقال له لما ضربه خذها وأنا ابن قمئة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أقمأك الله عز وجل اي أصغرك وأذلك وقد استجاب الله فيه دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم فإنه بعد الوقعة خرج إلى غنمه فوافاها على ذروة الجبل اى أعلى الجبل فأخذ يعترضها فشد عليه كبشها فنطحه نطحة أرداه من شاهق الجبل فتقطع وفي رواية فسلط الله عليه تيس جبل فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة
أقول ويمكن الجمع بانه لما نطحه ذلك الكبش ووقع من شاهق الجبل إلى أسفل سلط الله عليه عند ذلك تيس الجبل فنطحه حتى قطعه قطعا زيادة في نكاله وخزيه ووباله لعنه الله عليه والله اعلم
ولما جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم صار الدم يسيل على وجه الشريف وجعل صلى الله عليه وسلم يمسح الدم وفي لفظ ينشف دمه وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم أى وفي رواية اشتد غضب الله علي قوم أدموا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعال { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون } أى وفي رواية صار صلى الله عليه وسلم يقول اللهم العن فلانا وفلانا أي اللهم العن أبا سفيان اللهم العن الحارث بن هشام اللهم العن سهيل بن عمرو اللهم العن صفوان بن أمية فأنزل الله تعالى الآية
فإن قيل كيف هذا مع قوله تعالى { والله يعصمك من الناس } أجيب بان هذه الأية نزلت بعد احد
وعلى تسليم أنها نزلت قبله فالمراد عصمته من القتل قال الشيخ محي الدين ابن العربي رحمه الله لا يخفى أن أجر كل نبي في التبليغ يكون على قدر ما ناله من المشقة
____________________

الحاصلة له من المخالفين له وعلى قدر ما يقاسيه منهم وله أجر الهداية لمن أطاعه ولا احد أكثر أجرا من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لم يتفق لنبي من الأنبياء ما اتفق له صلى الله عليه وسلم في كثير من طائعي أمة أجابته ولا في كثير عصاة أمة دعوته الخارجين عن الأجابة
وامتص مالك بن سنان الخدري وهو والدابي سعيد الخدري رضي الله عنهما دم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ازدرده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مس د دمي دمه لم تصبه النار
وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم قال من أراد أن ينظر إلى رجل من اهل الجنة فلينظر إلى هذا وأشار إليه فاستشهد في هذه الغزاة وفي لفظ من سره ان ينظر إلى من لا تمسه النار فلينظر إلي مالك بن سنان رضي الله عنه ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم أمر هذا الذي امتص دمه بغسل فمه ولأأنه غسل فمه من ذلك كما لم ينقل انه أمر حاضنته أم أيمن بركة الحبشية رضي الله عنها بغسل فمها ولا هي غسلته من ذلك لما شربت بوله صلى الله عليه وسلم
فعنها رضي الله عنهما انها قالت قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل إلى فخارة أى تحت سريره فبال فيها فقمت وانا عطشى فشربت ما في الفخارة وأنا لا أشعر فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم قال يا أم أيمن قومي إلى تلك الفخارة فأهريقي ما فيها فقالت والله لقد شربت ما فيها فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال لا يجفر بالجيم والفاء بطنك بعده أبدا وفي لفظ لا تلج النار بطنك وفي أخرى لا تشتكي بطنك اي ويجوز انه صلى الله عليه وسلم قال هذه الألفاظ الثلاثة وكل روى بحسب ما سمع منها فتكون هذه الأمور الثلاثة تحصل لأم أيمن رضي الله عنها وفي رواية بدل فخارة إناء من عيدان بالفتح الطوال من النخل فإن صحا حملا على التعدد لأم أيمن رضي الله عنها ولا مانع منه
وقد شرب بوله صلى الله عليه وسلم ايضا أمراة يقال لها بركة بنت ثعلبة بن عمرو كانت تخدم ام حبيبة رضي الله عنها جاءت معها من الحبشة أى ومن ثم قيل لها بركة الحبشية
وفي كلام ابن الجوزي بركة بنت يسار مولاة ابي سفيان الحبشية خادمة أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هذا كلامه
____________________

ولا مخالفة لأنه يجوز أن يكون يسار لقبه ثعلبة وكانت معها في الحبشة ثم قدمت معها مكة كانت تكنى بأم يوسف فقال صلى الله عليه وسلم حين علم أنها شربت ذلك صحة يا أم يوسف فما مرضت قط حتى كان مرضها الذي ماتت فيه
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لها لقد احتظرت من النار بحظار وشرب دمه صلى الله عليه وسلم أيضا أبو طيبة الحجام وعلي كرم الله وجهه وكذا عبدالله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما
فعن عبدالله بن الزبير قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم فلما فرغ قال يا عبدالله اذهب بهذا الدم فأهرقه حتى لا يراك أحد قال فشربته فلما رجعت قال يا عبدالله ما صنعت قلت جعلته في أخفى مكان علمت أنه يخفى على الناس قال لعلك شربته قلت نعم قال ويل للناس منك وويل لك من الناس وكان بسبب ذلك على غاية من الشجاعة
ولما وفد أخوه شقيقه عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة من المدينة على عبدالملك بن مروان قال له يوما ما أريد أن تعطيني سيف أخي عبدالله فقال له عبدالملك هو بين السيوف ولا أميزه فقال له عروة إذا حضرت السيوف ميزته أنا فأمر عبد الملك بإحضارها فلما أحضرت أخذ منها سيفا مفلل الحد وقال هذا سيف أخي فقال له عبد الملك كنت تعرفه قبل الآن قال لا فقال كيف عرفته قال بقول النابغة الذبياني ** ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ** بهن فلول من قراع الكتائب **
وأخذ من ذلك بعض أئمتنا طهارة فضلاته صلى الله عليه وسلم حيث لم يأمره بغسل فمه ولم يغسل هو فمه وأن شربه جائز حيث أقر على شربه
وما أورده في الإستيعاب أن رجلا من الصحابة اسمه سالم حجمه صلى الله عليه وسلم ثم ازدرد دمه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أما علمت أن الدم كله حرام أي شربه غير صحيح فقد قال بعضهم هو حديث لا يعرف له إسناد فلا يعارض ما قبله على أنه يمكن أن يكون ذلك سابقا على إقراره على ذلك والله أعلم
ونزع أبو عبيدة عامر بن عبدالله الجراج رضي الله تعالى عنه إحدى الحلقتين من وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت ثنية أبي عبيدة ثم نزع الأخرى فسقطت ثنيته الأخرى
____________________


وقيل الذي نزعهما عقبة بن وهب بن كلدة وقيل طلحة بن عبيد الله ولعل الثلاثة عالجوا إخراجها وكان أشدهم لذلك ابو عبيدة رضي الله عنه
قال بعضهم ولما سقط مقدم أسنان أبي عبيدة صار أهتم ولم يرقط اهتم أحسن من أبي عبيدة لأن ذلك الهتم حسن فاه
وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وقول القائل قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك قال عرفت عينيه تزهران اي تضيئان وتتوقدان من تحت المغفر وهو ما يجعل علي الراس من الزرد فناديت بأعلى صوتي يا معشر المسلمين ابشرو هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلي أن أنصت
وعن بعض الصحابة قال لما صرخ الشيطان قتل محمد لم يشك في أنه حق وما زلنا كذلك حتي طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين السعديين فعرفناه بتكفيه إذا مشي ففرحنا حتى كأنه لم يصبنا ما أصابنا فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به ونهزظ معهم نحو الشعب فيهم أبو بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير والحارث ابن الصمة رضي الله تعالى عنهم
وفي خصائص العشرة للزمخشري وثبت يعني الزبير رضي الله تعالى عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبايعه على الموت هذا كلامه فليتأمل
وقول بعض الرافضة انهزم الناس كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ممنوع وقوله وتعجبت الملائكة من شأن علي وقول جبريل عليه السلام وهو يعرج إلى السماء لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي قوله وقتل علي كرم الله وجهه أكثر المشركين في هذه الغزوة فكان الفتح فيها على يديه وقال أصابتني يوم أحد ست عشرة ضربة سقطت إلى الأرض في اربع منهن فجاءني رجل حسن الوجه حسن اللحية طيب الريح وأخذ بضبعي فأقامني ثم قال أقبل عليهم فقاتل في طاعة الله وطاعة رسول الله فإنهما عنك راضيان
ولما أخربت النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا علي أما تعرف الرجل فقلت لا ولكن شبهته بدحية الكلبي فقال صلى الله عليه وسلم يا علي أقر الله عينك فإنه جبريل عليه السلام جميعه رده الإمام أبو العباس بن تيمية بأنه كذب باتفاق الناس وبين ذلك بما يطول
____________________


قال وأقبل عثمان بن عبد الله بن المغيرة على فرس أبلق وعليه لامة كاملة قاصدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوجه للشعب وهو يقول لا نجوت إن نجا فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعثر بعثمان فرسه في بعض تلك الحفر ومشى إليه الحارث بن الصمة رضي الله تعالى عنه فاصطدما ساعة بسيفهما ثم ضربه الحارث على رجله فبرك ودفف عليه وأخذ درعه ومغفرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي أحانه أي أهلكه
وأقبل عبيد الله بن جابر العامري يعدو فضرب الحارث على عاتقه فجرحه فاحتمله أصحابه ووثب أبو دجانة رضي الله تعالى عنه إلى عبيد الله فذبحه بالسيف ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حتى ملأ درقته ماء وغسل به صلى الله عليه وسلم عن وجهه الشريف الدم وهو يقول اشتد غضب الله علي من أدمي وجه نبيه أي والسياق يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك ايضا بعد قوله كيف يفلح قوما خضبوا وجه نبيهم ونزول تلك الآية فإن ذلك كان قبل غسل وجهه الشريف
ثم قال اراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلو الصخرة التي في الشعب فلما ذهب ينهض لم يستطع أي لأنه صلى الله عليه وسلم ضعف من كثرة ما خرج من دم رأسه الشريف وجهه مع كونه صلى الله عليه وسلم عليه درعان فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب طلحة أي فعل شيئا ستوجب به الجنة حين صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع انتهى
أي وقيل أن طلحة ى رضي الله تعالى عنه كان في مشيه اختلاف لعرج كان به فلما حمل النبي صلى الله عليه وسلم تكلف استقامة المشي لئلا يشق عليه صلى الله عليه وسلم فذهب عرجه ولم يعد إليه
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم انطلق حتى أتى اصحاب الصخرة أي الجماعة الذين من الصحابة الذين علوا الصخرة أي التي في الشعب فلما رأوه وضع رجل سهما في قوسه واراد أن يرميه فقال صلى الله عليه وسلم أنا رسول الله ففرحوا بذلك وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وجد في أصحابه من يمنع أي ولعل هذا الذي أراد رميه صلى الله عليه وسلم لم يعرفه ولا من معه من الصحابة لارتفاع الصخرة
____________________


قال وعطش صلى الله عليه وسلم عطشا شديدا أي ولم يشرب من الماء الذي جاء به علي كرم الله وجهه في درقته أنه صلى الله عليه وسلم وجدله ريحا فعافه أي كرهه فخرج محمد بن مسلم رضي الله تعالى عنه يطلب له ماء فلم يجد فذهب إلى مياه فأتى منها بماء عذب فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له بخير
وفي بعض الروايات أن نساء المدينة خرجن وفيهن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم فلما لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتنقته وجعلت تغسل جراحاته وعلى كرم الله وجهه يسكب الماء فتزايد الدم فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير أي معمول من البردى فأحرقته بالنار حتى فصار رمادا فأخذت ذلك الرماد وكمدته حتى لصق بالجرح فاستمسك الدم انتهى أي لأن البرد له فعل قوي في حبس الدم لأن فيه تجفيفا قويا
وفي حديث غريب أنه صلى الله عليه وسلم داوى جرحه بعظم بال أي محرق
وقد يقال يجوز أن يكون الراوي ظن ذلك البردى المحرق عظما محرقا بناء على صحة تلك الرواية وعن وضع هذا الرماد الحار عبر بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم اكتوى في وجهه وجعله معارضا للحديث الصحيح في وصف السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة من غير حساب بأنهم لا يكتوون
وعارضه أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ مرتين ليرقأ اي ينقطع الدم من جرحه وكوى أسعد بن زرارة رضي الله تعالى عنه لمرض الذبحة
ففي كلام بعضهم كان موت أسعد بن زرارة رضي الله تعالى عنه بمرض يقال له الذبحة فكواه النبي صلى الله عليه وسلم وقال بئس الميتة لليهود يقولون أفلا دفع عن صاحبه وما أملك له ولا لنفسي شيئا
وأجيب بأن هذا الحديث محمول على من اكتوى خوفا من حدوث الداء أو لأنهم كانوا يعظمون أمره ويرون أنه يقطع الداء وإذا لم يكوى العضو عطب وبطل وهو محمل قوله صلى الله عليه وسلم لم يتوكل من اكتوى أو على من يفعل مع قيام غيره من الأدوية مقامه
ومحمل ما في الخصائص الكبرى أن الملائكة كانت تصافح عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه وتسلم عليه من جانب بيته ثلاثين سنة حتى اكتوى اي لبواسير كانت به فكان يصبر
____________________

على ألمها فلما ترك الكي عادت الملائكة إلى سلامها عليه لأن ذلك قادح في التوكل
وما في البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الشفاء في ثلاثة شربة عسل شرطة محجم وكية نار وأنا أنهى أمتي عن الكي وفي رواية وما أحب أن أكتوي اي النهي للتنزيه لا للتحريم وإلا لم يفعله عمران مع علمه بالنهي
قال في الهدى وأراد صلى الله عليه وسلم بقوله وأنا أنهى إلى آخره أي أنه لا يؤتى بالكي إلا إذا لم ينجع الدواء فلا يأتي به أولا ومن ثم آخره
قيل والفصد داخل في شرطة المحجم والحجامة في البلاد الحارة أنفع من الفصد هذا كلامه
وبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب مع اولئك النفر من أصحابه إذا علت طائفة من قريش الجبل معهم خالد بن الوليد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إنهم لا ينبغي لهم أن يعلونا اللهم لا قوة لنا إلا بك فقاتلهم عمر بن الخطاب وجماعة من المهاجرين حتى أهبطوا من ا لجبل أي ونزل قوله تعالى { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون } في لا تضعفوا عن الحرب ولا تحزنوا على ما فاتكم من الظفر بالكفار
وللعل هذا كان قبل أن يعلو صلى الله عليه وسلم الصخرة كما تقدم أو لعل الجبل كان اعلى من تلك الصخرة
قال وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم قال لسعد ارددهم قال كيف أردهم وحدي فقال له ارددهم قال سعد رضي الله تعالى عنه فأخذت سهما من كنانتي فرميت به رجلا منهم فقتلته ثم أخذت سهما فإذا هو سهمي الذي رميت به آخر فقتلته ثم أخذت سهما آخر فإذا هو سهمي الذي رميت به فرميت به آخر فقتلته ثم أخذت سهما فإذا هو سهمي الذي رميت به فرميت به آخر فقتلته فهبطوا من مكانهم فقلت هذا سهم مبارك فكان عندي في كنانتي لا يفارق كنانتي وكان بعده عند بنيه انتهى
أي وحينئذ يحتاج إلى الجمع بين هذا أي كون سعد ردهم وحده بهذا السهم وما قبله الدال على أن الراد لهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وجماعة من المهاجرين
روى عنه أنه قال لقد رأيتني أرمي بالسهم يوم أحد فيرده على رجل أبيض حسن
____________________

الوجه لا اعرفه حتى كان بعد أي حتى بعد انقضاء الحرب لم أعرفه فظننت أنه ملك أي وفي رواية عنه أنه قال رميت بسهم فرده علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهمي أعرفه حتى واليت بين ثمانية أو تسعة كل ذلك يرده علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت هذا سهم دم أي يصيب فجعلته في كنانتي لا يفارقني
أقول ولا منافاة بين هذا وبين قوله ثم أخذت سهما لان قوله المذكور لا ينافي أن يكون أخذه بمناولته صلى الله عليه وسلم لا من كنانته كما قد يتبادر ولا بين قوله فيرده علي رجل أبيض حسن الوجه لا أعرفه لأنه يجوز أن يكون ذلك الرجل كان يرد السهام التي كان يرمى بها حتى لا تفنى سهامه إلا هذا السهم فإنه لم يرده له بل يناوله له رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرده عليه ولا منافاة بين قوله حتى وليت بين ثمانية أو تسعة وبين إخباره بقوله ثم أخذت سهما إلى أن عدد خمس مرات لأنه يجوز أن تكون تلك الخمسة قتل فيها وفيما زاد لم يقتل بل جرح فليتأمل والله أعلم
وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر ذلك اليوم وهو جالس من الجراحة التي أصابته وصلى المسلمون خلفه قعودا أي ولعل ذلك كان بعد انصراف عدوهم وإنما صلى المسلمون خلفه صلى الله عليه وسلم قعودا موافقة له صلى الله عليه وسلم وقد نسخ ذلك
أو أن من صلى قاعدا إنما هو لما اصابهم من الجراح وكانوا هم الأغلب فقيل صلى المسلمون خلفه قعودا فقد جاء أنه وجد بطلحة رضي الله تعالى عنه نيف وسبعون جراحه من طعنة وضربة ورمية وقطعت أصبعه وفي رواية أنامله وعند ذلك قال حسن فقال له صلى الله عليه وسلم لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة عليهم السلام والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جو السماء زاد في لفظ ولرايت بناءك الذي بنى الله لك في الجنة وأنت في الدنيا
وفي البخاري عن قيس ابن أبي حازم قال رأيت يد طلحة بن عبيد الله شلاء وقي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أي من سهم وقيل من حربة ونزف به الدم حتى غشي عليه ونضح أبو بكر رضي الله تعالى عنه الماء في وجهه حتى افاق فقال ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر هو بخير وهو أرسلني إليك فقال الحمد لله كل مصيبة بعده جلل أي قليلة
____________________


وكان يقال لطلحة رضي الله تعالى عنه الفياض سماه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة العشيرة كما تقدم وسماه طلحة الجود في أحد لأنه أنفق في أحد سبعمائة ألف درهم وسماه في أحد ايضا طلحة الخير
وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أصيب فوه فهتم وجرح عشرين جراحة قال وفي رواية عشرين جراحة فأكثر وجرح في رجله فكان يعرج منها
وأصاب كعب ابن مالك رضي الله تعالى عنه سبعة عشر جراحه وفي رواية عشرون جراحه قال عاصم ابن عمر ابن قتادة كان عندنا رجل غريب لا ندري ممن هو أي يظهر الإسلام يقال له قزمان وكان ذا بأس وقوة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر يقول إنه لمن أهل النار فلما كان يوم أحد قاتل قزمان قتالا شديدا أي فكان أول من رمى من المسلمين بسهم وكان يرمي النبال كأنها الرمال ثم فعل بالسيف الأفاعيل فكان يكت كتيت الجمل وقتل ثمانية أو تسعة من المشركين ولما أخبر صلى الله عليه وسلم بذلك قال إنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك وأثبتته الجراحه فاحتمل إلى دار بني ظفر لأنه كان حليفا لهم فجعل رجال من المسلمين يقولون والله لقد ابتليت اليوم يا قزمان فأبشر فيقول بماذا ابشر فوالله ما قاتلت إلا على أحساب قومي أي على شرفهم ومفاخرهم أي مناصرة لهم ولولا ذلك ما قاتلت أي فلم يقاتل لإعلاء كلمة الله ورسوله وقهر اعدائهما
أي وفي رواية أن قتادة رضي الله تعالى عنه قال له هنيئا لك الشهادة يا أبا الغيداق فقال إني والله ما قاتلت يا أبا عمرو على دين ما قاتلت إلا على الحفاظ أن تسير إلينا قريش حتى تطأ أرضنا فلما اشتدت عليه الجراحه أخذ سهما من كنانته فقتل به نفسه أي قطع به عروقا في باطن الذراع يقال لها الزواهق أي وفي رواية فجعل ذباب سيفه في صدره أي بين ثدييه كما في رواية ثم تحامل عليه حتى قتل نفسه قال في النور وهو الصحيح ولا مانع أن يكون فعل كلا من الامرين أي وعند ذلك جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وما ذاك قال الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أصحاب النار فعل كذا وكذا
وقد جاء سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقاتل
____________________

لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله فنص عليه وحينئذ قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة
ففيه اشارة إلى أن باطن الامر قد يكون بخلاف ظاهره وقال صلى الله عليه وسلم إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر أي وقد أشار إلى هذا الإمام السبكي رحمه الله تعالى في تائيته بقوله ** وقلت لشخص يدعي الدين إنه ** بنار فالقى نفسه للمنية **
هذا وفي كلام ابن الجوزي عن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه قال شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدعي الإسلام هذا من أهل النار فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة فقيل يا رسول الله الرجل الذي قلت إنه من أهل النار فإنه قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم كما قال إلى النار ثم قيل إنه لم يمت ولكن به جراحة شديدة فلما كان من الليل لم يصبر على الجراحة فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله فأمر بلالا فنادى في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلم وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وهذا الرجل اسمه قزمان من المنافقين هذا كلامه فليتأمل فإن تعدد الشخص بهذا الاسم فيه بعد ولعل ذكر خيبر بدل أحد اشتباه من الراوي وقوله صلى الله عليه وسلم إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر عام فيدخل فيه كل من الملك والعالم الذي جعل تسليكه وتعليمه مصيدة للدنيا وأكل الحرام فإن الله يحيي بهما قلوبا ويهدي بهما إلى سواء السبيل مع أنهما فاجران
وقتل الأصيرم أصيرم بني عبد الأشهل قال بعضهم كان الأصيرم يأبى الإسلام على قومه بني عبد الأشهل فلما كان يوم خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد جاء إلى المدينة فسأل عن قومه فقيل له بأحد فبدا له في الإسلام أي رغب فيه فأسلم ثم أخذ سيفه ورمحه ولأمته وركب فرسه فغدا بالغين المعجمة حتى دخل في عرض الناس أي بضم العين المهملة وبالضاء المعجمة جانبهم وناحيتهم فقاتل حتى أثبتته الجراحة أصابت مقاتله فبينما رجال من بني عبد الاشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به فقالوا والله إن هذا الأصيرم فسألوه ما جاء بك مناصرة لقومك أم رغبة في الإسلام
____________________

فقال بل رغبة في الإسلام آمنت بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم ثم جئت وقاتلت حتى اصابني ما أصابني ثم لم يلبث أن مات في ايديهم فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه لمن أهل الجنة وكان أبو هريرة يقول حدثني عن رجل دخل الجنة ولم يصل يعني الأصيرم ويصدق على هذا قوله عليه الصلاة والسلام وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار الحديث
أي وممن يدخل الجنة ولم يصل الأسود الراعي لبعض يهود خيبر الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله أعرض علي الإسلام فعرضه عليه فأسلم ثم تقدم ليقاتل فأصابه حجر فقتله وما صلى صلاة قط كما سيأتي في غزاة خيبر
وقتل حنظلة بن أبي عامر الفاسق رضي الله تعالى عنه وأبو عامر هذا هو الذي كان يسمى في الجاهلية الراهب فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق كما تقدم وكان هو وعبد الله بن أبي بن سلول من رؤوس أهل المدينة وعظمائها المتوجين للرياسة على أهلها
وكان أبو عامر من الاوس ويقال له ابن صيفي وكان عبد الله من الخزرج فعبد الله بن أبي أظهر الإسلام وأما ابو عامر فأصر على الكفر إلى ان مات طريدا وحيدا إجابة لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث دعا عليه بذلك وإلى ذلك أشار الإمام السبكي رحمه الله في تائيته بقوله ** ومات ابن صيفي على الصفة التي ** ذكرت وحيدا بعد طرد وغربة **
وقد كان أبو عامر هذا خرج من المدينة مباعدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه خمسون غلاما وقيل خمسة عشر من قومه من الأوس فلحق بمكة وكان يعد قريشا أنه لو لقي قومه أي الأوس لم يختلف عليه منهم رجلان فلما جاء مع قريش نادى يا معشر الأوس أنا أبو عامر وقالوا له لا انعم الله بك عينا يا فاسق أي وفي لفظ قالوا له لا مرحبا بك ولا أهلا يا فاسق ولا مانع من صدور الأمرين منهم فلما سمع ردهم عليه قال لعنه الله لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتل قتالا شديدا وهو الذي حفر الحفائر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون التي وقع في إحداها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم أي وكان هو أول من اثار الحرب وضرب بأسهم في وجوه المسلمين واستأذن ولده حنظلة رضي الله تعالى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله فنهاه عن قتله
____________________

وسبب قتل حنظلة رضي الله تعالى عنه أن حنظلة ضرب فرس أبي سفيان فوقع على الأرض فصاح وعلاه حنظلة رضي الله تعالى عنه يريد ذبحه فرآه شداد بن الأوس كذا في الأصل قيل وصوابه شداد بن الاسود فحمل عليه فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صاحبكم يعني حنظلة لتغسله الملائكة أي وفي رواية رأيت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضة فسئلت صاحبته أي زوجته وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين أخت ولده عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقالت خرج جنبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك غسلته الملائكة فأنه دخل عليها عروسا تلك الليلة التي صبيحتها أحد وقد كان استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أي في الدخول بها فلما صلى الصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلزمته فكان معها فأجنب منها ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى العدو فعجل عن الغسل إجابة للداعي
وفي رواية أنما قالت خرج وهو جنب حين سمع الهاتفه أي الصياح بالخروج للعدو وفي لفظ الهائعة وفي لفظ الهيعة من الهياع وهو الصياح الذي فيه فزع وقد جاء في الحديث خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه فلما سمع هيعة طار إليها
وفي رواية وقد كان غسل أحد شقيه فخرج ولم يغسل الشق الآخر وقد رأت هي تلك الليلة أن السماء قد فرجت فدخل فيها ثم أطبقت وجاءأنها أشهدت أربعة من قومها عليه بالدخول بها خشية أن يكون في ذلك نزاع قالت لأني رايت السماء فرجت فدخل فيها ثم أطبقت فقلت هذه الشهادة وعلقت منه بعبد الله بن حنظلة رضي الله تعالى عنه في تلك الليلة وعبد الله هذا هو الذي ولاه أهل المدينة عليهم لما خلعوا يزيد بن معاوية وكان ذلك سببا لوقعة الحرة ولم تمثل قريش بحنظلة رضي الله تعالى عنه لكون والده معهم الذي هو أبو عامرالراهب لعنه الله
وفي الإمتاع وجعل أبو قتادة الأنصاري يريد التمثيل من قريش لما رأى من المثلة بالمسلمين فقال له صلى الله عليه وسلم يا أنا قتادة إن قريشا أهل أمانة من بغاهم العواثر أكبه الله تعالى إلى فيه وعسى إن طالت بك مدة أن تحقر عملك مع أعمالهم وفعالك مع فعالهم لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله فقال أبو قتادة والله يا رسول الله ما غضبت إلالله ورسوله فقال صدقت بئس القوم كانوا لنبيهم قال وجاء
____________________

أنه صلى الله عليه وسلم هم أن يدعو عليهم فنزلت الآية المذكورة أي { ليس لك من الأمر شيء } فكف عن الدعاء عليهم أي وفيه أنها نزلت بعد قوله اللهم العن فلانا وفلانا إلى آخرما تقدم عن بعض الروايات إلا أن يقال أراد صلى الله عليه وسلم المداومة على الدعاء عليهم وعن أبي سعيد الساعدي قال ذهبنا إلى حنظلة رضي الله تعالى عنه فإذا رأسه يقطر ماء انتهى
أي فعلم أنه لا منافاة بين كونه صلى الله عليه وسلم دعا عليهم وبين كونه هم بالدعاء عليهم لأنه يجوز أن يكون المراد هم بتكرير الدعاء عليهم وفي البخاري ومسلم والنسائي عن جاء رضي الله تعالى عنه قال قال رجل يوم أحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن قتلت فاين انا قال في الجنة فألقى تمرات كن في يده فقاتل حتى قتل قال في طرح التثريب قال الخطيب كانت هذه القصة يوم بدر لا يوم أحد فأشار إلى تضعيف رواية الصحيحين التي فيها يوم أحد ولا توجيه لذلك بل التضعيف تفسير هذه بهذه أي جعلهما قصة واحدة وكل منهما صحيحة وهما قصتان لشخصين هذا كلامه وقد تقدم في غزاة بدر الحوالة على هذا فليتأمل أي وأقبل رجل من المشركين مقنعا بالحديد يقول أنا ابن عويف فتلقاه رشيد الأنصاري الفارسي فضربه على عاتقه فقطع الدرع وقال خذها وأنا الغلام الفارسي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرى ذلك ويسمعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلا قلت خذها وأنا الغلام الأنصاري فعرض لرشيد أخو ذلك المقتول بعد وكأنه كلب وهو يقول أنا ابن عويف فضربه رشيد على رأسه وعليه المغفر ففلق رأسه وقال خذها وأنا الغلام الأنصاري فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أحسنت ] يا أبا عبد الله وكان يومئذ لا ولد له
وقتل عمرو بن الجموح رضي الله تعالى عنه وكان أعرج شديد العرج وكان له بنون أربعة مثل الاسد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد فلما كان يوم أحد ارادوا حبسه وقالوا له قد عذرك الله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك فوالله إني أريد أن أطأ بعرجتي هذه الجنة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنت فقد أعذرك الله فلا جهاد عليك وقال لبنيه ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله يرزقه الشهادة فأخذ سلاحه وخرج واقبل على القبلة وقال اللهم ارزقني الشهادة ولا تردني خائبا إلى أهلي فقتل فقال رسول الله صلى الله
____________________

عليه وسلم والذي نفسي بيده إن منكم من لو أقسم على الله لأبره منهم عمرو بن الجموح ولقد رأيته يطأ في الجنة بعرجته أي كشف له عن حاله يوم القيامة اي وفي رواية أنه قال يا رسول الله أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة
أقول لكن يمكن الجمع بانه في أول دخوله الجنة يطؤها برجله غير صحيحة ثم تصير صحيحة وعمرو بن الجموح رضي الله تعالى عنه كان في الجاهلية على أصنامهم اي سادنا لها وكان في الاسلام يولم عنه صلى الله عليه وسلم إذا تزوج
وقد وقع منه صلى الله عليه وسلم مثل ذلك لأنس بن النضر عم أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لما كسرت اخته الربيع ثنية جارية من الأنصار فطلب أهلها القصاص وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر ثنية الربيع قال أخوها أنس المذكور والله لا تكسر ثنية الربيع وصار كلما يقول صلى الله عليه وسلم كتاب الله القصاص يقول والله لا تكسر ثنية الربيع فرضي القوم بالأرش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لابره وقال صلى الله عليه وسلم ذلك في حق البراء بن مالك أخي أنس بن مالك رضي الله عنهما فعن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رب أشعث أغبر لا يؤبه به لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك ومصداق ذلك ما وقع له رضي الله تعالى عنه في مقاتلة الفرس فإن الفرس غلبوا المسلمين فقالوا له يا براء أقسم على ربك فقال أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم فحمل رضي الله تعالى عنه وحمل المسلمون معه فقتل عظيم الفرس وانهزم الفرس ثم قتل البراء رضي الله تعالى عنه
ومما وقع أنه كان مع أخيه أنس رضي الله تعالى عنه عند بعض حصون العدو بالعراق وكانوا يلقون كلاليب معلقة في سلاسل محماة يخطفون بها الانسان فكان من جملة من خطف أنس رضي الله تعالى عنه فأقبل البراء رضي الله تعالى عنه وصعد محلا عاليا وأمسك السلسلة بيده ولا زال حتى قطع السلسلة ثم نظر الى يده فإذا عظمها يلوح ليس عليه لحم ونجى الله أنسا رضي الله تعالى عنه بذلك وقال صلى الله عليه وسلم ما تقدم في حق أويس القرني رضي الله تعالى عنه
____________________


فعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن خير التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني فمن لقيه منكم فمروه أن يستغفر لكم وفي رواية خطابا لعمر رضي الله عنه يأتي عليك أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن كان به برص فبرىء منه إلا موضع درهم له أم هو بها بار لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل والله أعلم
وقتل أيضا أحد بني عمرو بن الجموح وهوخلاد رضي الله تعالى عنه وقتل أخو زوجته هند بنت حزام وهو عبد الله والد جابر رضى الله عنه فحملتهم هند على بعير لها تريد أن تدفنهم في المدينة فلقيتها عائشة رضي الله عنها وقد خرجت فى نسوة يستروحن الخبر فقالت لها عائشة رضي الله عنها جاء خبر الجيش فقالت اما رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالح وكل مصيبة بعده جلل واتخذ الله من المؤمنين شهداء ثم قالت لها من هؤلاء قالت أخي عبدالله وابني خلاد وزوجي عمرو بن الجموح رضي الله عنهم فبرك بهم البعير وصار كلما توجه إلي المدينة يبرك وإن وجه إلي أرض أحد نزع فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته فقال إن الجمل مأمور فقبرهم بأحد وقال صلى الله عليه وسلم لهند يا هند ما زالت الملائكة مظلة على أخيك من لدن قتل إلى الساعة ينظرون اين يدفن ولعل هذا كان قبل ان ينادى برد القتلى إلى مضاجعهم قال جابر رضي الله عنه كان ابي أول قتيل للمسلمين قتله ابو الأعور السلمي
وفي الصحيح أن عائشة رضي الله عنها وام سليم كانا يسقيان الناس يفرغان من القرب في أفواه القوم
أى ولا مخالفة لأنه يجوز أن يكون ذلك شان عائشة بعد وصولها لاحد اى وقد كان صلى الله عليه وسلم خلف اليمان والد حذيفة وثابت بن وقس في الاطام مع النساء والصبيان لأنهما كانا شيخين كبيرين فقال احدهما لصاحبه لا أبالك ما ننتظر فوالله إن بقي لواحد منا في عمره إلا ظمء حمار أفلا ناخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقنا الشهادة فاخذ أسيافهم ثم خرجا حتى دخلا فى الناس من جهة المشركين ولم يعلم المسلمون بهما فأما ثابت فقتله المشركون وأما المان فاختلف عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولم يعرفوه
وذكر السهيلي أن في تفسير ابن عباس رضي الله عنهما أن الذي قتله خطا هو عتبة
____________________

ابن مسعود أخو عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وعتبة هو اول من سمي المصحف مصحفا وعند ذلك قال حذيفة أبي فقالوا ما عرفناه فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يديه فتصدق حذيفة رضي الله تعالى عنه بديته على المسلمين فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا واسم اليمان حسيل وقيل له اليمان لأنه نسب إلى جده اليمان بن الحارث وقيل إنما قيل له اليمان لانه أصاب دما في قومه فهرب إلى المدينة فحالف بني الأشهل فسماه قومه اليمان لمحالفته اليمانية ية أى وهم أهل المدينة
ومما يؤثر عن حذيفة رضي الله عنه أنه قيل له من ميت الاحياء قال الذي لا ينكر المنكر بيديه ولا بلسانه ولا بقلبه
وفي الكشاف وعن حذيفة رضي الله عنه أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه وهو في صف المشركين اي قبل ان يسلم فقال صلى الله عليه وسلم له دعه يليه غيرك هذا كلامه ولم أقف على أي غزاة كان ذلك فيها وسياق ما قبله يدل على أنه كان من الأنصار كان حليفا لبني عبد الأشهل ولم يحفظ أن أحدا من الأنصار قاتله صلى الله عليه وسلم قبل الاسلام فليتأمل
ثم إن هندا زوج أبي سفيان والنسوة اللاتي خرجن معها صرن يمثلن بقتلى المسلمين يجدعن أي يقطعن من آذانهم وأنوفهم واتخذن من ذلك قلائد وبقرت أي سقت هند بطن سيدنا حمزة رضي الله عنه أخرجت كبده فلاكتها أي مضغتها فلم تستطع أن تسيغها اي تبتلعها فلفظتها اي القتها من فيها أي لآنها كانت نذرت إن قدرت على حمزة رضي الله عنه لتأكلن من كبده ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها أخرجت كبد حمزة قال هل أكلت منه شيئا قالوا لا قال إن الله قد حرم على النار أن تذوق من لحم حمزة شيئا أبدا أي ولو أكلت منه أي استقر في جوفها لم تمسها النار
وفي رواية لو أدخل بطنها لم تمسها النار لأن حمزة أكرم على الله من ان يدخل شيء من جسده النار
أي ورايت في بعض السير أنها شوت منه ثم أكلت
وقد يقال لا منافاة لجواز حمل الأكل على مجرد المضغ من غير إساغة قال وفي رواية أن وحشيا هو الذي بقر بطن حمزة رضي الله تعالى عنه وأخرج كبده وجاء بها إلى هند أي وقال لها ماذا لي إن قتلت قاتل أبيك قالت سلبى فقال هذه كبد حمزة فأعطته
____________________

ثيابها وحليها ووعدته إذا وصلت إلى مكة تدفع له عشرة دنانير وجاء بها إلى مصرع حمزة رضي الله تعالى عنه فجدعت أنفه وأذنيه أي وفي لفظ فقطعت مذاكيره جدعت أنفه وقطعت أذنيه ثم جعلت ذلك كالسوار في يديها وقلائد في عنقها واستمرت كذلك حتى قدمت مكة
وفي النهر لأبي حيان أن وحشيا جعل له على قتل حمزة أن يعتق فلم يوف له بذلك فندم على ما صنع
ثم أن هندا علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها وأنشدت أبياتا ثم إن زوجها أبا سفيان أشرف على الجبل كذا في البخارى أنه اشرف وفي رواية كان بأسفل الجبل
وقد يقال لا مخالفة لجواز وقوع الامرين معا ثم صرخ بأعلى صوته أنعمت فعال إن الحرب سجال أي ومعنى سجال مرة لنا ومرة علينا يوم أحد بيوم بدر وأنعمت بكسر التاء خطابا لنفسه أو للأزلام لأنه استقسم بها عند خروجه إلى أحد فخرج الذي يحب وهو افعل والفاء من فعال مفتوحة وليست من أبنية الكلمة وهي أمر أي ارتفع عن لومها أي النفس أو الأزلام يقال عال عني أي ارتفع عني ودعني أي وزاد في لفظ يوم لنا ويوم علينا ويوم نساء ويوم نسر حنظلة بحنظلة وفلان بفلان
أي وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال الحرب سجال وقد قال تعالى { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس } وقد نزل ذلك في قصة أحد باتفاق
ثم قال أبو سفيان إنكم ستجدون في القوم وفي رواية في قتلاكم مثله لم آمر بها ولم تسرني وفي رواية والله ما رضيت وما سخطت وما امرت وما نهيت وفي لفظ ما أمرت ولا نهيت ولا احببت ولا كرهت ولا ساءني ولا سرني أي وفي لفظ إما أنكم ستجدون في قتلاكم مثلا ولم تكن عن رأي سراتنا ثم أدركته حمية الجاهلية فقال إماأنه إن كان كذلك لم نكرهه ومر الحليس سيد الأحابيش بأبي سفيان وهو يضرب بزج الرمح في شدق حمزة رضي الله تعالى عنه ويقول ذقه عقق أي ذق طعم مخالفتك لنا وتركك الذي كنت عليه يا عاق قومه جعل إسلامه عقوقا فقال الحليس يا بني كنانة هذا سيد
____________________

قريش يفعل بابن عمه ما ترون فقال أبو سفيان اكتمها عني فإنها زلة وقال أبو سفيان اعل هبل أي أظهر دينك أو ازدد علو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا عمرفأجبه فقل الله أعلى وأجل لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار فقال أبو سفيان إنكم تزعمون ذلك لقد خبنا إذن وخسرنا وهبل هذا تقدم انه صنم وتقدم الكلام عليه
ورايت في كلام الشيخ محيي الدين بن العربي رحمه الله تعالى إنه الحجر الذي يطؤه الناس في العتبة السفلى من باب بني شيبة وبلط الملوك فوقه البلاط ثم قال ابو سفيان إن لنا العزى ولا عزى لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله مولانا ولا مولى لكم ثم قال ابو سفيان لعمر أي بعد ان قال له هلم يا عمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ائته انظر ما شأنه فجاءه فقال له أبو سفيان أشدك الله يا عمر اقتلنا محمد قال عمر رضي الله تعالى عنه لا وإنه ليسمع كلامك الآن قال انت أصدق عندي من ابن قمئة وابر أي لأنه لما قتل مصعب بن عمير ظنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال قتلت محمد كما تقدم
وفي رواية ان أبا سفيان نادى أفي القوم محمد أفي القوم محمد ثم قال ذلك ثلاثا فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه ثم قال افي القوم ابن أبي قحافة قالها ثلاثا ثم قال أفي القوم عمر قالها ثلاثا وفي رواية أين ابن أبي كبشة أين ابن أبي قحافة اين ابن الخطاب ثم أقبل على اصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا وقد كفيتموهم إذ لو كانوا أحياء لأجابوا فما ملك عمر رضي الله تعالى عنه نفسه أن قال كذبت والله يا عدو الله إن الذي عددت لاحياء كلهم وقد بقي لك ما يسوؤك ثم نادى ابو سفيان إن موعدكم بدر العام المقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه قل نعم بيننا وبينكم موعد
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقيل سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه فقال اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون فإن كانوا قد جنبوا الخيل أي وجعلوها منقادة بجانبهم وامتطوا لأبل أي ركبوا مطاها أي ظهورها لأن المطا الظهرفإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة والذي نفسي بيده إن أرادوها لأسيرن إليهم فيها
____________________

ثم لأناجزهم قال علي كرم الله وجهه أو سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل وتوجهوا إلى مكة أي بعد ان تشاوروا في نهت المدينة فأشار عليهم صفوان بن أمية أن لا تفعلوا اي وقال لهم فإنكم لا تدرون ما يفشاكم وفزع الناس لقتلاهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل من رجل ينظر إلى ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء هو ام في الأموات اي زاد في رواية فإني رايت الأسنة قد أشرعت إليه فقال رجل من الأنصار أي وهو أبي بن كعب وقيل محمد بن مسلمة وقيل زيد بن حارثة وقيل غير ذلك ويجوز أن يكون أرسلهم كلهم قال انا أنظر لك يا رسول الله أي وفي رواية قال للمرسل إن رايت سعد بن الربيع فاقره مني السلام وقل له يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تجدك فنظر فوجد جريحا به رمق أي بقية روح فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات فقال أنا في الأموات قد طعنت اثنتي عشرة طعنة واني قد أنفذت مقاتلي فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل له إن سعد بن الربيع يقول لك جزاك الله عنا خيرا ما جزي نبيا عن أمته وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم إن سعدبن الربيع يقول لكم لأعذر لكم عند الله أن يخلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف وفي رواية شفر يطرف أي يتحرك قال ثم لم أبرح حتى مات فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره أي وفي رواية أنه رأى الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور بين القتلى فقال له ما شأنك قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لآتيه بخبرك فاذهب إليه الحديث
وفي رواية ان محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه نادى في القتلى يا سعد بن الربيع مرة بعد أخرى فلم يجبه حتى قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني أنظر ما صنعت فأجابه بصوت ضعيف الحديث اي وفي رواية اقرأ على قومي مني السلام وقل لهم يقول لكم سعد بن الربيع الله الله وما عاهدتم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة فوالله ما لكم عند الله عذر الحديث وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمه الله نصح لله ولرسوله حيا وميتا وخلف بنتين فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم من ميراثه الثلثين فكان ذلك بيان المراد من الآية وهي قوله تعالى { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك }
____________________

وفي ذلك نزلت أي اثنتان فما فوقهما أي وحينئذ إذن لا يحتاج إلى قياس البنتين على الأختين بجامع أن للواحدة منهما النصف
ودخلت بنت له على أبي بكر رضي الله تعالى عنه فألقى لها رداءه لتجلس عليه فدخل عمر رضي الله تعالى عنه فسأله عنها فقال هذه ابنة من هو خير مني ومنك قال ومن هو يا خليفة رسول الله قال رجل تبوأ مقعده من الجنة وبقيت أنا وأنت هذه ابنة سعد ابن الربيع رضي الله تعالى عنه
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه فقال له رجل رايته بتلك الصخرات وهو يقول أنا أسد الله واسد رسوله اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء النفر أبو سفيان وأصحابه واعتذر إليك مما صنع هؤلاء بانهزامهم وهذا الدعاء نقل عن انس بن النضر عم انس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه غاب عن بدر فشق عليه ذلك فلما كان يوم أحد ورأى انهزام المسلمين أي وكان قد قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني غبت عن أول قتال وقع قاتلت فيه المشركين والله لأن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما اصنع فقال اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما فعل هؤلاء يعني المشركين ولما سمع قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما تصنعون بالحياة بعده موتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استقبل القوم أي وقال لسعد بن معاذ هذه الجنة ورب الكعبة أجد ريحها دون أحد وقاتل رضي الله تعالى عنه حتى قتل أي ووجدوا فيه بضعا وثمانين جراحة ما بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ولما قتل مثل به المشركون فما عرفته أخته الربيع إلا ببنانه
قال ابن أخيه أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه لما نزل قوله تعالى { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } الآية قلنا ان هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه من المؤمنين رضي الله تعالى عنه
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو حمزة فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه ومثل به فجدع أنفه وأذناه أي وقطعت مذاكيره فنظر صلى الله عليه وسلم إلى شيء لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه أي وقال لن أصاب بمثلك ما وقفت موقفا إغيظ لي من هذا وقال رحمة الله عليك فإنك كنت ما علمتك مفعولا للخيرات وصولا
____________________

للرحم أما والله لأمثلن بسبعين وفي رواية بثلاثين رجل منهم مكانك وفي رواية لأن ظفرني الله تعالى بقريش في موطن من المواطن لأمثلن بسبعين منهم مكانك ولما رأى المسلمون جذع رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه قالوا لأن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إن الله تعالى أنزل في ذلك { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله } الآية فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المثلة وكفر عن يمينه وكان نزول هذه الآيات بعد أن مثل صلى الله عليه وسلم بالعرنيين وستأتي قصتهم في السرايا
واعترضه ابن كثير رحمه الله بأن هذه الآيات مكية وقصة أحد في المدينة بعد الهجرة بثلاث سنوات فكيف يلتئم هذا مع هذا هذا كلامه
وقد يقال يجوز أن يكون ذلك مما تكرر نزوله فليتأمل وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ما راينا رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا أشد من بكائه على حمزة رضي الله تعالى عنه وضعه في القبلة ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نشق أي شهق حتى بلغ به الغشى يقول يا عم رسول الله واسد الله واسد رسول الله يا حمزة يا فاعل الخيرات يا حمزة يا كاشف الكربات يا حمزة يا ذاب أي بالذال المعجمة يا مانع عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قال ذلك لا مع البكاء فلا يقال هذا من الندب المحرم وهو تعديد محاسن الميت لأن ذلك مخصوص بما إذا قارنه البكاء وليس من نعى الجاهلية المكروه وهو النداء بذكر محاسن الميت على ان النداء بذلك محل كراهته إذا كان على وجه التفاخر والتعاظم ولم يكن وصفا لنحو صالح للحث على سلوك طريقته
وقال صلى الله عليه وسلم جاءني جبريل عليه السلام وأخبرني بأن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع حمزة بن عبد المطلب أسد الله واسد رسوله وأمر صلى الله عليه وسلم الزبير رضي الله تعالى عنه أن يرجع أمه صفية أخت حمزة رضي الله تعالى عنها عن رؤيته فقال لها يا أمه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي فدفعت في صدره قالت لم وقد بلغني أنه مثل بأخي وذلك في الله فما أرضاني بما كان في الله من ذلك أي أنا أشد رضا بذلك من غيري لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله تعالى فجاء الزبير
____________________

رضي الله تعالى عنه فأخبره صلى الله عليه وسلم بذلك فقال خلي سبيلها فجاءت واسترجعت واستغفرت له
وفي رواية إن صفية لقيت عليا والزبير رضي الله تعالى عنهما فقالت لهما ما فعل حمزة فارياها أنهمالا يدريان أي رحمة بها فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني اخاف على عقلها فوضع صلى الله عليه وسلم يده الشريفة على صدرها ودعا لها فاسترجعت وبكت أي لما راته أي وفي رواية لما منعها علي والزبير رضي الله تعالى عنهما قالت لا ارجع حتى أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأته قالت يا رسول الله أين ابن أمي حمزة قال صلى الله عليه وسلم هو في الناس قالت لا ارجع حتى أنظر إليه فجعل الزبير رضي الله تعالى عنه يحبسها فقال صلى الله عليه وسلم دعها فلما رأته بكت وصارت كلما بكت بكى صلى الله عليه وسلم ثم امر به فسجى ببردة وفي رواية قال الأكفن فقام رجل من الانصار فرمى بثوبه عليه ثم قام آخر فرمى بثوبه عليه فقال صلى الله عليه وسلم يا جابر هذا الثوب لابيك وهذا لعمي وهذا يدل على أن والد جابر رضي الله تعالى عنهما استمر لم يقبر إلى ذلك الوقت وهو خلاف ظاهر سياق ما تقدم
وفي رواية وجاءت صفية معها بثوبين لحمزة فكان أحدهما لحمزة والآخر لرجل من الأنصار ولعله والد جابر رضي الله تعالى عنهما ولعله لما جاءت صفية بالثوبين جعل صلى الله عليه وسلم أحدهما لحمزة والآخر لوالد جاء وترك ثوبي الرجلين
وفي رواية كفن حمزة رضي الله تعالى عنه بنمرة كانوا إذا مدوها على رأسه انكشفت رجلاه وإن مدوها عرى على رجليه انكشفت رأسه فمدوها على رأسه وجعلوا على رجليه الإذخر وفي لفك لفظ الحرمل أي ويحتاج إلى الجمع بين هاتين الروايتين على تقدير صحتهما والمشهور حديث النمرة
وقد يقال إنما اختار صلى الله عليه وسلم النمرة على الثوب لأنه كان بها دم الشهادة أو أراد صلى الله عليه وسلم أن يكون لأحد على حمزة رضي الله تعالى عنه منة ويؤيد الأول ما يأتي ولم يكفنوا إلا في ثيابهم التي قتلوا فيها فليتأمل فإن السياق يقتضي أن ذلك إنما هو عن احتياج وسيأتي ما يصرح به وسيأتي ما يعارضه فليتامل
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه قال قتل مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه يوم أحد وكفن في وبرة إن غطى بها رأسه بدت رجلاه وإن غطى بها رجلاه بدا رأسه
____________________


وفي رواية قتل مصعب بن عمير فلم يترك إلا نمرة إذا غطينا بها رجليه خرج رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه الإذخر
وكان مصعب بن عمير هذا قبل الإسلام فتى مكة شبابا وجمالا ولباسا وعطرا ولما أسلم رضي الله تعالى عنه تشعث
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أنه كان صائما وقد جيء له بطعامه فقال قتل مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه وهو خير مني فلم يوجدله ما يكفن فيه إلا بردة إن غطى رأسه بدت رجلاه وإن غطيت رجلاه بدا رأسه وقد بسط لنا من الدنيا ما بسط وأعطينا من الدنيا ما أعطينا وخشيت أن أكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا لدنيا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال قلت الثياب وكثرت القتلى فكان الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد ثم يدفنون في قبر واحد
وقال صلى الله عليه وسلم في حق حمزة رضي الله تعالى عنه لولا أن تجزع صفية ونساؤنا أي يتطاول جزعهن ويدوم وفي رواية لولا تجد صفية في نفسها أي يطول ذلك وتكون سنة من بعد لتركنا حمزة ولم ندفنه حتى يحشر من بطون الطير والسباع وفي رواية حتى تأكله العافية ويحشر في بطونها ليشتد غضب الله على من فعل به ذلك ثم صلى عليه فكبر أربع تكبيرات ثم أتى بالقتلى يوضعون الى جنب حمزة أي واحدا بعد واحد فيصلى على كل واحد منهم مع حمزة ثم يرفع ويؤتى بأخر فيصلى عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة وفي رواية ثنتين وتسعين صلاة وهذا غريب وسبعين ضعيف
والرواية الأولى تقتضي أن جملة من قتل بأحد أثنان وسبعون والرواية الثانية تقتضي أنهم كانوا اثنين وتسعين
وقوله واحدا بعد واحد قد يخالف ما تقدم عن أنس رضي الله تعالى عنه من جعل الرجلين أو الثلاثة في كفن واحد فليتأمل
وجاء أنه كان يصلي على عشرة عشرة أي يؤتى بتسعة وحمزة عاشرهم فيصلى عليهم ثم ترفع التسعة وحمزة مكانه ويؤتى بتسعة أخرى فيوضعون الى جنب حمزة فيصلى عليهم حتى فعل ذلك سبع مرات وحينئذ يكون جملة من قتل ثلاثة
____________________

وستين وسيأتي الكلام على عدتهم وقيل كبر عليهم كبر تسعا وسبعا وخمسا أي بعد أن كبر على حمزه وحده أربعا فلا ينافي ما تقدم ولم أقف علي عدد المرات التي كبر فيها ما ذكر
وجاء ان قتلى احد لم يغسلهم ولم يصل عليهم ولم يكفنهم إلا في ثيابهم التي قتلوا فيها أى غير الجلود أخذا مما يأتي أي ولا يضر تتميم ستر بعضهم إلا بالإذخر وحينئذ إذ لا يكون تكفين حمزة بنمرته ومصعب ببردته وتتميم تكفينهما بالإذخر عن إحتياج كما تقدم عن عبد الرحمن بن عوف وعن أنس رضي الله عنهما أى وقال مغلطاى صلى على حمزه والشهداءمن غير غسل وهذا أي دفنهم من غير غسل إجماع إلا ما شذ به بعض التابعين وفيه نظر ظاهر
وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال لقد رايت الملائكة تغسل حمزة وتقدم أن هذا السياق يقتضى أن هذه رؤيا نوم وحينئذ يظهر التوقف فيما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قتل حمزة جنبا فقال ما ذكر ولعل الراوي عن ابن عباس ذكر حمزة بدل حنظلة غلطا أما الصلاة عليهم فقال إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد
وما روي انه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لم يصح وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك أي بما روي هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحي على نفسه أي فإن من رواة ذلك الحديث الدالة على أنه صلى عليهم سعيد بن ميسرة عن أنس رضي الله تعالى عنه وقد قال فيه البخاري أنه يروي المناكير وقال ابن حبان يروي الموضوعات ومن جملة رواة أي رواية ذلك الحديث مقسم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقد قال فيه البخاري منكر الحديث ومن ثم ذكر ابن كثير أن الذي في البخاري أمر صلى الله عليه وسلم بدفن شهداء احد بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا وهو أثبت من صلاته عليهم
وأما حديث عتبة بن عامر أي الذي رواه الشيخان وأبو داود والنسائي هو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين صلاته على الميت أي ادعى لهم كدعائه للميت كالمودع للأحياء والأموات أي حين علم قرب أجله أي فذلك
____________________

كان توديعا لهم بذلك قال قال السهيلي رحمه الله لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى على شهيد في شيء من مغازيه إلا في هذه الرواية في أحد وكذلك لم يصل أحد من الأئمة بعده صلى الله عليه وسلم آه
وفي النور أنه صلى الله عليه وسلم صلى على أعرابي في غزوة أخرى وفي البخاري عن جابر رضي الله تعالى عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في قتلى أحد دفنهم بدمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم بكسر اللام وفي رواية ولم يصل عليهم بفتح اللام
لا يقال خبر جابر لا يحتج به لأنه نفي وشهادة النفي مردودة مع ما عارضها من خبر الإثبات لأنا نقول شهادة النفي إنما ترد إذا لم يحط بها علم الشاهد ولم تكن بحضوره وإلا فتقبل بالاتفاق وهذه قضية معينة أحاط بها جابر وغيره علما
واستدل أئمتنا علي أن الشهيد لا يغسل ولو كان جنبا بقصة حنظلة رضي الله عنه لأن تغسيل الملائكة لا يكتفى به في إسقاط الحرج عن المكلفين من الإنس لعدم تكليفهم بخلاف تغسيل الجن فإنهم مكلفون ودفنوا بثيابهم ونزع عنهم الحديد والجلود
أى وأسلم وحشى رضي الله عنه بعد ذلك فإنه في يوم فتح مكة فر إلي الطائف ثم وفد مع أهل الطائف لما اوفدوا ليسلموا وقد قيل له بعد ان قاضت ضاقت عليه ويحك والله إنه لا يقتل أحد من الناس دخل دينه قال وحشي فلم يرعه صلى الله عليه وسلم إلا إني قائم على رأسه أشهد شهادة الحق وفقال لي أنت وحشي وسألني كيف قتلت حمزة فأخبرته ثم قال ويحك غيب عني وجهك فلا أراك وفي رواية لا ترني وجهك وفي رواية تفل في وجهي ثلاث تفلات وقيل تفل في الأرض وهو جد مغضب أي وحينئذ لحق بالشام وكان وحشي لا يزال يحد في الخمر في زمن عمر رضي الله تعالى عنه حتى خلع من الديوان قال عمر رضي الله تعالى عنه قد علمت أنه لم يكن الله ليدع قاتل حمزة رضي الله تعالى عنه أي لم يكن ليتركه من الابتلاء وهذا أي تكرر حده في شرب الخمر وإخراجه من ديوان المجاهدين من اقبح أنواع الابتلاء عافانا الله من ذلك وروى الدار قطني في صحيحه عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه كان يقول عجبت لقاتل حمزة كيف ينجو أي من الابتلاء حتى بلغني إنه مات غريقا في الخمر أي وذلك مع ما تقدم ابتلاء فظيع له رضي الله تعالى عنه
وممن مثل به عبد الله بن جحش بدعوة دعاها على نفسه فقال أي قبل أحد بيوم
____________________

اللهم ارزقني غدا رجلا شديدا بأسه فيقتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني فإذا ليقتك قلت يا عبد الله فيما جدع أنفك واذنك فاقول فيك وفي رسولك فيقول الله صدقت قال وليس هذا من تمنى الموت المنهى عنه انتهى أي لأن المنهى عنه أن يكون ذلك لضر نزل به فليتأمل
وجاء أن عبد الله بن جحش انقطع سيفه يوم أحد فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرجون نخلة فصار في يده سيفا كان يسمى العرجون ودفن هو وخاله حمزة رضي الله تعالى عنهما في قبر واحد أي وإنما كان حمزة خاله لأن أم عبد الله أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان القاتل له أبو الحكم بن الأخنس ابن شريق وأبو الحكم هذا قتل كافرا يوم أحد وقال صلى الله عليه وسلم ادفنوا عبد الله بن عمرو أي وهو والد جابر رضي الله تعالى عنها وعمرو بن الجموح وهو زوج عمة جابر رضي الله تعالى عنهم في قبر واحد لما بينهما من الصفاء وعبد الله بن عمرو هذا قد أصابه جرح في وجهه ومات ويده على جرحه فأميطت يده عن وجهه فانبعث الدم فردت يده إلى مكانها فسكن ويقال أن السيل حفر قبر عبد الله بن عمرو والد جابر رضي الله تعالى عنهما عمرو بن الجموح فوجد لم يتغيرا كأنهما مات بالأمس وأنه أزيلت يد عمرو عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت وكان ذلك بعد الواقعة لست وأربعين سنة وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أنه قال استصرخنا إلى قتلانا بأحد وذلك حين أجرى معاوية رضي الله تعالى عنه العين في وسط مقبرة شهداء أحد وأمر الناس بنقل موتاهم فأخرجناهم رطابا تنثني أطرافهم وذلك على رأس أربعين سنة ولعله وما قبله لا يخالف قول السهيلي وذلك بعد ثلاثين سنة وأصابت المسحاة قدم حمزة رضي الله تعالى عنه فأنبعت دما وذكر أنه فاح من قبورهم مثل ريح المسك وفي لفظ نحو خمسين سنة مع أن أرض المدينة سبخة يتغير الميت في قبره من ليلته أي لأن الارض لا تأكل لحوم شهداء المعركة كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام زاد بعضهم قارئ القرآن والعالم ومحتسب الأذان ويدل للأخير ما في الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما المؤذن المحتسب كالمتشحط في دمه لا يدود في قبره أي كشهيد المعركة لا يأكله الدود في القبرر وقد نظم هؤلاء الشيخ التتائي المالكي رحمه الله تعالى فقال
____________________

** لا تأكل الأرض جسما للنبي ولا لعالم وشهيدا قتل معترك ** ولا لقارئ قرآن ومحتسب آذانه لإله مجرى الفلك **
ودفن خارجة بن زيد وسعد بن الربيع رضي الله تعالى عنهما في قبر واحد لأنه كان أبن عمه ولده خارجة وهو زيد بن خارجة الذي تكلم بعد الموت
ذكر أن خارجة أخذته الرماح فجرح بضعة عشر جرحا فمر به صفوان بن أمية بن خلف فعرفه فأجهز عليه وقال الآن شفيت نفسي حين قتلت الأماثل من أصحاب محمد قتلت خارجة بن زيد وقتلت أوس بن أرقم وقتلت أبا نوفل ودفن النعمان ابن مالك وعبد بني الحسحاس في قبر واحد وربما دفنوا ثلاثة في قبر وصار صلى الله عليه وسلم يقول احفروا وأوسعوا واعمقوا وكان صلى الله عليه وسلم يقول انظروا أكثر هؤلاء جمعا أي حفظا للقرآن فقدموه في القبر أي في اللحد
واحتمل ناس من المدينة قتلاهم إلى المدينة فردهم صلى الله عليه وسلم ليدفنوا حيث قتلوا وبه استدل ائمتنا رحمهم الله على حرمة نقل الميت قبل دفنه من محل موته إلى محل أبعد من مقبرة موته محل
وفيه أنهم قالوا إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس نص على ذلك إمامنا الشافعي رحمه الله
وقد يجاب بأن هذا مخصوص لغير الشهيد أما هو فالأفضل دفنه بمحل موته ولو بقرب ما ذكر كما بحث ذلك بعض المتأخرين من ائمتنا ويشهد له ما هنا
ولا يشكل دفن اثنين أو ثلاثة في لحد على قول فقهائنا بحرمة جمع اثنين في لحد ولو الوالد وولده لأن محل ذلك حيث لا ضرورة ككثرة الموتى مشقة الحفر لكل واحد كما هنا
ثم رأيت في بعض السير وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين والثلاثة في القبر الواحد وإنما أرخص لهم في ذلك لما بالمسلمين من الجراح التي يشق معها أن يحفروا لكل واحد واحد
وفي رواية فحملوهم إلى المدينة فدفنوهم في نواحيها فجاء منادي صلى الله عليه وسلم ردوا القتلى إلى مضاجعهم فأدرك المنادي واحدا لم يكن دفن فردا ومن دفن أبقوه
ولما أشرف صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد قال إنا شهيد على هؤلاء وما من
____________________

جرح بجرح في الله إلا والله يبعثه يوم القيامة يدمى جرحه اللون لون الدم والريح ريح المسك وفي رواية أنه ليس مكلوم يكلم في الله تعالى إلا وهو يأتي يوم القيامة لونه أي لون الكلم أي الجرح لون الدم وريحه ريح مسك اي في رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في اجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوى إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مشروبهم ومأكلهم وحسن مقيلهم قالوا يا ليت أخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا أي يمتنعوا عن الحرب فقال الله عز وجل إنا ابلغهم عنكم فأنزل الله عز وجل على رسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء } الآية
وقد بينت في النفخة العلوية إن الأرواح في البرزخ متفاوتة في مستقرها أعظم تفاوت فلا تعارض بين الأدلة الدالة على تلك الأقوال المختلفة وحينئذ تكون أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع كونها في الملأ الأعلى متفاوتة فيه وأرواح المؤمنين غير الشهداء أو غير الاطفال منها ما هو سماوي ومنها ما هو أرضي وأرواح الاطفال في حواصل عصافير الجنة عند جبال المسك وأرواح الشهداء منهم من تكون روحه على باب الجنة ومنهم من تكون داخلها وحينئذ إما أن تكون في جوف طير أخضر أوطير أبيض ومنهم من تكون روحه على صورة الطير
وفي كلام القرطبي رحمه الله قال علماؤنا أرواح الشهداء طبقات مختلفة ومنازل متباينة يجمعها أنهم يرزقون أي وتقدم الكلام على رزقهم
أي ومن جملة من قتل من الصحابة يوم أحد أبو جابر أي كما تقدم فقال صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله تعالى عنه يا جابر إلا أخبرك ما كلم الله تعالى أحدا قط لعل المراد من هؤلاء الشهداء كما يرشد إليه السياق إلا من وراء حجاب إنه كلم أباك كفاحا فقال سلني أعطك فقال أسألك أن أرد إلي الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال الرب عز وجل إنه سبق مني إنهم لا يرجعون إلى الدنيا قال أي رب فأبلغ من ورائي فانزل الله تعالى { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا } الآية أي ولا مانع من تعدد النزول للآية فلا يخالف ما تقدم قريبا
____________________


أي وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه فجعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهوني و النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهني وقال النبي صلى الله عليه وسلم تبكيه أو لا تبكيه ما زالت الملائكة عليهم السلام مظلة له بأجنحتها حتى رفع اي وسياتي أن جابرا رضي الله تعالى عنه لم يحضر القتال
وعن بشير بن عفراء رضي الله تعالى عنهما قال أصيب أبي يوم أحد فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال أما ترضى أن تكون عائشة أمك وأكون أنا أباك ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار قد اصيب زوجها وأخوها وأبوها وفي رواية وابنها يوم أحد فلما نعوا لها قالت ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ما فعل به قالوا خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين قالت أرونيه حتى أنظر إليه فلما رأته صلى الله عليه وسلم قالت كل مصيبة بعدك جلل تريد صغيرة والجلل كما يقال للشيء الصغير يقال للشيء الكبير فهو من الأضداد وفي لفظ أنها مرت بأخيها وأبيها وزوجها وابنها صرعى وصارت كلما سألت عن واحد وقالت من هذا قيل لها هذا أخوك وابنك وزوجك وأبوك فلم تكترث بذلك بل صارت تقول ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون أمامك حتى جاءته أخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول بأبي أنت وامي يا رسول الله لا أبالي إذ سلمت من عطب
وأصيبت يوم أحد عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته أي فأرادوا قطعها فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا فدعاه فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أي أخذها بيده الشريفة وردها إلى موضعها أي براحته الشريفة وقال اللهم إكسه جمالا فكانت أحسن عينيه وأحدهما نظرا وكانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى
أي وجاءعن قتادة رضي الله تعالى عنه أنه قال كنت يوم أحد أتقي السهام بوجهي عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان آخرها سهما ندرت منه حدقتي فأخذتها أي رفعتها بيدي أي وقلت يا رسول الله إن لي امرأة أحبها واخشى أن تراني تقذرني أي وقال له صلى الله عليه وسلم إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت رددتها ودعوت لله تعالى لك فقال يا رسول الله إن الجنة لجزاء جزيل وعطاء جليل وإني مغرم بحب النساء وأخاف أن يقلن أعور فلا يردنني ولكن تردها وتسأل الله تعالى لي الجنة فردها ودعا لي بالجنة
____________________


وجاء عن قتادة رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم لما رآها في كفي أي مرفوعة دمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اللهم قتادة كما وقي وجه نبيك بوجهه فاجعلها أحسن عينيه واحدهما نظرا أي بعد أن ردها إلى موضعها براحته الشريفة كما تقدم وإلى ذلك أشار صاحب الهمزية بقوله في وصف راحته الشريفة ** وأعادت على قتادة عينا ** فهي حتى مماته النجلاء **
أي وأعادت تلك الراحة الشريفة على قتادة بن النعمان رضي الله تعالى عنه عينا له ذهبت فهي إلى مماته الواسعة أي الكثيرة النظر
قال الشيخ ابن حجرالهيتمي ويجمع بين رواية العين الواحدة ورواية الثنتين أي فقد جاء في حديث غريب أصيبت عيناي فسقطتا على وجنتي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعادهما وبصق فيهما وعادتا تبرقان بأن أحد الرواة ظن أن الساقطة واحدة وبعضهم أن الساقط ثنتان فأخبر كل بحسب علمه
ومن قواعدهم أن زيادة الثقة مقبولة وبها تترجح رواية احدى الثنتين هذا كلامه فليتأمل وكون ذلك كان يوم احد هو المشهور وقيل يوم الخندق
وقد حكى ابو عمر بن عبد البر أن رجلا من ولد قتادة قدم على عمر بن عبدالعزيز رضي الله تعالى عنه فقال له من الرجل فقال
** أنا ابن الذي سالت على الخد عينه ** فردت بكف المصطفى أحسن الرد ** فعادت كما كانت لأول أمرها ** فيا حسن ما عين ويا حسن ما رد **
فقال عمر بن عبد العزيز ** تلك المكارم لا قعبان من لبن ** شيبا بماء فعادا بعد أبوالا **
فوصله عمر وأحسن جائزته
ورمى كلثوم بن الحصين بسهم في نحره فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق عليه فبرأ وحضرت الملائكة عليهم السلام يوم أحد ولم تقاتل
قال ويؤيده قول مجاهد رحمه الله لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر لكن جاء عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال رايت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال وما رأناهما قبل ولا بعد اي وهما جبريل وميكائيل عليهما السلام ولا منافاة فقد قال البيهقي
____________________

رحمه الله لم يقاتلوا يوم أحد عن القوم أي فلا ينافي أنهم قاتلوا عنه صلى الله عليه وسلم خاصة آه
أقول ويجوز أن يكون المراد بمقاتلتهما دفعهما عنه صلى الله عليه وسلم وفيه أنه جاء عن الحارث بن الصمة رضي الله تعالى عنه قال سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الشعب عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه فقلت رأيته في جنب الجبل فقال الملائكة تقاتل معه قال الحارث فرجعت إلى عبد الرحمن فإذا بين يديه سبعة صرعى فقلت ظفرت يمينك أكل هؤلاء قتلت قال أما هذا وهذا فإنا قتلهما وأما هؤلاء فقتلهم من لم أره فقال صدق الله ورسوله أي ومقاتلة الملائكة عن خصوص عبد الرحم بن عوف رضي الله تعالى عنه لا ينافي مقاتلتهم يوم بدر عن عموم القوم
وفي الامتاع كان قد نزل قبل أن يخرج صلى الله عليه وسلم إلى أحد قوله تعالى { ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } فلم يصبروا وانكشفوا فلم يمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بملك واحد يوم أحد بل فليتأمل والله أعلم
ولما قتل مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه وسقط اللواء أخذه ملك في صورة مصعب أي فأنه لما قطعت يده اليمنى أخذ اللواء بيده اليسرى أي وهو يقول { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } الآية فلما قطعت جثى على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهويقول { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } الآية ولم تكن هذه الآية قد نزلت بل قالها لما سمع قول القائل قتل محمد وأنما نزلت أي بعد قوله في ذلك اليوم كما في الدر فهو من القرآن الذي نزل على لسان بعض الصحابة لما قتل أي وهذا لا ينافي ما تقدم من أنه قاتل دونه صلى الله عليه وسلم فقتله ابن قمئة لعنه الله وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قتله أبي بن خلف لعنه الله لأنه يجوز أن يكون قتله وهو على هذه الكيفية المذكورة
ثم رأيت في بعض الروايات أن ابن قمئة فعل به هذه الكيفية أي ثم قتله وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للملك الذي على صورة مصعب تقدم يا مصعب فالتفت إليه الملك فقال لست بمصعب فعرف صلى الله عليه وسلم أنه ملك أيد به
____________________


وفي رواية أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول أقدم مصعب قال يا رسول الله ألم يقتل مصعب قال بلى ولكن ملك قام مقامه وتسمى بأسمه أي فلا ينافي ذلك قول الملك له صلى الله عليه وسلم لما قال له تقدم يا مصعب لست بمصعب لأن مراده لست بمصعب الذي هو صاحبكم
ورايت في رواية أنه لما سقط اللواء أخذه أبو الروم أخو مصعب ولم يزل في يده حتى دخل المدينة فليتأمل ووجود هذا الملك يخالف ما تقدم عن الامتاع من أنه صلى الله عليه وسلم لم يمد بملك واحد
ولما أراد صلى الله عليه وسلم أن يتوجه إلى المدينة ركب فرسه وخرج المسلمون حوله عامتهم جرحى أي ومعه أربع عشرة امرأة فلما كانوا بأصل أحد قال صلى الله عليه وسلم اصطفوا حتى أثنى علي ربي عز وجل فاصطف الرجال خلفه صفوفا وخلفهم النساء فقال اللهم لك الحمد كله اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت ولا هادي لمن أضللت ولا مضل لمن هديت ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت ولا مقرب لما أبعدت ولا مبعد لما قربت الحديث
ثم توجه صلى الله عليه وسلم من للمدينة فلقيته ممنة بنت جحش بنت عمته صلى الله عليه وسلم أخت زينب بنت فخش أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها فقال لها صلى الله عليه وسلم احتسبي قالت من يا رسول الله قال خالك حمزة قالت إنا لله وإنا إليه راجعون غفر الله له هنيئا له الشهادة ثم قال لها احتسبي قالت من يا رسول الله قال أخاك عبد الله بن جحش قالت إنا لله وإنا إليه راجعون غفر الله له هنيئا له الشهادة بما قال لها احتسبي قالت من يا رسول الله قال زوجك مصعب بن عمير قالت وا حزناه وصاحت وولولت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن زوج المرأة لبمكان ما هو لأحد لما رأى من تثبتها على اخيها وخالها وصياحها على زوجها ثم قال لها لم قلت هذا قالت تذكرت يتم بنيه فراعني فدعا لها صلى الله عليه وسلم ولولدها أن يحسن الله تعالى عليهم الخلف فتزوجت طلحة بن عبيد الله فكان أوصل الناس لولدها وولدت له محمد بن طلحة
قال وجاءت أم سعد بن معاذ تعدو نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على فرسه وسعد بن معاذ آخذ بلجامها فقال له سعد يا رسول الله أمي فقال صلى الله
____________________

عليه وسلم مرحبا بها فوقف لها فدنت حتى تأملت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنها عمرو بن معاذ فقالت أما إذا رأيتك سالما فقد اشتويت المصيبة أي استقليتها ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل من قتل بأحد اي بعد أن قال لأم سعد يا أم سعد ابشري وبشري أهلهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعا وقد شفعوا في أهلهم جميعا قالت رضينا يا رسول الله ومن يبكي عليهم بعد هذا ثم قالت يا رسول الله ادع لمن خلفوا فقال اللهم أذهب حزن قلوبهم واجبر مصيبتهم وأحسن الخلف على من خلفوا
وسمع صلى الله عليه وسلم نساء الانصار يبكين على أزواجهن أي وأبنائهن وإخوانهن فقال حمزة لا بواكي له أي وبكى صلى الله عليه وسلم ولعله رضي الله تعالى عنه لم يكن له بالمدينة لا زوجة ولا بنت فأمر سعد بن معاذ نساءه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكين حمزة بين المغرب والعشاء أي وكذلك أسسيد بن حضير أمر نساؤه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكين حموزة
أي ولما جاء صلى الله عليه وسلم بيته حمله السعدان وانزلاه عن فرسه ثم اتكأ عليهما حتى دخل بيته ثم أذن بلال لصلاة المغرب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل تلك الحال يتوكأ على السعدين فصلى و صلى الله عليه وسلم فلما رجع من المسجد من صلاة المغرب سمع البكاءفقال ما هذا فقل نساء الأنصار يبكين حمزة فقال رضي الله تعالى عنكن وعن أولادكن وأمر أن ترد النساء إلى منازلهن
وفي رواية خرج عليهن أي بعد ثلث الليل لصلاة العشاء فإن بلالا أذن بالعشاء حين غاب الشفق فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ذهب ثلث الليل نادى بلال الصلاة يا رسول الله فقام من نومه وخرج وهن على باب المسجد يبكين حمزة رضي الله تعالى عنه ولا يخالف ما سبق لأن بيت عائشة رضي الله تعالى عنها كان ملاصقا للمسجد فقال لهن ارجعن رحمكن الله لقد واسيتن معي رحم الله الأنصار فإن المواساة فيهم كما علمت قديمة
أي ولا منافاة لانه يجوز أن يكون الأمر عند رجوعه من صلاة المغرب كان لطائفة وبعد ثلث الليل كان لطائفة أخرى وصارت الواحدة من نساء الانصار بعد لا تبكي على ميتها إلابدأت بالبكاء على حمزة رضي الله تعالى عنه ثم بكت على ميتها ولعل المراد بالبكاء النوح وباتت وجوه الاوس والخزرج تلك الليلة على بابه صلى الله عليه وسلم بالمسجد يحرسونه خوفا من قريش أن تعود إلى المدينة
____________________


وجاء أنه صلى الله عليه وسلم نهى نساء الأنصار عن النوح وقال له الأنصار يا رسول الله بلغنا أنك نهيت عن النوح وإنما هو شيئ نندب به موتانا ونجد فيه بعض الراحة فأئذن لنا فيه فقال صلى الله عليه وسلم إن فعلن فلا يخمشن ولا يلطمن ولا يحلقن شعرا ولا يشقفن جيبا
جاء أنه في يوم أحد دفع علي كرم الله وجهه سيفه لفاطمة رضي الله تعالى عنها وقال لها اغسليه غيرذميم فقال صلى الله عليه وسلم إن تكن أحسنت فقد أحسن فلان وفلان وعدد جماعة أي منهم سهل بن حنيف وأبو دجانة
وما روي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم في يوم أحد دفع سيفه ذا الفقار لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها وقال اغسلي عنه دمه لقد صدقني اليوم وناولها علي كرم الله وجهه سيفه وقال وهذا فاغسلي عنه دمه فوالله لقد صدقني اليوم فقال صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه لئن صدقت القتال لقد صدق معك سهيل بن حنيف وابو دجانة
وعن ابن عقبة لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف علي كرم الله وجهه مختضبا دما قال إن تكن أحسنت القتال فقد أحسن عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وكونه صلى الله عليه وسلم دفع سيفه لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها رده الإمام أبو العباس بن تيمية بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقاتل في ذلك اليوم بسيف لكن في النور أن هذا الحديث لم يتعقبه الذهبي قال ففيه رد علي ابن تيمية هذا كلامه فليتأمل
والأكثر على أن الذين قتلوا يوم أحد من المسلمين سبعون أربعة من المهاجرين وهم حمزة ومصعب وعبد الله بن جحش وشماس بن عثمان وقيل ثمانون أربعة وسبعونن من الأنصار وستة من المهاجرين قال الحافظ بن حجر لعل الخامس سعد مولى حاطب بن أبي بلتعة والسادس ثقيف بن عمرو حليف بن عبد شمس وعدهم في الأصل ستة وتسعين وهذا لا يناسب ما تقدم في بدر من قوله صلى الله عليه وسلم إن شئتم أخذتم منهم الفداء ويستشهد منكم سبعون سبعون بعد ذلك وقتل من المشركين ثلاثة وعشرون وقيل اثنان وعشرون
أقول انظر هذا مع ما تقدم من أن حمزة وحده قتل واحدا وثلاثين ورايت في الطبقات
____________________

لمولانا الشيخ عبد الوهاب الشعراني نفعنا الله ببركاته أن أويسا القرني كان مشغولا بخدمة والدته فلذلك لم يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم
وقد روي أنه اجتمع به مرات وحضر معه وقعة أحد وقال والله ما كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم حتى كسرت رباعيتي ولا شج وجهه الشريف حتى شج وجهي ولا وطيء ظهره حتى وطئ ظهري قال هكذا رأيت هذا الكلام في بعض المؤلفات والله أعلم بالحال هذا كلامه ولم اقف على أنه عليه الصلاة والسلام وطئ ظهره في غزو أحد فإن مجموع ما دلت عليه الاخبار أنه صلى الله عليه وسلم شج وجهه وكسرت رباعيته وجرحت وجنتاه وشفته السفلى من باطنها ووهي منكبه وجحشت ركبته
ثم رأيت بعض المؤرخين ذكر أن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه سمع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو يبكى بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضلك عند ربك أن جعل طاعتك وطاعته فقد قال تعالى { من يطع الرسول فقد أطاع الله } بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عند ربك أن أخبرك بالعفو عنك قبل أن يخبرك بذنبك فقال عفا الله عنك لم أذنت لهم إلى أن قال فلقد وطئ ظهرك وأدمى وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت ان تقول إلا خيرا فقلت اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون
ومما يدل على ان أويسا لم يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم خير التابعين رجل يقال له أويس القرني وما أخرجه البيهقي عن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له أويس بن عامر وفي رواية أن عمر قال لأويس استغفر لي فقال كيف أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عمر رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن خير التابعين رجل يقال له أويس والمراد من خيرالتابعين كما في بعض الروايات فلا ينافي ما نقل عن أحمد بن حنبل وغيره أن أفضل التابعين سعيد بن مسيب
ومما يدل على أن أويسا لم يكن موجودا في زمنه صلى الله عليه وسلم ما جاء في الجامع الصغير سيكون بعدي في أمتي رجل يقال له أويس القرني وأن شفاعته في أمتي مثل ربيعة ومضر
____________________


وفي أسد الغابة أن أويسا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره وسكن الكوفة وهو من كبار تابعي الكوفة وكان يسخر به
ووفد رجل ممن كان يسخر به مع جماعة من أهل الكوفة على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال عمر هل ههنا أحد من القرنيين فجاء ذلك الرجل فقال له عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال إن رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس القرني وقد كان به بياض فدعا الله تعالى فأذهب عنه إلا قدر الدينار أو الدرهم فمن لقيه منكم فمروه أن يستغفر لكم فأقبل ذلك الرجل لما قدم الكوفة إلى أويس قبل أن يأتي أهله فقال له أويس ما هذا بعادتك قال سمعت عمر رضي الله تعالى عنه يقول كذا وكذا فاستغفر لي قال لا أفعل حتى تجعل لي عليك أن لا تسخر بي ولا تذكر قول عمر لأحد فالتزم له ذلك فاستغفر له وقتل أويس يوم صفين مع علي كرم الله وجهه
ولما وصل صلى الله عليه وسلم المدينة أظهر المنافقون واليهود الشماتة والسرور وصاروا يظهرون أقبح القول أي ومنه ما محمد إلا طالب ملك ما أصيب بمثل هذا نبي قط أصيب في بدنه واصيب في أصحابه ويقولون لو كان من قتل منكم عندنا ما قتل
واستأذنه صلى الله عليه وسلم عمر في قتل هؤلاء المنافقين فقال أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قال بلى ولكن تعوذا من السيف فقد بان أمرهم وأبدى الله تعالى أضغانهم فقال صلى الله عليه وسلم نهيت عن قتل من أظهر ذلك وصار ابن أبي لعنه الله يوبخ ابنه عبد الله رضي الله تعالى عنه وقد أثبته الجراحة فقال له ابنه الذي صنع الله لرسوله والمسلمين خير
قال وكانت عادة بن عبد الله بن أبي ابن سلول إذا جلس صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر قام فقال أيها الناس هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم أكرمكم الله تعالى به وأعزكم فانصروه وعزروه واسمعوا له وأطيعوا ثم يجلس فبعد أحد أراد أن يفعل كذلك فلما قام أخذ المسلمون بثوبه من نواحيه وقالوا له اجلس عدو الله والله لست لذلك اهل بأهل وقد صنعت ما صنعت فخرج وهو يتخطى رقاب الناس كأني إنما قلت هجرا وقال له بعض الانصار ارجع يتسغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله ما أبتغي أن يستغفر لي وأنزل الله تعالى قصة أحد
____________________

في آل عمران وهي قوله تعالى { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } الآية
غزوة حمراء الأسد
لما كان صبيحة قدومه صلى الله عليه وسلم من أحد أذن مؤذنه صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا خلف قريش وأن لا يخرج إلا من حضر أحد وذلك ارهابا للعدو وليبلغهم أنه صلى الله عليه وسلم خرج في طلبهم ليظنوا به صلى الله عليه وسلم قوة وأن الذي أصابهم لم يوهنهم أي يضعفهم عن عدوهم
قال وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم بلغه أن أبا سفيان يريدأن يرجع بقريش إلى المدينة ليستأصلوا من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدبلغه أن المشركين قالوا له لا محمد قتلتم ولا الكواعب أردفتم بئس ما صنعتة ارجعوا
أي وفي لفظ أنهم لما بلغوا بعض الطريق قدموا فقالوا بئس ما صنعتم إنكم قتلتموهم حتى إذا لم يبقى إلا الشريد تركتموهم ارجعوا فاستأصلوهم قبل أن يجدوا قوة وشوكة فقذف الله في قلوبهم الرعب
ويذكر أن عبد الله بن عوف جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة قدومه صلى الله عليه وسلم من أحد وأخبره أنه أقبل من أهله حتى إذا كان بمحل كذا إذا قريش قد نزلوا به فسمع أبا سفيان وأصحابه يقولون ما صنعتم شيئا قد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم فارجعوا نستأصل من بقي وصفوان بن أمية يأبى ذلك عليهم ويقول يا قوم لا تفعلوا فإني أخاف أن يجمع عليكم من تخلف عن الخروج فارجعوا والدولة لكم فإني لا آمن إن رجعتم أن تكون الدولة عليكم فقال صلى الله عليه وسلم أرشدهم صفوان وما كان يرشد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وذكر لهما الخبر أي مااخبر به عبد الله بن عوف فقالا يا رسول الله اطلب العدو لا يقتحمون على الذرية فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة الصبح ندب الناس وأمر بلالا أن ينادي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم بطلب عدوكم ولا يخرج إلا من حضر القتال بالأمس انتهى
وعند تهيئه صلى الله عليه وسلم للخروج جاء جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال
____________________

يا رسول الله إنما تخلف عن أحد لأن أبي خلفني على أخوات لى سبع أى وقيل وهو الصحيح إنهن تسع وقال يا بني إنه لا ينبغي لى ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ولست بالذي اوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقني الشهادة فتخلف على أخواتك فاستخلفت عليهن واستأثر علي بالشهادة فأئذن لي يا رسول الله معك فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخرج معه أحد لم يشهد القتال بالأمس غيري واستأذنه رجال لم يحضروا القتال أي منهم عبدالله بن ابي قال له أنا راكب معك فأبى ذلك عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلوائه وهو معقود لم يحل فدفعه لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ويقال لابي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه أى المسمى بالسكب ولم يكن مع اصحابه فرس سواه وعليه الدرع والمغفر وما يرى ألا عيناه وخرج الناس معه اى جميع من كان معه صلى الله عليه وسلم في أحد
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت في قوله تعالى { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح } الأية قالت لعروة بن الزبير يا بن أختي كان أبوك الزبير رضي الله تعالى عنه وأبو بكر لما أصاب نبي الله ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف ان يرجعوا فقال من يرجع في اثرهم فانتدب منهم سبعون رجلا قال ابن كثيرا وهذا السياق غريب جدا فإن المشهور عند أصحاب المغازي أن الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد كل من شهد أحد وكانوا سبعمائة كما تقدم قتل منهم سبعون وبقي الباقي هذا كلامه فليتأمل مع ما تقدم
قال والظاهر أنه لا تخالف لأن معنى قولها يعني عائشة أنهم سبقوا غيرهم ثم تلاحق بهم الباقون وخرجوا وبهم الجراحات ولم يعرجوا على دواء جراحاتهم أي لم يلتفتوا لذلك والمراد دواء غيرتكميد جراحهم بالنار وهو أن تسخن خرقة وتوضع على العضو الوجع ويتابع ذلك مرة بعد أخرى ليسكن الوجع فلا يخالف أنهم فعلوا ذلك أي أوقدوا النيران يكمدون بها جراحاتهم تلك الليلة
فمنهم من كان به تسع جراحات وهو أسيد بن حضير رضي الله تعالى عنه وعقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه ومنهم من كان به عشر جراحات وهو خراش بن الصمة رضي الله تعالى عنه
____________________

ومنهم من كان به بضع عشرة جراحة وهو كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه ومنهم من كان به بضع وسبعون جراحة وهو طلحة بن عبيد الله وقطعت أصبعه قيل السبابة وقيل البنصر فشلت بقية اصابع يده وهي اليسرى وفي رواية أنامله كما تقدم ومنهم من كان به عشرون جراحة وهو عبد الرحمن بن عوف كما تقدم أي وجرح من بني سلمة أربعون جريحا فقال صلى الله عليه وسلم لما رآهم اللهم ارحم بني سلمة
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مجروح وفي وجهه أثر الحلقتين ومشجوج في وجهه مسكورة رباعيتة وشفته السفلى قد جرحت من باطنها أي وفي المنتقى وشفته العليا قد كلمت من باطنها متوهن منكبه الأيمن لضربة ابن قمئة لعنه الله وركبتاه مجروحتان من وقعته في الحفيرة وتلقاه صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه فقال له يا طلحة أين سلاحك فقال قريب فذهب وأتى بسلاحه وبصدره تسع جراحات من تلك الجراحات التي به وهي كما تقدم بضع وسبعون جراحة يقول طلحة وأنا أهم بجراح رسول الله صلى الله عليه وسلم مني بجراحي ثم أقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا طلحة أين ترى القوم فقلت بالسفالة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الذي ظننت إما أنهم يا طلحة لن ينالوا منا مثلها حتى يفتح الله مكة علينا وقال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يا بن الخطاب إن قريشا لن ينالوا منا مثل هذا حتى نستلم الركن آه
وكان دليله صلى الله عليه وسلم في السير ثابت بن الضحاك وليس هو أخا جبير وقيل أخوه ولا زالوا سائرين حتى عسكروا بحمراء الأسد أي وهو محل بينه وبين المدينة ثمانية أميال أي وقيل عشرة اميال
وعن رجل من الأنصار قال شهدت أحد أنا وأخي فرجعنا جريحين فلما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو فقال لي أخي أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ إن تركنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لفسق والله ما لنا من دابة نركبها فخرجنا وكنت أيسر جراحا منه فكنت إذ غلب حملته عقبة ويمشي عقبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون من حمراء الأسد أي وذلك عند العشاء وهم يوقدون النيران فجاءتهما الحرس وكان على حرسه تلك الليلة عبادة بن بشر مع طائفة فلما أتى بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما ما حبسكما فأخبراه بغلبتهما فدعا لهما
____________________

بخير وقال لهما إي طالت بكما مدة كانت لكما مراكب من خيل وبغال وإبل وذلك ليس بخير لكم إي وهذان الرجلان عبد الله ورافع ابنا سهيل بن رافع والذي ضعف عن المشي رافع والحامل له عبد الله
واقام المسلمون بذلك المحل ثلاث ليال وكانوا يوقدون في كل ليلة من تلك الليالي خمسمائة نار حتى ترى من المكان البعيد وذهب صوت معسكرهم ونيرانهم في كل وجه فكبت الله تعالى عدوهم قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وكان عامة زادنا التمر
وحمل سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه ثلاثين بعيرا حتى وافت حمراء الأسد وساق جزرا لتنحر فنحروا في يوم اثنين وفي يوم ثلاثة ولقي كفار قرشي معبدا الخزاعي وكان يومئذ مشركا بالروحاء وكان راي خروجه صلى الله عليه وسلم خ خلف قريش فأخبرهم بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم لطلبهم وقد كانوا ارادوا الرجوع إلى المدينة فكسرهم خروجه فتمادوا إلى مكة قال لما كان صلى الله عليه وسلم بحمراء الاسد لقيه معبد الخزاعي وكانت خزاعة مسلمهم وكافرهم تحبه صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد والله لقد عز علينا ما اصابك في نفسك وما أصابك في اصحابك ولوددنا أن الله تعالى أعلى كعبك وأن المصيبة كانت لغيرك ثم مضى معبد حتى كان بالروحاء فلما رأى أبو سفيان معبدا قال هذا معبد وعنده الخبر ما وراءك يا معبد فقال تركت محمد وأصحابه قد خرجوا لطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا قد اجتمع معه من كان تخلف عنه بالأمس من الاويس والخزرج وتعاهدوا على ان لا يرجعوا حتى يلقوكم فيثأروا أي يأخذوا ثأرهم منكم وغضبوا لقولهم غضبا شديدا وندموا على ما فعلوا فيهم من الحنق شيء لم أر مثله قط قال ويلك ما تقول قال والله ما آرى أن ترحل حتى ترى نواصي الخيل فقال والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم قال فإني أنهاك عن ذلك فانصرفوا سراعا آه
أي وعند انصرافهم أرسل أبو سفيان مع نفر يريدون المدينة أن يخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأنهم أجمعوا على الرجعة فلما بلغوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال صلى الله عليه وسلم حسبنا الله نعم الوكيل فأنزل الله تعالى { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح } الآية وقال صلى الله عليه وسلم والذي
____________________

نفسي بيده لقد سومت لهم الحجارة ولو رجعوا لكانوا كأمس الذاهب أي وأرسل معبد الخزاعي رجلا يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بانصراف أبي سفيان ومن معه خائفين فانصرف إلى المدينة وظفر صلى الله عليه وسلم في حمراء الأسد بأبي عزة الشاعر الذي من عليه وقد اسر ببدر من غير فداء لأجل بناته وأخذ عليه عهدا أن لايقاتله ولا يكثر عليه جمعا ولا يظاهر عليه أحدا كما تقدم فنقض العهد وخرج مع قريش لأحد وصار يستنفر الناس ويحرضهم على قتاله صلى الله عليه وسلم بأشعاره كما تقدم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يفلت فأسر ثم قيل أن المشركين لما نزلوا بحمراء الاسد تركوه نائما فاستمر حتى ارتفع النهار وكان الذي اخذه عاصم بن ثابت وما أسر أحد من المشركين غيره في تلك الوقعة وقيل أسره عمير بن عبد الله
وفي النور لا استحضر أحدا في الصحابة اسمه عمير بن عبد الله فلما في به إليه صلى الله عليه وسلم قال يا محمد أقلني وامنن علي ودعني لبناتي وأعطيك عهدا أن لا أعود لمثل ما فعلت فقال صلى الله عليه وسلم لا والله لا تمسح عارضيك بمكة وفي لفظ تمسح لحيتك تجلس بالحجر تقول خدعت محمدا وفي لفظ سحرت محمدا مرتين اضرب عنقه يا زيد وفي لفظ يا عاصم بن ثابت وفي لفظ يا زبير وقال صلى الله عليه وسلم لا يلدع بالدال المهملة والغين المعجمة وفي لفظ لا يلسع المؤمن من جحر مرتين فضرب عنقه
وذكر أن رأسه حمل إلى المدينة مشهورا على رمح قال بعضهم وهو أول رأس حمل في الإسلام أي ولا ينافيه ما قيل إن أول رأس حمل في الإسلام رأس كعب بن الأشرف كما سيأتي في السرايا لأمكان أن يراد أن رأس ابي عزة أول رأس حمل إلى المدينة على رمح ولعل هذا لا ينافي ما حكاه بعضهم أن عمرو بن الجموح كان رابع الأربعة الذين دخلوا على سيدنا عثمان الدار وكان مع علي كرم الله وجهه في مشاهده فلما ولى معاوية رضي الله تعالى عنه خر هاربا إلى العراق فنهشته حية فدخل غارا ومات فأخبر بذلك زياد والي العراق فأرسل من حز رأسه وارسل به إلى معاوية فكان أول رأس نقل في الإسلام من بلد إلى بلد
قال بعضهم في معنى هذا المثل أي لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين أي إنه ينبغي للمرء أن يستعمل الحزم وهذا المثل لم يسمع من غيره صلى الله عليه وسلم ومورده أن شخصا
____________________

جرد سيفه وقصد النبي صلى الله عليه وسلم فضربه ليقتله فأخطأت الضربة فقال كنت مازحا يا محمد فعفا عنه ثم عاد لمثل ذلك مرة أخرى وقال مثل ذلك فأمر صلى الله عليه وسلم بقتله وقال لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
وأمر صلى الله عليه وسلم في ذلك المحل بقتل معاوية بن المغيرة بن أبي العاص وهو جد عبد الملك بن مروان لأمه وقد كان لجا إلى ابن عمه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أي فإنه لما رجع الكفار من أحد ذهب على وجهه ثم أتى باب عثمان فدقه فقالت ام كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم زوج عثمان من أنت قال ابن عم عثمان فقالت ليس هو ههنا فقال أرسلي إليه فله عندي ثمن بعير كنت اشتريته منه فجاء عثمان فلما نظر إليه قال أهلكتني وأهلكت نفسك فقال يابن عم لم يكن أحد أمس بي رحما منك فأجرني فأدخله عثمان رضي الله تعالى عنه منزله وصيره في ناحية ثم خرج عثمان ليأخذ له أمانا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن معاوية بالمدينة فاطلبوه فدخلوا منزل عثمان فأشارت إليهم أم كلثوم رضي الله تعالى عنها بأنه في ذلك المكان فاخرجوه وأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتله فقال عثمان رضي الله تعالى عنه والذي بعثك بالحق ما جئت إلا لأخذ له أمانا فهبه لي فوهبه وأجله ثلاثا وأقسم صلى الله عليه وسلم إن وجده بعدها قتله
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد فأقام معاوية ثلاث يستعلم أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتي بها قريش فلما كان في اليوم الرابع عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فخرج معاوية هاربا فأدركه زيد بن حارثة وعمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهما فرمياه حتى قتلاه وقد كان صلى الله عليه وسلم بعثهما إليه وقال لهما إنكما ستجدانه بموضع كذا وكذا أي بموضع بينه وبين المدينة ثمانية أميال فوجداه به فقتلاه وقيل تبعه علي كرم الله وجهه فقتله وكان صلى الله عليه وسلم بعث ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم فلحق اثنان منهم للقوم بحمراء الاسد فقتلوهما فوجدهما النبي صلى الله عليه وسلم قتيلين بحمراء الاسد فدفنهما في قبر واحد ولا يأتي هنا الجواب المتقدم في قتلى أحد
وجاءه صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام بعد رجوعه إلى المدينة بأن الحارث بن سويد في قباء فانهض إليه واقتص منه بمن قتله من المسلمين غدرا يوم أحد وهو المجذر
____________________

وتقدم أنه في بالذال المعجمة مشددة مفتوحة ابن ذياد وتقدم أنه بكسر الذال المعجمة وفتحها وتخفيف المثناة تحت لأن سويدا كان قد قتل ذياد أبا المجذر في الجاهلية فظفر المجذر بسويد والد الحارث فقتله في أبيه وذلك قبل الإسلام وكان ذلك سببا لوقعة بغاث فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم الحارث بن سويد واسلم المجذر بن ذياد وشهدا بدرا فجعل الحارث يطلب مجذرا يقتله بأبيه فلم يقدر عليه كما تقدم فلما كان يوم أحد وجال المسلمون تلك الجولة أتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه قيل وقتل ايضا قيس بن زيد فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء في وقت لم يكن يأتيهم فيه وهو شدة الحر في يوم حار فخرج إليه الأنصار من أهل قباء رضي الله تعالى عنهم ومنهم الحارث بن سويد وعليه ثوب مورس وفي لفظ في ملحفة مورسة وفي لفظ في ثوبين مضرجين وفي لفظ ممرضين فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عويمر ابن ساعدة بضرب عنقه أي فقال له قدم الحارث بن سويد إلى باب المسجد واضرب عنقه وقيل أمر عثمان بن عفان بذلك فقدم ليضرب عنقه فقال الحارث لما يا رسول الله فقال بقتلك المجذر بن ذياد وقيس بن زيد فما راجعه الحارث بكلمة فضرب عنقه قال وفي رواية أن الحارث قال والله قتلته أي المجذر وما كان قتلي إياه رجوعا عن الإسلام ولا ارتيابا فيه ولكن حمية من الشيطان وإني أتوب إلى الله ورسوله مما عملت وأخرج ديته وأصوم شهرين متتابعين وأعتق رقبة فلم يقبل منه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك انتهى ولم يذكر قتل قيس بن زيد لعله اكتفى بذلك في قتله الحارث ويعلم استحقاقه القتل بقتل قيس بن زيد بطريق أولى
أي وكان في هذه السنة الثالثة مولد الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما وسماه حربا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن أي لأنه صلى الله عليه وسلم لما جاء قال أروني ابني ما سميتموه قال علي حربا يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم هو حسن وحنكة صلى الله عليه وسلم بتمر
وكان في هذه السنة تحريم الخمر وقيل كان تحريمها في السنة الرابعة محاصر ببني النضير وقيل كان تحريمها بين الحديبية وخيبر وقيل كان بخيبر قال صلى الله عليه وسلم الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة وفي رواية الكرمة والنخلة وفي رواية الكرم والنخل كذا في مسلم ولعل ذكر الكرم كان قبل النهي
____________________

عنه وإلاففي مسلم لا يقولن أحدكم للعنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم وفي رواية فإن الكرم قلب المؤمن أو قيل ذلك بيانا للجواز وإشارة إلى أن النهي للتنزيه
وقد حرمت الخمر ثلاث مرات
الأولى في قوله تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر } أي القمار { قل فيهما إثم كبير } فإنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون القمار فسألوه عن ذلك فنزلت الآية الثانية أن بعض الصحابة صلى بأصحابه صلاة المغرب وهو سكران فخلط في القراءة فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } ثم أنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } فكف الناس عن شربها
وقد جاء أن حمزة رضي الله تعالى عنه لما شربها قال للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه هل أنتم إلاعبيد لأبي أي ففي البخاري أن حمزة رضي الله تعالى عنه لما شرب الخمر خرج فوجد ناقتين لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه فعلاهما بالسيف وبقر خواصرهما ثم أخذ من أكبادهما وجب سناميهما قال علي كرم الله وجهه فنظرت إلى منظر أفظعني فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة فأخبرته الخبرفخرج صلى الله عليه وسلم ومعه زيد فانطلقت معه فدخل على حمزة فتغيظ عليه فرفع حمزة رضي الله عنه بصره وقال هل أنتم إلا عبيد لابي فرجع النبي صلى الله عليه وسلم يقهقر حتى خرج وذلك قبل تحريم الخمر ولكون السكر كان مباحا لم يرتب على قول حمزة مقتضاه مع أن من قال لنبي أنت عبدي أو عبد أبي كفر
واعترض القول بأنها في السنة الرابعة بأن أنس بن مالك كان ساقيا لها فلما سمع المنادي بتحريمها أراقها
وفي البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه وإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلانا وفلانا أي ابا ايوب وأبا دجانة ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء وأبي بن كعب وأبا عبيدة ابن الجراح رضي الله تعالى عنهم إذ جاء رجل وقال هل بلغكم الخبر قالوا وما ذاك قال حرمت الخمر قالوا أهرق هذه القلال ياأنس فأهريقت وفي لفظ قال أنس رضي الله تعالى عنه فقمت إلى مهراس فضربتها بأسفله حتى تكسرت
وفي مسلم عن أبي طارق رضي الله تعالى عنه أنه قال يا رسول الله إنما أصنعه اي الخمر
____________________

للدواء فقال إنه ليس بدواء ولكنه داء وإراقة الخمر حينئذ إذ مع أنها كانت مباحة فهي محترمة تغليظ وتوكيد للتحريم وفطم للنفوس لأن إراقتها لم تكن بأمر منه صلى الله عليه وسلم
وسئل الحافظ السيوطي رحمه الله عن حكمة رجوعه صلى الله عليه وسلم القهقرى فاجاب بأنه لعله ككان من خوف الوثوب عليه ارشادا لمن يخاف الوثوب أو كان مقصود صلى الله عليه وسلم مداومته لحظة أو أن الروي أراد بالقهقرى مطلق الروع إلى المنزل لا بالظهر
وأنس رضي الله تعالى عنه لم يكن خادما للنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ أي في السنة الرابعة بل بعدها وحينئذ يكون القول بأن كونه في الثالثة أشكل
واشكل من هذا ما حكاه ابن هشام في قصة الأعشى بن قيس أنه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الأسلام فلما كان بمكة اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره فأخبره أنه جاءيريد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم فقال له يا أبا بصير إنه يحرم الزنا فقال الأعشى والله إن ذلك لأمرمالي فيه من أرب فقال إنه يحرم الخمرفقال الأعشى اما هذه إن في النفس منها لغلالات ولكني منصرف فأتروي منها عامي هذا ثم آته فأسلم فانصرف فمات في عامه ذلك ولم يعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا كلامه لما علمت أن الخمر لم تحرم بمكة وإنما حرمت بالمدينة في السنة الثالثة أو الرابعة وأجاب بعضهم أن الأعشى أراد المدينة فاجتاز بمكة فرض له بعض كفار قريش
واعترض بانه قيل إن القائل له ذلك أبو جهل لعنه الله وكان في دار عتبة بن ربيعة وأبو جهل قتل ببدر في السنة الثانية
وأجيب بانه على تسليم صحة ذلك بأنه يجوز أن يكون أبو جهل لعنه الله قصد صد الاعشى عن الإسلام بطريق التقول والافتراء لأنه كان يعرف ميل الأعشى إلى الخمر وعدم صبره على تركها فاختلق هذا القول من عنده ليمنعه بذلك عن الإسلام
أقول لما حرمت الخمر قال بعض القوم قتل قوم وهي في بطونهم أي لان جماعة شربوها صبح يوم أحد قتلوا من يومهم شهداء فأنزل الله تعالى { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } وكون أنس رضي الله تعالى عنه لم يكن خادما للنبي صلى
____________________

الله عليه وسلم إلا بعد السنة الرابعة يخالف ما سبق أن عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة جاءت به أمه ليخدمه صلى الله عليه وسلم
وفي البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ليس له خادم ثم أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أنسا غلام كيس فليخدمك فخدمته صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر وتقدم الجمع بين كون الآتي به أبا طلحة والآتي به أمه
وفي البخاري ايضا عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي طلحة التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني حين أخرج إلى خيبر فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل
وقد يقال لا منافاة لأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم لم يأمر أنسا بالخروج معه إلى خيبر لظنه أن أمه لا تسمح له بذلك فلما قال لأبي طلحة ما ذكر جاء إليه بأنس رضي الله تعالى عنه والله أعلم غزوة بني النضير
وهم قوم من اليهود بالمدينة وفي كلام بعضهم بنو النضير هؤلاء حي من يهود خيبر أي وقريتهم كان يقال لها زهرة
كانت تلك الغزاة في ربيع الأول أي من السنة الرابعة وقيل كانت قبل وقعة أحد قال وبه قال البخاري قال ابن كثير والصواب إيرادها بعد أحد كما ذكر ذلك ابن اسحاق وغيره من أئمة المغازي انتهى
أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لحرب بني النضير والسير إليهم
واختلف في سبب ذلك فمن جملة ما قيل أنه ذهب إليهم ليسألهم كيف الدية فيهم أي لأنه كان بينهم وبين بني عامر قبيلة الرجلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري عند رجوعه من بئر معونة غيلة حلف وعقد
وقيل ذهب إليهم ليستعين بهم في دية الرجلين المذكورين أي وكان صلى الله عليه وسلم أخذ العهد على اليهود أن يعاونوه في الديات
وقيل لأخذ دية الرجلين منهم لأن بني النضير كانوا حلفاء لقوم الرجلين المذكورين
____________________

وهم بنوا عامر كذا في الأصل فليتأمل فإن فيه أخذ الدية من حلفاء المقتول وسار إليهم صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه أي دون لعشرة فيهم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله تعالى عنهم فقالوا له نعم يا أبا القاسم حتى ترجع وتطعم بحاجتك وكان صلى الله عليه وسلم جالسا الى جنب جدار من بيوتهم فخلا بعضهم ببعض وقالوا إنكم لن تجدوا الرجل على مثل هذه الحالة فمن رجل يعلو هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه فقال أحد ساداتهم انا لذلك أي وهو عمرو بن جحاش وقال لهم سلام بن مشكم لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممهتم به أنه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه فلما اصعد ذلك الرجل ليلقي الصخرة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما اراد القوم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مظهرا أنه يقضي حاجته وترك أصحابه في مجالسهم ورجع مسرعا إلى المدينة ولم يعلم من كان معه من الحصابة أصحابه فقاموا في طلبه صلى الله عليه وسلم لما استبطئوه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه فقالوا رايته داخل المدينة فأقبل أصحابه حتى انتهوا إليه فاخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أرادت بنوالنضير وقد اشار إلى ذلك الإمام السبكي في تائيته نقوله ** وجاءك وحي بالذي أضمرت بنو الن ** نضير وقد هموا بالقاء صخرة **
أي وفي رواية لما رأوا قلة أصحابه صلى الله عليه وسلم قالوا نقتله ونأخذ أصحابه أسارى إلى مكة فنبيعهم من قريش أي ولا مانع من وجود الأمرين
وقيل السبب في خروجه صلى الله عليه وسلم إليهم أنهم أرسلوا إليه أن أخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك وليخرج منا ثلاثون حبرا فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك فلما غدا عليهم في ثلاثين من أصحابه قال بعضهم لبعض كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون كل يحب أن يموت قبله فأرسلوا إليه أن أخرج في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا فإن آمنوا بك اتبعناك ففعل واشتملت اليهود الثلاثة على الخناجر فأرسلت امرأة من بني النضير لأخ لها مسلم تعلمه بذلك فأعلم أخوها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فرجع ولا مانع من وجود ذلك مع ما تقدم لكن في السيرة الهاشمية أن خبر ذلك بلغه قبل وصوله إليهم فرجع فبينما بنو النضير على ذلك أي على إرادة القاء الحجر والتهيؤ لإلقائه إذ جاء من اليهود من المدينة فقال لهم ما تريدون فذكروا له الأمر فقال لهم أين محمد قالوا هذا محمد فقال لهم والله لقد تركت محمدا
____________________

داخل المدينة فأسقط في ايديهم وقالوا قد أخبر بأمرنا فأرسل إليهم محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه أن أخرجوا من بلدي يعني المدينة لأن قريتهم من أعمالها فلا تساكنوني بها فقد هممتم بما هممتم به من الغدر أي وأخبرهم بما هموا به من ظهور عمرو بن جحاش على ظهرالبيت ليطرح الصخرة فسكتوا ولم يوقولا حرثا قال ويقولوا لكم قد أجلتكم عشرا فمن رؤي بعد ذلك ضربت عنقه واقتصاره صلى الله عليه وسلم على ذلك لاينافي ما تقدم من إرادة قتله أيضا قيل وأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم } ولاينافي ذلك ما تقدم من نزولها في حق دعثور في غزوة ذي أمر لجواز تكرارالنزول فأرسلوا في إحضار الأبل فأرسل إليهم المنافقون أن لا تخرجوا من دياركم ونحن معكم إن قوتلتم فلكم علينا النصر وإن أخرجتم لن نتخلف عنكم خصوصا عبد الله بن أبي بن سلول لعنه الله فإنه أرسل لهم لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصونكم فإن معي الفين من قومي وغيرهم من العرب يدخلون حصونكم ويموتون عن آخرهم قبل أن يوصل إليكم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان فطمع بنو النضيرفيما قال ابن أبي فأرسلوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير وكبر المسلمين لتكبيره وقال حاربت يهود قال والمتولى أمر ذلك سيد بني النضير حيي بن أخطب والد صفية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وقد نهاه أحد سادات بني النضير وهو سلام بن مشكم وقال له منتك نفسك والله يا حيي الباطل فإن قول ابن أبي ليس بشيء وإنما يريد أن يورطك في الهلكة حتى تحارب محمدا فيجلس في بيته ويتركك الا ترى أنه أرسل إلى كعب بن أسد القرظي سيد بني قريظة أن تمدكم بنو قريظة فقال له لا ينقض رجل واحد منا العهد فأيس من بني قريظة وأيضا قد وعد حلفاءه من بني قينقاع مثل ما وعدك حتى حاربوا ونقضوا العهد وحصروا أنفسهم في صياصيهم أي حصونهم وانتظروا ابن أبي فجلس في بيته وسارإليهم محمد حتى نزلوا على حكمة فإذا كان ابن أبي لا ينصر حلفاءه ومن كان يمنعه من الناس ونحن لم نزل نضربه بسيوفنا مع الأوس في حروبهم أي فإنه إذا كان بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت بنو النضير وقريظة مع الأوس فكيف يقبل قوله فقال حيي نأبي إلا عداوة محمد وإلا قتاله قال سلام فهو والله جلاؤنا من
____________________

أرضنا وذهاب أموالنا وشرفنا وسبي ذرارينا مع قتل مقاتلينا فأبى حيي إلامحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له بنو النضير أمرنا لأمرك تبع لن نخالفك فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكراه فتهيأ الناس لحربهم فلما اجتمع الناس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم وحمل رايته علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وسار بالناس حتى نزل وصلى بهم العصر بفنائهم وقد تحصنوا وقاموا على حصنهم يرمون بالنبل والحجارة
أي وفي كلام بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه رضي الله تعالى عنهم بالمسير إلى بني النضير فسار بهم إليهم فوجدهم ينحن ينوحون على كعب بن الأشرف أي الآتي قتله في السرايا قالوا يا محمد داعية إثر داعية وباكية إثر باكية ذرنا نبكي شجونا ثم أئتمر أمرك فقال صلى الله عليه وسلم لهم اخرجوا من المدينة قالوا الموت أهون من ذلك ثم تبادروا بالحرب هذا كلامه
قال ولما جاء وقت العشاء رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته في عشرة من أصحابه عليه الدرع وهو على فرس واستعمل على العسكر علي بن أبي طالب ويقال ابا بكر وبات المسلمون يحاصرونهم ويكبرون حتى أصبحوا ثم اذن بلال بالفجر فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه الذين كانوا معه فصلى بالناس وأمر بلالا فضرب القبة وهي قبة من خشب عليها مسوح فدخل صلى الله عليه وسلم فيها وكان رجل من يهود يقال له غزول وكان أحسن راميا يبلغ نبله مالا يبلغه نبل غيره فوصل نبله تلك القبة فأمر بها فحولت وفي ليلة من الليالي فقد علي رضي الله تعالى عنه قرب العشاء فقال الناس يا رسول الله ما نرى عليا فقال دعوه أي اتركوه فإنه في بعض شأنكم فعن قليل جاء برأس الرجل الذي يقال له غزول الذي وصل نبله قبتة صلى الله عليه وسلم كمن له علي حين خرج يطلب غزوة من المسلمين ومعه جماعة فشد عليه فقتله وفر من كان معه فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علي أبا دجانة وسهل بن حنيف في عشرة فأدركوا أولالئك الجماعة الذين كانوا مع غزول وفروا من علي فقتلوهم انتهى
وذكر بعضهم إن اولئك الجماعة كانوا عشرة وإنهم أتوا برؤوسهم فطرحت في بعض الآبار وفي هذا رد على بعض الرافضة حيث وادعى إن عليا هو القاتل لاولئك العشرة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخل أي وبحرقها بعد أن حاصرهم ست ليال
____________________

وقيل خمسة عشر يوما أي وقيل عشرين ليلة وقيل ثلاثا وعشرون ليلة وقيل خمسا وعشرين ليلة وكان سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه في تلك المدة يحمل التمر للمسلمين أي يجاء به من عنده قال واستعمل رسول الله على قطع النخل أبا ليلى المازني وعبد الله بن سلام وكان أبو ليلى يقطع العجوة وعبد الله يقطع اللين ويقال له اللون وهو ما عدا العجوة والبرني من أنواع التمر بالمدينة ومن أنواع تمر المدينة الصيحاني
وجاء عن علي كرم الله تعالى وجهه قال خرجت مع رسول الله فصاحت نخلة بأخري هذا النبي المصطفى وعلي المرتضى فقال صلى الله عليه وسلم يا علي إنما سمي نخل المدينة إي هذا النوع صيحانيا لأنه صاح بفضلي وهو حديث مطعون فيه قيل أنه كذب والبرن بالفارسية حمل مبارك أو جيد
وفي شرح مسلم للنووي انها مائة وعشرون نوعا أي وفي تاريخ المدينة الكبير للسيد السمهودي إن أنواع التمر بالمدينة التي أمكن جمعها بلغت مائة وبضعا وثلاثين نوعا ويوافقه قول بعضهم اختبرناها فوجدناها أكثر مما ذكره النووي قال ولعل ما زاد علي ما ذكره حدث بعد ذلك
أي وأما أنواع التمر بغير المدينة كالمغرب فلا تكاد تنحصر فقد نقل إن عالم فاس محمد بن غازي أرسل إلى عالم سلجمامسة إبراهيم بن هلال يساله عن حصر أنواع التمر بتلك البلده فأرسل إليه حملا أو حملين من كل نوع تمر تمرة واحدة وكتب إليه هذا ما تعلق به علم الفقير وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
ثم رأيت في نشق الأزهار إن بهذه البلدة رطبا يسمى البتوني وهو أخضراللون وأحلى من عسل النحل ونواة في غاية الصغر وكانت العجوة خير أموال بني النضير أي لأنهم كانوا يقات يقتاتونها
وفي الحديث العجوة من الجنة وثمرها يغذي أحسن غذاء اي وتقدم أن آدم نزل بالعجوة من الجنة
وفي البخاري من تصبح كل يوم على سبع تمرات عجوة لم يصبه في ذلك اليوم سم ولا سحر أي قد جاء وقال في عجوة العالية شفاء وإنها ترياق أول البكرة من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر
____________________

أي وفي كلام بعضهم العجوة ضرب من التمر أكبر من الصيحاني تضرب إلى السواد وهو مما غرسه النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة بالمدينة أي وقد علمت إنها في نخل بني النضير
وفي العرائس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هبط آدم من الجنة بثلاثة اشياء بالآسة وهي سيدة ريحان الدنيا والسنبلة وهي سيدة طعام الدنيا والعجوة وهي سيدة ثمارالدنيا
وروي عن ابن عباس وعائشة وابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال إن العجوة من غرس الجنة وفيها شفاء وإنها ترياق أول البكرة وعليكم بالتمرالبرني فكلوه فإنه يسبح في شجرة ويستغفر لآكله هذا كلام العرائس وفي حديث وفد عند ابن القيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم ذلك وذكر البرني أنه من خيرتمركم وأنه دواء وليس بداء وجاء بيت لا تمر فيه جياع أهله قال ذلك مرتين
ولما قطعت العجوة شق النساء الجيوب وضربن الخدود ودعون بالويل أي وذلك البعض الذي حرق كان بمحل يعرف بالبويرة أه أي والبويرة تصغير بورة وهي هنا الحفرة ويقال لها البولة باللام بدل الراء وعند ذلك نادوه أي يا محمد وفي رواية يا ابا القاسم قد كنت تنهي عن الفساد وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخل وتحريقها أي وفي رواية ما هذا الفساد وفي لفظ قالوا يا محمد زعمت أنك تريد الصلاح أفمن الصلاح قطع النخل وهل وجدت فيما زعمت أنه انزل عليك بالفساد في الارض وقالوا للمؤمنين إنكم تكرهون الفساد وأنتم تفسدون وحينئذ وقع في نفوس بعض المسلمين من ذلك شيء فأنزل الله تعالى { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } أي في قولهم إن ذلك من الفساد
قال بعضهم جميع ما قطعوا وحرقوا ست نخلات ولا زال عبدالله بن أبي بن سلوم يبعث بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا فإنكم إن قوتلتم قاتلنا معكم وإن اخرجتم خرجنا معكم أي ومعه على ذلك جمع من قومه فانتظروا ذلك فخذلهم ولم يحصل لهم منه شيء أي وجعل سلام بن مشكم وكنانة بن صوريا يقولان لحيي أين نصر بن أبي الذي زعمت فيقول حيي ما اصنع هي ملحمة كتبت علينا ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

حصارهم وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم على ان لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة اي آلة الحرب ففعل فاحتملوا النساء والصبيان وحملوه من أموالهم غيرالحلقة مااستقلت به الأبل وكانت ستمائة بعير كان الرجل يهدم بيته عما استحسن من خشبة كبابه وكنجاف به أي اسكفته فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به
أي وفي لفظ صاروا ينقضون العمد والسقوف وينزعون الخشب حتى على الاوتاد وينقضون الجدران حتى لا يسكنها المسلمون حسدا وبغضا
وفي رواية جعل المسلمون يهدمون ما يليهم من حصنهم ويهدم الآخرون ما يليهم قال وفي رواية أنهم خرجوا مظهرين التجلد خرجت النساء على الهوادج وعليهن الديباج والحرير وقطف الخز الأخضر والأحمر وحلي الذهب والفضة وخلفهم القيان بالدفوف والمزامير ومنهم سلمى أم وهب
وقال ابن اسحاق أم عمرو صاحبة عروة بن الورد الذي قيل فيه من قال أن حاتما أسمح العرب فقدظلمة عروة بن الورد أغار عروة على قومها فسباها ثم اتخذها حليلة له فجاءت منه بأولاد
ثم ان بعض بني النضير اشتراها من عروة بعد أن سقاه الخمر ثم لما افاق ندم ثم اتقق هو ومن اشتراها على أن تكون عند من تختاره فخيرها فاختارت من اشتراها
وقيل إن قومها جاءوا إليه بفدائها فخيرها وكان لا يظن أن تختارعليه أحدا فاختارت قومها فندم
وعند مفارقتها له قالت له والله ما أعلم امراة من العرب أرخت سترا على بعل مثلك أغض طرفا ولا اندى كفا ولا اغنى غناء وإنك لرفيع العماد كثيرالرماد خفيف على ظهور الخيل ثقيل على متون الأعداء وأحنى على الأهل والجار وما كنت لأوثر عليك أهلي لولا إني كنت أسمع بنات عمك يقلن قالت أم عروة وفعلت أم عروة فأجد من ذلك الموت والله لا يجامع وهي وجه أحد من أهلك فاستوص ببنيك خيرا ثم تزوجت في بني النضير وشقوا سوق المدينة وصف لهم الناس فجعلوا يمرون قطارا في أثر قطار وإن سلام بن ابي الحقيق رافع جلد جمل أي أو ثور أو حمار مملوء
____________________

حليا وينادي بأعلى صوته هذا أعددناه لرفع الأرض وخفضها وإن كنا تركنا نخلا ففي خيبرأنخل وحزن المنافقون لخروجهم أشد الحزن انتهى
وهذا الحلى كانوا يعيرونه مللعرب من أهل مكة وغيرهم وكان يكون عند آل أبي الحقيق وسياتي في غزوة خيبر أنه صلى الله عليه وسلم عبر عن هذا الحلي بالآنية والكنز وأنه كان سبب القتل ولدي أبي الحقيق لما كتماه عنه صلى الله عليه وسلم
فمنهم من سار إلى خيبر أي ومن جملة هؤلاء أكابرهم حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق وكنانة بن أبي الربيع بن أبي الحقيق فلما نزلوا خيبر دان لهم أهلها
ومنهم من سار إلى الشام أي إلى أذرعات وكان فيهم جماعة من أبناء الأنصار لأن المراة من الأنصار كان إذا لم يعش لها ولد تجعل على نفسها إن عاش لها ولد تهوده فلما أجليت بنو النضير قال آباء أولئك لا ندع أبناءنا وأنزل الله تعالى { لا إكراه في الدين } وهي مخصوصة بهؤلاء الذين تهودوا قبل الإسلام وإلا فأكراه الكفار الحربيين على الإسلام سائغ ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان وهما يامين بن عمير وأبو سعد بن وهب قال أحدهما لصاحبه والله إنك لتعلم أنه رسول الله فما ننتظر أن نسلم فنامن على دمائنا وأموالنا فنزلا من الليل واسلما فأحرزا أموالهما أي وجعل يامين لرجل من قيس جعلا أي وهو عشرة دنانير وقيل خمسة اوثق من تمر على قتل عمرو بن جحاش الذي أراد أن يلقي الحجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله عيلة أي بعد أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليامين ألم تر ما لقيت من ابن عمك وما هم به من شأني فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل في أمر بني النضير صورة الحشر ولذلك كان يسميها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما صورة بني النضير كما في البخاري
وفي كلام السبكي رحمه الله لم يختلف ان سورة الحشر نزلت في بني النضير وقد اشار لقصتهم صاحب الهمزية بقوله ** خدعوا بالمنافقين وهل ين ** فق إلاعلى السفيه الشقاء ** ونهيتم وما انتهت عنه قوم ** فأبيد الأمار والنهاء ** أسلموهم لأول الحشر لأمير ** عادهم صادق ولا الإيلاء ** سكن الرعب والخراب قلوبا وبيوتا ** منهم نعاهاالجلاء **
____________________


أي وخدعهم قول المنافقين أنهم يكونون معهم وينصرونهم على النبي صل صلى الله عليه وسلم وما يروج الشقاء إلا على السفيه والمراد بالمنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول ومن كان معه على النفاق لأنه كما تقدم لا زال يرسل لهم أن اثبتوا وتمنعوا فإنكم إن قوتلتم قاتلن معكم وإن خرجتم خرجنا معكم ونهاهم عن موافقته سلام بن مشكم فلم ينتهوا وأسلمهم اولئك المنافقون لأول الحشر وهو أي الحشر جلاؤهم وخروجهم من ديارهم فميعادهم لهم بأن ينصرونهم على النبي صلى الله عليه وسلم غير صادق وكذا حلفهم لهم على ذلك غيرصادق أيضا
ذكر موسى بن عقبة أنهم كانوا من سبط لم يصبهم جلاء قبلها لذلك قال لأول الحشر والحشر الجلاء
وقيل المراد بالمحشر أرض المحر فإنهم قالوا إلى اين نخرج يا محمد قال إلى الحشر يعني أرض المحشر والحشر الثاني هو حشر النار التي تخرج من قعر عدن فتحشر الناس إلى الموقف
وقيل الحشر الثاني لهم كان على يد سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه أجلاهم من خيبر إلى تيمياء وأريحاء وسيأتي ذكره وسكن الرعب وهو خشية انتقامه صلى الله عليه وسلم منهم قلوبهم وسكن الخراب بيوتهم وقد أخبر تلك البيوت بموت أهلها خروجهم وجلاؤهم من أرضهم وأنزل الله تعالى { ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب } وهم بنو النضير { لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم } أي في خذلانكم { أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم } مثلهم { كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين } ووجد صلى الله عليه وسلم من الحلقة أي آلة السلاح خمسين درعا وخمسين بيضة وثلثمائة وأربعين سيفا ولم يخمس ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أي كما خمس أموال بني قينقاع قال وقد قال له عمر رضي الله تعالى عنه يا رسول الله ألا تخمس ما أصبت أي كما فعلت في بني قينقاع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول لا اجعل شيئا جعله الله لي دون المؤمنين بقوله تعالى { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } الآية كهيأة ما وقع فيه السهمان أي فكان أموال بني النضير وعقارهم فيئا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

فاصة وتقدم التنبيه على ذلك في غزوة بني قينقاع وفسرت القرى بالصفراء ووادي القرى أي ثلث ذلك كما في الإمتاع وينبع وفسرت القرى ببني النضير وخيبر أي بثلاث حصون منها وهي الكتيبة والوطيح وسلالم كما في الإمتاع وفدك أي نصفها كما في الإمتاع ذكره الرافعي في شرح مسند إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه
أقول قال بعضهم وهذا أول فيء حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويرده ماتقدم في غزوة بني قينقاع إلا ان يقال المراد أول فيء اختص به صلى الله عليه وسلم ولم يقسمه قسمة الغنيمة على ما تقدم
ثم دعا الأنصار الاوس والخزرج فحمد الله وأثنى عليه بما هو اهله ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين من إنزالهم في منازله وإيثارهم على أنفسهم بأموالهم ثم قال لهم إن أخوانكم المهاجرين ليس لهم اموال فإن شئتم قسمت هذه الأموال أي التي افاء الله علي وخصني بها مع اموالكم بينكم جميعا وإن شئتم أمسكتم أموالكم وقسمت هذه فيهم خاصة فقالوا بل اقسم هذه فيهم وأقسم لهم من أموالنا ما شئت
وفي رواية إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين ما أفاء الله على من بني النضير وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في منازلكم وأموالكم أي الأرض والنخل لانه لما قدم المهاجرون من مكة إلى المدينة قدموا وليس بأيديهم شييء وكان الانصار أهل الأرض والعقار أي النخل فآثروهم بمتاع من اشجارهم فمنهم من قبلها منيحة محضة ويكفونه العمل ومنهم من قبلها بشرط ان يعمل في الشجر والأرض وله نصف الثمار ولم تطب نفسه أن يقبلها محضة لحظة لشرف نفوسهم وكراهتهم أن يكونوا كلا وإن احببتم أعطيتهم أي وخرجوا من دوركم أي وأموالكم فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فقالا يا رسول الله بل تقسم بين المهاجرين ويكونون في دورنا كما كانوا بل نحب أن تقسم ديارنا واموالنا على المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم وعشائرهم وخرجوا حبا لله ولرسوله ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها ونادت الأنصار رضينا وسلمنا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار زاد في رواية وأبناء أبناء الانصار وقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه جزاكم الله يا معشر الأنصار خيرا أي وأنزل الله تعالى فيهم { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } أي ولو كان بهم فاقة وحاجة إلى ما يؤثرون به فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

ذلك بين المهاجرين أي وفي كلام بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم لم يعم المهاجرين ولم يعط أحدا من الأنصار إلا رجلين كانا محتاجين أي وهما سهل بن حنيف وابو دجانة رضي الله تعالى عنهما وبعضهم ضم إليهما ثالثا وهو الحارث بن الصمة ونظر فيه بعضهم بأنه قتل في بئر معونة
وأعطى صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق أحد سادات بني النضير وكان سيفا له ذكر عندهم وكان صلى الله عليه وسلم يزرع أرضهم التي تحت النخل فيدخر من ذلك قوت أهله سنة وما فضل يجعله في الكراع أي الخيل والسلاح عدة في سبيل الله تعالى
أقول فيه تصريح بأنه لم يقسم الأرض ويحتمل ان المراد بقوله كان يزرع أرضهم التي تحت النخل أي بعض أرضهم ويدل له ما يأتي ولم اقف على كيفية زرعه صلى الله عليه وسلم للأرض من مزارعة أو غيرها
وفي الخصائص الكبرى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان نخل بني النضير رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة اعطاه الله إياه وخصه بها فاعطى أكثرها المهاجرين وقسمها بينهم وقسم منها لرجلين من الأنصار
وهذا السياق يدل على ان مراده بنخل بني النضير أموالهم كما تقدم في الروايات خصوص النخل
ثم رايت في عبارة بعضهم وأكثر الروايات على أن اموال بني النضير أي من مواشيهم كالخيل ومزارعهم وعقارهم حق لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة له خصه الله تعالى بها لم يخمسها ولم يسهم منها لاحد وأعطى منها مااراد ووهب العقار للناس وأعطى ابا بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وصهيبا وأبا سلمة بن عبد الأسد ضياعا معروفة من ضياع بني النضير
ولعل المراد بالضياع الاراضي ويدل لي لذلك ما في البخاري اقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير ارضا من اراضي بني النضير كما ان ذلك هو المراد بقول الإمتاع وكانت بنو النضير من صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلها حبسا لنوائبه وكان صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله منها وكانت صدقاته منها
وقد يقال لا منافاة لانه يجوز أن يكون أعطى بعض أراض وابقى بعضها يزرع
____________________

له صلى الله عليه وسلم ولما أعطى المهاجرين امرهم برد ما كان للأنصار للاستفنائهم عنهم ولأنهم لم يكونواملكوهم ذلك وإنما كانوا دفعوا لهم تلك النخيل لينتفعوا بثمرها وظنت أم أيمن أن ذلك ملك لها فامتنعت من رده أي لأن أم أنس كانت أعطته صلى الله عليه وسلم نخلات فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم ايمن ولم ينكر عليها ذلك تطييبا لقلبها لكونها حاضنته وصار يعطيها وهي تمتنع من رده إلى ان أعطاها عشرة امثاله أو قريبا من ذلك
وذكر هذا في بني النضير يخالف ما في مسلم أن ذلك كان عند فتح خيبر حيث ذكر أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قتال أهل خيبر وانصرف إلى المندينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارها وذكر قصة أم أيمن فليتأمل والله أعلم غزوة ذات الرقاع
أي وتسمى غزوة الأعاجيب أي لما وقع فيها من الأمور العجيبة وغزوة محارب وغزوة بني ثعلبة وغزوة بني أنمار
عن ابن ا سحاق رحمه الله ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بني النضير شهر ربيع الاول وقال غيره شهري ربيع وبعض جمادي ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة حين بلغه صلى الله عليه 2 وسلم انهم جمعوا الجموع أي من غطفان لمحاربته فخرج صلى الله عليه وسلم في أربعمائة من أصحابه رضي الله عنهم اي وقيل سبعمائة وقيل ثمانمائة
أي واحتج البخاري رحمه الله علي أن هذه الغزاة كانت بعد خيبر بما رواه عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه مما يدل على أن أبا موسى شهد غزاة ذات الرقاع وهو خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر بيننا بعير فنقبت أقدامنا وسقطت أظفاري فكنا نلف على أرجلنا الخرق فسميت غزاة ذات الرقاع
وإذ ثبت أن ابو موسى شهد غزاة ذات الرقاع وثبت أنه لم يجئ إليه صلى الله عليه وسلم من الحبشة إلا بخيبر لزم أن تكون غزوة ذات الرقاع بعد خيبر إلا أن يدعى تعدد غزوة ذات الرقاع مرتين وإنها كانت قبل خيبر وبعدها والتي وجدت فيها صلاة
____________________

الخوف هي الثانية أي والسبب في تسميتها ذات الرقاع ما تقدم عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه وحيث كانت بعد خيبر يلزم أن تكون بعد الخندق لقول الحافظ ابن حجر رحمه الله صلاة الخوف في غزوة الخندق لم تكن شرعت اي أها لو كانت شرت لصلاها صلى الله عليه وسلم ولم يؤخرالصلاة كما سيأتي وسيأتي الجواب عن ذلك
وقد ذكرها الشمس الشامي رحمه الله تعالى بعد خيبر والأصل لم يذكر ما تقدم عن البخاري بل رواه بالمعنى فقال روينا في صحيح البخاري للحديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه أنهم نقبت أقدامهم فلفوا عليها الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع قال وجعله أي البخاري حديث أبي موسى هذا حجة على أن غزوة ذا ت الرقاع متاخرة عن خيبر أبا موسى إنما تقدم في خيبر لا دلالة فيه على ذلك أي لأنه يجوز أن يكون قول ابي موسى رضي الله تعالى عنه إنهم نقبت اقدامهم يعني الصحابة فيكون هذا مما رواه أبو موسى عمن شاهد الوقعة من الصحابة وفيه أن هذا لا يأتي مع قول البخاري عن أبي موسى فنقبت قدماي وسقطت أظفاري إذ هو صريح في أن أبا موسى رضي الله تعالى عنه حضرها والأصل تبع في تقديمها على خيبر شيخه الديمياطي وتابعه أيضا في رواية ما تقدم ما تقدم عن البخاري بالمعنى ونظر الديمياطي في رواية أبي موسى أي التي في البخاري التي رواها عنه بالمعنى بأنها مخالفة لما عليه أهل المغازي من تقديمها على خيبر
قال الحافظ بن حجر وإدعى الدمياطي غلط الحديث الصحيح وأن جميع أهل السير على خلافه والاعتماد على مافي الصحيح أي من تاخأيرها أولى لأن أصحاب المغازي مختلفون في زمانها قال والبخاري مع روايتة عن ابي موسى الصريحة في تاخر غزوة ذات الرقاع عن غزوة خيبر قدم غزوة ذات الرقاع على خيبر قال ولا أدري هل تعمد ذلك تسليم لأصحاب المغازي أنها كانت قبل خيبراو ان ذلك من الرواة عنه او إشارة إلى احتمال أن تكون ذات الرقاع اسما لغزوتين مختلفتين أي واحدة قبل خيبر والثانية بعدها كما قدمناه أي وقدمنا أن سبب التسمية في الثانية ما ذكر عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه وأما في الأولى فأحد الاسباب الآتية
قال في الامتاع وقد قال بعض من أرخ إن غزوة ذات الرقاع أكثر من مرة فواحدة كانت قبل الخندق وأخرى بعدها أي وبعد خيبر
ولما غزا صلى الله عليه وسلم استخلف على المدينة أبا ذر الغفاري وقيل عثمان بن
____________________

عفان رضي الله تعالى عنه قال ابن عبدالبر وعليه الأكثر أي وقد نظر في الأولى بأن أبا ذر رضي الله تعالى عنه لما اسلم بمكة رجع إلى بلاد قومه فلم يجيء حتى مضت بدرا وأحد والخندق
أقول وهذا النظر بناء على أنها كانت قبل الخندق وأما على انها كانت بعد لخندق وبعد خيبر فلا يتأتى هذا النظر واللهأعلم
وسار صلى الله عليه وسلم حتى بلغ نجد فلم يجدبها أحد ووجد نسوة فأخذهن وفيهن جارية وضيئة ثم لقي جمعا فتقارب الجمعان ولم يكن بينهما حرب
وقد خاف بعضهم بعضا أي خاف المسلمون أن تغير المشركون عليهم وهم غارون أي غافلون حتى صلى رسول الله صلى اللع عليه عليه وسلم بالناس صلاة الخوف وكانت أول صلاة للخوف صلاها
قال وفي رواية حانت صلاة الظهر فصلاها صلى الله عليه وسلم باصحابه فهم بهم المشركون فقال قائلهم دعوهم فإن لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أبنائهم أي وهي صلاة العصر فنزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره فصلى صلاة العصر صلاة الخوف آه
أقول سيأتي هذا كله بعينه في غزوة الحديبية التي هي صلاة الخوف بعسفان ولا مانع من تعدد ذلك ويحتمل أنه من الاشتباه على بعض الرواة والله أعلم
وكان العدو في غير جهة القبلة ففرقهم فرقتين فرقة وقفت في وجه العدو وفرقة صلى بها ركعة ثم عند قيامه للثانية فارقته وأتمت بقية صلاتها ثم جاءت ووقفت في وجه العدو وجاءت تلك الغرقة التي كانت في وجه العدو واقتدت به في ثانيته فصلى بها ركعة ثم قامت وهو في جلوس التشهد وأتمت بقية صلاتها ولحقته في جلوس التشهد وسلم بها وهذه الكيفية في ذات الرقاع رواها الشيخان ونزل بها القرآن وهو قوله تعالى { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } الآية
اي وفي كلام بعضهم فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف صلى بطائفة ركعتين وبالأخرى أخريين وسيأتي ان هذه صلاته صلى الله عليه وسلم ببطن نخل
____________________


وفي الخصائص الصغرى وخص صلى الله عليه وسلم بصلاة الخوف فلم تشرع لأحد من الأمم من قبلنا وبصلاة شدة الخوف عند التحام القتال
أي وفي هذه الغزوة نزل صلى الله عليه وسلم ليلا وكانت تلك اليلة ذات ريح وكان نزوله صلى الله عليه وسلم في شعب استقبله فقال من رجل يكلؤنا أي يحفظنا هذه الليلة فقام عباد بن بشر رضي الله تعالى عنه وعمار بن يا سر رضي الله تعالى عنهما فقالا نحن يا رسول الله نكلؤكم فجلسا على فم الشعب فقال عباد بن بشر لعمار بن ياسر أنا أكفيك أول الليل وتكفيني أخره فنام عمار رضي الله تعالى عنه وقام عباد رضي الله تعالى عنه يصلي وكان زوج بعض النسوة التي أصابهن رسول الله صلى الله عليه وسلم غائبا فلما جاء أخبر الخبر فتبع الجيش وحلف لا ينثني حتى يصيب محمدا أويهريق في أصحاب محمد دما فلما رأى سواد عباد قال هذا ربيئة القوم ففوق سهما فوضعه فيه فانتزعه عباد فرماه باخر فوضعه فيه فانتزعه فرماه بأخر فانتزعه فلما غلبه الدم قال لعمار اجلس فقد اثبت فلما راى ذلك الرجل عمار أجلس علم أنه قد نذر به فهرب فقال عمار اي أخي ما منعك أن توقظني له في أول سهم رمى به فقال كنت أقرأ في سورة أي في سورة الكهف فكرهت ان أقطعها
وفي لفظ جعل صلى الله عليه وسلم شخصين من اصحابه يقال هما عباد بن بشر من الانصار وعمار بن ياسر من المهاجرين في مقابلة العدو فرمى أحدهما بسهم فأصابه ونزفه الدم وهو يصلي ولم يقطع صلاته بل ركع وسجد ومضى في صلاته ثم رماه بثان وثالث وهو يصيبه ولم يقطع صلاته أى وهو عباد بن بشر كما تقدم وقد قال عباد اعتذارا اعن إيقاظ صاحبه لولا اني خشيت ان أضيع ثغرا أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انصرفت ولو أتى على نفسي
أقول وبهذه الواقعة استدل أئمتنا على أن النجاسة الحادثة من غير السبيلين لا تنقض الوضوء لأنه صلى الله عليه وسلم علم ذلك ولم ينكره
وأما كونه صلى مع الدم فلعل ما أصاب ثوبه وبدنه منه قليل ولاينافي ذلك ما تقدم في الرواية قبل هذه فلما غلبه الدم إذ يجوز مع كونه كثيرا انه لم يصب ثوبه ولا بدنه إلا القليل منه والله أعلم
ويقال إن رجلا من القوم اي وهو غورث بالغين المعجمة مكبرا على الأشهر
____________________

وقيل غويرث بالتصغير والمهملة ابن الحارث قال لهم ألا أقتل لكم محمدا قالوا بلى وكيف تقتله قال أفتك به أى أجيء إليه على غفلة فجاء إليه صلى الله عليه وسلم وسيفه في حجره فقال يا محمد أرني أنظر إلى سيفك هذا فأخذه من حجره فاستله ثم جعل يهزه ويهم فيكبته الله أي يخزيه ثم قال يا محمد ما تخافني قال لا بل يمنعني الله تعالى منك ثم دفع السيف إليه صلى الله عليه وسلم فأخذه صلى الله عليه وسلم وقال من يمنعك مني فقال كن خير أخذ قال تشهدا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قال أعاهدك علي اني لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك قال فخلي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيله فجاء إلى قومه فقال جئتكم من عند خير الناس واسلم هذا بعد وكانت له صحبة
وفي رواية جاء إليه صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حجره فقال يا محمد انظر إلى سيفك هذا قال نعم فأخذه فاستله ثم جعل يهزه ثم قال يا محمد أما تخافني وما أخاف منك قال وفي يدي السيف قال لا يمنعني الله تعالى منك ثم غمد سيفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده عليه فقال
وهذه واقعة غير واقعة دعثور المتقدمة في غزوة ذي أمر فهما واقعتان احداهما مع دعثور والثاني ة مع غورث فقول أصله والظاهر أن الخبرين واحد فيه نظر ظاهر فليتأمل
قال وفي رواية لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة ادركته القائلة يوما بواد كثير العضاة أي الأشجار العظيمة التي لها شوك وتفرق الناس في العضاة أي الاشجار يستظلون بالشجر ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ظل شجرة أي ظليله قال جابر رضي الله تعالى عنه تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم فعلق صلى الله عليه وسلم سيفه فيها فنمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئنا إليه فوجدنا عنده أعرابيا جالسا فقال إن هذا قد اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده مصلتا أي مسلولا فقال لي من يمنعك مني قلت الله قال ذلك ثلاث مرات ولم يعاقبه صلى الله عليه وسلم
وهذه الرواية مع ما قبلها يقتضي سياقهما أنهما واقعتان لا واقعة واحدة ويبعد أن يكون ذلك الأعرابي هو غورث صاحب الواقعة الأولى فيكون تعدد منه هذا الفعل
____________________

مرتين أي وأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم } ** وتقدم أن سبب نزولها إرادة ألقاء الحجر عليه من بعض أهل بني النضير لعنهم الله وتقدم أنه لا مانع من تعدد النزول لتعدد الأسباب
وفي الشفاء قيل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاف قريشا فلما نزلت هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم } الآية استلقى ثم قال من شاء فليخذلني
اي وفيه أن هذا لا يحسن إلا عند نزول آية { والله يعصمك من الناس } إلا أن يقال هو صلى الله عليه وسلم علم من ذلك أن الله مانع له ممن يريده بسوء وإن كان يجوز أن يمنعه من شخص دون آخر فليتأمل
وإنما لم يعاقب صلى الله عليه وسلم ذلك الأعرابي حرصا على استئلاف قلوب الكفار ليدخلوا في الإسلام
وكانت مدة غيبته صلى الله عليه وسلم خمسة عشرة ليلة وبعث صلى الله عليه وسلم جعال بن سراقة إلى المدينة مبشرا بسلامته وسلامة المسلمين أي وكان رضي الله تعالى عنه من أهل الصفة وهو الذي يتمثل به أبليس لعنه الله يوم أحد حين نادى إن محمدا قد قتل كما تقدم
وأبطأ جمل جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه فنخسه صلى الله عليه وسلم وفي لفظ انه حجنه بمحجنه فانطلق متقدما بين يدي الركب وفي رواية فلقد رأيتني أكفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حياء منه لا يسبقه أي وهو ينازعني خطامه مع أني كنت أرجو أن يستاق معنا ثم قال له صلى الله عليه وسلم أتبيعنيه فابتاعه منه أي بأوقية وقيل بأربع اواق وقيل بخمس أواق وقيل بخمسة دنانير وقيل بأربعة دنانير بعد ان أعطعاه فيه أولا درهما ممازحا له فقال له جابر رضي الله تعالى عنه تبيعني يا رسول الله وفي رواية لا زال صلى الله عليه وسلم يزيده درهما درهما فيقول جابر أخذته بكذا والله يغفر لك يا رسول الله قال بعضهم كأنه صلى الله عليه وسلم أراد بأعطائه درهما درهما أن يكثر استغفاره له وقال له لك ظهره إلى المدينة وفي رواية وشرط لي ظهره إلى المدينة أي واستغفر لجابر رضي الله تعالى عنه في تلك الليلة خمسا اوعشرين مرة وقيل سبعين مرة فلما وصل صلى الله عليه وسلم المدينة أعطاه الثمن ووهب له الجمل
____________________

أي وقيل إن هذه القصة أي ابطاء جمل جابر رضي الله تعالى عنه إنما اكان في رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وقيل كانت في رجوعه من غزوة تبوك
أي والذي في البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكمنت على جمل ثقال إنما هو في آخر القوم فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال من هذا فقلت جابر بن عبد الله قال فمالك قلت إني على جمل ثقال قال أمعك قضيب قلت نعم قال أعطنيه فضربه فزجره فكان من ذلك المكان من أول القوم قال بعنيه قل بل هو لك يا رسول الله قال بل بعنيه فقد أخذته بأربعة دنانير ولك ظهره غلى المدينة لفما قدمت المدينة قاليابلال اقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا قال جابر رضي الله عنه أعطاني الجمل وسهمي مع القوم
وفي لفظ عن جابر قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فدخلت إليه فلفت الجمل في ناحية البلاط فقلت يا رسول الله هذا جملك فخرج صلى الله عليه وسلم فجعل يطوف بالجمل قال الثمن والجمل لك وفي لفظ إنما باعه له بوقية اي ذهب وأنه استثنى حملانه إلى أهله فلما قدم المدينة وانقره الثمن وانصرف أرسل على اثره وقال له ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك
وعن جابر رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم اشتراه بطريق تبوك بأربع أواق وفي لفظ بعشرين دينار فليتأمل الجمع بين هذه هذه الروايات على تقدير صحتها فإن التعدد بعددها بعيد
قيل سميت ذات الرقاع باسم شجرة كانت في ذلك المحل يقال لها ذات الرقاع أو لأنهم رقعوا راياتهم او لأنهم لفوا على أقدامهم الخرق لما حصل لهم الحفاء كما تقدم أو لأن الصلاة رقعت فيها او لأن الجبل الذي نزلوا به كانت أرضه ذات ألوان تشبه الرقاع فيه بقع حمر وسود وبيض واستغربه الحافظ ابن حجر
قال الإمام النووي رحمه الله ويحتمل أنها سميت بالمجموع قال وفي هذه الغزوة جاءته صلى الله عليه وسلم امرأة بدوية باني لها فقالت يا رسول الله هذا ابني قد غلبني عليه الشيطان ففتح فاه فبزق فيه وقال اخسأ عدو الله أنا رسول الله ثم قال صلى الله عليه وسلم شأنك بابنك لن يعود إليه شيئ مما كان يصيبه أي فكان كذلك
____________________


وفيها أيضا جاء رجل بفرخ طائر فأقبل أحد أبويه حتى طرح نفسه بين يدي الذي أخذ فرخه فعجب الناس من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعجبون من هذا الطائر أخذتم فرخه فطرح نفسه رحمة لفرخه ولله لربكم أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه
وفيها ايضا جيء له صلى الله عليه وسلم بثلاث بيضات من بيض النعام فقال لجابر دونك يا جابر قال جابر فاعمل هذه البيضات رضي الله تعالى عنه فعملتهن ثم جئت بهن في قصعة فجعلنا نطلب خبزا فلم نجد فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه يأكلون من ذلك البيض من بغير خبز حتى انتهى كل إلى حاجته أي إلى الشبع والبيض في القصعة كما هو
وفيها ايضا جاء جمل يرفل أي حتى وقف عنده صلى الله عليه وسلم وأرغى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون ماقال هذا الجمل هذا جمل يستعيذ بي على سيده يزعم أنه كان يحرث عليه منذ سنين وانه أراد أن ينحره اذهب يا جابر إلى صاحبه فأت به قال جابر رضي الله تعالى عنه فقلت لاأعرفه قال أنه سيدلك عليه قال جابر فخرج بين يدي حتى وقف على صاحبه فجئته به فكلمه صلى الله عليه وسلم في شان الجمل آه
وعن عبدالله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائط رجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حين وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح عليه فسكن ثم قال من رب هذا الجمل فجاء فتى من الانصار فقال هذا لي يا رسول الله فقال ألا تتقي الله عز وجل في هذ البهيمة التي ملكك الله فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه
وفي رواية كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعير أقبل حتى وقف على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرغا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ايها البعيراسكن فان تك صادقا فلك صدقك وأن تك كاذبا فعليك كذبك إن الله تعالى قد امن عائدنا ولن يخيب لأئذنا فقلنا يا رسول الله ما يقول هذا البعير قال يريد أهله نحره وأكل لحمه فهرب منهم واستغاث بنبيكم فبينما نحن كذلك إذ أقبل أصحابه يتقعادون فلما ظر إليهم البعير عاد إلى هامة الرسول صلى الله عليه وسلم فلاذ بها فقالوا يا رسول الله
____________________

بعيرنا هرب منذ ثلاثة ايام فلم نجده إلابين يديك فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أنه يشكو فقالوا يا رسول الله ما يقول قال إنه ربي فيكم سنين وكنتم تحملون عليه في الصيف إلى موضع الكلأفإذا كان الشتاء حملتم عليه إلى موضع الدفيء فلما كبر استفحلتموه فرزقكم الله إبلا سليمة فلما أدركت هذه السنة الجذبة هممتم بنحره وأكل لحمه فقالوا والله يا رسول الله قد كا ن ذلك فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا جزاء المملوك الصالح من مواليه فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا نتعبه ولاننحره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتم قد استغاث بكم فلم تغيثوه وأناأولى بالرحمة منكم لأن الله قد نزع الرحمة من قولب المنافقين وأسكنها في قولوب المؤمنين فاشتراه الرسول صلى الله عليه وسلم منهم بمائة درهم منهم وقال ايها البعير انطلق حيث شئت فرغا البعير على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له آمين ثم رغا الثانية فقال له آمين ثم رغا الثالثة فقال له آمين ثم رغا الرابعة فبكى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله ما يقول هذا البعير قال قال جزاك الله خيرا أيها النبي عن الإسلام والقرآن قلت آمين قال سكن الله رعب أمتك كما سكنت قلبي قلت آمن قال حقنت الله دماء أمتك كما حنت دمي قلت آمين قال لا جعل الله بأسهم بينهم شديد فبكيت لأني سألت الله ربي فيها أي في هذه الرابعة فمنعني إعطاءها وقوله صلى الله عليه وسلم للجمل اذهب كيف شئت لا يناسب ما عليه ائمتنا من عدم جواز إرسال الدواب تقربا إلى الله تعالى لأنه في معنى سوائب الجاهلية إلا أن يقال المراد بقوله صلى الله عليه وسلم له إذهب كيف شئت أي أنت آمن في سائر أحوالك مما شكوت منه
ورايت في كلام ابن الجوزي رحمه الله ما يؤيد ذلك وهو أن رسول الله لى الله عليه وسلم وسمه سمة نعم الصدقة ثم بعث به وعليه لا اشكال وإلى قصة الجمل اشار الإمام السبكي رحمه الله في تائيته بقوله ** ورب بعير قد شكى لك حاله ** فأذهبت عنه كل كل وثقلة **
وفي هذه أعني السنة الرابعة تزوج صلى الله عليه وسلم أم سلمة هند رضي الله تعالى عنها بعد موت أبي سلمة بن عبد الأسد رضي الله تعالى عنه وما روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما انه قال تزوجها سنة اثنتين ليس بشيء قيل وفيها شرع التيمم
____________________

غزوة بدر الآخرة
ويقال لها بدر الموعد أي لموعد أبي سفيان رضي الله تعالى عنه حيث قال حين منصرفه من أحد موعد ما بيننا وبينكم بدر أي موسمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قل نعم أن شاء الله تعالى كما تقدم
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة ذا الرقاع أقام بقية جمادى الأولى إلى آخر رجب ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان وعليه اقتصر الأصل وقيل خرج في شوال وقيل في مستهل ذي القعدة كل ذلك في سنة اربع ومن الوهم قول موسى بن عقبة رحمه الله أنها كانت في شعبان سنة ثلاث لما علمت أنها بعداحد وأحد كانت في شوال سنة ثلاث والحافظ الدمياطي قدم هذه الغزوة على غزوة ذات الرقاع وتبعه الشمس الشامي وصاحب الأمتاع
وكان وصوله صلى الله عليه وسلم إلى بدر هلال ذي القعدة وهذا لايناسب إلاالقول بأن خروجه صلى الله عليه وسلم كان في شوال وكان ذلك موسم لبدر في كل سنة يحضره الناس ويقيمون به ثمانية ايام كما تقدمت الحوالة عليه وحين خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة استخلف عليها عبد الله بن عبدالله بن أبي ابن سلول رضي الله تعالى عنه وقيل عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه وخرج في ألف وخمسمائة من اصحابه وكان الخيل عشرة افراس
وعند تهيؤ المسلمين للخروج قدم نعيم بن مسعود الاشجعي أي وكان ذلك قبل إسلامه رضي الله تعالى عنه وأخبر قريش أن المسلمين تهيأوا للخروج لقتالهم ببدر فكره أبو سفيان الخروج لذلك وجعل لنعيم أن رجع إلى المدينة وخذل المسلمين عن الخروج لبدر عشرين بعيرا وفي لفظ عشرة من الأبل وحمله على بعير أي وقال له أبو سفيان إنه بدا لي أن لا أخرج وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جراءة يكون الخلف منة لهم أحب إلي من ان يكون من قبلي فالحق بالمدينة واعلمهم أنا في جمع كثير ولا طاقة لهم بنا ولك عندي من الأبل كذا وكذا أدفعها لك على يد سهيل بن عمر فجاء نعيم إلى سهيل بن عمرو فقال له يا ابا يزيد تضمن لي هذه الإبل وانطلق إلى محمد وأثبطه قال نعم فقدم نعيم المدينة وأرجف بكثرة المجموع
____________________

أبي سفيان أي وصار يقول فيهم حتى قذف الرعب في قولوب المسليمن ولم يبقى لهم نية في الخروج واستبشر المنافقون أي واليهود وقالو محمد لايفلت من هذا الجمع فجاء أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمعا ما ارجف به المسلمون وقالا له يا رسول الله إن الله مظهر نبيه ومعز دينه وقد وعدنا القوم موعط لا نحب ان نتخلف عنه فيرون ان هذا جبن فسر لموعدهم فوالله إن في ذلك لخيرة فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ثم قال والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد فأذهب الله عنهم ما كانوا يجدون وحمل لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وخرج المسلمون معهم بتجارات إلى بدر فربحت الضعف
ثم أن أبا سفيان قال لقريش لقد بعثنا نعيما ليخذل أصحاب محمد عن الخروج ولكن نخرج نحن فنسيرليلة أو ليلتين ثم نرجع فإن كان محمد لم يخرج وبلغه انا خرجنا فرجعنا لأنه إن لم يخرج كان هذا لنا عليه وإن خرج أظهرنا أن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام عشب قالوا نعم ما رأيت فخرج أبو سفيان في قريش اي وهم الفان ومعهم خمسون فرسا حتى انتهوا إلى مجنة أي بفتح الميم والجيم وتشديد النون وهو سوق معروف من ناحية مر الظهران وقيل إلى عفان ثم قال يا معشر قريش لا يصلحكم إلا عام خصب ترعون فيه الشجر وتشربون فيه الماء وإن عامكم هذا عام جدب وإني راجع فارجعوا فرجع الناس فسماهم أهل مكة جيش السويق يقولون إنما خرجتم لتشربوا السويق
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده مدة الموسم التي هي ثمانية ايام أي فإنه صلى الله عليه وسلم انتهى إلى بدر هلال ذي القعدة كما تقدم وقام السوق صبيحة الهلال فاقاموا ثمانية أيام والسوق قائمة اي وصار المسلمون كلما سألوا عن قريش وقيل لهم قد جمعوا لكم يقولون حسبنا الله ونعم الوكيل حتى قيل لهم لما قربوا من بدر إنها قد امتلأت من الذين جمعهم أبو سفيان يرعبونهم ويرهبونهم فيقول المؤمنون حسبنا الله ونعم الوكيل فلما قدموا بدرا وجدوا أسواقا لا ينازعهم فيها أحد فأنزل الله تعالى { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } فالمراد بالناس الأول نعيم نزل منزلة الجماعة
____________________


وعن إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه أن القائلين ذلك كانوا أربعة ولا مانع أن يكون هؤلاء الأربعة من المنافقين لعنهم الله وافقوا نعيما على ما قال حتى أن قائلهم قال للمسلمين إنما أنتم لهم أكلة رأس وإن ذهبتم إليهم لا يرجع منكم أحد
وقيل القائلون ركب من عبد القيس كانوا قاصدين المدينة للميرة فجعل لهم أبو سفيان حمل أبعرتهم زبيبا إن هم خذلوا المسلمون وأرجفوهم ولا مانع من وجود ذلك كله
هذا وقد نقل ابن عطية رحمه الله عن الجمهور أن هذه الآية الواقعة المذكورة إنما كانت بحراء الأسد عند انصرافه من أحد فليتأمل
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة اي وبلغ قريشا خروج المسلمين لبدر وكثرتهم وأنهم كانوا أصحاب الموسم أي والمخبر لهم بذلك معبد بن أبي معبد الخزاعي فإنه بعد انقضاء الموسم خرج سريعا إلى مكة واخبرهم بذلك فقال صفوان ابن أمية لابي سفيان قد والله نهيتك يومئذ أن تعد القوم وقد اجترأوا علينا ورأوا انا أخلفناهم وإنما خلفنا الضعف غزوة دومة الجندل
بضم الدال ويجوز فتحها واقتصر الحافظ الدمياطي على الأول أي وأما دومة بالفتح ا غير فموضع آخر ومن ثم قال الجوهري الصواب الضم وأخطا المحدثون في الفتح سميت بدومى بن اسماعيل عليه السلام بأنه كان نزلها وهي بلدة بينها وبين دمشق خمس ليال وهي اقرب بلاد الشام إلى المدينة وبينها وبين المدينة خمس أوست عشرة ليلة أي وهي بقرب تبوك بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بها جمعا كثيرا يظلمون من مر بهم وانهم يريدون أن يدنوا من المدينة فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس لذلك فخرج في الف من المسلمين أي وذلك في أواخر السنة الرابعة
وذكر بعضهم أنها كانت في ربيع الاول من السنة الخامسة ويوافقه قول الحافظ الدمياطي أنها كانت على رأس تسعة واربعين شهرا من مهاجرته صلى الله عليه وسلم أي واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري فكان يسير الليل ويكمن النهار ومعه
____________________

دليل له من بين عذرة أي يقال له مذكور رضي الله تعالى عنه فلما دنا منهم جاء إليهم الخبر فتفرقوا فهجم على ماشيتهم رعاتهم فأصاب من أصاب وهرب من هرب ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم فلم يلق بها أحدا وبعث السرايا فرجعت ولم تلق منهم أحدا أي ورجعت كل سرية بأبل واخذ محمد بن مسلمة رجلا منهم وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فقال هربوا حيث سمعوا أنك أخذت نعمهم فعرض عليه السلام فأسلم رسول الله عليه وسلم رجع المدينة
وفي رجوعه وادع أي صالح عيينة بن حصن واسمه حذيفة الفزاري أن يرعى بمحل بينه وبين المدينة ستة وثلاثون ميلا اي لأن أرضه كانت أجدبت ولما سمن حافره وخفه وانتقل إلى أرضه غزا على لحاق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة كما سيأتي وقيل له بئس ما جزيت به محمد صلى الله عليه وسلم احلك أرضه حتى سمن حافرك وخفك وتفعل معه ذلك فقال هو حافري وقيل له عيينة لأنه أصابته لقوة فجحظت عيناه وسمي عيينة وعيينة هذا أسلم بعد الفتح وشهد حنينا والطائف وكان من المؤلفة كما سياتي وكان يقال له الأحمق المطاع كان يتبعه عشرة آلاف فتى
ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم بغيرأذن واساء الادب فصبر النبي صلى الله عليه وسلم على جفوته وقال فيه صلى الله عليه وسلم إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه وقيل إن ذلك إنما قيل في مخرمة بن نوفل أي ولامانع من تعدد ذلك وقد ارتد عيينة بعد ذلك في زمن الصديق رضي الله تعالى عنه فإنه لحق بطليحة بن خويلد حين تنبأ وآمن به فلما هرب طليحة أسره خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه وأرسل به إلى الصديق في وثاق فلما دخل المدينة صار أولاد المدينة ينفسونه بالحديد ويضربونه ويقولون اي عدو الله كفرت بالله بعد ايمانك فيقول والله ما كنت ى من فمن عليه الصديق فأسلم ولم يزل مظهر للإسلام
وفي سنة أربع نزلت آية الحجاب لأزواجه صلى الله عليه وسلم وكان فيها قصر الصلاة وولادة الحسين رضي الله تعالى عنه ووقع أنه لما ولد سماه علي كرم الله وجهه حربا فلما جاء صلى الله عليه وسلم قال أروني أبني ما سميتموه قالوا حربا قال بل اسمه حسين أي كما فعل ذلك بالحسن كما مر فلما ولد الثالث جاء النبي صلى الله عليه وسلم
____________________

فقال أروني ابني ما سميتموه قال علي كرم الله وجهه سميته حربا فقال بل هو محسن ثم قال صلى الله عليه وسلم إن سميتهم بأسماء ولل هارون شبر وشبير ومشبر
ومن المستظرف ما حكاه بعضهم قال وقع بين الحسن والسحين كلام فتهاجرا فلما كان بعد ذلك أقبل الحسن على الحسين وأكب على رأسه يقبله فقال له الحسين إن الذي منعني ابتدائك بهذا أنك أحق بالفضل مني فكرهت أن أنازعك ما أنت أحق به ورجم اليهوديين الزانيين وفرض الحج وقيل فرض في الخامسة وقيل في السادسة وقيل في السابعة وقيل في الثامنة وقيل في التاسعة وقيل في العاشرة
قيل وفيها أي الرابعة شرع التيمم أي كما تقدم وقيل شرع في الغزوة التي تلي هذه وهي غزوة بني المصطلق وقيل كان في غزوة أخرى اي وفي غيبته صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة ماتت أم سعد بن عبادة وكان ابنها رضي الله تعالى عنه معه صلى الله عليه وسلم ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة صلى على قبرها وذلك بعد شهر وقال له سعد يا رسول الله أتصدق عنها قال نعم قال أي الصدقة افضل قال الماء فحفر بئرا وقال هذه لأم سعد رضي الله تعالى عنها غزوة بني المصطلق
ويقال لها غزوة الريسيع ويقال لها غزوة محارب وقيل محارب غيرها ويقال لها غزوة الأعاجيب لما وقع فيها من الأمور العجيبة أي كما قيل بذلك كذلك في غزوة ذات الرقاع كما تقدم
وبنو المصطلق بطن من خزاعة وهم بنو جذيمة وجذيمة هو الصطلق من الصلق وهو رفع الصوت والمريسع اسم ماء من مياههم أي من ماء خزاعة مأخوذة من قولهم رسعت عين الرجل إذا دمعت من فساد وذلك الماء في ناحية قديد
وسببها أنه صلى الله عليه وسلم بلغه أن الحارث بن ضرار سيد بني المصطلق رضي الله تعالى عنه فإنه اسلم بعد ذلك كما سيأتي جمع لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر عليه من قومه ومن العرب فأرسل صلى الله عليه وسلم بريدة بالتصغير ابن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين في آخره موحده كما تقدم أي ليعلم علم ذلك
قال واستأذن بريدة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما يتخلص به من به من
____________________

شرهم أي وإن كان خلاف الواقع فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج حتى ورد عليهم ورأى جمعهم فقالوا له من الرجل قال رجل منكم قدمت لما بلغني من جمعكم لهذا الرجل فأسير في قومي ومن أطاعني فنكون يدا واحدة حتى نستاصلهم فقال له الحارث فنحن على ذلك فعجل علينا قال بريدة اركب الآن فآتيكم بجمع كثير من قومي فسروا بذلك منه ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر القوم انتهى فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليهم فأسرعوا لخروج وكان في شعبان لليلتين خلتا منه سنة خمس من الهجرة وقيل اربع كما في البخاري نقلا عن ابن عقبة وعليه جرى الإمام النووي في الروضة قال الحافظ ابن حجر وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس من الهجرة فكتب سنة أربع لأن الذي في مغازي ابن عقبة من عدة طرق سنة خمس وقيل سنة ست وأن عليه أكثر المحدثين وقادوا الخيل هي ثلاثون فرسا عشرة للمهاجرين منها فرسان له صلى الله عليه وسلم اللزاز والظرب وعشرون للانصار رضي الله تعالى عنهم واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما وقيل ابا ذر الغفاري رضي الله عنه وقيل نميلة تصغير نملة بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه وخرج معه صلى الله عليه وسلم من نسائه عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما أي وخرج معه صلى الله عليه وسلم ناس كثير من المنافقين لم يخرجو في غزوة قط مثلها منهم عبد الله بن أبي سلول وزيد بن الصلط ليس لهم رغبة في لاجهاد وإنم اغربضهم أن يصيبوا من عرض الدنيا مع قرب المسافة وسار صلى الله عليه وسلم حتى بلغ محلا نزل به فأتى برجل بن عبد القيس فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أين اهلك قال بالرواحاء قال أين تريد قال إياك جئت لامن بك أشهد أن ما جئت به حق وأقاتل معك عدوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي هداك للإسلام وسال رسول الله صلى الله عليه وسلم اي الأعمال أحب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأول وقتها فكان بعد ذلك يصلي الصلاة لأول وقتها
واصاب صلى الله عليه وسلم عينا للمشركين كان وجهه الحارث ليأتيه بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فلم يذكر من شانهم شيئا فعرض عليه الإسلام فأبى فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب
____________________

رضي الله تعالى عنه ان يضرب عنقه فضرب عنقه فلما بلغ الحارث مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وانه قتل عينه سيء بذلك ومن معه وخافوا خوفا شديداوتفرق عنه جمع كثير ممن كان معه وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع فضربت له صلى الله عليه وسلم قبة من ادم وكان معه فيها عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما فتهيأ المسلمون للقتال ودفع صلى الله عليه وسلم راية المهاجرين إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه وقيل لعمار بن ياسر وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه أي وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن يقول لهم قولوا لا إله إلا الله تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم ففعل عمر ذلك فأبو فترامسوا بالنبل ساعة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فحملوا حملة رجل واحد فما أفلت منهم أنسان وقتل منهم عشرة وأسر سائرهم الرجال والنساء والذرية واستاق ابلهم وشياههم فكانت الابل ألفي بعير والشاة خمسة آلاف شاة واستعمل صلى الله عليه وسلم على ذلك مولاه شقران أي بضم الشين المعجمة واسمه صالح وكان رضي الله عنه حبشيا وكان السبي مائة اهل بيت وفي كلام بعضهم كانوا أكثر من سبعمائة وكانت برة بنت الحارث الذي هو سيد بني المصطلق في السبي
وقيل أغار عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم غافلون فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم أي وهذا القول هو الذي في صحيح البخاري ومسلم والأول هو الذي في السيرة الهشامية
وجمع بأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم لما أغار عليهم ثبتوا وصفوا للقتال ثم انهزوموا ووقعت الغلبة عليهم أي وقتل منهم من قاتل ولم يستأسر وكان شعار المسلمين أي علامتهم التي يعرفون بها في ظلمة الليل أو عند الاختلاط يا منصور أمت تفاؤلا بأن يحصل لهم النصر بعد موت عدوهم
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسارى فكتفوا واستعمل عليهم بريدة رضي الله تعالى عنه ثم فرق صلى الله عليه وسلم السبي فصار في ايدي الناس
أي وفي هذا دليل لقول إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه في الجديد يجوز استرقاق العرب لان بني المصطلق عرب من خزاعة خلافا لقوله في القديم إنخ م لا يسترقون
____________________

لشرفهم وقد قال في الأم لولا أنا نأثم بالتمني لتمنينا أن يكون هكذا أي لا يجري الرق على عربي
وبعث صلى الله عليه وسلم أبا ثعلبة الطائي إلى المدينة بشيرا من المريسيع أي وجمع صلى الله عليه وسلم المتاع الذي وجده في رحالهم واللاح والنعم والشاء وعدلت الجزور بعشرة من الغنم ووقعت برة بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس وابن عم له فجعل ثابت لابن عمه نخلات له بالمدينة في حصته من برة وكاتبها أي على تسع أواق من ذهب فدخلت عليه صلى الله عليه وسلم فقالت له يا رسول الله إني ارم امرأة مسلمة أسلمت لأني أشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله وإني برة بنت الحارث سيد قومه أصابنا من الأمر ما قد علمت ووقعت في سهم ثابت بن قيس وابن عم له وخلصني ثابت من ابن عمه بنخلات في المدينة وكاتبني على مال مالا طاقة لي به وإني رجوتك فأعني في مكاتبتي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو خير من ذلك قالت ما هو قال اؤدي عنك كتابتك وأتزوجك قالت نعم يا رسول الله قد فعلت فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت بن قيس فطلبها منه فقال ثابت رضي الله تعالى عنه هي لك يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان كاتبها عليه وأعتقها وتزوجها أي وهي ابنة عشرين سنة وسماها جويرية أي وكان اسمها برة وكذلك ميمونة وزينب بنت جحش كان اسم كل منهما برة فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا كان اسم بنت أم سلمة برة فسماها زينب ويذكر أن علي كرم الله وجهه هو الذي أسرها
أقول ولا مانع أن يكون علي كرم الله وجهه أسرها ثم وقعت في سهم ثابت وابن عمه رضي الله تعالى عنهما عند القسمة لأنه لم يثبت في هذه الغزوة أنه صلى الله عليه وسلم جعل الاسرى لمن أسرهم كما وقع في بدر إلا مايأتي من قول أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه ورغبنا في الفداء وقد يقال رغبوا في الغداء بعد القسمة والله اعلم
قال وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كانت جويرية امرأة حلوة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه فبينما النبي صلى الله عليه وسلم عدي ونحن على الماء أي الذي هو المريسع إذ دخلت جويرية تسأله في كتابتها فوالله ما هو إلاأن رأيتها فكرهت دخولها على النبي صلى الله عليه وسلم وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت فقالت
____________________

يا رسول الله إني امرأة مسلمة الحديث آه وإنما كرهت ذلك لما جبلت عليه النساء من الغيرة ومن ثم جاء انه صلى الله عليه وسلم خطب امرأة فأرسل عائشة رضي الله تعالى عنها لتنظر إليها فلما رجعت إليه قالت ما رأيت طائلا فقال بلى رايت خالا في خدها فاقشعرت منه كل شعرة في جسدك أي وفي لفظ آخر عن عائشة رضي الله تعالى عنها فما هو إلا أن وقفت جويرية بباب الخباء لتستعين رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتابتها فنظرت إليها فرايت على وجهها ملاحة وحسنا فأيقنت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآها أعجبته علما منها بموقع الجمال منه فما هو إلاأن كلمته صلى الله عليه وسلم فقال لها صلى الله عليه وسلم خير من ذلك أنا أؤدي كتابتك وأتزوجك فقضى عنها كتابتها وتزوجها والملاح أبلغ المليح والمليح مستعار من قولهم طعام مليح إذا كان فيه الملح بمقدار ما يصلحه
قال الأصمعي رحمه الله الحسن في العنين والجمال في الأنف والملاحة في الفم وهذا السياق يدل على انه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهم على الماء الذي هو المريسع ويؤيده ما يأتي عنها رضي الله تعالى عنها قال
الشمس الشامي رحمه الله ونظر رسول الله لجويرية حتى عرف من حسنها ما دعاه لتزوجها لأنها كانت أمة مملوكة أي لانها مكاتبة ولو كانت غيرمملوكة أي حرة ما ملأ صلى الله عليه وسلم عينه منها أو أنه صلى الله عليه وسلم نوى نكاحها أو أن ذلك كان قبل لآية الحجاب
أقول تبع في هذا السهيلي رحمه الله وقد قدمنا أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز نظر الأجنبية والخلوة بها لامنه صلى الله عليه وسلم من الفتنة فلا يحسن قوله ولو كانت حرة ما ملأ صلى الله عليه وسلم عينه منها
ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم حرمة نكاح الامة وفلا يحسن قوله أو أنه نوى نكاحها وأن نزول آية الحجاب كان في سنة ثلاث على الراجح
ومذهب الشافعي رضي الله عنه حرمة نظر سائر الأمة لاأجنبية كالحرة على الراجح عند الشافعية ومنهم الشمس الشامي فلا يحسن قوله لأنها كانت امة مملوكة والله أعلم
روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

غزوة بني المصطلق فسبينا كرائم العرب أي واقتسمناها وملكناها فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء وفأردنا نستمع ونعزل فقلنا نفعل ذلك وفي لفظ فأصبنا سبايا وفينا شهوة للنساء واشتدت علينا العزوبة وأجبنا الفداء وأردنا أن نستمتع ونعزل وقلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا فسألناه عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم لا عليكم ألا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة أي نفسا قدرها هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون وفي لفظ ما عليكم أن لا تفعلوا فإن الله قد كتب من هو خالق إلى يوم القيامة وفي رواية لا عليكم ان لا تفعلوا ذلك فإنما هو القدر وفي رواية ما من كل الماء يكون الولد وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه أي ما عليكم حرج في عدم فعل العزل وهو الإنزال في الفرج لأن العزل الإنزال خارج الفرج فيجامع حتى إذا قارب الإنزال نزع فأنزل خارج الفرج ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة أي عزلتم أم لا فلا فائدة في عزلكم لأن الماء قد يسبق العزل إلى الرحم فيجيء الولد وقد ينزل في الفرج ولا يجيء الولد
وكون ذلك كان في بني المطلق هو الصحيح خلافا لما نقل عن موسى بن عقبة رحمه الله تعالى ان ذلك كان في غزوة اوطاس وقول أبي سعيد رضي الله تعالى عنه طالت علينا العزبة واشتهينا النساء أي لعل أبا سعيد الخدري رضي الله عنه ومن تكلم على لسانه كان في المدينة أعرب وإلا فأيام تلك الغزوة لم تطل فإنها كانت ثمانية وعشرين يوما قال أبو سعيد رضي الله تعالى عنه فقدم علينا وحدهم أي بالمدينة ففي الإمتاع وكانوا قدموا المدينة ببعض السبي فقدم عليهم أهلوهم فافتدوا الذرية والنساء كل واحد بست فرائض ورجعوا إلى بلادهم
قال أبو سعيد رضي الله تعالى عنه وخرجت بجارية أبيعها في السوق أي قبل ان يقدم وفدهم في فدائهم فقال لي يهودي يا أبا سعيد تريد بيعها وفي بطنها منك سخلة هي في الأصل ولد الغنم فقلت كلا إني كنت أعزل عنها فقال تلك الوأدة الصغرى أي المرة من الوأد وهو أن يدفن الرجل بنته حيا فالموءدودة البنت تدفن في القبر وهي حية كانت الجاهلية خصوصا كندة تفعل ذلك فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال كذبت يهود كذبت يهود زاد في رواية لو أراد الله عز وجل أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه وبهذا مع ماتقدم من نفي الحرج استدل ائمتنا رحمهم
____________________

الله على جواز العزل مع الكراهة في كل امرأة سرية أو حرة في كل حال سواء رضيت أم لا وقال جمع بحرمته قالوا لأنه طريق إلى قطع النسل وفي مسلم ما يوافق ماقالته يهود ففي مسلم سألوه صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوأد الخفي أي بمثابة دفن البنت حية الذي كان يفعله الجاهلية خوف الإملاق أو خوف حصول العار
إلاأن يقال هذا كان منه صلى الله عليه وسلم قبل ان يوحي إليه بحل ذلك ثم نسخ فلا مخالفة ويدل لذلك ما في مسلم أيضا عن جابر رضي الله عنه كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل فلم ينهنا وفي رواية أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن لي جارية هي خادمنا وساقيتنا في النخل وانا اكره أن تحمل فقال صلى الله عليه وسلم اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها فلبث الرجل ثم أتاه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الجارية قد حبلت فقال قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها افقد أرشده إلى العزل الذي لا يكون معه الولد غالبا وأخبر بأن ذلك لا يمنع وجود ما قدر لها من حصول الولد
وعن عبد الله بن زياد رضي الله تعالى عنه قال أفاء اي غثم رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق جويرية بنت الحارث وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأقبل أبوها في فدائها فلما كان العقيق نظر إلى ابله التى يغدي بها ابنته فرغب في بعيرين منها كان من أفضلها فعقبها في شعب من شعاب العقيق ثم اقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أصبتم ابنتي وفي رواية قال يا رسول الله كريمة لا تسبى وهذا فداؤها فقال له رسول الله فأين البعير إن اللذان عقبتهما بالعقيق في شعب كذا وكذا فقال الحارث أشهد أنك رسول الله ما اطلع على ذلك إلا الله وأسلم ولعله دخل بالأمان إلى المدينة وفي رواية أنه أسلم قبل ذلك وأسلم معه ابنان وناس من قومه وعليه فيكون قوله فأسلم أي أظهر اسلامه وعند ذلك أمره صلى الله عليه وسلم بأن يخيرها فقالت أحسنت وأجملت فقال لها ابوها يا بنية لا تفضحي قومك قالت اخترت الله ورسوله وفيه كيف يأمره صلى الله عليه وسلم بتخييرها بعد أن تزوجها كما تقدم أن مقتضى السياق أنه تزوجها وهم على الماء
ثم رايت الأمام ابا العباس بن تيمية انكر مجيء ابيها وتخييرها فليتأمل
____________________

وفي الإستيعاب أن عبدالله بن الحارث أخا جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في فداء أسارى بني المصطلق وعيب في الطيرق ذودا وجارية سوداء فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء الأسارى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فما جئت به قال ما جئت بشيء قال فاين الذود والجارية السوداء الذي غيبت في موضع كذا قال أشهد أن لا إله إلاالله وإنك محمد رسول الله والله ما كان معي أحد ولاسبقني إليك أحد فأسلم وفيه ما تقدم في ابيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لك الهجرة حتى تبلغ برك الغماد والذود من الابل ما بين الثلاث إلى العشر
والمتبادر من هذا السياق انه جاء بذلك الذود وتلك الجارية للفداء فعن له أن يسأل في الفداء من غير شيء فغيب ذلك الذود وتلك الجارية طمعا في أنه صلى الله عليه وسلم يجيبه لذلك لمكان أخته عنده ويحتمل أن العبارة فيها اختصار وحينئذ يكون الاصل في قوله صلى الله عليه وسلم فما جئت به المال الزائد على هذا الذي جئت به فيكون الذود والجارية بعض ما جاء به للفداء فقال ما جئت بشيء اي زائد على هذا الذي جئت به لانه يبعد أن يطلب الفداء من غير شيء فليتامل
وفي لفظ أنه لما جاء أبوها في فدائها دفعت إليه ابنته جويرية وأسلمت وحسن اسلامها فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبيها فزوجه إياها واصدقها أربعمائة درهم
وفي الإمتاع يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل صداقها عتق كل اسير من بني المصطلق ويقال جعل صداقها عتق أربعين من قومها ولايخفى أن مجيئ أبيها في فدائها وتزويجها للنبي صلى الله عليه وسلم مخالف لسياق ما تقدم أنه تزوجها وهم على الماء ويحتاج للجمع بين ما ذكروبين ما روي أنه ما لما رأى المسلمون أنه صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية قال في حق بني امصطلق أصها ر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقوا ما بايديهم منهم ط
وعبارة الإمتاع ولما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج الخبر إلى الناس وقد اقتسموا رجال بني المصطلق وملكوهم ووطئوا نسائهم فقالوا اصهار النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقوا ما بأيديهم من ذلك السبي
وعن جويرية رضي الله تعالى عنها قالت لما أعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

وتزوجني والله ما كلمته في قومي حتى كان المسلمون هم الذين ارسلوهم وما شعرت إلا بجارية من بنات عمي تخبرني الخبر فحمدت الله سبحانه وتعالى
أقول وذكر بعضهم أن ليلة دخوله صلى الله عليه وسلم بها طلبتهم منه فوهبهم لها ويحتاج للجمع ويقال في الجمع بين ما تقدم من فدائهم وأطلاقهم من غير فداء بأنه يجوز أن يكون الفداء وقع لبعضهم قبل عتق جويرية والتزويه بها فلما تزوجها صلى الله عليه وسلم أطلق بعضهم والإعتاق وقع لبعضهم الآخرالباقي فالفداء وقع لبعضهم الآخر فإن السبي كان لأهل مائتي بيت ويؤيد ذلك قول بعضهم كان السبي منهم من من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فداء ومنهم من افتدى ويؤيد ذلك ما يأتي في كلام عائشة رضي الله تعالى عنها أن الاعتاق كان لأهل مائة بيت أي يكون الفداء لاهل مائة بيت والإطلاق في الففداء لاهل المائة الاخرى ويكون مراد جويرية رضي الله تعالى عنها بقولها ما كلمته في قومي أي فيمن بقي مهم
ثم لايخفى ان مجيء ابيها او أخيها ومجيء وفدهم لفدائهم مخالف لما تقدم من انه أسرسائرهم الرجال والنساء والذرية ولم يفلت منهم احد ويبعد غياب هؤلاء خصوصا أباها الذي كان يجمع القوم فعليك ان تتنبه للجمع بين هذه الروايات على تقدير صحتها والله أعلم ثم بعد ذلك اسلم بنو المصطلق وبعدها بعامين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط لاخذ الصدقة أي وكان بينهم وبينه شحناء في الجاهلية فخرجوا للقائه وهم متقلدون السيوف فرحا وسرورا بقدومه فتوهم أنهم خرجوا لقتاله ففر راجعا وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم ارتدوا فهم عليه الصلاة والسلام بقتالهم أي واكثر المسلمون ذكر غزوهم فعند ذلك قدم وفدهم وأخبروا بأنهم خرجوا إليه ليكرموه ويؤدوا ما عليهم من الصدقة
أي وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم خالد بن الوليد فأخبروه الخبر وعند إرساله قال له صلى الله عليه وسلم أرمقهم عند الصلاة فإن كان القوم تركوا الصلاة فشأنك بهم فدنا منهم عند غروب الشمس فكمن حيث يسمع الصلاة فإذا هو بالمؤذن قد قام حين غربت الشمس فأذن ثم اقام الصلاة فصلوا المغرب ثم لما غاب الشفق أذن مؤذنهم ثم اقام الصلاة فصلو العشاء ثم لما كان جوف الليل فإذا هم يتهجدون ثم عند طلوع الفجر أذن مؤذنهم وأقام الصلاة فصلوا فلما انصرفو اوأضاء النهار فإذا
____________________

هم بنواصي الخيل في ديارهم فقالوا ما هذا قيل خالد بن الوليد فقالوا يا خالد ما شأنك قال أنتم والله شاني أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له إنكم تركتم الصلاة وكفرتم بالله فجثوا يبكون وقالوا ما عاذ الله وهذا الوليد بيننا وبينه شحناء في الجاهلية وإنما خرجنا بالسيوف خشية أن يكافئنا بالذي كان بيننا وبينه فرد الخيل عنهم ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة } الآيتين
قال ابن عبد البر رحمه الله لاخلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله { إن جاءكم فاسق بنبأ } نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق لأخذ صدقاتهم أي ونزل فيه وفي علي بن ابي طالب كرم الله وجهه { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } أي فكان يدعى الفاسق وبعثه لأخذ صدقات بني المصطلق يرد قول من قال أنه ممن أسلم يوم الفتح وكان قد ناهز الحلم
أي ويرد ما روى بعضهم أنه قال لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصيانهم فيمسح على رءوسهم ويدعو لهم بالبركة فأتى بي إليه وأنا مضخ بالخلوق فلم يمسح على رأسي ولم يمنعه من ذلك إلا وجو الخلوق ويرد ذلك ايضا ما سيأتي أنه خرج هو واخوه عمارة ليردا أختها أم كلثوم عن الهجرة وكانت هجرتها في الهدنة هدنة الحديبية والوليد هذا كان أخا عثمان بن عفان لأمه ووالاه الكوفة أي وعزل عنها سعد بن أبي وقاص فلما قدم الوليد الكوفة على سعد رضي الله عنه قال له والله ما أدري أصرت كيسا بعدنا أم حمقنا بعدك فقال له لا تجزعن أبا اسحاق وإنما هو الملك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون فقال سعد أراكم يعني أبا أمية ستجعلونها والله يعني الخلافة ملكا ملكا وعند ذلك قال الناس بئسما فعل عثمان رضي الله عنه عزل سعدا الهين اللين الورع المستجاب الدعوة وولى أخاه الخائن الفاسق كما تقدم
ولق الوليد ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال له ما جاء بك فقال جئت أمير فقال له ابن معسود ما أدري أصلحت بعدنا أم فسد الناس وكان الوليد شاعرا ظريفا حليما شجاعا كريما شرب الخمر ليلة من أول الليل إلى الفجر فلما أذن المؤذن لصلاة الفجر
____________________

خرج إلى المسجد وصلى باهل الكوفة الصبح اربع ركعات وصار يقول في ركوعه وسجوده اشرب واسقني ثم قال في المحراب ثم سلم وقال هل اسزيدكم فقال له ابن مسعود لرضي الله عنه لا زادك الله خيرا ولا من بعثك إلينا وأخذ فرده خفه وضرببه وجه الوليد وحصبه الناس فدخل القصر والحصباء تأخذه وهو مترنح وإلى ذلك يشير الحطيئة بقوله ** شهد الخطيئة يوم لقى ربه ** أن الوليج أحق بالعذر ** ** نادى وقد تمت صلاتهم ** أأزيدكم سكرا وما يدرى ** ولما شهدوا عليه بشرب الخمر عند عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه استقدمه وأمربه فجلد أي أمر عليا كرم الله وجهه أن يقيم عليه الحد فجلده وقيل فقال علي كرم الله وجهه لأبن أخيه عبد الله بن جعفر رضي الله عنه أقم عليه الحد أي بعد أن أمر ابنه الحسن رضي الله تعالى عنه بذلك فامتنع فأخذ عبد الله رضي الله تعالى عنه السوط وجلده وعلي كرم الله وجهه يعد عليه حتى بلغ أربعين فقال لعبد الله أمسك جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر أربعين أبو بكر رضي الله تعالى عنه أربعين وجلد وعمر رضي الله عنه ثمانين وكل سنة وهذا أي مافعلته من جلد أربعين أحب إلى من جلد عمر ثمانين
هذا وفي البحاري ان عبد الله جلده ثمانين واجيب عنه بأن السوت كان له رأسان وحينئذ يكون قوله وكل سنة أي طريقه فاربعون طريقته صلى الله عليه وسلم وطريقة الصديق رضي الله تعالى عنه ولثمانون طريقة عمر رضي الله تعالى عنه رآه اجتهادا مع استشارته لبعض الصحابة لما رآها من كثرة شرب الناس للخمر
وبعد أن جلده وعزله عن الكوفة أعاد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ولما اراد سعد أن يصعد المنبر قال لا أصعد عليه حتى تغسلوه من آثار الوليد الفاسق فإنه نجس فغسلوه كما تقدم
وإرسال الوليد بن عقبة لبني المصطلق كان ينبغي ان يذكر في وكذا إرسال السرايا وخالد رضي الله تعالى عنه لهم
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها لاأعلم امرأة أعظم بركة على قومها من جويرية أعتق بتزويجها لرسول صلى الله عليه وسلم أهل مائة بيت أي ومن المعلوم أن هذا
____________________

كان قبل سبايا اوطاس الذين أطلقوا بسبب اخته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة على ما سيأتي في بعض الروايات وقيل في حقها ما عرفت امرأة هي أيمن على قومها منها
وذكرت جويرية رضي الله تعالى عنها أنها قبل قدومه صلى الله عليه وسلم بثلاث ليال رأت كأن القمريسير من يثرب حتى وقع في حجرها أي وعنها رضي الله تعالى عنها قالت فكرهت أن اخبربها احد من الناس فلما سبينا رجوت الرؤيا
قال وعنها رضي الله تعالى عنها قالت لما أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن على المريسع فأسمع ابي يقول أتانا مالا قبل لنا به فلبثت أرى من الناس والخيل والسلاح أصف من الكثرة فلما أن أسلمت وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعنا حعلت أنظر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى فعلمت أنه رعب من الله تعالى يلقيه في قلوب المشركين أي وهذا مما يؤيد ما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهم على الماء الذي هو المريسع وكان رجل مهم ممن أسلم وحسن أسلامه يقول لقد كنا نرى رجلا بيضا على خيل بلق ما كنا نراهم قبل ولابعد انتهى وهو يدل على أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام كانت مددا لهم في هذه الغزوة
ولم يقتل في غزوة بني المصطلق من المسلمين إلا رجل واحد قتله رجل من الأنصار خطا يظنه من العدو والمقتول هشام بن صبابة رضي الله تعالى عنه
أقوال وهذا مجمل القول الحافظ الدمياطي رحمه الله في سيرته أنه لم يقتل من المسلمين إلا جل واحد فاعتراض صاحب الهدى عليه بأن هذا وهم لأنهم لم يكن بينهم قتال ليس في محله لأنه فهم أن الرجل قتله الكفار وقد علمت أنه إنما قتله شخص من الأنصار يظنه من العدو والله أعلم وقدم أخو هذا المقتول من مكة على رسول الله عليه وسلم مظهر الإسلام على رسول الله عليه وسلم مظهر الإسلام بدية أخيه فأخذها مائة من الأبل وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كثير ثم عدا قاتل اخيه فقتله ثم خرج إلى مكة على رسول الله عليه وسلم مظهر الإسلام مردتد ويوم فتح مكة أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه فقتل في ذلك اليوم كما سيأتي
وما هنا هوالصحيح خلافا لما يأتي عن الاصل في فتح مكة أن قتل أخيه كان في غزوة ذي قرد ثم بعد انقضاءالحرب وهم على الماء اختصم أجير لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أي كان يقود له فرسه يقال له جهجاه رضي الله عنه مع رجل من حلفاء الخزرج قيل
____________________

حليف عمرو بن عمرو وقيل حليف عبد الله بن أبي سلول وهوسنان بن فروة رضي الله تعالى عنه أي فضرب أجير عمر رضي الله تعالى عنه حليف الخزرج فسال الدم وفي لفظ كسعة أي دفعة فنادى حليف الخزرج يا معشر الانصار أي وقيل قال يا للخزرج ونادى أجير عمر يا معشر المهاجرين وقيل قال يا لكنانة يا لقريش فأقبل جمع من الجيشين وشهروا السلاح حتى كاد أن تكون فتنة عظيمة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما بال دعوى الجاهلية فأخبر بالحال أي فقالوا رجل من المهاجرين ضرب رجل من الانصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوها أي تلك الكلمة التي هي يا لفلان فإنها منتنة أي مذمومة لانها من دعوى الجاهلية وجاء من دعا دعوى الجاهلية كان من محشى جهنم أي مما يرمي بها فيها قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن ام وإن صلى وزعم أنه مسلم قال وإن صام وان صلى وزعم أنه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم لينصرالرجل أخه ظالما أو مظلوما إن كان ظالما فلينهه فإنه ناصر أي له وإن كان مظلوما فلينصره أي يزيل ظلامته ثم كلمو اذلك المضروب فترك حقه فكسنت الفتنة وانطفت ثائرة الحرب
وجهجاه هذا روى عنه عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكافر ياكل في سبعة امعاء والمؤمن يأكل في معى واحد وهو المراد في بهذا الحديث في كفره وإسلامه لأنه شرب حلاب سبع شياه قبل أن يسلم ثم اسلم فلم يستتم حلاب شاه واحدة اي وسيأتي نظير ذلك لثمامة الحنفي ونقل أبو عبيد ان الرجل الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المقالة هو أبو بصرة العقاري أي ولامانع أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك في حق الرجل المذكور ايضا فقد تكرر منه صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات لرجال ثلاث أكل كل واحد منهم في الكفر أكثر مما كل في الإسلام
قال ابن عبد البر رحمه الله وجهجاه هذا هو الذي تناول عصر الرسول صلى الله عليه وسلم من يد عثمان رضي الله تعالى عنه وهو يخطب فكسرها على ركبته فأخذته أكله في ركبته فمات منها هذا كلامه
وفي كلام السهيلي رحمه الله أنه انتزع تلك العصا من عثمان حين اخرج من المسجد ومنع من الصلاة فيه وكان هو أحد من المعينين عليه هذا الكلام
____________________

وقد يقال لا مخالفة بين كونه أخذ العصا منه وهو يخطب وبين كونه أخذها حين أخرج من المسجد لانه يجوز أن يكون أخرج من المسجد في أثناء الخطبة وأخذت العصا منه حينئذ
وعند تخاصم الرجلين غضب عبد الله بن ابي ابن سلول وكان عنده رهط من قومه من الخزرج من المنافقين وكان عندهم زيد بن ارقم رضي الله تعالى عنه وهو غلام حديث السن فقال عبد الله بن ابي لعنه الله والله ما رايت كاليوم مذلة اوقد فعلوها نافرونا أي غلبونا وكاثرونا في بلادنا أي وأنكرون ملتنا والله ما أعدنا أي ظننا يعني معاشر الأنصار وقريش وفي رواية وجلابيب قريش هؤلاء يعني معاشر المهاجرين إلا كما قال الأول اي الاقدمون في أمثالهم سمن كلبك يأكلك أي ويقولون أجع كلبك يتبعك والله لقد ظننت أني سأموت قبل أن اسمع هاتفا يهتف بما سمعت أما والله لأن رجعنا إلى لامجدينة ليخرجن الأعز منها الأذل يعني الأعز نفسا وبالأذل النبي صلى الله عليه وسلم
وفي الاستيعاب ان عبد الله بن أبي قال ذلك في غزوة تبوك هذا كلامه وفيه نظرة ظاهر
والجلابيب جمع جلبيب وما يجلب من بلد إلى غيره يعني إغراب وقيل شبهوا بالجلابيب التي هي الأزر الغلاظ أو القليلة القيمة
ثم اقبل على من حضر من قومه فقال هذا ما فعلتم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو امسكتم عنهم ما بايديكم لتحول إلى غير داركم أي ثم لم ترضوا بما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم أغراضا للمنايا فقلتم دونه يعني النبي صلى الله عليه وسلم فأيتمتم أولادكم وقللتم وكثروا فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من عند محمد صلى الله عليه وسلم فسمع ذلك زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه على ما هو الصحيح وقيل سفيان بن تيم مفمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر وعنده عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه أي ونفر من المهاجرين والنصار
وفي البخاري عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه فذكرت ذلك لعمه أو لعمر فذكره النبي صلى الله عليه وسلم فجعاني فحدثته فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات وتغير وجهه وقال له يا غلام لعلك غضبت عليه قال
____________________

سمعته منه قال لعله أخطأ سمعك ولامه من حضر من الأنصار وقالوا عمدت إلى سيد قومك تقول عليه ما لم يقل
أي وفي البخاري فكذبني رسول الله وأصابنى هم لم يصبنى مثله قط وجلست في البيت أي الخباء فقال لي عمى ما أردت إلا أن كذبك رسول الله ومقتك فقال زيد والله لقد سمعت ما قال ولو سمعت هذه المقالة من أبي لنقلتها إلى رسول الله وإني لأرجو أن ينزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ما يصدق حديثي
أي وقيل إن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال لابن أبي لما قال أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل أنت والله الذليل المنقص في قومك ومحمد في عز من الرحمن وقوة من المسلمين فقال له ابن أبي لعنة الله اسكت فإنما كتب ألعب فعند تغير وجه رسول الله استأذنه عمر رضي الله عنه في أن يقتل ابن أبي والتمس منه أن يأمره غيره بقتله إذا لم يأذن له في ذلك
أي فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لما كان من أمر ابن أبي ما كان جئت رسول الله وهو في فيء شجرة أي ظلها عنده غليم أسود يغمز ظهره أي يكبسه فقلت يا رسول الله كأنك تشتكى ظهرك فقال تقحمت بي الناقة أي ألقتنى الليلة فقلت يا رسول الله ائذن لي أن أضرب عتق ابن أبي أو مر محمد بن مسلمة بقتله أي وفي رواية مر به عباد بن بشر فيلقتله فقال له رسول الله كيف يا عمر إذا اتحدث الناس بأن محمدا يقتل أصحابه
وفي لفظ أن عمر رضي الله عنه قال له رسول الله إن كرهت أن يقتله مهاجري فأمر به أنصاريا فقال ترعد له أذن وأنف كثيرة بيثرب يعنى المدينة ولعل تسميته لها بذلك إن كان بعد النهى لبيان الجواز ويبعد أن يكون ذلك كان قبل النهى عن ذلك ولكن أذن بالرحيل وكان ذلك في ساعة لم يكن يرتحل فيها
أي وفي رواية لما شاع الخبر ولم يكن الناس حديث في ذلك اليوم أي الوقت إلا ذلك أذن بالرحيل وكانت ساعة لم يكن رسول الله يرحل فيها أي لشدة الحر فارتحل الناس وسار رسول الله فجاءه أسيد بن حضير
____________________

رضي الله عنه فحياه بتحية النبوة وسلم عليه أي قال السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وقال يا نبي الله لقد رحلت في ساعة منكرة ما كنت تروح في مثلها أي فإنه كان لا يرحل إلا إن برد الوقت فقال له رسول الله أما بلغك ما قال صاحبكم فقال أي صاحب يا رسول الله قال عبدالله بن أبي ابن سلول قال وما قال قال زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل قال فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاء الله بك وفي رواية لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه ما بقيت عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهودي فإنه ليرى أنك استلبته ملكا وقد تقدم الاعتذار عنه بذلك في غير ما مرة
ثم سار رسول الله بالناس سيرا حثيثا أي صار يضرب راحلته بالسوط في مراقها أي مارق من جلد أسفل بطنها وسار يومهم ذلك وليلتهم وصدر ذلك اليوم الثاني حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض وقعوا نياما وإنما فعل ذلك ليشتغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبدالله بن أبي ابن سلول
قال وذهب بعض الأنصار الذين سمعوا قول النبي ورده على الغلام إلى ابن أبي لعنه الله فقال له يا أبا الحباب إن كنت قلت ما نقل عنك فأخبر به النبي فليستغفر لك ولا تجحده فينزل فيك ما يكذبك وإن كنت لم تقله فائت رسول الله فاعتذر له واحلف له ما قتله فحلف بالله العظيم ما قال من ذلك شيئا ثم مشى إلى رسول الله فقال له رسول الله يا ابن أبي إن كانت سبقت منك مقالة فتب فجعل يحلف بالله ما قلت ما قال زيد وما تكلمت به انتهى
أي وفي لفظ أنه أرسل إلى ابن أبي فأتاه فقال له أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني عنك فقال والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك وإن زيدا لكاذب فقال من حضر رسول الله من الأنصار يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل أي وفي لفظ أنهم قالوا يا رسول الله شيخنا وكبرنا لا يصدق عليه كلام غلام
____________________


ثم أن عبد الله رضي الله تعالى عنه ولد عبد الله بن أبي بن سلول أي وكان اسمه الحباب فسماه صلى الله عليه وسلم يوم موت ابيه عبدالله لما بلغه مقالة عمر رضي الله تعالى عنه من قتل أبيه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه قد بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي يعني والده فيما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمرني أن أحمل لك راسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل بر بوالده مني إني أخشى أن تامر به غيري فيقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا
قال وفي رواية فمرني فوالله لأحملن إليك راسه قبل أن تقوم من مجلسك هذا وأني لاخشى يا رسول الله أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل ابي يمشي في الناس فأقتله فأدخل النارر فعفوك أفضل ومنتك أعظم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اردت قتله ولا أمرت به ولنحسنن صحبته ما كان بين أظهرنا فقال عبد الله يا رسول الله إن أبي كانت أهل هذه البحيرة أي المدينة اتفقوا على ان يتوجوه عليهم فجاء الله عز وجل بك فوضعه ورفعا بك أي زاد في رواية ومعه قوم أي من المنافقين يطيفون به ويذكرونه أمورا قد غلب الله عليها وتقدم أنه وقع لعبد الله رضي الله تعالى عنه مثل ذلك مع أبيه
روى الدارقطني مسندا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على جماعة فيهم عبد الله بن أبي فسلم عليهم ثم ولى وفقال عبد الله لقد عثا ابن أبي كبشة في هذه البلاد فسمعها ابنه عبد الله فاستاذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ان يأتيه برأس أبيه فقال لا ولكن بر اباك ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرب المدينة هاجت ريح شديدة تخوفوها كادت تدفن الراكب أي خافوا أن تكون لأمر حدث في بالمدينة على أهلهم فإن مدة الموادعة التي كانت بينه صلى الله عليه وسلم وبين عيينة بن حصن كان ذلك حين انقضائها فخافوا على المدينة منه فقال صلى الله عليه وسلم ليس عليكم منه يعني من عيينه بن حصن بأس ما بالمدينة من نقب أي باب إلا وملك يحرسه وما كان ليدخلها اعدو حتى تاتوها ولكن تعصف هذه الريح لموت عظيم من الكفار وفي رواية لموت منافق وفي لفظ مات اليوم منافق عظيم النفاق في المدينة فكان كما قال عليه الصلاة والسلام مات في ذلك اليوم زيد بن رفاعة بن التابوت وكان كهفا للمنافقين
____________________

كان من عظماءيهود بني قينقاع وكان ممن أسلم ظاهرا وإلى ذلك أشار الإمام السبكى رحمه الله تعالى في تأئيته بقوله ** وقد عصفت ريح فأخبرت أنها ** لموت عظيم في اليهود بطيبه **
قال وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بموته فقد جاء أن عبادة بن الصامت قال لابن أبي يا ابا حباب مات خليلك قال اي خليل قال من موته فتح للإسلام وأهله قال من قال زيد بن رفاعة قال واويلاه من أخبرك يا أبا الوليد بموته قال قلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه مات هذه الساعة فحزن حزنا شديدا انتهى وذكر أهل المدينة ان هذه الريح وجدت في المدينة وأنه لما دفن عدو الله سكنت
أقول لكن في كلام ابن الجوزي رفاعة بن زيد بن التابوت وهو عم وقتادة بن النعمان قد ذكر عنه قتادة رضي الله تعالى عنه ما يدل على صحة إسلامه
أي وقد يقال جاز أن يكون أظهر ذلك لقتادة ليظن به ما ظنه من صحة إسلامه
قال ابن الجوزي ولهم رفاعة بن التابوت في الصحابة ذكره في الإصابة قال جاء ذكره في حديث مرسل كانوا في الجاهلية إذا أحرموا لم يأتوا بيتا من قبل بابه ولكن من قبل ظهره إلا الحمس فإنها كانت تأتي البيوت من أبوابها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا ثم خرج من بابه فاتبعه رجل يقال له رفاعة بن التابوت ولم يكن من الحمس فقالوا يا رسول الله نافق رفاعة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حملك على ما صنعت ولم تكن من الحمس قال فإن ديننا واحد فنزلت { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها } وسيأتي نحو هذه القصة لقطبة بن عامر ولعلها وقعت لهما
وأما لحديث الذي أخرجه مسلم أن ريحا عظيما هبت فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنها هبت لموت منافق عظيم النفاق وهو رفاعة بن التابوت فهو آخر غير هذا فقد جاء من وجه آخر رافع بن التابو أي فذكر رفاعة بدل رافع من تصرف بعض الرواة
وذكر في الأصابة أن رفاعة بن زيد عم قتادة بن النعمان رضي الله تعالى عنه لم يوصف بأنه ابن التابوت كما ذكره ابن الجوزى اي فوصفه بابن التابوت من تصرف بعض الرواة فليتأمل الله أعلم
____________________


وعن جابر رضى الله عنه قال كنا مع رسول الله عليه في سفر فهاجت ريح منتنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن ناسا من المنافقين اغتابوا ناسا من المؤمنين فلذلك هاجت هذه الريح ولم يعين جابر السفرة فيحتمل أن تكون هى هذه الغزوة وهو ظاهر سياقها فيها
ويحتمل أن تكون غيرها وفقدت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء من بين الإبل أى ليلا فجعل المسلمون يطلبونها من كل وجه فقال زيد بن الصلت وكان منافقا كما علمت من بني قينقاع وكان بمجمع من الأنصار نصار أين يذهب هؤلاء في كل وجه قالوا يطلبون ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضلت قال أ فلا يخبره الله بمكانها أ ي وفى لفظ كيف يدعى أنه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته ولا يخبره الذي يأ تيه بالوحى فأ نكر عليه القوم وقالوا قاتلك الله يا عدو الله نافقت وأرادوا قتله فعمدهاربا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متعوذا به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم وذلك الرجل يسمع إ ن رجلا من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إلا يخبره الله بمكانها والله قد أخبرني بمكانها ولا يعلم الغيب إلا الله وإ نها في الشعب مقابلكم قد مسك زمامها بشجرة فاعمدوا نحوها فذهبوا فأ توا بها من حيث قال صلى الله عليه وسلم فقام ذلك الرجل سريعا إلى رفقائه فقالوا له حين دنا لاتدن منا فقال لهم أنشدكم الله هل أتى أحد منكم محمدا فأخبره خبرى قالوا لا والله ولا قمنا من مجلسنا فقال إني وجدت ما تكلمت به عنده فأشهد أن محمدا رسول الله كأنى لم أسلم إلا اليوم فقالوا له فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فذهب إليه واعترف بذنبه واستغفر له قال ويقال إنه لم يزل فشلا أى جبانا حتى مات ووقع مثل هذا أى هبوب الريح وإضلال ناقته صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم فى غزوة تبوك
وأوقع صلى الله عليه وسلم الله السباق بين الإبل فسابق بلال رضى الله عنه على ناقته صلى الله عليه وسلم القصواء فسبقت غيرها من الإبل وسابق أبو سعيد الساعدى رضى الله عنه على فرسه صلى الله عليه وسلم الذى يقال له الظراب فسبق غيره من الخيل اه
أى وجاء أن ناقته صلى الله عليه وسلم العضباء كانت لا تسبق فجاء أعرابى على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلمين فقال صلى الله عليه وسلم الله حق على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه اه
____________________

أقول في الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة تسابق مع عائشة رضي الله عنها فتحزمت بقبائها وفعل كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استبقا فسبقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها هذه بتلك التي كنت سبقتني يشير صلى الله عليه وسلم إلى أنه جاء إلى بيت ابي بكر رضي الله عنه فوجد مع عائشة شيئا فطلبه منها فأبت وسعت وسعى صلى الله عليه وسلم خلفها فسبقته
هذا وفي كلام ابن الجوزي عن عائشة رضي الله عنهاأنها قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال تعالى حتى أسابقك فسابقته فسبقته فسكت عني حتى حملت اللحم وخرجت معه في سفره اخرى فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال لي تعالى حتى أسابقك فسابقته فسبقني فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك فليتأمل
قال ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وادي العقيق تقدم عبد الله رضي الله عنه ابن عبد الله بن ابى سلول وجعل يتصفح الركاب حتى مر أبوه فأناخ به ثم وطئ عل يد راحلته فقال أبوه ما تريد يالكع فقال والله لا تدخل حتى تقر أنك الذليل وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز حتى ياذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعلم ايضا الأعز من الأذل أنت او رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار يقول لأنا أزل من الصبيان لأنا ازل من النساء حتى جا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خل عن أبيك فخلى عنه
أي وفي لفظ أنه لما جاء قال له ابنه وراءك قال مالك ويلك قال والله لا تدخلها يعني المدينة حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلم اليوم من الأعز من الأذل وفي لفظ حتى تقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعز وانت الأذل فقال له أنت من بين الناس فقال نعم أنا من بين الناس وانصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكا له ما صنع ابنه رضي الله عنه فأرسل صلى الله عليه وسلم إلى ابنه أن خل عنه وفي لفظ قال له ابنه رضي الله عنه لئن لم تقر لله ولرسوله بالعزة لأضربن عنقك فقال ويحك افاعل أنت قال نعم ولما رأى منه الجد قال أشهد أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبنه جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرا وانزل الله تعالى سورة المنافقين قال زيد بن ارقم رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

تأخذه البرحاء ويعرق جبينه الشريف وتثقل يدا راحلته فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ورجوت أن ينزل الله تصديقي فلما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بأذني وأنا على راحلتي يرفعها إلى السماء حتى ارتفعت عن مقعدي وهو يقول وعت اذنك يا غلام وصدق الله حديثك وكذب المنافقين وفي رواية هذا الذي أوفى الله بأذنه ونزل { وتعيها أذن واعية } فكان يقال لزيد بن أرقم رضي الله عنه ذو الأذن الواعية
وذكر بعض الرافضة أن قوله تعالى وتعيها أذن واعية جاء في الحديث أنها نزلت في علي كرم الله وجهه قال الإمام ابن تيمية وهذا حديث موضوع باتفاق اهل العلم أي وعلى تقدير صحته لا مانع من التعدد
وصار قوم عبد الله بن أبي عند نزول سورة المنافقين يعاتبونه ويعنفونه ولما بلغه صلى الله عليه وسلم أي بغض قومه له ومعاتبتهم له قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه كيف ترى يا عمر إني والله لو قتلته يوم قلت لأرعدت له أنوف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته فقال عمر رضي الله عنه قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري آه
وجاء أنه لما نزلت سورة المنافقين وفيها تكذيب ابن أبي قال له أصحابه اذهب إلى رسول الله صى يستغفر لك فلوى رأسه ثم قال أمرتموني أن أومن فآمنت وأمرتموني ان أعطي زكاة أموالي فأعطيت فما بقي إلا أن أسجد لمحمد صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم } الآية
وفي تفسير القرطبي عند قول تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر } قال السدى نزلت في عبد الله ابن أبي جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له بالله يارسول الله أما أبقيت فضله من شرابك أسقها أبي لعل الله يطهر بها قلبه فأفضل له فأتاه بها فقال له عبد الله ما هذا فقال هي فضلة من شراب النبي صلى الله عليه وسلم جئتك بها تشربها لعل الله يطهر قلبك بها فقال له أبوه فهلا جئتني ببول أمك فإنه أطهر منها فغضب وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال
____________________

يا رسول الله بالله أما أذنت لي في قتل أبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل ترفق به وتحسن إليه
وقد جاء أن ابنه رضي الله عنه قال يا رسول الله ذرني أسقي والدي من وضوئك لعل قلبه أن يلين فتوضأ صلى الله عليه وسلم وأعطاه فذهب به إلى أبيه فسقاه وقال له هل تدري ما سقيتك قال نعم سقيتني بول أمك قال لا والله لكن سقيتك بول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة هلال رمضان فكانت غيبته ثمانية وعشرين ليلة
قال وفي هذه الغزوة جاءت امرأة بابن لها وقالت يا رسول الله هذا ابني غلبني عليه الشيطان ففتح صلى الله عليه وسلم فم الولد وبزق فيه وقال اخسأ عدو الله أنا رسول الله قال ذلك ثلاثا ثم قال للمرأة شأنك بابنك لن يعود إليه شيء مما كان يصيبه
وفي هذه العزوة جاء شخص بثلاث بيضات له صلى الله عليه وسلم من بيض النعام فقال صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه دونك يا جابر فاعمل هذه البيضات قال جابر فعملتهن ثم جئت بهن فجعلنا نطلب خبزا فلم نجد فجعل كل من رسول اله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكل من ذلك بغير خبز حتى انتهى كل إلى حاجته والبيض كما هو
وفي الغزوة جاء جمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفل أي يختال في مشيه وصوت فقال صلى الله عليه وسلم تدرون ما يقول هذا الجمل هذا يستعيذني على سيده يقول إنه كان يحرث عليه وإنه أراد أن ينحره اذهب يا جابر إلى صاحبه فأت به فقلت لا أعرفه قال سيدلك فخرج بين يدي حتى وقف على صاحبه فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه في شأن الجمل 1 هـ
أقول قد تقدمت هذه الأمور الثلاثة التي هي قصة ابن المراة وقصة البيض وقصة الجمل في ذات الرقاع والتعدد فيهما حتى لأجل هذه الأمور سميت كل منهما بغزة الأعاجيب بعيد والذي أراه أنه اشتباه من بعض الرواة فليتأمل
وفي هذه الغزوة كانت قصة الإفك أي الكذب على عائشة الصديقة المبراة المطهرة رضي الله عنها قالت لما دنونا من المدينة قافلين أي راجعين أذن ليلة بالرحيل فقمت
____________________

وذهبت لأقضي حاجتي حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي من جزع أظفار كذا بالألف عند البخاري وفي رواية ظفار بغير ألف قال القرطبي ومن قيده بالألف فقد أخطأ أي ولعل المراد خالف الرواية وفي لفظ ظفاري أي بياء النسبة وفي لفظ الجزع الظفري
وقد يقال لا مانع من وقوع هذه الألفاظ من الصديقة في أوقات مختلفة قال بعضهم الجزع بفتح الجيم وإسكان الزاي وآخره عين مهملة خرز وظفار بالظاء المعجمة كوبار مبنية على الكسر قرية من قرى اليمن كان ثمنه يسيرا وفي كلام بعضهم كان يساوي اثني عشر درهما قد انقطع فالتمست عقدي أي ذهبت إلى التماسة في المحل الذي قضيت فيه حاجتي وحبسني التماسه اقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي هو بتخفيف الحاء أي يجعلون هودجها على الرحل فاحتملوا ودجى فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون اني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لفلة اكلهن أي لأن السمن وكثرة اللحم غالبا تنشأ عن كثرة الأكل وساورا أي وعن عائشة رضي الله عنها أن الذي كان يرحل هودجها ويقود بعيرها أبو مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رجلا صالحا ولا يخالف هذا قولها وأقبل الرهط إلى آخره وقولها في بعض الروايات ولم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه لأنه يجوز أن جماعة كانوا يعاونون أبا مويهبة في ذلك فوجدت عقدي فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب وأقمت منزلي الذي كنت فيه وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان السلمى خلف الجيش أي لأنه كان على ساقة الجيش يتخلف عن الجيش ليلتقط ما يسقط من المتاع وقيل كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتحل الناس
وقد جاء أن زوجته شكته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت له إنه لا يصلي الصبح فقال يا رسول الله إني امرؤ ثقيل النوم لا أستيقظ حتى تطلع الشمس فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظت فصل أي وفي رواية شكته إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه يضربها فقال إنها تصوم بغير إذني فقال لها لا تصومي إلا بإذنه قالت إنه ينام عن الصلاة أي صلاة الصبح قال إنه شيء ابتلاه الله به فإذا استيقظ فليصل وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم من حاله أنه ينام عن الصلاة
____________________

الصبح قالت إنه إذا سمعني أقرأ يضربني فقال إن معي سورة ليس معي غيرها هي تقرؤها قال لا تضربها فإن هذه السورة لو قسمت في الناس لو سعتهم أي وهذا الجواب منه صلى الله عليه وسلم يدل على أن صفوان ظن أن امرأته إذا قرأت تلك السورة شاركته في ثوابها فليتأمل
فأدلج أي سار ليلا فأصبح عند منزلي أي على خلاف عادته فرأى سوادا أي شخص إنسان نائم فأتاني فعرفني فاستيقظت باسترجاعه أي بقوله إنا لله وإنا إليه راجعون أي لأن تخلف أم المؤمنين عن الرفقة في مضيعة مصيبة أي مصيبة قالت فخمرت وجهي بجلبابي وهو ثوب أقصر من الخمار ويقال له المقنعة تغطي بها المرأة رأسها أي لأن ذلك كان بعد نزول لآية الحجاب أي { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي } الآية أي لأنه تقدم أن ذلك كان في سنة ثلاث على الراجح عند الأصل
وفي الإمتاع وذكر بعض علماء الأخبار ان تزوجه صلى الله عليه وسلم زينب التي نزلت آية الحجاب بسببها كان في ذي القعدة سنة خمس ولا يخفى أن هذا القول ينافيه ما يأتي عن عائشة رضي الله عنها من قولها إن زينب هي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو صريح في أنها كانت زوجة له صلى الله عليه وسلم قبل هذه العزوة بناء على أن هذه الغزوة كانت سنة ست
قالت والله ما كلمني وفي لفظ والله ما يكلمني كلمة وما سمعت منه كلمة أي فلاكلمها ولا كلم نفسه قيل استعمل الصمت أدبا لهول هذا الأمر الذي هو فيه فلم يقع منه غير الاسترجاع حين أناخ ناقته فوطئ على يدها فركبتها وفي رواية ثم قرب البعير فقال اركبي أي وفي لفظ قال أمه قومي فاركبي واخذ براس البعير وجاء أنه لما ركبت قالت حسبي الله ونعم الوكيل
وفي سيرة ابن هشام انه لما قال لها ما خلفك يرحمك الله قالت فما كلمته أي ويحتاج إلى الجمع بين هذه الروايات الثلاث وما قبلها على تقدير صحتها
وقد يقال إنها لم تسمع منه غير استرجاعه ولا كلمها ولا تكلم قبل أن يقرب إليها البعير كما علمت فلما قرب البعير إليها قال لها يا أمه قومي فاركبي لأن إناخة البعير وتقريبه ليس صريحا في الإذن لها في الركوب فأتى بذلك اللفظ الدال على مزيدا من احترامها وإجلالها وتعظيمها وبعض الرواة اقتصر على قولها اركبي وبعد ان ركبت أي
____________________

وحصلت الطمأنينة واندفعت الريبة قال لها متعجبا لا مستفهما ما خلفك قالت فانطلق يقود بي الراحلة أتينا الجيش بعد ما نزلوا وذلك في نحر الظهيرة أي وسطها وهو بلوغ الشمس منتهاها من الإرتفاع
وبهذه الواقعة استدل فقهاؤنا على أنه يجوز الخلوة بالمرأة الأجنبية إذا وجدها منقطعة ببرية أو نحوها بل يجب استصحابها إذا خاف عليها لو تركها
هذا وفي الخصائص الصغرى وفي معاني الآثار للطحاوي رحمه الله قال أبو حنيفة كان الناس لعائشة رضي الله عنها محرما فمع أيهم سافرت فقد سافرت مع محرم وليس غيرها من النساء كذلك
أي وقوله وليس غيرها من النساء كذلك يشمل بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وحينئذ فليتأمل الفرق بينها وبين بقية أمهات المؤمنين فيما ذكر وفيما سيأتي عن بعضهم أن من قذف عائشة يقتل ويحد في غيرها من أزواجه صلى الله عليه وسلم حدين
قالت عائشة رضي الله عنها فلما نزلنا هلك من هلك بقول البهتان والإفتراء والذي تولى كبره أي معظمه عبد الله بن أبي ابن سلول أي فإنه كان أول من أشاعه في العسكر أي فإنه كان ينزل مع جماعة المنافقين مبتعدين من الناس فمرت عليهم فقال من هذه قالوا عائشة وصفوان فقال فجربها رب الكعبة وفي لفظ ما برئت منه وما برئ منها وفي لفظ والله ما نجت منه ولا نجا منها وصار يقول امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم أشاع ذلك في المدينة بعد دخولهم له لشدة عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي والذي في البخاري كان يتحدث به عنده فيقره ويستمعه ويستوشيه أي يستخرجه بالبحث عنه
وقد يقال لا منافاة لأنه يجوز أن يكون هو أول من أشاعه عند دخول المدينة ثم صار يستخرجه بالبحث عنه ليكثر إشاعته قالت فقدمنا المدينة فاشتكيت أي مرضت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك أي ووصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى أبوي ولا أشعر بشيء من ذلك وكان يريبني أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي أي حين أمرض واللطف بضم اللام وسكون الطاء وقيل بفتح اللام والطاء وهو من
____________________

الإنسان الرفق ومن الله التوفيق إنما يدخل على فيسلم أي وعندي أمي تمرضني ثم يقول كيف تيكم أي لا يزيد على ذلك ثم ينصرف فذاك الذي يريبني حتى خرجت بعد ما نقهت بكسرالقاف وفتحها أي أول ما افقت من المرض فخرجت معي ام مسطح وهي بنت خالة أبي بكر أي وما في لفظ وكان مسطح ابن خالة أبي بكر هو عل ضرب من التجوز والمسامحة وكان مسطح يتيما في حجر أبي بكر وكان فقيرا ينفق عليه أبو بكر قالت وخروجنا كان إلى المحل الذي تخرج إليه النساء ليلا أي لقضاء حاجة الإنسان وذلك قبل أن تتخذ الكنف أي فإن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن نحو المنصع وهو محل متسع قالت فلما فرغنا من شأننا وأقبلت عثرت أم مسطح في مرطها أي إزارها فقالت تعس مسطح بفتح العين وكسرها هلك مسطح تعني ولدها ومسطح في الأصل عمود الخيمة قلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا قالت يا هنتاه بفتح الهاء الأولى وسكون النون وضم الهاء الثانية أي يا هذه أو لم تسمعي ما قال قلت وما قال فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا على مرضي أي عاودني المرض وازددت عليه أي وفي لفظ مخرن مغشيا عليها
وفي رواية خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح قد حملت السطل وفيه ماء فعثرت ووقع السطل منها فقالت تعس مسطح فقلت أي أم تسبين ابنك فسكتت ثم عثرت الثانية فقالت تعس مسطح فقلت أي أم تسبين ابنك ثم عثرت الثالثة فقالت تعس مسطح فنهرتها فقالت والله م أشبه إلا فيك فقلت في أي شأني فبقرت أي كشفت لي الحديث فقلت وقد كان هذا قالت نعم فأخذتني حمى نافضة ورجعت إلى بيتي فلما رجعت إلى بيتي مكثت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ إلى دمع ولا اكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعد أن سلم كيف تيكم فقلت أتأذن لي أن آتي بيت أبوي وأنا أريد أن اتثبت الخير من قبلهما أي لأن أمها فارقتها لما نفهت من المرض وذهبت إلى بيتها فلا ينافي ما سبق من قولها وعندي أمي تمرضني قالت فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبوي أي وأرسل معي الغلام فدخلت الدار فوجدت أم رومان في أسفل
____________________

وأبا بكر فوق يقرأ فقالت أمي ما جاء بك فأخبرتها فذهابها إلى أبويها كما علمت كان بعد أن صحت من المرض وبعد إخبار أم مسطح لها بالقصة
والذي في السيرة الهشامية يفيد أنه كان قبل ذلك وهو أنها رضي الله عنها قالت كان صلى الله عليه وسلم كلما يدخل يقول كيف تيكم لا يزيد على ذلك حتى وجدته في نفسي فقلت يا رسول الله حين رأيت ما رأيت من جفائه لو أذنت لي قال لا عليك قالت فانتقلت إلى امي تمرضني ولا علم لي بشيء مما كان حتى نفهت من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة وكنا قوما عربا لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف التي تتخذها الأعاجم أي بيوت الأخلية نعافها ونكرهها إنما نذهب في فسح المدينة فخرجت ليلة ومعي أم مسطح بنت خالة أبي بكر إذ عثرت في مرطها فقالت تعس مسطح قلت بئس لعمر الله ما قلت لرجل من المهاجرين وقد شهد بدرا قالت أو ما بلغك الخبر يا ابنة ابى بكر قلت وما الخبر فأخبرتني بالذي كان من قول أهل الإفك قلت أو قد كان هذا قالت نعم والله لقد كان فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي ورجعت فوالله ما وزلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي فليتأمل الجمع بين ما في السيرة الهشامية وما في غيرها على تقدير صحتهما
قالت وقلت لأمي يغفر الله لك تحدث الناس بما تحدثوا به لا تذكرين لي من ذلك شيئا الحديث وفي رواية فقلت لأمي يا أماه ما يتحدث الناس وفي لفظ قلت لأمي يغفر الله لك تحث الناس بما تحدثوا الآ تذكرين لي من ذلك شيئا قالت يا بنية هوني عليك وفي لفظ خفضي عليك الشأن فوالله لقلما ما كانت امراة قط وضيئة أي جميلة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها أي القول في تنقيصها
وفيه أن ضرائرها أمهات المؤمنين لم يكن السبب في إشاعة ذلك ولم ينقصها به إلا أن يقال ظنت أمها ذلك على ما هو العادة في ذلك وعند ذلك قالت فقلت سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا أي وقلت قد علم به أبي قالت نعم قلت ورسول الله قالت نعم فاستعبرت وبكيت فسمع أبو بكر صوتي فنزل فقال لأمي ما شأنها فقالت بلغها الذي ذكر من شأنها فقاضت عيناه فبكيت تلك الليلة حت اصبحت لا يرفأ لي دمع أي يرتفع ولا اكتحلت بنوم في الليلة الثانية كذلك ولما أصبحت أصبح أبواي عندي يظنان أن البكاء فالق كبدي فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي أي وهما
____________________

يبكيان وأهل الدار يبكون فاستأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي وسمعت من بعض الشيوخ أن هرة كانت بالبيت جالسة تبكي أيضا فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل وقد لبث صلى الله عليه وسلم شهرا لا يوحى إليه في شأني فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تعالى تاب الله عليه
قال بعضهم دعاها إلى الإعتراف ولم يأمرها بالستر أي مع أنه المطلوب ممن أتى ذنبا لم يطلع عليه
وفي لفظ قال يا عائشة إنه قد كان ما بلغك من قول الناس فاتق الله فإن كنت قارفت أي اكتسبت سوءا مما يقول الناس فتوبي إلى الله تعالى فإن الله تعالى يقبل التوبة عن عبادة قالت فلما قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي أي ارتفع حتى ما أحسن منه بقطرة فقلت لأبي أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قال فوالله لا أدري ما قول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ قلت لأبوي ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا والله لا ندري بماذا نجيبه فقلت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في نفوسكم فلئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم إني بريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني فوالله لا أجد لي ولكم وفي لفظ لا أجد لي مثلا إلا أقول أبى يوسف عليهما السلام أي والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه إذ يقول { فصبر جميل والله المستعان }
أي وفي رواية كما في البخاري مثل ومثلكم كيعقوب وبنيه { والله المستعان على ما تصفون } وفي لفظ إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وبذلك أستدل على جواز ضرب المثل من القرآن أيضا ثم تحولت فاضحجعت على فراشي ما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحيا يتلى وفي لفظ قرآنا يقرأ به في المسجد ويصلي به ولشأني في نفسي
____________________

كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى وكنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في النوم يبرئني الله بها أي وعند ذلك قال ابو بكر رضي الله عنه ما أعلم أهل بيت من العرب دخل عليهم ما دخل علي والله ما قيل لنا هذا في الجاهلية حيث لا يعبد الله فيقال لنا في الإسلام وأقبل على عائشة مغضبا فأحذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يأخذه عند نزول الوحي أي من شدة الكرب فسجى أي غطى بثوبه ووضعت له وسادة من أدم تحت رأسه وفي لفظ قالت عائشة رضي الله عنها فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت فوالله ما فزعت لأني قد عرفت أني بريئة وأن الله غير ظالمي وأما ابواي فوالذي نفس عائشة بيده ما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وأخبر بما أخبر حتى ظننت لتخرجن أنفسهما فرقا أي خوفا من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس فلما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سرى عنه وهو يضحك وإنه لينحدر منه العرق كالجمان وهي حبوب مد حرجة تجعل من الفضة أمثال اللؤلؤ فجعل يمسح العرق عن وجهه الكريم فكان أول كلمة تكلم بها يا عائشة أما إن الله قد براك فقالت أمي قومي إليه صلى الله عليه وسلم فقلت والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله وفي لفظ قال أبشري يا عائشة فقد أنزل الله تعالى براءتك قلت نحمد الله لا نحمد أحدا قالت عائشة رضي الله عنها نزلت تلك الآيات في يوم شات قالت وتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم درعي فقلت بيده هكذا أي أدفع يده عن درعي فأخذ أبو بكر النعل ليعلوني بها فمنعته فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له أقسمت عليك لا تفعل وفي رواية لما أنزل الله براءتها قام إليها أبو بكر رضي الله عنه فقبل رأسها فقالت له هلا كنت عذرتني فقال أي بينة أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن قلت بما لا أعلم ولا مخالفة بين هذه الرواية وما قبلها لجواز أن يكون ما قبلها بعدها وأنزل الله تعالى إن الذين جاءوا بالإفك الآيات العشر أي وفي تفسير البيضاوي الثمانية عشر
قال السهيلي وكان نزل براءة عائشة رضي الله عنها بعد قدومهم المدينة أي من الغزوة المذكورة لسبع وثلاثين ليلة في قول بعض المفسرين فمن نشبها رضي الله عنها إلى الزنا كغلاة الرافضة كان كافرا لأن في ذلك تكذيبا للنصوص القرآنية ومكذبها كافر
وفي حياة الحيوان عن عائشة رضي الله عنها لما تكلم الناس في الإفك رأيت في منامي
____________________

فتى فقال لي مالك قلت حزينة مما ذكر الناس فقال ادعي بهذه يفرج الله عنك قلت وما هي قال قول يا سابغ النعم ويا دافع النقم ويا فارج الغمم ويا كاشف الظلم ويا أعدل من حكم ويا حسيب من ظلم ويا أول بلا بداية ويا آخر بلا نهاية اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا قالت فقلت ذلك فانتبهت وقد أنزل الله فرجى
قال بعضهم برأ الله تعالى أربعة بأربعة برأ يوسف عليه السلام بشاهد من أهل زليخة وبرأ موسى عليه السلام من قول اليهود فيه إن له ادرة بالحجر الذي فر بثوبه وبرأ مريم بإنطاق ولدها وبرأ عائشة بهذه الآيات
وكان أبو بكر رضي الله عنه ينفق على مسطح لقرابته منه أي كما تقدم ولفقره فحلف لا ينفق عليه أي فإنه قال والله لاأنفق على مسطح أبدا ولا انفعه بنفع أبدا بعد ما قال لعائشة وأدخل علينا
وفي لفظ أخرجه من منزله وقال له لا وصلتك بدرهم أبدا ولا عطفت عليك بخير أبدا فأنزل الله تعالى { ولا يأتل أولوا الفضل } أي الفضيلة والإفضال منكم والسعة أي في الرزق أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم وعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه أما تحب أن يغفر الله لك قال أبو بكر رضي الله عنه والله إني لأحب أن يغفر لي فرجع إلى مسطح بالنفقة التي كان ينفق عليه وقال والله إني لا انزعها عنه أبدا
وفي معجم الطبراني الكبير والنسائي أنه أضعف له في النفقة التي كان يعطيه إياها قبل القذف أي أعطاه ضعف ما كان يعطيه قبل ذلك أي وكفر عن يمينه
وبهذا وبما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم من حلف علي يمين ورأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه
استدل فقهاؤنا على أن الأفضل في حق من حلف على ترك مندوب أو فعل مكروه أن يحنث ويكفر عن يمينه
وهنا لطيفة وهي أن ابن المقرى رحمه الله منع عن ولده النفقة تاديبا له على أمر وقع منه فكتب إلى والده رحمه الله تعالى هذه الأبيات
____________________

** لا تقطعن عادة بر ولا تجعل عقاب المرء في رزقه ** ** فان أمر الإفك من مسطح يحط قدر النجم من أفقه ** ** وقد جرى منه الذي قد جرى وعوتب الصديق في حقه ** فكتب إليه والده رحمه الله تعالى هذه الأبيات ** قد يمنع المضطر من ميتة إذا عصى بالسير في طرقه ** ** لأنه يقوى على توبة تكون أيصالا إلى رزقه ** ** لولم يتب مسطح من ذنبه ما عوتب الصديق في حقه ** ووصف الله تعالى الصديق بأولى الفضل موافق لوصفه صلى الله عليه وسلم له بذلك فقد جاء أن عليا كرم الله وجهه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه جالس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنحى أبو بكر عن مكانه وأجلس عليا كرم الله وجهه بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فتهلل وجه الرسول صلى الله عليه وسلم فرحا وسرورا وقال لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أولو الفضل
وعنها رضي الله عنها أنها قالت لما استلبث الوحي عنه صلى الله عليه وسلم أي أبطأ عليه ولم ينزل استشار الصحابة فقال له عمر رضي الله عنه من زوجها لك يا رسول الله قال الله تعالى قال أفتظن أن الله دلس عليك فيها سبحانك هذا بهتان عظيم فنزلت ودعا على بن أبي طالب كرم الله وجهه وأسامة بن زيد رضي الله عنهما ليستأمرهما في فراق أهله أي تعنى نفسها فأما أسامة بن زيد فقال أهلك أي الزم أهلك يا رسول الله ولا نعلم إلا خيرا وأما علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وإنك لتقدر أن تستخلف وفي لفظ قد أحل الله لك فطلقها وانكح غيرها وإن تسأل الجارية تصدقك يعني بريرة رضي الله عنها أي لأنها كانت تخدم عائشة إما قبل شرائها لها أو بعده وقبل عتقهالها كان بعد الفتح فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك قالت بريرة والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرا أغمصه بالغين المعجمة والصاد المهملة بينهما ميم مكسورة أي أعيبه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن وهي الدابة التي تألف البيوت ولا تخرج للمرعى وهي هنا الشاة فتأكله
____________________

وفي لفظ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فسألها فقام إليها علي كرم الله وجهه فضربها ضربا شديدا وجعل يقول لها أصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول والله ما أعلم إلا خيرا وما كنت أعيب على عائشة شيئا إلا أني كنت أعجن عجيني فآمرها أن تحفظه فتنام عنه فتأتي الشاة فتأكله أي وضربها كما قال السهيلي ولم تستوجب ضربا ولا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضربها لأنه اتهمها في أنها خانت الله ورسوله فكتمت من الحديث ما لا يسعها كتمه هذا كلامه
والذي في البخاري وانتهرها بعض الصحابة فقال أصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت سبحان الله والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصانع عل تبر الذهب الأحمر
وفي الإمتاع جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لبريرة وسألها فقالت هي اطيب من طيب الذهب والله أعلم عليها إلا خيرا والله يا رسول الله لئن كانت على غير ذلك ليخبرك الله بذلك
أي برير هذه روى عنها عبد الملك بن مروان فقد ذكر أنه قال كنت أجالس بريرة رضي الله عنها بالمدينة قبل أن آني إلى هذا الأمر يعني الخلافة فكانت تقول لي يا عبد الملك إني أرى فيك خصالا وإنك لخليق أن تلي هذا الأمر يعني الخلافة فإن وليته فاحذر الدماء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليها على محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حق
قالت عائشة رضي الله عنها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش أم المؤمنين عن أمري يقول ماذا علمت أو رأيت فتقول يا رسول الله أحمى سمعي وبصري أي أصون سمعى من أقول سمعت ولم أسمع وأصون بصري من أن أقول أبصرت ولم أبصر ما علمت إلاخيرا أي وفي رواية حاشا سمعي وبصري ما علمت إلا خيرا والله ما أكملها وإني لمهاجرتها وما كنت أقول إلا الحق قالت عائشة وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ تناصيني أي تعادلني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في المنزلة والمحبة عنده صلى الله عليه وسلم فعصمها الله تعالى أي ولهذا جعلها في النور أفضل نسائه صلى الله عليه وسلم
____________________

بعد عائشة وخديجة حيث قال والذي يظهر أن أفضلهن أي زوجاته صلى الله عليه وسلم بعد خديجة وعائشة زينب بنت جحش
وقالت عائشة رضي الله عنها في وصفها لم أر أمرأة قط خيرا من زينب في الدين وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم واعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي يتقرب به إلى الله ما عدا سورة أي حدة تسرع فيها ألفيئة أي ترجع عنها سريعا قالت عائشة رضي الله عنها وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عند استلباث الوحي وتأخره في الناس وخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس ما بال رجال يؤذوني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق وفي رواية فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول فقال وهو على المنبر من يعذرني أن ينصفني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا يعني صفوان ما علمت عليه إلاخيرا أي وزاد في رواية ولا يدخل بيتي وفي لفظ بيتا من بيوتي إلا وأنا حاضر ولا غبت في سفر إلا غاب معي يقولون عليه غير الحق فقام سعد بن معاذ أي سيد الأوس فقال يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخرزج أمرتنا ففعلنا أمرك فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وقد احتملته الحمية وفي لفظ أجهلته الحمية وكان قبل ذلك رجلا صالحا أي لما ذكر سعد بن معاذ الحزرج الذين هم قوم سعد بن عبادة غضب سعد بن عبادة لأجلهم وحملته الحمية لهم على أن يجهل أي قال قول الجهل فقال لسعد بن معاذ كذبت لعمر الله لاتقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ كما تقدم فقال لسعد ابن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه وأنفك راغم فانك منافق تجادل عن المنافقين أي والمراد بكونه منافقا انه يفعل فعل المنافقين ومن ثم لم ينكر صلى الله عليه وسلم ذلك إن كان سمعه فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا لأنه كان بين الحيين قبل الإسلام مشاحنة ومحاربة كما تقدم ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا قالت وأنا لا أعلم بشي من ذلك
أقول فيه أن سعد بن معاذ لم يقل إنه كان من الخزرج نقتله بل قال نفعل فيه ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحسن رد سعد بن عبادة عليه بما ذكر
____________________


ثم رأيت بعضهم ذكر أن الأظهر عندي أن ابن عبادة لم يقل ذلك حمية لقومه وإنما أراد الانكار على ابن معاذ في كونه يقتل شخصا من قومه الذين هم الأوس مع أنه يظهر الإسلام لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتل من يظهر الإسلام فكأنه قال لا تقل ما لا تفعل ولا تقدر على فعله حيث لم يأمرك بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وإنما انتصر أسيد بن حضير لسعد بن معاذ نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم في مثل الحالة العظيمة التي طلب النبي صلى الله عليه وسلم فيها من يعذره من ذلك القائل وإنكاره على سعد ابن عبادة إنما هو إنكار ظاهر لفظه وإن كان لباطنه مخلص حسن وكم من لفظ ينكر إطلاقه على قائله وإن كان في الباطن له مخلص هذا كلامه
ثم رأيت في السيرة الهشامية أن المتكلم أسيد بن حضير وأنه قال يا رسول الله إن يكونوا من الأوس نكفيكهم وإن يكونوا من إخواننا الخرزج فمرنا أمرك فوالله إنهم لأهل لأن نضرب أعناقهم فقام سعد بن عبادة فقال كذبت لعمر الله والله ما تضرب أعناقهم أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخرزج ولو كانوا من قومك يعني الأوس ما قلت هذا أي لأن عبد الله بن أبي ابن سلول من الخزرج وكذا حسان بن ثابت رضي الله عنه بناء على أنه كان من أصحاب الإفك
وفي البخاري أن سعد بن معاذ قال ائذن لي يا رسول الله أن اضرب أعناقهم فقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان من رهط ذلك الرجل أي من الخزرج فقال كذبت أما والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم وعلى هذه الرواية فلا إشكال
وقول البخاري وكانت أم حسان إلى آخره يشعر بأن حسان لم يكن من الخزرج وهو يخالف ما تقدم وما سيأتي أنه من الخزرج إلى أن يقال وصفه بذلك على المسامحة لكون أمه منهم فليتأمل ولا يخفى أن ذكر المنبر يخالف ما في الأصل من أن اتخاذ المنبر كان في السنة الثامنة وقصة الإفك كانت في السنة الخامسة أو السادسة وفي النور المراد بالمنبر شيء مرتفع قال وإلا فالمنبر إنما اتخذ في السنة الثامنة أي فيكون المراد المنبر الذي أتخذ في السنة الثانية كان من الطين والذي كان من الخشب إنما اتخذ في السنة الثامنة وقد بينا ذلك مبسوطا والله أعلم
ثم بعد نزول آيات الإفك أي وهي { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة } إلى قوله { أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم } خرج صلى الله عليه وسلم إلى الناس
____________________

وخطبهم وتلا عليهم تلك الآيات وأمر بجلد أصحاب الإفك أي وهم عبد الله بن أبي ومسطح وحمنة بنت جحش أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين وأخوها عبيدالله بالتصغير ابن جحش ويقال له أبو أحمد كان ضريرا أي وكان يدور مكة أعلاها وأدناها في أي محل من غير قائد وكان شاعرا وهو ابن عمة أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم وأما أخوها عبد الله مكبرا فقد قتل يوم أحد كما تقدم وزاد بعضهم خامسا وهو زيد بن رفاعة وفيه أن تقدم أنهم لما قدموا المدينة وجدوه قد مات إلا أن يقال إن لهم زيد بن رفاعة غيره فيجوز أن يكون هو ذلك ويقال وحسان بن ثابت فجلدوا الحد وهو ثمانون
وقال بعضهم وذكر سعد بن معاذ في هذه الرواية أي أنه القائل أنا أعذرك وهم من بعض الرواة وإنما المتكلم بذلك أسيد بن حضير أي كما تقدم عن السيرة الهشامية لأن سعد بن معاذ مات بعد بني قريظة
قال في الأصل لو اتفق اهل المغاز على أن غزوة الخندق وبني قريظة متقدمة على عزوة بني المصطلق لكان الوهم لازما ولكنهم مختلفون
أقول أي فالوهم لا يلزم إلا من جعل هذه الغزوة التي هي غزوة بني المصطلق متأخرة عن بني قريظة ويذكر فيها سعد بن معاذ كالأصل ومن ثم قال ابن اسحاق بانها بعد بني قريظة روى عن عائشة بدل سعد بن معاذ اسيد بن حضير قال في الإمتاع وهذا هو الصحيح والوهم لم يسلم منه أحد من بني ادم
وفيه أن مما يدل على تقدمها وأ ذكر سعد بن معاذ ليس من الوهم في شيء ما ذكره في الكتاب المذكور الذي هو في الإمتاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث أياما ثم أخذ بيد سعد بن معاذ في نفر حتى دخل على سعد بن عبادة فتحدثوا ساعة وقرب لهم سعد بن عبادة طعاما فأصابوا منه ثم انصرفوا فمكث أياما ثم أخذ بيد سعد بن عبادة في نفر فانطلقوا حتى دخلوا منزل سعد بن معاذ فتحدثوا ساعة وقرب لهم سعد بن معاذ طعاما فأصابوا منه ثم خرجوا فذهب من أنفسهم ما كان وأن ذكر سعد بن معاذ وقع في الصحيحين وغيرهما والله أعلم
وذكر أن صفوان بن المعطل رضي الله عنه كان الإفك بسببه ظهر أنه كان حصورا لا يأتي النساء أي انما معه مثل الهدبة أي عنين
____________________


وقد قال الشيخ محيي الدين الحصور عندنا العنين أي ويدل له ما في البخاري أنه رضي الله عنه ما كشف كنيف امرأه قط أي سترها لأن الكنيف الساتر
وقد جاء في تفسير وصف يحيى بن زكريا بحصورا أنه صلى الله عليه وسلم أهوى إلى الأرض وأخذ قذاة وقال كان ذكره يعني يحيى عليه السلام مثل هذه القذاة ولعل المراد التشبيه في الارتخاء وعدم الشدة فلا يخالف ما قبله لكن في النهر الحصور الذي لا يأتي النساء مع القدرة على ذلك أي وربما يؤيد ذلك ما جاء أربعة لعنوا في الدنيا والآخرة وأمنت الملائكة رجل جعله الله ذكرا فأنث نفسه وتشبه بالنساء وامرأه جعلها الله أنثى فتذكرت وتشبهت بالرجال والذي يضل الأعمى ورجل حصور ولم يجعل الله حصورا إلا يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام فالحصور وصف مذموم إلا في يحيى عليه السلام خصوصية له دون غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإلا فقد امتن سبحانه على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بقوله { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية } قيل وهذا الوصف جاء ليحيى من أثر همة والده زكريا عليهما السلام فإنه لما شهد مريم منقطعة عن الأزواج أحب أن يرزقه الله ولدا مثلها أي منقطعا عن الزوجات فجاء يحيى عليه السلام حصورا ويؤيد ذلك ما في أنس الجليل وكان يحيى عليه السلام لا يأتي النساء لأنه لم يكن له ما للرجال كذا قيل وهو غير مرضى
وقد تكلم القاضي عياض رحمه الله في الشفاء على معنى كون يحيى حصورا بما حاصله أن هذا الذي قيل نقيصة وعيب لا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة و السلام وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب لا يأتيها فكأنه حصر عنها وأنه حصر نفسه عن الشهوات قمعا لها هذا كلامه فليتأمل
أي وعلى الأول لا ينافي ذلك كون صفوان كان متزوجا لما تقدم أن زوجته شكته للنبي صلى الله عليه وسلم أي على أن ابن الجوزي نقل عن شيخه ابن ناصر الدين رحمه الله تعالى أن صفوان رضي الله عنه إنما تزوج بعد حديث الإفك
ومما يدل على أن حسان رضي الله لم يكن من أصحاب الإفك تبرؤه مما نسب إليه في ابيات مدح بها عائشة رضي الله عنها منها ** مهذبة قد طيب الله خيمها ** وطهرها من كل سوء وباطل ** ** فإن كنت قلت الذي قد زعمتم ** فلا رفعت سوطي إلي أناملي **
____________________

** وكيف وودي ما حييت ونصرتي ** لآل رسول الله زين المحافل **
ومن ثم قال ابن عبد البر وقد أنكر قوم كون حسان رضي الله عنه خاض في الإفك وأنه جلد
وجاء أن عائشة رضي الله عنها براته من ذلك أي فقد ذكر الزبير بن بكار أنه قيل لعائشة رضي الله عنها وقد قالت في حق حسان رضي الله عنه إني لأرجو أن يدخله الله الجنة بذبه بلسانه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس هو ممن لعنه الله في الدنيا والآخرة بما قال فيك قالت لم يقل شيئا ولكنه القائل ** فإن كان ما قد قيل عني قلته ** فلا رفعت سوطي إلي أناملي **
وقد قال مثل هذا البيت أنس بن زنيم وقد بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دمه لما بلغه صلى الله عليه وسلم أنه هجاه فجاء إليه صلى الله عليه وسلم معتذرا وأنشده ابياتا منها ** ونبي رسول الله إني هجوته ** فلا رفعت سوطي إلي إذن يدي **
ولكن في رواية أنها كانت تأذن لحسان بن ثابت وتلقي له الوسادة وتقول لا تقولوا لحسان إلا خيرا فإنه كان يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه وقد قال تعالى { والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } وقد عمي والعمى عذاب عظيم والله قادر على أن يحيل ذلك ويغفر لحسان ويدخله الجنة
وفيه أنه سيأتي عن عائشة وغيرها ان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول كما تقدم إلا أن يقال كبره مقول بالتشكيك والذي بلغ فيه الغاية عبد الله بن أبي ابن سلول فليتأمل
وعن الزهري قال كنت عند الوليد بن عبد الملك ليلة من الليالي وهو يقرأ سورة النور مستلقيا على سريره فلما بلغ { والذي تولى كبره } جلس ثم قال يا أبا بكر من تولى كبره أليس علي بن ابي طالب قال الزهري فقلت في نفسي ماذا اقول إن قلت لا لا آمن أن ألقي منه شرا وإن قلت نعم جئت بأمر عظيم ثم قلت لنفسي لقد عودني الله على الصدق خيرا فقلت لا فضرب بقضيبة السرير قال فمن يكرر ذلك مرارا قلت لكن عبد الله بن أبي ابن سلول
ووقع سليمان بن يسار مع هشام بن عبد الملك نحو ذلك فان سليمان بن يسار رحمه الله
____________________

دخل على هشام بن عبد الملك فقال له يا ابا سليمان الذي تولى كبره من هو قال عبد الله بن أبي قال كذبت هو علي قال أنا أكذب لا أبالك لو نادى مناد من السماء إن الله أحل الكذب ما كذبت حدثني عروة وسعيد وعبد الله وعلقمة رحمهم الله عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت الذي تولى كبره عبد الله بن أبي
وعن عائشة رضي الله عنها أنه ذكر عندها حسان بسوء فنهتهم وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحبه إلى مؤمن ولا يبغضه إلا منافق وفي البخاري كانت عائشة رضي الله عنها تنكر أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي قال ** فإن أبي ووالدتي وعرضي ** لعرض محمد منكم وقاء **
فبهذا البيت يغر الله تعالى له
وذكر بعضهم أن الذين كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم من مشركي قريش عبد الله بن الزبعري وأبو سفيان ابن عمه صلى الله عليه وسلم وعمرو بن العاص وضرار بن الحارث
ولما أراد حسان رضي الله عنه أني يهجوهم قال له رسول الله كيف تهجوهم وأنا منهم وكيف تهجوا أبا سفيان ابن عمي فقال له والله لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين فقال له صلى الله عليه وسلم ائت أبا بكر فإنه أعلم بأنساب القوم منك فكان يجيئ إلى أبي بكر ليوقفه على أنسابهم فجعل حسان يهجوهم فلما سمعوا هجوه قالوا إن هذا الشعر ما غاب عنه ابن أبي قحافة وعاش حسان رضي الله عنه مائة وعشرين سنة نصفها في الجاهلية ونصفها في الإسلام وعاش والده مائة وعشرين سنة وكذا جده ووالده جده
قال بعضهم ولا يعرف اربعة تناسلوا وتساوت أعمارهم غيرهم ولم يشهد حسان مع النبي صلى الله عليه وسلم مشهدا لأنه كان يخشى الموت فكان ينسب للجبن ومن ثم جعل يوم الخندق مع النساء والذرارى في الآطام وما وقع له مع صفية عمته صلى الله عليه وسلم في أمر اليهودي الذي قتلته في ذلك المكان وما قاله لها يدل على أنه كان جبانا شديد الجبن ويرد إنكار بعض العلماء كونه جبانا قال إذ لو صح ذلك لهجى به فإنه كان
____________________

يهاجي الشعراء وكانوا يردون عليه فما عيره أحد منهم به ولا وسمه به ولعله كان به علة اقتضت جعله مع الذرارى في الآطام منعته من شهود القتال هذا كلامه
وقد يقال على تسليم أنه لم يهج بالجبن يجوز أن يكون لكونه كان لا يتأثر بوصفه بذلك
وذكر بعضهم أن حسان رضي الله عنه شلت يداه بضربة ضربها له صفوان بسيف لما هجاه فذكر ذلك حسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا حسان وصفوان أي وأظهر التغيظ على صفوان بسبب إظهاره السلاح على حسان وضربه به فقال صفوان يا رسول الله آذاني وهجاني فاحتملني الغضب فضربته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان يا حسان أحسن فيما اصابك قال هي لك وفي رواية قال كل حق لي قبل صفوان فهو لك فقال له صلى الله عليه وسلم قد أحسنت وقبلت ذلك منك وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوضا منها حديقة له يقال لها بئرحا بفتح الراء في الأحوال الثلاثة مع قصر حا قيل لها ذلك لأن الإبل يقال لها إذا وردت وزجرت عن الماء حا حا
وفيه أنه كان القياس أن يقال بئر حا بضم الراء في حالة ارفع وحدها إلا أن يقال المجموع اسم مركب وكانت هذه البئر لأبي طلحة رضي الله عنه فتصدق بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضعها حيث شاء ثم باعها حسان من معاوية بمال عظيم
أقول الذي في البخاري كان أبو طلحة رضي الله عنه أكثر أنصاري بالمدينة مالا وكان أحب أمواله إليه بئر حا وهي حديقة كانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويستظل بها ويشرب من ماء فيها طيب فلما نزلت { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } قام أبو طلحة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الله يقول في كتابه { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وإن أحب أموالي إلي بئر حا وإنه صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله تعالى فضعها يا رسول الله حيث شئت فقال صلى الله عليه وسلم بخ بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح قد سمعت ما قلت فيها قد قبلناها منك ورددناها عليك وأرى أن تجعلها في الأقربين قال أفعل يا رسول الله فقسمها ابو طلحة في أقاربه وبنى عمه وفي لفظ آخر في البخاري قال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة اجلعه لفقراء أقاربك فجعلها لحسان وأبي بن كعب
____________________


وفيه أن أبي بن كعب كان غنيا وبين في البخاري وجه قرابتهما من أبي طلحة فذكر أن حسان يجتمع مع ابي طلحة في الأب السادس وأبي يجتمع معه في الأب السادس وذكر بعضهم أن أبي بن كعب كان ابن عمة ابي طلحة
وفي الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم أعطى حسان تلك الحديقة وأعطاه سيرين جاريته أخت مارية أم ولده صلى الله عليه وسلم إبراهيم فجاءت منه بابنه عبد الرحمن وكان يفتخر بأنه ابن خالة ابراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روت سيرين هذه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا قالت رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خللا في قبر أبنه ابراهيم فأصلحه وقال إن الله يحب من العبد إذا عمل عملا أن يتقنه واعطاه سعد بن عبادة رضي الله عنه بستانا كان يتحصل منه مال كثير
وحاصل ما في الامتاع فيما وقع بين حسان وصفوان أن حسان رضي الله عنه لما قال ** أمسي الجلابيب قد عزوا وقد كبروا ** وابن القريعة امسى بيضة البلد **
قال صفوان ما أراه إلا عناني أي بالجلابيب وتقدم أن ابن أبي ابن سلول قد قالها في حق المهاجرين والقريعة بالقاف جدة حسان رضي الله عنه وقيل أمه وقريعة الشيء خياره وقريعة القبيلة لسيدها واستعمل بيضة البلد في الذم بقرينة المقام وإلا فكما تستعمل في الذم تستعمل في المدح ويقال فلان بيضة البلد أي واحد في قومه عظيم فيهم فعند ذلك خرج صفوان مصلتا السيف وجاء إلى حسان وهو في نادي قومه الخزرج وضربه فلقى بيده فوقع السيف فيها فقام قومه وأوثقوا صفوان رباطاثم إنه حل وجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حسان رضي الله عنه يا رسول الله شهر علي السيف في نادي قومي ثم ضربني ولا أراني إلا ميتا من جراحتي فقال صلى الله عليه وسلم لصفوان ولم ضربته وحملت السلاح عليه وتغيظ لحسان فقال صفوان ما تقدم ثم قال لقوم حسان احبسوا صفوان فان مات حسان فاقتلوه به فحبسوه فبلغ ذلك سيد الخزرج سعد بن عبادة فأقبل على قومه ولامهم على حبسه فقالوا أمرنا رسول الله بحبسبه وقال لغا إن مات صاحبكم فاقتلوه فقال سعد والله إن أحب الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العفو عنه ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالحق والله لا أبرح حتى يطلق فاستحيا القوم
____________________

وأطلقوه وأخذه سعد وانطلق به إلى منزله وكساه حلة وجاء به إلى المسجد فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال صفوان قالوا نعم يا رسول الله قال من كساه قالوا سعد بن عبادة قال كساه الله من ثياب الجنة ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلم حسان رضي الله عنه في العفو عن صفوان فقال يا رسول الله كل حق لي قبل صفوان فهو لك فقال صلى الله عليه وسلم قد أحسنت وقبلت ذلك ثم أعطاه صلى الله عليه وسلم أرضا له وسيرين جاريته أخت مارية أم ولده ابراهيم وأعطاه أيضا سعد ابن عبادة رضي الله عنه حائطا كان يتحصل منه مال كبير بما عفا عن حقه
وقيل إنما أعطاه سيرين لذبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره فقد قال ابن عبد البر رحمه الله إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرين أخت مارية لحسان ابن ثابت يروى من وجوه أكثرها أن ذلك ليس بسبب ضرب صفوان له بل لذبه بلسانه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيل وكان لسان حسان يصل لجبهته وإلى نحره وكذلك كان أبوه وجده وكان حسان رضي الله عنه يقول على لسانه والله لو وضعته على صخر لفلقه أو شعر لحلقه وقد عمي مسطح أيضا
أي وقد روى أصحاب السنن الاربعة عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم قال الترمذي حسن غريب أي والمرأة حمنة بنت جحش والرجلان أخوها عبيد الله أبو أحمد بن جحش ومسطح
ولم يحد الخبيث عبد الله بن أبي بن سلول لأن الحد كفارة وليس من أهلها وقيل لانه لم تقم عليه البينة بذلك بخلاف أولئك وقيل لانه كان لا يأتى بذلك على أنه من عنده بل على لسان غيره
وفي الطبراي ومعجم النسائي عن عائشة رضي الله عنها أن عبد الله بن أبي ابن سلول جلد مائة وستين أي حدين قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهكذا يفعل بكل من قذف زوجة نبي أي ولعل المراد أنه يجوز أن يفعل به ذلك فلا ينافي ما تقدم من أن الحد كان ثمانين جلدة
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما زنت وفي لفظ لما تبغ امرأة نبي قط وأما
____________________

قوله تعالى في امرأة نوح وامرأة لوط { فخانتاهما } فالمراد آذاتاهما قالت امرأة نوح عليه السلام في حقه إنه المجنون وامرأة لوط عليه السلام دلت على أضيافه
قيل إنما جاز أن تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط عليهما السلام ولم يجزأن تكون فاجرة أي زانية لأن النبي مبعوث إلى الكفار ليدعوهم فيجب أن لا يكون معه منقص ينفرهم عنه والكفر غير منقص عندهم وأما الفجور فمن أعظم النقصان
وفي الخصائص الصغرى ومن قذف أزواجه صلى الله عليه وسلم فلا توبة له البتة كما قال ابن عباس وغيره ويقتل كما نقله القاضي عياض وغيره وقيل يختص القتل بمن قذف عائشة ويحد في غيرها حدين
وقد وقع أن الحسن بن يزيد الراعي من أهل طبرستان وكان من العظماء كان يلبس الصوف ويأمر بالمعروف وكان يرسل في كل سنة إلى بغداد عشرين الف دينار تفرق على أولاد الصحابة فخضر عنده رجل من اشياع العلويين فذكر عائشة رضي الله عنها بالقبيح فقال الحسن لغلامه يا غلام اضرب عنق هذا فنهض إليه العلويون وقالوا هذا رجل من شيعتنا فقال معاذ الله هذا طعن على رسول الله قال الله تعالى { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات } فإن كانت عائشة رضي الله عنها خبيثة فإن زوجها يكون خبيثا وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك بل هو الطيب الطاهر وهي الطيبة الطاهرة المبرأة من السماء يا غلام اضرب عنق هذا الكافر فضرب عنقه
وفي كتاب الإشارات للفخر الرازي أنه صلى الله عليه وسلم في تلك الايام التي كلم فيها بالإفك كان أكثر أوقاته في البيت فدخل عليه عمر رضي الله عنه فاستشاره صلى الله عليه وسلم في تلك الواقعة فقال يا رسول الله أنا أقطع بكذب المنافقين وأخذت براءة عائشة رضي الله عنها من الذباب لا يقرب بدنك فإذا كان الله تعالى صان بدنك أن يخالطه الذباب لمخالطته للقاذورات فكيف أهلك
ودخل عليه صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه فاستشاره فقال له عثمان يا رسول الله أخذت براءة عائشة رضي الله عنها من ظلك إني رأيت الله تعالى صان ظلك أن يقع على الأرض أي لأن شخصه الشريف كان لا يظهر في شمس ولا قمر لئلا يوطأ
____________________

بالأقدام فإذا صان الله ظلك فكيف بأهلك أي وقد اشار إلى ذلك الإمام السبكي رحمه الله في تائيه بقوله ** لقد نزه الرحمن ظلك أن يرى ** على الأرض ملقى فانطوى لمزية **
وهنا لطيفة لا بأس بها وهي ان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان مسافرا وكان يسايره يهودي فلما اراد المفارقة قال عبد الله رضي الله عنه لليهودي بلغني أنكم تدينون بإيذاء المسلمين فهلا قدرت على شيء من ذلك معي وأقسم عليه فقال إن أمنتني أخبرتك فأمنه فقال لم أقدر عليك في شيء أكثر من أني كنت إذا رأيت ظل له وطئته بقدمي وفاء بأمر ديننا
ودخل عليه صلى الله عليه وسلم علي كرم الله وجهه فاستشاره فقال له علي كرم الله وجهه أخذت براءة عائشة من شيء هو أنا صلينا خلفك وأنت تصلي بنعليك ثم إنك خلعت إحدى نعليك فقلنا ليكون ذلك سنة لنا قلت لا إن جبريل عليه السلام أخبرني أن في تلك النعل نجاسة فإذا كان لا تكون النجاسة بنعليك فكيف تكون بأهلك فسر صلى الله عليه وسلم بذلك أي ويحتاج أئمتنا إلى الجواب عن خلع احدى نعليه في أثناء الصلاة لنجاسة بها واستمر في الصلاة
وعن ابي أيوب الأنصاري رضي الله عنه انه قال لزوجته أم أيوب ألا ترين ما يقال أي من الإفك فقالت له لو كنت بدل صفوان أكنت تهم بسوء لمحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قالت ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعائشة خير مني وصفوان خير منك
وفي السيرة الشامية أن أبا أيوب رضي الله عنه قالت له زوجته أم أيوب ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة قال بلى وذلك الكذب أكنت يا أم ايوب فاعلة قالت لا والله ما كنت لأفعله قال فعائشة والله خير منك
وجاء أن ابن عباس رضي الله عنه عنهما دخل على عائشة رضي الله عنها في مرض موتها فوجدها وجلة من القدوم على الله فقال لها لا تخاف فانك لا تقدمين إلى على مغفرة ورزق كريم فغشي عليها من الفرح بذلك لأنها كانت تقول متحدثة بنعمة الله عليها لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة لقد نزل جبريل عليه السلام بصورتي في راحته حين أمر رسول الله ان يتزوجني ولقد تزوجني بكرا وما تزوج بكرا غيري ولقد توفي وإن رأسه
____________________

في حجري ولقد قبر في بيتي وإن الوحي ينزل عليه في اهله فيفرقون منه وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحاف واحد وأبي رضي الله عنه خليفته وصديقه ولقد نزلت براءتي من السماء ولقد خلقت طيبة عن طيب ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما
قيل وفي هذه الغزوة فقدت عائشة رضي الله عنها عقدها أيضا فاحتبسوا على طلبه أي فارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه رجلين من المسلمين أي أحدهما أسيد ابن حضير فحضرت الصلاة أي صلاة الصبح وكانوا على غير ماء زاد في رواية وليس معهم ماء فنزلت آية التيمم وهذا القيل نقله إمامنا الشافعي رضي الله عنه عن عدة من أهل المغازي أي وعليه يكون سقط عقدها في تلك الغزوة مرتين لاختلاف القضيتين باختلاف سياقهما
والصحيح أن ذلك كان في غزوة أخرى أي متأخرة عن هذه الغزوة فعن عائشة رضي الله عنها قالت لما كان من أمر عقدي ما كان وقال أهل الإفك ما قالوا فخرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس التماسه الناس أي فإنه صلى الله عليه وسلم بعث رجالا في طلبه وهو لا يخالف ما سبق انه صلى الله عليه وسلم ارسل في طلبه رجلين وطلع الفجر فلقيت من أبي بكر رضي الله عنه ما شاء الله أي لأن الناس جاءوا لأبي بكر رضي الله عنه وشكوا اليه ما نزل بهم فجاء اليها ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه الشريف على فخذها قد نام فقال لها حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ليسوا على ماء وليس معهم ماء فجعل يطعن بيد في خاصرتها ويقول يا بنية في كل سفرة تكونين عناء وبلاء وليس مع الناس ماء قالت فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا نام لا يوقظه أحد حتى يكون هو يستيقظ لأنهم لا يدرون ما يحدث له في نومه فقال حين أصبح وفي لفظ فاستيقظ وحضرت الصلاة فالتمس الماء فلم يجد فأنزل الله تعالى الرخصة بالتيمم وفي لفظ فأنزل الله تعالى آية التيمم أي التي في المائدة ففي بعض الروايات فنزلت { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } الآية
وقيل المراد بالآية آية النساء لأن آية المائدة تسمى آية الوضوء وآية النساء لا ذكر للوضوء فيها فيتجه تسميتها بآية التيمم وكلام الواحدي رحمه الله في اسباب النزول يدل
____________________

عليه فقال ابو بكر عند ذلك والله يا بنية إنك كما علمت مباركة أي وقال لها صلى الله عليه وسلم ما أعظم بركة قلادتك وقال أسيد بن حضير ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر أي وفي رواية إنه قا لها جزاك الله خيرا فما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله منه مخرجا وللمسلمين فيه خير أي وهذا ربما يفيد تكرر وقوع ما تكرهه وأن في ذلك خيرا للمسلمين فليتأمل
وفي لفظ أسيد بن حضير لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ما أنتم إلا بركة لهم
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله وإنما قال أسيد بن حضير ما قال دون غيره لأنه كان رأس من بعث في طلب العقد أي بل تقدم في بعض الروايات الاقتصار على بعثه لطلب ذلك قالت فبعثنا البعير الذي كنت عليه أي أقمناه من مبركة فوجدنا العقد تحته
أقول في النور اعلم أن العقد سقط مرتين مرة كان لها ومرة كان لأختها أسماء استعارته وبهذا يجمع بين الأحاديث التي في المسألة هذا كلامه فليتأمل وينظر تلك الأحاديث وما هي أي وكون هذا العقد لأسماء اختها لا يخالف ذلك قولها عقدي لأن الإضافة تأتي لأدنى ملابسة أي فعقد أسماء كان في المرة الثانية وفي البخاري أيضا أن آية التيمم نزلت بعد أن صلوا بلا وضوء
فعن عاشة رضي الله عنها أنها استعارت من أسماء رضي الله عنها قلادة فهلكت أي ضاعت فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فوجدها فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى آية التيمم وقد ترجم البخاري عن تلك بقوله باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا وقوله فبعث رجلا فوجدها يجوز أن يكون هذا الرجل هو الذي أقام البعير أو من جملة من أقامه فلا يخالف ما اسبق مما يدل أن الذين بعثهم في طلبه لم يجدوه
ثم رأيت الحافظ أبن حجر رحمه الله قال وطريق الجمع بين هذه الروايات أن أسيدا كان رأس من بعث ذلك فلذلك سمي في بعض الروايات دون غيره ولذا أسند الفعل إلى واحد منهم وكأنهم لم يجدوا العقد أولا فلما رجعوا ونزلت آية التيمم وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد رضي الله عنه هذا كلامه
____________________


قيل وفي هذه الغزوة خرجوا عن الطريق وأدركهم الليل بقرب واد وعر فهبط جبريل عليه السلام واخبره صلى الله عليه وسلم أن طائفة من كفار الجن بهذا الوادي يريدون كيده صلى الله عليه وسلم وإيقاع الشر بأصحابه فدعا صلى الله عليه وسلم بعلي كرم الله وجهه وعوذه وأمره بنزول الوادي فقتلهم
قال الإمام ابن تيمية وهذا من الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى علي كرم الله وجهه قال ابن تيمية ومن هذا ما روى في عام الحديبية قاتل الجن في بئر ذات العلم وهي بئر في الجحفة وهو حديث موضوع عند أهل المغازي
أي وجاء في سبب مشروعية التيمم غير ما ذكر ففي الطبراني عن أسلع قال كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرحل له ناقته فقال لي ذات يوم يا أسلع قوم فارحل فقلت يا رسول الله أصابتني جنابة أي ولا ماء فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل بآية الصعيد أي التراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا أسلع فيتمم فأراني التيمم ضربة للوجه وضربه لليدين إلى المرفقين فقمت فتيمم ثم رحلت له حتى مر بماء فقال يا أسلع أمس هذا جلدك
وفي الإمتاع نزلت آية التيمم طلوع الفجر فمسح المسلمون أيديهم بالأرض ثم مسحوا بأيديهم إلى المناكب أي ويحتاج أئمتنا إلى الجواب عن هذه الرواية
وفي هذه السنة الخامسة خسف القمر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخسوف حتى انجلى القمر وصارت اليهود تضرب بالطساس ويقولون سحر القمر غزوة الخندق
ويقال لها غزوة الأحزاب أي وهي الغزوة التي ابتلى الله تعالى فيها عباده المؤمنين وثبت الإيمان في قلوب أوليائه المتقين أي وأظهر ما كان يبطنه أهل النفاق والشقاق والمعاندين
وسببها أنه لما وقع اجلاء بني النضير من أماكنهم كما تقدم سار منهم جمع من كبرائهم منهم سيدهم حيي بن أخطب أبو صفية أم المؤمنين رضي الله عنها وعظيمهم سلام ابن مشكم ورئيسهم كنانة بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس وابو عامر الفاسق إلى
____________________

أن قدموا مكة على قريش يدعونهم ويحرصونهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله أي ونكون معكم على عداوته فقال أبو سفيان مرحبا وأهلا وأحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد
زاد في رواية فقال لهم لكن لا نأمنكم إلا إن سجدتم لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا فقالت قريش لأولئك اليهود يا معشر يهود انكم أهل الكتاب الأول والعلم أخبرونا عما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد أفديننا خير أم دين محمد قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه وفي رواية نحن أهدى سبيلا أم محمد فقالوا أنتم أهدى سبيلا أي لأنكم تعظمون هذا البيت وتقومون على السقاية وتنحرون البدن وتعبدون ما كان يعبد آباؤكم أي فأنتم أولى بالحق منه فأنزل الله تعالى فيهم { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت } الآيات فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطهم لما دعوهم اليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعند ذلك خرج من بطون قريش خمسون رجلا وتحالفوا وقد الصقوا أكبادهم بالكعبة متعلقين بأستارها أن لا يخذل بعضهم بعضا ويكونون كلهم يدا واحدة على محمد صلى الله عليه وسلم ما بقي منهم رجل وقد اشار إلى ذلك صاحب الهمزية رحمه الله بأبيات ذم فيها اليهود لعنهم الله بأمور بقوله ** لا تكذب أن اليهود وقد زا ** غوا عن الحق معشر لؤماء ** ** جحدوا المطصفى وآمن بالطا ** غوت قوم هم عنده شرفاء ** ** قتلوا الانبياء واتخذوا العج ** ل ألا إنهم هم السفهاء ** ** وسفيه من ساءه المن والسل ** وى وأرضاه الفوم القثاء ** ** ملئت بالخبيث منهم بطون ** فهي نار طباقها الأمعاء ** ** لو أريدوا في حال سبت بخير ** كان سبتا لديهم الأربعاء ** ** هو يوم مبارك قيل للتصر ** يف فيه من اليهود اعتداء ** ** فبظلم منهم وكفر عدتهم ** طيبات في تركهن ابتلاء **
أي لا تكذب أن اليهود والحال أنهم قد مالوا عن الحق قوم لؤماء واللئيم الدني الأصل الشحيح النفس ومن عظيم لؤمهم أنهم جحدوا نبوته صلى الله عليه وسلم ورسالته
____________________

والحال أنه قد آمن بالطاغوت وهو كل ما عبد من دون الله مأخوذ من الطغيان قوم هم عندهم شرفاء وهم كفار قريش
ورد ان اليهود قتلوا في يوم واحد سبعين نبيا ومن جملة من قتلوا زكريا ويحي واتخذوا العجل إلها يعبدونه ومن يفعل ذلك لاسفيه غيره ومن ارضاء القوم والقثاء بدل المن وهو نوع من الحلواء والسلوى نوع من الطير سفيه بلا شك ملئت بالحرام كالربا بطون منهم فبطونهم نار لاشتمالها على مايؤدي الى تلك النار طباق تلك النار المصارين ولو اراد الله لليهود في حال سبتهم الذي اختاروا تعظيمه على ما تقدم خيرا لكان يوم الاربعاء يوم سبتهم لانه يوم خلق فيه النور فاختيار يوم السبت دون يوم الاربعاء لسبتهم أي سكوتهم عما عدا العبادة دليل على انه تعالى لم يرد بهم الخير ويوم السبت ابتدا الله فيه خلق العالم خلافا لهم حيث قالوا ان ذلك أي ابتداء الخلق كان يوم الاحد وفرغ من الخلق يوم الجمعة واستراح يوم السبت قالوا فنحن نستريح فيه كما استراح الرب تعالى فيه قالوا فان الله لا يقضي يوم السبت شيئا من خلق ولا رزق ولارحمة ولاعذاب ولا احياء ولااماتة ومن مات يوم السبت يكون محى اسمه من اللوح المحفوظ قبل ذلك وقد كذبهم الله تعالى بقوله { كل يوم هو في شأن } فكان فيه منهم ظلم وعدوان لاجل التصريف فيه بغبر العبادة فبسبب ظلم وكفر حاصل منهم فيه فاتتهم طيبات كانت حلالا لهم فحرمها الله تعالى عليهم فكان في ذلك ابتلاء لهم
ونقل عن ابن حجر الهيتمي رحمه الله انه بحث استحباب صوم يوم الاربعاء لما ذكر من انه خلق فيه النور فليتامل
ثم جاء اولئك الى غطفان ودعوهم وحرضوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم وقالوا لهم انا سنكون معكم وان قريشا قد بايعوهم على ذلك وجعلوا لهم تمر خيبر سنة إن هم نصروهم عليه فتجهزت قريش أي واتباعها من القبائل وغطفان أي وأتباعها وقائد قريش ابو سفيان بن حرب وكانوا أربعة آلاف ومعهم ثلثمائة فرس أي وألف أو خمسمائة بعر وعقد اللواء في دار الندوة وحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة المقتول ولده الذي هو طلحة يوم أحد وكذا عماه أي عما عثمان بن طلحة وهما عثمان ابن أبي طلحة وأبو سعيد بن ابي طلحة وعمثان بن أبي طلحة هو أبو شيبة كما تقدم فشيبة ابن عم عثمان بن طلحة وقتل يوم أحد أخوه عثمان بن طلحة الأربعة وهم مسافع
____________________

ابن طلحة والحارث بن طلحة وكلاب بن طلحة والجلاس بن طلحة وعثمان ابن طلحة وهذا أي الحامل لواء قريش أسلم بعد ذلك ويقال له الحجبي لأنه كان من بني عبدالدار وهم سدنة الكعبة وبنو عبد الدار كان لهم ولأبيهم حمل لواء قريش عند الحرب دون غيرهم كما تقدم
وقائد غطفان عيينة بن حصن الفزازي في بني فزارة أي وهم ألف وتقدم أن عيينة اسلم بعد ذلك ثم ارتد بعد إسلامه وأخذ اسيرا في زمن خلافة الصديق رضي الله عنه ثم اسلم وكان قبل إسلامه يتبعه عشرة آلاف قناة وكان عنده جفوة وغلظة ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم في حقه إنه الأحمق المطاع وقال فيه إن شر الناس من ودعه الناس اتقاه شره
وقائد بني مرة أي وهم أربعمائة الحارث بن عوف المري وأسلم بعد ذلك أي وقيل لم تحضر بنو مرة
وقائد بني أشجع أبو مسعود بن رخيلة بضم الراء وفتح الخاء المعجمة وأسلم بعد ذلك
أي وقائد بني سليم وهم سبعمائة سفيان بن عبد شمس لا يعلم إسلامه
اي وقائد بني أسد طليحة بن خويلد الأسدي وأسلم بعد ذلك أي بعد أن كان ارتد بعد إسلامه ثم حسن إسلامه وكان اشجع وبنو اسد تتمة العشر آلاف فقد مال بعضهم كانت الأحزاب عشرة آلاف وهم ثلاثا عساكر وملاك أمرها لأبي سفيان أي المدبر لأمرها والقائم بشأنها
ولما تهيأت قريش للخروج أتى ركب من خزاعة في أربع ليال حتى أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمع رسول الله بما أجمعوا عليه ندب الناس أي دعاهم واخبرهم خبر عدوهم وشاورهم في أمرهم أي قال لهم هل نبرز من المدينة أو نكون فيها فاشير عليه بالخندق أي اشار عليه بذلك سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال يا رسول الله إنا كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الخيل خندقنا علينا أي فإن ذلك كان من مكايد الفرس وأول من فعله من ملوك الفرس ملك كان في زمن موسى ابن عمران صلوات الله وسلامه عليه فأعجبهم ذلك فضرب على المدينة الخندق
أي وعند ذلك ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا له ومعه عدة من المهاجرين
____________________

والأنصار فارتاد موضعا ينزل له وجعل سلعا خلف ظهره وأمرهم بالجد ووعدهم بالنصر إن هم صبروا فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المسلمين أي وحمل التراب على ظهره الشريف ودأب المسلمون يبادرون قدوم العدو قال واستعاروا من بني قريظة آلة كثيرة من مساحي وكرارين ومكاتل وكان من جملة من يعمل في الخندق جعال أو جعيل بن سراقة وكان رجلا دميما قبيح الوجه صالحا من أصحاب الصفة وهو الذي تمثل به الشيطان يوم احد وقال إن محمدا قد قتل كما تقدم فغير صلى الله عليه وسلم أسمه وسماه عمرا فجعل المسلمون يرتجزون ويقولون ** سماه من بعد جعبل عمرا ** وكان للبائس يوما ظهرا **
وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قالوا عمرا قال عمرا وإذا قالوا ظهرا قال ظهرا انتهى أي وسياق أسد الغابة يدل على أن هذا الذي غير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه وسماه عمرا غير جعيل المذكور وحصل للصحابة رضي الله عنهم تعب وجوع لأنه كان في زمن عسرة وعام مجاعة
ولما رأى رسول الله ما بأصحابه من النصب والجوع قال متمثلا بقول ابن رواحة رضي الله عنه ** اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ** فارحم الأنصار والمهاجره **
قيل وإنما قال ابن رواحة لاهم إن العيش من غير الف ولام فقد غيره صلى الله عليه وسلم على ما هو عادته كما تقدم وفي لفظ ** اللهم لا خير إلى خير الآخرة ** فبارك في الأنصار والمهاجره **
وفي لفظ فأكرم الأنصار والمهاجرة وتقدم في بناء المسجد ** اللهم إن الأجر أجر الآخره ** فارحم الأنصار والمهاجره **
زاد في الإمتاع ** اللهم العن عضلا والقاره ** هم كلفوني أنقل الحجارة **
وفي لفظ هم كلفونا ننقل الحجارة قال الحافظ ابن حجر ولعله كان والعن إلهي عضلا والقارة أي والتغيير منه صلى الله عليه وسلم وفي لفظ **
اللهم العن عضلا والقاره ** هم كلفوني أنقل الحجاره **
وفي لفظ هم كلفونا ننقل الحجارة قال الحافظ ابن حجر ولعله كان والعن إلهى عضلا والقارة أي والتغيير منه صلى الله عليه وسلم وفي لفظ ** اللهم لا خير إلى خير الآخره ** فارحم المهاجرين والأناصره **
وفي لفظ فانصر الأنصار والمهاجرة واجابوه رضي الله عنه تعالى عنهم بقولهم
____________________

** نحن الذين بايعوا محمدا ** على الجهاد ما بقينا أبدا **
وقال صلى الله عليه وسلم متمثلا بقول ابن رواحة وهو ينقل التراب وقد وارى الغبار جلد بطنه الشريف ** اللهم لولا أنت ما اهتدينا ** ولا تصدقنا ولا صلينا ** ** فأنزلن سكينة علينا ** وثبت الأقدام إذ لاقينا ** ** والمشركون قد بغوا علينا ** وإن أرادوا فتنة أبينا **
يمد بها صوته مكررا لها أبينا أبينا ولما بدأ صلى الله عليه وسلم بالحفر في الخندق قال بسم الإله وبه يدينا بكسر الدال ** ولو عبدنا غيره شقينا ** يا حبذا ربا وحب دينا **
وفي الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم قال ما تقدم عنه في بناء المسجد وهو ** هذا الحمال لا حمال خيبر ** هذا أبر ربنا وأطهر **
وتقدم الكلام عليه وعلى إنشاده الشعر في الكلام على بناء المسجد
أي ورأيت أن عمار بن ياسر رضي الله عنه حين كان يحفر في الخندق جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه ويقول ابن سمية تقتلك الفئة الباغية أي كما تقدم له في بناء المسجد وصار الشخص منهم إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد له منها يذكر كذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذنه في اللحوق بها فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان عليه من عمله رغبة في الخير وتباطأ رجال من المنافقين وجعلوا يورون بالضعف وصار الواحد منهم يتسلل إلى أهله من غير استئذان له صلى الله عليه وسلم أي وكان زيد بن ثابت ممن ينقل التراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه أما إنه نعم الغلام وغلبته عينه فنام في الخندق فأخذ عمارة بن حزم سلاحه وهو نائم فلما قام فزع على سلاحه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بار قد نمت حتى ذهب سلاحك ثم قال من له علم بسلاح هذا الغلام فقال عمارة أنا يا رسول الله وهو عندي فقال رده عليه ونهى أن يروع المسلم ويؤخذ متاعه لاعبا وإليه استند أئمتنا في تحريم أخذ متاع الغير مع عدم علمه بذلك
واشتد على الصحابة رضي الله عنهم في حفر الخندق كدية أي محل صلب فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ المعول وضرب فصارت كثيبا أهيل أو أهيم
____________________

أي رملا سائلا وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم دعا بماء ثم تفل عليه ثم دعا بما شاء الله ان يدعو به ثم نضح ذلك الماء أي رشه على تلك الكدية قال بعض الحاضرين فوالذي بعثه بالحق لانهالت حتى عادت كالكثيب أي الرمل ماترد فأسا ولا مسحاة وهي المجرفة من الحديد
أي وكان ابو بكر وعمر رضي الله عنهما ينقلان التراب في ثيابهما إذا لم يجدا مكاتل من العجلة
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال ضربت في ناحية من الخندق فغلظت علي ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب مني فلما رآني اضرب ورأى شدة المكان علي نزل فأخذ المعول من يدي فضرب به ضربه لمعت تحت المعول برقة ثم ضرب به أخرى فلمعت تحته برقة أخرى ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا الذي رأيت يلمع تحت المعول وأنت تضرب قال أوقد رأيت ذلك يا سليمان قال قلت نعم قال أما الأولى فإن الله تعالى فتح علي بها اليمن وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق
قال وقد ذكر أن سلمان الفارسي رضي الله عنه تنافس فيه المهاجرون والأنصار فقال المهاجرون سلمان منا وقالت الأنصار سلمان منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت ولذلك يشير بعضهم بقوله ** لقد رقى سلمان بعد رقه ** منزلة شامخة البنيان ** ** وكيف لا المصطفى قد عده ** من أهل بيته العظيم الشان **
وإنما وقع التنافس في سلمان رضي الله عنه لأنه كان رجلا قويا يعمل عمل عشرة رجال في الخندق أي فكان يحفر في كل يوم خمسة أذرع في عمق خمسة أذرع حتى اصيب بالعين أصابه بالعين قيس بن صعصة فلبط به أي بلام مضمومة فموحدة مكسورة فطاء مهملة صرع فجأة وتعطل عن العمل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال صلى الله عليه وسلم مروه فليتوضأ وليغتسل ويكفئ الإناء خلفه ففعل فكأنما نشط أي حل من عقال وفي لفظ فأمر أن يتوضأ قيس لسلمان ويجمع وضوءه في ظرف ويغتسل سلمان بتلك الغسالة ويكفئ الإناء خلف ظهره
وذكر أنه لما اشتدت تلك الكدية على سلمان أخذ صلى الله عليه وسلم المعول من==

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج7.السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون علي بن برهان الدين الحلبي سنة الولادة 975/ سنة الوفاة 1044.

  7. السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون علي بن برهان الدين الحلبي سنة الولادة 975/ سنة الوفاة 1044 . وفي زمن خلافة عمر رضي الله...