الأحد، 4 سبتمبر 2022

ج5.وج6.السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون علي بن برهان الدين الحلبي

 

5. السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون
علي بن برهان الدين الحلبي
سنة الولادة 975/ سنة الوفاة 1044 .

سلمان وقال بسم الله وضرب ضربة فكسر ثلثها وبرقت برقة فخرج نور من قبل اليمن كالمصباح في جوف ليل مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أعطيت مفاتيح اليمن إني لابصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة كأنها أنياب الكلاب ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر فخرج نور من قبل الروم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها أي زاد في رواية الحمر ثم ضرب الثالثة فقطع بقية الحجر وبرق برقة فكبر وقال أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها انياب الكلاب في مكاني هذا أي وفي رواية إني لأبصر قصر المدائن الابيض الآن وجعل صلى الله عليه وسلم يصف لسلمان أماكن فارس ويقول سلمان صدقت يا رسول الله هذه صفتها أشهد أنك رسول الله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه فتوح يفتحها الله بعدي يا سلمان ا هـ
أي وعند ذلك قال جمع من المنافقين منهم معتب بن قشير ألا تعجبون من محمد يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم انه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق أي الخوف لا تستطيعون ان تبرزوا فأنزل الله تعالى { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء } الآية
وقيل في سبب نزولها أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة وعد أمته ملك فارس والروم فقال المنافقون واليهود هيهات هيهات من اين لمحمد ملك فارس والروم وهم أعز وأمنع من ذلك
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفر الخندق أقبلت قريش ومن معها وكانوا عشرة آلاف كما تقدم فنزلت قريش بمجمع الأسيال وغطفان ومن معهم إلى جانب أحد وكان المسلمون ثلاثة آلاف
اي وقد قال ابن اسحاق سبعمائة ووهم في ذلك وقال ابن حزم إنه الصحيح الذي لا شك في فيه ولا وهم وعسكر بهم صلى الله عليه وسلم إلى سفح سلع وهو جبل فوق المدينة أي فجعل ظهر عسكره إلى سلع كما تقدم والخندق بينه وبين القوم أي وضربت له صلى الله عليه وسلم قبة من أدم
قال وكان صلى الله عليه وسلم يعقب فيها بين ثلاثة من نسائه عائشة وأم سلمة وزينب
____________________

بنت جحش فتكون عائشة عنده أياما أي فانه مكث في عمل الخندق بضع عشرة ليلة وقيل اربعة وعشرين ليلة أي وقيل عشرين ليلة وقيل تقريبا من شهر وقيل شهرا
قال بعضهم وكونه قريبا من شهر هو اثبت الاقاويل وقيل اثبت الأقاويل أنها كانت خمسة عشر يوما وبه جزم النووي رحمه الله في الروضة وسائر نسائه صلى الله عليه وسلم في بني حارثة وجعل النساء والذراري في الآطام وعرض الغلمان وهو يحفر الخندق وكانوا بأجمعهم من بلغ ومن لم يبلغ يعملون فيه فلما التحم الأمر أمر من لم يبلغ خمس عشرة سنة أن يرجع إلى أهله وأجاز من بلغ خمسة عشرة سنة
فمن أجازه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما وزيد بن ثابت وأبو سعيد الخدري والبراء بن عازب رضي الله تعالى عنهم آه وشبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فصارت كالحصن
وفي كلام بعضهم كان أحد جوانب المدينة عورة وسائر جوانبها مشتبكة بالبنيان والنخيل لا يتمكن العدو منه فاختار ذلك الجانب للخندق
واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله عنه وارسل سليطا وسفيان بن عوف طليعة للأحزاب فقتلوهما فأتى بهما رسول الله لى فدفنهما في قبر واحد فهما الشهيدان القرينان وأعطى لواء المهاجرين لزيد بن حارثة ولواء الانصار لسعد بن عبادة وبعث مسلمة بن أسلم في مائتي رجل وزيد بن حارثة في ثلثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير تخوفا على الذراري من بني قريظة أي لما بلغه صلى الله عليه وسلم أنهم نقضوا ما بينه وبينهم من العهد كما سيأتي أي وأنهم يريدون الإغارة على المدينة فإن حي بن أخطب أرسل إلى قريش أن يأتيه منهم ألف رجل وإلى غطفان ان يأتيه منهم ألف رجل أخرى ليغيروا على المدينة وجاء الخير بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم البلاء وصار الخوف على الذراري أشد من الخوف على أهل الخندق
ولما نظر المشركون إلى الخندق قالوا والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها وصار المشركون يتناوبون فيغدوا ابو سفيان في أصحابه يوما ويغدو خالد أبن الوليد يوما ويغدو عمرو بن العاص يوما ويغدو جبيرة بن وهب وما ويغدو عكرمة بن ابي جهل يوما ويغدو باضرار بن الخطاب يوما فلا يزالون يجيلون خيلهم
____________________

ويتفرقون مرة ويجتمعون أخرى ويناوشون اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يقربون منهم ويقدمون رجالهم فيرمون ومكثوا على ذلك المدة المتقدمة ولم يكن بينهم حرب إلى الرمي بالنبل والحصى
وفي تلك المدة أقبل نوفل بن عبد الله بن المغيرة على فرس له ليوثبه الخندق فوقع في الخندق فقتله الله أي اندقت عنقه أي وفي لفظ وأما نوفل بن عبد الله فضرب فرسه ليدخل الخندق فوقع فيه مع فرسه فتحطما جميعا وقيل رمى بالحجارة فجعل يقول قتله أحسن من هذه يا معشر العرب فنزل إليه علي كرم الله وجهه فقتله أي ضربه بالسيف فقطعه نصفين وكبر ذلك على المشركين فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نعطيك الدية على أن تدفعه إلينا فندفنه فرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه خبيث الدية فلعنه الله ولعن ديته ولا نمنعكم أن تدفنوه ولا أرب أي غرض لنا في ديته
وقيل أعطوا في جثته عشرة آلاف أي وفي رواية أنهم أرسلوا اليه صلى الله عليه وسلم أن أرسل إلينا بجسده ونعطيك اثني عشرة الفا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في جثته ولا في ثمنه ادفعوه اليهم فانه خبيث الجسد خبيث الدية وفي لفظ إنما هي جيفة حمار
ثم إن عدو الله حي بن أخطب سيد بني النضير كان يقول لقريش في مسيره معهم إن قومي بني قريظة معكم وهم أهل حلقة وافرة وهم سبعمائة مقاتل وخمسون مقاتلا فقال له ابو سفيان ائت قومك حتى ينقضوا العهد الذي بينهم وبين محمد صلى الله عليه وسلم فعند ذلك خرج حي لعنه الله حتى أتى كعب بن أسد القرظي سيد بني قريظة وولى عهدهم الذي عاهدهم الذي عاهدهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المتقدم ذكره فدق عليه باب حصنه فأبى أن يفتح له وألح عليه في ذلك فقال له ويحك يا حي إنك امرؤ مشئوم وإني قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه ولم ار منه إلى وفاء وصدقا فقال له ويحك افتح لي أكلمك فقال ما أنا بفاعل فغاظه فقال له والله ما أغلقت دوني إلا تخوفا على جشيشتك أي بالجيم المفتوحة والشين المعجمة وهي البر يطحن غليظا ويقال له الدشيش أن آكل معك منها ففتح له فقال له ويحك يا كعب جئت بعز الدهر جئتك بقريش حتى أنزلتهم بمجمع الأسيال وبغطفان حتى
____________________

أنزلتهم بجانب أحد قد عاهدوني وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه فقال له كعب حئتني والله بذل الدهر وكل ما يخشى فإني لم أر في محمد إلى صدقا ووفاء وفي لفظ جئتني بجهام أي سحاب قد هراق ماء أي لا ماء فيه يرعد ويبرق وليس فيه شيء ويحك يا حيى دعنى وما أنا عليه فلم يزل حي بكعب حتى أعطاه عهدا من الله وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يقتلوا محمدا أن يكون معه في حصنه ويصيبه ما أصابه فعند ذلك نقض كعب العهد وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ومزقوا الصحيفة التي كان فيها العقد وجمع رؤساء قومه وهم الزبير بن مطا وشاس بن قيس وعزال بن ميمون وعقبة بن زيد واعلمهم بما صنع من نقض العهد وشق الكتاب الذي كتبه صلى الله عليه وسلم فلجم الأمر لما أراد من هلاكهم وكان حي بن أخطب في اليهود يشبه بأبي جهل في قريش
فلما أنتهى الخبر بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أخبره بذلك عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فقال يا رسول الله بلغني ان بني قريظة قد نقضت العهد وحاربت فاشتد الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وشق عليه ذلك وأرسل سعد بن معاذ سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج وأرسل معهما ابن رواحة وخوات بن جبير وأسقطهما في الإمتاع وذكر بدلهما اسيد بن خضير وقال لهم انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم فإن كان حقا فالحنوا إلي لحنا أعرفه دون القوم أي وروا وكنوا في كلامكم بما لم يفهمه القوم أي لئلا يحصل لهم الوهن والضعف والا فاجهروا بذلك بين الناس فان اللحن العدول بالكلام عن الوجه المعروف عند الناس إلى وجه لا يعرفه إلا صاحبه كما أن اللحن الذي هو الخطأ عدول عن الصواب المعروف ومنه قول القائل وخير الحديث ما كان لحنا فخرجوا حتى أتوا بني قريظة فوجدوهم قد نقضوا العهد ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قالوا من رسول الله وتبرءوا من عقده وعهده وقالوا لا عهد بيننا وبين محمد فشتمهم سعد بن معاذ وهم حلفاؤء أي وقيل سعد بن عبادة أي وكان في حدة وشاتموه أي ولا مانع من وجود الأمرين وقال سعد معاذ لسعد بن عبادة أو بالعكس دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم اربى أي اقوى من المشاتمة ثم اقبل السعدان ومن
____________________

معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنوا له عن نقضهم العهد أي قالوا عضل والقارة غدروا كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع وسيأتي خبر ذلك في السرايا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر أي وقال ابشروا يا معاشر المسلمين نصرة الله تعالى وعونه وتقنع صلى الله عليه وسلم بثوبه واضطجع ومكث طويلا فاشتد على الناس البلاء والخوف حين رأوه صلى الله عليه وسلم اضطجع ثم رفع رأسه فقال أبشروا بفتح الله ونصره أي ولعل هذا أي إرسال السعدين ومن معهما كان بعد إرساله صلى الله عليه وسلم الزبير إليهم ليأتي بخبرهم هل نقضوا العهد استثباتا للأمر
فعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال كنت يوم الأحزاب أنا عمرو بن ابي سلمة مع النساء في أطم حسان بن ثابت أي وكان حسان مع النساء ومن جملتهم صفية بنت عبد المطلب واتفق أن يهوديا جعل يطوف بذلك الحصن فقالت صفية لحسان يا حسان لا آمن هذا اليهودي أن يدلهم على عورة الحصن فيأتوا إلينا فانزل فاقتله قال حسان رضي الله عنه يا بنت عبد المطلب قد عرفت ما أنا بصاحب هذا قالت فلما أيست منه أخذت عمودا ونزلت ففتحت باب الحصن وأتيته من خلفه فضربته بالعمود حتى قتلته وصعدت الحصن فقلت يا حسان انزل اليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل فقال يا ابنة عبد المطلب مالي بسلبه حاجة أي وهذا يدل على ما قيل إن حسان بن ثابت كان من أجبن الناس كما تقدم قال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما فنظرت فإذا الزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا فلما رجعت قلت يا ابت رأيتك تختلف إلى بني قريظة قال رأيتني يا بني قلت نعم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من يأتي بني قريظة فياتيني بخبرهم فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال فداك أبي وأمي أخرجه الشيخان
أي وفي كلام ابن عبد البر رحمه الله ثبت عن الزبير رضي الله عنه أنه قال جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه مرتين يوم أحد ويوم بني قريظة فقال ارم فذاك أبي وأمي وقال ولعل ذلك كان في أحد إن لكل نبي حواريا وإن حواري الزبير وقال الزبير ابن عمتي وحواري من أمتي ويذكر ان الزبير رضي الله عنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج وكان يتصدق بذلك كله ولا يدخل بيته من ذلك درهما واحدا
____________________

وذلك من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم فقد جاء أنه لما نزل قوله تعالى { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } قال له الزبير يا رسول الله أي نعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان التمر والماء قال اما إنه سيكون وقد جعله سبعة من الصحابة وصيا على اولادهم فكان يحفظ على أولادهم مالهم وينفق عليهم من ماله وهؤلاء السعة منهم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والمقداد وابن مسعود
وعظم عند ذلك البلاء على المسلمين لما وصل إليهم الخبر أي خبر نقض بني قريظة العهد ولا منافاة بين بلوغهم الخبر ما تقدم من عدم الإفصاح به لأنهم جاءهم عدوهم من فوقهم ومن اسفل منهم حتى ظن المسلمون كل الظن وأنزل الله تعالى { إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر } وظهر النفاق من المنافقين حتى قال بعضهم كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا فأنزل الله تعالى { وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا }
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة الأمر بعث إلى عيينة بن حصن الفزاري وإلى الحارث بن عوف المري في أن يقطعهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه فجاآ مستخفيين من أبي سفيان فوافقاه على ذلك أي بعد أن طلبا النصف فأبى عليهما إلا الثلث فرضيا وكتبا بذلك صحيفة
أي وفي رواية أحضرت الصحيفة والدواة ليكتب عثمان بن عفان رضي الله عنه الصلح فلما اراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوقع صلح على ذلك بعث إلى سعد ابن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما فذكر لهما ذلك واستشارهما فيه فقالا يا رسول الله أمرا تحبه فتصنعه أم شيئا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم شيئا تصنعه لنا أي وفي لفظ إن كان أمرا من السماء فامض له وإن كان أمرا لم تؤمر به ولك فيه هوى فسمع وطاعة وإن كان إنما هو الرأي فما لهم عندنا إلا السيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أمرني الله ما شاورتكما والله ما اصنع ذلك إلا لأني رايت العرب قدرمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر شوكتهم إلى أمر ما فقال له سعد بن معاذ يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم أي غطفان على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منا ثمرة
____________________

إلا قرى أو بيعا وإن كانوا ليأكلون العلهز في الجاهلية من الجهد أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نقطعهم أموالنا أي وفي لفظ نعطي الدنية مالنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنت وذاك فأخذ سعد الصحيفة فمحى ما فيها من الكتابة أي وهذا إنما يناسب الرواية الأولى وكذا ما جاء في لفظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شق الكتاب فشقه سعد وقال لعيينة والحارث ارجعابيننا وبينكم السيف رافعا صوته ثم قال سعد ليجهدوا علينا
ثم إن طائفة من المشركين أقبلوا أي وأكرهوا خيولهم على اقتحام الخندق من مضيق به وفيهم عكرمة بن ابي جهل رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك وفيهم هبيرة بن أبي وهب أي وهو زوج ام هانئ أخت علي كرم الله وجهه رضي الله عنها وأبو أولادها مات على كفره وضرار بن الخطاب وعمرو بن عبد ود أي قيل ونوفل بن عبد الله وكان عمرو بن عبدود عمره إذ ذاك تسعين سنة فقال من يبارز فقام علي كرم الله وجهه وقال أنا له يا نبي الله فقال صلى الله عليه وسلم له اجلس إنه عمرو بن عبدود ثم كرر عمرو النداء وجعل يوبخ المسلمين ويقول أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها افلا تبرزون لي رجلا وأنشد أبياتا منها ** ولقد بححت من الندا ** ء يجمعكم هل من مبارز ** ** إن الشجاعة في الفتى ** والجود من خير الغرائز **
فقام علي كرم الله وجهه فقال أنا له يا رسول الله فقال اجلس إنه عمرو بن عبدود ثم نادى الثالثة فقام علي كرم الله وجهه فقال أنا له يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه عمرو فقال وإن كان عمرا فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشد سيدنا علي ابياتا منها ** لا تعجلن فقد أتا ** ك مجيب قولك غير عاجز ** ** ذونية وبصيرة ** والصدق منجي كل فائز **
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم أعطاه سيفه ذا الفقار وألبسه درعه الحديد وعممه بعمامته وقال اللهم أعنه عليه أي وفي لفظ اللهم هذا أخي وابن عمي فلا تذرني فردا وأنت خير الوارثين
زاد في رواية أنه صلى الله عليه وسلم رفع عمامته إلى السماء وقال إلهي أخذت عبيدة
____________________

مني يوم بدر وحمزة يوم أحد وهذا علي أخي وأبن عمي الحديث فمشى إليه علي كرم الله وجهه فقال له يا عمرو إنك كنت قد عاهدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين أي خصلتين إلا أخذتها منه قال له أجل أي نعم فقال له علي كرم الله وجهه فأنا أدعوك إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام فقال لا حاجة لي بذلك قال له علي فإني أدعوك إلى البراز
قال وفي رواية إنك كنت تقول لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلى قبلتها قال أجل فقال علي فإني أدعوك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتسلم لرب العالمين فقال يا أبن أخي أخر عني هذه قال وأخرى ترجع إلى بلادك فان يك محمد صلى الله عليه وسلم صادقا كنت أسعد الناس به وإن يك كاذبا كان الذي تريد قال هذا مالا تتحدث به نساء قريش أبدا كيف وقد قدرت على استيفاء ما نذرت أي فإنه نذر لما أفلت هاربا يوم بدر وقد جرح أن لا يمس رأسه دهنا حتى يقتل محمدا صلى الله عليه وسلم قال فالثالثة ما هي قال البراز فضحك عمرو وقال إن هذه لخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب يرو عني بها ا هـثم قال له عند طلب المبارزة لم يا ابن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك فقال علي كرم الله وجهه ولكني والله أحب أن أقتلك فحمي عمرو عند ذلك أي أخذته الحمية
وفي رواية أن عمرا قال له من أنت أي لأن عليا كرم الله وجهه كان مقنعا بالحديد قال علي قال ابن عبد مناف قال أنا علي بن أبي طالب فقال غيرك يا أبن أخي من أعماك من هو أشد منك فإني أكره أن أهريق أي اسيل دمك أي وزاد في رواية فإن أباك كان لي صديقا أي وفي لفظ كنت له نديما فقال علي وأنا والله ما أكره أن أهريق دمك فغضب فقال له علي كرم الله وجهه كيف أقاتلك وأنت على فرسك ولكن انزل معي فاقتحم عن فرسه وسل سيفه كأنه شعلة نار فعقر فرسه وضرب وجهه وأقبل على علي كرم الله وجهه فاستقبله على بدرقته فضرب عمرو فيها فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه فضربه علي كرم الله وجهه على حبل عاتثه أي وهو موضع الرداء من العنق فسقط وكبر المسلمون فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير عرف أن عليا كرم الله وجهه قتل عمرا لعنه الله
أي وذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك قال قتل علي لعمرو بن عبدود
____________________

أفضل من عبادة الثقلين قال الإمام أبو العباس بن تيمية وهذا من الأحاديث الموضوعة التي لم ترد في شيء من الكتب التي يعتمد عليها ولا بسند ضعيف وكيف يكون قتل كافر أفضل من عبادة الثقلين الإنس والجن ومنهم الأنبياء قال بل إن عمرو بن عبدود هذا لم يعرف له ذكر إلى في هذه الغزوة
أقول ويرد قوله إن عمرو بن عبدود هذا لم يعرف له ذكر إلا في هذه الغزوة قول الأصل وكان مرو بن عبدود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد يوم أحد فلما كان يوم الخندق خرج معلما أي جعل له علامة يعرف بها ليرى مكانه أي ويرده أيضا ما تقدم من أنه نذر ان لا يمس رأسه دهنا حتى يقتل محمدا صلى الله عليه وسلم واستدلاله بقوله وكيف يكون إلي آخره فيه نظر لأن قتل هذا كان فيه نصرة للدين وخذلان للكافرين
وفي تفسير الفخر أنه صلى الله عليه وسلم قال لعي كرم الله وجهه بعد قتله لعمرو بن عبدود كيف وجدت نفسك معه يا علي قال وجدته لو كن أهل المدينة كلهم في جانب وانا في جانب لقدرت عليهم
وفي كلام السهيلي رحمه اله ولما أقبل علي كرم الله وجهه بعد قتله لعمر بن عبدود علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متهلل قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه هلا سلبته درعه فإنه ليس في العرب درع خير منها قال إني حين ضربته استقبلني بسوءته فاستحيت يا ابن عمي أن أسلبه هذا كلامه
وعندي أن هذا اشتباه من بعض الرواة لأن هذه الواقعة لعلي كرم الله وجهه إنما كانت في يوم أحد مع طلحة بن أبي طلحة كما تقدم وعمرو بن عبدود ولم يشهد أحدا كما تقدم عن الأصل فليتأمل
قال وذكر ابن اسحق ان المشركين بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترون جيفة عمرو بعشرة آلاف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو لكم ولا نأكل ثمن الموتى وحين قتل عمرو رجع من وصل الخندق من المشركين بخيلهم هاربين فتبعهم الزبير رضي الله عنه وضرب نوفل بن عبد الله بالسيف فشقه نصفين ووصلت الضربة إلى كاهل فرسه فقيل له يا ابا عبد الله ما رأينا مثل سيفك فقال والله ما هو السيف ولكنها الساعد أي وفيه أنه تقدم أن نوفل بن عبدالله وقع في الخندق فاندقت عنقه إلى آخر
____________________

ما تقدم لكني رأيت بعضهم قال إن وقوع نوفل في الخندق ورميه بالحجارة وقتل علي كرم الله وجهه له في الخندق غريب من وجهين فليتأمل
وحمل الزبير رضي الله عنه على هبيرة بن ابي وهب وهو زوج أم هانئ أخت علي بن أبي طالب كما تقدم فضرب ثغر فرسه فقطعه وسقطت درع كان محقبها الفرس أي جعلها على مؤخر ظهرها فأخذها الزبير وألقى عكرمة بن ابي جهل رمحه وهو منهزم أنتهى
أي وفي رواية ثم حمل ضرار بن الخطاب أخو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهبيرة ابن أبي وهب على علي كرم الله وجهه فأقبل علي عليهما فأما ضرار فولى هاربا ولم يثبت وأما هبير فثبت ثم ألقى درعه وهرب وكان فارس قريش وشاعرها
وذكر أن ضرار بن الخطاب لما هرب تبعه أخوه عمر بن الخطاب وصار يشتد في أثره فكر ضرار راجعا وحمل على عمر رضي الله عنه بالرمح ليطعنه ثم أمسك قال يا عمر هذه نعمة مشكورة أثبتها عليك ويدلي عندك غير مجزي بها فاحفظها
أي ووقع له مع عمر رضي الله عنه مثل ذلك في أحد فانه التقى معه فضرب عمر رضي الله عنه بالقناة ثم رفعها عنه وقال له ما كنت لأقتلك يا ابن الخطاب ثم من الله على ضرار فأسلم وحسن إسلامه وكان شعار المسلمين حم لا ينصرون أي ولعل المراد بالمسلمين الأنصار فلا يخالف ما في الامتاع وكان شعار المهاجرين يا خيل الله
وفيه خرجت طائفتان للمسلمين ليلا لا يشعر بعضهم ببعض ولا يظنون إلا أنهم العدو فكانت بينهم جراحة وقتل ثم نادوا بشعار الإسلام حم لا ينصرون فكف بعضهم عن بعض
وقد يقال يجوز ان تكون الطائفتان كانت من الأنصار وجاءوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم جراحكم في سبيل الله ومن قتل فهو شهيد وبهذا استدل أئمتنا على أن من قتله مسلم خطأ في الحرب يكون شهيدا
ورمى سعد بن معاذ بسهم قطع أكحله وهو عرق في الذراع تتشعب منه عروق البدن ولعله محل الفصد الذي يقال له المشترك أي ويقال لهذا العرق عرق الحياة أي رماه ابن العرقة أسم جدته سميت بذلك لطيب عرقها وقال خذها وأنا ابن العرقة فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال عرق الله وجهه في النار وقيل قائل ذلك سعد
____________________

رضي الله عنه وعند ذلك قال سعد اللهم إن كانت وضعت الحرب بيننا وبينهم يعني قريشا فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني وفي لفظ حتى تشفيني من بني قريظة وفي لفظ اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وأخرجوه وكذبوه
وفي يوم استمرت المقالتة قيل من سائر جوانب الخندق إلى الليل ولم يصل صلى الله عليه وسلم ولا أحد من المسلمين صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء أي وصار المسلمون يقولون ما صلينا فيقول صلى الله عليه وسلم ولا أنا فلما انكشف القتال جاء صلى الله عليه وسلم إلى قبته وأمر بلالا فأذن وأقام الظهر فصلى ثم أقام بعد كل صلاة إقامة وصلى هو وأصحابه ما فاتهم من الصلوات
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى الظهر ثم أمره فأذن وأقام فصلى العصر ثم أمره فأذن وأقام فصلى المغرب ثم أمره فأذن وأقام فصلى العشاء
أقول في الرواية الأولى ما يشهد لقول إمامنا الشافعي يندب أن يؤذن للأولى من الفوائت ويقيم لما عداها إذا قضاها متوالية وكونه يؤذن للأولى من الفوائت هو ما ذهب إليه في القديم وهو المتفي به
وفي الرواية الثانية دليل على أنه يؤذن لكل من الفوائت إذا قضاها متوالية ولم يقل به إمامنا فإنه جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه مرسلا لأنه رواه عنه ابنه أبو عبيدة ولم يسمع منه لصغر سنه
وروى إمامنا الشافعي رضي الله عنه باسناد صحيح عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هوى أي طائفة من الليل حتى كفينا القتال وذلك قوله تعالى { وكفى الله المؤمنين القتال } فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاها كما كان يصلى ثم أقام العصر فصلاها كذلك ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أي وفي لفظ فصلى كل صلاة كأحسن ما كان يصليها في وقتها وهو دليل لعدم ندب الأذان للفائتة وهو ما ذهب إليه إمامنا الشافعي رضي الله عنه في الجديد وهم مرجوح
وجمع الإمام النووي في شرح المهذب بين ورواية إلى الليل حتى ذهب هوى
____________________

من الليل بأنهما قضيتان جرتا في ايام الخندق قال فإنا كانت خمسة عشر يوما أي على ما تقدم
وفيه أن كونهما قضيتين أمر واضح لا خفاء فه لأن في الأولى وفي يوم استمرت المقاتلة إلى الليل وفي الثانية حتى كفينا القتال فمع ذلك كيف يظن انهما قضية واحدة حتى يحتاج إلى الجمع وظاهر سياق هذه الروايات أنه صلى الأربع صلوات بوضوء واحد وبه صرح البغوي في تفسير سورة المائدة وحينئذ يحتاج للجمع بينه وبين ما يأتي في فتح مكة
وروى الطحاوي استدل به مكحول والأوزاعي على جواز تأخير الصلاة لعذر القتال أن الشمس ردت له صلى الله عليه وسلم بعد ما غربت حين شغل عن صلاة العصر حتى صلى الله عليه وسلم العصر وذكر الإمام النووي في شرح مسلم أن رواته ثقات
وفي البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جاء يوم الخندق بعد ما كادت الشمس تغرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما صليتها يعني العصر فنزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى الله عليه وسلم بعدها المغرب وهذه الرواية تقتضي أنه لم يفته إلى العصر وأنه صلاها بعد الغروب
قال الإمام النووي رحمه الله وطريق الجمع أنه هذا كان في بعض أيام الخندق وكون صلاة العصر هي الوسطى قد جاء في بعض الروايات شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غابت الشمس ملأ الله أجوافهم وفي لفظ بطونهم وقبورهم نارا والذي في البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس وكون الوسطى هي صلاة العصر هو قول من تسعة عشر قولا ذكرها الحافظ الدمياطي في مؤلف له سماه كشف الغطا عن الصلاة الوسطى وفي الينبوع ان كون الصلاة الوسطى هي العصر هو الذي أعتقده والله اعلم
قال وجاء أنه صلى الله عليه وسلم صلى المغرب فلما فرغ قال أحد منكم علم أني صليت العصر قالوا يا رسول الله ما صلينا أي لا نحن ولا انت فأمر المؤذن فأقام
____________________

الصلاة فصلى العصر ثم أعاد المغرب قيل وكان ذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا }
أقول يحتاج إلى الجواب عن إعادة المغرب وقد يقال أعادها مع الجماعة وأن قوله { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } يرشد إلى أن المراد بصلاة الخوف صلاة شدته لا صلاة ذات الرقاع التي نزل فيها قوله تعالى { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } الآية كما تقدم فلا ينافي ما تقدم من صلاته في الرقاع بناء على تقدمها على هذه الغزوة التي هي غزوة الخندق
وحينئذ يندفع الاستدلال على أن ذات الرقاع متأخرة عن الخندق بقولهم ولم تكن شرعت صلاة الخوف أي صلاة ذات الرقاع وإلا لصلاها في الخندق ولم يخرج الصلاة عن وقتها لما علمت أن المراد بصلاة الخوف التي لم تشرع زمن الخندق صلاة شدته لا صلاة ذات الرقاع وسقط القول بان الآية التي نزلت في صلاة ذات الرقاع منسوخة فتركه صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة في الخندق لأن الخندق وإن لم يلتحم فيه القتال إلا أنهم لا يأمنون هجوم العدو عليهم فلو صلوها لكانت تلك الصلاة صلاة شدة الخوف لا صلاة ذات الرقاع لأنه شرطها أمن هجوم العدو وصلاة شدة الخوف إما أن يلتحم فيها القتال أو يخافوا هجوم العدو
وقول بعضم أن ابن اسحاق وهو إمام أهل المغاز ذكر أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بعسفان وذكر انها قبل الخندق فتكون صلاة عسفان منسوخة أيضا فيه نظر ظاهر لأن صلاة عسفان إنما كانت في الحديبية كما سيأتي وعلى تسليم أن صلاة عسفان كانت قبل الخندق فتلك يشترط فيها الأمن من هجوم العدو والله أعلم
قال ثم إن طائفة من الأنصار خرجوا ليدفنوا ميتا منهم بالمدينة فصادفوا عشرين بعيرا لقريش محملة شعيرا وتمرا وتبنا حملها ذلك حي بن أخطب شدادا وتقوية لقرش فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوسع بها أهل الخندق
ولما بلغ أبا سفيان ذلك قال إن حييا لمشئوم فلع بنا ما نجد ما نحمل عليه إذا رجعنا
ثم إن خالد بن الوليد كر بطائفة من المشركين يطلب غرة للمسلمين أي غفلتهم فصادف أسيد بن حضير على الخندق ي مائتين من المسلمين فناوشوهم أي تقاربوا منهم
____________________

ساعة وكان في أولئك المشركين وحشي قاتل حمزة رضي الله عنه فزرق الطفيل بن النعمان فقتله ثم بعد ذلك صاروا يرسلون الطلائع بالليل يطمعون في الغارة أي الإغارة فأقام المسلمون في شدة من الخوف
أي وفي الصحيحين ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم وزلزلهم أي وقام في الناس فقال يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافيه فإن لقيتم العدو فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف أي السبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيف في سبيل الله تعالى ودعا صلى الله عليه وسلم بقوله يا صريخ المكروبين يا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فإنك ترى ما نزل بي وباصحابي وقال له المسلمون رضي الله عنهم هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر قال نعم قولوا اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا فاتاه جبريل عليه السلام فبشره أن الله يرسل علهم ريحا وجنودا وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك وصار يرفع يديه قائلا شكرا شكرا
وجاء أن دعاءه صلى الله عليه وسلم كان يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء واستجيب له ذلك اليوم الذي هو يوم الأربعاء بين الظهر والعصر فعرف السرور في وجهه صلى الله عليه وسلم أي ومن ثم كان جابر رضي الله عنه يدعو في مهماته في ذلك اليوم في ذلك الوقت ويتحرى ذلك
والاحاديث والآثار التي جاءت بذم يوم الأربعاء محمولة على آخر اربعاء في الشهر فإن ذلك ذلك اليوم ولد فرعون وادعى الربوبية وأهلكه الله فيه وهو اليوم الذي أصيب فيه أيوب عليه الصلاة و السلام بالبلاء
قال وكان صلى الله عليه وسلم يختلف إلى ثلمة في الخندق والثلمة الخلل في الحائط فعن عائشة رضي الله عنها قالت وكان صلى الله عليه وسلم يذهب إلى تلك الثلمة فإذا أخذه البرد جاء فأدفأته في حضني فإذا دفئ خرج إلى تلك الثلمة ويقول ما أخشى أن تؤتى المسلمون إلا منها فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضني صار يقول ليت رجلا صالحا يحرس هذه الثلمة الليلة فسمع صوت السلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هذا فقال سعد بن أبي وقاص سعد يا رسول الله أتيتك أحرسك
____________________

فقال عليك هذه الثلمة فاحرسها ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غط وقام صلى الله عليه وسلم في قبته يصلي لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ومن ثم لما نعي لابن عباس أخوه قثم وهو في سفر اسرجع وتنحى عن الطريق وصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس وتلا { واستعينوا بالصبر والصلاة }
ثم خرج صلى الله عليه وسلم من قبته فقال هذه خيل المشركين تطيف بالخندق ثم نادى يا عباد بن بشر قال لبيك قال هل معك أحد قال نعم انا في نفر حوق قبتك يا رسول الله وكان ألزم الناس لقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرسها فبعثه صلى الله عليه وسلم يطيف بالخندق وأعلمه بأن خيل المشركين تطيف بهم ثم قال اللهم ادفع عنا شرهم وانصرنا عليهم واغلبهم لا يغلبهم غيرك وإذا أبو سفيان في خيل يطوفون بمضيق من الخندق فرماهم المسلمون حتى رجعوا
ثم إن نعيم بن مسعود الأشجعي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ليلا فقال يا رسول الله إني أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت قال وفي رواية أن نعيما لما سارت الاحزاب سار مع قومه أي غطفان وهو على دينهم فقذف الله في قلبه الإسلام فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء فوجده يصلي فلما رآه جلس ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء بك يا نعيم قال جئت أصدقك وأشهد أن ما جئت به حق فأسلم انتهى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنت رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة بتفح الخاء وسكون الدال المهملة أي ينقضي أمرها بالمخادعة فقال له نعيم يا رسول الله إني أقول أي ما يقتضيه الحال وإن كان خلاف الواقع قال قل ما بدا لك فأنت في حل
فخرج نعيم رضي الله عنه حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديما قال فلما رأوني رحبوا بي وعرضوا علي الطعام والشراب فقلت إني لم آت لشئ من هذا إنما جئتكم تخوفا عليكم لأشير عليكم برأي يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم اكتموا عني قالوا نفعل قال لقد رأيتم ما وقع لبني قينقاع ولبني النضير من إجلائهم وأخذ أموالهم وإن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم وبها أموالكم ونساؤكم وأبناؤكم لا تقدرون على أن ترحلوا منه إلى غيره وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتمهوهم أي عاونتموهم عليه
____________________

وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة أي فرصة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين بلدكم والرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهنا من اشرافهم أي سبعين رجلا يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا حتى يناجزوه أي يقاتلوه قالوا له لقد أشرت بالرأي والنصح ودعوا له وشكروا وقالوا نحن فاعلون قال ولكن اكتموا عني قالوا نفعل
ثم خرج رضي الله عنه حتى أتى قريشا فقال لابي سفيان ومن معه سن أشراف قريش قد عرفتم ودي لكم وفراقي لمحمد وإنه قد بلغني أمر قد رأيت أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا قالوا نفعل قال تعلمون أن معشر يهود يعني بني قريظة قد ندموا على ما صنعا فيما بينهم وبين محمد أي من نقض عهده وقد أرسلوا اليه أي وأنا عندهم أنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين قريش وغطفان رجالا من أشرافهم أي سبعين رجلا فنعطيكهم فتضرب أعناقهم أي وترد جناحنا الذي كسرت إلى ديارهم يعنون بني النضير ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم فأرسل إليهم نعم فإن بعث إليكم يهود يطلبون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا اليهم رجلا واحدا واحذروهم على أسراركم ولكن اكتموا عني ولا تذكروا من هذا حرفا قالوا لا نذكر
ثم خرج رضي الله عنه حتى اتى غطفان فقال يا معشر غفطان إنكم أهلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهمونني قالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم قال فاكتموا علي قالوا نعم فقال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم
فلما كان ليلة السبت أرسل أبو سفيان ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش غطفان فقالوا لهم إنا لسنا بدار مقام وقد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى ننجاز أي نقاتل محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه فأرسلوا إليهم إن اليوم أي الذي يلي هذه الليلية يوم السبت وقد علمتم ما نال منا من تعدي في السبت ومع ذلك فلا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا أي سبعين رجلا فقالوا صدق والله نعيم
وفي رواية أن بني قريظة ارسلت لقريش مجيء رسل قريش إليهم رسولا يقول لهم ما هذا التواني والرأي أن تتواعدوا على يوم يكونون معكم فيه لكنهم لا يخرجون
____________________

حتى ترسلوا اليهم رهنا سبعين رجلا من أشرافكم فإنهم يخافون إن أصابكم ما تكرهون رجعتم وتركتموهم فلم ترد لهم قريش جوابا وجاءهم نعيم وقال له كنت عند أبي سفيان وقد جاءه رسولكم فقال لو طلبوا مني عناقا ما دفعتها لهم فاختلفت كلمتهم أي وجاء حي بن أخطب لبني قريظة فلم يجد منهم موافقة له وقالوا لا نقاتل معهم حتى يدفعوا الينا سبعين رجلا من قريش وغطفان رهنا عندنا وبعث الله تعالى ريحا عاصفا أي وهي ريح الصبا في ليال شديدة البرد فنقلت بيوتهم وقطعت أطنابها وكفأت قدورهم على أفواهها وصارت الريح تلقي الرجال على امتعتهم
وفي رواية دنفت الرجال وأطفأت نيرانهم أي وأرسل الله اليهم الملائكة زلزلتهم قال تعالى { فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها } ولم تقاتل الملائكة بكل نفثت في روعهم الرعب وقال صلى الله عليه وسلم نصرت بالصبات وأهلكت عاد بالدبور وفي لفظ نصر الله المسلمين بالريح وكانت ريحا صفراء ملأت عيونهم ودامت عليهم
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه اختلاف كلمتهم وكانت تلك الليللة شديدة البرد والريح في أصوات ريحها أمثال الصواعق وسيأتي أنها لم تجاوز عسكر المشركين وشديدة الظلمة بحيث لا يرى الشخص أصبعة إذا مدها
فجعل المنافقون يستأذنون ويقولون إن بيوتنا عورة أي من العدو لأنها خارج المدينة وحيطانها قصيرة يخشى عليها السرقة فائذن لنا أن نرجع إلى نسائنا وابنائنا وذرارينا فيأذن صلى الله عليه وسلم لهم
قيل ولم يبق معه صلى الله عليه وسلم تلك الليلة إلا ثلثمائة وقال من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير رضي الله عنه أنا قال صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاثا والزبير يجبيه بما ذكر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكل نبي حواري أي ناصر وإن حواري الزبير اي وهذا قاله صلى الله عليه وسلم له ايضا عند إرساله لكشف خبر بني قريظة هل نقضوا العهد أو لا كما تقدم وسيأتي قول ذلك له أيضا في خيبر وفي الحديث حواري الزبير من الرجال وحواري من النساء عائشة وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال ألا رجل يقم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة وفي لفظ يكون معي يقوم القيامة وفي لفظ يكون رفيق ابراهيم يوم القيامة قال ذلك ثلاثا فما قام أحد من شدة الخوف والجوع والبرد فدعا صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان قال فلم أجد بدا من القيام حيث فوه باسمي
____________________

فجئته صلى الله عليه وسلم فقال تسمع كلامي منذ الليلة ولا نقوم فقلت لا والذي بعثك بالحق إن قدرت أي ما قدرت على ما بي من الجوع والبرد والخوف فقال اذهب حفظك الله من أمامك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك حتى ترجع إلينا قال حذيفة فلم يكن لي بد من ا القيام حين دعاني وقال يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فقمت مستبشرا بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني احتملت احتمالا وذهب عني ما كنت أجد من الخوف والبرد وعهد صلى الله عليه وسلم إلي أن لا أحدث حدثا وفي رواية أما سمعت صوتي قلت نعم قال فما منعك ان تجيبني قلت البرد قال لا برد عليك حت ترجع كما يدل على ذلك الرواية الآتية فقال له إن في القوم خبرا فائتني بخبر القوم قال وفي رواية إنه صلى الله عليه وسلم لما كرر قوله ألا رجل يأتيني بخبر القوم يكون معي يوم القيامة ولم يجبه أحد قال ابو بكر رضي الله عنه يا رسول الله حذيفة قال حذيفة فمر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علي جنة من العدو والبرد إلا مرطا لامرأتي ما يجاوز ركبتي وأنا جاث على ركبتي فقال من هذا قلت حذيفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة قال حذيفة رضي الله عنه فتقاصرت بالأرض قلت بلى يا رسول الله قال قم فقمت فقال إنه كائن في القوم خبر فائتني بخبر القوم فقلت والذي بعثك بالحق ما قمت إلا حياء منك من البرد قال لا بأس عليك من حر ولا برد حتى ترجع إلي فقلت والله ما بي أن اقتل ولكن أخشى أن أوسر فقال إنك لن تؤسر اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته فمضيت كأني أمشي في حمام مأخوذ من الحميم وهو الماء الحار وهو عربي قال حذيفة فلما وليت دعاني فقال لي لا تحدثن شيئا وفي رواية لا ترم بسهم ولا حجر ولا تضربن بسيف حتى تأتيني فجئت إليهم ودخلت في غمارهم فسمعت ابا سفيان يقول يا معشر قريش ليتعرف كل امرئ منكم جليسه واحذروا الجواسيس والعيون فأخذت بيد جليسي على يميني وقلت من أنت فقال معاوية بن ابي سفيان وقبضت يد من علي يساري وقلت من أنت قال عمرو بن العاص فعلت ذلك خشية أين يفطن بي فقال أبو سفيان يا معشر قريش والله إنكم لستم بدار مقام ولقد هلك الكراع والخف واخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل ووثب علي جمله فما حل عقال يده إلا وهو قائم أي فإنه لما ركبه كان معقولا
____________________

فلما ضربه وثب على ثلاثة قوائم ثم حل عقاله فقال له عكرمة بن أبي جهل إنك رأس القوم وقائدهم تذهب وتترك الناس فاستحيا أبو سفيان وأناخ جمله وأخذ بزمامه وهو يقوده وقال ارحلوا فجعل الناس يرحلون وهو قائم ثم قال لعمرو بن العاص يا أبا عبدالله نقيم في جريدة من الخيل بإزاء محمد وأصحابه فإنا لا نأمن أن نطلب فقال عمرو أنا أقيم وقال لخالد بن الوليد ما ترى أبا سليمان فقال أنا أيضا أقيم فأقام عمرو وخالد في مائتي فارس وسار جميع العسكر قال حذيفة رضي الله عنه ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي حين بعثني أن لا أحدث شيئا لقتله يعني أبا سفيان بسهم وسمعت غطفان بما فعلت قريش فاشتدوا راجعين إلى بلادهم
وفي رواية فدخلت العسكر فإذا الناس في عسكرهم يقولون الرحيل الرحيل لا مقام لكم والريح تقلبهم على بعض امتعتهم وتضربهم بالحجارة والريح لا تجاوز عسكرهم فلما انتصفت الطريق إذا أنا بنحو عشرين فارسا معتمين فخرج إلي منهم فارسان وقالا أخبر صاحبك ان الله كفاه القوم قال حذيفة ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته قائما يصلي فخبرته فحمد الله تعالى وأثنى عليه أي وفي رواية فأخبرته الخبر فضحك حتى بدت ثناياه في سواد الليل وعاودني البرد فجعلت أقرقف فأومأ إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فدنوت منه فسدل علي من فضل شلمته فنمت ولم أزل نائما حتى الصبح أي طلوع الفجر فلما أن أصبحت أي دخل وقت صلاة الصبح وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا نومان أي يا كثير النوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قاله له لا بأس عليك من برد حتى ترجع إلي
أي ومن هذا أي إرسال حذيفة رضي الله عنه وما تقدم أي من إرسال الزبير رضي الله عنه تعلم أن ذلك كان في الخندق ولا مانع منه لأن يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم عدل عن ارسال الزبير واختار حذيفة لأمر قام عنده صلى الله عليه وسلم من جملة ذلك كون الزبير رضي الله عنه حدة وشدة لا يملك نفسه أن يحدث بالقوم ما نهى عنه حذيفة رضي الله عنه وحينئذ يرد قول بعضهم إن الزبير انما أرسل لكشف أمر بني قريظة هل نقضوا العهد أم لا لا لكشف أمر قريش وحذيفة رضي الله عنه ذهب لكشف أمر قريش هل ارتحلوا أولا وقد اشتبه الأمر على بعض الناس فظنهما قضية واحدة فليتأمل ذلك
____________________

وكان يقال لحذيفة رضي الله عنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلمه غيره فقد قال حذيفة رضي الله عنه لقد حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان وبما يكون حتى تقوم الساعة أي وتقدم أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقال له ايضا صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد ذكر ابن ظفر في ينبوع الحياة في تفسير قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها } وهبت ريح الصبا ليلا فقلعت الأوتاد وألقت عليهم الابنية وكفأت القدور وسفت عليهم التراب ورمتهم بالحصا وسمعوا في ارجاء أي نواحي معسكرهم التكبير وقعقعة السلاح أي من الملائكة فصار سيد كل حي يقول لقومه يا بني فلان هلموا إلي فإذا اجتمعوا قال النجاء النجاء فارتحلوا هرابا في ليلتهم وتركوا ما استتقلوه من متاعهم أي والصبا هي الريح الشرقية
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال الصبا للشمال اذهبي بنا ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن الحرائر لا تهب بالليل فغضب الله عليها فجعلها عقيما ويقال لها الدبور فكان نصره صلى الله عليه وسلم بالصبا وكان إهلاك عاد بالدبور وهي الريح العربية وحين انجلاء الأحزاب قال صلى الله عليه وسلم الآن نغزوهم ولا يغزونا وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع ليال من ذي القعدة أي بناء على أنها كانت في القعدة وهو قول ابن سعد وقيل كانت في شوال وكان ذلك سنة خمس أي كا قاله الجمهور قال الذهبي وهو المقطوع به وقال ابن القيم إنه الاصح وقال الحافظ ابن حجر هو المعتمد وقيل سنة أربع وصححه الإمام النوي في الروضة قال بعضهم وهو عجيب فإنه صحح أن غزوة بني قريظة كانت في الخامسة ومعلوم أنها كانت عقب الخندق
أي وفيه أنه يجوز أن تكون بنو قريظ أوائل الخامسة والخندق أواخر الرابعة فتكون في ذي الحجة واستدل من قال إن الخندق كانت سنة أربع بما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه عرض رسول الله يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه ثم عرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه فيكون بينهما سنة واحدة أي وكانت سن ثلاث فيكون الخندق سنة أربع
قال الحافظ ابن حجر ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون ابن عمر رضي الله عنهما
____________________

في أحد كان أول ما طعن في الرابعة عشرة وكا في الأحزاب قد استكمل الخمسة عشرة وسبقه إلى ذلك البيهقي وحينئذ يكون بين أحد والخندق سنتان كما هو الواقع لاسنة واحدة
ومما وقع من الآيات في هذه الغزوة في مدة حفر الخندق غير ما تقدم ان بنت بشير بن سعد جاءت لأبيها وخالها أي عبد الله بن رواحة بجفنة من التمر ليتغذيا بها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتيه فصبته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ملأهما ثم أمر بثوب فبسطت له ثم قال لإنسان عنده اصرخ في أهل الخندق أن هلموا إلى الغداء فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب أي فإن أهل الخندق أصابهم مجاعة قال بعض الصحابة لبثنا ثلاثة أيام لا نذوق زادا وربط صلى الله عليه وسلم الحجر على بطنه من الجوع
أقول أورد ابن حبان في صحيحه لما أورد الحديث الذي فيه نهيه صلى الله عليه وسلم عن الوصال وقالوا ما مالك تواصل يا رسول الله قال إني لست مثلكم إني ابيت يطعمني ربي ويسقيني
قال يستدل بهذا الحديث على بطلان ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يضع الحجر على بطنه من الجوع لأنه كان يطعم ويسقي من ربه إذا واصل فكيف يترك جائعا مع عدم الوصال حتى يحتاج إلى شد الحجر على بطنه وإنما لفظ الحديث الحجز بالزاي وهو طرف الإزار فصفحوا وزادوا لفظ من الجوع
وأجيب أنه لا منافاة كان صلى الله عليه وسلم يطعم ويسقي إذا واصل في الصوم أي يصير كالطاعم والساقي تكرمة له ولا يحصل له ذلك دائما بل يحصل له الجوع في بعض الأحايين على وجه الابتلاء الذي يحصل للأنبياء عليهم الصلاة والسلام تعظيما لثوابهم والله اعلم
وإن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما لما علم ما به صلى الله عليه وسلم من شدة الجوع صنع شويهة وصاعا من شعير قال جابر وإنما أريد ان ينصرف معي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فلما قلت له أمر صارخا فصرخ أن انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت جابر بن عبدالله قال جابر فقلت { إنا لله وإنا إليه راجعون } فأقبل الناس معه أي بعضهم فجلس صلى الله عليه وسلم فأخرجناها إليه فبرك ثم سمى الله تعالى ثم أكل وتواردها الناس كلما فرغ قوم قاموا أي وذهبوا إلى الخندق وجاء
____________________

آخرون حتى صدر أهل الخندق عنها وهم ألف فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانصرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي وإن عجيننا ليخبز كما هو
قال وفي رواية أن جابرا رضي الله تعالى عنه لما رأى ما به صلى الله عليه وسلم من الجوع استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانصراف إلى بيته فأذن له قال جابر فجئت لامرأتي وقلت لها إني رأيت رسول الله خمصا شديدا افعندك شيء قالت عندي صاع من شعير وعناق فذبحت العناق وطحنت الشعير وجعلت اللحم في برمة فلما أمسينا جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساورته وقلت له طعيم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان فشبك صلى الله عليه وسلم أصابعه في اصابعي وقال كم هو فذكرت له قال كثيرا طيب لا تنزلن برمتكم لا تخبزن عجينكم حتى أجئ وصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع لكم سؤارا أي ضيافة فحيهلا بكم أي سيروا مسرعين وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس قال جابر رضي الله عنه فلقيت من الحياء مالا يعلمه إلا الله والله إنها لفضيحة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادخلوا عشرة عشرة أي بعد أن اخرجت له عجيننا فبصق فيه وبارك ثم عمد صلى الله عليه وسلم إلى برمتنا وبصق فيها وبارك الحديث أي ومجئ القوم كان على الوجه المتقدم وإن أم عامر الأشهلية أرسلت بقصعة فيها حيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في القبة عنده أم سلمة رضي الله تعالى عنها فأكلت أم سلمة حاجتها ثم خرج بالقصعة ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم هلموا إلى عشائه فأكل أهل الخندق حتى نهلوا منها وهي كما هي
وقد ذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه الله ونفعنا ببركاته أنه قدم لأربعة عشرة رجلا من الفلاحين رغيفا واحدا فأكلوا منه كلهم وشبعوا قال وقدمت مرة الطاجن الذي نعمله في الفرن إلى سبعة عشر نفسا فأكلوا منه وشبعوا وذكر أنه شاهد شيخه الشيخ محمدا الشناوي رحمه الله ونفعنا ببركاته وقد جاء من الريف ومعه نحو خمسين رجلا ونزل بزاوية شيخه الشيخ محمد السروي فتسامع مجاورو الجامع الأزهر بمجيئه فأتوا لزيارته فامتلأت الزاوية وفرشوا الحصر في الزقاق ثم قال لنقيب شيخه هل عندك طبيخ قال نعم الطبيخ الذي أفعله لي ولزوجتي فقال له لا تغرف شيئا حتى
____________________

أحضر ثم غطى الشيخ الدست بردائه وأخذ المغرفة وصار يغرف إلى ان كفى من في الزاوية ومن في الزقاق وهذا شيء رأيته يعيني هذا كلامه
ولا يدع فقد ذكر غير واحد من العلماء كالحافظ ابن كثير ان كرامات الأولياء معجزات للأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأن الولي إنما نال ذلك ببركة متابعته لنبيه وثواب إيمانه به وهذا كلامه
قال وأرسل أبو سفيان كتابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه باسمك اللهم فإني أحلف باللات والعزى أي وأساف ونائلة وهبل كما في لفظ لقد سرت إليك في جمع وأنا أريد أن لا أعود اليك أبدا حتى أستأصلكم فرأيتك قد كرهت لقاءنا واعتصمت بالخندق أي وفي لفظ قد اعتصمت بمكيدة ما كانت العرب تعرفها وإنما تعرف ظل رماحها وشباب سيوفها وما فعلت هذا إلا فرارا من سيوفنا ولقائنا ولك مني يوم كيوم أحد فأرسل له صلى الله عليه وسلم جوابه فيه أما بعد أي بعد بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى صخر بن حرب كذا في كلام سبط بن الجوزي فقد أتاني كتابك وقديما غرك بالله الغرور أما ما ذكرت أنك سرت إلينا وأنت لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا فذلك أمر يحول الله بينك وبينه ويجعل لنا العاقبة وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى وأسافا ونائلة وهبل حتى أذكرك ذلك يا سفيه بني غالب انتهى غزوة بني قريظة
وهم قوم من اليهود بالمدينة من حلفاء الأوس وسيد الأوس حينئذ سعد بن معاذ رضي الله عنه كما تقدم
لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وكان وقت الظهيرة أي وقد صلى الظهر ودخل بيت عائشة رضي الله عنها وقيل زينب بنت جحش رضي الله عنها ودعا بماء فبينما هو صلى الله عليه وسلم يغتسل أي غسل شق رأسه الشريف وفي رواية بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغسل برجل رأسه قد رجل أحد شقيه أي وفي رواية غسل رأسه واغتسل ودعا بالمحمرة ليتبخر أتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم معتجرا بعمامة أي سوداء من استبرق وهو نوع من الديباج مرخيا منها بين كتفيه وفي رواية عليه لامته
____________________

ولا معارضة لأنه يجوز أن يكون الاعتجار بالعمامة على تلك اللامة وهو على بغلة أي شهباء عليها قطيفة وهي كساء له وبر من ديباج أي احمر
وفي رواية جاءه على فرس أبلق فقال أو قد وضعت السلاح يا رسول الله قال نعم قال جبريل عليه السلام ما وضعت السلاح وفي روايه ما وضعت ملائكة الله السلاح بعد قال وفي رواية أنه قال يا رسول الله ما أسرع ما حللتم عذيرك من محارب عفا الله عنك أي من يعذرك وفي لفظ غفر الله لك أو قد وضعم السلاح قبل أن تضعه الملائكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال فوالله ما وضعناه وفي لفظ ما وضعت الملائكة السلاح منذ نزل بك العدو وما رجعنا الآن إلا من طلب القوم يعني الأحزاب حتى بلغنا الأسد انتهى أي جراء الأسد إن الله يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة فإني عامد اليهم زاد في رواية بمن معي من الملائكة فمزلزل بهم الحصون زاد في رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في أصحاب جهدا فلو نظرتهم أياما فقال جبريل عليه السلام إنهض إليهم فو الله لأذقنهم كدق البيض على الصفا ولأدخلن فرسي هذا عليهم في حصونهم ثم لأضعضعنها فأدبر جبريل عليه السلام ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم وهم طائفة من الأنصار
وفي البخاري عن أنس قال كأني انظر على الغابر ساطعا في زقاق بني غنم موكب جبريل عليه السلام حين سار لبني قريظة والموكب بكسر الكاف اسم لنوع من السير
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بينا هو عندي إذ دق الباب أي وفي رواية نادى مناد أي في موضع الجنائز عذيرك من محارب أي من يعذرك فارتاع لذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أي فزع ووثب وثبة منكرة وخرج فخرجت في أثره فإذا رجل على دابة والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ على معرفة الدابة يكلمه فرجعت فلما دخل قلت من ذلك الرجل الذي كنت تكلمه قال ورأيته قلت نعم قال بمن تشبهينه قلت بدحية الكلبي قال ذاك بكسر الكاف جبريل عليه السلام أمرني أن أمضي إلى بني قريظة أي وهذا يؤيد أنه صلى الله عليه وسلم كان عند منصرفه من الخندق
____________________

في بيت عائشة وأبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا أي وهو بلال كما في سيرة الحافظ الدمياطي فأذن في الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر أي وفي رواية الظهر إلا ببني قريظة
قال في النور والجمع بينهما أن الأمر بعد دخول وقت الظهر بالمدينة وقد صلى بعضهم دون بعض فقيل للذين لم يصلوا الظهر لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة وقيل للذين صلوها لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة
وفي رواية بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ مناديا يا خيل الله أي يا فرسان خيل الله اركبي ثم سار اليهم قال وقد لبس صلى الله عليه وسلم السلاح والدرع والمغفر والبيضة وأخذ قناة بيده الشريفة وتقلد السيف وركب فرسه اللجيف بالضم وقيل ركب حمارا وهو اليعفور عريانا والناس حوله قد لبسوا السلاح وركبوا الخيل وهم ثلاثة آلاف والخيل ستة وثلاثون فرسا له صلى الله عليه وسلم منها ثلاثة واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله تعالى عنه وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه برايته إلى بني قريظة
أي وفي رواية دفع إليه لواءه وكان اللواء على حاله لم يحل من مرجعه من الخندق ومر صلى الله عليه وسلم بنفر من بني النجار قد لبسوا السلاح فقال هل مر بكم أحد قالوا نعم دحية الكلبي مر على بغلة بيضاء
أي وفي رواية على فرس أبيض عليه اللامة وأمرنا بحمل السلاح وقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلع عليكم الآن فلبسنا سلاحنا وصففنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك جبريل عليه السلام بعث إلى بني قريظة ليزلزل حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم
فلما دنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من الحصن أي ومعه نفر من المهاجرين والانصار وغرز اللواء عند أصل الحصن سمع من بني قريظة مقالة قبيحة في حقه صلى الله عليه وسلم أي وحق ازواجه أي فسكت المسلمون وقالوا السيف بيننا وبينكم فلما رأى علي كرم الله وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا أمر أبا قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن يلزم اللواء ورجع إليه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لا عليك أن لا تدنوا من هؤلاء الأخابث قال لعلك سمعت منهم لي أذى قال نعم يا رسول الله قال لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا
____________________


فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال يا أخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته قال وفي رواية نادى بأعلى صوته نفرا من أشرافهم حتى أسمعهم وقال اجيبوا يا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطاغوت أي وهو ما عبد من دون الله كما تقدم هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته أتشتموني فجعلوا يحلفون ويقولون ما قلنا ويقولون يا أبا القاسم ما كنت جهولا أي وفي لفظ ما كنت فاحشا وفي رواية تقدمه صلى الله عليه وسلم إلى يهود أسيد بن حضير رضي الله عنه فقال لهم يا أعداء الله لا تبرحوا من حصنكم حتى تموتوا جوعا إنما أنتم بمنزلة ثعلب في جحر فقالوا يا ابن الحضير نحن مواليكم وخاروا أي خافوا قال لا عهد بين وبينكم وتقدم أسيد إلى بني قريظة يجوز أن يكون قبل مقدم علي عليهم ويجوز أن يكون بعده
وإنما قال لهم يا اخوان القردة والخنازير لان اليهود مسخ شبانهم قردة وشيوخهم خنازير عند اعتدائهم يوم السبت بصيد السمك وقد حرم عليهم ذلك كسائر الأعمال وقد أمرهم أن يتفرغوا لعبادة ربهم في ذلك اليوم وكان ذلك في زمن داود عليه السلام فلما مسخوا خرجوا من تلك القرية هائمين على وجوههم متحيرين فمشوا ثلاثة أيام لا يأكلون ولا يشربون ثم ماتوا وهذا دليل لمن يقول إن المسوخ لا يعيش أكثر من ثلاثا أيام ولم يحصل منه توالد ولا تناسل
وفي الكشاف قيل إن أهل أيلة أي وهي قربة بين مصر ومدين لما اعتدوا في السبت قال داود عليه الصلاة والسلام اللهم العنهم واجعلهم للناس آية فمسخوا قردة
ولما كفر اصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام بعد المائدة قال عيسى اللهم عذب من كفر بعد ما أكل من المائدة عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين والعنهم كما لعنت أصحاب السبت فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل مافيهم امرأة ولا صبي هذا كلامه فليتأمل فمكثو ثلاثة ايام لا يأكلون ولا يشربون فماتوا
ثم إن جماعة من الصحابة شغلهم ما لم يكن لهم منه بد عن المسير لبني قريظة ليصلوا بها العصر فأخروا صلاة العصر إلى أن جاءوا بعد عشاء الآخرة امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم لا يصلين العصر إلا في بني قريظة فصلوا العصر بها بعد عشاء الآخرة أي وبعضهم قال نصلي ما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم منا أن ندع الصلاة ونخرجها عن وقتها وإنما أراد الحث على الإسراع فصلوها في أماكنهم ثم ساروا فما عابهم الله في كتابه ولا عنفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لأن كلا من الفريقين تأول
____________________


قال في الهدى كل من الفريقين مأجور بقصده إلا أن من صلى حاز الفضيلتين ولم يعنف الذين أخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر وهو دليل على أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب
وادعى ابن التين رحمه الله أن الذين صلوا العصر صلوها على ظهور دوابهم قال لأنهم لو صلوا نزولا لكان مضادة لما أمروا به من الإسراع ولا يظن ذلك مع تقرب أفهامهم قال الحافظ ابن حجر رحمة الله وفيه نظر لأنه لم يأمرهم بترك النزول ولم أر أنهم صلوا ركبانا في شيء من طرق القصة والتعليل بالإسراع يقتضي أنهم صلوا على ظهور دوابهم سائرة ولا واقفة
وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة خمسا وعشرين ليلة وقيل خمسة عشرة يوما أي وقيل شهرا وكان طعام الصحابة التمر يرسل به إليهم سعد بن عبادة رضي الله عنه أي يجاء به من عنده وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ نعم الطعام التمر حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب وكان حي بن أخطب دخل مع بني قريظة حصنهم حين رجعت الاحزاب وفاء لكعب بما كان عاهده عليه أي كما تقدم فلما أيقنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم أي يقاتلهم قال كبيرهم كعب بن أسيد يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا أيها شئتم قالوا وما هي قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل وأنه الذي تجدونه في كتابكم فتأمنون على دمائكم وأموالكم ونسائكم وأبنائكم قال وزاد في لفظ آخر وما منعنا من الدخول معه إلا الحسد للعرب حيث لم يكن من بني اسرائيل ولقد كنت كارها لنقض العهد ولم يكن البلاء والشؤم إلا من هذا الجالس يعني حي بن أخطب أتذكرون ما قال لكم ابن خراش حين قدم عليكم إنه يخرج بهذه القرية نبي فاتبعوه وكونوا له انصارا وتكونوا آمنتم بالكتابين الأول والآخر ا هـأي التوراة والقرآن
أي وكانت يهود بني قريظة يدرسون ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبهم ويعلمون الولدان صفته وأن مهاجره المدينة
وفيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانت يهود بني قريظة وبني النضير وفدك
____________________

وخيبر يجدون صفة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث وأن دار هجرته المدينة ولما قال لهم كعب ذلك قالوا لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره قال كعب فإذا أبيتم على هذه فهلم فانقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد واصحابه رجالا مصلتين السيوف ولم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بييننا وبين محمد فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا وراءنا نسلا أي ولدا يخشى عليه وإن نظفر فلعمري لنجدن النساء والأبناء قالوا نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم قال فإن أبيتم على هذه فإن الليلة ليلة السبت وأن عسى أن يكون محمد واصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة أي غفلة فقالوا نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت وأصابه مالم يخف عليك من المسخ قال وقال لهم عمرو بن سعد قد خالفتم محمدا فيما حالفتموه أي عاهدتموه عليه ولم أشكركم في غدركم فإن أبيتم أن تدخلوا معه فاثبتوا على اليهودية وأعطوا الجزية فوالله ما أدري يقبلها أم لا قالوا نحن لا نقر للعرب بخراج في رقابنا يأخذونه القتل خير من ذلك قال فإني بريء منكم وخرج في تلك الليلة فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة فقال محمد بن مسلمة من هذا قال عمرو بن سعدي قال مر اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام وخلى سبيله وبعد ذلك لم يدر أين هو وقل وجدت رمته وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره فقال ذلك رجل نجاه الله بوفاته
وفي لفظ أنه قال لهم قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم لحصارهم يا بني قريظة لقد رأيت عبرا رأيت دار إخواننا يعني بني النضير خالية بعد ذلك العز والخلد والشرف والرأي الفاضل والعقل تركوا أموالهم قد تملكها غيرهم وخرجوا خروج ذل لا والتوراة ما سلط هذا على قوم قط ولله بهم حاجة وقد أوقع ببني قينقاع وكانوا أهل عدة وسلاح ونخوة فلم يخرج أحد منهم رأسه حتى سباهم فكلم فيهم فتركهم على إجلائهم من يثرب يا قوم قد رأيتم ما رأيتم فأطيعوني وتعالوا نتبع محمدا فوالله إنكم لتعلمون أنه نبي وقد بشرنا به علماؤنا ثم لا زال يخوفهم بالحرب والسبي والجلاء ثم أقبل على كعب بن أسيد وقال والتوراة التي انزلت على موسى عليه السلام يوم طور سيناء إنه للعز والشرف في الدنيا
فبينما هم على ذلك لم يرعهم إلا مقدمة النبي صلى الله عليه وسلم قد حلت بساحتهم
____________________

فقال هذا الذي قلت لكم أي وبعد الحصار قيل أرساوا بنباش بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو النضير من أن لهم ما حملت الإبل إلا الحلقة فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويسلم لهم نساءهم والذرية فارسلوه ثانيا بأنه لا حاجة لهم بشيء من الأموال لا من الحلقة ولا من غيرها فابى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاد نباش إليهم بذلك ا هـثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا أبا لبابة أي وهو رفاعة بن المنذر لنستشيره في أمرنا أي لأنه كان من حلفاء الأوس وبني قريظة منهم
وفي لفظ وكان ابو لبابة مناصحا لهم لأن ماله وولده وعياله كانت في بني قريظة فارسله صلى الله عليه وسلم إليهم فلما رأوه قام اليه الرجال وجهش أي أسرع اليه النساء والصبيان يبكون في وجهه من شدة المحاصرة وتشتيت ما لهم فرق لهم وقال يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده إلى حلقه أي إنه الذبح
أي وفي لفظ ما ترى إن محمدا قد أبى أن لا ينزل إلا على حكمه قال فانزلوا وأومأ إلى حلقه
ويروى انهم قالوا له ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ فأومأ أبو لبابة بيده إلى حلقه أنه الذبح فلا تفعلوا قال ابو لبابة رضي الله عنه فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني خنت الله ورسوله أي لأن في ذلك تنفيرا لهم عن الانقياد له صلى الله عليه وسلم ومن ثم أنزل الله فيه { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول } الآية أي وقيل نزل { وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم } الآية وهذ أثبت من الأول وقد يقال كلاهما نزل فيه تلك الآية في توجه اللوم عليه وهذه في توبته
لا يقال هي ليست نصا في توبة الله عليه لأنا نقول الترجي في حقه تعالى أمر محقق
وعن ابي لبابة رضي الله عنه لما ارسلت بنو قريظة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يرسلني إليهم دعاني قال اذهب إلى حلفائك فانهم ارسلوا اليكم من بين
____________________

الأوس فذهبت إليهم فقام كعب بن اسيد فقال يا ابا بشير قد عرفت ما بيننا وقد اشتد علينا الحصار وهلكنا ومحمد لا يفارق حصننا حتى ننزل على حكمه فلوا زال عنا لحقنا بأرض الشام أو خيبر ولم نطأ له أرضا ولم نكثر عليه جمعا أبدا أما ترى قد اخترناك على غيرك أننزل على حكم محمد قال ابو لبابة نعم فانزلوا وأومأ إلى حلقه بالذبح قال فندمت واسترجعت فقال لي كعب مالك يا ابا لبابة فقلت خنت الله ورسوله فنزلت وإن عيني لتسيل من الدموع ثم انطلق ابو لبابة على وجهه فلم يات رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتبط بالمسجد إلى عمود من عمده أي وهي السارية ويقال لها الاسطوانة وهي التي كانت عند باب ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في حر شديد وقيل الأسطوانة المخلقة التى يقال لها أسطوانة التوبة والأول أثبت وكانت تلك الأسطوانة أكثر تنقله صلى الله عليه وسلم عندها وكان ينصرف إليها من صلاة الصبح فكان يستبق إليها الفقراء والمساكين ومن لا بيت له إلا المسجد فيجئ اليهم صلى الله عليه وسلم ويتلوا عليهم ما أنزل من ليلته ويحدثهم ويحدثونه وكان ارتباطه بسلسلة ريوض أي ثقيلة وقال والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب اله علي مما صنعت وعاهد الله أن لا يطأ بني قريظة أبدا ولا يرى في بلد خان الله ورسوله فيه أبدا فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره كان استبطأه قال اما لو جاءني لاستغفرت له وأما إذ فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه حتى يتوب الله عليه
هذا وفي كلام البيهقي وأورده في الدر أن ارتباطه إنما كان لتخلفه عن تبوك فقد ذكر أنه لما أشار بيده إلى حلقه وأخبر عنه صلى الله عليه وسلم بذلك قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسبت أن الله غفل عن يدك حيث تشير إليهم بها إلى حلقك فلبث حينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عاتب عليه ثم لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك كان ابو لبابة فيمن تخلف فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي رجع جاءه أبو لبابة يسلم عليه فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزع أبو لبابة وارتبط بالسارية
واستغرب ذلك بعضهم فقال وأغرب من ادعى أن أبا لبابة إنما فعل ذلك لتخلفه عن غزوة تبوك
ثم إن بني قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فامر بهم فكتفوا
____________________

وجعلوا ناحية وكانوا ستمائة وقيل سبعمائة وخمسين مقاتلا وهو الذي تقدم عن حيي ابن خطب
ولا يخالف هذا ما قيل إنهم كانوا بين الثمانمائة والسبعمائة وقيل كانوا أربعمائة مقاتل
ولا يخالف ما قبله لأنه يجوز أن يكون ما زاد على ذلك كانوا أتباعا لا يعدون واخرج النساء والذراري من الحصون وجعلوا ناحية أي وكانوا ألفا واستعمل عليهم عبد الله بن سلان فتواثب الأوس وقالوا يا رسول الله موالينا وحلفاؤنا وقد فعلت في موالي إخواننا بالامس ما قد فعلت يعنون بني قينقاع لأنهم كانوا حلفاء الخزرج ومن الخزرج عبد الله بن أبي بن سلول وقد نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم وقد كلمه فيهم عبد الله بن أبي بن سلول فوهبهم له على أن يجلوا كما تقدم أي فظنت الأوس من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهب لهم بني قريظة كما وهب بني قينقاع للخزرج فلما كلمته الأوس أبى أن يفعل ببني قريظة ما فعل ببني قينقاع ثم قال لهم أما ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى فقال فذلك إلى سعد بن معاذ أي وقيل إنه صلى الله عليه وسلم قال لهم اختاروا من شئتم من اصحابي فاختاروا سعد بن معاذ أي وهو رضي الله عنه سيد الأوس حينئذ كما تقدم وقيل إنهم قالوا ننزل على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه فرضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وكان سعد بن معاذ رضي الله عنه يومئذ في المسجد في خيمة رفيدة رضي الله عنها وقد كان صلى الله عليه وسلم قال لقوم سعد بن معاذ حين أصابه السهم بالخندق اجلعوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قرب أي لأن رفيدة رضي الله عنها كان لها خيمة في المسجد تداوي فيها الجرحى من الصحابة ممن لم يكن له من يقوم عليه فأتاه قومه فحملوه على حمار ثم أقبلوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون له يا أبا عمرو أحسن في مواليك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم بأحسن فيهم فقد رأيت ابن أبي وما صنع في حلفائه وهو ساكت فلما اكثروا عليه قال رضي الله عنه لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فقال بعضهم واقوماه
فلما انتهى سعد رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين وهم حوله جلوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم أي زاد في رواية
____________________

فانزلوه فقال عمرو رضي الله عنه السيد هو الله وفي رواية إلى خيركم أي معاشر المسلمين من المهاجرين والأنصار أو معاشر الانصار فقاموا اليه فقالوا يا ابا عمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم وفي رواية فقمنا صفين يحييه كل رجل منا حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكم فيهمي يا سعد فقال الله ورسوله أحق بالحكم قال قد أمرك الله أن تحكم فيهم فقال سعد أي لمن في الناحية التي ليس فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم كما حكمت قالوا نعم قال وعلى من ههنا مثل ذلك وأشار إلى الناحية التى فيها رسول الله وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم أي وفي لفظ فقال سعد لبني قريظة أترضون بحكمي قالوا نعم فأخذ عليهم عهد الله وميثاقه أن الحكم ما حكم به قال سعد فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وفي لفظ أن يقتل كل من جرت عليه الموسى وتغنم الاموال وتسبى الذراري والنساء زاد بعضهم وتكون الديار للمهاجرين دون الانصار فقالت الأنصار إخواننا يعنون المهاجرين لنا معهم فقال إني أحببت ان يستغنوا عنكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة ارقعة أي السموات السبع قيل سميت بذلك لانها رقعت بالنجوم
وجاء في الصحيح من فوق سبع سموات والمراد أن شأن هذا الحكم العلو والرفعة قد طرقني بذلك الملك سحرا
ثم أمر صلى الله عليه وسلم أن يجمع ما وجد في حصونهم من الحلقة والسلاح وغير ذلك فجمع فوجد فيها ألف وخمسائمة سيف وثلثمائة درع وألفى رمح وخمسمائة ترس وحجفة ووجد أثاثا كثيرا وآنية كثيرة وأجمالا نواضح أي يسقى عليها الماء وماشية وشياها كثيرة وخمس ذلك أي مع النخل والسبي حتى الرثة وهو السقط من امتعة البيت خمسة أجزاء ففض أربعة أسهم على الناس فجعل الفارس ثلاثة أسهم أي سهم له وسهمان لفرسه والراجل سهما قال بعضهم وهو أول فيء وقعت فيه السهام ورضخ للنساء اللاتي حضرن القتال وهن صفية عمته صلى الله عليه وسلم وأم عمارة وأم سليط وأم العلاء والسميراء بنت قيس وأم سعد بن معاذ وكبشة بنت رافع
____________________

ولم يسهم لهن وأخذ هو صلى الله عليه وسلم جزءا وهو الخمس وعبارة بعضهم وهو اول فيء وقعت فيه السهمان وخمس أي جزئ خمسة أجزاء وكتب في سهم لله ثم أخذ ذلك السهم الذي خرج عليه وعلى سنته مضت قسمة الغنائم
وفي كون هذا أول في جرت فيه السهمان نظر إنما كان ذلك في بني قينقاع فان الفيء الحاصل منهم خمس خمسة أخماس أخذ صلى الله عليه وسلم واحدا والأربعة لأصحابه أي ووجد جرار خمر فأهريق ولم يخمس وهذ يدل على أن الخمر كانت محرمة قبل ذلك
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالأسارى أن يكونوا في دار أسامة بن زيد رضي الله عنهما والنساء والذرية في دار ابنة الحارث النجارية أي لأن تلك الدار كانت معدودوة لنزول الوفود من العرب
وقيل في دار كبشة بنت الحرث بن كريز كانت تحت مسيلمة الكذاب ثم خلف عليها عبد الله بن عامر بن كريز وهذه إنما نزل في دارها وفد بني حنيفة كما سيأتي وبالمتاع أن يحمل وترك المواشي هناك ترعى الشجر
ثم غدا صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم خرج إلى سوق المدينة فخندق فيها خنادق أي حفر فيها حفائر ثم أمر بقتل كل من أنبت فبعث اليهم فجاءوا إليه أرسالا تضرب أعناقهم ويلقون في تلك الخنادق وقد قال بعضهم لسيدهم كعب بن أسيد يا كعب ما تراه يصنع بنا قال في كل موطن لا تعقلون أما ترون أن من ذهب منكم لا يرجع هو والله القتل قد دعوتكم إلى غير هذا فأبيتم علي قالوا ليس حين عتاب فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله لى أي وذلك ليلا على شعل السعف
ثم رد عليهم التراب في تلك الخنادق وعند قتلهم صاحت نساؤهم وشقت جيوبها ونشرت شعورها وضربت خدودها وملأت المدينة نواحا
وكن من جملة من أتى معهم عدو الله حيي بن أخطب مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألم يمكن الله منك يا عدو الله قال بلى أبي الله إلا تمكينك مني أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل
____________________


وفي كلام السهيلي رحمه الله أنه صلى الله عليه وسلم لما قال له ألم يكن الله منك فقال بلى ولقد قلقنا كل مقلقل ولكنه من يخذلك يخذل فقوله يخذلك كقول الآخر في البيت ولكنه من يخذل الله يخذل لأنه إنما نظم في البيت كلام حي
ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إنه لا با س بأمر الله كتاب وقدر وملحمة أي قتال كتب الله على بني اسرائيل ثم جلس فضربت عنقه قال ولما أت بكعب ابن اسيد سيد بني قريظة قال له النبي صلى الله عليه وسلم يا كعب قال نعم يا ابا القاسم قال ما انتفعتم بنصح بن خراش لكم وكان مصدقا بي أما امركم باتباعي وأن رأيتموني تقرءوني منه السلام قال بلى والتوراة يا أبا القاسم ولولا ان تعيرني يهود بالجزع من السيف لاتبعتك ولكنه على دين يهود فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقدم فيضرب عنقه ففعل به ذلك أي وكان المتولي لقتلهم علي بن ابي طالب كرم الله وجهه والزبير بن العوام رضي الله عنه
أقول في الإمتاع وجاء سعد بن عبادة والحباب بن المنذر فقالا يا رسول الله إن الأوس قد كرهت قتل بني قريظة لمكان حلفهم فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه ما كرهه أحد من الأوس فيه خير فمن كرهه فلا أرضاه الله فقام أسيد بن حضير فقال يا رسول الله لا تبق دارا من دور الاوس إلا فرقتهم فيها ففرقهم في دور الانصار فقتلوهم هذا كلامه والضمير في قتلوهم ظاهر في رجوعه للأوس وأنهم المراد بالانصار
وقد يقال لا مخالة لانه يجوز أن يكون المراد بالأوس الذين كرهوا ذلك طائفة منهم وأن تلك الطائفة قتلوا من بعث به إلى دورهم وما عدا ذلك تعاطى قتله علي والزبير والله اعلم
ولم يقتل من نسائهم إلا امراة واحد أخرجت من بين النساء يقال لها نباتة وقيل مزنة كانت طرحت رحى على خلاد بن سويد رضي الله عنه فقتلته بارشاد زوجها لأنه أحب أن لا تبقى بعده فيتزوجها غيره
وقد أسهم صلى الله عليه وسلم لخلاد بن سويد هذا وقال إن له أجر شهيدين وأسهم لسنان بن محصن وقد مات في زمن الحصار
وعن عائشة رضي الله عنها قالت لم يقتل من نسائهم يعني بني قريظة إلا امرأة
____________________

واحدة قالت والله إنها لعندي تتحدث معي وتضحك ظهرا وبطنا أي وكانت جارية حلوة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجلها في السوق أي لأنها دخلت على عائشة وبنو قريظة يقتلون إذ هتف هاتف باسمها أين نباته قالت انا والله قالت عائشة فقلت لها ويلك مالك قالت أقتل قلت ولم قالت لحدث أحدثته أي وفي لفظ قتلني زوجي فقالت لها عائشة كيف قتك زوجك قالت أمرني أن ألقي رحى على أصحاب محمد كانوا تحت الحصن مستظلين في فيئة فأدركت خلاد بن سويد فشدخت رأسه فمات وأنا قتل به
وفي لفظ آخر إني كنت زوجة رجل من بني قريظة وكان بيني وبينه كاشد ما يتحاب الزوجان فلما اشتد امر المحاصرة قلت لزوجي يا حسرتي على أيام الوصال كادت أن تنقضي وتتبدل بليالي الفراق وما أصنع بالحياة بعدك فقال زوجي إنك صادقة في دعوة المحبة تعالي فإن جماعة من المسلمين جالسون في ظل حصن قال الزبير بن بطا وهو بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة فألقى عليهم حجر الرحا لعله يصيب واحدا منهم فيقتله فإن ظفروا بنا فإنهم يقتلونك بذلك ففعلت قالت فانطلق بها فضرب عنقها فكانت عائشة رضي الله عنها تقول والله ما ألقى عجبا منها طيب نفسها وكثرة ضحكها وقد عرفت أنها تقتل
وكان في بني قريظة الزبير بن بطا وهو جد الزبير بن ابنه عبد الرحمن وهو بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة كإسم جده وقيل بضم الزاي وفتح المثناة وهو قول البخاري في التاريخ وكان شيخا كبيرا وكان قد من على ثابت بن قيس في الجاهلية يم بغاث وهي حرب التي كانت بين الأوس والخزرج قبل قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة وكان الظفر فيها للأوس على الخزرج آخرا كما تقدم أخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله فجاء ثابت رضي الله عنه للزبير فقال له يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني قال فهل يجهل مثلي مثلك قال إني أردت أن اجزيك بيدك عندي إن الكريم يجزي الكريم وأحوج ما كنت إليك اليوم وعبد الرحمن هذا هو الذي تزوج امرأة رفاعة وشكته للنبي صلى الله عليه وسلم بأن الذي معه كهدية الثوب وأحبت طلاقه لها
ثم أتى ثابت رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه كان للزبير علي منة وقد أحببت أن أجزيه بها فهب لي دمه فقال رسول الله صلى الله عليه
____________________

وسلم هو لك فأتاه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك فهولك فقال شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة قال ثابت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله بابي أنت وأمي امرأته وولده فقال هم لك قال فأتيته فقلت قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك وولدك فهم لك فقال أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك قال فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ماله قال هو لك فاتيته فقلت له قد اعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك فهو لك فقال أي ثابت أما أنت فقد كافأتني وقد قضيت الذي عليك ما فعل بالذي كان وجهه مرآة مضيئة تتراءى منها عذارى الحي كعب بن اسد أي سيد بني قريظة قلت قتل قال فما فعل بسيد الحاضر والبادي أي من يحملهم في الجدب ويطعمهم في المحل حي بن أخطب قلت قتل قال فما فعل بمقدمتنا بكسر الدال مشددة إذا شددنا وحامينا إذا فررنا عزال بالعين المهملة وتشديد الزاي ابن سمؤال بالسين المهملة مفتوحة ومكسورة قلت قتل قال فما فعل المجلسان بكسر اللام محل الجلوس وبفتحها المصدر يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة قلت قتلا وفي لفظ قتلوا قال فإني أسألك يا ثابت بيدك عندي إلا ألحقني بالقوم فوالله ما بالعيش بعد هؤلاء من خير أأرجع إلي دار قد كانوا حلولا فيها فأخلد فيها بعدهم لا حاجة لي فما أنا صابر لله إفراغة لدو ناضح أي مقدار الزمن الذي يفرغ فيه ماء الدلو وفي رواية فتلة دلو ناضح بالفاء والتاء مثناة فوق وقيل بالقاف والباء الموحدة أي مقدار ما يتناول المستسقى للدلو حتى ألقى الأحبة قال ثابت فقدمته فضربت عنقه
أي وقيل إن ثابتا رضي الله عنه قال له ما كنت لاقتلك فقال لا أبالي من قتلني فقتله الزبير بن العوام رضي الله عنه
ولما بلغ أبي بكر رضي الله عنه مقالته ألقى الأحبة قال يلقاهم والله في نار جهنم خالد فيها مخلدا
قال في الأصل وذكر أبو عبيدة هذ الخبر وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لك أهله وماله إن أسلم أي ولم يسلم فكان أهله وماله من جملة الفيء وكان القتل لكل من أنبت ولم ينبت يكون في السبي
قال عطية القرظي رضي الله عنه كنت غلاما فوجدني لم أنبت فخلا سبيلي أي عن
____________________

القتل وكان رفاعة قد أنبت فأرادوا قتله فلاد بسلمى بنت قيس أم المنذر وكانت إحدى خالاته صلى الله عليه وسلم أي خالات جده عبد المطلب لأنها من بني النجار فقالت بأبي وأمي يا رسول الله هب لي رفاعة فوهبه لها أي فأسلم
وقرت عين سعد بن معاذ رضي الله عنه بقتل بني قريظة حيث استجاب الله دعوته فإنه سأل الله تعالى لما اصيب بالسهم في الخندق وقال لا تمتنى حتى تقر عيني من بني قريظة كما تقدم
أي وفي بعض الروايات أن دعاءه رضي الله عنه بذلك كان في الليلة التي في صبيحتها نزلت بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تقدم عن بعض الروايات
أي ويجوز أن يكون رضي الله عنه دعا بذلك مرتين وفي لفظ فدعا الله أن لا يميته حتى يشفى صدره من بني قريظة
ويمكن أن يكون صاحب الهمزية رحمه الله أشار إليه سب بني قريظة له صلى الله عليه وسلم ونهى بعض اشرافهم لهم عن نقضهم العهد الذي كان بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم الذي سببه حي بن خطب لعنه الله واغترارهم بالأحزاب بقوله ** وتعدوا إلى النبي حدودا ** كان فيها عليم العدواء ** ** واطمأنوا بقول الأحزاب إخوا ** نهم إننا لكم أولياء ** ** وبيوم الأحزاب إذ زاغت ال ** أبصار فيه وضلت الأراء ** ** وتعاطوا في أحمد منكر القو ** ل ونطق الأراذل العوراء ** ** كل رجس يزيده الخلق السو ** ء سفاها والملة العوجاء ** ** فانظروا كيف كان عاقبة القو ** م وما ساق للبذي البذاء ** ** وجد السب فيه سما ولم يد ** ر إذ الميم في مواضع باء ** ** كان من فيه قتله بيديه ** فهو من سوء فعله الزباء ** ** أو هو النحل قرصها يجلب الح ** تف إليها وماله إنكاء **
أي ولما انقضى شأن بني قريظة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم فكان كذل وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك بعد انقضاء الأحزاب وانفجر جرح سعد بن معاذ أي الذي في يده وسال الدم واحتضنه صلى الله عليه وسلم فجعلت الدماء تسيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

فمات منه وحمل إلى منزله ولم يعلم صلى الله عليه وسلم بموته فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم من الليل معتجرا بعمامة من استبرق فقال يا محمد من هذا العبد الصالح وفي لفظ من هذا الميت التي فتحت له ابوب السماء واهتز له العرش وفي رواية عرش الرحمن أي فتحت أبواب السماء لصعود روجه واهتز العرش أي تحرك فرحا بذلك وقال النووي اهتزاز العرش هو فرح الملائكة بقدوم روحه
وفيه أنه هذا لا يحتاج اليه إلا لو كان تحرك العرش مستحيلا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا يجر ثوبه إلى سعد بن معاذ فوجده قد مات
وعن سلمة بن أسلم بن حريش رضي الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في البيت أحد إلا سعدا مسجي فرأيته يتخطى وأومأ صلى الله عليه وسلم إلى قف فوقفت ورددت من ورائي وجلس صلى الله عليه وسلم ساعة ثم خرج فقلت يا رسول الله ما رأيت أحدا ورأيتك تتخطى فقال ما قدرت على مجلس حتى قبض لي ملك من الملائكة أحد جناحيه
أقول قد وقع له صلى الله عليه وسلم نظير ذلك عند تشييعه لجنازة ثعلبة بن عبد الرحمن الأنصاري رضي الله عنه فإنه صار يمشي على أطراف أنامله فلم ادفن قيل يا رسول الله رأيناك تمشي على أطراف أناملك قال والذي بعثني بالحق ما قدرت أن أضع قدمي من كثرة ما نزل من الملائكة لتشييعه وقصته مذكوة في السيرة الشامية
ولما حملوا نعش سعد رضي الله عنه وكان جسيما وجدوا له خفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن له حملة غيركم أي من الملائكة لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا سعدا أي جنازته ومنهم جملة ماوطئوا الأرض إلا يومهم هذا وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كنت ممن حفر لسعد رضي الله عنه قبره فكان يفوح علينا المسك كلما حفرنا قبره من تراب
وجاء لو كان أحد ناجيا من ضمة القبر لنجا منا سعد ضم ضمة ثم فرج الله عنه وعن جابر بن عبد اله رضي الله عنهما قال لما دفن سعد رضي الله عنه ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبح الناس معه ثم كبر فكبر الناس معه فقالوا يا رسول لم سبحت أي وكبرت قال لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى فرجه الله عنه
____________________


وجاء إن بعض أهل سعد رضي الله عنه سئل ما بلغكم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في سبب تضايق القبر على سعد كما يرشد إليه جوابهم بقولهم فقالوا ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال كان يقصر في بعض الطهور من البول بعض التقصير وهذا قد يخالف ما في الخصائص الصغرى وخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لا يضغط في قبره وكذلك الانبياء عليهم الصلاة والسلام ولم يسلم من الضغطة صالح ولا غيره سواهم وكذا ما في التذكرة للقرطبي إلا فاطمة بنت أسد ببركته صلى الله عليه وسلم أي حيث اضطجع صلى الله عليه وسلم في قبرها ويحتاج للجمع بينه وبين ما في الخصائص
وجاء عن عائشة رضي الله عنها رضي الله عنه أنها قالت يا رسول الله ما انتفعت بشيء منذ سمعتك تذكر ضغطة القبر وضمته فقال يا عائشة إن ضغطة القبر على المؤمن كضمة الأم الشفيقة يديها على رأس ابنها يشكو إليها الصداع وضرب منكر ونكير عليه كالكحل في العين ولكن يا عائشة ويل للشاكين الكافرين أولئك الذين يضغطون في قبورهم ضغطا يقبض على الصخر أي وحينئذ يكون المراد بالمؤمن الذي هذا شأنه الذي لم يحصل منه تقصير فلا ينافي ما تقدم عن سعد فليتأمل وقد روى البيهقي رحمه الله أنه صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ رضي الله عنه بين العمودين وبه استدل أئمتنا على أن ذلك أفضل من حمل الجنازة بالتربيع الذي اعتاده الناس الآن
ومشى صلى الله عليه وسلم أمام جنازته ثم صلى عليه وجاءت أمه رضي الله عنها ونظرت إليه في اللحد وقالت أحتسبك عند الله وعزاها رسول الله وهو واقف على قدميه على القبر فلما سوى التراب على قبره رش عليه الماء ثم وقف صلى الله عليه وسلم ودعا ثم انصرف وناحت عليه امه فقال صلى الله عليه وسلم كل ناحئة تكذب إلا نائحة سعد بن معاذ رضي الله عنه أي فإنه رضي الله عنه موصوف بكل ما يقال فيه من الأوصاف الحسنة بخلاف غيره
وبعث صاحب دومة الجندل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة من سندس كما سيأتي فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم يعجبون من تكل الجبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن يعني من هذا ومن المعلوم أن المنديل أدنى الثياب لأنه معد للامتهان فثيابه رضي الله عنه في الجنة أعلى وأغلى وقد
____________________

وهب صلى الله عليه وسلم تلك الجبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ونزلت توبة أبي لبابة رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة رضي الله عنها قالت أم سلمة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر يضحك قالت فقلت مم تضحك يا رسول الله أضحك الله سنك قال تيب علي أبي لبابة قالت قلت أفل أبشره يا رسول الله قال بلى إن شئت فقامت على باب حجرتها قيل وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب وهو لا يناسب ما تقدم في قصة الإفك فقالت يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك قال فثار الناس إليه ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده الشريفة
وقيل المبشر له عائشة رضي الله تعالى عنها فلما مر صلى الله عليه وسلم على ابي لبابة خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه
وجاء ان فاطمة رضي الله عنها أرادت إطلاقه فأبى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاطمة بضعة مني أي وظاهر هذا أنه رضي الله عنه كان يبر بإطلاق سيدتنا فاطمة رضي الله عنها له فليتأمل
وقد أقام مربوطا ست ليالي أي أو سبع ليال وقيل سبع عشرة ليلة وقيل خمس عشرة ليلة وعليه اقتصر في الامتاع وكان تأتيه امرأته أو بنته في وقت كل صلاة فتحله للصلاة وكذا إذا أراد حاجة الإنسان ثم يعود فيربط بالعمود حتى كاد يذهب سمعه وبصره ولا مانع أن امرأته وبنته كانتا تتناوبان في ذلك
أي وجاء أنه رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم من تمام توبتي أن أهجر دار قوم أصبت فيها الذنب وفيه أنه تقدم أنه عاهد الله على ذلك قال وأن أنخلع من مالي فقال له عليه الصلاة والسلام يجزيك الثلث أي تتصدق به أي ولم يأمره صلى الله عليه وسلم أن يهجر تلك الدار والجمع بينه وبين ما تقدم من أنه عاهد الله أن لا يطأ تلك الدار ممكن
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري بسبايا بني قريظة إلى نجد فابتاع لهم بهم خيلا وسلاحا قال وفي لفظ بعث سعد بن عبادة إلى الشام بسبايا يبيعهم ويشتري بهم سلاحا وخيلا أي فاشترى بذلك خيلا كثيرا قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين واشترى عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما
____________________

جملة من السبايا فجعلت تلك الجملة من السبايا قسمين جعلت الشواب على حدة وجعلت العجائز على حدة ثم خير عبد الرحمن بن عوف عثمان بن عفان فأخذ العجائز وأخذ عبد الرحمن الشواب وجعل عثمان رضي الله عنه على كل واحدة منهن شيئا إن أتت به عتقت فكان المال يوجد عند العجائز ولا يوجد عند الشواب فربح عثمان مالا كثيرا أقول ويحتاج إلى الجمع
وقد يقال إن كان المراد بالسبايا في قصة سعد بن عبادة وعثمان وعبد الرحمن سبايا بني قريظة فيكون قسموا ثلاثة أقسام قسم أعطى لسعد بن زيد وقسم أعطى لسعد بن عبادة وقسم اشتراه عثمان وعبد الرحمن ووقع الفداء في سبايا بني قريظة وحينئذ يكون المراد بقول القائل وبعث سعد بن زيد بسبايا بني قريظة أي بجملة منهم وبعث سعد بن عبادة بسبايا أي بسبايا بني قريظة أي بجملة منهم وإن كان المراد بالسبايا في قصة سعد بن عبادة غير سبايا بني قريظة فالأمر ظاهر ويدل لهذا الثاني إسقاط بني قريظة منه
ثم رأيته في الإمتاع أسقط قصة سعد بن زيد الأنصاري واقتصر على سعد بن عبادة حيث قال ولما سبيت السبايا والذرية بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة إلى الشام مع سعد بن عبادة رضي الله عنه يبيعهم ويشتري سلاحا هذا كلامه والله أعلم
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفرق بين الأم وولدها أي في السبايا الأعم من قريظة وقال لا يفرق بين أم وولدها حتى يبلغ قيل يا رسول الله وما بلوغه قال تحيض الجارية ويحتلم الغلام وكان إذا وجد الولد الصغسير ليس له أم لم يبع من المشركين أي مشركي العرب ولا من يهود وإنما يباع من المسلمين أي وكانت أم الولد الصغير تباع المشركين هي وولدها من العرب ومن يهود المدينة
قال في الإمتاع وكان يفرق بين الأختين إذا بلغتا ومقتضاه انهما إذا لم يبلغا لا يفرق بينهما وأئمتنا معاشر الشافعية لم يحرموا الا التفرقة بين الأصول والفروع إذا لم يميزوا وهو محمل قوله صلى الله عليه وسلم من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ولعله لم تصح تلك الرواية عند إمامنا الشافعي رضي الله عنه
واصطفى صلى الله عليه وسلم لنفسه منهم ريحانة بنت عمرو وهو شمعون مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني النضير وكانت متزوجة في بني قريظة ولعله مراد من
____________________

قال إنها كانت من بني قريظة أي وكانت جميلة وأسلمت بعد أن أبت الإسلام ووجد صلى الله عليه وسلم في نفسه أي غضب بسبب ذلك أي بسبب عدم إسلامها ولم يظهر ذلك ثم لما أسلمت سر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك
فقد جاء لما أبت ريحانة الإسلام عزا لها صلى الله عليه وسلم ووجد في نفسه لذلك وأرسل إلى ثعلبة بن شعبة وكان ممن نزل من حصون بني قريظة في الليلة التي صبيحتها نزلت بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ أي علي ما في بعض الروايات وأسلم هو وإخوته أسيد وأسيد وأسد وابن عمه واحرزوا دماءهم وأموالهم وليسوا من بني قريظة وإنما هم من بني هذيل فذكر له صلى الله عليه وسلم ذلك فقال سعد فداك ابي وأمي هي مسلمة أي ظنا منها أنها تسلم فخرج حتى جاءها ولا زال يقول لها أسلمى يصطفيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه فاجابت إلى ذلك وأسلمت فبينما هو صلى الله عليه وسلم في مجلس من أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه فقال إن هاتين لنعلا مبشري بإسلام ريحانه فكان كذلك واخبره أنها أسلمت فسر صلى الله عليه وسلم بذلك واستمرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في ملكه اختارت بقاءها في ملكه على العتق والنكاح أي فقد خيرها صلى الله عليه وسلم يين أن يعنقها ويتزوجها أو تكون في ملكه يطؤها بالملك فاختارت أن تكون في ملكه
قال بعضهم والأثبت عند أه لالعلم أنه أعتقها وتزوجها وأصدقها عشرة أوقية ونشا وأعرس بها في المحرم سنة ست بعد أن حاضت حيضة وضرب عليها الحجاب فغارت عليه فطلقها تطليقة فأكثرت من البكاء فراجعها ولم تزل عنده صلى الله عليه وسلم حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع سنة عشر فدفنها بالبقيع ووجوب استبرائها بحيضة يدل لما قاله فقهاؤنا ان من ملك أمه وطئها غيرها وطئا غير محرم لا يحل تزوجها قبل استبرائها وإن أعتقها
وتقدم أن قريظة والنضير أخوان من أولاد هرون على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة والسلام
____________________

غزوة بني الحيان
بناحية عسفان ولحيان بكسر اللام وفتحها قبيلة من هذيل
لا يخفى أن بعد مضى ستة أشهر من غزوة بني قريظة غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني لحيان يطلبهم بأصحاب الرجيع أي وهم خبيب واصحابه رضي الله عنهم الذين قتلوا ببئر معونة كما سيأتي ذكر ذكر في السرايا أي لأنه صلى الله عليه وسلم وجد أي حزن وجدا شديدا على اصحابه المقتولين بالرجيع وأراد أن ينتقم من هذيل فأمر اصحابه بالتهيؤ وأظهر أنه يريد الشام أي ليدرك من القوم غرة أي غفلة واستعمل على المدينة أبن ام مكتوم رضي الله عنه وخرج في مائتي رجل ومعهم عشرون فرسا ولما وصل صلى الله عليه وسلم إلى المحل الذي قتل فيه أهل الرجيع ترحم عليهم ودعا لهم بالمغفرة فسمعت به بنو لحيان فهربوا إلى رءوس الجبال أي وأرسل السرايا في كل ناحية فلم يجدوا أحدا أي وأقام على ذلك يومين فلما رأى صلى الله عليه وسلم أنه فاته ما أراده من غرتهم قال لو أنا هبطنا عسفان لرأي أهل مكة أنا قد جئنا مكة فخرج في مائتي راكب من اصحابه حتى نزل عسفان وهذا يدل على أن اصحابه كانوا أكثر من مائتين وهو يخالف ما تقدم أنه خرج في مائتي رجل إلا أن يقال زادوا على المائتين بعد خروجه
ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ثم كرا راجعين وفي لفظ آخر فبعث أبا بكر رضي الله عنه في عشرة فوارس القصة أي وقد يقال لا منافاة بين اللفظين
ثم توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قال جابر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين وجه أي توجه إلى المدينة آيبون تائبون إن شاء الله لربنا حامدون أي وفي رواية لربنا عابدون أعوذ بالله من وعثاء السفر أي مشقة السفر وكآبة أي حزن المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال قال وزاد بعضهم اللهم بلغنا بلاغا صالحا يبلغ إلى خير مغفرتك ورضوانك قيل ولم يسمع هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وكانت غيبته عن المدينة أربع عشرة ليلة ا هـ
وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم لما رجع من بني لحيان وقف على الأبواء فنظر
____________________

يمينا وشمالا فرأى قبر أمه آمنة فتوضأ ثم صلى ركعتين فبكى وبك الناس لبكائه ثم قام فصلى ركعتين ثم انصرف إل الناس وقال لهم صلى الله عليه وسلم ما الذي أبكاكم قالوا بكيت فبكينا يا رسول الله قال ما ظننتم قالوا ظننا أن العذاب نازل علينا قال لم يكن من ذلك شئ قالوا ظننا أن أمتك كلفت من الأعمل مالا تطيق قال لم يكن من ذلك شيء ولكني مررت بقبر أمي فصليت ركعتين ثم استأذنت ربي عز وجل أن أستغفر لها فزجرت زجرا أي منعت عن ذلك منعا شديدا فأبكاني وفي لفظ فعلى بكائي هذا أي فعلى هذا بكائي
والذي في الوفاء أنه صلى الله عليه وسلم وقف على عسفان فنظر يمينا وشمالا فأبصر قبر أمه فورد الماء فتوضأ ثم صلى ركعتين قال بريدة فلم يفجأنا إلا ببكائه فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف فقال ما الذي أبكاكم الحديث
ثم دعا براحلته فركبها فسار يسيرا فأنزل الله تعالى { ما كان للنبي } صلى الله عليه وسلم { والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } إلى آخر الأيتين فلما سرى عنه الوحي قال أشهدكم أني برى من آمنة كما تبرأ إبراهيم من أبيه
أي وهذا السياق يدل على أن هاتين الآيتين غير ما زجر به عن الاستغفار لها المتقدم في قوله فزجرت زجرا فليتأمل
وفي مسلم عن أبي ايوب رضي الله عنه قال زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال استأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يأذن لي واستأذنته في أن أزورها أي بعد ذلك فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت
وسيأتي عن عائشة رضي الله عنها أن في حجة الوداع مر صلى الله عليه وسلم على عقبة الحجون فنزل وقال لها وقفت على قبر أمي وسيأتي أن ذلك يدل على أن قبر أمه بمكة لا بالأبواء وتقدم الجمع بين كونه بالأبواء وكونه بمكة وسيأتي بالحديبية أنه صلى الله عليه وسلم زار قبرها وفي فتح مكة أيضا وسيأتي الكلام على ذلك وأن ذلك كان قبل إحيائها له وإيمانها به صلى الله عليه وسلم
____________________

غزوة ذي قرد
بفتح القاف والراء وقيل بضمهما أي وقيل بضم الأول وفتح الثاني اسم ماء والقرد في الأصل الصوف الردئ ويقال لها غزوة الغابة والغابة الشجر الملتف
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة بني لحيان لم يقم بها إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينة بن حصن في خيل من غطفان على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة أي وكانت اللقاح عشرين لقحة وهي ذات اللبن القريبة من الولادة أي لها ثلاثة أشهر ثم هي لبون وفيها رجل من بني غفار هو ولد أبي ذر الغفاري وزوجة لأبي ذر فقوله وامرأة له أي لأبي ذر رضي الله عنه لا لولده كما يعلم مما يأتي وكان راعيها يئوب أي يرجع بلبنها كل ليلة عند المغرب إلى المدينة أي فإن المسافة بينها وبين المدينة يوم أو نحو يوم فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة مع اللقاح
وعند ابن سعد كان فيها أبو ذر وولده أي وزوجة أي ذر فقتلوا ولده أي واحتملوا المرأة قال جاء أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون في اللقاح فقال له صلى الله عليه وسلم لا تأمن عيينة بن حصين وذويه أن يغيروا عليك فألح عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لكأني بك قد قتل ابنك وأخذت امرأتك وجئت تتوكأ على عصاك فكان أبو ذر رضي الله عنه يقول عجبا لي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكأني بك وأنا الح عليه فكان والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني والله لف منزلنا ولقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم قد روحت وحلبت عتمتها ونمنا فلما كان الليل أحدق بنا عيينة بن حصن في اربعين فارسا فصاحوا بنا وهم قيام على رءوسنا فاشرف لهم ابني فقتلوه وكان معه ثلاثة نفر فنجوا وتنحيت عنهم وشغلهم عني إطلاق عقل اللقاح ثم صاحوا في أدبارها فكان آخر العهد بها ولما قدمت المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته تبسم آه أي وروى بدل عيينة بن حصن ابنه عبد الرحمن بن عيينة بن حصن قال بعضهم ولا منافاة لأن كلا من عيينة بن حصن وعبد الرحمن بن عيينة كانا في القوم وكان أول من علم بهم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فإنه غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ومعه غلام
____________________

لطلحة بن عبيد الله معه فرس له أي لطلحة يقوده فلقي غلاما لعبد الرحمن بن عوف فأخبره أن عيينة بن حصن قد أغار على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعين فارسا من غطفان قال سلمة فقلت يا رباح اقعد على هذا الفرس فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد أغير على سرحه
أي وهذا السياق يدل على ان رباحا غلامه صلى الله عليه وسلم كان مع سلمة أسقط الراوي ذكره ولم يقل ومعه رباح غلامه صلى الله عليه وسلم
ويحتمل أن رباحا هذا هو غلام عبد الرحمن الذي أخبر سلمة خبر اللقاح ولا منافاة بين كون رباح غلامه صلى الله عليه وسلم وغلام عبد الرحمن لجواز أن يكون كان لعبد الرحمن ثم وهبه للنبي صلى الله عليه وسلم فهو غلام عبد الرحمن بحسب ما كان ثم رأيت ما يؤيد الأول وهو ما في بعض الروايات عن سلمة قال خرجت أنا ورباح عبد النبي صلى الله عليه وسلم قبل أين يؤذن بالأولى يعني لصلاة الصبح نحو الغابة وأنا راكب على فرس أبي طلحة الأنصاري فلقيني عبد الرحمن بن عوف قال أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت من أخذها قال غطفان وفزارة وقد طوى في هذه الرواية ذكر غلام طلحة
ثم رأيت الحافظ ابن حجر ذكر أنه لم يقف على اسم غلام عبد الرحمن بن عوف هذا أي الذي أخبر سلمة بأمر اللقاح
قال ويحتمل أن يكون هو رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ملك أحدهما وكان يخدم الآخر فنسب تارة إلى هذا وتارة إلى هذا هذا كلامه ولا يخفى بعده للتصريح بأن رباحا غير غلام عبد الرحمن وأن رباحا كان مع سلمة وأن غلام عبد الرحمن هو الذي أخبر سلمة خبر اللقاح ولا منافاة بين كون الفرس لطلحة ولا بين كونها لأبي طلحة ولا بين كون عبد طلحة كان قائدا لها وبين كون سلمة راكبا لها لأنه يجوز أن يكون ركبها أثناء الطريق فليتأمل
وفي تسمية غلامه صلى الله عليه وسلم رباحا مع نهيه صلى الله عليه وسلم أن الشخص يسمى رقيقه بأحد أربعة أسماء أفلح ورباح ويسار ونافع وزاد في رواية خامسا وهو نجيح فهلا غير صلى الله عليه وسلم اسمه إن كانت وقعت التسمية من غيره صلى الله عليه وسلم ويقال لم يغير صلى الله عليه وسلم ذلك الاسم إشارة إلى أن النهي للتنزيه
____________________

ثم إن سلمة رجع إلى المدينة وعلا ئنية الوداع فنظر إلى بعض خيولهم فصرخ بأعلى صوته واصباحاه أي قال ذلك ثلاث مرات أي وقيل نادى الفزع الفزع ثلاثا ولا مانع أن يكون جمع بين ذلك وفي لفظ وقمت على تل بناحية سلع أي وفي لفظ على أكمة وفي لفظ آخر فصعدت في سلع ولا مخالفة كما لا يخفى فجعلت وجهي من قبل المدينة ثم ناديت ثلاث مرات يا صباحاه أسمع ما بين لابتيها أي لسعة صوته أو أن ذلك وقع خرقا للعادة ويا صباحاه كلمة تقال عند استنفار من كان غافلا عن عدوه لأنهم يسمون يو م الغارة يوم الصباح
ثم خرج يشتد في أثر القوم كالسبع وقد كان يسبق الفرس جريا حتى لحق بهم فجعل يردهم بالنبل ويقول إذا رمى خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع أي يوم هلاك اللئام فإذا وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا وهكذا يفعل قال كنت ألحق الرجل منهم فأرميه بسهم في رجله فيعقره فإذا رجع إلي فارس منم أتيت شجرة فجلست في أصلها ثم أرميه فأعقره فيولى عني فإذا دخلت الخيل في بعض مضايق الجبل علوت الجبل ورميتهم بالحجارة قال ولم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا وأكثر من ثلاثين بردة يستخفون بها ولا يلقون شيئا من ذلك إلا جعلت عليه حجارة وجمعته على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله تعالى من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري وخلوا بينهم وبينه
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم صياح ابن الأكوع صرخ بالمدينة الفزع يا خيل اله اركبي قيل وكان اول ما نودي بها وفيه كماء في الأصل أنه نودي بها في بني قريظة كما تقدم
وأول من أنتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان المقداد بن عمرو ويقال له ابن الأسود وتقدم أنه قيل له ذلك لأنه كان في حجر الأسود بن عبد يغوث وتبناه فنسب اليه ثم عباد بن بشر وسعيد بن زيد ثم تلاحقت به الفرسان وأمر عليهم سعيد ابن زيد وقيل المقداد وجزم به الدمياطي رحمه الله أي ويدل له قول حسان رضي الله عنه في وصف هذا الغزوة غداة فوارس المقداد
لكن في السيرة الشامية أن سعيد بن زيد رضي الله عنه غضب على حسان وحلف
____________________

لا يكلمه أبدا وقال انطلق إلى خيلي فجعلها للمقداد وإن حسان رضي الله عنه اعتذر إلى سعد بأن الروي وافق في اسم المقداد وذكر ابياتا يرضى بها سعيد بن زيد فلم يقبل منه سعيد ذلك وهذا يدل للأول
وعقد صلى الله عليه وسلم لذلك الأمير لواء في رمحه ثم قال له اخرج في طلب القوم حتى ألحقك بالناس فخرج لفرسان في طلب القوم حتى تلاحقوا بهم وكان شعارهم يومئذ أمت أمت وأول فارس لحق بهم محرز بن نضلة ويقال له الأخرم الأسدي ووقف لهم بين أيديهم وقال لهم يا معشر بني اللكيعة أي اللئيمة قفوا حتى يلحق بكم من وراءكم من المهاجرين والأنصار فحمل عليه شخص من المشركين فقتله
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال ثم إن القوم جلسوا يتغدون وجلست على رأس قرن جبل فقال لهم رجل أتاهم من هذا قالوا لقينا من هذا البرح حتى انتزع كل شيء في أيدينا قال فليقم إلى منكم أربعة فتوجهوا إلي فهددتهم أي فقد جاء عنه رضي الله عنه أنه ال لهم هل تعرفونني قالوا لا ومن أنت قلت أنا سلمة بن الأكوع والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا أطلب رجلا منكم إلا أدركته ولا يطلبني فيدركني قال بعضهم إنا نظن ذلك فرجعوا
قال فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمهم الأخرم الأسدي فلما رأيت الأخرم الأسدي وأول الفرسان نزلت من الجبل وأخذت بعنان فرسه وقلت له احذر القوم لا يقتطفوك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق وأن النار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة فخليت عنه فالتقى هو عبد الرحمن بن عيينة فعقر فرس عبد الرحمن وطعنه عبد الرحمن فقتله وتحول على فرسه فلحق عبد الرحمن ابو قتادة رضي الله عنه فعقر عبد الرحمن فرس أبي قتادة فقتله أبو قتادة وتحول أبو قتادة رضي الله عنه إلى فرس
أقول ولعل عبد الرحمن هذا هو حبيب بفتح الحاء المهملة وكسر الموحدة ابن عيينة فإني لم أقف على ذكر عبدالرحمن هذا فيمن قتل من المشركين في هذه الغزوة وإن أبا قتادة رضي الله عنه قتل حبيبا وغشاه ببرده كما سيأتي إلا أن يقال جاز أن يكون له اسمان عبد الرحمن وحبيب ثم رأيت الحافظ ابن حجر اشار إلى ذلك وقيل قاتل محرز مسعدة
____________________

الفزاري وبه جزم الحافظ الدمياطي وذكر أن قاتل حبيب المقداد بن عمرو فقال وقتل أبو قتادة مسعدة فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه وسلاحه وقتل المقداد بن عمرو حبيب بن عيينة بن حصن والله اعلم ولم يقتل من المسلمين إلا محرز بن نضلة الذي هو الأخرم الأسدي وكان رأى قبل ذلك بيوم أن سماء الدنيا فرجت وما بعدها حتى انتهى إلى السماء السابعة ثم انتهى إلى سدرة المنتهى فقيل له هذا منزلك فعرضها على أبي بكر رضي الله عنه وكان من أعلم الناس بالتعبير كما تقدم فقال له ابشر بالشهاة وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين وقد استعمل على المدينة ابن ام مكتوم رضى الله عنه اى واستعمل على حرس المدينه سعد بن عباده رضى الله عنه فى ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينه فاذا حبيب بفتح الحاء المهمله وكسر الموحده مسجى أي مغطى ببرد ابى قتاده فاسترجع المسلمون اى قالوا انا لله وانا اليه راجعون وقالوا قتل ابو قتاده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بابى قتاده ولكنه قتيل لابى قتاده وضع عليه برده ليعرف انه صاحبه اى القاتل له
قال وفى روايه انه صلى الله عليه وسلم قال والذى اكرمنى بما اكرمنى به ان ابا قتاده على اثارالقوم يرتجز فخرج عمر بن الخطاب رضى الله عنه حتى كشف البرد عن وجهه المسجى فاذا وجه حبيب فقال الله اكبر صدق الله ورسوله يا رسول الله غير ابى قتاده
وفي لفظ فخرج ابى بكر وعمر رضى الله عنهما حتى كشفا البرد الحديث وقيل الذى قتله أبو قتادة وغشاه ببرده هو مسعدة قاتل محرز رضى الله عنه لا حبيب على ما تقدم
ففي روايه ان ابا قتاده رضى عنه اشترى فرسا فلقيه مسعده الفزاري فتفاوض معه فقال ابو قتاده اما انى اسال الله ان القاك وانا عليها قال امين فلما اخذت اللقاح ركب تلك الفرس وسار فلقى النبى صلى الله عليه وسلم فقال له النبى صلى الله عليه وسلم امض يا ابا قتاده صحبك الله قال فسرت حتى هجمت على القوم فرميت بسهم فى جبهتي فنزعت قدحه وانا اظن اني نزعت الحيديده فطلع على فارس وقال لقد القانيك الله يا ابا قتاده وكشف عن وجهه فاذا هو مسعده الفزارى فقال ايما احب اليك مجالدة او مطاعنة او مصارعه فقلت ذاك اليك فقال صراع فنزل وعلق بسيفه فى شجره ونزلت وعلقت سيفى فى شجره وتواثبنا فرزقنى الله الظفر
____________________

عليه فإذا أنا على صدره واذا شيء مس رأسي فاذا سيف مسعده قد وصلت اليه فى المعالجه فضربت بيدى الى سيفه وجردت السيف فلما رأى أن السيف وقع بيدي قال قتاده استحيني قلت لا والله قال فمن للصبيه قلت النار ثم فتلته وادرجته فى بردى ثم اخذت ثيابه فلبستها ثم استويت على فرسه فان فرسي نفرت حيث تعالجنا وذهبت للقوم فعرقبوها ثم ذهبت خلف القوم فحملت على ابن اخيه فدققت صلبه فانكشف من معه عن اللقاح فحبست اللقاح برمحي وجئت أحرسها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم افلح وجهك يا ابا قتاده اى فقلت ووجهك يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابو قتاده سيد الفرسان بارك الله فيك يا ابا قتاده وفى ولدك وولد ولدك وفى لفظ وفى ولد ولدك اه اى وقال له صلى الله عليه وسلم ما هذا الذى بوجهك قلت سهم اصابني فقال ادن مني فنزع السهم نزعا رفيقا ثم بزق فيه ووضع راحته عليه فوالذى اكرمه بالنبوه ما ضرب على ساعه قط ولا قرح على وفى روايه ولاقاح وفى لفظ قال لي قتلت مسعده قلت نعم ثم قال صلى الله عليه وسلم يدعو لابي قتاده اللهم بارك له فى شعره وبشره فمات ابو قتاده رضى الله عنه وهو ابن سبعين سنه وكانه ابن خمس عشرة سنه اى وأعطاه صلى الله عليه وسلم فرس مسعده وسلاحه اى كما تقدم وقال بارك الله لك فيه وهذا السياق يدل على أن ابا قتاده رضى الله عنه انفرد عن الصحابه وتقدمهم وتخلف مسعده عن قومه مده مصارعه ابى قتاده له وقتله ولا مانع من ذلك وقيل استنفذوا نصف اللقح اى عشرة وما فيها جمل ابي جهل الذى غنمه صلى الله عليه وسلم يوم بدر وافلت القوم بالعشره الاخرى أي ولا ينافيه ما تقدم من قول ابي قتادة فانكشفوا عن اللقاح وجئت احرسها لان المراد جمله من اللقاح لكنه مخالف لما تقدم عن سلمه رضى الله عنه من قوله ما زلت ارشقهم يعني القوم حتى ما خلق الله من بعير من ظهررسول الله صلى الله عليه وسلم الا خلفته وراء ظهري وخلوا بينهم وبينه فليتامل وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذي قرد بناحيه خيبر وتلاحق به الناس اى وقال له سلمه بن الاكوع يا رسول الله ان القوم عطاش فلو بعثني فى مائة رجل استنفذت ما بقى فى ايديهم من السرح واخذت باعناق القوم
اى وقد يقال لا يخالف هذا ما تقدم من قوله حتى ما خلق الله من بعير من ظهر
____________________

رسول الله صلى الله عليه وسلم الا خلفته وراء ظهري وخلوا بينهم وبينه لجواز ان يكون صدر عنه ما تقدم لظنه ان ذلك هو جميع اللقاح التى اخذت ثم تحقق ان الذى استنفذه هو وابو قتاده جمله منها وما فى البخاري من قوله استنفذوا القاح كلها يجوز ان يكون قائل ذلك ظن ان الذى استنفذ من ايدي القوم هو جميع ما اخذوه من اللقاح كما ان سلمة رضى الله عنه اعتقد ان جميع اللقاح التى اخذت هي التى جعلها خلف ظهره كما تقدم فكل من سلمه وابي قتاده خلف نصف اللقاح التى هي العشره التى خلصت من ايدي القوم
وفى روايه عن سلمه قال قلت يا رسول الله ابعث معى فوارس لندرك القوم فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ان ضحك صلى الله عليه وسلم ملكت فاسجح أي فارفق والمعنى قدرت فاعف وانما كانوا عطاشا لان سلمه رضى الله عنه ذكر انه تبعهم الى قبيل غروب الشمس الى ان عدلوا الى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد فنحاهم اى طردهم عنه ومنعهم الشرب منه وتركوا فرسين وجاء بهما سلمه رضى الله عنه يسوقهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعل هذا كان من سلمه رضى الله عنه بعد ان رجعت الصحابه عنهم و استمر يتبعهم وقال له صلى الله عليه وسلم شخص يا رسول الله القوم الان يغبقون بارض غطفان اى يشربون اللبن بالعشي الذى هو الغبوق فجاء رجل من غطفان وفقال مروا على فلان الغطفانى فنحر لهم جرورا فلما اخذوا يكشطون جلدها رأوا غبره فتركوها وخرجوا هرابا ولما نزل صلى الله عليه وسلم بالمحل المذكور لم تزل الخيل تاتي والرجال على اقدامهم وعلى الابل حتى انتهوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكث يوما وليله اى وعن سلمه رضى الله عنه واتاني عمى عامر بن الاكوع بسطيحه فيها لبن فتوضات وشربت ثم اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماء الذى اجليتهم عنه فاذا هو صلى الله عليه وسلم قد اخذ كل شيء استنقذته منهم ونحر لهم بلال رضى الله عنه ناقته
ولا مخالفه لانه يجوز ان يكون صلى الله عليه وسلم ذهب الى الماء بعد ان كان مكثه بالجبل المذكور وصلى صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ان العدو يجيء اليهم ولعل هذه هى صلاة بطن نخل وهى على ما رواه الشيخان انه جعل القوم فرقتين و صلاها مرتين كل مره بفرقه والاخرى تحرس اى تكون فى وجه العدواي
____________________

فى المحل الذى يظن مجيئهم منه وذلك كان لغير جهه القبله والا فالعدو لم يكن يمر اى منهم وهذه الصلاة لم ينزل بها القران
اقول لكن رأيت في الامتاع وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صلاة الخوف فقام الى القبله وصف طائفه مواجهة العدو وصلى بالطائفه التى خلفه ركعة وسجد سجدتين ثم انصرفوا فقاموا مقام اصحابهم واقبل الاخرون فصلى بهم ركعة وسجد سجديتن وسلم فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولكل رجل من الطائفتين ركعه ولا يخفي ان هذه الكيفيه هى صلاة عسفان والله اعلم
ولما اصبح صلى الله عليه وسلم قال
خير فرساننا ابو قتاده وخير رجالاتنا سلمه رضى الله عنه
وعند خروجه صلى الله عليه وسلم وتلاحق بعض الفرسان به قال لأبي عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك للحق بالناس قال أبو عياش فقلت يا رسول الله إني أفرس الناس قال أبو عياش فو الله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني فعجبت لذلك وقسم صلى الله عليه وسلم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها وكانوا خمسمائة وقيل سبعمائة وبعث سعد بن عبادة رضي الله عنه بأحمال تمر وبعشر جزائر فوافت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد أي وقال صلى الله عليه وسلم اللهم ارحم سعدا وآل سعد نعم المرء سعد بن عبادة فقالت الأنصار هو سيدنا وابن سيدنا من بيت يطعمون في المحل ويحملون الكل ويحملون عن العشيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
خيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا في الدين وأقبلت امرأة أبي ذر رضي الله عنهما على ناقة من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي من جملة اللقاح وهي القصوى أفلتت من القوم فطلبوها فأعجزتهم وفي لفظ وانفلتت المرأة من الوثاق ليلا فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى انتهت إلى العضباء فلم ترغ فقعدت على عجزها ثم زجرتها وعلموا بها فطلبوها فاعجزتهم ونذرت إن نجاها الله عز وجل لتنحرنها فلما اخبرت النبي صلى الله عليه وسلم الخبر قالت يا رسول الله قد نذرت أن انحرها إن نجاني الله عليها أي وآكل من كبدها وسنامها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بئسما جزينها
____________________

أن حملك أي لأجل أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها لانذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين وفي لفظ لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم إنما هي ناقة من إبلي ارجعي إلى أهلك على بركة الله تعالى ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أي وهذا السياق يدل على أن المراة قدمت عليه صلى الله عليه وسلم بتلك الناقة قبل قدومه المدينة
وفي السيرة الهشامية أنها قدمت عليه صلى الله عليه وسلم المدينة فأخبرته الخبر ثم قالت يا رسول الله إني نذرت الله الحديث وهو يخالف ما يأتي من قوله ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته العضباء
أي ولعل ما في الأوسط للطبراني بسند ضعيف عن النواس بن سمعان رضي الله عنه أن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم سرقت فقال لئن ردها الله علي لأشكرن ربي وقد وقعت في حي من أحياء العرب فيهم امرأة مسلمة فرأت من ا لقوم غفلة فقعدت عليها فصبحت المدينة إلى آخره لا ينافي ما هنا لجواز تعدد الواقعة
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته العضباء مردفا سلمة بن الأكوع رضي الله عنه وقد غاب عنها خمس ليال وأعطى صلى الله عليه وسلم سلمة بن الأكوع سهم الراجل والفارس جميعا أي مع كونه كان راجلا
وهذا استدل به من يقول إن للإمام أن يفاضل في الغنيمة وهو مذهب ابي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد وعند مالك وإمامنا الشافعي رضي الله عنهما لا يجوز ولعله لعله لعدم صحة ذلك عندهما وتبعت في تقديم هذه الغزوة على غزوة الحديبية الأصل وهو الموافق لقول بعضهم أجمع أهل السير على أن غزوة الغابة قبل الحديبية ولقول ابي العباس شيخ القرطبي صاحب التذكرة والتفسير لا يختلف أهل السير أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية والشمس الشامي ذكرها بعد الحديبية تبعا لما في صحيح البخاري أنها بعد الحديبية وقبل خيبر بثلاثة أيام وفي مسلم نحوه ففيه عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فرجعنا أي من غزوة ذي قرد إلى المدينة فلم نلبث إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر ويؤيده قول الحافظ شمس الدين بن إمام الجوزية قد وهم جماعة من أصحاب المغازي
____________________

والسير فذكروا غزوة الغابة قبل الحديبية قال الحافظ ابن حجر ما في البخاري أصح مما ذكره أهل السير
قال ويحتمل في طريق الجمع أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللقاح أي في الغابة وقعت مرتين مرة قبل الحديبية ومرة بعد الحديبيبة قبل الخروج إلى خيبر أي ويلزم أن يكون في كل كان خروجه صلى الله عليه وسلم وأن أول من علم بأخذ اللقاح سلمة بن الأكوع ووقع له صلى الله عليه وسلم ولأصحابه ما تقدم هذا حقيقة التكرار وإلا فهل الذي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع فيها لسلمة ولغيره من الصحابة ما وقع كانت أولا أو ثانيا فليتأمل ثم رأيت عن الحاكم رحمه الله تعالى أنه ذكر في الإكليل أن الخروج إلى ذي قرد تكرر أي ثلاث مرات ففي الأولى خرج إليها زيد بن حارثة قبل أحد وفي الثانية خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة خمس والثالثة هي المختلف فيها أي ومعلوم أن هذه المختلف فيها خرج إليها صلى الله عليه وسلم فليتأمل والله تعالى أعلم غزوة الحديبية
بالتخفيف تصغير حدباء وعلى التشديد عامة الفقهاء والمحدثين واشار بعضهم إلى أنه لم يسمع من فصيح ومن ثم قال النحاس سألت كل من لقيت ممن أثق بعلمه عن الحديبية فلم يختلفوا في أنها بالتخفيف
وفي كلام بعضهم أهل الحديث يشددون وأهل العربية يخففون وفي كلام بعض آخر أهل العراق يشددون وأهل الحجاز يخففون وهي بئر وقيل شجرة سمى المكان باسمها وقيل قرية قريبة من مكة أكثرها في الحرم
قال وسببها أنه صلى الله عليه وسلم رأي في النوم أنه دخل مكة هو وأصحابه آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين أي بعضهم محلق وبعضهم مقصر وأنه دخل البيت وأخذ مفتاحه وعرف مع المعرفين انتهى أي وطاف هو واصحابه واعتمر وأخبر بذلك أصحابه ففرحوا ثم اخبر اصحابه أنه يريد الخروج للعمرة فتجهزوا للسفر فخرج صلى الله عليه وسلم معتمرا ليأمن الناس أي أهل مكة ومن حولهم من حربه وليعلموا أنه صلى الله عليه وسلم إنما خرج زائرا للبيت ومعظما له
____________________


وكان إحرامه صلى الله عليه وسلم بالعمرة من ذي الحليفة أي بعد أن صلى بالمسجد الذي بها ركعتين وركب من باب المسجد وانبعثت به راحلته مستقبل القبلة أحرم وأحرم معه غالب أصحابه ومنهم من لم يحرم إلا بالجحفة أي وكان خروجه في ذي القعدة وقيل كان خروجه في رمضان وهو غريب ولفظ تلبيته صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك
واستعمل صلى الله عليه وسلم على المدينة الشريفة نميلة بن عبد الله الليثي أي وقيل ابن ام مكتوم وقيل أبا رهم كلثوم بن الحصين أي وقيل استخلف أبا رهم مع ابن ام مكتوم جميعا فكان ابن ام مكتوم على الصلاة وكان أبو رهم حافظا للمدينة وكان خروجه صلى الله عليه وسلم بعد أن استنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب ممن أسلم غفار ومزينة وجهينة وأسلم القبيلة المعروفة خشية من قريش أن يحاربوه وأن يصدوه عن البيت كما صنعوا فتثاقل كثير منهم وقالوا أنذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فنقاتلهم واعتلوا بالشغل بأهاليهم وأموالهم وأنه ليس لهم من يقوم بذلك فأنزل الله تعالى تكذيبهم في اعتذارهم بقوله { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم }
وخرج صلى الله عليه وسلم بعد أن اغتسل ببيته ولبس ثوبين وركب راحلته القصوى من عند بابه وخرج معه ام سلمة وأم عمارة وام منيع وام عامر الأشهلية رضي الله عنهن ومعه المهاجرون والأنصار ومن لحق بهم من العرب وأبطأ عليه كثير منهم كما تقدم وساق معه الهدى سبعين بدنة أي وقد جللها أي في ذي الحليفة بعد أن صلى بها الظهر ثم أشعر منها عدة وهي موجهات للقبلة في الشق الأيمن أي من سنامها ثم أمر صلى الله عليه وسلم ناجية بن جندب وكان اسمه ذكوان فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه وسماه ناجية لما أنه نجا من قريش فأشعر ما بقي وقلدهن نعلا نعلا وأشعر المسلمون بدنهم وقلدوها والإشعار جرح بصفحة سنامها والتقليد أن تقلد في عنقها قطعة جلد أو نعل بالية ليعلم أنه هدى فيكف الناس عنه وكان الناس سبعمائة رجل فكانت كل بدنة من عشرة وقيل كانوا اربع عشرة مائة وقيل خمسة عشرة وقيل ست عشرة وقيل كانوا ألفا وثلاثمائة وقيل اربعمائة وقيل خمسمائة وخمسة وعشرين أي وقيل ألف وسبعمائة أي وليس معهم سلاح إلا السيوف في القرب وقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتخشى يا رسول الله من
____________________

ولم تأخذ للحرب عدتها فقال لست أحب أن أحمل السلاح معتمرا وكان معهم مائتا فرس فأقبلوا نحوه صلى الله عليه وسلم أي في بعض المحال وكان بين يديه صلى الله عليه وسلم ركوة يتوضأ منها فقال مالكم قالوا يا رسول الله ليس عندنا ماء نشربه ولا ماء نتوضأ منه إلا ما في ركوتك فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه الشريفة أمثال العيون أي وفي لفظ فجعل الماء ينبع من بين أصابعه الشريفة وفي لفظ آخر فرأيت الماء يخرج من بين اصابعه وفي لفظ آخر فرأيت الماء ينبع من بين اصابعه واستدل به بعضهم على أن الماء خرج من نفس بشرته الشريفة صلى الله عليه وسلم قال ابو نعيم في الحلية وهو أعجب من نبع الماء لموسى عليه الصلاة والسلام من الحجر فإن نبعه من الحجر متعارف معهود وأما من بين اللحم والدم فلم يعهد قال بعضهم وإنما لم يخرجه صلى الله عليه وسلم بغير ملابسة ماء في إناء تأدبا مع الله تعالى لأنه المنفرد بابتداع المعدومات من غير اصل قال جابر رضي الله عنه فشربنا وتوضأنا ولو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة
فلما كانوا بعسفان جاء اليه صلى الله عليه وسلم بشر بن سفيان العتكي أي وقد كان صلى الله عليه وسلم أرسله إلى مكة عينا له فقال يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بخروجك واستنفروا من اطاعهم من الاحابيش وأجلبت ثقيف معهم ومعهم النساء والصبيان وفي لفظ يخرجون ومعهم العوذ المطافيل أي النياق ذوات اللبن التي معها أولادها ليتزودوا بذلك ولا يرجعون خوف الجوع
قال السهيلي أو العوذ جمع عائذ وهي الناقة التي معها ولدها وإنما قيل للناقة عائذ وإن كان الولد هو الذي يعوذ بها لأنها عاطف عليه كما قالوا تجارة رابحة وإن كانت مربوحا فيها لانها في معنى نامية وزاكية هذا كلامه أو العوذ المطافيل النساء معهن أطفالهن أي انهم خرجوا النساء معهن اطفالهن أي انهم خرجوا بنسائهم معهن أولادهن ليكون أدعى لعدم الفرارا
أي ويجوز أن يكونوا خرجوا بذلك جميعه وقد لبسوا جلود النمر أي أظهر العداوة والحقد وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله أن لا يدخلها عليهم عنوة أبدا وهذا خالد ابن الوليد أي رضي الله عنه لأنه أسلم بعد ذلك في خيلهم قد قدموها إلى كراع الغميم أي وكانت مائتي فرس أي وقد صفت إلى جهة القبلة فأمر صلى الله عليه وسلم عباد ابن بشر رضي الله عنه فتقدم في خيله فقام بازاء خالد وصف أصحابه رضي الله عنهم أي وحانت صلاة الظهر فأذن بلال رضي الله عنه وأقام فاستقبل رسول الله صلى الله
____________________

عليه وسلم القبلة وصف الناس خلفه فركع بهم وسجد ثم سلم فقال المشركون لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم
وفي لفظ قال خالد بن الوليد رضي الله عنه قد كانوا على غرة لو حملنا عليهم أصبنا منهم ولكن تأتي الساعة صلاة أخرى هي أحب اليهم من أنفسهم وأبنائهم أي التي هي صلاة العصر وبهذا استدل على أنها الصلاة الوسطى واستدل له أيضا بأنه كان في أول ما أنزل / < حافظوا على الصوات وصلاه العصر > / ثم نسخ ذلك أي تلاوته بقوله تعالى والصلاة الوسطى فنزل جبريل عليه السلام بين الظهر والعصر لقوله تعالى { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك } الآيات وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم بهم جميعا حتى عباد بن بشر واصحابه جميعا الذين قاموا بازاء خالد رضي الله عنهم وحانت صلاة العصر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف أي على ما ذكره الله تعالى فلما جعل المسلمون يسجد بعضهم وبعضهم قائم ينظر اليهم قال المشركون لقد أخبروا بما أردناه بهم ولعل الصلاة هي صلاة عسفان لأن كراع الغميم بالقرب منه كما تقدم وهي على ما رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صفهم صفين وأنه أحرم بهم وركع واعتدل بهم جميعا ثم لما سجد سجد معه الصف الأول سجدتيه وتخلف الصف الثاني في اعتداله للحراسة فلما قام وقام معه من سجد سجد الصف الثاني ولحقه في القيام وتقدم الصف الثاني وتأخر الصف الأول ثم ركع واعتدل بهم جميعا ثم سجد وسجد معه الصف الثاني الذي تقدم واستمر الصف الأول الذي تأخر على الحراسة في اعتداله فلما جلس للتشهد اتموا بقية صلاتهم وجلسوا معه للتشهد فتشهد وسلم بهم جميعا وعلى هذه الصلاة حمل أئمتنا ما جاء فرضت الصلاة في الخوف ركعة أي أنها ركعة مع الإمام ويضم إليها أخرى
ثم رأيت في الدر المنثور الصريح بأن هذه الصلاة هي صلاة عسفان عن ابن عياش الزرقي قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد ابن الوليد رضي الله عنه وهم بيننا وبين القبلة فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فقالوا قد كانوا على حال غرة الحديث المتقدم
واشترط أئمتنا في هذه الصلاة وهي إذا كان العدو في جهة القبلة ولا ساتر أن يكون كل صف مقاوما للعدو وأن كل واحد لاثنين وإلا لم تصح الصلاة لما فيه من التغرير بالمسلمين ولعل صلاته صلى الله عليه وسلم بالصفين كانت كذلك وهذه الصلاة لم ينزل بها القرآن
____________________

كصلاة بطن نخل فعلم أن القرآن لم ينزل إلا بصلاة ذات الرقاع وبصلاة شدة الخوف ولم أقف على انه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة شدة الخوف وهي ان يلتحم القتال أو لم يأمنوا هجوم العدو
ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قريشا تريد منعه عن البيت قال اشيروا على أيها الناس أتريدون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه فقال أبو بكر يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حربا فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه أي وفي الإمتاع فقال المقداد رضي الله عنه يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون } ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون والله يا رسول لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك ما بقي منا رجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فامضوا على اسم الله فساروا ثم قال يا ويح قريش نهكتهم الحرب أي أضعفتهم وفي لفظ أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بني وبين سائر العرب فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين أي كاملين وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فما تظن قريش فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفر هذه السالفة أي وهي صفحة العنق فهو كناية عن القتل ثم قال صلى الله عليه وسلم هل من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها فقال رجل من أسلم أنا يا رسول الله أي ويقال إنه ناجية بن جندب رضي الله عنه فسلك بهم طريقا وعرا فلما خرجوا منه وقد شق عليهم ذلك وأفضوا إلى أرض سهلة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس قولوا نستغفر الله ونتوب اليه فقالوا ذلك فقال والله إنها أي قول استغفر الله للحطة التي عرضت على بني اسرائيل فلم يقولوها
ثم إن خالدا رضي الله عنه لم يشعر بهم الا وقد نزلوا بذلك المحل فانطلق نذيرا لقرش وقد جاء في تفسر الحطة أنها المغفرة أي طلب المغفرة أي اللهم حط عنا ذنوبنا وهذا هو المناسب لقوله صلى الله عليه وسلم قولوا نستغفر الله إلى آخره
وجاء في تفسيرها ايضا أنها لا إله إلا الله فلم يقولوا حطة بل قالوا حنطة حبة حمراء فيها شعيرة سوداء استهزاء وجراءة على الله تعالى
وفي البخاري فقيل لبني اسرائيل { وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم } فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم أي أطيازهم وقولوا حبة في شعيرة وقد
____________________

جاء أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل من دخله غفر له الذنوب أي المذكورة في قوله تعالى { وادخلوا الباب } أي باب أريحا بلد الجبارين سجد { سجدا } أي خاضعين متواضعين { وقولوا حطة } أي حط عنها خطايانا
قال بعضهم فكما جعل الله لبني اسرائيل دخولهم الباب على الوجه المذكور سببا للغفران فكذا حب أهل البيت سبب للغفران
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يسلكوا طريقا تخرجهم على مهبط الحديبية من أسفل مكة فسلكوا ذلك الطريق فلما كانوا به أي بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت ناقته صلى الله عليه وسلم أي القصوى فقال الناس حل حل فألحت أي تمادت واستمرت على عدم القيام فقالوا خلأت القصوى أي حرنت يقال خلأت الناقة وألخ الجمل بالخاء المعجمة فيهما وحرن الفرس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما خلأت وما هو لها بخلق وفي لفظ ما ذاك لها بعادة ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة أي منعها اله عن دخول مكة أي علم صلى الله عليه وسلم أن ذلك صد له من الله عن مكة أن يدخلها قهرا والذي نفسي محمد بيده لا تدعني قريش اليوم إلى خطة أي خصلة يسألون فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها أي وفي رواية فياه تعظيم حرمات الله تعالى إلا أعطيتهم أياها أي من ترك القتال في الحرم والكف عن إراقة الدم ثم زجرها صلى الله عليه وسلم فقامت فولى راجعا عوده على بدئه ثم قال للناس انزلوا فقالوا يا رسول الله ما بالوادي ماء ينزل عليه فأخرج صلى الله عليه وسلم سهما من كنانته فأعطاه ناجية بن جندب رضي الله عنه سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو البراء بن عازب رضي الله عنه أو خالد بن عبادة الغفاري فنزل في قليب فغزره في جوفه فجاش أي علا وارتفع بالرواء أي الماء العذب حتى ضرب الناس عليه بعطن وفي لفظ حتى صدروا عنها بعطن أي حتى رووا ورويت إبلهم حتى بركت حول الماء لأن عطن الإبل مباركها
قال ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقصى الحديبية على ثمد وهو حفرة فيها ماء من ثمادها قليل الماء يتربضه الناس تربضا أي يأخذونه قليلا قليلا ثم لم يلبث الناس حتى نزحوه فاشتكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة الماء وفي لفظ العطش أي وكان الحر شديدا فنزع صلى الله عليه وسلم سهما من كنانته ودفعه للبراء فقال اغرز هذا السهم في بعض قليب الحديبية ففعل والقليب جاف فجاش الماء وقيل دفعه لناجية بن الاعجمي
____________________


فعنه رضي الله عنه قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شكى إليه قلة الماء فأخرج سهما من كنانته ودفعه إلي ودعا بدلو من ماء البئر فجئت به فتوضأ فمضمض ثم مج الماء في الدلو ثم قال انزل بالدلو في البئر وأثر ماءها بالسهم ففعلت فوالذي بعثه بالحق ما كدت أخرج حتى يغمرني الماء وفارت كما يفور القدر حتى طمت واستوت بشفيرها يغترفون من جوانبها حتى نهلوا عن آخرهم وعلى البئر نفر من المنافقين منهم عبد الله بن أبي ابن سلول فقال له أوس بن خولي رضي الله عنه ويحك يا أبا الحباب ما آن لك تبصر ما أنت عليه أبعد هذا شيء فقال إني رأيت مثل هذا فقال له أوس رضي الله عنه قبحك الله وقبح رايك ثم أقبل أي عبد الله المذكور الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا الحباب إني رايت أي كيف رأيت مثل ما رأيت اليوم قال ما رأيت مثله قط قال فلم قلت ما قلت فقال يا رسول الله استغفر لي وقال ابنه عبد الله يا رسول الله استغفر له فاستغفر له وفي لفظ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية أربع عشرة مائة والحديبية بئر نتبرضها من البرض وهو الماء الذي يقطر قليلا قليلا فلم نترك فيها قطرة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد ثم إنها أصدرتنا ما شيتنا وركابنا وفي لفظ فرفعت اليه الدلو فغمس يده فيها فقال ما شاء الله ان يقول ثم صب الدلو فيها فلقد لقيت آخرنا أخرج بثوب خشية الغرق ثم ساحت نهرا فليتأمل الجمع بين هذه الروايات على تقدير صحتها
وقد يقال لا مانع من وقوع جميع ذلك لكن يبعد أن يكون ذلك في قليب واحد قال بعضهم فلما ارتحلوا أخذ البراء رضي الله عنه السهم فجف الماء كأن لم يكن هناك شيء
وفي كلام هذا البعض أنا أبا سفيان قال لسهيل بن عمرو رضي الله عنهما قد بلغنا أنه ظهر بالحديبية قليب فيه ماء فقم بنا ننظر إلى ما فعل محمد فأشرفنا على القليب والعين تنبع تحت السهم فقال ما رأينا كاليوم قط وهذا من سحر محمد قليل
وفيه أن أبا سفيان رضي الله عنه لم يكن حاضرا في الحديبية وحمل ذلك على أن ذلك كان من أبي سفيان بعد ارتحاله صلى الله عليه وسلم من الحديبية ينافيه ما قدمه هذا البعض أن عند ارتحالهم من الحديبية رفع السهم وجف القليب فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

أتاه بديل بن ورقاء وكان سيد قومه رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك يوم الفتح فكان من كبار مسلمة الفتح في رجال من خزاعة وكانت خزاعة مسلمها ومشركها لا يخفون عليه صلى الله عليه وسلم شيئا كان بمكة بل يخبرونه به وهو بالمدينة وكانت قريش ربما تفطن لذلك فسألوه ما الذي جاء به فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا وإنما جاء زائرا للبيت ومعظما لحرمته
وفي المواهب أنه صلى الله عليه وسلم قال لبديل ما تقدم من قوله وإن قريشا قد نهكتهم الحرب إلى آخره وإن بديلا رضي الله عنه قال له سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا فقال إنا جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال إنا جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء وقال ذو الرأي منهم هات ما سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال هذا كلامه
والرواية المشهورة أن بديلا ومن معه خزاعة لما رجعوا إلى قريش فقالوا يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد وإن محمد لم يأت لقتال وإنما جاء زائرا لهذا البيت فاتهموهم وجبهوهم أي قابلوهم بما يكرهون وقالوا إن كان جاء ولا يريد قتالا فوالله لا يدخلها علينا عنوة أي قهرا أبدا ولاتتحدث بذلك عنا العرب
أي وفي لفظ أنهم قالوا أيريد محمد أن يدخلها علينا في جنوده معتمرا تسمع العرب أنه قد دخل علينا عنوة وبيننا وبينه من الحرب ما بيننا والله لا كان هذا أبدا ومنا عين تطرف ثم بعثوا إليه صلى الله عليه وسلم مكرز بن حفص أخا بني عامر فلما رآه رسول الله مقبلا قال هذا الرجل غادر أي وفي رواية فاجر فلما انتهى إلى رسول الله وكلمه قال له رسول الله نحوا مما قال لبديل فرجع إلى قريش وأخبرهم بما قال له رسول الله
ثم بعثوا إليه صلى الله عليه وسلم الحليس بن علقمة وكان سيد الأحابيش يومئذ وتقدم عن الأصل أن الأحابيش هم بنو الهون بن خزيمة وبنو الحارث بن عبدمناف بن كنانة وبنو المصطلق بن خزيمة أي وأنه قيل لهم ذلك لأنهم تحالفوا تحت جبل بأسفل مكة يقال له حبشي هم وقريش على أنهم يد واحدة على من عاداهم ما سجا ليل ووضح نهار وما سار حبشي فسموا أحابيش قريش فلما رآه رسول الله قال إن هذا من قوم يتألهون أي يتعبدون
____________________

ويعظمون امر الإله وفي لفظ يعظمون البدن وفي لفظ يعظمون الهدى ابعثوا الهدى في وجهه حتى يراه فلما رأى الهدى يسيل عليه بقلائده من عرض الوادي بضم المهملة أي ناحيته وأما ضد الطول فبفتح المهملة قد اكل أو باره من طول الحبس عن محله بكسر الحاء المهملة موضعه الذي ينحر فيه من الحرم أي يرجع الحنين واستقبله الناس يلبون قد شعثوا صاح وقال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت أبي الله أن يحج لخم وجذام ونهد وحمير ويمنع ابن عبد المطلب هلكت قريش ورب الكعبة إنما القوم أتوا عمارا أي معتمرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل يا اخا بني كنانة
وقيل إنه بمجرد أن رأى هذا الأمر رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول صلى الله عليه وسلم إعظاما لما رأى فقال لهم في ذلك أي قال إني رأيت ما لا يحل منعه رايت الهدى في قلائده قد أكل أوباره أي معكوفا عن محله والرجال قد شعثوا وقملوا فقالوا له اجلس إنما أنت أعرابي ولا علم لك أي فما رأيت من محمد مكيدة فعند ذلك غضب الحليس وقال يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم أيصد عن بيت الله من جاءه معظما والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد فقالوا له مه أي كف يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به
ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود الثثقفي رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك وهذا هو الذي شبهه صلى الله عليه وسلم بعيسى أبن مريم عليه السلام ولم قتله قومه قال صلى الله عليه وسلم مثله في قومه كصاحب يس كما سيأتي ذلك فقال يا معشر قريش إني رايت ما يلقى منكم من بعثموه الى محمد إذا جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد فقالوا صدقت وهذا يدل على أن ذهاب عروة بن مسعود رضي الله تعالى عنه إنما كان بعد تكرار الرسل من قريش اليه صلى الله عليه وسلم
وبه يعلم ما في المواهب أن عروة لما سمع قريشا توبخ بديلا ومن معه من خزاعة قال أي قوم الستم بالوالد إلى آخره وفي لفظ ألستم كالوالد أي كل واحد منكم كالوالد لي وانا كالولد له وقيل أنتم حي قد ولدني لأن أمه سبيعة بنت عبد شمس قالوا بلى
____________________

قال أو لست بالولد قالوا بلى قال فهل تتهموني قالوا ما أنت عندنا بمتهم فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس بين يديه ثم قال يا محمد جمعت اوباش أي أخلاط الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك أي أصلك وعشيرتك لتفضها بهم إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمر يعاهدون الله أن لا تدخلها عليه عنوة أبدا وايم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك أي انهزموا غدا وفي لفظ والله لا أرى وجوها أي عظماء وإني أرى أسرابا من الناس خليقا أي حقيقا أن يفرو ويدعوك وأبو بكر رضي الله تعالى عنه جالس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له اعضض بظر اللات والبظر قطعة تبقى في فرج المرأة بعد الختان وقيل التي تقطعها الخاتنة أنحن نكشف عنه قال من هذا يا يا محمد قالى صلى الله عليه وسلم هذا ابن ابي قحافة فقال أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها أي على هذه الكلمة التي خاطبتني بها ولكن هذه بها وفي رواية والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك بها وتلك اليد التي كانت لأبي بكر رضي الله عنه عنه عند عروة هي أن عروة استعان في حمل دية فأعانه الرجل بالواحد من الإبل والرجل بالاثنين واعانه أبو بكر رضي الله عنه بعشرة إبل شواب ثم جعل عروة يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يكلمه أي وهذه عادة العربأن الرجل يتناول لحية من يكلمه خصوصا عند الملاطفة وفي الغالب إنما يصنع ذلك النظير بالنظير لكن كأنه صلى الله عليه وسلم إنما لم يمنعه من ذلك استمالة وتأليفا له والمغيرة بضم الميم وكسرها ابن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ف الحديد وعليه المغفر فجعل يقرع يد عرة إذا تناول لحية رسول صلى الله عليه وسلم أي بنعل السيف وهو ما يكون اسفل القراب من فضة أو غيرها ويقول اكفف يدك عن وجه وفي رواية عن مس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل اليك فإنه لا ينبغي لمشرك ذلك وإنما فعل ذلك المغيرة رضي الله عنه إجلالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينظر لما هو عادة العرب فيقول للمغيرة ويحك ما أفظك وما أغظك أي وما اشد قولك وفي رواية فلما أكثر عليه غضب عروة وقال ويحك ما افضلك وما أغلظك ليت شعري من هذ الذي آذاني من بين اصحابك والله إني لا أحسب فيكم ألأم منه ولا شر منزلة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة
____________________

أي لان عروة كان عم والد المغيرة فالمعيرة يقول لهم يا عم لأن كل قريب من جهة الأب يقال له عم وليس في الصحيح لفظ ابن اخيك فقال أي غدر أي يا غادر وهل غسلت غدرتك وفي لفظ سوأتك وفي لفظ ألست أسعى ي غدرتك إلا بالأمس وفي لفظ يا غدر والله ما غسلت عنك غدرتك بعكاظ الا بالأمس وقد أورثتنا العداو من ثقيف إلى آخر الدهر
قيل أراد عروة بذلك أنه الذي ستر غدر المغيرة بالأمس لأن المغيرة رضي الله عنه قتل قبل إسلامه ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من ثقيف وفد هو وإياهم مصر على المقوقس بهدايا قال وكنا سدنة اللات أي خدامها واشتشرت عمى عروة في مرافقتهم فأشار علي بعدم ذلك قال فلم أطع رأيه فأنزلنا المقوقس في كنيسة للضيافة ثم أدخلنا عليه فقدموا الهدية له فاستخبر كبير القوم عني فقال ليس منا بل من الأحلاف فكنت أهون القم عليه فأكرمهم وقصر في حقي فلما خرجوا لم يعرض علي أحد منهم مواساة فكرهت أن يخبرا أهلنا بإكرامهم وازدراء الملك بي فأجمعت قتلهم ونزلنا محلا فعصبت رأسي فعرضوا علي الخمر فقلت رأسي تصدع ولكن أسقيكم فسقيتهم وأكثر لهم بغير مزج حتى همدوا فوثبت عليهم فقتلتهم جميعا وأخذت كل ما معهم وقدمت على نبي الله صلى الله عليه وسلم في مسجده فسلمت عليه وقلت أشهد أن لا أله ألا الله وأن محمدا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي هداك للإسلام يا مغيرة فقال أبو بكر رضي الله عنه من مصر قدمت قلت نعم قال فما فعل المالكيون الذين كانوا معك لأنهم من بني مالك فقلت كان بيني وبينهم ما يكون بين العرب وقتلتهم وجئت بأسلابهم ليخسمها النبي صلى الله عليه وسلم أو يرى فيه رأيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إسلامك فقبلته ولا آخذ من أموالهم شيئا ولا أخمسه فإن غدر والغدر لا خير فيه فقلت يا رسول الله إنما قتلتهم وأنا على دين قومي ثم أسلمت فقال صلى الله عليه وسلم الإسلام يجب ما قبله
قال وبلغ ذلك ثقيفا فتداعوا للقتال واصطلحوا على أن يحمل عمى عروة ثلاث عشرة دية
وفي رواية لما وردوا على المقوقس أعطى كل واحد منهم جائزة ولم يعط المغيرة شيئا فحقد عليهم فلما رجعوا نزلوا منزلا وشربوا خمرا ولما سكروا وناموا وثب عليهم
____________________

المغيرة فقتلهم وأخذ أموالهم وجاء وأسلم فاختصم بنو مالك مع رهط المغرة وشرعوا في المحاربة فسعى عروة في إطفاء نار الحرب وصالح بني مالك على ثلاث عشرة دية ودفعها عروة
ولما أسلم المغيرة قال له النبي صلى الله عليه وسلم أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء وفيه أن هذا مال حربي قصد أخذه والتغلب عليهم إلا أن يقال هؤلاء مؤمنون منه لأنهم اطمأنوا إليه
أي ويذكر أن المغيرة بن شعبة هذا رضي الله عنه كان من دهاة العرب واحصن في الإسلام ثمانين امرأة ويقال ثلثمائة امرأة وقيل الف امرأة
قيل لإحدى نساء المغيرة إنه لدميم أعور فقالت هو والله عسيلة يمانية في ظرف سوء
ولما ولى رضي الله عنه الكوفة ارسل يخطب بنت النعمان بن المنذر فقالت لرسوله قل له ما قصدت إلا أن يقال تزوج المغيرة الثقفي بنت النعمان بن المنذر وإلا فأي حظ لشيخ أعور في عجوز عمياء وهذه هي القائلة لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما وفدت عليه وهو والي الكوفة وأكرمها في دعائها له ** ملكتك يد افتقرت بعد غنى ** ولا ملكتك يد استغنت بعد فقر ** ولا جعل الله لك إلى لئيم حاجة ** ولا أزال عن كريم نعمة إلا جعلك السبب في عودها اليه ** إنما يكرم الكريم الكريم والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه أول من حيا سيدنا عمر رضي الله عنه بأمير المؤمنين
وعند مجئ عروة اخبر صلى الله عليه وسلم عروة بما أخبر به من تقدم من أنه لم يأت لحرب فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابه لا يتوضأ أي يغسل يديه إلا ابتدروا وضوءه أي كادوا يقتتلون عليه ولا يبصق بصاقا الا ابتدروه أي يدلك به من وقع في يده وجهه وجلده ولا يسقط من شعره شيء الا اخذوه أي وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ولا يحدون النظر اليه تعظيما له صلى الله عليه وسلم فقال يا معشر قريش إني جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه والله ما رأيت ملكا في قومه قط مثل محمد في أصحابه ولقد رايت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا فروا رأيكم فإنه عرض عليكم رشدا فاقبلوا ما عرض عليكم فإني لكم ناصح مع إني أخاف أن لا تنصروا عليه فقالت له قريش لا تتكلم بهذا
____________________


يا ابا يعفور ولكن نرده عامنا هذا ويرجع إلى قابل فقال ما أراكم إلا ستصيبكم قارعة ثم انصرف هو ومن معه إلى الطائف
وعروة هذا هو ابن مسعود الثقفي وهو عظيم القريتين الذي عنته قريش بقولها { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } وقيل المعنى بذلك الوليد بن المغيرة ويقال إن عروة هذا كان جدا للحجاج لأمه ويدل ذلك كما يدل للأول ما حكى عن الشعبي أنه سأل الحجاج وهو والي العراق حاجة فاعتل عليه فيها فكتب اليه والله لا أعذرك وأنت والي العراقين وابن عظيم القريتين
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم خراش ين أمية الخزاعي رضي الله عنه فبعثه إلى قريش وحمله صلى الله عليه وسلم على بعير له يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عقره عكرمة بن أبي جهل وأسلم بعد ذلك رضي الله عنه وأرادوا قتله فمنعه الاحابيش فخلوا سبيله حتى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما لقي ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليبعثه ليبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال يا رسول الله إنما أخاف قريشا على نفسي وما بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ولكن أدلك على رجل أعز بها مني عثمان بن عفان رضي الله عنه أي فإن بني عمه يمنعونه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه فبعثه إلى ابي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وأنه لم يأت إلا زائر لهذا البيت ومعظما لحرمته أي ولعل ذكر ابي سفيان من غلط بعض الرواة لما تقدم أنه لم يكن حاضرا بالحديبية أي صلحها وأمر صلى الله عليه وسلم عثمان أن يأتي رجالا مسلمين بمكة ونساء مسلمات يدخل عليهم ويبشرهم بالفتح ويخبرهم أن الله وشيك أي قريب أن يظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالإيمان
وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم بعث عثمان رضي الله عنه بكتاب لقريش أي قيل فيه إنه ما جاء لحرب أحد وإنما جاء معتمرا بدليل ما يأتي في ردهم عليه وقيل فيه ما وقع بين النبي صلى الله عليه وسلم وسهيل بن عمر وليقع الصلح بينهم على أن يرجع في هذه السنة الحديث وأنهم لما احتبسوه أمسك صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو عنده كذا في شرح الهمزية لان حجر وقدمه على الأول فليتأمل
____________________


فخرج عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى مكة ودخل مكة من الصحابة عشرة أيضا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ليزوروا أهاليهم لم أقف على اسمائهم ولم أقف على أنهم هل دخلوا مع عثمان أم لا فلقيه قبل أن يدخل مكة أبان بن سعيد بن العاص رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك قبل خيبر فأجاره حتى يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعله بين يديه فجاء إلى أبي سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ارسله به أي وهم يردون عليه إن محمدا لا يدخلها علينا أبدا فلما فرغ عثمان من تبليغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له إن شئت أن تطوف بالبيت فطف وفي رواية قال له أبان إن شئت أن تطوف بالبيت فطف قال ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال وقال المسلمون قد خلص عثمان إلى البيت فطاف به دوننا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أظنه طاف بالبيت ونحن محصورون وقال وما يمنعه يا رسول الله وقل خلص إليه قال ذلك ظني به أن لا يطوف بالكعبة حتى نطوف لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف به حتى أطوف فلما رجع عثمان وقالوا له في ذلك أي قالوا طفت بالبيت قال بئسما ظننتم بي دعتني قريش إلى أن أطوف بالبيت فأبيت والذي نفسي بيده لو مكث بها معتمرا سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيما بالحديبية ما طفت حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم اه
وكانت قريش قد احتبست عثمان عندها ثلاثة أيام فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان رضي الله عنه قد قتل أي وكذا قتل معه العشرة رجال الذين دخلوا مكة أيضا فقال صلى الله عليه وسلم عند بلوغه ذلك لا نبرح حتى نناجز القوم أي نقاتلهم ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة أي بعد أن قال لهم إن الله أمرني بالبيعة فعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه بينما نحن جلوس قائلون إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وهو عمر بن الخطاب أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس فاخرجوا على اسم اله فسرنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة فبايعناه أي وبايعه الناس على عدم الفرار وأنه إما الفتح وإما الشهادة وهذا هو المراد بما جاء في بعض الروايات فبايعناه على الموت ولم يتخلف منا أحد إلا الجد بن قيس قال لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته يستتر بها من الناس وقد قيل
____________________

إنه كان يرمى بالنفاق وقد نزل في حقه في غزوة أي غزوة تبوك من الآيات ما يدل على ذلك كما سيأتي وهو ابن عمة البراء بن معرور رضي الله عنه وكان سيد بني سلمة بسكر اللام في الجاهلية وقد قال صلى الله عليه وسلم لبني سلمة من سيدكم قالوا الجد بن قيس أي على بخل فيه قال وأي أدوأ من البخل ثم قال صلى الله عليه وسلم بل سيدكم عمرو بن الجموح وقيل قالوا يا رسول الله من سيدنا قال سيدكم بشر بن البراء بن معرور وهذا قال ابن عبد البر إن النفس اليه أميل ومما يدل للأول ما أنشده شاعر الأنصار رضي الله عنهم من قوله ** وقال رسول الله والحق قوله ** لمن قال منا من تسموه سيدا ** ** فقالوا له جد بن قيس على التي ** نبخله فيها وإن كان أسودا ** ** فتى ما يخطى خطوه لدنيئه ** ولا مد يوما ما الى سوأة يدا ** ** فسود عمرو بن الجموح لجوده ** وحق لعمرو بالندى لأن يسودا ** ** إذ جاءه السؤال أنهب ماله ** وقال خذوه إنه عائد غدا ** ** ولو كنت يا جد بن قيس على التي ** على مثلها عمر ولكنت المسودا **
أي وبايع صلى الله عليه وسلم عن عثمان فوضع يده على يده أي وضع يده اليمنى على يده اليسرى وقال اللهم إن هذه عن عثمان فانه في حاجتك وحاجة رسولك أي وفي لفظ قال اللهم إن عثمان ذهب في حاجة الله وحاجة رسوله فأنا أبايع عنه فضرب بيمينه شماله وما ذاك إلا أنه صلى الله عليه وسلم علم بعدم صحة القول بأن عثمان قد قتل أو أن ذلك كان بعد مجئ الخبر له صلى الله عليه وسلم بأن القول بقتل عثمان رضي الله عنه باطل
وفيه أنه حيث علم صلى الله عليه وسلم أن عثمان لم يقتل لا معنى للبيعة لأن سببها كما علمت بلوغه الخبر أن عثمان قد قتل
إلا أن يقال سببها ما ذكر وقتل العشرة من الصحابة ويدل لذلك ما يأتي قريبا أن عثمان رضي الله عنه بايع بعد مجيئه من مكة فليتأمل أي وبهذا يرد ما تمسك به بعض الشيعة في تفضيل علي كرم الله وجهه على عثمان رضي الله عنه لأن عليا كان من جملة من بايع تحت الشجرة وقد خوطبوا بقوله صلى الله عليه وسلم أنتم خير أهل الأرض فإنه صريح في تفضيل أهل الشجرة على غيرهم
____________________


وأيضا على حضر بدرا دون عثمان وقد جاء مرفوعا لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية
وحاصل الرد أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع عن عثمان مع الاعتذار عنه بأنه في حاجة الله وحاجة رسوله صلى الله عليه وسلم وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه عن بدر لتمريض بنته صلى الله عليه وسلم واسهم له كما تقدم فهو في حكم من حضرها على أنه سيأتي أنه رضي الله عنه بايع تحت تلك الشجرة بعد مجيئه من مكة واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم أنتم خير أهل الأرض على عدم حياة الخضر عليه الصلاة والسلام حينئذ لأنه يلزم أن يكون غير النبي أفضل منه وقد قامت الأدلة الواضحة على ثبوت نبوته كما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى وقد أشار إلى امتناع عثمان رضي الله تعالى عنه من الطواف وإلى عدم صحة القول بأن عثمان قتل وإلى مبايعته صلى الله عليه وسلم عنه صاحب الهمزية بقوله رحمه الله ** وأبى أن يطوف البيت إذ لم ** يدن منه إلى النبي فناء ** ** فجزته عنها ببيعة رضوا ** ن يد من نبيه بيضاء ** ** أدب عنده تضاعفت الأء ** مال بالترك حبذا الأدباء **
أي وامتنع رضي الله عنه أن يطوف بالبيت لأجل أنه لم يقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من البيت جانب فجزته عن تلك الفعلة وهي ذهابه اليهم وامتناعه من الطواف يد من نبيه عليه الصلاة والسلام تلك اليد البالغة في الكرم وذلك في بيعة الرضوان وذلك أدب عظيم عند عثمان رضي الله تعالى عنه حصل منه أمر عظيم مستغرب هو تضاعف ثواب الأعمال التي تركها بسبب تركها وهي الطواف
وذكر أن قريشا بعثت إلى عبد الله بن أبي ابن سلول إن أحببت أن تدخل فتطوف بالبيت فافعل فقال له ابنه عبد الله رضي الله عنه يا أبت أذكرك الله أن لا تفضحنا في كل موطن تطوف ولم يطف رسول الله صلى الله عليه وسلم فابى حينئذ وقال لا أطوف حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي لفظ قال إن لي في رسول الله أسوة حسنة فلما بلغ رسول صلى الله عليه وسلم امتناعه رضي الله عنه أثنى عليه بذلك
وكانت البيعة تحت الشجرة هناك أي من أشجار السمر أي ولما جاء عثمان رضي الله
____________________

تعالى عنه بايع تحت تلك الشجرة وقيل لها بيعة الرضوان أي لانه صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل النار احد بايع تحت الشجرة رواه مسلم وكانوا ألفا وأربعمائة على الصحيح
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال يا أيها الناس إن الله قد غفر لأهل بدر والحديبية وتقدم أن الواو بمعنى أو في حديث لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية بدليل رواية مسلم هذه
ومن ثم قال ابن عبد البر رحمه الله ليس في غزواته صلى الله عليه وسلم ما يعدل بدرا أو يقرب منها إلا غزوة الحديبية والراجح تقديم غزوة أحد على غزوة الحديبية وأنها التي تلى بدرا في الفضيلة وأول من بايعه صلى الله عليه وسلم سنان بن أبي سنان الأسدي كذا في الأصل أنه الصواب بعد أن حكى أن أول من بايع أبو سنان أي وهو ما ذهب اليه في الاستيعاب حيث قال الأكثر الأشهر أن أبا سنان أول من بايع بيعة الرضوان أي لا ابنه سنان وأبو سنان هذا هو أخو عكاشة بن محصن رضي الله عنه وكان أكبر من أخيه عكاشة بعشرين سنة وضعفه في الأصل بأن أبا سنان رضي الله عنه مات في حصار بني قريظة ودفن بمقبرتهم أي كما تقدم
ولما بايعه سنان قال للنبي صلى الله عليه وسلم أبايعك على ما في نفسك قال وما في نفسي قال أضرب بسيفي بين يديك حتى يظهرك الله أو أقتل وصار الناس يقولون له صلى الله عليه وسلم نبايعك على ما بايعك عليه سنان
وقيل أول من بايع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقيل سلمة بن الأكوع
قال وذكر أن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه بايع ثلاث مرات أول الناس ووسط الناس وآخر الناس بأمره له صلى الله عليه وسلم في الثانية والثالثة بعد قول سلمة له قد بايعت فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيضا وذلك ليكون له في ذلك فضيلة أي لأنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يؤكد بيعته لعلمه بشجاعته وعنايته بالإسلام وشهرته في الثبات أي بدليل ما وقع له رضي الله عنه في غزوة ذي قرد بناء على تقدمها على ما هنا أو تفرس فيه صلى الله عليه وسلم ذلك بناء على تأخرها وبايع عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما مرتين
أي وقد قيل في سبب نزول قوله تعالى { لا تحلوا شعائر الله } الآية أن المسلمين لما
____________________

صدوا عن البيت بالحديبية مر بهم ناس من المشركين يريدون العمرة فقال المسلمون نصد هؤلاء كما صدنا أصحابه فأنزل الله تعالى الآية أي لا تصدوا هؤلاء العمار أن صدكم اصحابهم
قال وكان محمد بن مسلمة رضي الله عنه على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثت قريش أربعين وقيل خمسين رجلا عليهم مكرز بن حفص أي وهو الذي بعثته قريش له صلى الله عليه وسلم ليسأله فيما جاء وقال صلى الله عليه وسلم في حقه هذا رجل غادر وفي لفظ رجل فاجر ليطوفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا رجاء أن يصيبوا منهم أحدا أو يجدوا منهم غرة أي غفلة فأخذهم محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلا مكرزا فإنه أفلت وصدق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم إنه رجل فاجر أو غادر كما تقدم وأتى بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسوا وبلغ قريشا حبس اصحابهم فجاء جمع منهم حتى رموا المسلمين بالنبل والحجارة وقتل من المسلمين ابن زنيم رضي الله عنه رمى بسهم فأسر المسلمون منهم اثني عشر رجلا
وعند ذلك بعثت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعا منهم سهيل بن عمرو فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه سهل أمركم فقال سهيل يا محمد إن الذي كان من حبس أصحابك أي عثمان والعشرة رجال وما كان من قتال من قاتلك لم يكن من رأى ذوي رأينا بل كنا كارهين له حين بلغنا ولم نعلم به وكان من سفهائنا فابعث الينا بأصحابنا الذين أسرت أولا وثانيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني غير مرسلهم حتى ترسلوا أصحابي فقالوا نفعل فبعث سهيل ومن معه إلى قريش بذلك فبعثوا بمن كان عندهم وهو عثمان والعشرة رجال فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابهم انتهى
ولما علمت قريش بهذه البيعة خافوا وأشار أهل الرأي بالصلح على أن يرجع ويعود من قابل فيقيم ثلاثا معه سلاح الراكب السيوف في القرب والقوس فبعثوا سهيل ابن عمرو أي ثانيا ومعه مكرز بن حفص وحويطب بن عبد العزى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصالحوه على أن يرجع في عامه هذا لئلا تتحدث العرب بأنه دخل عنوة أي وانه يعود من قابل فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا قال اراد القوم الصلح حيث بعثوا هذا الرجل أي ثانيا فلما انتهى سهيل إلى
____________________

رسول الله صلى الله عليه وسلم جثا على ركبتيه بين يديه صلى الله عليه وسلم والمسلمون حوله جلوس وتكلم فأطال ثم تراجعا أي ومن جملة ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به فقال له سهيل والله لا تتحدث العرب بنا أنا أخذنا ضغطة بالضم أي بالشدة والإكراه ولكن ذلك من العام القابل ثم التأم الأمر بينهما على الصلح على ترك القتال إلى آخر ما يأتي ولم يبق إلا الكتاب بذلك
وعند ذلك وثب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأتى ابا بكر رضي الله عنه فقال له يا ابا بكر اليس هو برسول الله صلى الله عليه وسلم قال بلى قال أو لسنا بالمسلمين قال بلى قال او ليسوا بالمشركين قال بلى قال فعلام نعطي الدنية بفتح الدال وكسر النون وتشديد الياء النقيصة والخصلة المذمومة في ديننا فقال له أبو بكر رضي الله عنه يا عمر الزم غرزه أي ركابه وفي رواية أنه قال له أيها الرجل إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصى ربه وهو ناصره استمسك بغرزه حتى تموت فإني أشهد أنه رسول الله قال عمر رضي الله عنه وأنا أشهد أنه رسول الله ثم أتى عمر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مثل ما قال لأبي بكر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولم يضيعني
ولقي عمر رضي الله عنه من ذلك الشروط الآتي ذكرها أمرا عظيما وجعل يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام حتى قال له أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ألا تسمع يا ابن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما يقول نعوذ بالله من الشيطان الرجيم فجعل يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمر إني رضيت وتأبى فكان عمر رضي الله عنه يقول ما زلت أصوم واتصدق واصلى واعتق مخافة كلامي الذي تكلمت به حين رجوت أن يكون هذا خيرا
هذا والذي في الإمتاع عكس ما هنا أي أنه قال ما ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أولا ثم لأبي بكر ثانيا ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أي بعد أن كان أمر أوس بن خولة أن يكتب فقال له سهيل لا يكتب إلا ابن عمك على أو عثمان بن عفان فأمر عليا كرم الله وجهه فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو لا أعرف هذا أي الرحمن الرحيم ولكن أكتب باسمك اللهم فكتبها لأن قريشا كانت تقولها وأول من كتبها أمية بن أبي الصلت ومنه
____________________

تعلموها وتعلمها هو من رجل من الجن في خبر ذكره المسعودي أي وإنما كتبها بعد أن قال المسلمون والله لا يكتب إلا بسم الله الرحمن الرحيم فضج المسلمون
وعن الشعبي رحمه الله كان أهل الجاهلية يكتبون باسمك اللهم فكتب النبي أول ما كتب باسمك اللهم وتقدم أنه كتب ذلك في أربع كتب حتى نزلت { بسم الله مجراها ومرساها } فكتب باسم الله ثم نزلت { ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } فكتب بسم الله الرحمن ثم نزلت { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } أي فكتبها وهذا السياق يدل على تأخر نزول الفاتحة عن هذه الآيات لأن البسملة نزلت أولها وتقدم الخلاف في وقت نزولها فليتأمل ثم قال صلى الله عليه وسلم اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال سهيل بن عمرو لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ولم اصدك عن البيت ولكن اكتب باسمك واسم ابيك أي وفي لفظ لو أعلم أنك رسول الله ما خالفتك واتبعتك أفترغب عن اسمك واسم ابيك محمد بن عبد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه امحه وفي لفظ امح رسول الله فقال علي كرم الله وجهه ما أنا بالذي أمحاه وفي لفظ لا أمحوك وفي لفظ والله لا أمحوك أبدا فقال أرنيه فأراه إياه فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة وقال اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو وقال أنا والله رسول الله وإن كذبتموني وأنا محمد بن عبد الله وفي لفظ فجعل علي يتلكأ ويأبى أن يكتب إلا محمد رسول الله فقال له صلى الله عليه وسلم اكتب فإن لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد أي مقهور
وهو إشارة منه صلى الله عليه وسلم لما سيقع بين علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما فإنهما في حرب صفين وقعت بينهما المصالحة على ترك القتال إلى رأس الحول وكان القتال في صفر دام مائة يوم وعشرة أيام قتل فيه سبعون ألفا خمسة وعشرون ألفا من جيش علي كرم الله وجهه من جملة تسعين ألفا وخمسة وأربعون ألفا من جيش معاوية من جملة مائة وعشرين ألفا
فلما كتب الكاتب في الصلح هذا ما صالح عليه امير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال عمرو بن العاص رضي الله عنهما الذي هو أحد الحكمين اكتب اسمه واسم ابيه وأرسل معاوية يقول لعمرو
____________________

لا تكتب أن عليا أمير المؤمنين لو كنت أعلم أنه أمير المؤمنين ما قاتلته فبئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم أقاتله ولكن اكتب علي بن أبي طالب وامح أمير المؤمنين فقيل له يا أمير المؤمنين لا تمح إمارة اسم امير المؤمنين فإنك إن محوتها لا تعود إليك فلما سمع علي كرم الله وجهه ذلك وأمره بمحوها وقال امحها تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية ما تقدم ومن ثم قال الله أكبر مثلا بمثل والله إني لكاتب رسول الله يوم الحديبية إذ قالوا لست برسول الله ولا نشهد لك بذلك اكتب اسمك واسم ابيك محمد بن عبد الله فقال عمرو بن العاص رضي الله عنه سبحان الله أنتشبه بالكفار فقال له علي كرم الله وجهه يا ابن النابغة أي العاهرة ومتى كنت عدوا للمسلمين هل تشبه إلا أمك التي وقعت بك فقال عمرو لايجمع بيني وبينك مجلس أبدا فقال علي كرم الله وجهه إني لأرجو الله أن يطهر مجلسي منك ومن أشباهك
وذكر أن أسيد بن حضير وسعد بن عبادة رضي الله عنهما أخذا بيد علي كرم الله وجهه ومنعاه أن يكتب إلا محمد رسول الله وإلا فالسيف بيننا وبينهم وضجت المسلمون وارتفعت الأصوات وجعلوا يقولون لم نعط هذه الدنية في ديننا فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم ويومئ بيده إليهم أن اسكتوا ثم قال أرنيه الحديث وكان الصلح على وضع الحرب عن الناس عشر سنين وقيل سنتين وقيل اربع سنين أي وصححه الحاكم تأمن فيه الناس ويكف بعضهم عن بعض أي ويقال لهذا العقد هدنة ومهادنة وموادعة ومسالمة وقال زيادة على اشتراط الكف عن الحرب على أنه من أتى محمدا صلى الله عليه وسلم من قريش ممن هو على دين محمد بغير إذن وليه رده إليه ذكرا كان أو انثى
قال السهيلي رحمه الله وفي رد المسلم إلى مكة عمارة البيت وزيادة خير له في الصلاة بالمسجد الحرام والطواف بالبيت فكان هذا من تعظيم حرمات الله هذا كلامه ومن أتى قريشا ممن كان مع محمد أي مرتدا ذكرا كان أو أنثى لم نرده اليه
وهذا الثاني يوافق قول أئمتنا معاشر الشافعية يجوز شرط أن لا يردوا من جائهم مرتدا والأول يخالف قولهم لا يجوز شرط رد مسلمة تأتينا منهم فإن شرط فسد الشرط والعقد إلا أن يقال هذا ما وقع عليه الأمر أولا ثم نسخ كما سيأتي وشرطوا أنه من احب أن يدخل
____________________

في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه وأن بيننا وبينكم عيبة مكفوفة أي صدورا منطوية على ما فيها لا تبدي عداوة وقيل صدورا نقية من الغل والخداع منطوية على الوفاء بالصلح وأنه لا إسلال ولا إغلال أي لا سرقة ولا خيانة قال سهيل وأنك ترجع عامك هذا فلا تدخل مكة وأنه إذا كان عام قابل خرج منها قريش فتدخلها بأصحابك فاقمت بها ثلاثة أي ثلاثة أيام معك سلاح الراكب السيوف في القرب والقوس لا تدخلها بغيرها
ويقال إنه صلى الله عليه وسلم هو الذي كتب الكتاب بيده الشريفة وهو ما وقع في البخاري أي اطلق الله يده صلى الله عليه وسلم بالكتابة في تلك الساعة خاصة وعد معجزة له
قال بعضهم لم يعتبره أي القول بذلك أهل العلم ومعنى كتب أمر الكتابة وفي النور وفي كون هذا أي أنه كتب بيده في البخاري فيه نظر والذي في البخاري واخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب ليكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد الحديث أي فلفظة بيده ليست في البخاري ومع اسقاطها التأويل ممكن وتمسك بظاهر قوله فكتب أبو الوليد الباجي المالكي رحمه الله على أنه صلى الله عليه وسلم كتب بيده فشنع عليه علماء الاندلس في زمانه بأن هذا مخالف للقرآن فناظرهم واستظهر عليهم بأن هذا لا ينافي القرآن وهو قوله تعالى { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك } لأن هذا النفي مقيد بما قبل ورود القرآن وبعد أن تحققت أميته صلى الله عليه وسلم وتقررت بذلك معجزته لا مانع من أن يعرف الكتابة من غير معلم فتكون معجزة أخرى ولا يخرجه ذلك عن كونه أميا
أي ويقال إن الذي كتب هذا الكتاب محمد بن مسلمة رضي الله عنه وعده الحافظ ابن حجر رحمه الله من الاوهام
وجمع بأن أصل هذا الكتاب كتبه علي كرم الله وجهه ونسخ مثله محمد بن مسلمة رضي الله عنه لسهيل بن عمرو أي فإن سهيلا قال يكون هذا الكتاب عندي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل عندي فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كتب لسهيل نسخة أخذها عنده وعند كتابته اشترط ان يرد اليهم من جاء مسلما قال المسلمون سبحان الله كيف نرد للمشركين من جاء مسلما وعسر عليم شرط
____________________

ذلك وقالوا يا رسول الله أتكتب هذا قال نعم إنه من ذهب منا اليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم فرددناه اليهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا وفي لفظ قال عمر يا رسول الله أترضى بهذا فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال من جاءنا منهم فرددناه اليهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا ومن أعرض عنها وذهب اليهم فلسنا منه في شيء وليس منا بل اولى بهم
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وسهيل بن عمرو يكتبان الكتاب بالشروط المذكورة إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو إلى المسلمين يرسف في الحديد أي يمشي في قيوده متوشحا سيفه قد افلت إلى أن جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورمى بنفسه بين أظهر المسلمين فجعل المسلمون يرحبون به ويهنئونه فلما رأى سهيل ابنه أبا جندل قام اليه فضرب وجهه وفي لفظ أخذ غصنا من شجرة به شوك وضرب به وجه ابي جندل ضربا شديدا حتى رق عليه المسلمون وبكوا وأخذ بتلبيته وقال يا محمد هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلى لقد لجت القضية بيني وبينك أي وجبت وتمت قبل أن يأتيك هذا قال صدقت فجعل ينثره بتلبيته ويجره ليرده إلى قريش وجعل ابو جندل رضي الله عنه يصرخ بأعلى صوته يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين يفتنوني عن ديني الا ترون ما لقيت فإنه رضي الله عنه كان عذب عذابا شديدا على أن يرجع عن الإسلام فزاد الناس ذلك إلى ما بهم أي فإنهم كانوا لا يشكون في دخولهم مكة وطوافهم بالبيت للرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوا الصلح وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه داخلهم من ذلك امر عظيم حتى كادوا يهلكون خصوصا من اشترط أن يرد إلى المشركين من جاء مسلما منهم أي ورد أبي جندل اليهم بعد ضربه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله أن لا نغدر بهم
وبهذا استدل أئمتنا على أنه يجوز شرط رد من جاءنا منهم مسلما إليهم ولا نرده اليهم إلا إذا كان حرا ذكرا غير صبي ومجنون وطلبته عشيرته
وفي لفظ آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسهيل إنا لم نفض الكتاب بعد فقال بلى لقد لجت القضية بيني وبينك أي تم العقد فرده فقال النبي صلى الله عليه
____________________

وسلم فأجره لي فقال ما أنا مجير ذلك لك قال بلى فافعل قال ما انا بفاعل فقال مكروز وحويطب قد أجرناه لك لا نعذبه
أي وهذا وما تقدم يخالف قول ابن حجر الهيتمي رحمه الله ان مجيء أبي جندل كان قبل عقد الهدنه معهم رواه البخاري وعند ذلك قال حويطب لمكرز ما رأيت قوما قط أشد حبا لمن دخل معهم من أصحاب محمد أما أني اقول لك لا تأخذ من محمد نصفا ابدا بعد هذا اليوم حتى يدخلها عنوه فقال مكرز وأنا أرى ذلك
وعند ذلك وثب عمر بن الخطاب رضى الله عنه ومشى الى جنب ابي جندل أى وابوه سهيل بجنبه يدفعه وصار عمر رضى الله عنه يقول لابي جندل اصبر يا أبا جندل فانما هم المشركون وانما دم احدهم كدم كلب اى ومعك السيف يعرض له بقتل أبيه اى وفى روايه ان دم الكافر عند الله كدم الكلب ويدني قائم السيف منه أى وفى لفظ وجعل يقول يا أبا جندل ان الرجل يقتل أباه فى الله والله لو أدركنا أباءنا لقتلناهم فى الله فقال له أبو جندل ما لك لا تقتله أنت فقال عمر نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله وقتل غيره فقال أبو جندل رضى الله عنه ما أنت أحق بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم مني فقال عمر رضى الله عنه وددت أن يأخذ السيف فيضرب أباه فضن الرجل بأبيه
وفيه كيف يظن عمر حينئذ جواز قتله لآبيه حتى يعرض له به الا أن يقال ظن ذلك لكونه يريد أن يفتنه عن دينه ويرجع الى الكفر وإن كان صلى الله عليه وسلم قال له يا أبا جندل اضبر واحتسب
ورجع أبو جندل الى مكه فى جوار مكرز بن حفص أى وحويصب فأدخلاه مكانا وكف عنه أبوه
وأبو جندل اسمه العاص وهو اخو عبد الله بن سهيل بن عمرو وإسلام عبد الله سابق على اسلام ابي جندل لآن عبد الله شهد بدرا أي فإنه خرج مع المشركين لبدر ثم انحاز من المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد معه بدرا والمشاهد كلها وأبو جندل رضي الله عنه أول مشاهده الفتح
ودخلت خزانمة في عقده صلى الله عليه وسلم وعهده أي وفي لفظ ووثب من هناك من خزاعة فقالوا نحن ندخل في عهد محمد وعقده ونحن على من وراءنا من قومنا ودخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم
____________________


ويذكر أن حويطبا قال لسهيل بادأنا أخوا لك يعني خزاعة بالعداوة وكانوا يستترون منا فدخلوا في عهد محمد وعقده فقال له سهيل ما هم الا كغيرهم هؤلاء أقاربنا ولحمتنا قد دخلوا مع محمد قوم اختاروا لانفسهم أمرا فما نصنع بهم أن ننصر عليهم حلفاءنا بني بكر قال سهيل إياك أن يسمع هذا قال منك بنو بكر فإنهم أهل شؤم فيسبوا خزاعة فيغضب محمد لحلفائه فينقض العهد بيننا وبينه
ومن هذا التقرير يعلم أن بيعة الرضوان كانت قبل الصلح وأنها سبب الباعث لقريش عليه
ووقع في المواهب ما يقتضي ان بيعة الرضوان كانت قبل الصلح وأنها السبب الباعث لقريش عليه
ووقع في المواهب ما يقتضي أن البيعة كانت بعد الصلح وأن الكتاب الذي ذهب به عثمان كان متضمنا للصلح الذي وقع بينه صلى الله عليه وسلم وبين سهيل بن عمرو فحبست قريش عثمان فحبس صلى الله عليه وسلم سهيلا ولا يخفى عليك ما فيه
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ا لصلح وأشهد عليه رجالا من المسلمين أي أبا بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبا عبيدة بن الجراح ومحمد بن مسلمة أي ورجالا من قريش حويطبا ومكرزا قام إلى هدية فنحره ومن جملته جمل لابي جهل وكان نجيبا مهريا وكان يضرب في لقاحه صلى الله عليه وسلم في رأسه برة أي حلقة من فضة وقيل من ذهب ليغيظ بذلك المشركين غنمه صلى الله عليه وسلم يوم بدر كما تقدم
وقال وقد كان فر من الحديبية ودخل مكة وانتهى إلى دار أبي جهل وخرج في أثره عمرو بن غنمة الأنصاري فأبى سفهاء مكة أن يعطوه حتى امرهم سهيل بن عمرو بدفعه ودفعوا فيه عدة ثياب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أنا سميناه في الهدى فعلنا انتهى
وفي لفظ قال لهم سهيل بن عمرو إن تريدوه فاعرضوا على محمد مائة من الإبل فإن قبلها فأمسكوا هذا الجمل وإلا فلا تتعرضوا له أي فعرضوا عليه صلى الله عليه وسلم ذلك فأبى وقال لو لم يكن هذا الجمل للهدى لقبلت المائة وفرق صلى الله عليه وسلم لحم الهدى على الفقراء الذين حضروا الحديبية
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى مكة عشرين بدنة مع ناحية حتى نحرت
____________________

بالمروة وقسموا لحمها على فقراء مكة ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه وكان الحالق لرأسه خراش بن أمية الخزاعي الذي بعثه إلى قريش فعقروا جمله وأرادوا قتله كما تقدم
فلما رأى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون وقصر بعضهم كعثمان وأبي قتادة
وفي كلام بعضهم أي وهو السهيلي أنه لم يقصر غيرهما ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة واحدة فقال اللهم ارحم المحلقين وفي لفظ يرحم الله المحلقين وفي لفظ اللهم اغفر للمحلقين قالوا والمقصرين فقال يرحم الله المحلقين أو قال اللهم ارحم المحلقين أو اللهم اغفر للمحلقين قالوا والمقصرين فقال يرحم الله المحلقين والمقصرين وفي رواية قال والمقصرين في الرابعة وقد قالوا له يا رسول الله لم ظاهرت أي أظهرت الترحم للمحلقين دون المقصرين قال لأنهم لم يشكوا أي لم يرجوا أن يطوفوا بالبيت بخلاف المقصرين أي لأن الظاهر من حالهم أنهم أخروا بقية شعورهم رجاء أن يحلقوها بعد طوافهم بالبيت
وأرسل الله سبحانه وتعالى ريحا عاصفة احتملت شعورهم فألقتها في الحرم وفيه أنه تقدم أن الحديبية أكثرها في الحرم فاستبشروا بقبول عمرتهم
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من الكتاب أمرهم بالنحر والحلق قال ذلك ثلاث مرات فلم يقم منهم احد فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة رضي الله عنها أي وهو شديد الغضب فاضطجع فقالت مالك يا رسول الله مرارا وهو لا يجيبها ثم ذكر لها ما لقي من الناس وقال لها هلك المسلمون أمرتهم أن ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا وفي لفظ قال عجبا يا أم سلمة ألا ترين إلى الناس آمرهم بالأمر فلا يفعلونه قلت لهم انحروا واحلقوا وحلوا مرارا فلم يجبني أحد من الناس إلى ذلك وهم يسمعون كلامي وينظرون وجهي فقالت يا رسول الله لا تلمهم فإنهم قد داخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح ثم أشارت عليه صلى الله عليه وسلم أن يخرج ولا يكلم أحدا منهم وينحر بدنه ويحلق رأسه ففعل كذلك أي أخذ الحربة وقصد هديه وأهوى بالحربة إلى البدن رافعا صوته بسم الله والله أكبر ثم دخل صلى الله عليه وسلم قبة له من أدم أحمر ودعا بخراش فحلق رأسه ورمى شعره على شجرة فأخذه الناس وتحاصوه وأخذت أم عمارة رضي الله عنها طاقات منه فكانت تغسلها للمريض وتسقيه فيبرأ فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وحلقوا ثم انصرف صلى الله
____________________

عليه وسلم قافلا إلى المدينة أي بعد أن أقام بالحديبية تسعة عشر يوما وقيل عشرين يوما
فلما كان صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة أي بكراع الغميم أنزلت عليه سورة الفتح أي وقال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أنزلت علي سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس وحصل للناس مجاعة فقالوا يا رسول الله جهدنا أي اصابنا الجهد وهو المشقة من الجوع وفي الناس ظهر أي إبل فانحره لنأكل من لحمه ولندهن من شحمه ولنحتذى من جلوده فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا تفعل يا رسول الله فإن الناس إن يكن فيهم بقية ظهر أمثل كيف بنا إذا لاقينا العدو غدا جياعا ورجالا أي ثم قال ولكن إن رأيت أن تدعو الناس إلى أن يجمعوا بقايا أزوادهم ثم تدعوا فيها بالبركة فإن الله سيبلغها بدعوتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابسطوا أنطاعكم وعباءكم ففعلوا ثم قال من كان عنده بقية من زاد او طعام فلينثره ودعا لهم ثم قال قربوا أوعيتكم فأخذوا ما شاء الله أي وحشوا أوعيتهم وأكلوا حتى شبعوا وبقي مثله
وفي مسلم خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فأخذنا جهد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم فجمعنا من أزوادنا فبسطنا له نطعا فاجتمع زاد القوم على النطع فكان كربضة العنز أي كقدر العنز وهي رابضة أي باركة وكنا أربع عشرة مائة وقال الراوي فأكلنا حتى شبعنا ثم حشونا جربنا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله والله لا يلقى الله عبد مؤمن بهما إلا حجب من النار وقال صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه هل من وضوء بفتح الواو وهو ما يتوضأ به فجاء رجل باداوة وهي الركوة فيها نطفة من ماء أي قليل من ماء وقيل للماء نطفة لأنه ينطف أي يصب فأفرغها في قدح أي ووضع راحته الشريفة في ذلك الماء قال الراوي فتوضأنا كلنا أي الأربع عشرة مائة ندغفقه دغفقة أي نصبه صبا شديدا ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا هل من طهور فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرغ الوضوء وإلى تكثير الطعام والماء أشار صاحب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله في وصف راحته الشريفة
____________________

** أحييت المرملين من موت جهد ** أعوز القوم فيها زاد وماء **
أي حفظت على المحتاجين للزاد والماء حياتهم فسلموا من موت قحط شديد أعوذ القوم في ذلك القحط زاد وماء وقال الإمام السبكي في تائيته في تكثير الماء ** وعندي يمين لا يمين بأن في ** يمينك وكفا حيثما السحب ضنت **
ولما أنزلت عليه صلى الله عليه وسلم سورة الفتح قال له جبريل عليه السلام نهنئك يا رسول الله وهنأه المسلمون وتكلم بعض الصحابة وقال ما هذا بفتح لقد صدونا عن البيت وصد هدينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك بئس الكلام بل هو أعظم الفتح لقد رضى المشركون أن يدفعوكم بالبراح عن بلادهم وسألوكم القضية ويربحوا اليكم في الأمان وقد رأوا منكم ما كرهوا وأظفركم الله عليهم وردكم الله تعالى سالمين مأجورين فهو أعظم الفتوح انسيتم يوم أحد { إذ تصعدون ولا تلوون على أحد } وأنا أدعوكم في أخراكم ونسيتم يوم الاحزاب { إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا } فقال المسلمون صدق الله ورسوله فهو أعظم الفتوح والله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه ولأنت أعلم بالله وبأمره منا وقال له بعض الصحابة أي وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا رسول الله ألم تقل إنك تدخل مكة آمنا قال بلى أفقلت لكم من عامي هذا قالوا لا قال فهو كما قال جبريل عليه السلام فإنكم تأتونه وتطوفون به
أقول فيه أنه تقدم أن ذلك كان عن رؤيا لا عن وحي إلا أن يقال يجوز أن يكون جاءه صلى الله عليه وسلم الوحي بمثل ما رأى ثم اخبرهم بذلك والله اعلم
وفي لفظ لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحديبية أنه يدخل مكة هو واصحابه آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين وأخبرهم بذلك فلما صدوا قالوا له اين رؤياك يا رسول الله فانزل الله تعالى { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } الآية
أقول ولا يخالف هذا ما تقدم أن الرؤيا المذكورة كانت بالمدينة وأنها السبب الحامل على الإحرام بالعمرة لجواز تكرار الرؤيا وأن الأولى اقترن بها الوحي
وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة عام القضية وحلق رأسه قال هذا الذي وعدتكم فلما كان يوم الفتح وأخذ المفتاح قال ادعوا لي عمر بن الخطاب فقال هذا الذي قلت لكم
____________________


ولما كان في حجة الوداع ووقف صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال لعر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الذي قلت لكم وفيه أنه لم يتقدم في الرؤيا أنه صلى الله عليه وسلم يأخذ المفتاح ولا أن يقف بفعرة إلا أن يقال يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك بعد الرؤيا وأن المراد مجرد دخول مكة والله أعلم
وأصابهم مطر في الحديبية لم يبل أسفل نعالم أي ليلا فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صلوا في رحالكم
أي ووقع مثل ذلك في حنين أنه أصابهم مثله فأمر صلى الله عليه وسلم مناديه أن ينادي ألا صلوا في رحالكم
وقال صلى الله عليه وسلم صبيحة ليلة الحديبية لما صلى بهم أتدرون ما قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال قال الله عز وجل أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا برحمة الله وفضله فهو مؤمن بالله وكافر بالكواكب ومن قال مطرنا بنجم كذا وفي رواية بنو كذا وكذا فهو مؤمن بالكواكب كافر بي وهذا عند أئمتنا مكروه لا حرام أي لأن المراد بالإيمان شكر نعمة الله حيث نسبها الى الله والكفر كفران النعمة حيث نسبها لغيره فإن اعقتد أن النجم هو الفاعل كان الكفر فيه على حقيقته وهو ضد الإيمان والأول إنما نهى عنه لأن كان من أمر الجاهلية وإلا فهذا التركيب لا يقتضي أن يكون نؤ كذا فاعلا ومن ثم لو قال مطرنا في نؤ كذا أي في قوت نوء كذا لم يكره وكان ابن أبي ابن سلول قال هذا نوء الخريف مطرنا بالشعرى أي وسمي الخريف خريفا لأنه تخترف فيه الثمار أي تقطع والنوء سقوط نجم ينزل في الغرب مع الفجر وطلوع رقيبه من المشرق من أنجم المنازل وذلك يحصل في كل ثلاثة عشر يوما إلا الجبهة النجم المعروف فإن لها أربعة عشر يوما قال بعضهم والأنواء ثمانية وعشرون نوءا أي نجما كان العرب يعتقدون أن من ذلك يحدث المطر أو الريح
وفي الحديث لو حبس الله القطر عن الناس سبع سنين ثم أرسله أصبح طائفة منهم به كافرين يقولون مطرنا بنوء المجرة بسكر الميم نجم يقال هو الدبران وعن أبي هريرة رضي الله عنه إن الله ليصبح القوم بالنعمة ويمسيهم بها فتصبح طائفة منهم بها كافرين يقولون مطرنا بنوء كذا
____________________


ونقل عن عمر رضي الله عنه أنه قال مطرنا بنوء كذا ولعله لم يبلغه النهي عن ذلك حيث قال
قال العارف بالله ابن عطاء الله لعل هذا يكون ناهيا لك أيها المؤمن عن التعرض إلى علم الكواكب واقتراناتها ومانعا لك ان تدعي وجود تأثيراتها واعلم أن لله فيك قضاء لا بد أن ينفذه وحكما لا بد أن يظهره فما فائدة التجسس على غيب علام الغيوب وقد نهانا سبحانه أن نتجسس على غيبه
وصارت تلك الشجرة التي وقعت عندها البيع يقال لها شجرة الرضوان وبلغ عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه أي في خلافته أن ناسا يصلون عندها فتوعدهم وأمر بها فقطعت أي خوف ظهور البدعة
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة هاجرت إليه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في تلك المدة وكانت أسلمت بمكة وبايعت قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أول من هاجر من النساء بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وإنها خرجت من مكة وحدها وصاحبت رجلا من خزاعة حتى قدمت المدينة
وفي الاستيعاب يقولون إنها مشت على قدميها من مكة إلى المدينة ولا يعرف لها اسم الا هذه الكنية وهي أخت عثمان بن عفن رضي الله عنه لأمه
ولما قدمت المدينة دخلت على أم سلمة رضي الله تعالى عنها وأعلمتها أنها جاءت مهاجرة وتخوفت أن يردها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل صلى الله عليه وسلم على أم سلمة أعلمته بها فرحب بأم كلثوم رضي الله تعالى عنها فخرج أخواها عمارة والوليد في ردها بالعهد فقالا يا محمد أوف لنا بما عاهدتنا عليه فلم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أي بعد أن قالت له يا رسول الله أنا امرأة وحال النساء إلى الضعف فتردني إلى الكفار يفتنوني عن ديني ولا صبي لي فنزل القرآن بنقض ذلك العهد بالنسبة للنساء من جاء منهن مؤمنا لكن بشرط امتحانهن بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات } أي في مدة هذا العهد والصلح { مهاجرات فامتحنوهن } قال السهيلي رحمه الله وكان الامتحان أن تستحلف المرأة المهاجرة أنها ما هاجرت ناشزة لا هاجرت إلا لله ولرسوله وفي لفظ كانت المرأة إذا جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم حلفها عمر رضي
____________________

الله عنه بالله ما خرجت رغبة بأرض عن أرض وبالله ما خرجت من بغض زوج وبالله ما خرجت لالتماس دينا ولا لرجل من المسلمين وبالله ما خرجت الا حبا لله ورسوله فإذا خلفت لم ترد ورد صداقها إلى بعلها
أي ولما قدم الوليد وعمارة مكة أخبرا قريشا بذلك فرضوا أن تحبس النساء ولم يكن لأم كلثوم رضي الله عنه زوج بمكة فلما قدمت المدينة زوجها زيد بن حارثة
وفي رواية لما كان صلى الله عليه وسلم بالحديبية جاءته جماعة من النساء المؤمنات مهاجرات من مكة من جملتهن سبيعة بنت الحارث فأقبل زوجها وهو مسافر المخزومي طالبا لها وأراد مشركو مكة أن يردوهن إلى مكة فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } فاستحلف صلى الله عليه وسلم سبيعة فحلفت فأعطى صلى الله عليه وسلم زوجها مسافرا ما أنفق عليها فتزوجها عمر رضي الله عنه وهذا السياق يدل على أن الآية الكريمة نزلت بالحديبية وما قبله يدل على أنها نزلت بالمدينة وقد يقال لا مانع من تكرر نزول الآية
وأما في غير مدة هذا العهد أي بعد نسخه بفتح مكة فلم تستخلف امرأة جاءت إلى المدينة ولا يرد صداقها إلى بعلها ومن ثم ذهب أئمتنا إلى أنه إذا شرط رد المسلمة إليهم فسدت الهدنة كماتقدم ولا يجب دفع المهر للزوج لو جاءت مسلمة وقوله تعالى { وآتوهم } أي الأزواج { ما أنفقوا } أي من المهور على الندب والصارف له عن الوجوب كون الأصل براءة الذمة لأن البضع ليس بمال للكافر
وفيه أن طلب رد المهور للأزواج كان واجبا في مدة العهد خاصة كما علمت وأنزل الله تعالى { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } أي نهى المؤمنين عن البقاء على نكاح المشركات فطلق الصحابة رضي الله عنهم كل امرأة كافرة في نكاحهم حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان له امرأتان فطلقهما يومئذ فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والآخرى صفون بن امية فكان صلى الله عليه وسلم في مدة العهد يرد الرجال ولا يرد النساء أي بعد امتحانهن فقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة أبو بصير رضي الله عنه وكان ممن حبس بمكة وكتب في رده أزهر بن عوف رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك وهو من الطلقاء وهو عم عبد الرحمن بن عوف والأخنس بن شريق رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك كتابا وبعث به رجلا من بني عامر يقال له خنيس ومعه مولى
____________________

يهديه الطريق فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتاب فقرأه أبي رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه قد عرفت ما شارطناك عليه من رد من قدم عليك من أصحابنا فابعث إلينا بصاحبنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما علمت ولا يصلح لنا في ديننا الغدر وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا فانطلق إلى قومك قال يا رسول الله اتردني إلى المشركين يفتنوني عن ديني قال صلى الله عليه وسلم يا أبا بصير انطلق فان الله سيجعل لك ولمن حولك من المستضعفين فرجا ومخرجا فانطلق معهما أي وصار المسلمون رضي الله عنهم يقولون له الرجل يكون خيرا من ألف رجل يغرونه بالذين معه حتى إذا كانوا بذي الحليفة جلس رضي الله عنه إلى جدار ومعه صاحباه فقال ابو بصير رضي الله عنه لأحد صاحبيه ومعه سيفه أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر قال نعم انظر اليه إن شئت فاستله أبو بصير رضي الله عنه ثم علاه به حتى قتله
وفي لفظ إن الرجل هو الذي سل سيفه ثم هزه فقال لأضربن بسيفي هذا في الأوس والخزرج يوما إلى الليل فقال له أبو نصير أو صارم سيفك هذا قال نعم فقال ناولنيه أنظر إليه فناوله فلم قبض عليه ضربه به حتى برد وقيل تناوله بفيه وصاحبه نائم فقطع إساره أي كتافه ثم ضربه به حتى برد فطلب المولى فخرج المولى سريعا حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم والحصى يطن تحت قدميه وفي لفظ والحصى يطير من تحت قدميه من شدة عدوة أي وأبو بصير في أثره حتى ازعجه قال صلى الله عليه وسلم إن هذا الرجل قد رأى فزعا وفي لفظ قد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد قال له ويحك مالك قال قتل صاحبكم صاحبي وأفلت منه ولم أكد وإني لمقتول واستغاث برسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه فإذا أبو بصير رضي الله عنه أناخ بعير العامري بباب المسجد ودخل متوشحا السيف ووثب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله وفت ذمتك وأدى الله عنك أسلمتني بيد القوم وقد امتنعت بديني أن أفتن فيه أو يفتن بي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب حيث شئت فقال يا رسول الله هذا سلب العامري أي الذي قتلته رحله وسيفه فخمسه فقال له صلى الله عليه وسلم إذا خمسته رأوني لم أوف لهم
____________________

بالذي عاهدتهم عليه ولكن شأنك بسلب صاحبك ومن ثم قال فقهاؤونا يجوز رد المسلم إلى الطالب له من غير عشيرته إذا قدر على قهر الطالب والهرب منه
وعند ذلك ذهب أبو بصير رضي الله عنه إلى محل من طريق الشام تمر به عيرات قريش واجتمع اليه جمع من المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة أي إنهم لما بلغهم خبره رضي الله عنه أي وأنه صلى الله عليه وسلم قال في حقه ويل أمه مسعر حرب أي لو كان معه رجال صاروا يتسللون اليه وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو رضي الله عنهما الذي رده يوم الحديبية وخرج من مكة في سبعين فارسا أسلموا فلحقوا بأبي بصير وكرهوا أن يقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك المدة التي هي زمن الهدنة أي خوف أن يردهم إلى أهليهم وانضم اليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة وطوائف من العرب ممن أسلم حتى بلغوا ثلثمائة مقاتل فقطعوا مادة قريش لا يظفرون باحد منهم إلا قتلوه ولا تمر بهم عير إلا أخذوها حتى كتبت قريش له صلى الله عليه وسلم تساله بالأرحام إلا آواهم ولا حاجة لهم بهم
وفي رواية أن قريشا أرسلت أبا سفيان بن حرب رضي الله عنه في ذلك وأن قريشا قالوا إنا أسقطنا هذا الشرط من الشروط من جاء منهم إليك فأمسكه في غير حرج أي وفي لفظ من أتاه فهو آمن فإنا أسقطنا هذا الشرط فإن هؤلاء الركب قد فتحوا علينا بابا لا يصلح إقراره فكتب رسول صلى الله عليه وسلم إلى أبي جندل وإلى أبي بصير رضي الله عنهما أن يقدما عليه وأن من معهما من المسلمين يلحقوا ببلادهم وأهليهم ولا يتعرضوا لاحد مر بهم من قريش ولا لعيراتهم فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما وأبو بصير رضي الله عنه يموت فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده يقرؤه فدفنه أبو جندل رضي الله عنه مكانه وجعل عند قبره مسجدا
وقدم أبو جندل رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ناس من اصحابه ورجع باقيهم إلى أهليهم وأمنت قريش على عيراتهم وعلمت أصحابه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم الذين عسر عليم رد أبي جندل إلى قريش مع ابيه سهيل بن عمرو أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مما احبوه وأن رأيه صلى الله عليه وسلم أفضل من رأيهم وعملوا بعد ذلك ن مصالحته صلى الله عليه وسلم كانت اولى لانها كانت
____________________

سببا لكثرة المسلمين فإن الكفار لما أمنوا القتال اختلطوا بالمسلمين فاثر فيهم الاسلام فأسلم كثير منهم
وقد ذكر بعض المفسرين أن الذين أسلموا في سنتي الفتح بناء على أن المدة كانت ستتين أو المعنى سنتين من الصلح أي من مدته يعدلون الذين أسلموا قبلهما
قال وعن بعضهم أي وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يقول ما كان فتح في الإسلام اعظم من فتح الحديبية ولكن الناس قصر رأيهم عما كان بين محمد صلى الله عليه وسلم وربه والعباد يعجلون والله لا يعجل لعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد لقد رأيت سهيل بن عمرو رضي الله عنه بعد إسلامه في حجة الوداع قائما عند المنحر يقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينحرها بيده ودعا الحلاق لحلق رأسه فأنظر إلى سهيل كلما يقلط من شعره صلى الله عليه وسلم يضعه على عينيه وأذكر أمتناعه أن يقر يوم الحديبية بأن يكتب { بسم الله الرحمن الرحيم } أي وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمدت الله وشكرته الذي هداه للإسلام
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون قد حصرنا المشركون وكان لي وفرة فجعلت الهوام أي القمل تتساقط على وجهي فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية ملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي وفي رواية أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادنه فدنوت يقول ذلك مرتين أو ثلاثا وفي رواية أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وأنا أوقد تحت برمة وفي لفظ قدر لي فقال كأنك تؤذيك هوام رأسك قال أجل قال احلق واهد هديا فقال ما أجد هديا فقال صم ثلاثا أيام وفي لفظ فقال أيؤذيك هوام رأسك وفي لفظ لعلك آذاك هوام رأسك قلت نعم يا رسول الله قال ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا فأمرني أن أحلق أي وفي رواية أصابتني هوام في رأسي وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية حتى تخوفت على بصري وأنزل الله تعالى هذه الآية { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه } أي فحلق { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صم ثلاثة أيام او تصدق بفرق أي زاد في رواية من زبيب
____________________

بين ستة مساكين والفرق بفتح الفاء والراء ثلاثة آصع أي زاد في رواية من تمر لكل مسكين نصف صاع أو انسك أي اذبح ما تيسر لك انتهى زاد في رواية أي ذلك فعلت أجزأ عنك فحلقت ثم نسكت
أي وفي رواية الشيخين انسك شاة اوضم ثلاثة أيام أو أطعم فرقا من الطعام على ستة مساكين
قال ابن عبد البر عامة الآثار عن كعب بن عجرة وردت بلفظ التخيير وهو نص القرآن وعليه عمل العلماء في كل الأمصار وفتواهم وما ورد من الترتيب في بعض الاحاديث لو صح كان معناه الاختيار أولا فأولا
قال الزمخشري في سفر السعادة أمر صلى الله عليه وسلم في علاج القمل بحلق الرأس لتنفتح المسام وتتصاعد الأبخرة وتضعف المادة الفاسدة التي يتولد القمل منها
وذكر في الهدى أن أصول الطب ثلاثة الحمية وحفظ الصحة والاستفراغ فإلى الأول شرع التيمم خوفا من استعمال الماء وإلى الثاني شرع الفطر في رمضان في السفر لئلا تتوالى مشقة السفر ومشقة الصوم وإلى الثالث بحلق رأس المحرم إذا كان به أذى من قمل ليستفرغ المادة الفاسدة والأبخرة الرديئة
وعند أئمتنا لا بد أن يكون ما يذبحه مجزئا في الأضحية وبعد الحديبية قبل خيبر وقيل بعد خيبر نزلت آية الظهار { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها }
وسبب ذلك أن أوس بن الصامت لا عبادة بن الصامت كما قيل أي وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه وفي لفظ كان به لمم أي نوع من الجنون وكان فاقد البصر قال لزوجته خولة بنت ثعلبة وفي لفظ بنت خويلد وكانت بنت عمه وقد راجعته في شيء فغضب فقال لها انت علي كظهر أمي وكان ذلك في زمن الجاهلية طلاقا أي كالطلاق في تحريم النساء ثم راودها على نفسها فقالت كلا لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ أنه لما قال لها أنت علي كظهر أمي اسقط في يده وقال ما أراك إلا قد حرمت علي انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأليه فدخلت عليه صلى الله عليه وسلم وهو يمشط رأسه الشريف أي عنده ماشطة أي وهي عائشة رضي الله عنه تمشط رأسه
وفي لفظ كان الظهار أشد الطلاق وأحرم الحرام إذا ظاهر الرجل من امرأته لم ترجع
____________________

إليه أبدا فاخبرته فقال لها صلى الله عليه وسلم ما أمرنا بشيء من أمرك ما أراك الا قد حرمت عليه فقالت يا رسول الله والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر الطلاق وإنه أبو ولدي وأحب الناس إلي فقال حرمت عليه فقالت أشكو إلى الله فاقتي وتركي إلى غير أحد وقد كبر سني ودق عظمي
وفي لفظ أنها قالت اللهم إني أشكوا اليك شدة وحدتي وما شق علي من فراقه وما نزل بي وبصبيتي قال عائشة رضي الله عنها فلقد بكيت وبكى من كان في البيت رحمة لها ورقة عليها وفي لفظ قالت يا رسول الله إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا ذات مال وأهل فلما أكل مالي وذهب شبابي ونفضت بطني وتفرق أهلي ظاهر مني فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراك إلا قد حرمت عليه فبكت وصاحت وقالت أشكو إلى الله فقري ووحدتي وصبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا وان ضممتهم إلي جاعوا وصارت ترفع رأسها إلى السماء فبينما هو صلى الله عليه وسلم قد فرغ من شق رأسه وأخذ في الشق الآخر أنزل الله عليه الآية فسرى عنه وهو يتبسم فقال صلى الله عليه وسلم لها مريه فليحرر رقبة فقالت والله ماله خادم غيري قال مريه فليصم شهرين متتابعين فقالت والله إنه لشيخ كبير إنه لم يأكل في اليوم مرتين يندر بصره أي لو كان مبصرا فلا ينافي ما تقدم أنه كان فاق البصر قال فليطعم ستين مسكينا فقالت والله ما لنا اليوم وقية فقال مريه فلينطلق إلى فلان يعني شخصا من الأنصار أخبرني أن عنده شطر وسق من تمر يريد أن يتصدق به فليأخذه منه
وفي رواية مريه فليأت أم المنذر بنت قيس فليأخذ منها شطر وسق من تمر فليتصدق به على ستين مسكينا وليراجعك ثم أتته فقصت عليه القصة فانطلق ففعل
أي وفي لفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا سأعينه بفرق من تمر فبكت وقال وأنا يا رسول الله سأعينه بفرق آخر قال قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصى بابن عمك خيرا
وفي رواية لما قال لها صلى الله عليه وسلم ما أعلم إلا قد حرمت عليه قالت لها عائشة رضي الله عنه وراءك فتنحت فلما نزل عليه صلى الله عليه وسلم الوحي وسرى عنه قال يا عائشة أين المرأة قالت ها هي هذه قال ادعها فدعتها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم اذهبي فجيئي بزوجك فذهبت فجاءت به وادخلته على النبي صلى الله عليه وسلم
____________________

فاذا هو ضرير البصر فقير سيء الخلق فقال له صلى الله عليه وسلم أتجد رقبه قال لا وفى لفظ قال مالي بهذا من قدره قال أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال والذى بعثك بالحق اني اذا لم اكل المره والمرتين والثلاث يغشى على وفى لفظ اني اذا لك اكل مرتين كل بصري اى لو كان موجودا قال أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا الا أن تعينني بها فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفر عنه وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم اعطاه مكتلا يأخذ خمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا قال بعضهم وكانوا يرون أن عند أوس رضى الله عنه مثلها حتى يكون لكل مسكين نصف صاع وفيه أنه خلاف الروايات من أنه لا يملك شيئا فقال على أفقر مني فوالذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج اليه مني فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اذهب به إلى أهلك وهذا أول ظهار وقع في الإسلام
ومر عمر رضي الله تعالى عنه بخوله هذه في أيام خلافته فقالت له قف يا عمر فوقف لها ودنا منها واصغى اليها وأطالت الوقوف واغلظت له القول أي قالت له هيات يا عمر عهدتك وأنت تسمى عميرا وأنت في سوق عكاظ ترعى القيان بعصاك فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين فاتق الله في الرعية واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن خاف الموت خشي الفوت فقال لها الجارود قد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين فقال عمر رضي الله عنه دعها وفي رواية فقال له قائل حبست الناس لأجل هذه العجوز قال ويحك وتدري من هذه قال لا قال هذه امرأة قد سمع الله شكواها من فوق سبع سموات هذه خولة بنت ثعلبة والله لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تنقضي حاجتها
قيل وفي هذه السنة التي هي سنة ست حرمت الخمر وبه جزم الحافظ الدمياطي وقيل حرمت سنة أربع أي ويدل له ما تقدم من اراقة الخمر وكسر جررها في بني قريظة وقيل في السنة الثالثة وقيل إنما حرمت في عام الفتح قبل الفتح
قال بعضهم حرمت ثلاث مرات أي نزل تحريمه ثلاث مرات كان المسلمون يشربونها حلالا أي لغيره صلى الله عليه وسلم أما هو فحرمت عليه قبل البعثة بعشرين سنة لم تبح له قط
وقد جاء أول ما نهان عنه ربي بعد عبادة الأصنام شرب الخمر وتقدم أن جماعة
____________________

حرموها على أنفسهم وامتنعوا من شربها ولا زالت حلالا للناس حتى نزل قوله تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } فعند ذلك اجتنبها قوم لوجود الإثم وتعاطاها أخرون لوجود النفع أي وكانوا ربما شربوها وصلوا فلما نزل قوله تعالى { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } امتنع من كان يشربها لأجل النفع من شربها في أوقات الصلاة ورجع قوم منهم عن شربها حتى في غير أوقات الصلاة وقالوا لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة
وسبب نزول هذه الآية ما جاء عن علي كرم الله وجهه قال صنع لنا عبد الرحمن ابن عوف طعاما أي وشرابا من الخمر فأكلنا وشربنا فأخذت الخمر منا وحضرت الصلاة أي الجهرية وقدموني فقرأت { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون } ونحن نبعد ما تعبدون إلى أن قلت وليس لي دين وليس لكم دين ثم نزلت الآية الأخرى الدالة على تحريمها مطلقا وهي { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } إلى قوله { فهل أنتم منتهون } أي ولعل هذه الآية الأخيرة هي التي عناها أنس رضي الله عنه بقوله كما في البخاري كنت ساقي القوم الخمر بمنزل أبي طلحة أي وهو زوج امه رضي الله عنهم ونزل تحريم الخمر فمر مناد ينادي ألا إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة اخرج فانظر ما هذا الصوت قال فخرجت فقلت هذا مناد ينادي ألا إن الخمر قد حرمت فقال لي اذهب فأهرقها فقال بعض القوم قتل قوم أي في أحد وهي في بطونهم وفي رواية قالوا يارسول الله كيف بمن مات من اصحابنا وكان شربها فأنزل الله تعالى { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } أي لأن ذلك كان قبل تحريمها مطلقا
وقد جئ لعمر رضي الله عنه بشخص من المهاجرين الاولين قد سكر فأراد عمر جلده فاستدل على عمر بهذه الآية فقال عمر لمن حضره ألا تردون عليه فقال ابن عباس رضي الله عنهما هذه الآية نزلت عذرا للماضين وحجة على الباقين ثم استشار عمر رضي الله عنه عليا كرم الله وجهه فأشار عليه أن يجلده ثمانين جلدة ولعل هذا الشخص هو قدامة بن مظعون وتقدمت قصته في بدر وتقدم في ذلك أن الذي رد عليه بذلك عمر لا ابن عباس رضي الله عنهم كذا وقع لأبي جندل رضي الله عنه مثل ذلك وأنه اشفق أي خاف من ذلك فلما بلغ عمر رضي الله عنه كتب اليه
____________________

إن الذي زين إليك الخطيئة هو الذي حظر أي منع عليك التوبة { بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب } الآية غزوة خيبر
على وزن جعفر سميت باسم رجل من العماليق نزلها يقال له خيبر وهو اخو يثرب أي الذي سميت باسمه المدينة كما تقدم وفي كلام بعضهم الخيبر بلسان اليهود الحصن ومن ثم قيل ها خيابر لاشتمالها على الحصون وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثيرة بينها وبين المدينة الشريفة ثمانية برد كما في سيرة الحافظ الدمياطي ومعلوم أن البريد أربعة فراسخ وكل فرسخ ثلاثة أميال
ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية أقام شهرا وبعض شهر أي ذا الحجة ختام سنة ست وأقام من المحرم افتتاح سنة سبع أياما قيل عشرين يوما أو قريبا من ذلك ثم خرج إلى خيبر أي وهذا ما ذهب اليه الجمهور
ونقل عن الإمام مالك رضي الله عنه أن خيبر كانت سنة ست وإليه ذهب الإمام ابن حزم وفي التعليقة للشيخ أبي حامد أنها كانت سنة خمس قال الحافظ ابن حجر وهو وهم ولعله انتقل من الخندق إلى خيبر
قال وقد استنفر صلى الله عليه وسلم من حوله ممن شهد الحديبية يغزون معه وجاءه المخلفون عنه في غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة فقال لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد فأما الغنيمة فلا أي لا تعطوا منها شيئا ثم أمر مناديا ينادي بذلك فنادى به قال أنس رضي الله عنه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة وهو زوج أم أنس كما تقدم حين أراد الخروج إلى خيبر التمسوا غلاما من غلمانكم يخدمني فخرج أبو طلحة مردفي وأنا غلام قد راهقت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل خدمته فسمعته كثيرا ما يقول اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال ا هـ
أقول هذا السياق يدل على أن أول خدمة أنس رضي الله عنه له صلى الله عليه وسلم حينئذ وهو يخالف ما سبق أن عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة جاءت به أمه
____________________

وقالت هذا ابني وهو غلام كيس وكان عمره عشر سنين وقيل تسع سنين وقيل ثمان سنين
ففي مسلم عن أنس قال جاءت بي أمي ام أنس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أزرتني بنصف خمارها وردتني بنصفه فقالت يا رسول الله هذا أنيس ابني أتيتك به ليخدمك فادع الله له قال اللهم أكثر ماله وولده
وقد يقال لا مخالفة لأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم وإنما قال لأبي طلحة ما ذكر رجاء ان يأتى له بمن هو أقوى من أنس على السفر شفقة على أنس ومن ثم لم يخرجه صلى الله عليه وسلم معه
وفيه أنه خرج معه في بدر فقد جاء أنه قيل لأنس رضي الله عنه أشهدت بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا أم لك وأين غبت عن بدر
وقد يقال جاز أن يكون عرض لأنس رضي الله عنه حين خروجه صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ما يقتضي الشفقة عليه في عدم اخراجه معه والله اعلم
واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة نميلة وقيل سباع بن عرفطة أي وصحح وكان الله وعده وهو بالحديبية أي عند منصرفه منها في سورة الفتح بمغانم بقوله تعالى { وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها } أي مغانم خيبر وخرج معه صلى الله عليه وسلم من نسائه أم سلمة رضي الله تعالى عنها وقال صلى الله عليه وسلم في سيره لعامر بن الأكوع عم سلمة ابن الأكوع رضي الله تعالى عنهما انزل فحدثنا من هناتك وفي رواية من هنيهاتك وفي لفظ من هنياتك بقلب الهاء الثانية ياء أي من أراجيزك وأشعارك وفي لفظ انزل فحرك بنا الركاب فقال يا رسول الله قد تولى قولي أي الشعز فقال له عمر رضي الله عنه اسمع وأطع فنزل يرتجز بقوله رضي الله تعالى عنه ** والله لولا الله ما اهتدينا ** ولا تصدقنا ولا صلينا الأبيات **
وفي مسلم اللهم لولا أنت ما اهتدينا قيل وصوابه في الوزن لاهم أو يا ألله أو والله لكن في تلك الأبيات فاغفر فداء لك ما اقتفينا أي فاغفر ما اكتسبنا واصل الاقتفاء الاتباع
وفي خطاب الباري عز وجل بفداء لك ما لا ينبغي لأنه لا يقال للباري عز وجل فديتك لأن ذلك إنما يستعمل في مكروه ومتوقع حلوله بالمفدى بالفتح فيجعل المفدى بالكسر نفسه فداء له من ذلك فيبذل نفسه عن نفسه
____________________


وأجيب عن ذلك بأن الشاعر لم يرد ذلك بل أراد أن يبذل نفسه رضاه سبحانه وتعالى
وعند إنشاده الأبيات المذكورة قال له النبي صلى الله عليه وسلم يرحمك ربك فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه والله وجبت أي الشهادة يا رسول الله لولا أي هلا امتعتنا به أي أبقيته لنا لنتمتع به ومنه أمتعني الله ببقائك أي هلا أخرت الدعاء له بذلك إلى وقت آخر لأنه صلى الله عليه وسلم ما قال ذلك لأحد في مثل هذا الموطن إلا واستشهد
وفي لفظ أن القائل له اسمعنا رجل من القوم قال الحافظ ابن حجر لم أقف على اسمه صريحا وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع قال من هذا السائق قالوا عامر قال صلى الله عليه وسلم يرحمه الله فقتل في هذه الغزاة رجع إليه سيفه فقتله فإنه أراد أن يضرب به ساق يهودي فجاءته ذبابته في ركبته فمات من ذلك رضي الله عنه فقال الناس قتله سلاحه وفي رواية قتل نفسه أي فليس بشهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لشهيد وصلى عليه صلى الله عليه وسلم والمسلمون وفي رواية قال سلمة بن الأكوع يا رسول الله فداك أبي وأمي زعموا أن أخي عامرا حبط عمله وفي لفظ يزعم أسيد بن حضير وجماعة من اصحابك أن عامرا حبط عمله إذ قتل بسيفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذب من قال أي أخطأ في قوله وإن له أجرين وجمع بين أصبعيه وفي رواية إنه لشهيد وفي لفظ إنه لجاهد مجاهد وفي لفظ مات جاهدا مجاهدا والجاهد الجاد في أمره فلما قام بوصفين كان له أجران وقيل هو من باب جاد مجد وشعر شاعر فهو تأكيد وكون عامر أخا سلمة هو خلاف ما تقدم أنه عمه وهو الصحيح المشهور
قال في النور ويمكن الجمع بأن يكون من النسب وأخاه من الرضاعة أي وحينئذ يكون هذا محمل قول ابن الجوزي رحمه الله من الإخوة الذين حدثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامر وسلمة ابنا الاكوع
وفي فتح الباري عن بعض الصحابة فلما وصلنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول
قد علمت خيبر أني مرحب ** شاكي السلاح بطل مجرب ** ** إذ الحروب اقبلت تلتهب
____________________


فبرز له عامر رضي الله عنه يقول ** قد علمت خيبر أني عامر ** شاكي السلاح بطل مغامر **
فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر رضي الله عنه فذهب عامر يسفل لمرحب أي يضربه من أسفل فعاد سيفه على نفسه أي أصاب عين ركبه عامر فمات من ذلك الحديث
وكون عامر ارتجز لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي حدابه لا ينافي ما جاء أن البراء ابن مالك كان حسن الصوت وكان يرتجز لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره لأن المراد في غالب أو في بعض اسفاره كما صرح به بعض الروايات
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال له أي للبراء إياك والقوراير وهو يدل على انه كان يرتجز لنسائه صلى الله عليه وسلم وهو يخالف أن البراء كان حادي الرجال وأنجشة حادي النساء إلا أن يقال جاز أن يكون البراء حدا النساء في بعض الأسفار أو في بعض الأحيان وأنجشة كان في الغالب
قال بعضهم كان انجشة رضي الله تعالى عنه عبد أسود وكان حسن الصوت بالحداء إذا حدا أعنقت الإبل أي سارت العنق واسرعت فلما حدد بأمهات المؤمنين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنجشه رويدك رفقا بالقوراير
ولما اشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر وكان وقت الصبح قال لأصحابه رضي الله عنهم قفوا ثم قال أي وفي لفظ قال لهم قولوا اللهم رب السموات وما اظللن ورب الأرضين وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما أذرين فإنا نسألك من خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشرما فيها اقدموا بسم الله أي وفي لفظ ادخلوا على بركته تعالى وكان صلى الله عليه وسلم يقولها لكل قرية دخلها
أي وجاء أنه صلى الله عليه وسلم لما توجه إلى خيبر أشرف الناس على واد فرفعوا اصواتهم بالتكبير الله أكبر لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اربعوا على أنفسكم أي ارفقوا بأنفسكم لا تبالغوا في رفع اصواتكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم قال عبد الله بن قيس رضي الله عنه وكنت خلف دابته صلى الله عليه وسلم فسمعني أقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
____________________

فقال يا عبد الله بن قيس قلت لبيك يا رسول الله قال ألا أدلك على كلمة من كنر الجنة قلت بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي قال لا حول ولا قوة إلا بالله
ويحتاج إلى الجمع بين هذا وبين أمره صلى الله عليه وسلم بأن اصحابه يرفعون أصواتهم بالتلبية وقد يقال المنهى عنه هنا الرفع الخارج عن العادة الذي ربما آذى بدليل قوله صلى الله عليه وسلم اربعوا على أنفسكم أي ارفقوا بها كما تقدم فلا منافاة
ولما أبصر صلى الله عليه وسلم عمالها وقد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم قالوا محمد والخميس أي الجيش العظيم معه قيل له الخميس لأنه خمسة أقسام التقدمة والساقة والمينمة والميسرة وهما الجناحين والقلب وأدبروا هرابا
قال وذكر أنه كان بها عشرة آلاف مقاتل وانهم كانا لا يظنون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم حين بلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم وهم يخرجون ويصطفون صفوفا ثم يقولون محمد يغزونا هيهات هيهات
وذكر أن عبد الله بن ابي ابن سلول أرسل اليهم يخبرهم بأن محمدا سائر اليكم فخذوا حذركم وادخلوا أموالكم حصونكم واخرجوا إلى قتاله ولا تخافوا منه إن عددكم كثير وقوم محمد شرذمة قليلون عزل لا سلاح معهم إلا قليل
فلما كانت الليلة التي نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحتها بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس فأصبحوا أي قاموا من نومهم وافئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم وغدوا إلى أعمالهم معهم الفؤوس ويقال لها الكرازين والمساحي ومعهم المكاتل أي وهي القفف الكثيرة فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوا هاربين إلى حصونهم أ هـفقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين أي وبذلك استدل على جواز الاقتباس من القرآن وإنما قال صلى الله عليه وسلم خربت خيبر لأنه لما رأى آلة الهدم التي هي الفؤوس والمساحي تفاءل صلى الله عليه وسلم بأن حصونهم ستخرب أو أخذ ذلك من اسمها أو أن ذلك دعاء بلفظ الخبر قال الإمام النووي رحمه الله والأصح أنه أعلمه الله بذلك ويوافقه ما في فتح الباري
ويحتمل أن يكون قال ذلك بطريق الوحي ويؤيده قوله إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين أي لأنه نزل بساحتهم وهي في الأصل الفضاء بين الأبنيه
____________________


وابتدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم بحصون النطاة قبل حصون الشق وقيل بحصون الكثيبة أي لأنهم ادخلوا أموالهم وعيالهم في حصون الكثيبة وجمعوا المقاتلة في حصلون النطاة وكان نزل قريبا من حصون النطاة فجاءه صلى الله عليه وسلم الحباب بن المنذر رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله إنك نزلت منزلك هذا فإن كان عن أمر أمرت به فلا نتكلم وإن كان الراي تكلمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الرأي فقال يا رسول الله إن أهل النطاة لي بهم معرفة ليس قوم أبعد مدى سهم منهم ولا أعدل رمية منهم وهم مرتفعون علينا وهو أسرع لانحطاط نبلهم ولا نأمن من بياتهم يدخلون في حمرة النخل أي النخل المجتمع بعضه على بعض تحول يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم أشرت بالرأي إذا أمسينا إن شاء الله تحولنا ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة رضي الله عنه فقال انظر لنا منزلا بعيدا فطاف محمد رضي الله عنه وقال يا رسول الله وجدت لك منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على بركة الله وتحول لما أمسى وأمر الناس بالتحول
أي وي لفظ إن راحلته صلى الله عليه وسلم قامت تجر بزمامها فأدركت لترد فقال دعوها فإنها مأمورة فلما انتهت إلى موضع من الصخرة بركت عندها فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصخرة وتحول الناس إليها واتخذوا ذلك الموضع معسكرا وفي الأصل انه نزل بذلك ليحول بين أهل خيبر وبين غطفان لأنهم كانوا مظاهرين لهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد يقال لا مخالفة بين هذه الروايات الثلاث فليتأمل وابتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك مسجدا صلى به طول مقامه بخيبر أي وأمر صلى الله عليه وسلم بقطع نخيل اهل حصون النظاة فوقع المسلمون في قطعها أربعمائة نخلة ثم نهاهم عن القطع فما قطع من نخيل خيبر غيرها قال قيل وقاتل صلى الله عليه وسلم يومه ذلك أشد القتال وعليه درعان وبيضة ومغفر وهو على فرس يقال له الظرب وفي يده قناة وترس
وما قيل إنه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر كان على حمار مخطوم برسن من ليف وتحته إكاف من ليف أي ففي مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار وهو متوجه إلى خيبر جاز أن يكون ركب ذلك الحمار في الطريق وحال القتال ركب ذلك الفرس انتهى
____________________


أقول يرشد إلى هذا الجمع قوله متوجه إلى خيبر وظاهر هذا الكلام أنه صلى الله عليه وسلم باشر القتال بنفسه وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم لم يباشر القتال بنفسه إلا في احد
ويبعد ان يكون باشر القتال بنفسه ولم يقتل أحدا إذ لو قتل أحدا لذكر لأنه مما تتوفر الدواعي إلى نقله وقد يكون المراد بقولهم وقاتل صلى الله عليه وسلم بنفسه أي قال جيشه ويدل لذلك ما في الإمتاع ألح على حصن ناعم أي وهو من حصون النطاة بالرمي ويهود تقاتل ورسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس يقال له الظرب وعليه درعان ومغفر وبيضة وفي يده قناة وترس
وقد دفع صلى الله عليه وسلم لواءه لرجل من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا فدفعه إلى آخر من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا وخرجت كتائب اليهود يقدمهم ياسر فكشف الانصار حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في موقفه فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمسمى مهموما والله أعلم
وفي ذلك اليوم قتل محمود بن مسلمة أخو محمد بن مسلمة رضي الله عنهما برحى ألقيت عليه من ذلك الحصن ألقاها عليه مرحب وقيل كنانة بن الربيع وقد يجمع بأنهما اجتمعا على ذلك وسيأتي ما يدل على أن قاتله غيرهما
وقد يقال لا مانع من أن يكونوا أي الثلاثة تجمعوا على قتله أي فإن محمود بن مسلمة رضي الله عنه كان قد حارب حتى اعياه الحرب وثقل السلاح وكان الحر شديدا فانحاز إلى ظل ذلك الحصن فألقى عليه حجر الرحى فهشم البيضة على رأسه ونزلت جلدة جبينه على وجهه أي وندرت عينه فأدركه المسلمون فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فسوى الجلدة إلى مكانها وعصبه بخرقة فمات رضي الله عنه من شدة الجراحة وجاء أخوه محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن اليهود قتلوا أخي محمود بن مسلمة فقال صلى الله عليه وسلم لا تمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإنكم لا تدرون ما تبتلون به منهم فإذا لقيتموه فقولوا اللهم أنت ربنا وربهم ونواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تقتلهم أنت ثم الزموا الأرض جلوسا فإذا غشوكم فانهضوا وكبروا
أي وفي سياق بعضهم ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم مكث سبعة أيام يقاتل أهل حصون النظاة يذهب كل يوم بمحمد بن مسلمة رضي الله عنه للقتال ويخلف على محل
____________________

العسكر عثمان بن عفان فإذا أمسى رجع صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المحل ومن جرح من المسلمين يحمل إلى ذلك المحل ليداوي جرحه وكان صلى الله عليه وسلم يناوب بين اصحابه في حراسة الليل فلما كانت الليلة السادسة من السبع استعمل صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه فطاف عمر رضي الله عنه بأصحابه حول العسكر وفرقهم فأتى برجل من يهود خيبر في جوف الليل فأمر به عمر رضي الله عنه أن يضرب عنقه فقال اذهب بي إلى نبيكم حتى أكلمه فأمسك عنه وانتهى به إلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده يصلي فسمع صلى الله عليه وسلم كلام عمر فسلم وأدخله عليه فدخل باليهودي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي ما وراءك فقال تؤمنني يا أبا القاسم فقال نعم قال خرجت من حصن النطاة من عند قوم يتسللون من الحصن في هذه الليلة قال فأين يذهبون قال إلى الشق يجعلون فيه ذراريهم ويتهيئون للقتال ولعل المراد ما أبقوه من ذراريهم فلا ينافي ما تقدم من أنهم أدخلوا أموالهم وعيالهم في حصون الكثيبة أو أن ذلك المخبر اخبر بحسب ما فهم أنهم يجعلون ذراريهم في الشق والحال أنهم إنما يذهبون ليجعلوا ذراريهم في حصون الكثيبة فليتأمل
وفي هذا الحصن الذي هو الحصن الصعب من حصون النطاة في بيت فيه تحت الأرض منجنيق ودبابات ودروع وسيوف فإذا دخلت الحصن غدا وأنت تدخله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله قال اليهودي إن شاء الله أوقفتك عليه فإنه لا يعرفه غيري وأخرى قيل ما هي قال يستخرج المنجنيق وينصب على الشق ويدخل الرجال تحت الدبابات فيحفروا الحصن فتفتحه من يومك وكذلك تفعل بحصون الكثيبة ثم قال يا أبا القاسم احقن دمي قال أنت آمن قال ولى زوجة فهبها لي قال هي لك ثم دعاه صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فقال أنظرني أيام ثم قال صلى الله عليه وسلم لمحمد بن مسلمة رضي الله عنه لأعطين الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبانه وفي لفظ قال صلى الله عليه وسلم لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله لايولي الدبر بفتح الله عز وجل على يده فيمكنه الله من قاتل أخيك وعند ذلك لم يكن من الصحابة رضي الله عنهم أحد له منزلة عند النبي صلى الله عليه وسلم ألا يرجو ان يعطاها
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال ما أحببت الإمارة إلا ذلك اليوم ولعل ذلك لا ينافي ما جاء أن وفد ثقيف لما جاءوه صلى الله عليه وسلم قال لهم لتسلمن
____________________

أو لأبعثن إليكم رجلا مني وفي رواية مثل نفسي فليضربن أعناقكم وليسيبن ذراريكم وليأخذن أموالكم قال عمر رضي الله عنه فوالله ما تمنينت الإمارة إلا يومئذ وجعلت أنصب صدري له صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول هو هذا فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى علي كرم الله وجهه فأخذ بيده وقال هو هذا هو هذا
وقد يقال لا يلزم من محبة الشيء تمنيه بخلاف العكس ففي هذه الغزاة أحب الإمارة وما تمناها وفي وفد ثقيف المتأخر عن هذه الغزاة تمناها لأن الوصف في ذلك أبلغ من الوصف هنا فليتأمل
ويروى أن عليا كرم الله وجهه لما بلغه مقالته صلى الله عليه وسلم أي في خيبر قال اللهم لا مطعي لما منعت ولا مانع لما أعطيت فبعث صلى الله عليه وسلم إلى عليا كرم الله وجهه وكان أرمد شديد الرمد أي وكان قد تخلف في المدين ثم لحق بالقم أي فقيل له إنه يشتكى عينيه فقال صلى الله عليه وسلم من يأتيني به فذهب اليه سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه وأخذ بيده يقوده حتى أتى به النبي صلى الله عليه وسلم قد عصب عينيه فعقد له صلى الله عليه وسلم اللواء أي لواءه الأبيض
فعن ابن اسحاق وابن سعد لم تكن الرايات إلا يوم خيبر أي فإنه صلى الله عليه وسلم فرق الرايات يومئذ بين أبي بكر وعمر والحباب بن المنذر وسعد بن عبادة رضي الله عنهم وإنما كانت الألوية وكانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء من برد لعائشة رضي الله عنها تدعى العقاب وفي كلام المقريزي لما ذكر رتب الرياسة في الجاهلية ذكر أن العقاب كان في الجاهلية راية تكون لرئيس الحرب وجاء الإسلام وهي عند أبي سفيان وجاء الإسلام والسدانة واللواء عند عثمان بن ابي طلحة من بني عبد الدار
وفي سيرة الحافظ الدمياطي رحمه الله وكانت له صلى الله عليه وسلم راية سوداء مربعة من نمرة مخملة يقال لها العقاب وكان له راية صفراء ولواؤه أبيض دفعه إلى علي كرم الله وجهه وفيه أن ذلك اللواء يقال له العقاب
وفي سيرة الحافظ الدمياطي رحمه الله وكانت ألويته صلى الله عليه وسلم بيضاء وربما جعل فيها الأسود ولعل السواد كان كتابة في ذلك العلم ولعل هذا اللواء الذي فيه الأسود هو المعنى بما جاء في بعض الروايات كان له صلى الله عليه وسلم لواء ابيض مكتوب فيه لا إله
____________________

الله محمد رسول الله أي بالسواد ولعله محمل قول بعضهم كان له صلى الله عليه وسلم لواء أغبر وربما كان من خز بعض نسائه فقال علي كرم الله وجهه يا رسول الله إني أرمد كما ترى لا أبصر موضع قدمي فتفل صلى الله عليه وسلم وفي لفظ بصق في عينيه أي بعد أن وضع راسه في حجره وفي لفظ فتفل في كفه وفتح له عينيه فدلكهما فبرأ حتى كأن لم يكن بهما وجع قال على رضي الله عنه فما رمدت بعد يومئذ وفي لفظ ما رمدت ولا صدعت وفي لفظ فا اشتكيتهما حتى الساعة
وفي هذا السياق لطيفة وهي أن من طلب شيئا أو تعرض لطلبه يحرمه غالبا وأن من لم يطلب شيئا ولم يتعرض لطلبه ربما وصل إليه وقد أشار إلى ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكن لاجل سؤاله إياه ذلك آخر عنه سنة أي وبعد السنة دعاه الملك وتوجه ورداه وقلده بسيفه وأمر له بسرير من ذهب مكلل بالدر والياقوت وضرب له عليه حلة من استبرق وفوض إليه أمر مصر
وقد قيل لو وقعت قلنسوة من السماء لا تقع إلا على رأس من لا يريدها زاد في رواية عن علي كرم الله وجهه أنه صلى الله عليه وسلم دعا له بقوله اللهم اكفه الحر والبرد قال علي كرم الله وجهه فما وجدت بعد ذلك اليوم لا حرا ولا بردا أي فكان يلبس في الحر الشديد القباء المحشو الثخين ويلبس في البرد الشديد الثوبين الخفيفين وفي لفظ الثوب الخفيف فلا يبالي بالبرد
وقد يخالف ذلك ما حكاه بعضهم قال دخل رجل على علي كرم الله وجهه وهو يرعد تحت سمل قطيفة أي قطيفة خلقة فقال يا أمير المؤمنين إن الله جعل لك في هذا المال نصيبا وانت تصنع بنفسك هكذا فقال والله لا أرزؤكم من مالكم وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من المدينة
وقد يقال لا مخالفة لأنه يجوز أن تكون رعدته رضي الله عنه ليست من البرد خلاف ما ظنه السائل لجواز أن تكون لحمى اصابته في ذلك الوقت وقد أشار إلى التفل صاحب الهمزية رضي الله تعالى عنه بقوله ** وعلي لما تفلت بعيني ** هـوكلتاهما معا رمداءا ** ** فغدا ناظرا بعيني عقاب ** في غزاة لها العقاب لواء **
____________________


وفي قوله صلى الله عليه وسلم لأدفعن الراية إطلاق الراية على اللواء ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه خذ هذه الراية وتقدم أن الراية قد يطلق عليها لواء
هذا وفي كلام بعضهم أن أبا سفيان رضي الله عنه كانت إليه الراية المعروفة بالعقاب التي كانت لا يحبسها إلا رئيس إذا حميت الحرب هذا كلامه فلعل تسمية رايته صلى الله عليه وسلم بالعقاب لكونها كذلك فقال علي كرم الله وجهه علام أقاتلهم يا رسول الله قال أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد حقنوا دماءهم وأموالهم
وفي رواية لما اعطاه صلى الله عليه وسلم الراية قال له امش ولا تلتفت فسار شيئا ثم وقف ولم يلتفت فصرخ يا رسول الله علام أقاتل الناس قال قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى أي حساب بواطنهم وسرائرهم على الله لأنه المطلع وحده على ما فيها من إيمان خالص أو نفاق وكفر زاد في رواية وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أين يكون لك حمر النعم أي تتصدق بها في سبيل الله فقد جعل صلى الله عليه وسلم عصمة الدم بالنطق بالشهادتين لكنه لا يقر من نطق بهما على ترك الصلاة ولا على ترك الزكاة ومن ثم قال له صلى الله عليه وسلم وأخبرهم بما يجب عليهم وفي لفظ قال له امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك
أي وعن حذيفة رضي الله عنه لما تهيأ علي كرم الله وجهه يوم خيبر للحملة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي والذي نفسي بيده إن معك من لا يخذلك هذا جبرسل عليه السلام عن يمينك بيده سيف لو ضرب به الجبال لقطعها فاستبشر بالرضوان والجنة يا علي إنك سيد العرب وأنا سيد ولد آدم
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم كان يعطي الراية كل يوم واحدا من اصحابه ويبعثه فبعث أبا بكر رضي الله عنه فقاتل ورجع ولم يكن فتح وقد جهد ثم بعث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه من الغد أي برايته فقاتل ورجع ولم يكن فتح وقد جهد ثم بعث رجلا من الانصار فقاتل ورجع ولم يكن فتح فقال عليه الصلاة والسلام لاعطين الراية
____________________

أى اللواء غدا رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفار وفي لفظ كرار غير فرار فدعا عليا كرم الله وجهه وهو أرمد فتفل في عينيه ثم قال خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك أى ودعا له ولمن معه بالنصر
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم ألبسه درعه الحديد وشد ذا الفقار أى الذى هو سيفه فى وسطه وأعطاه الراية ووجهه إلى الحصن فخرج على كرم الله وجهه بها يهرول حتى ركزها تحت الحصن فاطلع عليه يهودى من رأس الحصن فقال من أنت قال على بن أبى طالب فقال اليهودى علوتم وحق ما أنزل على موسى ثم خرج إليه أهل الحصن وكان أول من خرج منهم إليه الحارث أخو مرحب وكان معروفا بالشجاعة فانكشف المسلمون وثبت على كرم الله وجهه فتضاربا فقتله على وانهزم اليهود إلى الحصن ثم خرج إليه مرحب فحمل مرحب عليه وضربه فطرح ترسه من يده فتناول على كرم اله وجهه بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل فى يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه الحصن ثم ألقاه من يده أى وراء ظهره ثمانين شبرا قال الراوى فجهدت أنا وسبعة نفر على أن نقلب ذلك الباب فلم نقدر قال بعضهم فى هذا الخبر جهالة وانقطاع ظاهر قال وقيل ولم يقدر على حمله أربعون رجلا وقيل سبعون
وفى رواية أن عليا كرم الله وجهه لما انتهى إلى باب الحصن اجتذب أحد أبوابه فألقاه بالأرض فاجتمع عليه بعده سبعون رجلا فكان جهدا أن أعادوه مكانه وقيل حمل الباب على ظهره حتى صعد المسلمون عليه ودخلوا الحصن
قال بعضهم وطرق حديث الباب كلها واهية وفى بعضها قال الذهبي إنه منكر وفى الإمتاع وزعم بعضهم أن حمل على كرم الله وجهه الباب لا أصل له وإنما يروى عن رعاع الناس وليس كذلك ثم ذكر جملة ممن خرجه من الحفاظ
وجاء أن مرحبا لما رأى أن أخاه قد قتل خرج سريعا من الحصن فى سلاحه أى وقد كان لبس درعين وتقلد بسيفين واعتم بعمامتين ولبس فوقهما مغفرا وحجرا قد ثقبه قدر البيضة ومعه رمح لسانه ثلاثة أسنان وهو يرتجز ويقول من أبيات ** قد علمت خيبر أنى مرحب ** شاكي السلاح بطل مجرب **
ومعنى شاكى السلاح تام السلاح ومعنى مجرب أى معروف بالشجاعة وقهر
____________________

الفرسان ثم صار يقول هل من مبارز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذا قال محمد بن مسلمة رضى الله عنه أنا له يارسول الله أنا الموتور أى الذى قتل له قتيل فلم يؤخذ بثأره الثائر قتل أخى بالأمس قال صلى الله عليه وسلم فقم إليه اللهم أعنه عليه فقتله محمد بن مسلمة رضى الله عنه أى فإن مرحبا حمل على محمد بن مسلمة فاتقاه بدرقته فوقع سيف مرحب فيها فعضت به وأمسكته فضربه محمد رضى الله عنه فقتله ويدل لذلك قول الإمام المزنى رحمه الله فى المختصر إن النبى صلى الله عليه وسلم يوم خيبر نفل محمد بن مسلمة سلب مرحب سيفه ورمحه ومغفره وبيضته ووجد على سيفه مكتوب هذا سيف مرحب من يصبه يعطب
وقيل القاتل له على كرم الله وجهه وبه جزم مسلم رحمه الله فى صحيحه قال بعضهم والأخبار متواترة به وقال ابن الأثير الصحيح الذى عليه أهل السير والحديث أن عليا كرم الله وجهه قاتله وفى الاستيعاب والصحيح الذى عليه أكثر أهل السير والحديث أن عليا قاتله ويروى أن عليا كرم الله وجهه ورضى الله عنه لما خرج إليه ارتجز بقوله ** أنا الذى سمتنى أمى حيدره ** ضرغام آجام وليث قسورة **
وقيل بدله كليث غابات كريه المنظره
أى فإن أم على كرم الله وجهه سمته أسدا باسم أبيها وكان أبوه أبو طالب غائبا فلما قدم كره ذلك وسماه عليا أى ومن أسماء الأسد حيدرة والحيدرة الغليظ القوى وقيل لقب بذلك فى صغره لأنه كان عظيم البطن ممتلئا لحما ومن كان كذلك يقال له حيدره
ويقال إن ذلك كان كشفا من على كرم اله وجهه فإن مرحبا كان رأى فى تلك الليلة فى المنام أن أسدا افترسه فذكره على كرم الله وجهه بذلك ليخيفه ويضعف نفسه
ويروى أن عليا كرم الله وجهه ضرب مرحبا فتترس فوقع السيف على الترس فقدة وشق المغفر والحجر الذى تحته والعمامتين وفلق هامته حتى أخذ السيف فى الأضراس وإلى ذلك يشير بعضهم وقد أجاد بقوله
____________________

** وسادن أبصرته مقبلا ** فقلت من وجدى به مرحبا ** ** قد فؤادي فى الهوى قدة ** قد على فى الوغى مرحبا **
أى وقد يجمع بين كون القاتل لمرحب عليا كرم الله وجهه وكون القاتل له محمد ابن مسلمة بأن محمد بن مسلمة أثبته أى بعد أن شق على كرم الله وجهه هامته لجواز أن يكون شق هامته ولم يثبته فاثبته محمد بن مسلمة ثم أن عليا كرم الله وجهه وقف عليه
أى ويدل لذلك مافى بعض السير عن الواقدى رحمه الله لما قطع محمد بن مسلمة ساقى مرحب قال له مرحب أجهز على فقال لا ذق الموت كما ذاقه أخى ومر به على كرم الله وجهه فضرب عنقه وأخذ سلبه فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سلبه فقال محمد يا رسول الله ما قطعت رجليه وتركته إلا ليذوق الموت وكنت قادرا أن أجهز عليه فقال على كرم اله وجهه صدق فأعطى سلبه لمحمد بن مسلمة رضى الله عنه ولعل هذا كان بعد مبارزة عامر بن الأكوع لمرحب فلا ينافى مامر عن فتح البارى ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر أى وهو يرتجز بقوله ** قد علمت خيبر أنى ياسر ** شاكى السلاح بطل مغادر **
وكان أيضا من مشاهير فرسان يهود وشجعانهم وهو يقول من يبارز فخرج له الزبير رضى الله عنه فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إنه يقتل ابنى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ابنك يقتله إن شاء الله فقتله الزبير رضى الله عنه أى وعند ذلك قال له صلى الله عليه وسلم فداك عم وخال لكل نبى حوارى وحوارى الزبير
وذكر الزمخشرى أن هذه الواقعة للزبير كانت فى بنى قريضة حيث قال إنه يعنى الزبير رضى الله عنه أول من استحق السلب وكان ذلك فى بنى قريظة برز رجل من العدو فقال رجل ورجل فقال النبى صلى الله عليه وسلم قم يا زبير فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب واحدى يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما علا صاحبه فقتله فعلاه الزبير رضى الله عنه فقتله فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه وقال السلب للقاتل هذا كلامه فليتأمل فإنى لم أقف فى كلام أحد على أن بنى قريظة وقعت منهم مقاتلة بالمبارزة
____________________

وفى رواية أن القاتل لياسر على بن أبى طالب كرم الله وجهه أى ويمكن الجمع بمثل ما تقدم وكان شعار المسلمين أمت أمت وفى رواية يا منصور أمت أمت
ومن جملة من قتل من المسلمين الأسود الراعي كان أجيرا لرجل من اليهود يرعى غنمه وكان عبدا حبشيا يسمى أسلم أى وفى الإمتاع اسمه يسار فجاء إليه صلى الله عليه وسلم وهو محاصر خيبر وقال يا رسول الله اعرض على الإسلام فعرضه عليه فأسلم
وفى رواية أنه قال إن أسلمت فماذا لى قال الجنة فأسلم فلما أسلم قال يا رسول الله إنى كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم فكيف أصنع بها وفى لفظ إنها أمانة وهى للناس الشاة والشاتان وأكثر من ذلك فقال صلى الله عليه وسلم له اضرب فى وجهها فإنها سترجع إلى ربها فقام الأسود فأخذ حفنة من حصباء فرمى بها فى وجههاا وقال ارجعى إلى صاحبك فوالله لا أصحبك فخرجت مجتمعة كأن سائقا يسوقها حتى دخلت الحصن ثم تقدم رضى الله عنه إلى ذلك الحصن فقاتل مع المسلمين فأصابه حجر وفى رواية سهم غرب بفتح الراء والإضافة وبتسكين الراء بلا إضافة وهو ما لايعرف رامية فقتله ولم يسجد لله سجدة فأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من أصحابه ثم أعرض عنه فقالوا يا رسول الله لم أعرضت عنه فقال إن معه الآن زوجتيه من الحور العين تنفضان التراب عن وجهه وتقولان له ترب الله وجه من ترب وجهك وقتل من قتلك زاد فى لفظ لقد أكرم الله هذا العبد وساقه إلى خير قد كان الإسلام من نفسه حقا
وفتح الله ذلك الحصن الذى هو حصن ناعم وهو أول حصن فتح من حصون النطاة على يد على كرم الله وجهه
أى وعن عائشة رضى الله عنها ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير والتمر حتى فتحت دار بنى قمة أى وهى أول دار فتحت بخيبر وهى بالنطاة وهى منزل ياسر أخى مرحب وظاهر السياق أنها حصن ناعم
ويروى أن عليا كرم الله وجهه لما فتح الحصن أخذ الرجل الذى قتل أخا محمد بن مسلمة وسلمه إليه فقتله وتقدم أن محمد بن مسلمة رضى الله عنه قتل مرحبا لكونه قاتل أخيه على ماتقدم وسيأتى أنه صلى الله عليه وسلم دفع كنانة لمحمد بن مسلمة ليقتله بأخيه
____________________

وهذا يؤيد ماتقدم من أن الثلاثة أى مرحب وكنانة وذلك الرجل الذى سلمه على له اشتركوا فى قتل أخى محمد بن مسلمة
قال وأصاب المسلمين رضى الله عنهم مجاعة وأرسلت أسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بن حارثة وأمرته أن يقول له صلى الله عليه وسلم إن أسلم يقرئونك السلام ويقولون أجهدنا الجوع فلامهم رجل وقال من بين العرب تصنعون هذا فقال زيد بن حارثة أخو أسماء والله إنى لأرجو أن يكون البعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الخير فجاءه صلى الله عليه وسلم أسماء وبلغه ماقالت أسلم فدعا لهم فقال اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليس بهم قوة وأن ليس بيدى شىء أعطيهم إياه وقال اللهم افتح أكثر الحصون طعاما وودكا ودفع اللواء للحباب بن المنذر رضى الله تعالى عنه وندب الناس وكان من سلم من يهود حصن ناعم انتقل إلى حصن الصعب من حصون النطاة ففتح الله حصن الصعب قبل ماغابت الشمس من ذلك اليوم بعد أن أقاموا على محاصرته يومين وما بخيبر حصن أكثر طعاما منه أى من شعير وتمر وودك أى من سمن وزيت وشحم وماشية ومتاعا منه ولا يخالف هذا ماتقدم عن عائشة فى وصف حصن ناعم من قولها ماشبع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره ولا ما تقدم من أنهم أدخلوا أموالهم حصون الكثيبة لأنه يجوز أن يكون المراد بأموالهم النقود ونحوها دون ماذكر هنا وكان فى هذا الحصن الذى هو حصن الصعب خمسمائة مقاتل وقبل فتحه خرج منه رجل يقال له يوشع مبارزا فخرج له الحباب بن المنذر رضى الله تعالى عنه فقتله وخرج آخر مبارزا يقال له الديال فبرز له عمارة بن عقبة الغفاري رضي الله تعالى عنه فضربه على هامته فقتله وقال له خذها وأنا الغلام الغفارى فقال الناس حبط جهاده فقال صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك يؤجر ويحمد أي وحملت يهود حملة منكرة فانكشف المسلمون حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف قد نزل عن فرسه فثبت الحباب بن المنذر رضى الله تعالى عنه فحرض صلى الله عليه وسلم المسلمين على الجهاد فاقبلوا وزحف بهم الحباب رضى الله تعالى عنه فانهزمت يهود واغلقت الحصون عليهم
ثم إن المسلمين اقتحموا الحصن يقتلون ويأسرون فوجدوا فى ذلك الحصن من
____________________

الشعير والتمر والسمن والعسل والسكر والزيت والودك شيئا كثيرا ونادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا واعلفوا ولا تحملوا أى لا تخرجوا به إلى بلادكم
وهذا دليل لما ذهب إليه إمامنا رضى الله تعالى عنه من أن للغانمين اخذ ماتعم الحاجة إليه من الطعام ومايؤكل غالبا من الفواكه وعلف الدواب من الغنيمة بدار الحرب إذا كان الجهاد بدار الحرب إلى أن يصلوا إلى غير دار الحرب مما يباع ذلك فيه وليس لهم أخذ ماتندر الحاجة إليه كالفانيد والسكر ولا ينافى ذلك ماذكر هنا لأنه يجوز أن يكون الإذن فى اكل مجموع ماذكر
وفى السيرة الهشامية عن عبد الله بن مغفل رضى الله تعالى عنه قال أصبت من فيء خيبر أى من غنيمتها جراب شحم فاحتملته على عنقى أريد رحلى فلقينى صاحب المغانم الذى جعل عليها أى وهو أبو اليسر كعب بن عمرو بن زيد الأنصارى رضى الله تعالى عنه فأخذ بناصيته وقال هلم بهذا حتى نقسمه بين المسلمين فقلت والله لا أعطيكه فجعل يجاذبنى الجراب فرآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصنع ذلك فتبسم ضاحكا ثم قال لصاحب المغانم لا أبا لك خل بينه وبينه فأرسله فانطلقت به إلى رحلى وأصحابى فأكلناه
وفى الإمتاع أنهم وجدوا فى هذا الحصن الذى هوحصن الصعب آلة حرب دبابات ومنجنيقا أى وذلك موافق لما تقدم عن ذلك المخبر له صلى الله عليه وسلم بأن فى حصن فى بيت منه تحت الأرض منجنيق ودبابات ودروع وسيوف ولعل وجود ذلك كان بدلالة ذلك الرجل عليه
ولما فتح ذلك الحصن تحول من سلم من أهله إلى حصن قلة وهو حصن بقلة جبل أى ويعبر عن هذا بقلة الزبير رضى الله تعالى عنه أى الذى صار فى سهم الزبير بعد ذلك وهو آخر حصون النطاة أى فحصون النطاة ثلاثة حصن ناعم وحصن الصعب وحصن قلة
فأقام المسلمون على حصار هذا الحصن الذى هو حصن قلة ثلاثة أيام فجاء رجل من اليهود وقال له صلى الله عليه وسلم يا أبا القاسم تؤمنى على أن أدلك على ماتستريح به فإنك لو مكثت شهرا لا تقدر على فتح هذا الحصن فإن به دبولا وهى الأنهر الصغيرة تحت الأرض يخرجون ليلا فيشربون منها فإن قطعت عنهم شربهم أهلكتهم فأمنه
____________________

صلى الله عليه وسلم وسار إلى دبولهم فقطعها فعند ذلك خرجوا وقاتلوا أشد القتال وفتح ذلك الحصن ثم سار المسلمون إلى حصار حصون الشق بفتح الشين المعجمة وكسرها والفتح أعرف عند أهل اللغة فكان أول حصن بدأ به من حصنى الشق حصن أبى فقاتل أهله قتالا شديدا خرج رجل منهم يقال له غزوال يدعوا إلى البراز فبرز له الحباب رضى الله تعالى عنه وحمل عليه فقطع يده اليمنى ونصف الذراع فبادر راجعا منهزما إلى الحصن فتبعه الحباب فقطع عرقوبه فوقع فذفف عليه فخرج آخر مبارزا فخرج له رجل من المسلمين فقتل ذلك الرجل وقام مكانه يدعو للبراز فخرج له أبو دجانة رضى الله تعالى عنه فضربه أبو دجانة رضى الله تعالى عنه فقطع رجله ثم ذفف عليه
وعند ذلك أحجمت يهود عن البراز فكبر المسلمون وتحاملوا على الحصن ودخلوه يقدمهم أبو دجانة رضى الله تعالى عنه فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما وهرب من كان فيه ولحق بحصن يقال حصن البرىء وهو الحصن الثانى من حصنى الشق فتمنعوا به أشد التمنع وكان أهله رميا للمسلمين بالنبل والحجارة حتى أصاب النبل ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلقت به فأخذ لهم صلى الله عليه وسلم كفا من حصباء فحصب به ذلك الحصن فرجف بهم ثم ساخ فى الأرض وأخذ المسلمون من فيه أخذا ذريعا أى فحصون الشق اثنان حصن أبى وحصن البرىء
وحينئذ يتأمل فى قول الحافظ الدمياطى فى سيرته والشق وبه حصون منها حصن أبى وحصن البرىء
أقول وفى الإمتاع أنهم وجدوا فى حصن الصعب الذى هو أحد حصون النطاة منجنيقا أى كما أخبر بذلك اليهودى الذى جاء به عمر رضى الله تعالى عنه وأدخله عليه صلى الله عليه وسلم وأمنه كما تقدم وأنهم نصبوا المنجنيق الذى وجدوه فى حصن الصعب على هذا الحصن الذى هو حصن البرىء من حصون الشق أى وهو يخالف قول بعضهم لم ينصب المنجنيق إلا فى غزوة الطائف إلا أن يقال يجوز أن يكون المراد بعدم نصبه أنه لم يرم به إلا فى غزوة الطائف وأما هنا فنصب ولم يرم به فلا مخالفة
ووجدوا في هذا الحصن آنية من نحاس وفخار كانت اليهود تأكل فيها وتشرب فقال صلى الله عليه وسلم اغسلوا واطبخوا وكلوا فيها واشربوا وفى رواية سخنوا
____________________

فيها الماء ثم اطبخوا بعد وكلوا واشربوا وحكمة تسخين الماء فيها لا تخفى وهى أن الماء الحار أقوى فى النظافة وإخراج الدسومة والله أعلم
ثم إن المسلمين لما أخذوا حصون النطاة وحصون الشق انهزم من سلم من يهود تلك الحصون إلى حصون الكثيبة وهى ثلاثة حصون القموص كصبور والوطيح وسلالم بضم السين المهملة وكان أعظم حصون خيبر القموص وكان منيعا حاصره المسلمون عشرين ليلة ثم فتحه الله على يد على كرم الله وجهه ومنه سبيت صفية رضى الله تعالى عنها كما قاله الحافظ ابن حجر قال وقيل كان اسمها قبل أن تسبي زينب فلما صارت من الصفى سميت صفية والصفى ما كان يصطفيه صلى الله عليه وسلم لنفسه من الغنيمة قبل أن تقسم على ما تقدم وكان فى الجاهلية لأمير الجيش ربع الغنيمة ومن ثم قيل له المرباع
قال السهيلى رحمه الله كانت أموال النبى صلى الله عليه وسلم من ثلاثة أوجه من الصفى والهدية وخمس الخمس هذا كلامه ولا يخفى أنه يزاد على ذلك الفىء
وانتهى المسلمون إلى حصار الوطيح بالحاء المهملة مأخوذ من الوطح وهو فى الأصل ماتعلق بمخالب الطير من الطين سمى الوطيح باسم الوطيح بن مازن رجل من ثمود وحصن سلالم ويقال له السلاليم وهو حصن بنى الحقيق آخر حصون خيبر
ومكثوا على حصارهما أربعة عشر يوما فلم يخرج أحد منهما فهم صلى الله عليه وسلم أن يجعل عليهم أى على من فيهما المنجنيق أى ينصبه عليهم ولم يرم به فلما أيقنوا بالهلكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح على حقن دماء المقاتلة وترك الذرية لهم ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم وأن لا يصحب واحدا منهم إلا ثوب واحد على ظهره وفى لفظ وتركوا مالهم من مال وأرض من الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة والبز إلا ثوبا واحدا فصالحهم على ذلك وعلى أن ذمة الله ورسوله بريئة منهم أن يكتموه شيئا من متاعهم يسألهم عنه
فعلم أن حصون خيبر فتحت عنوة إلا الحصنين المذكورين وهما الوطيح وسلالم فإنهما لم يفتحا عنوة بل صلحا فكانا فيئا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو دليل على أنهم لم يقاتلوا فى حال حصارهم لأن الفىء ما جلوا عنه من غير مقاتلة كذا قيل
____________________

وظاهر إطلاق قول الروضة من الفىء ما صولح عليه أهل بلد من الكفار أنه وإن كان بعد محاصرتهم ومقاتلتهم للمسلمين فى حال حصارهم برمى الحجارة أو النبل
وفى فتح البارى نقلا عن ابن عبد البر أنه جزم بأن حصون خيبر فتحت عنوة وإنما دخلت الشبهة على من قال فتحت صلحا بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم وهو ضرب من الصلح لكن لم يقع ذلك إلا بحصار وقتال هذا كلامه فليتأمل فإن بالقتال يخرج عن كونه فيئا ولعل المراد قتال بالنبل ورمى بالحجارة وإلا فقد تقدم أنه لم يخرج منهما أحد للمقاتلة فليتأمل فإن كلامه يقتضى أن بالحصار وبالقتال بنحو النبل يخرج ذلك عن كونه فيئا له صلى الله عليه وسلم ويكون غنيمة ولعله مذهب المالكية الذى هو مذهب ابن عبد البر رحمه الله تعالى
وفى الاصل عن ابن شهاب رحمه الله أنه قال بلغنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال هذا كلامه فظاهره أن القتال وقع من الذين جلوا فى حال حصارهم وإلا فقد علمت أن الذين جلوا لم يخرج أحد منهم للقتال في حال حصارهم وسيأتى مايصرح بأن ماجلوا عنه فىء لا غنيمة
ووجدوا فى الحصنين المذكورين مائة درع واربعمائة سيف وألف رمح وخمسمائة قوس عربية بجعابها أى ووجدوا فى أثناء الغنيمة صحائف متعددة من التوراة فجاءت يهود تطلبها فأمر صلى الله عليه وسلم بدفعها إليهم
وهو يخالف ما قاله أئمتنا أن كتبهم التى يحرم الانتفاع بها لكونها مبدلة تمحى إن أمكن أو تمزق وتجعل فى الغنيمة فتباع إلا أن يدعى أن تلك الصحف لم تكن مبدلة وغيبوا الجلد الذى كان فيه حلى بنى النضير أى وعقود الدر والجوهر الذى جلوا به لأنهم لما جلوا كان سلام بن أبى الحقيق رافعا له ليراه الناس وهو يقول بأعلى صوته هذا أعددناه لرفع الأرض وخفضها كما تقدم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعيه ابن عمرو أى وهو عم حيى بن أخطب وفى لفظ سعيه بن سلام بن أبى الحقيق وفى الإمتاع وسأل صلى الله عليه وسلم كنانة بن أبى الحقيق أين مسك أى جلد حيى ابن أحطب أى وإنما نسب إليه الجلد المذكور فقيل كنز حيى لأن حييا كان عظيم بنى النضير وإلا فهو لا يكون إلا عند بنى الحقيق فقال أذهبته الحروب والنفقات
____________________

فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سعية بن عمرو للزبير رضى الله تعالى عنه فمسه بعذاب فقال رأيت حييا يطوف فى خربة ههنا فذهبوا إلى الخربة ففتشوها فوجدوا ذلك الجلد
قال وفى رواية أنه صلى الله عليه وسلم أتى بكنانة وهو زوج صفية تزوجها بعد أن طلقها سلام بن مشكم وبالربيع أخوة فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أين آنيتكما التى كنتم تعيرونها أهل مكة أى لأن اعيان مكة إذا كان لأحدهم عرس يرسلون فيستعيرون من ذلك الحلى انتهى أى والآنية والكنز عبارة عن حلى كان أولا فى جلد شاة ثم كان لكثرته فى جلد ثور ثم كان لكثرته فى جلد بعير كما تقدم فقالا أذهبته النفقات والحروب فقال صلى الله عليه وسلم العهد قريب والمال أكثر من ذلك إنكما إن كتمتمانى شيئا فاطلعت عليه استحللت دماءكما وذراريكما فقالا نعم فأخبره الله بموضع ذلك الحلى أى فإنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الأنصار اذهب إلى محل كذا وكذا ثم ائت النخل فانظر نخلة عن يمينك أو قال عن يسارك مرفوعة فائتنى بما فيها فانطلق فجاءه بالآنية
ويمكن الجمع بين هذا وما تقدم وما يأتى أنهم فتشوا عليه فى خربة حتى وجدوه بان التفتيش كان فى أول الأمر وإعلام الله تعالى له بذلك كان بعد فجىء به فقوم بعشرة آلاف دينار أى لأنه وجد فيه أساور ودمالج وخلاخيل وأقرطة وخواتيم الذهب وعقود الجوهر والزمرد وعقود أظفار مجزع بالذهب فضرب أعناقهما وسبى أهلهما
أى وفى لفظ آخر لما فتحت خيبر أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع وفى لفظ ابن ربيعة بن أبى الحقيق وكان عنده كنز بنى النضير فسأله عنه فجحد أن يكون يعلم مكانه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فقال إنى رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة أى فإن كنانة حين راى النبى صلى الله عليه وسلم فتح حصن النطاة وتيقن ظهوره عليهم دفنه فى خربة
أى وفيه أن هذا لا يناسب ماسبق من أن حييا كان يطيف بتلك الخربة إلا أن يقال جاز أن يكون دفنه فى تلك الخربة فى محل آخر غير الذى دفنه فيه حيى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة أرأيت إن وجدته عندك أقتلك قال نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت فأخرج منها بعض كنزهم ثم سأله ما بقى فأبى أن يؤديه فأمر به الزبير رضى الله تعالى عنه فقال عذبه حتى نستأصل ما عنده فكان
____________________

الزبير رضى الله تعالى عنه يقدح بزند أى بالزناد الذى يستحرج به النار على صدره حتى أشرف على نفسه
وأخذ منه جواز العقوبة لمن يتهم ليقر بالحق فهو من السياسة الشرعية ثم دفعه صلى الله عليه وسلم لمحمد بن مسلمة رضى الله تعالى عنه فضرب عنقه باخيه محمود أى ولا مانع أن يكون السؤال وتعذيب الزبير وقع لسعيه وكنانة أيضا
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغنائم أى التى غنمت قبل الصلح فجمعت وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا منها صفية رضى الله تعالى عنها بنت حيى ابن أخطب من سبط هرون بن عمران أخى موسى عليهما الصلاة والسلام فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه وجعلها عند أم سليم التى هى أم أنس خادمه صلى الله عليه وسلم حتى اهتدت وأسلمت ثم اعتقها صلى الله عليه وسلم وتزوجها وجعل عتقها صداقها أى أعتقها بلا عوض وتزوجها بلا مهر لا فى الحال ولا فى المآل أى لم يجعل لها شيئا غير العتق
وقد سئل أنس رضى الله تعالى عنه عن صفية فقيل له يا أبا حمزة ما أصدقها قال نفسها أعتقها وتزوجها وهذا يرد ما استدل به بعض فقهائنا على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز نكاح الأمة الكتابية وجواز وطئها بملك اليمين من أنه صلى الله عليه وسلم كان يطأ صفية قبل إسلامها بملك اليمن
ويرد أيضا على من استدل من فقائنا على استحباب الوليمة للسرية بأنه صلى الله عليه وسلم لما أولم على صفية رضي الله تعالى عنها قالوا إن لم يحجبها فهي أم ولد وإن حجبها فهي امرأته وذلك دليل على على استحباب الوليمة للسرية إذ لو اختصت بالزوجة لم يترددوا في كونها زوجة أو سرية وذلك بعد أن خيرها صلى الله عليه وسلم بين أن يعتقها فارجع إلى من بقى من أهلها أو تسلم فيتخذها لنفسه فقالت أختار الله ورسوله
وذكر فى الأصل أن جعل عتق الأمة صداقها من خصائصه صلى الله عليه وسلم وقد ذكره الجلال السيوطى فى الخصائص الصغرى وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى عدم
____________________

الخصوصية وقال ابن حبان لم ينقل دليل على أنه خاص به صلى الله عليه وسلم دون أمته
وقيل إن دحية الكلى رضى الله تعالى عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية فوهبها له وقيل وقعت فى سهمه رضى الله تعالى عنه ثم ابتاعها صلى الله عليه وسلم منه بتسعة أرؤس أى وإطلاق الشراء فى ذلك على سبيل المجاز على أنه يخالف ما تقدم أنها من صفية صلى الله عليه وسلم قبل القسمة
وفى البخارى فجمع السبى فجاء دحية رضى الله تعالى عنه فقال يا نبى الله أعطنى جارية من السبى فقال اذهب فخذ جارية فاخذ صفية بنت حيى فجاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم عليه وسلم فقال يا رسول الله أعطيت دحية صفية سيدة قريظة والنظير لا تصلح إلا لك فقال ادعوه بها فجاء بها فلما نظر إليها النبى صلى الله عليه وسلم قال خذ جارية من السبى غيرها أى فأخذ غيرها
أى والتى أخذها غيرها هى أخت كنانة بن الربيع بن أبى الحقيق زوج صفية كما فى الأم لإمامنا الشافعى رضى الله عنه عن سيرة الواقدى وقول الرجل للنبى صلى الله عليه وسلم يا نبى الله أعطيت دحية صفية يدل على أنه اسمها وحينئذ يخالف ماقيل إن اسمها زينب فسماها صلى الله عليه وسلم صفية كما تقدم
وفى رواية أن صفية سبيت هى وبنت عم لها وأن بلالا جاء بهما فمر على قتلى يهود فلما رأتهم بنت عم صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها صلى الله عليه وسلم قال اعزبوا عنى هذه الشيطانة وقال صلى الله عليه وسلم لبلال أنزعت منك الرحمة يا بلال حتى تمر بامرأتين على قتلى رجالهما ثم دفع صلى الله عليه وسلم بنت عمها لدحية الكلبى رضى الله تعالى عنه وفى رواية وأعطى دحية بنت عمها عوضا عنها
أى وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل بصفية رأى بأعلى عينها خضرة فقال ما هذه الخضرة قالت كان رأسى فى حجر بن أبى الحقيق تعنى زوجها أى وهى عروس وأنا نائمة فرأيت كأن القمر وقع فى حجرى فأخبرته بذلك فلطمنى وقال تتمنى ملك العرب وفى لفظ حين نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وكانت عروسا رأت كأن الشمس نزلت حتى وقعت على صدرها فقصت ذلك على زوجها
____________________

قال والله ما تتمنين إلا هذا الملك الذى نزل بنا فلطم وجهها لطمة اخضرت عينها منها ولا مانع من تعدد الرؤية أو أنها رأت الشمس والقمر فى وقت واحد وسيأتى فى الكلام على زوجاته صلى الله عليه وسلم أنها قصت ذلك على أبيها ففعل بها ذلك وسيأتى أنه لا مانع من تعدد الواقعة وأنهما فعلا بها ذلك
وتقدم أن جويرية رضى الله تعالى عنها رأت القمر أيضا وقع فى حجرها وكون صفية رضى الله تعالى عنها كانت عروسا عند مجيئه صلى الله عليه وسلم خيبر ربما يدل على أن سلام ابن مشكم طلقها قبل الدخول بها فقد تقدم أن كنانة تزوج بها بعد أن طلقها سلام ابن مشكم فليتأمل
وعن صفية رضى الله تعالى عنها أنها قال انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما من الناس أحد أكره إلى منه قتل أبى وزوجى وقومى فقال صلى الله عليه وسلم يا صفية أما إنى أعتذر إليك مما صنعت بقومك إنهم قالوا لى كذا وكذا وقالوا فى كذا وكذا وفى رواية إن قومك صنعوا كذا وكذا ومازال صلى الله عليه وسلم يعتذر إلى حتى ذهب ذلك من نفسى فما قمت من مقعدى ومن الناس أحد أحب إلى منه صلى الله عليه وسلم وأعرس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن طهرت من الحيض فى قبة بعد أن دفعها صلى الله عليه وسلم لأم سليم لتصلح من شأنها وبات تلك الليلة أبو أيوب الأنصارى رضى الله تعالى متوشحا سيفه يحرسه ويطوف بتلك القبة حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى مكان أبى أيوب فقال مالك يا أبا أيوب قال رسول الله خفت عليك من هذه المرأة قتلت أباها وزوجها وقومها وهى حديثة عهد بكفر فبت أحفظك فقال اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظنى قال السهيلى رحمه الله فحرس الله أبا أيوب بهذه الدعوة حتى إن الروم لتحرس قبره ويستشفون به فيستصحون أى ويستسقون به فيسقون
فإنه غزا مع يزيد بن معاوية سنة خمسين فلما بلغوا القسطنطينية مات أبو أيوب رضى الله عنه هنالك فأوصى يزيد أن يدفنه فى أقرب موضع من مدينة الروم فركب المسلمون ومشوا به حتى إذا لم يجدوا مكانا مساغا دفنوه فسألتهم الروم عن شأنهم فأخبروهم أنه كبير من أكابر الصحابة فقالت الروم ليزيد ما أحمقك وأحمق من أرسلك أأمنت أن ننبشه بعدك فنحرق عظامه فحلف لهم يزيد لئن فعلتم ذلك ليهدمن كل
____________________

كنيسة بأرض العرب وينبش قبورهم فحينئذ حلفوا له بدينهم ليكرمن قبره وليحرسنه ما استطاعوا
أى وجاء أنه صلى الله عليه وسلم لما قطع ستة أميال من خيبر وأراد أن يعرس بها فأبت فوجد النبى صلى الله عليه وسلم فى نفسه فلما سار ووصل الصهباء مال إلى دومة هناك فطاوعته فقال لها ما حملك على إبائك حين أردت المنزل الأول قالت يا رسول الله خشيت عليك قرب يهود وهذا المحل الذى هو الصهباء هو الذى ردت فيه الشمس لعلى بعد ماغربت كما تقدم
وأقام صلى الله عليه وسلم بذلك المحل ثلاثة أيام وجعل وليمتها حيسا فى نطع صغير والحيس تمر وأقط وسمن أى ففى البخارى فأصبح النبى صلى الله عليه وسلم عروسا فقال من كان عنده شىء فليجىء به وبسط نطعا فجعل الرجل يجىء بالتمر أى وجعل الرجل يجىء بالأقط وذكر أيضا السويق
ولا يخفى أن الحيس خلط السمن والتمر والأقط إلا أنه قد يخلط مع هذه الثلاثة السويق وهذا يدل على أن الوليمة على صفية رضى الله تعالى عنها كانت نهارا
وذهب ابن الصلاح من أئمتنا إلى أن الأفضل فعلها ليلا قال بعضهم وهو متجه إن ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعلها ليلا أى لأحد من نسائه وقد جاء لا بد للعرس من وليمة
وقال لأنس آذن من حولك أى ليأكلوا من ذلك الحيس وكان صلى الله عليه وسلم يضع لها ركبته لتركب فتضع رجلها على ركبته الشريفة حتى تركب وفى لفظ لما وضع صلى الله عليه وسلم ركبته لتركب عليها أبت أن تضع قدمها على ركبته الشريفة ووضعت فخذها على ركبته أى ولعل هذا الثانى منها كان فى أول الأمر فلا مخالفة وعن صفية رضى الله تعالى عنها ما رأيت أحد قط أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيته ركب بى فى خيبر وأنا على عجز ناقته ليلا فجعلت أنعس فتضرب رأسى مؤخرة الرحل فيمسنى بيده ويقول ياهذه مهلا ونهى صلى الله عليه وسلم عن إتيان الحبالى من النساء اللاتى سبين وأن لا يصيب أحد امرأة من السبى غير حامل حتى يستبرئها أى تحيض
أى وفى لفظ أمر صلى الله عليه وسلم مناديه ينادى أن من آمن بالله واليوم الآخر لا يسق بمائه زرع الغير ولا يطأ امرأة حتى تنقضى عدتها أى حتى تحيض
____________________

وبلغه صلى الله عليه وسلم عن شخص أنه ألم بامرأة من السبى حبلى فقال لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه فى القبر ونهى صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم
ورأيت فى كلام بعضهم أن غالب اقتياتهم فى خيبر كان أكل الثوم والكراث حتى تقرحت أشداقهم أى وذلك قبل النهى
ثم رأيت فى الترغيب والترهيب عن أبى ثعلبة أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فوجدوا فى جنانها بصلا وثوما فاكلوا منه وهم جياع فلما راح الناس إلى المسجد إذا ريح بصل وثوم فقال النبى صلى الله عليه وسلم من أكل هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربنا وليس فى ذلك نهى عن أكل الثوم والبصل أى مطلقا إنما النهى عن إتيان المسجد لمن أكلهما تأمل
ومن ثم جاء أنه لما قال ذلك صلى الله عليه وسلم قال الناس حرم ذلك فلما بلغه صلى الله عليه وسلم ماقالوا قال أيها الناس إنه ليس لنا تحريم ما أحل الله ولكنها شجرة أكره ريحها
وعن فرقد السنجى ماأكل نبى قط ثوما ولا بصلا
ونهى صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء ففى مسلم عن على رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر
قال بعضهم والراجح أن النهى عن متعة النساء لم يكن فى خيبر فإنه شىء لم يعرفه أهل السير ولا رواة أهل الأثر ويدل لذلك ماقيل إن ثنية الوداع إنما سميت بذلك لأنهم فيها ودعوا النساء اللاتى تمتعوا بهن فى خيبر أي وإنما كان تحريمها عام الفتح أي ولا معارضة لأنه أحل بعد ذلك أي بعد خيبر فى عام الفتح ثم حرم فيه بعد ثلاثة أيام كما سيأتى
وقيل حرمت فى حجة الوداع وقيل فى غزوة أوطاس وهذا هو الصحيح وسيأتى فى غزوة الفتح الجمع بين هذه الأقوال
قال السهيلى رحمه الله وأغرب ماروى فى ذلك رواية من قال إن ذلك كان فى غزوة تبوك وفى حديث خرجه أبو داود أن تحريم نكاح المتعة كان فى حجة الوداع ومن قال من الرواة إنه كان فى غزوة أوطاس فهو موافق لمن يقول إنه كان عام الفتح هذا كلامه
____________________

وعن إمامنا الشافعى رضى الله عنه لا أعلم شيئا حرم ثم أبيح ثم حرم إلا المتعة أى فقد حرمت مرتين
ونقل السهيلى رحمه الله وغيره عن بعضهم أنها أبيحت وحرمت ثلاث مرات وعن بعضهم أنها أبيحت وحرمت أربع مرات ولينظر هذا مع قول بعضهم إن أول من حرم المتعة سيدنا عمر رضى الله عنه
وقيل لم يحرمها صلى الله عليه وسلم مطلقا بل عند الاستغناء عنها وأباحها عند الحاجة إليها أى عند خوف الزنا وبذلك كان يفتى ابن عباس رضى الله عنهما
وفى كلام فقهائنا والنهى عن نكاح المتعة فى خبر الصحيحين الذى لو بلغ ابن عباس رضى الله عنهما لم يستمر على القول بإباحتها لمن خاف الزنا مخالفا فى ذلك لكافة العلماء وقد وقعت مناظرة فى المتعة بين القاضى يحيى بن أكثم وأمير المؤمنين المأمون فإن المأمون نادى بإباحة المتعة فدخل عليه يحيى بن أكثم وهو متغير اللون بسبب ذلك وجلس عنده فقال له المأمون مالى أراك متغيرا قال لما حدث فى الإسلام قال وماحدث قال النداء بتحليل الزنا قال المتعة زنا قال نعم المتعة زنا قال ومن أين لك هذا قال من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أما الكتاب فقد قال الله تعالى قد أفلح المؤمنون إلى قوله والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون يا أمير المؤمنن زوجة المتعة ملك يمين قال لا قال أفهى الزوجة التى عند الله ترث وتورث ويلحق بها الولد قال لا قال فقد صار متجاوز هذين من العادين وأما السنة فقد روى الزهرى بسنده إلى على بن أبى طالب كرم الله وجهه أنه قال أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادى بالنهى عن المتعة وتحريمها بعد أم كان أمر بها فالتفت المأمون للحاضرين وقال أتحفظون هذا من حديث الزهرى الوا نعم يا أمير المؤمنين فقال المأمون أستغفر الله نادوا بتحريم المتعة
ونهى صلى الله عليه وسلم فى خيبر عن لحوم الحمر الأهلية أى فإنهم أصابهم جوع فوجدوا الحمر الأهلية أى ثلاثين حمارا خرجت من بعض الحصون وقيل لم يدخلوها الحصون فأخذها رهط من المسلمين وذبحوها وجعلوا لحومها فى القدور والبرام وجعلوا بطبخونها للأكل فمر بهم النبى صلى الله عليه وسلم فسألهم عما فى القدور والبرام
____________________

قالوا لحوم الحمر الإنسية أى المخالطة للإنس فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن أكلها حتى إن القدور أكفئت وإنها لتفور
أى وفى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى نيرانا توقد يوم خيبر قال علام توقد هذه النيران قالوا على الحمر الإنسية قال اكسروها وأهريقوها قالوا ألا نهريقها ونغسلها قال اغسلوها
وفى رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال ماهذه النيران على أى شىء توقد قالوا على لحم قال على أى لحم قالوا على لحم حمر إنسية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهريقوها واكسروها فقال رجل يارسول الله أو نهريقها ونغسلها فقال أو ذاك وعدوله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الثانى إما باجتهاد أو وحى
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم عند ذلك أمر عبد الله بن عوف أن ينادى فى الناس أن لحوم الحمر الأهلية لا تحل لمن يشهد أن محمدا رسول الله وأمر أن تكفأ القدور ولا يأكلوا من لحوم القدور شيئا
وفى مسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طلحة فنادى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاكم عن لحوم الحمر الحمر الأهلية فإنها رجس أو نجس وهذا السياق كله يدل على أنهم لم يأكلوا منها شيئا
وفي السيرة الهشامية وأكل المسلمون من لحوم الحمر فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى الناس عن أمور سماها لهم وهذا يرد القول بأنه إنما نهى عن أكلها للحاجة إليها أو لأنها أخذت قبل القسمة
وروى أبو داود بإسناد على شرط مسلم عن جابر رضى الله تعالى عنه ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال ولم ينهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخيل وفى رواية ورخص فى أكل الخيل أى أباح أكلها
وفى مسلم عن أسماء رضى الله عنها قالت نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه أى وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ولم ينكره
وعن خالد بن الوليد رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية والبغال والخيل
قال السهيلى رحمه الله وحديث الإباحة أصح وجاء أنه صلى الله عليه وسلم نهى
____________________

يوم خيبر عن اكل لحم الجلالة وعن ركوبها حتى تعلف أربعين يوما والجلالة التى تأكل الجلة وهى الروث والعذرة وذكر الهروى أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل الدجاج الجلالة حتى تقصر أى تحبس ثلاثة أيام وذكر فقهاؤنا أن الحمر الأهلية حللت بعد تحريمها ثم حرمت فليتأمل
ونهى صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذى ناب من السباع أى وذى مخلب من الطير وعن بيع المغانم حتى تقسم وجعلت له صلى الله عليه وسلم مائدة فأكل متكئا واطلى بالنورة وكان ينوره الرجل فإذا بلغ عانته تولى ذلك صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة
وروى ابن ماجه بسند جيد كما قاله الحافظ ابن كثير أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا طلى بدأ بعورته فطلاها وطلى سائر جسده أهله وحينئذ يكون المراد بعانته فى الرواية السابقة العورة على أن تلك الرواية مرسلة فلا يحتج بذلك لمن يقول إن العورة ماعدا السوءتين
وأخرج الإمام أحمد عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت أطلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنورة فلما فرغ منها قال يا معشر المسلمين عليكم بالنورة فإنها طيبة وطهوره وإن الله تعالى يذهب بها عنكم أوساخكم وأشعاركم أى فهو من نعيم الدنيا ومن ثم كرهه عمر رضى الله عنه
وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له وقد دخل الحمام أتدخل الحمام وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الحمام
وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكر وعمر رضى الله عنهما طاب حمامكما وجاء أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يتنور كل شهر ويقلم أظفاره كل خمسة عشر يوما وماورد انه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يتنور فهو ضعيف معارض بما هو أقوى منه وأكثر عددا على أن المثبت مقدم على النافى أى وفى الينبوع وقول أنس رضى الله عنه إن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان لا يتنور وكان يحلق محمول على الغالب من أمره صلى الله تعالى عليه وسلم
____________________

وفى الخصائص الصغرى وقال ابن عباس رضى الله عنهما ماتنور نبى قط وفى صحيح مسلم عن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم وقت لقص الشارب وتقليم الأظفار أن لا يدع ذلك أربعين يوما أى وكان صلى الله عليه وسلم يقص أظفاره كل خمسة عشر يوما كما تقدم
وقد استفيد من هذا كما قال بعضهم فائدة نفيسة وهى ذكر التوقيت للتنور وقص الأظفار قال بعضهم وفيه نظر فإن بدنه صلى الله عليه وسلم كان فى غاية الاعتدال فلا يقاس به صلى الله عليه وسلم غيره فى ذلك نظير ماقالوه فيما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يوضئه المد ويغسله الصاع إن ذلك خاص ببدن من يكون خاص ببدن من يكون بدنه كبدنه عليه الصلاة والسلام نعومة واعتدالا وإلا زيد ونقص المتفاوت فكذلك هنا ومن ثم قال الأئمة رحمهم الله فى نحو حلق العانة ونتف الإبط والقلم للظفر وقص لاشارب إن ذلك لا يتقيد بمدة بل يختلف باختلاف الأبدان والمحال فيعتبر وقت الحاجة إلى إزالة ذلك
وبهذا يرد على من قال يكره التنور فى أقل من شهر وقدم عليه صلى الله عليه وسلم بخيبر الأشعريون أى ومنهم أبو موسى الأشعرى رضى الله عنه والدوسيون ومنهم أبو هريرة رضى الله تعالى عنه فسال صلى الله عليه وسلم أصحابه رضى الله عنهم أن يشركوهم فى الغنيمة ففعلوا
قال وعن موسى بن عقبة رحمه الله أن أحد الأشعريين ومن ذكر معهم أى وهم الدوسيون من هذين الحصنين اللذين فتحا صلحا وتكون مشاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى إعطائهم ليست استنزالا لهم عن شىء من حقهم وإنما هى المشورة العامة أى المأمور بها فى قوله تعالى وشاورهم فى الأمر انتهى
أقول وهذا صريح فى أن ذلك كان فيئا له صلى الله عليه وسلم فهما ومافيهما مما أفاء الله عليه صلى الله عليه وسلم لأن الفىء ماجلوا عنه من غير قتال أى من غير مصافة للقتال
والحاصل أن أرض خيبر ونخلها غنيمة لأنه صلى الله عليه وسلم غلب على النخل والأرض وألجأهم إلى الحصون وفتح جميع الحصون عنوة إلا الوطيح والسلالم
____________________

فإنهما فتحا صلحا على حقن دماء المقاتلة وترك الذرية لهم بشرط أن لا يكتموه شيئا من أموالهم وأن من كتم شيئا انتقض ذلك الصلح له بالنسبة لدمه وذراريه
وهذان الحصنان هما المرادان بالكثيبة فى قول بعضهم كان صلى الله عليه وسلم يطعم من الكثيبة أهله لما علمت أنهما من حصونها وأنهما وما فيهما مما أفاء الله عليه
وكونه صلى الله عليه وسلم كان يطعم أهله مما فيهما واضح وأما إذا كان المراد يطعم من الأرض والنخيل المتعلقتين بالحصنين فقد يتوقف فيه لما تقدم أن أرض خيبر ونخلها غنيمة وذلك شامل للارض والنخيل المتعلقين بالحصنين فليتأمل والله أعلم
وفى لفظ وقدم عليه صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه من أرض الحبشة ومعه الأشعريون أبو موسى الأشعرى وأخوه أبو رهم وأبو بردة رضى الله عنهم وكان أبو موسى أصغرهم وأقواهم وكان قوم جعفر بالحبشة أى لأنهم هاجروا إلى الحبشة من اليمن كما تقدم وقبل قدومهم إليه صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم يقدم عليكم قوم هم أرق منكم قلوبا فقدم الأشعريون وذكر أنهم عند مجيئهم صاروا يقولون ** غدا نلقى الأحبة ** محمد وحزبه **
وفى كلام بعضهم ما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم قال فى حقهم أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا وأرق أفئدة الفقه يمان والحكمة يمانية
ولما أقبل عليه صلى الله عليه وسلم جعفر رضى الله عنه قام صلى الله عليه وسلم إلى جعفر وقبله بين عينيه وفي رواية قبل جبهته من أرض الحبشة اعتنقه النبى صلى الله عليه وسلم وقبله بين عينيه وجعل ذلك أصلا لاستحباب المعانقة
وقال بعضهم إنها مكروهة وحديث جعفر يحتمل أن يكون قبل النهى عنها فانه نهى عن المعاكمة وهى المعانقة وحمل ذلك بعضهم على ما إذا كانت المعانقة من غير حائل
أقول لم يجب بذلك سيدنا مالك رضى الله عنه فإنه لما قدم عليه سفيان بن عيينة رضى الله عنه صافحه مالك وقال له لولا أنها بدعة لعانقتك فقال له سفيان قد عانق من هو خير منك ومنى النبى صلى الله عليه وسلم قال مالك تعنى جعفر بن أبى طالب
____________________

قال نعم قال حبيب خاص ليس بعام أى فذلك من خصوصياته فقال له سفيان ماعم جعفرا يعمنا وما يخصه يخصنا أى فالأصل عدم الخصوصية ثم قال له سفيان أتأذن لى أن أحدثك بحديثك قال نعم فقال حدثنى فلان عن فلان عن ابن عباس رضى الله عنهما وذكر الحديث المتقدم عنه وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم التزم زيد بن حارثة رضى الله عنه حين قدم عليه من مكة
وأما المصافحة فقد جاء أن أهل اليمن لما قدموا المدينة صافحوا الناس بالسلام فقال النبى صلى الله عليه وسلم إن أهل اليمن قد سنوا لكم المصافحة وقال من تمام محبتكم المصافحة وقال صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية لما قدم عليه والى عدى ابن حاتم قال السهيلى وليس هذا معارضا لحديث من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار لأن هذا الوعيد إنما توجه للمتكبرين وإلى من يغضب أن لا يقام له وكان صلى الله عليه وسلم يقوم لفاطمة رضى الله عنها وكانت تقوم له صلى الله عليه وسلم هذا كلامه والله أعلم
ولما رآه صلى الله عليه وسلم جعفر حجل أى مشى على رجل واحدة إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن أهل الحبشة يفعلون ذلك للتعظيم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له أشبهت خلقى وخلقى وفى لفظ جعفر أشبه الناس بى خلقا وخلقا وكان صلى الله عليه وسلم يسميه أبا المساكين لأنه رضي الله عنه كان يجب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه
وذكر بعضهم أنه لما قال له صلى الله عليه وسلم أشبهت خلقى وخلقى رقص من لذة هذا الخطاب ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم رقصه وجعل ذلك أصلا لجواز رقص الصوفية عند ما يجدونه من لذة المواجيد من مجالس الذكر والسماع ثم قال صلى الله عليه وسلم والله ما أدرى بأيهما أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر رضى الله عنه
وقيل قدم مع جعفر رضى الله عنه سبعون رجلا عليهم ثياب الصوف منهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية روميون من أهل الشام
وفى لفظ قدم مع جعفر رضى الله عنه سبعون كافرا أصحاب الصوتمع وقيل كانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية روميون من أهل الشام وقيل كانوا ثمانين رجلا
____________________

أربعون من أهل نجران واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية روميون من أهل الشام فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس إلى آخرها فبكوا وأسلموا وقالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى عليه الصلاة والسلام
أى ولعل هؤلاء الذين من الحبشة هم المرادون بقول بعضهم ووفد إليه وفد النجاشى فقام صلى الله عليه وسلم يخدمهم بنفسه فقال له أصحابه نحن نكفيك يا رسول الله فقال إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين وإنى أحب أن أكافئهم وفى لفظ وقدم عليه أيضا أبو هريرة رضى الله عنه وطائفة من قومه وهم دوس كما تقدم
قال أبو هريرة رضى الله عنه قدمنا المدينة ونحن ثمانون بيتا من دوس فصلينا الصبح خلف سباع بى عرفطة الغفارى فأخبرنا أن النبى صلى الله عليه وسلم بخيبر فزودنا سباع ثم جئنا خيبر وهو محاصر الكثيبة فأقمنا حتى فتح الله أى وكان من جملة من قدم معهم من بلاد الحبشة أم حبيبة بنت أبى سفيان رضى الله عنهما زوج النبى صلى الله عليه وسلم تزوجها أى عقد عليها وهى بالحبشة فإنها كانت ممن هاجر الهجرة الثانية للحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش فارتد عن الإسلام هناك وتنصر ومات على ذلك وبقيت هى على إسلامها كما تقدم وقد أرسل صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية ألضمرى رضى الله عنه فى المحرم افتتاح سنة سبع إلى النجاشى ليزوجها منه صلى الله عليه وسلم قالت أم حبيبة رضى الله عنها رأيت فى المنام كأن قائلا يقول لى يا أم المؤمنين ففزعت فأولتها بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجنى قالت فما شعرت إلى وقد دخلت على جارية النجاشى فقالت لى إن الملك يقول لك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يزوجك منه فقلت لها بشره الله بالخير ويقول لك وكلى من يزوجك فأرسلت بالوكالة إلى خالد بن سعيد رضى الله عنه أى وأعطت تلك الجارية سوارين وخدمتين أى خلخالين وخواتيم فضة سرورا بما بشرت به فلما كان العشى أمر النجاشى جعفر بن أبى طالب ومن معه من المسلمين فحضروا وخطب النجاشى رضى الله عنه فقال الحمد لله الملك القدوس أى فى لفظ بدل ذلك المؤمن المهيمن العزيز الجبار أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنه الذى بشر به عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أن أزوجه ام حبيبة بنت أبى سفيان فأجبنا إلى مادعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصدقها
____________________

أربعمائة دينار أى وفى لفظ أربعمائة مثقال ذهب ثم سكب الدنانير بن يدى القوم فتكلم خالد بن سعيد بن العاص رضى اللله عنه فقال الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الادين كله ولو كره المشركون أما بعد فقد أجبت إلى مادعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أم حبيبة بنت أبى سفيان فبارك الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أى ودفع النجاشى الدنانير لخالد بن سعيد فقبضها منه وقيل إنه أنقدها النجاشى على يد جاريته التى بشرتها فلما جاءتها بتلك الدنانير أعطتها خمسين دينارا وقد يقال يجوز أن يكون النجاشى استردها من خالد ثم دفعها لتلك الجارية أو أمر خالد بن سعيد بدفعها للجارية لتدفعها لأم حبيبة فلا مخالفة وهذا السياق يدل على أن النجاشى كان هو الوكيل عنه صلى الله عليه وسلم وفى كلام بعض فقهائنا أنه صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أمية فى نكاح أم حبيبة
وقد يقال معنى توكيل عمرو إرساله بالوكالة للنجاشى أى ثم أرادوا أن يقوموا بعد العقد قال لهم النجاشى اجلسوا فإن من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا قالت أم حبيبة رضى الله عنها فلما كان من الغد جاءتنى جارية النجاشى فردت على جميع ما أعطيتها وقالت إن الملك عزم على أن لا أرزأك شيئا وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر فجاءت بورس وعنبر وزباد كثير وقالت حاجتى إليك أن تقرئى رسول الله صلى الله عليه وسلم منى السلام وتعلميه أنى قد اتبعت دينه وكانت كلما دخلت على تقول لا تنسى حاجتى إليك ثم أرسل النجاشى أم حبيبة مع شرحبيل ابن حسنة أى قالت أم حبيبة ولما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته كيف كانت الخطبة ومافعلت معى جارية النجاشى وأقرأته منها السلام فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال وعليها السلام ورحمة الله وبركاته
وجاء أنه لما رجعت إليه صلى الله عليه وسلم مهاجرة الحبشة قال ألا تخبرونى بأعجب شىء رأيتم بأرض الحبشة فقال فتية منهم يا رسول الله بينما نحن جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم وعلى رأسها قلة فيها ماء فمرت بصبى فدفعها فوقعت على ركبتيها فانكسرت قلتها فلما ارتفعت أى قامت التفتت إليه فقالت سوف تعلم
____________________

يا غدر إذا وضع الله الكرسى وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدى والأرجل بما كانوا يكسبون تعلم أمرى وأمرك عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ لضعيفهم من قويهم
وذكر أنه لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر ودنا بعث محيصة ابن مسعود إلى أهل فدك يدعوهم إلى الإسلام ويخوفهم قال محيصة فجئتهم فجعلوا يتربصون ويقولون إن بخيبر عشرة آلاف مقاتل فيهم عامر وياسر والحارث وسيد اليهود مرحب ما نرى أن محمد يقرب إليه فمكثت عندهم يومين ثم أردت الرجوع فقالوا نحن نرسل معك رجالا منا يأخذون لنا الصلح كل ذلك وهم يظنون أنه صلى الله عليه وسلم لا يقدر على فتح خيبر حتى جاءهم أناس من حصن ناعم وأخبروهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحه فأرسلوا رجلا من رؤسائهم يقال له نون بن يوشع فى نفر يصالحون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويجليهم ويخلوا بينه وبين الأموال ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقيل تصالحوا معه على أن يكون لهم نصف الأرض ولرسول الله صلى الله عليه وسلم النصف الآخر فكان فدك على الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الثانى كان له نصفها لأنها لم تؤخذ بمقاتلة فكان صلى الله عليه وسلم ينفق منها ويعود منها على صغير بنى هاشم ويزوج منها أيمهم
ولما مات صلى الله عليه وسلم وولى أبو بكر رضى الله عنه الخلافة سألته فاطمة رضى الله عنها أن يجعلها أو نصفها لها فأبى وروى لها أنه صلى الله عليه وسلم قال إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة أى على المسلمين
ومما يؤيد الثانى ماقيل إنه أجلاهم عمر رضى الله عنه مع يهود خيبر كما سيأتى اشترى منهم حصتهم التى هى النصف بمال بيت المال
فلما صارت الخلافة لعمر بن عبد العزيز رضى اله عنه فقيل له إن مروان اقتطعها أى جعلها أقطاعا له فقال أرأيتم أمرا منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة أى بقوله صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركناه صدقة ليس لى بحق وإنى أشهدكم أنى قد رددتها على ماكانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أى صدقة على المسلمين وطلب الصلح كان بعد أن أرادت غطفان وسيدهم عيينة بن حصن أن يعينوا أهل خيبر
____________________

أى وكانوا أربعة آلاف فإن يهود خيبر لما سمعوا بمجيئه صلى الله عليه وسلم إليهم أرسلوا كنانة بن أبى الحقيق وهودة بن قيس فى أربعة عشر رجلا إلى غطفان ليستمدوا بهم وشرطوا لهم نصف ثمار خيبر إن غلبوا على المسلمين فجمعوا ثم خرجوا ليظاهروا يهود خيبر
أى ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم أن لا يعينوهم على أن يعطيهم من خيبر شيئا سماه لهم أى وهو نصف ثمارها فأبوا وقالوا جيراننا وحلفاؤنا فلما ساروا قليلا خلفهم فى أموالهم وأهليهم حسا ظنوه أن المسلمين أغاروا على أهاليهم أى فألقى الله الرعب فى قلوبهم فرجعوا على الصعب والذلول أى مسرعين على أعقابهم فأقاموا فى أهليهم وأموالهم وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل خيبر أى وفى رواية سمعوا صوتا أيها الناس أهليكم خولفتم إليهم فرجعوا فلم يروا لذلك نبأ
ويدل للثانى أن غطفان لما قدموا عليه صلى الله عليه وسلم خيبر قال عيينة بن حصن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وجده صلى الله عليه وسلم فتح حصونها أعطنا الذى وعدتنا
وفى رواية أعطنى مما غنمت من حلفائى فإنى امتنعت عنك وعن قتالك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت ولكن الصياح الذى سمعت أنفذك إلى أهلك ولكن لك ذو الرقيبة قال عيينة وما ذو الرقيبة قال الجبل الذى رأيت فى منامك أنك أخذته
أى فإن عيينة بن حصن لما سمع الصوت ورجع إلى أهله ولم يجد شيئا رجع بعد ذلك بمن معه إلى خيبر وأنهم بالقرب منها عرسوا من الليل فنام عيينة وانتبه وقال لقومه أبشروا فإنى رأيت الليل فى النوم أنى أعطيت ذا الرقيبة وهو جبل بخيبر لقد والله أخذت برقبة محمد فلما قدم خيبر وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فتح خيبر الحديث وقدم عليه صلى الله عليه وسلم حينئذ أيضا حجاج بن علاط السلمى وأسلم والعلاط وسم فى العنق وهو أبو نصر بن حجاج الذى نفاه عمر رضى الله عنه لما سمع أم الحجاج ابن يوسف الثقفى تهتف به وتقول الأبيات التى منها ** هل من سبيل إلى خمر فأشربها ** أم من سبيل إلى نصر بن حجاج **
ومن
____________________

ثم قال عروة بن الزبير يوما للحجاج يا ابن المتمنية يعيره بذلك وكان الحجاج مكثرا من المال فقال يا رسول الله إن مالى عند إمرأتى بمكة ومتفرق فى تجار مكة فأذن لى أن آتى مكة لآخذ مالى قبل أن يعلموا بإسلامى فلا أقدر على أخذ شىء منه فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لا بد لى من أن أقول أى أتقول وأذكر ماهو خلاف الواقع أى ما أحتال به لما يوصل إلى أخذ مالى قال قل قال فخرجت حتى انتهيت إلى الحرم فإذا رجال من قريش يتشممون الأخبار وقد بلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إلى خيبر أى أهل القوة والمنعة بعد ماوقع بينهم من المراهنة على مائة بعير فى أن النبى صلى الله عليه وسلم يغلب أهل خيبر أولا فقال حويطب ابن عبد العزى وجماعة بالأول وقال عباس بن مرداس وجماعة بالثانى فقالوا حجاج عنده والله الخبر ولم يكونوا علموا بإسلامى يا حجاج إنه قد بلغنا أن القاطع يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سار إلى خيبر فقلت عندى من الخبر مايسركم فاجتمعوا على يقولون إيه يا حجاج فقلت لهم لم يلق محمد وأصحابه قوما يحسنون القتل غير أهل خيبر فهزم هزيمة لم يسمع بمثلها قط وأسر محمد وقالوا لا نقتله حتى نبعث به إلى مكة فنقلته بين أظهرهم
وفى لفظ يقتلونه بمن كان أصاب من رجالهم فصاحوا وقالوا لأهل مكة قد جاءكم الخبر هذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم قال حجاج وقلت لهم أعينونى على غرمائى أريد أن اقدم فأصيب من غنائم محمد وأصحابه قبل أن يسبقنى التجار إلى ماهناك فجمعوا لى مالى على أحسن مايكون ففشا ذلك بمكة وأظهر المشركون الفرح والسرور وانكسر من كان بمكة من المسلمين وسمع بذلك العاس بن عبد المطلب رضى الله تعالى عن فجعل لا يستطيع أن يقوم ثم بعث إلى حجاج غلاما وقال قل له يقول لك العباس الله أعلى وأجل من أن يكون الذى جئت به حقا فقال له حجاج أقرىء على أبى الفضل السلام وقل له ليخل لى بعض بيوته لآتيه بالخبر على مايسره واكتم عنى فاقبل الغلام فقال أبشر أبا الفضل فوثب العباس فرحا كأن لم يمسه شىء وأخبره بذلك فاعتقه العباس رضى الله تعالى عنه وقال لله على عتق عشر رقاب
فلما كان ظهرا جاءه حجاج فناشده الله أن يكتم عنه ثلاثة أيام أى وقال إنى أخشى
____________________

الطلب فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك فوافقه العباس على ذلك فقال إنى قد أسلمت وإن لى مالا عند امرأتى ودينا على الناس ولو علموا بإسلامى لم يدفعوه إلى إنى تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فتح خيبر وجرت سهام اله وسهام رسوله فيها وتركته عروسا بابنة ملكهم حيى بن أخطب وقتل ابن أبى الحقيق
فلما أمسى حجاج خرج وطالت على العباس تلك الليالى الثلاث فلما مضى حجاج أى ومضت الثلا عمد العباس رضى الله تعالى عنه إلى حلة فلبسها وتحلق بخلوق وأخذ بيده قضيبا ثم اقبل يخطر حتى أتى مجالس قريش وهم يقولون إذا مر بهم لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل هذا والله التجلد بحر المصيبة قال كلا والله الذى حلفتم به لم يصبنى إلا خير بحمد الله أخبرنى حجاج أن خيبر فتحها الله على يد سوله صلى الله عليه وسلم وجرت فيها سهام الله وسهام رسول الله واصطفى رسول الله صفية بنت ملكهم حيى بن أخطب لنفسه وأنه تركه عروسا بها أى وإنما قال ذلك لكم ليخلص ماله وإلا فهو ممن أسلم فرد الله الكآبة التى كانت بالمسلمين على المشركين فقال المشركون ألا يا عباد الله انفلت عدو الله يعنون حجاجا أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ولم يلبثوا أن جاءهم الخبر بذلك هذا
وفى الدلائل للبيهقى رحمه الله لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال حجاج ابن علاط يا رسول الله إن لى بمكة مالا وإن لى بها أهلا وأنا أريد أن آتيهم فأنا فى حل إن أنا نلت منك وقلت شيئا فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ماشاء فقال لامرأته حين قدم أخفى على واجمعى ماكان عندك فإنى أريد أن أشترى من غنائم محمد وأصحابه فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم ففشا ذلك بمكة ك فاشتد ذلك على المسلمين وأظهر المشركون فرحا وسرورا وبلغ العباس رضى الله تعالى عنه الخبر فقعد وجعل لا يستطيع أن يقوم فارسل العباس رضى الله تعالى عنه غلاما له إلى الحجاج ويلك ماتقول فالذى وعد الله خير مما جئت به فقال جاج يا غلام أقرىء أبا الفضل السلام وقل له فليخل بى فى بعض بيوته فآته بالخبر على مايسره فلما بلغ العبد باب الدار قال أبشر يا أبا الفضل فوثب العباس فرحا حتى قبل مابين عينيه فاخبره بقول حجاج فاعتقه ثم جاء حجاج فأخبره بافتتاح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وغنم أموالهم وأن سهام الله قد جرت فيها وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفى صفية
____________________

بنت حيى لنفسه وخيرها بين أن يعتقها وتكون له زوجة أو يلحقها بأهلها فاختارت أن يعتقها وتكون له زوجة ولكن جئت لمالى ههنا أن أجمعه وأذهب به وإنى استاذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول فأذن لى أن أقول ما شئت فأخف على يا أبا الفضل ثلاثا ثم اذكر ماشئت قال فجمعت له امرأته متاعه فلما كان بعد ثلاث أتى العباس رضى الله تعالى عنه امرأة حجاج فقال مافعل زوجك قالت ذهب وقالت لا يحزنك الله يا أبا الفضل لقد شق علينا الذي بلغك فقال أجل لا يحزنني الله فلم يكن لمحمد إلا ماأحب فتح الله على يد رسوله خيبر واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه فإن كان لك فى زوجك حاجة فالحقى به قالت أظنك والله صادقا قال فإنى والله صادق والأمر على ما أقول ثم ذهب حتى أتى مجلس قريش الحديث
قال ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر كان التمر أخضر فأكثر الصحابة من أكله فأصابتهم الحمى فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بردوا لها الماء فى الشنان أى القرب ثم صبوا عليكم منه بين أذانى الفجر واذكروا اسم الله عليه ففعلوا فذهبت عنهم
وعن سلمة بن الأكوع رضى الله تعالى عنه أصابتنى ضربة يوم خيبر فقال الناس أصيب سلمة بن الأكواع فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفث فيها ثلاث نفثات فما اشتكيت منها ساعة
وفى هذه الغزوة أراد صلى الله عليه وسلم أن يتبرز فقال لابن مسعود رضى الله تعالى عنه يا عبد الله انظر هل ترى شيئا فنطرت فإذا شجرة واحدة فأخبرته فقال لي انظر هل ترى شيئا فنظرت شجرة أخرى متباعدة من صاحبتها فأخبرته فقال قل لهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركما أن تجتمعا فقلت لهما ذلك فاجتمعا فاستتر بهما ثم قام فانطلقت كل واحدة إلى مكانها
وفى الإمتاع عن جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنهما سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح فذهب رسول اله صلى الله عليه وسلم يقضى حاجته فاتبعته بإداوة من ماء فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به فإذا بشجرتين بشاطىء الوادى فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها
____________________

فقال انقاذى على باذن اله تعالى فانقادت معه كالبعير المخشوش الذى يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقاذى على باذن الله تعالى فانقادت معه كذلك حتى كان صلى الله عليه وسلم بالنصف مما بينهما ولأم بينهما وقال التئما على باذن الله تعالى فالتأما قال جابر رضى الله تعالى عنه فخلوت أحدث نفسى فحانت منى التفاتة فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا وإذا الشجرتان قد افترقتا وذهبت كل واحدة إلى محلها الحديث ولا بعد فى تعدد الواقعة
ووقع له صلى الله عليه وسلم مجىء بعض الشجر إليه قبل أن يهاجر صلى الله عليه وسلم فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى بعض شعاب مكة وقد دخله من الغم ماشاء الله من تكذيب قومه وقولهم له تضلل آباءك وأجدادك يا محمد ومن خضبهم له بالدماء فقال يا رب أرنى اليوم آية أطمئن إليها ولا أبالى بمن آذانى بعدها وكان ذلك الوادى به شجر فأمر أن يدعو شجرة من تلك الشجر وفى لفظ غصنا من أغصان شجرة فدعا ذلك فانتزع من مكانه وجاء إليه وسلم عليه ثم أمره صلى الله عليه وسلم بالعود فعاد إلى مكانه فحمد الله وطابت نفسه وعلم أنه على الحق وقال لا أبالى بمن آذانى بعد هذا من قومى
أقول ووقع له صلى الله عليه وسلم إجابة الحجر فعن تفسير الفخر الرازى أنه صلى الله عليه وسلم كان مع عكرمة بن أبى جهل بشط ماء فقال عكرمة للنبى صلى الله عليه وسلم إن كنت صادقا فادع ذلك الحجر لحجر كان فى الجانب الآخر يسبح فى الماء ويجىء إليك ولا يغرق فأشار إليه صلى الله عليه وسلم فانقلع ذلك الحجر من مكانه وسبح حتى صار بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد له بالرسالة فقال النبى صلى الله عليه وسلم لعكرمة يكفيك هذا فقال حتى يرجع إلى مكانه فأشار إليه صلى الله عليه وسلم فرجع إلى مكانه ولم يسلم عكرمة فى ذلك الوقت وإنما أسلم يوم فتح مكة والله أعلم
وعند خروجه صلى الله عليه وسلم إلى هذه الغزوة أمر صلى الله عليه وسلم مناديا ينادى من كان مضيعا أو ضعيفا أو مصعبا أى راكبا دابة صعبة فليرجع فرجع ناس وارتحل مع القوم رجل على بكر صعب أو ناقة صعبة فنفر مركوبه فصرعه فاندقت فخذه فمات فلما جىء به إلى النبى صلى الله عليه وسلم قال ما شأن صاحبكم فأخبروه
____________________

قال يا بلال ما كنت أذنت فى الناس من كان مصعبا أى راكبا دابة صعبة فليرجع قال بلى فأبى صلى الله عليه وسلم أن يصلى عليه وأمر صلى الله عليه وسلم بلالا فنادى فى الناس الجنة لا تحل لعاص ثلاثا وفيها مات شخص من الصحابة فقال صلى الله عليه وسلم صلوا على صاحبكم وامتنع من الصلاة عليه فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال إن صاحبكم غل فى سبيل الله ففتشا متاعه فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يساوى درهمين
وفيها أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل من المسلمين هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالا أشد القتال فارتاب بعض الصحابة أى كيف يكون من أهل النار مع هذه المقاتلة الشديدة فلما كثرت الجراحات فى ذلك الرجل ووجد ألمها أخرج سهما من كنانته ونحر نفسه فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قم يا بلال فأذن لا يدخل الجنة إلا مؤمن وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة الحديث وفي رواية إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدر للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدر للناس وهو من أهل الجنة وتقدم في غزوة أحد مثل ذلك ولا بعد في التعدد إن لم يكن من الاشتباه على الراوي
أقول في سيرة الحافظ الدمياطي لما فتحت خبير واطمأن الناس جعلت زينب ابنة الحارث أخي مرحب وهي امرأة سلام بن مشكم تسأل أي الشاة أحب إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقولون اذراع قيل وإنما أحب صلى الله عليه وسلم الذراع لأنه هادي الشاة وأبعدها من الأذى فعمدت إلى عنزلها وصلتها ثم عمدت إلى سم لا يلبث أن يقتل من ساعته فسمت الشاة وأكثرت في الذراعين والكتف فلما غابت الشمس وصلى رسول المغرب بالناس انصرف وهي جالسة عند رحله فسال عنها فقالت يا أبا القاسم هدية أهديتها لك فأمر بها صلى الله عليه وسلم فأخذت منها فوضعت بين يديه صلى الله عليه وسلم وأصحابه حضور أو من حضر منهم وفيهم بشر بن البراء بن معرور فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادنوا فقعدوا وتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع فانتهش منه فلما ازدرد رسول الله صلى الله عليه وسلم لفمة ازدرد بشر ما في فه وأكل القوم منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع أو الكتف تخبرني أنها مسمومة فقال بشر والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي أي لقمتي التي أكلت فما منعني أن ألفظها إلا أن أنغص عليك طعامك فلما أكلت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك ورجوت أن لا تكون ازدردتها فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان أي أسود وماطله وجعه سنة لا يتحول إلا ما حول ثم مات
وقال بعضهم فلم يقم بشر من مكانه حتى توفي أي والمتبادر من المكان مكان الأكل وربما يدل له عدم ذكر بشر في الحجامة وطرح منها لكلب فمات اه أي فلم يأكل إلا بشر رضي الله تعالى عنه
وحينئذ يكون المراد بقوله وأكل القوم منها أي أرادوا الاكل أي ووضعوا أيديهم بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ارفعوا أيديكم ويدل له ما يأتي عن الإمتاع وفي الأصل أنها أهدتها لصفية رضي الله تعالى عنها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور فقدمت إليهما تلك الشاة فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف وفي رواية الذراع فانتهش منه قطعة فلاكها ثم ألقاها أي ولم يبتلعها أي وانتهش من الشاة بشر قطعة فابتلعها ثم نهى رسول اله صلى الله عليه وسلم عن تناول شيء مها وقال إن كتف هذه الشاة تخبرني أني نعيت فيها فقال بشر والذي أكرمك لقد وجدت ذلك فيما اكلته فما منعني من لفظه إلا أني أعظمت أن أنغصك طعاما فلم يقم بشر رضي الله تعالى عنه من مكانه حتى كان لا يتحول إلا إن حول وإلى هذا أشار الإمام السبكي في تائيته بقوله ** وأحييت عضو الشاة بعد مماتها ** فجاء بنطق موضح للنصيحة ** ** وقال رسول الله لاتك آكلي فزينب سامتني الهوان وسمت **
وهذا يؤيد القول بأن كلام نحو الجماد يكون بعد أن يخلق الله فيه الحياة
ومذهب الاشعري رحمه الله أن الله يخلق في نحو الجماد حروفا وصوتا يحدث ذلك فيه أي وليس من لازم ذلك وجود الحياة
واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله أي حجمه أبو طيبه مولى بني بياضه وقيل أبو هند وهو مولى بني بياضة أيضا أي وأمر أصحابه فاحتجموا أوساط رءوسهم أي وهم كما في الإمتاع ثلاثة نفر وضعوا ايديهم في الطعام ولم يصيبوا منه شيئا وفيه أنه
____________________

لا معنى لاحتجام اصحابه إذا لم يأكلوا شيئا ومن ثم قال في سفر السعادة واحتجم صلى الله عليه وسلم بين الكتفين في ثلاثة مواضع وامر من أكل أي من أراد أن يأكل معه بذلك إلا أن يقال مجرد وضع اليد ربما سرى بسببه السم إلى باقي الجسد وقال صلى الله عليه وسلم الحجامة في الرأس هي المعينة أمرني بها جبريل عليه السلام حين أكلت طعام اليهودية
وقد احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذه الواقعة مرارا في محال مختلفة فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم احتجم على الأخدعين مرتين واحتجم وسط راسه الشريف وكان يسميها منقذة أي وذلك لما سحر
ففي سفر السعادة لما سحره اليهودي ووصل المرض إلى الذات المقدسة النبوية أمر صلى الله عليه وسلم بالحجامة على قبة رأسه المباركة واستعمال الحجامة في كل متضرر بالسحر غاية الحكمة ونهاية حسن المعالجة ومن لاحظ له في الدين والإيمان يستشكل هذا العلاج هذا كلامه
ودخل عليه صلى الله عليه وسلم الاقرع بن حابس وهو يحتجم في القمحذوة فقال يا ابن أبي كبشة لم احتجمت وسط رأسك فقال يا ابن حابس إن فيها شفاء من وجع الراس والأضراس والنعاس والجنون أي وفي الحديث الحجامة في الراس شفاء من سبع من الجنون والصداع والجذام والبرص والنعاس ووجع الضرس وظلمة يجدها في عينيه وفي الحديث اجتنبوا الحجامة يوم الجمعة والسبت والأحد وفي بعض الروايات يوم الأحد شفاء ويحتاج للجمع
وجاء النهي عن الحجامة يوم الثلاثاء أشد النهي وقال فيه ساعة لا يرقأ فيها الدم وفي حديث بعض رواته واهي الحديث احتجم صلى الله عليه وسلم ثلاثا في النقرة والكاهل ووسط الرأس وسمى واحدة الدافعة والأخرى المعينة والأخرى المنقذة وقال خير ما تداويتم به الحجامة وما مررت ليلة اسرى بي بملأ من الملائكة إلا قالوا يا محمد أمر أمتك بالحجامة
قال في الهدى والحجامة في البلاد الحارة أنفع من الفصد والأولى أن تكون في الربع الثالث من الشهر لأنه وقت هيجان الدم
____________________


وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء والحجامة على الريق دواء وعلى الشبع داء
وتكره في الأربعاء والسبت قيل ويوم الجمعة وفي الحديث من احتجم يوم الأربعاء أو السبت وحصل له برص لا يلومن إلا نفسه وجاء أمره صلى الله عليه وسلم باجتناب الحجامة يوم الأربعاء فإنه اليوم الذي أصيب فيه أيوب عليه السلام بالبلاء وما يبدر جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء وليلة الأربعاء
ثم أرسل رصول الله صلى الله عليه وسلم إلى تلك اليهودية فقال أسممت هذه الشاة فقال من أخبرك قال أخبرتني هذه التي في يدي وهي الذراع قال نعم قال ما حملك على ما صنعت قالت بلغت من قومي ما لا يخفى عليك أي وفي لفظ قتلت أبي وعمي وزوجي ونلت من قومي مانلت فقلت إن كان ملكا استرحنا منه وإن كان نبيا فسيخبر فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى ذلك يشير صاحب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله ** ثم سمت له اليهودية الشا ة وكم سام الشقوة الأشقياء ** ** فأذاع الذراع ما فيه من سم بنطق إخفاؤه إبداء ** ** وبخلق من النبي كريم لم تقاصص بجرحها العجماء **
أي ثم جعلت اليهودية السم القاتل لوقته في الشاة ومرات كثرة يطلب الشقوة ويتحلى بها الأشقياء الذين لا خلاق لهم فأخبر ذلك الذراع النبي صلى الله عليه وسلم بالنطق بما فيه من السم إخفاء ذلك النطق عن الحاضرين إبداء وإظهار له صلى الله عليه وسلم وبسبب ما تحلى به صلى الله عليه وسلم من كمال الحلم والعفو لم يقاصص تلك المراة بجرحها أي بجرح سمها لأن السم يجرح الباطن كما يجرح الحديد الظاهر
فلما مات بشر رضي الله تعالى عنه أمر بها فقتلت أي وقيل وصلبت كما في أبي داود وعبارة السهيلي رحمه الله وقد روى أبو داود أنه قتلها ووقع في كتاب شرف المصطفى أنه قتلها هذا كلامه وقيل إنما تركها لأنها اسلمت فالعفو عنها أي عدم مؤاخذتها كان قبل أن يموت بشر رضي الله تعالى عنه فلما مات بشر دفعها صلى الله عليه وسلم إلى أولياء بشر فقتلوها
وفي الإمتاع واختلفت الآثار في قتلها وفي صحيح مسلم أنه لم يقتلها وقال ابن
____________________

إسحاق أجمع أهل الحديث على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها وقد علمت أنه لا مخالفة لكن قتلها مشكل على ما عليه أئمتنا معاشر الشافعية من أن من ضيف بمسموم يقتل غالبا مميزا فمات كان شبه عمد لا قود فيه
وفي كلام بعضهم أنها قالت قد استبان لي الآن أنك صادق وأني أشهدك ومن حضر أني على دينك وأن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فانصرف عنها حين أسلمت كذا في جامع معمر عن الزهري أنها أسلمت قال معمر هكذا قال الزهري إنها أسلمت والناس يقولون قتلها وإنها لم تسلم وأمر صلى الله عليه وسلم بتلك الشاة فأحرقت
وفي رواية أنه بعد سؤال اليهودية واعترافها بسط صلى الله عليه وسلم يده إلى الشاة وقيل لأصحابه كلوا باسم الله فأكلوا وقد سموا الله فلم يضر ذلك أحدا منهم قال ابن كثير وفيه نكارة وغرابة شديدة هذا كلامه
ويذكر أن أخت بشر بن البراء دخلت عليه صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه فقال لها هذا أوان انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخبير والأبهر العرق المتعلق بالقلب
وقد قسم صلى الله عليه وسلم غنائم خيبر فأعطى الراجل سهما والفارس ثلاثة أسهم بعد أن خمسها خمسة أجزاء ومن جملة من أعطاه صلى الله عليه وسلم أبو سبيعة بن المطلب ابن عبد مناف واسمه علقمة ولم يقسم صلى الله عليه وسلم لمن غاب من أهل الحديبية إلا لجابر ابن عبد الله رضي الله تعالى عنهما ورضخ صلى الله عليه وسلم لنساء أي وكن عشرين امرأة فيهن صفية عمته صلى الله عليه وسلم وأم سليم وأم عطية الأنصارية
وعن بعضهم قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فقلت يا رسول الله قد أردن الخروج معك نعين المسلمين ما استطعنا فقال على بركة الله قالت فخرجنا معه فلما افتتح خبير رضخ لنا وأخذ هذه الفلادة ووضعها في عنقي فوالله لا تفارقني أبدا وأوصت أنها تدفن معها زاد في السيرة الهشامية أنها قالت وكنت جارية حديثة السن فأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله قالت فلما كان الصبح وأناخ راحلته ونزلت عن حقيبة رحله وإذا بها دم مني وكانت أول حيضة حضتها قالت فتقبضت إلى الناقة واستحييت فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

وسلم حال قال مالك لعلك نفست قالت قلت نعم قال فأصلحي من نفسك ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحا ثم اغسلي ما اصاب الحقيبة من الدم ثم عودي لمرتحلك قالت فكنت لا أطهر من حيضة إلا جعلت في طهري ملحا وأوصت أن يجعل ذلك في غسلها حين ماتت
ثم دفع صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر الأرض لما قالوا له صلى الله عليه وسلم نحن أعلم بها منكم وأعمرها بشرط ما يخرج منها من تمر أو زرع وقال لهم على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم أي وهذا يخالف ما عليه ائمتنا من أنه لا يجوز في عقد الجزية أن يقول الإمام أو نائبه أقركم ما شئنا بخلاف ما شئتم لأنه تصريح بمقتضى العقد لان لهم نبذ العقد ما شاءوا وذكر أئمتنا أنه يجوز منه صلى الله عليه وسلم لا منا أن يقول أقررتكم ما شاء الله لأنه يعلم مشيئته الله دوننا والشطر في هذا ظاهر في النصف ولم أقف على تعيينه في رواية
وكان صلى الله عليه وسلم يرسل إلى أهل خيبر عبد الله بن راوحة رضي الله عنه خارصا قيل وإنما خرص عليهم عبد الله عاما واحدا ثم مات وهذا يخالفه قول بعضهم كان عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه يأتيهم كل عام يخرصبها يعني الثمار عليم ثم يضمنهم الشطر فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شة خرصه وأرادوا أن يرشوه فقال يا أعداء الله تطعموني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي ولأنتم أبغض إلي من القردة والخنازير ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل فقالوا بهذا قامت السموات والأرض وكان يخرض عليهم بعده جبار بن صخر وكان خارصا لاهل المدينة
أقول أي ساقاهم على النخل وزارعهم على الأرض هكذا استدل بذلك أئمتنا على ما ذكر أي على جواز المساقاة وجواز المزارعة تبعا لها ويكون ذلك مخصصا للنهي عن المزارعة أي لما لم تكن تبعا للمساقاة وهو لا يتم إلا إن كانت أرض خيبر جميعها بين النخل بحيث يعسر سقيها بدون النخل وأنه صلى الله عليه وسلم دفع لهم بذارا لأن في المزارعة يجب أن يكون البذر من المالك لا من العامل
ولم أقف في شيء من الطرق على أنه صلى الله عليه وسلم دفع لهم بذارا بل ظاهر الروايات يدل على أن البذر معهم وصرحت به رواية مسلم
____________________


ويبعد أن تكون أراضي خيبر كلها كانت بين النخل بحيث يعسر سقيها بدون النخل وحينئذ يكون الواقع في خيبر إنما هي المخابرة وهي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل وهي باطلة عندنا بل قيل عند المذاهب الأربعة ولو تبعا للمساقاة والله اعلم
ثم إن الصديق رضي الله تعالى عنه أقرهم بعده صلى الله عليه وسلم ثم أقرهم عمر رضي الله تعالى عنه إلى أن خرج ولده عبد الله رضي الله تعالى عنهما في خلافة أبيه إلى خيبر فعدى عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه فقام عمر رضي الله تعالى عنه خطيبا فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل اهل خيبر على أموالهم أي أرضهم ونخلهم وقال لهم نفركم على ما أقركم الله وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعدى عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه وليس لنا هناك عدو غيرهم وقد رأيت إجلاءهم أي ووافقه الصحابة على ذلك فإن عمر رضي الله تعالى عنه قام خطيبا في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ايها الناس إن يهود فعلوا بعبد الله بن عمر ما فعلوا وفعلوا بمطهر ابن رافع ما فعلوا مع عدوانهم على عبد الله بن سهيل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أشك أنهم أصحابه وأن أريد أن أجلو يهود فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقركم ما أقركم الله وقد أذن الله في إجلائهم فقام طلحة بن عبيدالله فقال قد والله احسنت يا أمير المؤمنين ووفقت فهم أهل سوء فقال عمر رضي الله تعال عنه من معك على مثل رأيك قال المهاجرون جميعا والأنصار فسر بذلك عمر رضي الله تعالى عنه
وقوله وفعلوا بمطهر ما فعلوا أي لأن مطهر بن رافع قدم خيبر بأعلاج من الشام عشرة عبيد له ليعلموا له بأرضه فأقام بخيبر ثلاثة أيام فقال لهم رجل من يهود أنتم نصارى ونحن يهود وهذا سيدكم من قوم عرب قهرونا بالسيف وانتم عشرة رجال ورجل واحد يسوقكم إلى الجهد والبؤسي وتكونون في رق شديد فإذا خرجتم من قريتنا فاقتلوه فقالوا له ليس معنا سلاح فدست اليهود لهم سكينتين أو ثلاثة فلما خرجوا من خيبر أقبلوا على مطهر بسكاكينهم فخرج مطهر يعدو إلى سيفه وكان في قرابه على راحلته فأدركوه قبل الوصول إليه وبعجوا بطنه ثم انصرفوا سراعا حتى دخلوا
____________________

خيبر على يهود فآووهم وزودوهم إلى الشام وجاء عمر رضي الله تعالى عنه الخبر بقتل مطهر وما صنعت به يهود
وقوله مع عدوانهم عل عبد الله بن سهيل أي فإنه وجد قتيلا في خيبر لأهل حصن الشق فسألهم أخوه محيصة فقالوا له لا والله ما لنا به من علم قال فجئت أنا وأخي عبد الرحمن وأخي حويصة وهو أكبرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أخي عبد الرحمن يتكلم وهو اصغرنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر كبر فسكت فأردت أن أتكلم فقال كبر كبر فسكت فتكلم أخي حويصة وذكر أن اليهود تهمتنا وظنتنا فقال صلى الله عليه وسلم إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يأذنوا بحرب وكتب صلى الله عليه وسلم إليهم في ذلك وكتبوا إليه ما قتلناه فقال صلى الله عليه وسلم لي ولأخوي تحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم قلنا يارسول الله لم نحضر ولم نشهد قال فتحلف لكم يهود قلنا يا رسول الله ليسوا بمسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده بمائة ناقة خمس وعشرين جذعة وخمس وعشرين حقة وخمس وعشرين ابنة لبون وخمس وعشرون بنت مخاض
وعن ابن المسيب رحمه الله كانت القسامة في الجاهلية ثم أقرها صلى الله عليه وسلم في الإسلام في الأنصاري الذي وجد قتيلا في جب من جباب اليهود فلما أجمع الصحابة على ذلك أي على ما أراده سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه جاءه أحد بني الحقيق فقال يا أمير المؤمنين اتخرجنا وقد أقرنا محمد صلى الله عليه وسلم وعاملنا على أموالنا وشرط ذلك لنافقال له عمر رضي الله تعالى عنه أظننت أني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لك كيف بك إذا أخرجت من خيبر يعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة فقال هذه كانت هزيلة من ابي القاسم فقال كذبت يا عدو الله ثم بلغه رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال لا يبقى دينان في جزيرة العرب وقوله لأخرجن اليهود والنصارى وفي لفظ المشركين من جزيرة العرب وفي رواية آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم اخرجوا اليهود من الحجاز وفي لفظ إن عشت أخرجت اليهود والنصارى من الحجاز أي وهو مكة والمدينة واليمامة وطرقها وقراها كالطائف لمكة وخيبر للمدينة والمراد بجزيرة العرب الحجاز المشتملة عليه أي فالمراد بجزيرة العرب بعضها وهو الحجاز خاصة لأن عمر لما أجلاهم ذهب بعضهم إلى تيما وبعضهم
____________________

إلى أريحا وتيما من جزيرة العرب لكنها ليست من الحجاز وقيل له حجاز لأنه حجز بين نجد وتهامة ففحص عمر رضي الله تعالى عنه عن ذلك حتى تيقنه وثلج صدره فأجلى يهود خيبر أي وأعطاهم قيمة ما كان لهم من ثمر وغيره
وأجلى يهو فدك ونصارى نجران فلا يجوز إقامتهم بذلك أكثر من ثلاثة أيام غير يومي الدخول والخروج ولم يخرج يهود وادي القرى وتيما لانهما من ارض الشام لا من الحجاز
ثم ركب في المهاجرين والأنصار وخرج معه جبار بن صخر ويزيد بن ثابت فقسما خيبر على أصحاب السهمان التي كانت عليها كما قسمت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وروى أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر اصاب حمارا أسود فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك قال يزيد بن شهاب أخرج الله من نسل جدي ستين حمارا كلهم لا يركبهم إلا نبي وقد كنت أتوقعك لتركبني لم يبق من نسل جدي غيري ولم يبق من الأنبياء غيرك قد كنت لرجل يهودي فكنت اتعثر به عمدا وكان يجيع بطني ويضر بظهري فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فأنت يعفور وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه إلى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقى نفسه في بئر جزعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات قال ابن حبان هذاخبر لا أصل له وإسناده ليس بشيء وقال ابن الجوزي لعن الله واضعه فإنه لم يقصد الا القدح في الإسلام والاستهزاء به وقد قال شيخنا العماد بن كثير هذا شيء باطل لا أصل له من طريق صحيح ولا ضعيف وسألت شيخنا المزي رحمه الله فقال ليس له اصل وهو ضحكة وقد أودعه كتبهم جماعة منهم القاضي عياض في الشفاء والسهيلي في روضه وكان الأولى ترك ذكره ووافقه على ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى وغفر لنا وله وللمسلمين
____________________

غزوة وادي القرى
ثم عند منصرفله صلى الله عليه وسلم من خيبر أتى وادي القرى وأهله يهود فدعاهم صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فامتنعوا من ذلك وقاتلوا أي برز رجل منهم فقتله الزبير رضي الله تعالى عنه فبرز آخر فقتله علي كرم الله وجهه ثم برز آخر فقتله أبو دجانة رضي الله تعالى عنه فقاتلهم المسلمون إلى المساء وقتل منهم أحد عشر رجلا ففتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة وغنمه الله أموال أهلها وأصاب المسلمون منهم أثاثا ومتاعا فخمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك الأرض والنخيل في أيدي أهلها أي من بقي منهم وعاملهم على نحو ما عامل عليه اهل خيبر وفي لفظ ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهود وترك في أيديهم أراضي وادي القرى والبساتين والحدائق يعملون فيها ويأخذون الأجرة وقيل حاصرهم ليالي ثم انصرف راجعا إلى المدينة فعلى الأولى تضم للغزوات التي وقع فيها القتال
ولما بلغ بلغ أهل تيما ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر وفدك ووادي القرى صالحوه صلى الله عليه وسلم على الجزية فأقاموا ببلادهم وأرضهم في ايديهم قال وقتل عبده صلى الله عليه وسلم الأسود الذي كان يرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يحط رحله صلى الله عليه وسلم جاءه سهم فقتله فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها من خيبر من الغنائم قبل ان تقسم تشتعل عليه نارا انتهى
ولما قرب من المدينة سار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليلة فلما كان قبيل الصبح نزل وعرس وقال ألا رجلا حافظا لعينه يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام فقال بلال رضي الله تعالى عنه أنا يا رسول الله أحفظه عليك وفي لفظ قال يا بلال اكلأ لنا الليل فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقام بلال رضي الله تعالى عنه يصلي ما شاء الله ثم استند إلى بعير واستقبل الفجر يرمقه فغلبته عينه فنام فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم حتى ضربتهم الشمس وكان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما صنعت يا بلال
____________________

قال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك قال صدقت أي وتبسم صلى الله عليه وسلم وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم التفت إلى أبي بكر الصديق وقال له إن الشيطان أتى بلالا وهو قائم يصلي فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم الصديق فقال ابو بكر رضي الله تعالى عنه أشهد أنك رسول الله
ثم سار صلى الله عليه وسلم بالناس يقود بعيره غير كثير ثم أناخ فتوضأ وتوضأ الناس وأمر بلالا فأقام الصلاة وفي رواية فاقتداوا رواحلهم وفي رواية فاستيقظ القوم وقد فزعوا فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي وقال هذا واد به شيطان فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي الحديث فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها فإن الله تعالى يقول { وأقم الصلاة لذكري } وفي رواية إن الله قبض أرواحنا ولو شاء ردها إلينا في حين غير هذا فاذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها فليصلها في وقتها أي وقيل إن ذلك كان في مرجعه صلى الله عليه وسلم من الحديبية وقيل في مرجعه من حنين وقيل في مرجعه من تبوك قال في الإمتاع وهذا لا يصح لأن الآثار الصحاح على خلافه أي دالة أن ذلك كان في رجوعه صلى الله عليه وسلم من وادي القرى
وقد يقال لا مانع من التعدد ويدل للقول بأن ذلك كان في مرجعه من الحديبية ما جاء عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وفي رواية لما انصرفنا من غزوة الحديبية قال النبي صلى الله عليه وسلم من يحرسنا الليلة فقلت أنا يا رسول الله قال إنك تنام ثم أعاد من يحرسنا الليلة فقلت أنا حتى أعاد ذلك مرارا وأنا أقول أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأن قال فحرستهم حتى إذا كان وجه الصبح أدركني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك تنام فنمت فما أيقظنا إلا حر الشمس في ظهورنا وسيأتي في تبوك عن الحافظ ابن حجر اختلاف العلماء في التعدد
وكان بين الحديبية وعمرة القضاء إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة الحجبي رضي الله تعالى عنهم وقيل كان بعد عمرة القضاء ويشهد له
____________________

ما جاء عن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أنه قال لما أراد الله عز وجل ما اراد بي من الخير قذف في قلبي الإسلام وحضر لي رشدي وقلت قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد صلى الله عليه وسلم فليس موطن أشهده إلا انصرف وأنا ارى في نفسي أني موضع في غير شيء وأن محمدا صلى الله عليه وسلم يظهر فلما جاء صلى الله عليه وسلم لعمرة القضاء تغيبت ولم أشهد دخوله فكان أخي الوليد بن الوليد دخل معه صلى الله عليه وسلم فطلبني فلم يجدني فكتب إلي كتابا فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وقلة عقلك ومثل الإسلام يجهله أحد قد سألني عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين خالد فقلت يأتى الله به فقال ما مثله يجهل الاسلام ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيرا له ولقد مناه على غيره فاستدرك يا أخي ما فاتك فقد فاتك مواطن صالحة فلما جاءني كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الإسلام وسرتني مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت في المنام كأني في بلاد ضيقة جدبة فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة فلما اجتمعنا للخروج إلى المدينة لقيت صفوان فقلت يا أبا وهب أما ترى أن محمدا صلى الله عليه وسلم ظهر على العرب والعجم فلو قدمنا عليه فاتبعناه فإن شرفه شرف لنا قال لو لم يبقى غيري ما اتبعته أبدا قلت هذا رجل قتل أبوه وأخوه ببدر فلقيت عكرمة بن أبي جهل فقلت له مثل ما قلت لصفوان فقال مثل الذي قال صفوان قلت فاكتم ذكر ما قلت لك قال لا أذكره ثم لقيت عثمان بن طلحة أي الحجبي قلت هذا لي صديق فأردت أن أذكر له ثم ذكرت من قتل من آبائه أي قتل أبيه طلحة وعمه عثمان أي وقتل اخوته الأربع مسافع والجلاس والحارث وكلاب كلهم قتلوا يوم أحد كما تقدم فكرهت أن أذكر له ثم قلت وما علي فقلت له إنما نحن بنزلة ثعلب في جحر لو صب فيه ذنوب من ماء لخرج ثم قلت له ما قلته لصفوان وعكرمة فأسرع الإجابة فواعدني إن سبقني أقام في محل كذا وإن سبقته إليه أنتظرته فلم يطلع الفجر حتى التقينا فغدونا حتى انتهينا إلى الهدة اسم محل فنجد عمرو بن العاص بها فقال مرحبا بالقوم فقلنا وبك أين مسيركم قلنا الدخول في الإسلام قال وذلك الذي أقدمني وفي لفظ قال عمرو الخالد يا ابا سليمان أين تريد قال والله لقد استقام الميسم أي تبين الطريق وظهر الأمر وإن هذا الرجل
____________________

لنبي فأذهب فأسلم فحتى متى قال عمرو وأنا ما جئت إلا لأسلم فاصطحبنا جميعا حتى دخلنا المدينة الشريفة فأنحنا بظهر الحرة ركابنا فأخبر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر بنا أي وقال رمتكم مكة بأفلاد كبدها فلبست من صالح ثيابي ثم عمدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيني اخي فقال أسرع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ق سر بقدومكم وهو ينتظركم فأسرعنا المشي فاطلعت عليه فما زال صلى الله عليه وسلم يتبسم إلي حتى وقفت عليه فسلمت عليه بالنبوة فرد علي السلام بوجه طلق فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمد لله الذي هداك قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير قلت يا رسول الله ادع الله لي أن يغفر لي تلك المواطن التي كنت أشهدها عليك فقال صلى الله عليه وسلم الإسلام يجب ما كان قبله أي وتقدم عثمان وعمرو فأسلما
وفي رواية عن عمرو بن العاص قال قدمنا المدينة فأنحنا بالحرة فلبسنا من صالح ثيابنا ثم نودي بالعصر فانطلقنا حتى اطعلنا عليه صلى الله عليه وسلم وإن لوجهه تهللا والمسلمون حوله قد سروا بإسلامنا فتقدم خالد بن الوليد فبايع ثم تقدم عثمان بن طلحة فبايع ثم تقدمت فوالله ما هو إلا أن جلست بين يديه صلى الله عليه وسلم فما استطعت أن ارفع طرفي حياء منه صلى الله عليه وسلم قال فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي ولم يحضرني ما تأخر فقال إن الإسلام يجب ما كان قبله والهجرة تجب ما كان قبلها فوالله ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد بن الوليد احدا من الصحابة في أمر حربه منذ أسلمنا ولقد كنا عند أبي بكر رضي الله تعالى عنه بتلك المنزلة ولقد كنت عند عمر رضي الله تعالى عنه بتلك الحالة وكان عمر رضي الله تعالى عنه على خالد كالعاتب وتقدم أن عمرا رضي الله تعالى عنه أسلم على يد النجاشي رضي الله تعالى عنه
قال بعضهم وفي إسلام عمرو على يد النجاشي لطيفة وهي صحابي أسلم على يد تابعي ولا يعرف مثله ومن حين أسلم خالد رضي الله تعالى عنه لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوليه أعنه الخيل فيكون في مقدمها والله أعلم
____________________

عمرة القضاء أي ويقال لها عمرة القضية
أي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضى قريشا عليها أي صالحهم عليها ومن ثم قيل لها عمرة الصلح ويقال لها عمرة القصاص قال السهيلي رحمه الله وهذا الاسم اولى بها لقوله تعالى { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص } قال الحافظ ابن حجر رحمه الله فتحصل من اسمائها أربعة القضاء والقضية والصلح والقصاص أي لأنها كانت في شهر ذي القعدة من السنة السابعة أي وهو الشهر الذي صده يه المشركون عن البيت منها سنة ست وليست قضاء عن العمرة التي صد عن البيت فيها فإنها لم تكن فسدت بصدهم له عن البيت بل كانت عمرة تامة معدودة في عمره صلى الله عليه وسلم التي اعتمرها صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة وهي أربعة عمرة الحديبية وعمرة القضاء وعمرة الجعرانة لما قسم غنائم حنين والعمرة التي قرنها مع حجة في حجة الوداع بناء على ما هو الراجح من أنه كان قارنا وكلها في ذي القعدة إلا التي كانت مع حجه
وقد مكث صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة لم ينقل عنه أن اعتمر خارجا من مكة إلى الحل في تلك المدة أصلا ولم يفعل هذا على عهده صلى الله عليه وسلم إلا عائشة رضي الله تعالى عنها كما سيأتي في حجة الوداع
وكون العمرة لا تفسد بالصد إنما هو على ما يراه إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه أما على من يرى أن العمرة تفسد بالصد عنها وأنه يجب قضاؤها كما هو المنقول عن ابي حنيفة رضي الله تعالى عنه فواضح انها قضاء وهذا العمرة ليست من الغزوات وإنما ذكرها البخاري فيها لأنه صلى الله عليه وسلم خرج مستعدا بالسلاح للمقاتلة خشية أن يقع من قريش غدر وليس من لازم الغزو وقوع المقاتلة ومن ثم قيل لها غزوة الأمن
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدا مكة للعمرة على ما عاقد عليه قريشا في الحديبية أي من أنه يدخل مكة في العام القابل معه سلاح المسافر ولا يقيم بها أكثر من ثلاثة أيام
وفي أنس الجليل ما يفيد أن اشتراط الثلاثة أيام كان في عمرة القضاء ففيه ثم خرج
____________________

رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرا عمرة القضاء فأبى أهل مكة أن يدعوه صلى الله عليه وسلم يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم ثلاثة أيام وأن لا يخرج من أهلها أحد إن أراد أن يتبعه وأن لا يمنع من أصحابه أحدا أن يقيم بها واصحابه كانوا الفين أي وأمر أن لا يتخلف عنه احد ممن شهد الحديبية فلم يتخلف احد إلا من استشهد في خيبر ومن مات وخرج معه جمع ممن لم يشهد الحديبية واستخلف على المدينة أبا ذر الغفاري وقيل غيره وساق ستين بدنة وقلدها أي جعل في عنق كل بعير قطعة من جلد او نعلا بالية ليعلم أنه هدي فيكف الناس عنه ولم يذكر هنا الإشعار أي وجعل عليها ناجية ابن جندب
قال وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح والدروع والرماح وقاد مائة فرس عليها محمد بن مسلمة رضي الله عنه أي وعلى السلاح بشير بوزن أمير بن سعد وأحرم صلى الله عليه وسلم من باب المسجد فلما انتهى إلى ذي الحليفة قدم الخيل أمامه فقيل يا رسول الله حملت السلاح وقد شرطوا أن لا ندخلها عليهم بسلاح الا بسلاح المسافر السيوف في القرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ندخل عليهم الحرم بالسلاح ولكن يكون قريبا منا فإن هاجنا هيج من القوم كان السلاح قريبا منا فمضى بالخيل محمد بن مسلمة فلما كان كان بمر الظهران وجد نفرا من قريش فسألوه فقال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح هذا المنزل غدا إن شاء الله أي وقد رأوا سلاحا كثيرا فخرجوا سراعا حتى أتوا قريشا فأخبروهم بالذي رأوا من الخيل والسلاح ففزعت قريش وقالوا ما احدثنا حدثا وإنا على كتابنا ومدتنا ففيم يغزونا محمد في اصحابه
ثم إن قريشا بعثت مكرز بن حفص في نفر من قريش إليه صلى الله عليه وسلم فقالوا والله يا محمد ماعرفت صغيرا ولا كبيرا بالغدر تدخل بالسلاح في الحرم على قومك وقد شرطت عليهم أن لا تدخل إلا بسلاح المسافر السيوف في القرب فقال صلى الله عليه وسلم إني لا أدخل عليهم بسلاح فقال مكرز هو الذي تعرف به البر والوفاء ثم رجع مكرز إلى مكة سريعا وقال إن محمدا لا يدخل بسلاح وهو على الشرط الذي شرط لكم انتهى
فلما اتصل خروجه لقريش خرج كبراؤهم من مكة حتى لا يروه صلى الله عليه وسلم
____________________

يطوف بالبيت هو وأصحابه عداوة وبغضا وحسدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة أي راكبا ناقته القصواء وأصحابه محدقون به قد توشحوا السيوف يلبون ثم دخل من الثنية التي تطلعه على الحجون وهي ثنية كداء بالمد أي وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة قال اللهم لا تجعل منيتنا بها يقول ذلك من حين يدخل حتى يخرج منها أي وجعل صلى الله عليه وسلم السلاح في بطن ناجح موضع قريب من الحرم وتخلف عنده جمع من المسلمين أي نحو مائتين من أصحابه عليهم أوس بن خولى وقعد جمع المشركين بجبل قينقاع ينظرون إليه صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه وهم يطوفون بالبيت وقد قالوا أي كفار قريش إن المهاجرين أوهنتهم أي أضعفتهم حمى يثرب وفي لفظ قالوا يقدم عليكم قوم فد وهنتهم حمى يثرب فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا ثم قال صلى الله عليه وسلم رحم الله امرأ أراهم من نفسه قوة فأمر أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة أي ليروا المشركين أن لهم قوة أي فعند ذلك قال المشركون أي قال بعضهم لبعض هؤلاء الذين زعمتم ان الحمى قد وهنتهم هؤلاء أجلد من كذا إنهم لينفرون أي يثبون نفر الظبي أي الغزال وإنما لم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بالرمل في الأشواط كلها رفقا بهم واضطبع صلى الله عليه وسلم بردائه وكشف عضده اليمنى ففعلت الصحابة رضي الله تعالى عنهم كذلك وهذا أول رمل واضطباع في الإسلام
وأقام صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثلاثة أيام فلما تمت الثلاثة التي هي أمد الصلح جاء حويطب بن عبد العزى ومعه سهيل بن عمرو رضي الله تعالى عنهما فإنهما أسلما بعد ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرانه بالخروج هو وأصحابه من مكة فقالوا نناشدك الله والعقد إلا ما خرجت من ارضنا فقد مضت الثلاث فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه منها وكان صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها أي وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهي اخت ام الفضل زوج العباس رضي الله تعالى عنهما واخت اسماء بنت عميس لأمها زوج حمزة رضي الله تعالى عنه وكان تزوجه صلى الله عليه وسلم ميمونة قبل أين يحرم بالعمرة وقيل بعد أن أحل منها وقيل وهو محرم أي وهو ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ورواه الدارقطني من طريق ضعيف عن ابي هريرة
____________________

رضي الله تعالى عنه فإنه صلى الله عليه وسلم كان قد بعث اليها جعفرا رضي الله تعالى عنه ليخطبها ولما انتهت إليها خطبة النبي صلى الله عليه وسلم كانت على بعيرها فقالت البعير وما عليه لله ولرسوله أي ومن ثم قيل إنها التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وقيل جعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وقيل جعلت أمرها لأم الفضل اختها فجعلت أم الفضل أمرها للعباس فزوجها العباس واصدقها عنه صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم ولا مانع من نكاحه صلى الله عليه وسلم وهو محرم فإن من خصائصه صلى الله عليه وسلم حل عقد النكاح في الإحرام
أي وفي كلام السهيلي كان من شيوخنا من يتأول قول ابن عباس تزوجها محرما أي في الشهر الحرام وفي البلد الحرام ولم يرد الإحرام بالحج أي كما أراد ذلك الشاعر بقوله في عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ** قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ** ورعا فلم أر مثله مقتولا **
قال ابن كثير رحمه الله وفيه نظر لأن الروايات عن ابن عباس رضي الله عنهما متضافرة بخلاف ذلك التي منها تزوجها وهو محرم هذا كلامه
وعن ابن المسيب غلط ابن عباس أو قال وهم ابن عباس ما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو حلال ومن ثم روى الدارقطني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال قال السهيلي فهذه الرواية عن ابن عباس موافقة لرواية غيره فقف عليها فإناها غريبة عن ابن عباس
وذكر بعض فقهائنا أنه صلى الله عليه وسلم وكل أبا رافع رضي الله تعالى عنه في نكاح ميمونة رضي الله تعالى عنها وفي بعض السير وعن ابي رافع قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وأنا الرسول بينهما رواه البيهقي والترمذي والنسائي وأراد صلى الله عليه وسلم ان يبني بها في مكة فلم يمهلوه يبني بها قال وقد قال لهم ما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم فصنعت لكم طعاما فقالوا لا حاجة لنا في طعامك اخرج عنا من أرضنا هذه الثلاثة قد مضت وفي لفظ قال لهم إني قد نكحت فيكم امرأة فما يضركم أن مكثت
____________________

حتى ادخل بها وأصنع الطعام فنأكل وتأكلون معنا وفي رواية جاءوا اليه صلى الله عليه وسلم في قبته التي نصبها بالأبطح وذلك وقت الظهر وقيل وقت الصبح ولا مخالفة لجواز مجيئهم له في الوقتين وعند مجيئهم له صلى الله عليه وسلم كان مع الأنصار يتحدث مع سعد بن عبادة فصاح حويطب ناشدتك الله والعقد الا ما خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث فغضب سعد بن عبادة رضي الله عنه لما رأى من غلظ كلامهم للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لذلك القائل كذبت لا أم لك ليست بأرضك ولا أرض آبائك أي وفي لفظ قال يا عاض بظر أمه أرضك وأرض امك دونه ليست بأرضك ولا ارض آبائك والله لا يبرح منها إلا طاعئا راضيا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا سعد لا تؤذ قوما زارونا في رحالنا وأسكت الفريقين ثم إنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا رافع رضي الله تعالى عنه أن ينادي بالرحيل ولا يمسي بها احد من المسلمين وخلف أبا رافع ليأتي له بميمونة حين يمسى فخرج بها ولقيت ميمونوة رضي الله تعالى عنه من سفهاء مكة عناء
فعن أبي رافع رضي الله تعالى عنه لقينا عناء من أهل مكة من سفهاء المشركين من أذى ألسنتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ولميمونة فقلت لهم ما شئتم هذه والله الخيل والسلاح ببطن ناجح وأنتم تريدون نقض العهد والمدة فولوا راجعين منكسين وأقام صلى الله عليه وسلم بسرف بكسر الراء وهو محل بين مساجد عائشة وبطن مرو وهو أقرب إلى مساجد عائشة وفيه دخل صلى الله عليه وسلم بميمونة أي تحت شجرة هناك وكان محل موتها ودفنها دفنت فيه بعد ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأنها لا تموت بمكة فلما ثقل عليها المرض وهي بمكة قالت أخرجوني من مكة فإني لا أموت بها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني بذلك فحملوها حتى أتوا بها ذلك الموضع فماتت به ودفنت به أي وهي آخر امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر من توفي من أزواجه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن
وحين دخوله صلى الله عليه وسلم مكة أخذ عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه بغرزه أي ركابه صلى الله عليه وسلم أي وقيل بزمام الناقة وهو رضي الله تعالى عنه وعنا وعن المسلمين يقول من أبيات
____________________

** خلوا بني الكفار عن سبيله ** خلوا فكل الخير في رسوله ** ** قد أنزل الرحمن في تنزيله ** بأن خير القتل في سبيله ** ** فاليوم نضربكم على تأويله ** كما ضربناكم على تنزيله ** ** وفي لفظ ** نحن قتلناكم على تأويله ** كما قتلناكم على تنزيله ** وما قيل ** نحن قتلناكم على تأويله ** كما ضربناكم على تنزيله ** ** ضربا يزيل الهام عن مقيله ** أو يذهل الخليل عن خليله **
قال عمار بن ياسر يوم صفين لا يمنع أن يكون ذلك من كلام ابن راواحة رضي الله تعالى عنه وتمثل به عمار رضي الله تعالى عنه
أي وأما ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال أنا أقاتل على تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويله فقال فيه الدارقطني رحمه الله تفرد به بعض الرافضة
قال وذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال مه يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خل عنه يا عمر فلهو اسرع فيهم من نضح النبل
وذكر أنه صلى الله عليه وسلم قال إيها يا ابن رواحة قل لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده فقالها وقالها الناس أي وفي الإمتاع وكان ابن رواحة يرتجز في طوافه وهو آخذ بزمام الناقة فقال عليه الصلاة والسلام إيها يا ابن رواحة قل لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده فقالها وقالها الناس وطاف صلى الله عليه وسلم على راحلته واستلم الحجر بمحجنه
وذكر أنه صلى الله عليه وسلم دخل البيت فلم يزل به حتى أذن بلال الظهر فوق ظهر الكعبة فقال عكرمة بن أبي جهل لقد أكرم الله تعالى أبا الحكم يعني والده أبا جهل حيث لم يسمع هذا العبد يقول ما يقول وقال صفوان بن امية الحمد الله الذي أذهب أبي قبل أن يرى هذا وقال خالد بن أسيد الحمد لله الذي أذهب أبي ولم يشهد هذا اليوم حيث يقوم بلال ينهق فوق الكعبة وسهيل بن عمرو لما سمع ذلك غطى وجهه وكل هؤلاء اسلموا بعد ذلك رضي الله تعالى عنهم
قال بعضهم وكون ما ذكر أي من دخوله صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة وأذان
____________________

بلال رضي الله تعالى عنه فوق ظهرها كان في عمرة القضاء خلاف المشهور إذ المشهور أن ذلك كان في يوم الفتح ويدل لذلك ما قيل لم يدخل صلى الله عليه وسلم الكعبة وأنه أراد ذلك فأبوا وقالوا لم يكن في شرطك فأمر بلال فأذن فوق ظهر الكعبة مرة واحدة ولم يعد بعدها قال الواقدي في هذا القيل إنه أثبت
أقول ويؤيد الأول ما جاء دخلت الكعبة ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها إني أخاف أن اكون قد شققت على أمتي من بعدي أي لاتخاذهم ذلك سنة إلا أن يقال يجوز أن يكون ذلك كان منه صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وينبغي أن يكون هذا من أعلام النبوة فإن الناس يحصل لهم من التعب بسبب دخولها سيما زمن الموسم مالا يعبر عنه من المتاعب والأمور الفظيعة والله اعلم
ثم سعى صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة أي وأوقف الهدى عند المروة وقال هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر فنحر عندها وحلق ولم أقف على من حلق رأسه الشريف في هذه العمرة ثم رأيته في الإمتاع قال حلقه معتمر بن عبد الله العدوي وفعل كفعله صلى الله عليه وسلم المسلمون أي ومن لم يجد منهم بدنة رخص له في البقرة وكان قدم رجل مكة ببقر فاشتراه الناس منه وأمر صلى الله عليه وسلم من تحلل أن يذهب إلى السلاح ويأتي آخرون فيقضوا نسكهم ففعلوا
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة تبعته عمارة أي وقيل أسمها أم أبيها وقيل أمامة وقيل أمة الله قال ابن عبد البر والمثبت أمامة وأمها سلمى بنت عميس بنت عمه حمزة رضي الله تعالى عنه تنادي يا عم يا عم أي وفي لفظ أن ابا رافع خرج بها فتناولها علي كرم الله وجهه فأخذ بيدها وقال لفاطمة دونك ابنة عمك فما وصلوا المدينة اختصم فيها على وأخوه جعفر وزيد حارثه رضي الله تعالى عنهم فقال زيد ابن حارثة رضي الله تعالى عنه أنا أحق بها لأنها بنت أخي أي وأنا وصيه لانه صلى الله عليه وسلم آخى بين حمزة وزيد أي وجعل حمزة رضي الله تعالى عنه وصيه وقال علي كرم الله وجهه أنا أحق بها لأنها بنت عمي وجئت بها من مكة وقال جعفر رضي الله تعالى عنه أنا أحق بها لأنها بنت عمي وخالتها تحتي أي وهي اسماء بنت عميس فقضى بها صلى الله عليه وسلم لجعفر رضي الله تعالى عنه وقال الخالة بمنزلة الأم هذا
وفي الإمتاع وكلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

في عمارة بنت حمزة رضي الله تعالى عنهما وكانت مع أمها سلمى بنت عميس بمكة فقال علام نترك بنت عمنا يتيمة بين أظهر المشركين وإنه لما قضى بها لجعفر رضي الله تعالى عنه حجل جعفر حول النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا يا جعفر فقال يا رسول الله كان النجاشي إذا أرضى احدا قام فحجل حوله وفيه أنه فعل مثل ذلك بخيبر وما بالعهد من قدم إلا أن يقال يجوز أن يكون في خيبر فعل ذلك ولم يره النبي صلى الله عليه وسلم وفي لفظ لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها وفيه تقديم الخالة في الحضانة على العمة لأن عمتها صفية رضي الله تعالى عنها كانت موجودة وقال صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه في هذا الموطن أنت أخي وصاحبي وفي لفظ أنت مني وأنا منك وقال صلى الله عليه وسلم لجعفر رضي الله تعالى عنه أشبهت خلقي وخلقي أي وقد تقدم منه صلى الله عليه وسلم ذلك له في خيبر وقال صلى الله عليه وسلم لزيد رضي الله تعالى عنه أنت أخي ومولاي وفي لفظ انت مولى الله ومولى رسوله صلى الله عليه وسلم غزوة مؤتة
بضم الميم وبالهمزة ساكنة وبترك الهمزة موضع معروف عند الكرك وفي كلام السهيلي مؤتة مهموز الفاء وأما الموتة بلا همزة فضرب من الجنون وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه وفسره راوي الحديث فقال نفثه السحر ونفخه الكبر وهمزه الموتة هذا كلامه
كانت هذه الغزوة في جمادي الاولى سنة ثمان وكان سببه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى هرقل عظيم الروم بالشام أي فلما نزل بمؤتة تعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني أي وهو من امراء قيصر على الشام فقال أين تريد لعلك من رسل محمد قال نعم فأوثقه ربطا ثم قدمه فضرب عنقه ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اشتد الامر عليه فجهز جمعا من اصحابه وعدتهم ثلاثة ألاف وبعثهم إلى
____________________

مقاتلة ملك الروم وأمر عليهم زيد بن حارثة وقال إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس
قال وفي رواية فإن أصيب ابن رواحة فليرتض المسلمون برجل منهم فليجعلوه عليهم وقد حضر ذلك المجلس رجل من يهود فقال يا أبا القاسم إن كنت نبيا يصاب جميع من ذكرت لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من بني اسرائيل كان الواحد منهم إذا استعمل رجلا على القوم وقال إن أصيب فلان لا بد أن يصاب أي ولوعد مائة اصيبوا جميعا ثم صار يقول لزيد اعهد فلن ترجع إلى محمد أبدا إن كان نبيا وزيد يقول اشهد أنه نبي وعقد صلى الله عليه وسلم لواء أبيض ودفعه لزيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير ويدعوا من هناك إلى الإسلام فإن أجابوا وإلا استعانوا عليهم بالله تبارك وتعالى وقاتلوهم
وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يأتوا مؤتة فغشيتهم ضبابة فلم يبصروا حتى أصبحوا على مؤتة انتهى
وودعهم الناس وقالوا لهم صحبكم الله ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين قال ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع فوقف فقال أي بعد قوله أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرا اغزوا باسم الله فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام وستجدون فيها رجالا في الصوامع معتزلين فلا تتعرضوا لهم ولا تقتلوا امرأة ولا صغسيرا ولا بصيرا فانيا ولا تقطعوا شجرة ولا تهدموا بناء انتهى وقال لهم المسلمون دفع الله عنكم وردكم غانمين فمضوا حتى نزلوا من ارض الشام فبلغم أن هرقل ملك الروم في مائة ألف من الروم وانضم اليه من قبائل العرب أي المتنصرة أي من بني بكر ولخم وجذام مائة ألف وفي رواية كانوا مائتي ألف من الروم وخمسين ألفا من العرب ومعهم من الخيول والسلاح ما ليس مع المسلمين وكان المسلمون ثلاثة آلاف كما مر فلما بلغهم ذلك أقاموا في ذلك المحل ليلتين ينظرون في أمرهم أهل يبعثون لرسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرونه بعدد عدوهم فإما أن يمدهم برجال أو يأمرهم بأمر فيمضوا اليه فشجعهم عبد الله بن رواحة وقال لهم يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم له خرجتم تطلبون الشهادة ونحن ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله تعالى به فإنما هي
____________________

إحدى الحسنين إما ظهور وإما شهادة أي فقال الناس صدق والله ابن رواحة فمضوا للقتال فلقيتهم جموع هرقل ملك الروم من الروم والعرب فانحاز المسلمون إلى مؤتة فالتقى الجمعان عندها واقتتلوا فقاتل زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لواؤه حتى قتل رضي الله تعالى عنه فأخذ الراية جعفر رضي الله تعالى عنه وقاتل على فرس أشقر ثم نزل عنه وعقره أي وهو أول رجل من المسلمين عقر فرسه وأول فرس عقر في سبيل الله عقره خوفا اين يأخذه الكفار فيقاتلوا عليه المسلمين ومن ثم لم ينكر عليه احد من الصحابة وبه استدل من جوز قتل الحيوان خشية أن ينتفع به الكفار وتقاتل عليه المسلمين ثم قاتل رضي الله تعالى عنه فقطعت يمينه فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره فاحتضن الراية فأخذ الراية وقاتل حتى قتل رضي الله تعالى عنه فاخذها عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه وتقدم بها وهو على فرسه وجعل يتردد في النزول عن فرسه ثم نزل وقاتل حتى قتل أي وحينئذ اختلط المسلمون والمشركون وأراد بعض المسلمين الانهزام فجعل عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه يقول يا قوم يقتل الإنسان مقبلا أحسن من أن يقتل مدبرا فأخذ الراية ثابت بن أرقم رضي الله تعالى عنه وقال يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم فقالوا أنت فقال ما أنا بفاعل فاصطلح الناس على خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أي ويقال إن ثابت بن ارقم دفعها إلى خالد رضي الله تعالى عنه وقال أنت أعلم بالقتال مني أي فقال له خالد انت احق به مني لأنك ممن شهد بدرا ثم أخذها خالد رضي الله تعالى عنه ومانع القوم وثبت ثم انحاز كل من الفريقين عن الآخر من غير هزيمة على أحدهما
قال وفي رواية قاتلوا المشركين حتى هزموهم فعند ابن سعد أن خالدا رضي الله تعالى عنه لما أخذ اللواء حمل على القوم فهزمهم الله أسوأ هزيمة حتى وضع المسلمون أسيافهم حيث شاءوا واظهر الله المسلمين
قيل وسبب ذلك أن خالدا رضي الله تعالى عنه لما أصبح جعل مقدمة الجيش ساقة وساقته مقدمة وميمنته ميسرة وميسرته ميمنة فظن المشركون مجيئ عدد للمسلمين فرعبوا وانهزموا فقتلوا قتلة لم يقتلها قوم ويجوز أن يكون ذلك بعد أنحياز المسلمين فلا منافاة بين الروايتين وكانت مدة القتال سبعة أيام
____________________


وروى البخاري عن خالد رضي الله تعالى عنه قال اندقت في يدي يوم مؤتة تسعة اسياف وما ثبت في يدي إلا صفيحة يمانية انتهى واطلع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على ذلك فأخبر به اصحابه أي فإنه لما اطلع على ذلك نادى في الناس الصلاة جامعة ثم صعد المنبر وعيناه تذرفان وقال أيها الناس باب خير باب خير باب خير ثلاثا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي إنهم انطلقوا فلقوا العدو فقتل زيد رضي الله تعالى عنه شهيدا فاستغفروا له ثم أخذ الراية جعفر رضي الله تعالى عنه فشد على القوم حتى قتل شهيدا فاستغفروا له ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه وأثبت قدميه حتى قتل شهيدا فاستغفروا له ثم اخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الأمراء وهو أمير نفسه ولكنه سيف من سيوف الله فآب بنصره وفي لفظ ثم أخذ الراية خالد بن الوليد نعم عبد الله وأخو العشيرة وسيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين من غير إمرة حتى فتح الله عليهم
قال وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم قال اللهم إنه سيف من سيوفك فانصره فمن يؤمنذ سمي خالد سيف الله وفي لفظ ثم أخذ اللواء سيف من سيوف الله تبارك وتعالى ففتح الله على يديه
وعن عبد الله بن أبي أوفى قال اشتكى عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا خالد لم تؤذي رجلا من اهل بدر لو أنفقت مثل احد ذهبا لم تدرك عمله فقال يا رسول الله إنهم يقعون في فأرد عليهم فقال لا تؤذوا خالدا فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار قال بعضهم وكون هذا نصرا وفتحا واضح لإحاطة العدو بهم وتكاثرهم عليه لانهم كانوا مائتي ألف والصحابة ثلاثة آلاف أي كما تقدم إذ كان مقتضى العادة ان يقتلوا بالكلية
وفي رواية أصاب خالد رضي الله عنه منهم مقتلة عظيمة وأصاب غنيمة وهذا لا يخالف ما يأتي أن طائفة منهم فروا إلى المدينة لما عاينوا كثرة جموع الروم فصار اهل المدينة يقولون لهم أنتم الفرارون إلى آخر ما يأتي وعن أسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنهما أي زوج جعفر رضي الله عنه قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أصيب جعفر وأصحابه فقال ائتيني ببني جعفر فأتيته بهم فشمهم وذرفت عليناه أي بكى حتى نقطت لحيته الشريفة فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك أبلغك عن
____________________

جعفر وأصحابه شئ قال نعم أصيبوا هذا اليوم فقمت أصيح واجتمع على النساء أي وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها يا أسماء لا تقولي هجرا ولا تضربي خدا وجاء إليه صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله إن النساء عيين وفتن قال فارجع إليهن فأسكتهن فذهب ثم رجع فقال له مثل الاول وقال نهيتهن فلم يطعنني فقال اذهب فأسكتهن فذهب ثم رجع فقال له مثل الأول وقال نهيتهن فلم يطعنني فقال اذهب فأسكتن فإن أبين فاحث في افواههن التراب وقال صلى الله عليه وسلم اللهم قد قدم يعني جعفرا إلى إحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله وقال لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاما فانهم قد شغلوا بأمر صاحبهم انتهى
أي وفي لفظ دخل صلى الله عليه وسلم على فاطمة رضي الله تعالى عنها وهي تقول واعماه فقال صلى الله عليه وسلم على مثل جعفر فلتبك الباكية وفي لفظ البواكي ثم قال صلى الله عليه وسلم اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا عن انفسهم اليوم وفي رواية فإنهم قد شغلهم ما هم فيه
وعن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما أن سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم عمدت إلى شعير فطحنته ونسفته ثم طبخته وأدمته بزيت وجعلت عليه فلفلا قال عبد الله رضي الله تعالى عنه فأكلت من ذلك الطعام وحبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع إخوتي وفي لفظ أنا وأخي في بيته ثلاثا أيام ندور معه صلى الله عليه وسلم كلما صار في بيت احدى نسائه ثم رجعنا إلى بيتنا وهذا الطعام الذي فعل لآل جعفر رضي الله عنهم قال السهيلي هو أصل في طعام التعزية وتسميه العرب الوضيمة كما تسمى طعام العرس الوليمة وطعام القادم من السفر النقيعة وطعام البناء الوكيرة
قال عبد الله رضي الله عنه ودعا لي صلى الله عليه وسلم وقال اللهم بارك في صفقة يمينه فما بعت شيئا ولا اشتريت شيئا إلا بورك لي فيه
ولما قدم عليه صلى الله عليه وسلم بعض اصحابه بخبر الجيش قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت فأخبرتني وإن شئت فأخبرتك قال فأخبرني يا رسول الله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم كلهم ووصف له فقال والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا واحدا لم تذكره وإن أمرهم لكما ذكرت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معركتهم أي وحين رأى
____________________

ذلك صلى الله عليه وسلم قال قد حمى الوطيس أي حميت الحرب واشتدت وقال صلى الله عليه وسلم مثل لي جعفر وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة في خيمة من در كل واحد منهم على سرير فرأيت زيدا وابن رواحة في أعناقهما صدودا أي اعتراضا ورايت جعفرا مستقيما ليس في عنقه صدود فسألت فقيل لي إنهما حين غشيهما الموت أعرضا بوجههما وأما جعفر فانه لم يفعل
وعن قتادة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما قتل زيد أخذ الراية جعفر رضي الله تعالى عنه فجاءه الشيطان لعنه الله فحبب اليه الحياة وكره اليه الموت ومناه الدنيا ثم مضى حتى استشهد رضي الله عنه
قال وفي رواية رأيتهم أي فيما يرى النائم وفي رواية لقد رفعوا إلى أي في الجنة فيما يرى النائم على سرير من ذهب فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه أي انحرافا فقلت مم هذا فقيل لي مضيا وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى انتهى أي فإنه كما تقدم صار يستنزل نفسه ويتردد في النزول بعض التردد
وفي لفظ دخل عبد الله بن رواحة الجنة معترضا فقيل يا رسول الله ما اعتراضه قال لما اصابته الجراحة نكل فعاتب نفسه فتشجع فاستشهد وقال صلى الله عليه وسلم إن الله أبدل جعفرا بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وجدنا فيما بين صدر جعفر ومنكبيه وما أقبل منه تسعين جراحة ما بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح وفي لفظ طعنة ورمية وفي لفظ آخر ضربة ورمى فقده نصفين فوجدوا في إحدى شقيه بضعة وثمانين جرحا وفيما أقبل من بدنه اثنين وسبعين ضربة بسيف وطعنة برمح أي وقيل اربعا وخمسين ورواية التسعين اثبت قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أتيته وهو مستلق آخر النهار فعرضت عليه الماء فقال إني صائم فضعه في ترسي عند رأسي فإن عشت حتى تغرب الشمس أفطرت قال فمات صائما قبل غروب الشمس شهيدا وعمره إحدى واربعون سنة وقيل ثلاث وثلاثون سنة وفيه أنه تقدم أنه كان أسن من علي بعشر سنين وكان عقيل أسن من جعفر بعشر سنين وكان طالب أسن من عقيل بعشر سنين
ثم رأيت ابن كثير رحمه الله قال وعلى ما قيل إنه كان اسن من علي بعشر سنين
____________________

يقتضي أن عمره يوم قتل تسع وثلاثون سنة لأن عليا كرم الله وجهه اسلم وهو ابن ثمان سنين على المشهور فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وهاجر وعمره إحدى وعشرون سنة ويوم مؤتة كان في سنة ثمان من الهجرة وكونه رضي الله تعالى عنه مات صائما لا يناسب كونه شق نصفين
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال كنا مع رسول الله لى فرفع رأسه إلى السماء فقال وعليكم السلام ورحمة الله فقال الناس يا رسول الله ما كنت تصنع هذا قال مر بي جعفر بن أبي طالب في ملأ من الملائكة فسلم علي
ولما دنا الجيش من المدينة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ولقيهم الصبيان ينشدون ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة فقال خذوا الصبيان فاحملوهم واعطوني ابن جعفر فأتى بعبد الله بن جعفر فأخذه فحمله بين يديه
وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيئا لك أبوك يطير مع الملائكة في السماء وفي الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا دخلت البارحة الجنة فرأيت فيها جعفر بن أبي طالب يطير مع الملائكة وفي رواية يطير مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله تعالى من يديه وروى جناحان من ياقوت أي وذكر السهيلي رحمه الله أن الجناحين عبارة عن صفة ملكية وقوة روحانية اعطيهما جعفر رضي الله عنه يقتدر بهما على الطيران لا أنهما جناحان كجناح الطائر كما يسبق للوهم أي لان الصورة الآدمية أشرف الصور أي ولا يضر في ذلك وصفهما بأنهما من ياقوت ولا كونهما مضمخين بالدم وصار المسلمون يحثون في وجوههم التراب ويقولون لهم يا فرارون فررتم في سبيل الله فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بل هم الكرارون وفي لفظ إنهم قالوا يا رسول الله نحن الفارون فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بل انتم العكارون أي الكرارون وهو دليل على أنه كان بينهم محاجزة وترك للقتال وعن بعض الصحبة لما قتل ابن رواحة رضي الله انهزم المسلمون رضي الله عنهم أسوأ هزيمة ثم تراجعوا ولقد لقوا من اهل المدينة لما رجعوا شرا حتى إن الرجل يجئ إلى أهل بيته يدق عليهم بابه فيأبون يفتحون له ويقولون له هلا تقدمت مع اصحابك فقتلت حتى إن نفرا نم الصحابة رضي الله عنهم جلسوا في بيوتهم استحياء كلما خرج
____________________

واحد منهم صاحوا به وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل اليهم رجلا رجلا ثم يقول أنتم الكرارون في سبيل الله ويعنون بالفرار انحيازهم مع خالد رضي الله عنه حين انحاز العدو عنهم وإنما انحاز خالد رضي الله عنه لترتيبه العسكر وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم خالدا رضي الله عنه على ذلك وأثنى عليه وقتل رجل من المسلمين رجلا من الروم فأراد أخذ سلبه فمنعه خالد رضي الله عنه فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال لخالد ما منعك ان تعطيه سلبه قال استكثرته عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادفعه له
وكان عوف بن مالك رضي الله عنه كلم خالدا في دفع ذلل لذلك الرجل قبل أن يقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مر خالد بعوف بن مالك اطلق لسانه في خالد رضي الله عنه وقال له أما ذكرت لك ذلك ونحوه فغضب صلى الله عليه وسلم وقال لخالد لا تعطه يا خالد هل أنتم تاركون لي أمرائي
وفيه أن القاتل استحق السلب فكيف منعه وأجيب بأنه يجوز أن يكون دفعه له بعد وانما اخر دفعه تعزيزا لعوف رضي الله عنه حين اطلق لسانه في خالد وانتهك حرمته وتطيبا لقلب خالد رضي الله تعالى عنه للمصلحة في إكرام الأمراء وهذا السياق يدل على أن الجيش كله رضي الله عنهم قيل لهم الفرارون وإنما كان لطائفة من الجيش فروا إلى المدينة لما رأوا من كثرة العدو فليتأمل
وعد هذه غزوة تبعت فيه الاصل والحق أنها ليست من الغزوات بل من السرايا الأتي ذكرها لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فيها والله اعلم
____________________

بسم الله الرحمن الرحيم فتح مكة شرفها الله تعالى
كان في رمضان سنة ثمان وكان السبب في ذلك أنه لما آن صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش كان فيه أن من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه فدخلت بنو بكر في عهد قريش ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم وكان قبل ذلك بينهما دماء أي فحجز الإسلام بينهما لتشاغل الناس به وهم على ما هم عليه من العداوة وكانت خزاعة حلفاء عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم أي يناصرونه على عمه نوفل بن عبد مناف
فإن المطلب لما مات وثب نوفل على ساحات وأفنية كانت لعبد المطلب واغتصبه إياها فاطرب عبد المطلب لذلك واستنهض قومه فلم ينهض معه احمد منهم وقالوا له لا ندخل بينك وبين عمك وكتب الى أخواله بني النجار فجاءه منهم سبعون راكبا فأتوا نوفلا وقالوا له ورب البنية لتردن على ابن أختنا ما أخذت وإلا ملأنا منك السيف فدره ثم حالف خزاعة بعد أن حالف نوفل بني أخيه عبد شمس وكان صلى الله عليه وسلم يعلم بذلك الحف فإنهم أوقفوه على كتاب عبد الملطب وقرأه عليه أبي بن كعب رضي الله عنه أي بالحديبية وهو باسمك اللهم هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة إذا قدم عليه سرواتهم وأهل الرأي منهم غائبهم يقر بما قاضى عليه شاهدهم أن بيننا وبينكم عهود الله وميثاقه وما لا ينسى ابدا اليد واحدة والنصر واحد ما أشرق ثبير وثبت حرا مكانه وما بل بحر صوفه
____________________


وفي الامتاع أن سنخة كتابهم باسمك اللهم هذا ما تحالف عليه عبد المطلب بن هاشم ورجالات عمرو بن ربيعة من خزاعة تحالفوا على التناصر والمواساة ما بل بحر صوفة حلفا جامعا غير مفرق الأشياخ على الاشياخ والأصاغر على الأصاغر والشاهد على الغائب وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد وأوثق عقد لا ينقض ولا ينكث ما أشرقت شمس على ثبير وحن بفلاة بعير وما أقام الأخشبان وعمر بنمكة إنسان حلف أبد لطول أمد يزيده طلوع الشمس شدا وظلام الليل مدا آلان عبد المطلب وولده ومن معهم ورجال خزاعة متكافئون متظاهرون متعاونون فعلى عبد المطلب النصرة لهم بمن تابعه وعلى خزاعة النصرة لعبد الطلب وولده ومن معهم على جميع العرب في شرق أو غرب او حزن او سهل وجعلوا الله على ذلك كفيلا وكفى بالله جميلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعرفني بحقكم وانتم على ما أسلفتم عليه من الحلف
فلما كانت الهدنة وهي ترك القتال التي وقعت في صلح الحديبية اغتنمها بنو بكر أي طائفة منهم يقال لهم بنو نفاثة
أي وفى الإمتاع وسببها أن شخصا من بني بكر هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار يتغنى به فسمعه غلام من خزاعة فضربه فشجه فثار الشر بين الحيين لما كان بينهم من العداوة فطلب بنو نفاثة من أشراف قريش أن يعينوهم بالرجال والسلاح على خزاعة فأمدوهم بذلك فبيتوا خزاعة أي جاءوهم ليلا بغتة وهم آمنون على ماء لهم يقال له الوتير فأصابوا منهم أي قتلوا منهم عشرين أو ثلاثة وعشرين وقاتل معهم جمع من قريش مستخفيا منهم صفوان بن أمية وجويطب بن عبد العزى أي وعكرمة ابن ابي جهل وشيبة بن عثمان وسهيل بن عمرو رضي الله عنهم فإنهم أسلموا بعد ذلك ولا زالوا بهم الى أن أدخلوهم دار بديل بن ورقاء الخزاعي بمكة أي ولم يشاوروا في ذلك أبا سفيان قيل شاوروه فأبي عليهم ذلك وظنوا أنهم لم يعرفوا وأن هذا لا يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما ناصرت قريش بني بكر على خزاعة ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق ندموا وجاء الحارث بن هشام الى ابي سفيان واخبره بما فعل القوم فقال هذا امر لم أشهده ولم أغب عنه وإنه لشر والله ليغزونا محمد
____________________

ولقد حدثتني هند بنت عتبة يعني زوجته أنها رأت رؤيا كرهتها رأت دما أقبل من الحجون يسيل حتى وقف بالخندمة فكره القوم ذلك
وعند ذلك خرج عمرو وقيل عمر العين وصححه الذهبي ابن سالم الخزاعي أي سيد خزاعة في أربعين راكيا أي من خزاعة فيهم بديل بن ورقاء الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد ووقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد بين الناس وقال من ابيات ** يا رب إني ناشد محمدا ** حلف أبينا وأبيه الأتلدا ** ** إن قريشا أخلفوك الموعدا ** ونقضوا ميثاقك المؤكدا ** ** هم بيتونا بالوتير هجدا ** وقتلونا ركعا وسجدا **
فقال النبي صلى الله عليه وسلم نصرت يا عمرو بن سالم أي ودمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقال لا ينصرني الله وفي لفظ لا نصرت إن لم أنصر بني كعب يعني خزاعة مما انصر به نفسي وفي رواية لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي زاد في رواية واهل بيتي ثم مرت سحابة في السماء وارعدت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا السحاب ليستهل أي وفي لفظ لينصب بنصر بني كعب يعني خزاعة
أي وعن بشر بن عصمة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خزاعة مني وأنا منهم وقبل قدوم عمرو بن سالم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلامه بذلك حدثت عاششة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة الوقعة قال لها لقد حدث في خزاعة حدث قالت فقلت يا رسول الله أترى قريشا يجترئون على نقض العهد الذي بينك وبينهم فقال ينقضون العهد لأمر يريده الله فقلت خير قال خير وفي لفظ قالت لخير او لشر قال لخير
وعن ميمونه رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بات عندها ليلة فقام ليتوضأ للصلاة قالت فسمعته يقول لبيك لبيك لبيك ثلاثا تصرت نصرت نصرت ثلاثا فلما خرج قلت يا رسول الله سمعتك تقول لبيك لبيك لبيك ثلاثا نصرت نصرت نصرت ثلاثا كأنك تكلم إنسانا فهل كان معك احد قال هذا راجز بني كعب يعني خزاعة يزعم أن قريشا اعانت عليهم بكر بن وائل أي بطنا منهم وهم بنوا نفاثة قالت ميمونة فأقمنا
____________________

ثلاثا ثم صلى الله عليه وسلم عليه وسلم الصبح فسمعت الراجز يقول يارب إني ناشد محمدا ** إلى أخر ما تقدم انتهى
وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن سالم واصحابه فيمن تهمتكم قالوا بنو بكر قال كلها قالوا لا ولكن بنو نفاثة قال هذا بطن من بكر
ولما ندمت قريش على نقضهم العهد أرسلوا أبا سفيان ليشد العقد ويزيد في المدة فقالوا له ما لها سواك اخرج الى محمد فكلمه في تجديد العهد وزيادة المدة فخرج ابو سفيان ومولى له على راحلتين فاسرع السير لأنه يرى أنه أول من خرج من مكة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال رسول صلى الله عليه وسلم للناس قبل قدوم ابي سفيان كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ويزيد في المدة وهو راجع بسخطه ثم رجع اولئك الركب من خزاعة فلما كانوا بعسفان لقوا أبا سفيان أي ومولى له كل على راحلة وقد بعثته قريش الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشد العقد ويزيد في المدة وقد خافوا مما صنعوا فسألهم هل ذهبتم الى المدينة قالوا لا وتركوه وذهبوا فجاء الى مبركهم بعد أن فارقوه فأخذ بعرا وفته فوجد فيه النوى فعلم انهم ذهبوا الى المدينة الشريفة
قال وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن سالم واصحابه ارجعوا وتفرقوا في الاودية أي ليخفى مجيئهم للنبي صلى الله عليه وسلم فرجعوا وتفرقوا فذهبت فرقة الى الساحل أي وفيهم عمرو بن سالم وفرقة فيهم بديل بن ورقاء لزمت الطريق وإن ابا سفيان لقى بدليل بن ورقاء بعسفان فأشفق ابو سفيان أن يكون بديل جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فقال للقوم أخبرونا عن يثرب متى عهدكم بها فقالوا لا علم لنا بها أي وقالوا إنما كنا في الساحل نصلح بين الناس في قتل ثم صبر ابو سفيان حتى ذهب أولئك القوم وفي لفظ قال من أين أقبلت يا بديل قال سرت الى خزاعة في هذا الساحل قال ما أتيت محمدا قال لا فلما راح بديل الى مكة أي توجه اليها قال ابو سفيان لئن كان جاء المدينة لقد علف بها النوى فجاء منزلهم ففتت ابعار اباعرهم فوجد فيها النوى قال ابو سفيان احلف بالله لقد جاء القوم محمدا انتهى
فلما قدم ابو سفيان المدينة دخل على ابنته ام حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضى عنها ولما أراد ان يجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه فقال
____________________

يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش ام رغبت به عني قالت بل هو فراش النبي صلى الله عليه وسلم وأنت مشرك نجس قال والله لقد أصابك بعدي شر فقالت بل هداني الله تعالى للإسلام وأنت تعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر وأعجبا منك يا أبت وأنت سيد قريش وكبيرها فقال أنا أترك ما كان يعبد آبائي واتبع دين محمد ثم خرج حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له إني كنت غائبا في صلح الحديبية فامدد العهد وزدنا في المدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك جئت يا أبا سفيان قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان فيكم من حدث قال معاذ الله نن على عهدنا وصلحنا لا نغير ولا نبدل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن على مدتنا وصلحنا فأعاد ابو سفيان القول على رسول صلى الله عليه وسلم وسلم فلم يردعليه شيئا هذا
وفي كلام سبط ابن الجوزي رحمهما الله ان مجئيه لأم حبيبة رضي الله عنها بعد مجيئه للنبي صلى الله عليه وسلم ثم ذهب الى ابي بكر رضي الله عنه فكلمه ان يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أنا بفاعل وفي رواية قال لأبي بكر جدد العقد وزدنا في المدة فقال ابو بكر جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم ثم أتى عمربن الخطاب رضي الله عنه فكلمه فقال أنا اشفع لكم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لو لم اجد الا الذر لجاهدتكم أي بها وفي رواية أنه قال له ماكان من حلفنا جديدا أخلقه الله وما كان مقطوعا فلا وصلة الله فعند ذلك قاله له ابو سفيان جزيت من ذي رحم شرا وفي لفظ سوءا ثم جاء الى عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال أنه ليس في القوم أقرب بي رحما منك فزد في المدة وجدد العقد فان صاحبك لا يرده عليك أبدا فقال عثمان جواري في جواره صلى الله عليه وسلم انتهى ثم جاء فدخل على علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وعنده فاطمة وحسن رضي الله عنه غلام يدب بين يديها فقال يا علي انك امس القوم بي رحما وإني قد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبا اشفع الى محمد فقال ويحك يا ابا سفيان لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه عنها فقال يا ابنة محمد هل لك ان تأمري ابنك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب الى اخر الدهر قالت والله ما يبلغ ببني ذلك ان يجير بين الناس وما يجبر احد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وفي رواية أنه قال لفاطمة أجبري بين الناس
____________________

فقالت إنما أنا امرأة قال قد أجارت اختك يعني زينب أبا العاص بن الربيع يعني زوجها وأجاز ذلك محمد قالت إنما ذاك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فأمري احد ابنيك قالت إنما هما صبيان ليس مثلهما يجير قال فكلمى عليا فقالت انت تكلمه فكلم عليا فقال يا ابا سفيان انه ليس أحد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتات على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوار وقول فاطمة رضي الله عنها في حق ابنيها صبيان ليس مثلهما يجير هو الموافق لما عليه أئمتنا من ان شرط من يؤمن أن يكون مكلفا وأما قولها وإنما أنا امرأة فلا يوافق ما عليه أئمتنا من أن للمرأة والعبد أن يؤمنا لأن شرط المؤمن عند أئمتنا ان يكون مسلما مكلفا مختارا وقد أمنت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم زوجها ابا العاص بن الربيع وقال صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت وقال المؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم كما سيأتى في السرايا وقد تقدم ذلك قريبا عن ابي سفيان وسيأتى قريبا أن أم هاني اجارت وأنه صلى الله عليه وسلم قال لها أجرنا من أجرت يا أم هاني لكن سيأتى ان هذا كان تأكيدا للأمان الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم لأهل مكة لا أمان مبتدأ
ثم أن ابا سفيان أتى اشراف قريش والأنصار وكل يقول جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء الى علي كرم الله وجهه وقال يا ابا الحسن إني ارى الأمور قد انسدت على فانصحني قال والله لا أعلم لك شيئا يغني وعنك ولكنك سيد بني كنانة فقم وأجر بين الناس ثم الحق بأرضك قال أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا قال والله ما أظنه ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام ابو سفيان في المسجد فقال ايها الناس إني أجرت بين الناس زاد في رواية ولا والله ما أظن ان يخفرني احد ولا يرد جواري قال وفي رواية أنه جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إني اجرت بين الناس أي وقال لا والله ما أظن أحدا يخفرني ويرد جواري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت تقول ذلك يا ابا حنظلة وفي لفظ يا ابا سفيان انتهى
ثم ركب بعيره فانطلق حتى قدم على قريش وقد طالت غيبته واتهمته قريش انه صبأ ابتع محمدا سرا وكتم إسلامه وقالت له زوجته ان كنت مع طول الاقامة جئتهم بنجح فأنت الرجل فلما أخبرها أي وقد دنا منها وجلس ومنها مجلس الرجل من امرأته فضربت
____________________

برجلها في صدره وقالت قبحت من رسول قوم فما جئت بخير فلما اصبح ابو سفيان حلق رأسه عند اساف ونائلة وذبح عندهما البدن ومسح رءوسهما بالدم ليدفع عنه التهمة فلما رأته قريش قالوا ما وراءك هل جئت بكتاب من محمد او عهد قال لا والله لقد أبى على وقد تتعبت اصحابه فما رأيت قوما لملك اطوع منهم له وفي رواية قال جئت محمدا فكلمته فو الله ما رد علي شيئا ثم جئت الى ابن ابي قحافة فلم أجد فيه خيرا ثم جئت عمر بن الخطاب فوجدته أدنى العدو أي وفي رواية أعدى العدو ثم جئت عليا فوجدته الين القوم وقد اشار على بشيء صنعته فوالله لا أدري أيغنى عني شيئا ام لا قالوا وبم امرك قال أمرني أن اجير بين الناس أي قال لي لم تلتمس جوار الناس على محمد و لا تجير انت عليه وانت سيد قريش واكبرها واحقها ان لا يخفر جواره ففعلت قالوا فهل اجاز ذلك محمد قال لا أي وانما قال انت تقول ذلك يا ابا حنظلة والله لم يزدني قالوا رضيت بغير رضا وجئت بما لا يغني عنا ولا عنك شيئا ولعمر الله ما جوارك بجائز وان اخفارك أي ازالة خفارتك عليهم لهين والله أراد الرجل يعنون عليا كرم الله وجهه ان يلعب بك قال والله ما وجدت غير ذلك وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه أن يلعب بك قال والله ما وجدت غير ذلك وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز وأمر اهله ان يهجزوه أي قال لعائشة جهزينا وأخفى امرك فدخل ابو بكر رضي الله عنه علي ابنته عائشة رضي الله عنها وهي تحرك بعض جهاز رسول الله أي تجعل قمحا سويقا ودقيقا وفي لفظ وجد عندها حنطة تنسف وتنقى فقال أي بنية امركن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجهيزه قالت نعم فتجهز قال فأين ترينه يريد قالت لا والله ما أدري وإن ذلك قبل ان يستشير صلى الله عليه وسلم ابا بكر وعمر رضي الله عنهما في السير الى مكة كما سيأتي ثم انه صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر الى مكة وأمرهم بالجد والتجهيز
أي وفي الامتاع ان ابا بكر رضي الله عنه لما سأل عائة رضي الله عنها دخل عليه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اردت سفرا قال نعم قال أفأتجهز قال نعم قال فاين تريد يا رسول الله قال قريشا وأخف ذلك يا ابا بكر وأمر صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز وطوى عنهم الوجه الذي يريده وقد قال له ابو بكر رضي الله عنه يا رسول الله أو ليس بيننا وبينهم مدة قال أنهم غدروا ونقضوا العهد
____________________

واطو ما ذركرت لك وفي رواية ان ابا بكر رضي الله عنه قال يا رسول الله أتريد ان تخرج مخرجا قال نعم قال لعلك تريد بني الأصفر قال لا قال أفتريد أهل نجد قال لا قال فلعلك تريد قريشا قال نعم قال يا رسول الله أليس بينك وبينهم مدة قال أو لم يبلغك ما صنعوا ببني كعب يعني خزاعة قال وأرسل صلى الله عليه وسلم ألى أهل البادية ومن حوله من المسلمين في كل ناحية يقول لهم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحضر رمضان بالمدينة أي وذلك بعد أن تشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابي بكر وعمر رضي الله عنهما في السير الى مكة فذكر له ابو بكر رضي الله عنه ما يشير به الى عدم السير حيث قال له هم قومك وحضه عمر رضي الله عنه حيث قال نعم هم راس الكفر زعموا أنك ساحر وانك كذاب وذكر له كل سوء كانوا يقولون وايم الله لا تذل العرب حتى تذل اهل مكة فعند ذلك ذكر صلى الله عليه وسلم أن ابا بكر كإبراهيم وكان في الله الين من اللين وان عمر كنوح وكان في الله اشد من الحجر وان الأمر امر عمر وتقدم نحو هذا لم استشارهما صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر أي ثم قدمت المدينة من قبائل العرب أسلم وغفار ومزينة واشجع وجهينه
ثم قال صلى الله عليه وسلم اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها أي وفي رواية قال اللهم خذ على اسماعهم وابصارهم فلا يرونا الا بغتة ولا يسمعون بنا الا فجأة وأخذ بالأنقاب أي الطرق أي أوقف بكل طريق جماعة ليعرف من يمر بها أي وقال لهم لا تدعوا احدا يمر بكم تنكرونه الا رددتمهوه
ولما اجمع صلى الله عليه وسلم المسير الى قريش وعلم بذلك الناس كتب حاطب بن ابي بلتعة الى قريش أي الى ثلاثة منهم من كبرائهم وهم سهيل بن عمرو وصفوان ابن امية وعكرمة بن ابي جهل رضي الله عنهم فإنهم اسلموا بعد ذلك كما تقدم كتابا يخبرهم بذلك ثم اعطاه امرأة وجعل لها جعلا على ان تبلغه قريشا ويقال أعطاها عشرة دنانير وكساها بردا أي وقال لها اخفيه ما استطعت ولا تمري على الطريق فإن عليه حرسا فسلكت غير الطريق قال وتلك المرأة هي سارة مولاة لبعض بني عبد المطلب بن عبد مناف وكانت معنيه بمكة وكانت قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأسلمت وطلبت منه الميرة وشكت الحاجة فقال لها رسول الله
____________________

صلى الله عليه وسلم ما كان في غنائك ما يغنيك فقالت ان قريشا منذ قتل منهم من قتل ببدر تركوا الغناء فوصلها صلى الله عليه وسلم وأوقر لها بعيرا طعاما فرجعت الى قريش وارتدت عن الاسلام وكان ابن خطل يلقى عليها هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغنى به انتهى فجعلت الكتاب في قرون رأسها أي ضفائر رأسها خوفا ان يطلع عليها أحد ثم خرجت به وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث عليا والزبير وطلحة والمقداد أي وقيل عليا وعمارا والزبير وطلحة والمقداد وابا مرثد أي ولا مانع أن يكون ارسل الكل وبعض الرواة اقتصر على بعضهم فقال صلى الله عليه وسلم أدركا امرأة بمحل كذا قد كتب معها حاطب بكتاب الى قريش يحذرهم ما قد اجمعنا له في امرهم فخذوه منها وخلوا سبيلها فإن أبت فاضربوا عنقها فخرجا حتى أدركاها في ذلك المحل الذي ذكره صلى الله عليه وسلم فقالا لها اين الكتاب فحلفت بالله ما معها من كتاب فاستنزلاها وفتشاها والتمسا في رحلها فلم يجدا شيئا فقال لها علي كرم الله وجهه إني احلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ولا كذبنا ولتخرجن هذا الكتاب أو لنكشفنك أو اضرب عنقك فلما رأت الجد منه قالت أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منه وفي البخاري أخرجته من عقاصها ولا منافاة وفيه في محل اخر اخرجته من حجزتها والحجزة معقدالإزار والسروايل قال بعضهم ولا مانع أن يكون في ضفائرها وأنها جعلت الضفائر في حجزتها فدفعته اليه وسيأتى أنها ممن أباح صلى الله عليه وسلم وسلم دمه يوم الفتح ثم اسلمت وعفا عنها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الكتاب أي وصورة الكتاب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه اليكم بجيش كالليل يسير كالسيل واقسم بالله لو سار اليكم وحده لينصرنه الله تعالى عليكم فإنه منجز له ما وعده فيكم فإن الله تعالى ناصره ووليه وقيل فيه إن محمدا صلى الله عليه وسلم فد نفر فإما اليكم وإما الى غيركم فعليكم الحذر وقيل فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آذن بالغزو ولا أراه الا يريدكم وقد أحببت ان تكون لي يد بكتابي اليكم
أقول لا مانع ان يكون جميع ما ذكره في الكتاب بأن يكون فيه ان محمدا صلى الله عليه وسلم قد آذن أي أعلم بالغزو وقد نفر أي عزم على ان ينفر فإما اليكم وإما الى غيركم ولا أراه الا يرديكم وهذا كان قبل ان يعلم بسيره الى مكة فلما علم الحق بالكتاب
____________________

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه أي يريد التوجه اليكم بجيش الى آخره وبعض الرواة اقتصر على ما في بعض الكتاب والله اعلم
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا فقال له اتعرف هذا الكتاب قال نعم فقال ما حملك على هذا فقال والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولا بدلت وفي لفظ ما كفرت منذ اسلمت ولا غششت منذ نصحت ولا احببتهم منذ فارقتهم ولكني ليس لي في القوم أهل ولا عشيرة ولي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم أي وفي لفظ قال يا رسول الله لا تعجل على إني كنت امرأ ملصقا أي حليفا من قريش وفي كلام بعضهم ما يفيد أن الملصق هو الذي لا نسب له ولا دخل في حلف قال ولم أكن من انفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابة يحمون أموالهم واهليهم بمكة ولم يكن لي قرابة فأحببت ان اتخذ فيهم يدا احمى بها أهلي أي وهي أمه
ففي بعض الروايات كنت غريبا في قريش وامي بين اظهرهم فأردت ان يحفظوني فيها وما فعلت ذلك كفرا بعد إسلام وقد علمت ان الله تعالى منزل بهم بأسه لا يغنى عنهم كتابى شيئا فقال رسول الله صلى الله وسلم إنه قد صدقكم فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يا رسول الله دعني لاضرب عنقه فإن الرجل قد نافق وفي لفظ قال له قاتلك الله ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بالأنقاب وتكتب الى قريش تحذرهم وفي رواية دعني أضرب عنقه لأنه يعلم انك يا رسول الله أخذت على الطريق وأمرت أن لا ندع احدا يمر ممن تنكره الا رددناه انتهى
وأقول مراد سيدنا عمر بقوله قد نافق أي خالف الأمر لا انه اخفى الكفر لقوله صلى الله عليه وسلم قد صدقكم ورأى ان مخالفة امره صلى الله عليه وسلم مقتضية للقتل ولكن رواية البخاري إنه قد صدقكم ولا تقولوا له الا خيرا وعليها يشكل قول عمر المذكور ودعاؤه عليه بقوله قاتلك الله الا ان يقال يجوز ان يكون قول عمر لذلك كان قبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر وعند قول عمر رضي الله عنه دعني لاضرب عنقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد شهد بدرا وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وفي رواية فقد وجبت لكم الجنة وفي رواية لا يدخل النار احد شهد بدرا فعند ذلك فاخت عينا عمر رضي الله عنه بالبكا أي وانزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة }
____________________

وفي قوله عدوي وعدوكم منقبة عظيمة لحاطب رضي الله عنه بأن في ذلك الشهادة له بالايمان وقوله تلقون اليهم بالمودة أي تبدونها لهم وذكر بعضهم ان البلتعة في اللغة التظرف بالظاء المشالة يقال تبلتع في كلامه اذا تظرف فيه
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره واستخلف على المدينة أبارهم كلثوم ابن الحصين الغفاري وقيل ابن ام مكتوم وبه جزم الحافظ الدمياطي في سيرته وخرج لعشر وقيل لليلتين وقيل لثنتى عشرة وقيل ثلاث عشرة وقيل سبع عشرة وقيل ثمان عشرة وهو في مسند الإمام احمد بسند صحيح قال ابن القيم إنه أصح من قول من قال إنه خرج لعشر خلون من رمضان أي وصدر به في الامتاع وقيل خرجل تسع عشرة مضين من شهر رمضان في سنة ثمان قال في النور لا اعلم خلافا في الشهر والسنة
وما في البخاري أن خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمة المدينة أي فيكون في السنه التاسعة في نظر وكان صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف أي باعتبار من لحقه في الطريق من القبائل كبنى اسد وسليم ولم يختلف عنه احد من المهاجرين والانصار وكان المهاجرون سبعمائة ومعهم ثلثمائة فرس وكانت الانصار اربعة الاف ومعهم خمسمائة فرس وكانت مزينة الفا وفيها مائة فرس وكانت اسلم اربعمائة ومعها ثلاثون فرسا وكانت جهينة ثمانمائة ومعها خمسون فرسا وقيل كان صلى الله عليه وسلم في اثنى عشر الفا
ولما وصل صلى الله عليه وسلم الى الابواء او قريبا منها لقيه ابو سفيان ابن عمه الحارث وكان الحارث اكبر اولاد عبد المطب وكان يكنى به كما تقدم وكان ابو سفيان اخاه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة على حليمة كما تقدم ولقيه بد الله بن امية بن المغيرة ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب اخو أم سلمة ام المؤمنين رضى الله عنها لأبيها لأن والدة ام سلمة عاتكة بنت جندل الطعان وكان عند ابيها امية بن المغيرة زوجتان ايضا كل منهما تسمى عاتكة فكان عنده اربع عواتك وكان مجئ الحارث وعبد الله له صلى الله عليه وسلم يريدان الإسلام وكان رضى الله تعالى عنهما من اكبر القائمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أشد الناس إذاية له صلى الله عليه وسلم أي بعد أن كان الحارث قبل النبوة آلف الناس له صلى الله عليه وسلم لا يفارقه كما تقدم وقد تقدم بعض ذكر
____________________

أذيتما له صلى الله عليه وسلم فأعرض صلى الله عليه وسلم عنهما فكلمته أم سلمة رضي الله عنها فيهما أي قالت له لا يكون ابن عمك وابن عمتك أي وصهرك اشقى الناس بك فقال صلى الله عليه وسلم لا حاجة لي بهما اما ابن عمى يعني ابا سفيان فهتك عرض واما ابن عمتي وصهري يعني عبد الله اخا ام سلمة فهو الذي قال لي بمكة ما قال أي قال له والله لا آمنت بك حتى تتخذ سلما الى السماء فتعرج فيه وانا انظر اليك ثم تأتى بصك واربعة من الملائكه يشهدون لك ان الله ارسلك الى آخر ما تقدم فلما خرج الخبر اليهما قال ابو سفيان ومعه ابن له والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد ابني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت جوعا وعطشا فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما ثم أذن لهما فدخلا عليه وأسلما وقبل صلى الله عليه وسلم إسلامهما
وقيل إن عليا كرم الله وجهه قال لابي سفيان ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف تالله لقد أثرك الله علينا وان كنا لخاطئين فإنه صلى الله عليه وسلم لا يرضى أن يكن أحد أحسن قولا منه ففعل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين وكان ابو سفيان رضي الله عنه بعد ذلك لا يرفع رأسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حياء منه لأنه عاداه صلى الله عليه وسلم نحو عشرين سنة يهجوه ولم يتخلف عن قتاله وكان صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يحبه ويشهد له بالجنة ويقول ارجو ان يكون خلفا من حمزة رضي الله عنهما أي وقال له صلى الله عليه وسلم يوما الصيد كل الصيد في جوف الفرا وفي رواية قال له صلى الله عليه وسلم أنت يا أبا سفيان كما قيل كل الصيد في جوف الفرا
وفي سفره صلى الله عليه وسلم صام وصام الناس حتى إذا كانوا بالكديد بفتح الكاف وكسر الدال المهملة الأولى أي وهو محل بين عسفان وقديد أفطر أي وقيل أفطر بعسفان وقيل افطر بقديد وقيل أفطر بكراع الغميم ولا منافاة لتقارب الامكنة وقال بعضهم لا مانع أن يكون صلى الله عليه وسلم كرر الفطر في تلك الأماكن لتتساوى الناس في رؤية ذلك فأخبر كل منهم عن محل رؤيته
قال وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج ووصل الى محل يقال له الصلصل قدم
____________________

أمامه الزبير بن العوام رضي الله عنه في مائتين ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب ان يصوم فليصم ومن احب ان يفطر فليفطر
أي وفي الإمتاع لما خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة نادى مناديه من أحب ان يصوم فليصم وفي بعض الأيام صب رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسه الماء ووجهه من شدة العطش وفي لفظ من شدة الحر وهو صائم
وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم لما بلغ الكديد بلغة أن الناس شق عليهم الصيام أي وأنهم ينظرون فيما فعلت فاستوى صلى الله عليه وسلم على راحلته بعد العصر ودعا بإناء فيه ماء وقيل لبن فشرب ثم ناوله لرجل بجنبه فشرب فقيل له بعد ذلك ان بعض الناس صام فقال أولئك العصاة أي لانهم خالفوا امره صلى الله عليه وسلم بالفطر ليقووا على مقاتلة العدو لأنه صلى الله عليه وسلم قال للصحابة لما دنوا من عدوهم انكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فلم يزل صلى الله عليه وسلم وسلم يفطر حتى انسلخ الشهر انتهى
أي وفي قديد عقد صلى الله عليه وسلم الألوية والرايات ودفعها للقبائل ثم سار حتى نزل بمر الظهران أي وهو الذي يقال له الآن بطن مرو عشاء أي وقد أعمى الله الأخبار عن قريش اجابة لدعائه صلى الله عليه وسلم فلم يعلموا بوصوله اليهم أي ولم يبلغهم حرف واحد من مسيره اليهم فأمر صلى الله عليه وسلم اصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار وجعل على الحرس عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان العباس رضي الله عنه قد خرج قبل ذلك بعياله مسلما أي مظهر اللإسلام مهاجرا فلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة وقيل بذي الحليفة فرجع معه الى مكة أي وأرسل أهله وثقله الى المدينة وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرتك يا عم آخر هجرة كما ان نبوتي أخر نبوة قال العباس رضي الله عنه ورقت نفسي لاهل مكة أي وقال يا صباح قريش والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل ان يأتوه فيستأمنوه انه لهلاك قريش الى آخر الدهر قال العباس رضي الله عنه فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء أي زاد بعضهم التي أهداها له دحية الكلبي فخرجت عليها حتى جئت الأراك فقلت لعلى اجد بعض الحطابة او صاحب لبن او ذا حاجة يأتى مكة يخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا اليه فيسأمنوه قبل ان يدخلها عنوة
____________________

فوالله إني لاسير إذ سمعت كلام ابي سفيان وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان أي وقد خرجا وحكيم بن حزام أي بعد ان خرج ابو سفيان وحكيم بن حزام فلقيا بديلا فاستصحباه وخرجوا يتجسسون الأخبار وينظرون هل يجدون خبرا او يسمعون به أي لأنهم علموا بمسيره صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا الى أي جهة
وفي سيرة الدمياطي ولم يبلغ قريشا مسيره اليهم فلا ينافي ما قبله وهم مغتمون يخافون من غزوة إياهم فبعثوا ابا سفيان بن حرب يتجسس الأخبار وقالوا إن لقيت محمدا فخذلنا منه أمانا أي فلما سمعوا صهيل الخيل راعهم ذلك وأبو سفيان يقول ما رايت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا هذه كنيران عرفة وبديل يقول له هذه والله خزاعة حمشتها الحرب وحمشتها بالحاء المهملة والشين المعجمة أي احرقتها وقيل بالسين المهملة أي اشتدت عليها من الحماسة وهي الشدة وابو سفيان يقول خزاعة اذل واقل من ان تكون هذه نيرانها وعسكرها أي وفي رواية أن القائل هذه خزاعة غير بديل وان بديلا هو القائل هؤلاء أكثر من خزاعة وهو المناسب لان بديلا من خزاعة قال العباس رضي الله عنه فعرفت صوت ابي سفيان أي وكان ابو سفيان صديقا للعباس ونديمه قال العباس فقلت يا ابا حنظلة فعرف صوتي فقال ابو الفضل فقلت نعم قال مالك فداك ابي وامي قلت والله هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس قد جاءكم بما لا قبل لكم به أي وفي رواية قد جاءكم بعشرة آلاف فقال واصباح قريش والله فما الحيلة فداك أبي وأمي قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب في عجز هذه البغلة حتى أتيك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمنه لك فركب خلفي أي ورجع صاحباه فجئت به كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا من هذا وإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا عليها قالوا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته حتى مررت بنار عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال من هذا وقام الى فلما راى أبا سفيان على عجز الدابة قال ابو سفيان عدو الله الحمد لله الذي قد أمكن منك من غير عقد ولا عهد ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فركضت البغلة فسبقته فاقتحمته عن البغلة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليه عمر في اثرى فقال يا رسول الله هذا ابو سفيان أي عدو الله قد أمكن من من غير عقد ولا عهد فدعني لأضرب عنقه قال قلت يا رسول الله إني قد أجرته ولعل العباس
____________________

وعمر رضي الله عنهما لم يبلغهما قوله صلى الله عليه وسلم إنكم لاقون بعضهم فإن لقيتم ابا سفيان فلا تقتلوه إن صح
قال العباس رضي الله ثم جلست الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت براسه فقلت والله لا يناجيه الليلة رجل دوني فلما أكد عمر في شأنه قلت مهلا يا عمر فوالله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت مثل هذا أي ولكنك قد عرفت انه من رجال عبد مناف قال مهلا يا عباس فو الله لإسلامك يوم اسلمت كان احب إلي من اسلام الخطاب لو أسلم وما بي الا اني قد عرفت ان اسلامك كان احب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اسلام الخطاب لو أسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب به يا عباس الى رحلك فإذا اصبحت فأتنى به
وفي البخاري ان الحرس ظفروا بأبي سفيان ومن معه وجاءوا بهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا
وجمع بعضعم بأنه يجوز ان يكون العباس اخذهم من الحرس أي ويؤيده قول ابن عقبة رحمه الله لما دخل الحرس بأبي سفيان وصاحبيه لقيهم العباس بن عبد المطلب فأجارهم أي واتى بأبي سفيان وتأخر صاحباه قال وفي لفظ أخذهم نفر من الانصار بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عيونا فأخذوا بخطم أبعرتهم فقالوا من أنتم قالوا نحن اصحاب رسول صلى الله عليه وسلم وها هو فقال ابو سفيان هل سمعتم بمثل هذا الجيش نزلوا على اكباد قوم لم يعلموا بهم فجاءوا بهم الى عمر رضي الله تعالى عنه أي لأنه كان في تلك الليلة على الحرس كما تقدم فقالوا جئناك بنفر من أهل مكة فقال عمرو وهو يضحك اليهم والله لو جئتموني بأبي سفيان ما زدتم فقالوا والله أتيناك بأبي سفيان فقال احبسوه فحبسوه حتى أصبح فغدوا به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وفيه مالا يخفى فان الجمع بينه وبين ما قبله بعيد
قال العباس ولما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب به يا عباس الى رحلك فذهبت به فلما اصبح غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعد ان نؤدي بالصلاة وثار الناس ففزع ابو سفيان وقال للعباس يا أبا الفضل ما يريدون قال الصلاة
وفي رواية ما للناس أامروا في بشىء قال لا ولكنهم قاموا الى الصلاة ورأى
____________________

المسلمين يتلقون وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رآهم يركعون إذا وكع ويسجدون إذا سجد فقال للعباس يا عباس ما يأمرهم بشئ الا فعلوه فقال له العباس لو نهاهم عن الطعام والشراب لأطاعوه فقال ما رأيت ملكا مثل هذا لاملك كسرى ولا ملك قيصر ولا ملك بني الاصفر ثم قال للعباس كلمه في قومك هل عنده من عفو عنهم فانطلق العباس بأبى سفيان حتى أدخله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك يا ابا سفيان أم يأن لك أن تعلم عليه أنه لا إله الا الله قال بأبي وأمي انت ما أحلمك وأكرمك وأوصلك لقد ظننت أنه لو كان مع الله اله غيره ما اغنى عني شيئا بعد قال ويحك يا ابا سفيان ألم يأن لك أن تعلم انى رسول الله قال بأبي انت وأمي اما والله هذه فإن في النفس حتى الآن منها شيئا
قال وفي رواية أن بديلا وحكيم بن حزام لم يرجعا بل جاء بهم العباس وان العباس قال يا رسول الله ابو سيفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء قد اجرتهم وهم يدخلون عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخلهم فدخلوا عليه فمكثوا عنده عامة الليل يستخبرهم أي عن أهل مكة ودعاهم الى الاسلام فقالوا نشهد ان لا اله الا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهدوا أني رسول الله فشهد بذلك بديل وحكيم بن حزام فقال ابو سفيان ما اعلم ذلك والله إن في النفس من هذا شيئا فأرجئها انتهى وأي اخرها الى وقت آخر
وفي أسد الغابة أنه صلى الله عليه وسلم قال ليلة قرب من مكة في غزوة الفتح إن بمكة اربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشرك وأرغب بهم في الإسلام عتاب بن اسيد وجيبر بن مطعم وحكيم بن حزام وسهيل بن عمرو أي وهذا يدل على القول بأن جبيرا أسلم يوم الفتح كمن ذكر معه وذكر بعضهم أنه أسلم بعد الحديبية وقبل الفتح
فقال العباس رضي الله تعالى عنه لأبي سفيان ويحك اسلم واشهد ان لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله قبل ان تضرب عنقك فشهد شهادة الحق فاسلم
وذكر عبد بن حميد ان النبي صلى الله عليه وسلم حين عرض الإسلام على ابي سفيان قال له كيف اصنع بالعزى فسمعه عمرو رضي الله تعالى عنه من وراء القبة فقال له تخرأ عليها فقال له ابو سفيان ويحك يا عمر إنك رجل فاحش دعني مع ابن عمي
____________________

فإياه اكلم وكان في هذا التصديق أمية بن ابي الصلت فإنه كان يقول كنت رأى في كتبي أن نبيا يبعث في حرتنا فكنت أظن بل كنت لا اشك أني أنا هو فلما دارست أهل العلم إذ هو في بني عبد مناف فنظرت في بني عبد مناف فلم أجد أحدا يصلح لهذا الأمر الا عتبة بن ربيعة فلما جاوز الاربعين سنة ولم يوح اليه علمت أنه غيره قال ابو سفيان فخرجت في ركب اريد اليمن في تجارة فمررت بأمية بن أبي الصلت فقلت له كالمستهزئ به يا أمية قد خرج النبي الذي كنت تنعته قال انه حق فاتبعه قلت ما يمنعك من اتباعه قال ما يمنعني من اتباعه إلا الاستحياء من بنيات ثقيف إني كنت احدثهم اني هو يرينني تابعا لغلام من بني عبد مناف ثم قال لابي سفيان كأني بك يا أبا سفيان إن خالفته قد ربطت كما يربط الجدى حتى يأتى بك اليه فيحكم فيكم بما يريد رواه الطبراني في معجمه
وذكر بعضهم أن امية هذا كان يتفرس في بعض الأحيان في لغات الحيوان فمر يوما على بعير عليه امرأة راكبة وهو يرفع رأسه اليها ويرغوا فقال هذا البعير يقول إن في رحلة مسلة تصيب ظهره فأنزلوا تلك المرأة وحلوا ذلك الرجل فوجدوا المسلة كما قال
وذكر ان حكيم بن حزام قال يا رسول الله أجئت بأوباش الناس من يعرف ومن لا يعرف الى أهلك وعشيرتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أظلم وأفجر قد غدرتهم بعقد الحديبية وتجارتم على بني كعب يعني خزاعة بالإثم والعدوان في حرم الله وأمنه فقال بديل صدقت والله يا رسول الله فقد غدروا بنا والله لو أن قريشا خلوا بيننا وبين عدونا ما نالوا منا الذي نالوا فقال حكيم قد كنت يا رسول الله حقيقا ان تجعل عدتك وكيدك لهوازن فإنهم أبعد رحما واشد عدواة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأرجوا أن يجمعها لي ربي فتح مكة وإعزاز الإسلام بها وهزيمة هوازن وأخذ أموالهم وذراريهم وقال له ابو سفيان يارسول الله ادع الناس بالأمان أرأيت إن اعتزلت قريش فكفت أيديها آمنون هم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم من كف يده وأغلق داره فهو آمن قال العباس فقلت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن
____________________


أي فحكيم بن حزام من مسلمة الفتح وكان عمره ستين سنة وبقي في الإسلام مثل ذلك كان من اشراف قريش في الجاهلية والإسلام واعتق في الجاهلية مائة رقبة وفي الإسلام مثل ذلك فإنه حج في الإسلام وأوقف بعرفة مائة وصيف في أعناقهم أطواق الفضة منقوش عليها عتقاء الله عن حكيم بن حزام وأهدى مائة بدنة قد جللها بالحبرة وأهدى ألف شاة وعقد صلى الله عليه وسلم لأبي رويحة الذي آخى صلى الله عليه وسلم بينه وبين بلال لواء وأمره ان ينادي من دخل تحت لواء ابي رويحة فهو آمن أي وانما قال ذلك لما قال له ابو سفان وما تسع داري وما يسع المسجد ولما قال له صلى الله عليه وسلم ذلك قال ابو سفيان هذه واسعة ثم أمر صلى الله عليه وسلم العباس ان يحبس أبا سفيان بديلا وحكيم بن حزام أي وعليه انماخص ابو سفيان بالذكر في بعض الروايات لشرفه قال له احبسه بمضيق الوادى حتى تمر به جنود الله فيراها قال العباس ففعلت فمرت القبائل كلها مرت قبيلة كبرت ثلاثا عند محاذاته قال يا عباس من هذه فأقول سليم فيقول مالي ولسليم أي فإن أول القبائل مر سليم وفيها خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ثم تمر القبيلة فيقول يا عباس من هؤلاء فأقول مزينة فيقول مالي ولمزينة حتى نفدت بالفاء والدال المهملة القبائل كلها ما تمر قبيلة الا سألني عنها قلت له بنو فلان قال مالي ولبني فلان
اي وقد ذكرها بعضهم مرتبة فقال أول من مر خالد بن الوليد في بني سليم بضم السين فقال ابو سفيان يا عباس من هؤلاء قال هذا خالد بن الوليد قال الغلام قال نعم قال ومن معه قال بنو سليم قال مالي ولبني سليم
ثم مر على اثره الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه في خمسمائة من المهاجرين وفتيان العرب فقال ابو سفيان من هؤلاء قال الزبير قال ابن اخيك قال نعم
ثم مرت بنو غفار بكسر الغين المعجمة ثم أسلم ثم بنو كعب ثم مزينة ثم جهينة ثم كنانة ثم اشجع
ولما مرت اشجع قال ابو سفيان للعباس هؤلاء كانوا اشد العرب على محمد قال العباس ادخل الله الاسلام قلوبهم فهذا فضل الله حتى مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء للبسهم الحديد والعرب تطلق الخضرة على السواد كما تطلق
____________________

السواد على الخضرة وفيها المهاجرون الانصار لا يرى منهم الا الحدق من الحديد أي فيها ألفا دارع وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول رويدا حتى يلحق أولكم آخركم قال سبحان الله يا عباس من هؤلاء فقلت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنصار فقال ما لاحد بهؤلاء قبل ولا طاقة فقال ابو سفيان والله يا أبا الفضل لقد اصبح ملك ابن اخيك اليوم عظيما فقلت يا أبا سفيان إنها النبوة فقال نعم إذن ثم قلت له النجاء بالفتح والمد الى قومك حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار ابي سفيان فهو آمن فقامت اليه زوجته هند بنت عتبة أم معاوية رضي الله تعالى عنهم فأخذت بشاربه وقالت كلاما معناه اقتلوا الخبيث الدنس لا خير فيه قبح من طليعة قوم
أي وفي رواية أنها أخذت بلحيته ونادت يا آل غالب اقتلوا الشيخ الأحمق هلا قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم فقال لها ويحك اسكتي وادخلي بيتك وقال ويحكم لا تغرنكم هذه من انفسكم فإنه قد جاءكم مالا قبل لكم به من دخل دار أبي سفيان فهو أمن قالوا قبحك الله وما تغنى عنا دارك قال ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن دخل دار حكيم ابن حزام فهو آمن ومن دخل تحت لواء ابي رويحة فهو آمن فتفرق الناس الى دورهم والى المسجد أي وبهذا استبدل على أن مكة فتحت صلحا لا عنوة وبه قال إمامنا الشافعي رحمه الله وقال غيره فتحت عنوة
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه حكيم بن حزام مع ابي سفيان بعد إسلامها الى مكة وقال من دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن وكانت أسفل مكة ومن دخل دار ابي سفيان فهو آمن وكانت باعلى مكة واستثنى صلى الله عليه وسلم جماعة أمر بقتلهم وهم أحد عشر رجلا أي وفي الامتاع ستة نفر وأربع نسوة وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة منهم عبد الله بن ابي سرح وهو أخو عثمان بن عفان من الرضاعة وكان فارس بني عامر وكان احد النجباء الكرام من قريش رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وعبد الله بن خطل وقينتاه وعكرمة ابن ابي جهل رضى الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك والحويرث بن نفيل ومقيس بن حبابة وهبار بن الاسود رضى الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وكعب بن زهير رضي
____________________

الله عنه فإنه اسلم بعد ذلك وهو صاحب بانت سعاد والحارث بن هشام رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وهو أخو ابي جهل لأبويه وزهير بن أمية رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وسارة مولاة لبعض بني عبد المطلب رضي الله تعالى عنها فإنها أسلمت بعد ذلك وعاشت الى خلافة ابي بكر رضي الله تعالى عنه وتقدم أنها كانت حاملة لكتاب حاطب بن ابي بلتعه وصفوان بن امية رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وزهير ابن ابي سلمى أي وهند بنت عتبة امرأة ابي سفيان ووحشي بن حرب رضي الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك
وفي رواية ان سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه كان معه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم أي على الانصار
ولما مر على أبي سفيان وهو واقف بمضيق الوادي قال أبو سفيان من هذه قال هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية فلما حاذاه سعد قال يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة أي الحرب والقتال اليوم أستحل الحرمة وفي لفظ الكعبة اليوم أذل الله قريشا فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعضهم ورأيته مع الزبير رضي الله تعالى عنه فلما مر بأبي سفيان وحاذاه أبو سفيان ناداه يا رسول الله أمرت بقتل قومك فإنه زعم سعد ومن معه حين مر بنا أنه قاتلنا فإنه قال اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة اليوم أذل الله قريشا أنشدك الله في قومك فأنت أبر الناس بر وأرحمهم وأوصلهم فقال عثمان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما يا رسول الله فإنا لا نأمن من سعد أن يكون له في قريش صولة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا سفيان كذب سعد اليوم يوم المرحمة اليوم أعز الله فيه قريشا أي وفي رواية اليوم يعظم الله فيه الكعبة اليوم تكسى فيه الكعبة وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة أي أرسل عليا كرم الله وجهه أن ينزع اللواء منه ويدفعه لابنه قيس رضي الله تعالى عنهما وقيل أعطاه للزبير وقيل لعلي كرم الله وجهه خشية أن يقع من ابنه قيس مالا يرضاه صلى الله عليه وسلم أي لأن قيسا رضي الله تعالى
____________________

عنه كان من دهاة العرب وأهل الرأي والمكيدة في الحرب مع النجدة والبسالة والشجاعة من وقف على ما وقع بينه وبين معاوية لما ولاه سيدنا علي كرم الله وجهه بعد قتل عثمان رضي الله تعالى عنه مصر لرأي العجب من وفور عقله ومع ذلك كان له من الكرم مالا مزيد عليه وقفت له رضي الله تعالى عنه عجوز وقالت له أشكو إليك قلة الجرذان ببيتي والجرذان بالذال المعجمة نوع من الفيران فقال ما أحسن هذا السؤال وقال لها لأكثرن الجرذان ببيتك فملأ بيتها طعاما وأدما وقيل قالت له مشت جرذان بيتي على العصى فقال لها لأدعهن يثبن وثبة الأسود ثم ملأ بيتها طعاما ولا مانع من تعدد الواقعة
ومن هذا الوادي ما كتب به بعضهم الى عبد الملك بن مروان يا أمير المؤمنين أشكو اليك الشرف فقال له ما أحسن ما استمنحت وأعطاه عشرة آلاف درهم فقيل له في ذلك يسأل ما لا يقدر عليه ويعتذر فلا يعذر
ولما أشرف أبوه سعد رضي الله تعالى عنهما على الموت قسم ماله في أولاده وكان له حمل لم يشعر به فلما مات سعد وولد له ذلك الحمل كلمه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما في أن ينقض ما صنع أبوه من تلك القسمة فقال نصيبي للمولود ولا أغير ما صنع أبي ولم يكن في وجه قيس رضي الله تعالى عنه شعر وكان مع ذلك جميلا وكانت الأنصار رضي الله تعالى عنهم تقول وددنا أن نشتري لقيس بن سعد لحية بأموالنا وكان له ديون على الناس كثيرة فلما مرض رضي الله تعالى عنه استبطأ عواده فقيل له إنهم مستحيون من أجل دينك فأمر مناديا ينادي كل من كان لقيس بن سعد عليه دين فهو له فأتاه الناس حتى هدموا درجة كان يصعد عليه إليه
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اللواء لم يخرج عن سعد إذ صار لابنه قيس رضي الله تعالى عنهما قال وروى أن سعدا أبى أن يسلم اللواء الا بأمارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل صلى الله عليه وسلم اليه بعمامته فدفع اللواء لابنه قيس رضي الله تعالى عنهما انتهى
وفي صحيح البخاري ان كتيبة الأنصار جاءت مع سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه ومعه الراية ولم ير مثلها ثم جاءت كتيبة وهى أقل وفي رواية الحميدي وهي أجل الكتائب
____________________

بالجيم قال في الأصل وهي أظهر من رواية أقل لانها كانت خاصة المهاجرين فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم والراية مع الزبير رضي الله تعالى عنه
وأمر رسول الله خالد بن الوليد ان يدخل مع جملة من قبائل العرب من اسفل مكة أي وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت وقال لا تقاتلوا الا من قاتلكم وكان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو رضي الله عنهم أي فإنهم أسلموا بعد ذلك قد جمعوا ناسا بالخندمة وهو جبل بمكة ليقاتلوا وكان من جملتهم رجل كان يعد سلاحا ويصلح من شأنه فتقول له زوجته أي وقد كانت أسلمت سرا لماذا تعد ما أرى فيقول لمحمد وأصحابه فتقول له والله ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه شيء قال والله إني لأرجوا أن أخدمك بعضهم
وفي تاريخ مكة للأزرقي قال رجل من قريش لامرأته وهي تبرى نبالا له وكانت أسلمت سرا فقالت له لم تبري هذا النبل قال بلغني أن محمدا يريد أن يفتح مكة ويغزوها فلئن كان لأخدمنك خادما من بعض من أستأسره فقالت له والله لكأني بك وقد رجعت تطلب مخبأ أخبئك فيه لو رايت خيل محمد فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أقبل لك الرجل اليها فقال ويحك هل من مخبأة فقالت له فأين الخادم فقال لها دعى عنك وأنشد الأبيات الآتية هذا كلامه
وسبب ذلك أن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه لما لقيهم بالمحل المذكور منعوه الدخول ورموه بالنبل وقالوا له لا تدخلها عنوة فصاح خالد في أصحابه فقتل من قتل وانهزم من لم يقتل وكان من جملة من انهزم ذلك الرجل
وفي رواية أنه لما دخل بيته قال لامرأته أغلقي على بابي قالت وأين ما كنت تقول أين الخادم الذي كنت وعدتني تسخر به فقال إنك لو شهدت يوم الخندمة عبارة الأزرقي ** وأنت لو أبصرتنا بالخندمه ** إذ فر صفوان وفر عكرمة ** ** واستقبلتنا بالسيوف المسلمة ** يقطعن كل ساعد وجمجمه ** ** ضربا فلا تسمع الا غمغمه ** لهم نهيت حولنا وهمهمة ** ** لا تنطفى في اللوم أدنى كلمه **
____________________

والغمغمة الصوت الذي لا يفهم والنهيت بالمثناة تحت وفوق الزحير والهمهمة صوت في الصدر
أي واستمر خالد رضي الله تعالى عنه يدفعهم الى أن وصل الحزورة الى باب المسجد أي وصعدت طائفة منهم الجبل فتبعهم المسلمون فرأى صلى الله عليه وسلم وهو على العقبة بارقة السيوف فقال ما هذا وقد نهيت عن القتال فقيل له لعل خالدا قوتل وبدئ بالقتال فلم يكن له بد من ان يقاتل من يقاتله وما كان يا رسول الله ليخالف أمرك فقتل من المشركين اربعة وعشرون من قريش واربعة من هذيل
وفي رواية جعل صلى الله عليه وسلم الزبير رضي الله تعالى عنه على إحدى المجنبتين أي وهما الكتيبتان تأخذ إحداهما اليمين والأخرى اليسار والقلب بينهما وخالدا على الأخرى وأبا عبيدة على الرجالة
وفي لفظ على الحسر بضم الحاء المهملة وتشديد السين المهملة أي الذين لا دروع لهم قال في شرح مسلم فهم رجاله لا دروع عليهم وقد أخذوا بطن الوادي ولعل ذلك كان قبل الدخول الى مكة فلا ينافي ما سيأتى انه صلى الله عليه وسلم أعطى الزبير رضي الله تعالى عنه راية وأمره أن يغرزها بالحجون لا يبرح حتى يأتيه في ذلك المحل وفي ذلك المحل بنى مسجد يقال له مسجد الراية
وقد بوشت قريش أبواشا أي جمعوها من قبائل شتى فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا هريرة رضي الله تعالى عنه وقال لي اهتف أي صح لي بالأنصار فهتف بهم فجاءوا وطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ثم قال صلى الله عليه وسلم بيديه إحداهما على الأخرى احصدوهم حصدا حتى توافوني بالصفا أي ودخلوا من أعلى مكة قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه فانطقلنا فما شاء احد من ان يقتل منهم ما شاء وما أحد يوجه الينا منهم شيئا وفي لفظ فما نشاء ان نقتل أحدا منهم الا قتلناه أي لا يقدر أن يدفع عن نفسه فجاء ابو سفيان رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش أي لا جماعة لقريش بعد اليوم لأن الجماعة المجتمعة يعبر عنها بالسواد الأعظم فيقال السواد الأعظم ويعبر عنها بالخضرة كما هنا فالمراد جماعة قريش وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم من أغلق بابه فهو آمن
____________________


قال ووجه صلى الله عليه وسلم اللوم على خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه وقال له لم قاتلت وقد نهيت عن القتال قال هم يا رسول الله بدءونا بالقتال ورمونا بالنبل ووضعوا فينا السلاح وقد كففت ما استطعت ودعوتهم إلى الإسلام فأبوا حتى إذا لم أجد بدا من أن أقاتلهم فظفرنا الله بهم فهربوا من كل وجه
وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الأنصار عنده يا فلان قال لبيك يا رسول الله قال ائت خالد بن الوليد وقل له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن لا تقتل بمكة أحدا فجاء الأنصاري فقال يا خالد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تقتل من لقيت من الناس فاندفع خالد فقتل سبعين رجلا بمكة فجاء الى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من قريش فقال يا رسول الله هلكت قريش لا قريش بعد اليوم قال ولم قال هذا خالد بن الوليد لا يلقى أحدا من الناس إلا قتله قال ادع لي خالدا فدعاه له فقال يا خالد ألم أرسل اليك أن لا تقتل أحدا قال بل أرسلت أن اقتل من قدرت عليه قال صلى الله عليه وسلم ادع لي الأنصاري فدعاه له فقال أما أمرتك أن تأمر خالدا أن لا يقتل أحدا قال بلى ولكنك أردت أمرا وأراد الله غيره فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل للأنصاري شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كف عن الطلب قال قد فعلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى الله أمرا ثم قال كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر الى صلاة العصر وهي الساعة التي أحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
أي وهذه المقاتلة التي وقعت خالد رضي الله تعالى عنه لا تنافي كون مكة فتحت صلحا كما تقدم أي لأنه صلى الله عليه وسلم صالحهم بمر الظهران قبل دخول مكة
وأما قوله صلى الله عليه وسلم من دخل دار ابي سفيان فهو آمن ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل تحت لواء ابي رويحة فهو آمن فهو من زيادة الاحتياط لهم في الأمان
وقوله احصدوهم حصدا محمول على من أظهر من الكفار القتال ولم يقع قتال ومن ثم قتل خالد رضي الله تعالى عنه من قاتل من الكفار وإرادة على كرم الله وجهه قتل الرجلين اللذين أمنتهما أخته أم هاني كما سيأتي لعله تأول فيهما شيئا أو جرى منهما قتال له
____________________

وتأمين أم هانئ لهما من تأكيد الأمان الذي وقع للعموم فلا حجة في كل ما ذكر على أن مكة فتحت عنوة كما قاله الجمهور
وقيل اعلاها فتح صلحا أي الذي سلكه ابو هريرة والأنصار لعدم وجود المقاتلة فيه وأسفلها الذى سلكه خالد رضي الله عنه فتح عنوة لوجود المقاتلة فيه كما تقدم
ودخل صلى الله عليه وسلم مكة وهو راكب على ناقته القصواء أي مردفا اسامة ابن زيد بكرة يوم الجمعة معتجرا بشقة برد حبره حمراء واضعا رأسه الشريف على رحله تواضعا لله تعالى حين رأى ما رأى من فتح الله تعالى مكة وكثرة المسلمين ثم قال اللهم إن العيش عيش الآخرة
وقيل دخل صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه المغفر وقيل وعليه عمامة سوداء حرقانية قد أرخى طرفها بين كتفيه بغير إحرام ورايته سوداء ولواؤه أسود
وعن جابر رضي الله تعالى عنه كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يود دخل مكة أبيض وعن عائشة رضي الله تعالى عنها كان لواؤه يوم الفتح أبيض ورايته سوداء تسمى العقاب أي وهي التي كانت بخيير وتقدم انها كانت من برد عائشة
وعنها رضي الله تعالى عنها انها قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من كداء بفتح الكاف والمد والتنوين وهذا هو المعروف خلافا لما قال إنه دخل من أسفل مكة وهي ثنية كدى بضم الكاف والقصر والتنوين وسيأتى انه عند الخروج خرج صلى الله عليه وسلم من هذه وبهذا استدل أئمتنا على أنه يستحب دخول مكة من الأولى والخروج منها من الثانية أي واغتسل صلى الله عليه وسلم لدخول مكة كما حكاه إمامنا الشافعي رضي الله عنه في الأم وبه استدل على استحباب الغسل لداخل مكة ولو حلالا أي وسيأتى ذلك عن أم هانئ رضي الله تعالى عنها وأي وكن شعار المهاجرين يا بني عبد الرحمن وشعار الخزرج يا بني عبد الله وشعار الأوس يا بني عبيد الله أي شعارهم الذي يعرف به بعضهم بعضا في ظلمة الليل وعند اختلاط الحرب لو وجد
ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة واطمأن الناس قال وذلك بالحجون موضع ماغرز الزبير رضي الله تعالى عنه رايته صلى الله عليه وسلم عند شعب ابي طالب الذي حصرت فيه بنو هاشم أي وبنو المطلب قبل الهجرة بقبة من أدم نصبت له هناك
____________________

ومعه صلى الله عليه وسلم فيها أم سلمة وميمونة زوجتاه صلى الله عليه وسلم ورضى عنهما
فعن جابر رضي الله تعالى عنه لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيوت مكة وقف فحمد الله وأثنى عليه ونظر الى موضع قبته وقال هذا منزلنا يا جابر حيث تقاسمت قريش علينا قال جابر رضي الله تعالى عنه فذكرت حديثا كنت سمعته منه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بالمدينة منزلنا إذا فتح الله تعالى علينا مكة في خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر أي لان قريشا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حت يسلموا اليهم صلى الله عليه وسلم الى آخر ما تقدم في قصة الصحيفة انتهى وفيه أنه سيأتى في حجة الوادع أنهم تحالفوا بالمحصب
ففي البخاري عن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم النحر وهو بمنى نحن نازلون غدا بخيف بنى كنانة حيث تقاسموا على الكفر يعني بالمحصب وعن اسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما قال يا رسول الله أين تنزل غدا أتنزل في دارك فقال وهل ترك لنا عقيل من دار وتقدم ما يغني عن إعادته هنا فكان صلى الله عليه وسلم ياتي المسجد من الحجون لكل صلاة وكان دخوله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الاثنين
فقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين ووضع الحجر يوم الاثنين وخرج من مكة أي مهاجرا يوم الاثنين أي ودخل المدينة يوم الاثنين ونزلت عليه سورة المائدة يوم الاثنين
ثم سار صلى الله عليه وسلم وإلى جانبه ابو بكر رضي الله تعالى عنه يحادثه ويقرأ سورة الفتح حتى جاء البيت وطاف به سبعا على راحلته أي ومحمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه آخذ بزمامها ليستلم الحجر بمحجن في يده
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعلى الكعبة ثلاثمائة وستون صنما لكل حى من احياء العرب صنم قد شد ابليس أقدامها بالرصاص فجاء صلى الله عليه وسلم ومعه قضيب فجعل يهوى به الى كل صنم منها فيخر لوجهه وفي لفظ لقفاه وفي لفظ فما أشار لصنم من ناحية وجهه الا وقع لقفاه ولا اشار لقفاه الا وقع على وجهه من غير أن يمسه بما في يده يقول جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا حتى مر عليها كلها
____________________


وفي رواية فاقبل صلى الله عليه وسلم الى الحجر فاستمله ثم طاف بالبيت وفي يده قوس أخذ بسيته والسية ما انعظف من طرف القوس فأتى صلى الله عليه وسلم في طوافه على صنم الى جنب البيت أي من جهة بابه يعبدونه وهو هبل وكان أعظم الأصنام فجعل يطعن بها في عينيه ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا أي فأمر به صلى الله عليه وسلم فكسر فقال الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه لابي سفيان قد كسر هبل أما أنك قد كنت في يوم أحد في غرور حين تزعم أنه قد أنعم فقال ابو سفيان رضي الله تعالى عنه دع هذا عنك يا ابن العوام فقد أرى لو كان مع إله محمد صلى الله عليه وسلم غيره لكان غير ما كان أي وانتهى صلى الله عليه وسلم الى المقام وهو يؤمئذ لاصق بالكعبة
قال وعن على كرم الله وجهه قال انطلق بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا حتى أتى الكعبة فقال اجلس فجلست الى جنب الكعبة فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكبي ثم قال انهض فنهضت فلما رأى ضعفي تحته قال فجلست فجلسم ثم قال صلى الله عليه وسلم يا علي اصعد على منكبي ففعلت أي وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي كرم الله وجهه اصعد على منكبي واهدم الصنم فقال يا رسول الله بل اصعد أنت فإني أكرمك أن أعلوك فقال إنك لا تستطيع حمل ثقل النبوة فاصعد أنت فجلس النبي صلى الله عليه وسلم فصعد علي كرم الله وجهه على كاهله ثم نهض به قال علي فلما نهض بي فصعدت فوق ظهر الكعبة وتنحى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وخيل لي حين نهض بي أني لو شئت لنلت أفق السماء أي وفي رواية قيل لعلي كرم الله وججه كيف كان حالك وكيف وجدت نفسك حين كنت على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان من حالي أني لو شئت أن أتناول الثريا لفعلت وعند صعوده كرم الله وجهه قال له صلى الله عليه وسلم ألق صمنهم الأكبر وكان من نحاس أي وقيل من قوراير أي زجاج
وفي رواية لما ألقى الأصنام لم يبق الا صنم خزاعة موتدا بأوتاد من الحديد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عالجه فعالجته وهو يقول إيه إيه جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا فلم أزل اعالجه حتى استمكنت منه فقذفته فتكسر
____________________


أقول وهذا السياق يدل على أنه هذا الصنم غير هبل وأن هبل ليس أكبر أصنامهم بل هذا أكبر منه ولم أقف على اسمه
ومما يدل على أن الذي كسر هو هبل قول الزبير رضي الله تعالى عنه كما تقدم لأبي سفيان أن هبل الذي كنت تفتخر به يوم أحد قد كسر قال دعني ولا توبخني لو كان مع إله محمد إله آخر لكان الأمر غير ذلك
وفي الكشاف ألقاها جميعها وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من قوراير صفر فقال صلى الله عليه وسلم يا علي ارم به فحمله رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد فرمى به فكسره فجعل اهل مكة يتعجبون ويقولون ما رأينا أسحر من محمد
وفي خصائص العشرة صاحب الكشاف زيادة وهي ونزلت من فوق الكعبة وانطلقت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم نسعى وخشينا أن يرانا أحد من قريش هذا كلامه وهذا يدل على أن ذلك لم يكن يوم فتح مكة فليتأمل
وفي الكشاف أيضا كان حول البيت ثلاثمائة وستون صنما لكل قوم صنم بحيالهم
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كانت لقبائل العرب اصنام يحجون اليها ينحرون لها فشكا البيت الى ربه عز وجل فقال يا رب الى متى تعبد هذه الأصنام حولي دونك فأوحى الله تعالى الى البيت إني سأحدث لك نوبة جديدة فلأملؤك خدودا سجدا يدفون اليك دفيف النسور ويحنون اليك حنين الطير الى بيضها لهم عجيج حولك بالبيت هذا كلامه
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة أي بعد أن ارسل بلالا رضي الله تعالى عنه الى عثمان بن ابي طلحة بمفتاح الكعبة الى اخر ما سيأتى وبعد ان محيت منها الصور أي فإنه صلى الله عليه وسلم أمر عمر رضي الله تعالى عنه وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها وكان عمر رضي الله تعالى عنه قد ترك صورة ابراهيم فقال صلى الله عليه وسلم يا عمر ألم آمرك ان لا تترك فيها صورة قاتلهم الله حيث جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام وما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين هذا
وفي كلام سبط ابن الجوزي قال الواقدي رحمه الله امر رسول الله صلى الله عليه
____________________

وسلم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهما أن يقدما الى البيت وقال لعمر لا تدع صورة حتى تمحوها الا صورة ابراهيم هذا كلامه فليتأمل
وفي رواية عن اسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما قال دخلت علي صلى الله عليه وسلم في الكعبة فرأى صورا فدعا بدلو من ماء فأتيته به فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمحوها أي وتلك الصور هي صور الملائكة وصور ابراهيم واسمعيل في ايديهما الأزلام يستقسمان بها أي واسحاق وبقية الانبياء كما تقدم في بنيان قريش الكعبة وصورة مريم فقال قاتل الله قوما يصورون مالا يخلقون قاتلهم الله لقد علموا انهما لم يستقسما بالأزلام قط أي ولا منافاة لأنه يجوز أن يكون عمر رضي الله تعالى عنه ترك مع صورة ابراهيم صورة اسمعيل ومريم وصورة الملائكة ووجد صورة حمامة من عيدان بفتح العين المهملة وكسرها بيده ثم طرحها ودها بزعفران فلطخه بتلك التماثيل أي بموضعها وصلى بها ركعتين بين اسطوانتين وفي لفظ بين العمودين اليمانيين وفي لفظ المقدمين وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع انتهى
أي وفي الترمذي دخل صلى الله عليه وسلم البيت وكبر في نواحيه ولم يصل وفي رواية لمسلم دخل صلى الله عليه وسلم هو وأسامه بن زيد وبلال وعثمان بن ابي طلحة زاد في رواية والفضل بن العباس قال الحافظ ابن حجر وفي رواية شاذة فأغلقوا عليهم الباب وفي لفظ آخر فأغلقا أي عثمان وبلال فأجاف أي أغلق عليهم عثمان الباب وجمع بان عثمان هو المباشر لذلك لأنه من وظيفته وبلال رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنه كان مساعدا له في الغلق
أي ولما دخلوا كان خالد بن الوليد يذب الناس وهو واقف على باب الكعبة قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فلما فتحوا كنت اول من ولج فلقيت بلالا فسألته هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم وذهب عني أن أسأله كم صلى وهذا يدل على أن قول بلال رضي الله تعالى عنه إنه صلى الله عليه وسلم أتى بالصلاة المعهودة لا الدعاء كما ادعاه بعضهم
وفي كلام السهيلى في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه صلى فيها ركعتين وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال اخبرني أسامة بن زيد انه صلى الله عليه وسلم لمل دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج فلما خرج ركع في قبل البيت
____________________

ركعتين أي بين الباب والحجر الذي هو الملتزم وقال هذه القبلة فبلال رضي الله تعالى عنه مثبت للصلاة في الكعبة واسامة رضي الله تعالى عنه ناف والمثبت مقدم على النافي على أنه جاء أن اسامة رضي الله تعالى عنه أخبر أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة
وأجيب بأن اسامة حيث أثبت اعتمد قول بلال وحيث نفى أعتمد ما عنده أي وفي مجمع الزوائد للحافظ الهيتمى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعلبة فصلى بين الساريتين ركعتين ثم خرج فصلى بين الباب والحجر ركعتين ثم قال هذه القبلة ثم دخل صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فقام يدعو ولم يصل فالنقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما اختلف وسبب الاختلاف تعدد دخوله صلى الله عليه وسلم ففي المرة الأولى دخل وصلى وفي المرة الثانية دخل ولم يصل وهذا السياق يدل على ان ذلك كان يوم الفتح
وفي كلام بعضهم رواية ابن عباس ورواية بلال رضي الله تعالى عنهم صحيحتان لأنه صلى الله عليه وسلم دخلها يوم النحر فلم يصل ودخلها من الغد فصلى وذلك في حجة الوداع هذا كلامه فليتأمل أي ثم أنه صلى الله عليه وسلم جاء الى مقام ابراهيم وكان لاصقا بالكعبة فصلى ركعتين ثم أخره على ما تقدم ودعا صلى الله عليه وسلم بماء فشرب منه وتوضأ
وفي لفظ ثم انصرف صلى الله عليه وسلم الى زمزم فاطلع فيها وقال لولا أن تغلب بنو عبد المطلب أي يغلبهم الناس على وظيفتهم وهي النزع من زمزم لنزعت منها دلوا أي فإن الناس يقتدون به صلى الله عليه وسلم في ذلك مع أن النزع من وظيفته بني عبد المطلب وانتزع له العباس رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنه دلوا فشرب منه وتوضأ فابتدر المسلمون يصبون على وجوههم
وفي لفظ لا تسقط الا في يد انسان إن كان قدر ما يشر بها شربها والا مسح بها جلده والمشركون يقولون ما راينا ولا سمعنا ملكا قط بلغ هذا
ولما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد أي والناس حوله خرج ابو بكر وجاء بأبيه رضي الله تعالى عنهما يقوده وقد كان كف بصره فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه وفي لفظ لو أقررت الشيخ
____________________

في بيته لأتيناه تكرمة لابي بكر فقال ابو بكر يا رسول الله أحق أن يمشي اليك من أن تمشي أنت إليه فأجلسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال أسلم تسلم فأسلم رضي الله تعالى عنه وهنأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر بإسلام ابيه رضي الله تعالى عنهما أي وعند ذلك قال ابو بكر رضي الله تعالى عنه للنبي صلى الله عليه وسلم والذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب كان أقر لعينى من إسلامه يعني اباه أبا قحافه وذلك أن اسلام ابي طالب كان أقر لعينك كذا في الشفاء وكان رأس ابي قحافة ولحيته بيضاء كالثغامة فقال غيروهما وجنبوهما السواد أي وفي رواية واجتنبوا السواد وجاء غيروا الشيب ولا تشبهووا باليهود والنصارى وفي رواية اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم وجاء إن احسن ما غيرتهم به هذا الشيب الحناء والكتم وعن أنس رضي الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خصب بالحناء والكتم قال ابن عبد البر رحمه الله والصحيح أنه رضى الله عليه وسلم لم يخضب ولم يبلغ من الشيب ما يخضب له وقد اختضب ابو بكر رضي الله تعالى عنه عنه بالحناء والكتم واختضب عمر رضي الله تعالى عنه بالحناء وجاء يا معشر الانصار حمروا أو صفروا وخالفوا اهل الكتاب وكان عثمان رضي الله تعالى عنه يصفر وعن انس رضي الله تعالى عنه دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابيض الراس واللحية فقال ألست مؤمنا قال بلى قال فاختضب لكن قيل انه حديث منكر وجاء من اختضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة قيل إنه حديث منكر وحاء يكون آخر الزمان رجال من أمتي يغيرون بالسواد لا ينظر الله اليهم يوم القيامة قيل هو غريب جدا
قال بعضهم ولعل من خضب بالسواد من الصابة رضي الله تعالى عنهم كسعد ابن ابي وقاص والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم أي وعقبة بن عامر المدفون بمصر قال بعضهم ليس بمصر قبر صحابي متفق عليه الا قبر عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه فإن كان تخضب بالسواد وهو القائل في ذلك ** تسود أعلاها وتأبى أصولها ** ولا خير في الاعلى إذا فسد الأصل **
وكان واليا على مصر من جهة معاوية رضي الله تعالى عنه فعزله بمسلمة بن مخلد وامره بالغزو في البحر
____________________


وكان عقبة رضي الله تعالى عنه يقول ما أنصفنا معاوية عزلنا وغر بنا لم يبلغهم النهى أو فهموا أن النهى للكراهة
وقد جاء اول من جزع من الشيب ابرهيم عليه الصلاة والسلام حين رآه في عارضه فقال عليه الصلاة والسلام يا رب ما هذه الشوهة التي شوهت بخليلك فأوحى الله اليه هذا سربال الوقار ونور الاسلام وعزتي وجلالي ما ألبسته احدا من خلقي يشهد ان لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي إلا استحيت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا وانشر له ديوانا أو أعذبه بالنار فقال يا رب زدني فأصبح رأسه مثل الثغامة البيضاء وفي المشكاة قال صلى الله عليه وسلم يكون في أخر الزمان قوم يخضبون بهذا السواد لا يجدون رائحة الجنة رواه أبو داود والنسائي أي وفي كلام ابن الجوزي رحمه الله أول من خضب بالسواد فرعون ومن أهل مكة أي من العرب عبد المطلب بن هاشم وعن عمر رضي الله تعالى عنه اخضبوا بالسواد فإنه أنكى للعدو واحب للنساء فليتأمل
وكان لأبي بكر رضي الله تعالى عنه أخت صغيرة في عنقها طوق من فضة اقتعله إنسان من عنقها فأخذ ابو بكر رضي الله تعالى عنه بيد اخته وقال انشدتكم بالله وبالإسلام طوق اختي فما اجابه احد ثم قال الثانية والثالثة فما اجابه احد فقال رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنه يا أختاه احتسبي طوقك فوالله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل قال بعضهم ولم يعش لابي قحافة رضي الله تعالى عنه ولد ذكر الا ابو بكر ولا يعرف له بنت الا ام فروة التي أنكحها ابو بكر من الأشعث بن قيس وكانت قبلة تحت تميم الدارى وهي هذه المذكورة هنا
وقيل كان له بنت اخرى تمسى عريبة وعليه فيحتمل ان تكون هي المذكورة هنا وتقدم اسلام ابي ابي بكر رضي الله تعالى عنهما لما كان المسلمون في دار الأرقم وامه بنت عم ابيه قال بعضهم لم يكن احد من الصحابة المهاجرين والانصار أسلم هو ووالداه وجميع ابنائه وبناته غير أبي بكر وبنوه ثلاثة عبد الله وهو اكبرهم مات أول خلافة والده وعبد الرحمن ومحمد رضي الله تعالى عنهم ولد محمد في حجة الوداع وهو المقتول بمصر وبناته ثلاثة أيضا أسماء وهي أكبرهن وهي شقيقة عبد الله وعائشة وهي شقيقة عبد الرحمن وأم كلثوم رضي عنه الله تعالى عنهم وعنهن
مات ابو بكر رضي الله تعالى عنه وهي ببطن امها وقد انزل الله تعالى في حقه { رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي }
____________________

الآيات قال بعضهم لا يعرف في الصحابة اربعة اسلموا وصحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وكل واحد أبو الذي بعده الا في بيت أبي بكر رضي الله تعالى عنه ابو قحافة وابنه ابو بكر وابنه عبد الرحمن وابن عبد الرحمن محمد ويكنى بأبي عتيق
أي وقد قيل إن قيل هل تعرفون أربعة رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في نسق أي من الذكور كل ابن الذي قبله اجيب بأنهم هؤلاء الاربعة ابو قحافة وابنه ابو بكر وابنه عبد الرحمن وابن عبد الرحمن محمد وبقولنا من الذكور لا يرد ما أورد على ذلك ان هذا يصدق على أبي قحافة وابنه ابي بكر وبنته اسماء وابنها عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم نعم يرد على ذلك حارثه ابو زيد فإنه أسلم على ما ذكره الحافظ المنذري ورأى النبي صلى الله عليه وسلم بعد اسلامه وابنه زيد بن حارثه وابنه اسامة بن زيد وجاء أسامة بولد في حياته صلى الله عليه وسلم أي ويحتاج الى اثبات كونه صلى الله عليه وسلم رأى ذلك المولود الى أن يقال كان من شانهم إذا ولد لأحدهم مولود جاء به الى النبي صلى الله عليه وسلم فيحنكه ويسميه خصوصا وهذا المولود ابن حب الحب ولم أقف على اسم هذا المولود فليراجع في اسماء الصحابة
وحينئذ يقال لأجل عدم ورود من ذكر ليس لنا اربعة ذكور معروفة أسماؤهم بعد الوقوف على اسم ذلك المولود يقال لأجل عدم الورود ليس لنا اربعة ليسوا من الموالي الا ابو قحافة وابنة ابو بكر وابن ابي بكر عبد الرحمن وابن عبدالرحمن محمدا أبو عتيق فليتأمل
لا يقال هذا موجود في غير بيت الصديق فقد ذكروا في الصحابة اربعة كذلك أي ذكور كل واحد أبو الذي بعده عرفت اسماؤهم وليس فيهم مولى وهم اياس ابن سلمة بن عمرو بن لال
لأنا نقول المراد المتفق على صحبتهم وهؤلاء لم يقع الاتفاق على صحبتهم
ومن الفوائد المستحسنة أنه ليس في الصحابة قال بعضهم بل ولا في التابعين من اسمه عبد الرحيم وثلاثة ذكور ادركوا النبي صلى الله عليه وسلم على نسق وهم السائب والد إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه وابوه عبيد وجده عبد يزيد
ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فعلاه حيث ينظر الى البيت فرفع يديه فجعل يذكر بما شاء ان يذكره ويدعوه والأنصار تحته قال بعضهم لبعض أما
____________________

الرجل فأدركته رغبة في قربته ورأفة بعشيرته فنزل الوحي عليه صلى الله عليه وسلم بما ذكر القوم فلما قضى الوحي رفع صلى الله عليه وسلم رأسه قال يا معشر الأنصار قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قرابته ورأفة بعشيرته قالوا قلنا ذلك يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم فما اسمى إذن أي إن فعلت ذلك كيف اسمى وأوصف باني عبد الله ورسوله كلا لا أفعل ذلك إني عبد الله ورسوله أي ومن كان هذا وصفه لا يفعل ذلك هاجرت إلى الله واليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم فأقبلوا اليه صلى الله عليه وسلم يبكون ويقولون والله ما قلنا الذي قلنا الا الضن أي البخل بالله وبرسوله أي لا نسمح أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير بلدتنا يعنون المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله ورسوله يعذرانكم ويصدقانكم
وفي رواية ان الانصار رضي الله تعالى عنهم قالوا فيما بينهم أترون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فتح الله أرضه وبلده يقيم بهما فلما فرغ صلى الله عليه وسلم من دعائه قال ماذا قلتم قالوا لا شيء يا رسول الله فلم يزل بهم حتى اخبروه فقال صلى الله عليه وسلم معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم
اي وتقدم له صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة نظير ذلك وهو أن الأنصار قالوا يا رسول الله هل عسيت ان نحن نصرناك واظهرك الله ان ترجع الى قومك وتدعنا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بل الدم الدم والهدم الهدم
وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بقتل عبد الله بن أبى سرح لأنه كان أسلم قبل الفتح وكان يكتب لرسول الله الوحي وكان صلى الله عليه وسلم إذا أملى عليه سميعا بصيرا كتب عليما حكيما وإذا أملى عليه حكيما كتب غفورا رحيما وكان يفعل مثل هذه الخيانات حتى صدر عنه أنه قال إن محمدا لا يعلم ما يقول فلما ظهرت خيانته لم يستطع أن يقيم بالمدينة فارتد وهرب الى مكة وقيل إنه لما كتب { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } الى قوله { ثم أنشأناه خلقا آخر } تعجب من تفصيل خلق الإنسان فنطق بقوله { فتبارك الله أحسن الخالقين } قبل إملائه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب ذلك هكذا أنزلت فقال عبد الله إن كان محمد نبيا يوحى اليه فأنا نبي يوحى إلي فارتد ولحق بمكة فقال لقريش إني كنت أصرف محمدا كيف شئت كان يملى على عزيز حكيم فأقول او عليم حكيم فيقول نعم كل صواب وكل
____________________

ما أقوله يقول اكتب هكذا نزلت فلما كان يوم الفتح وعلم باهدار النبي صلى الله عليه وسلم دمه لجأ الى عثمان بن عفان أخيه من الرضاعة فقال له يا أخي استأمن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يضرب عنقي فغيبه رضي الله تعالى عنه حتى هدأ الناس واطمأونا فاستأمن له ثم أتى به الى النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه النبي فصار عثمان رضي الله تعالى عنه يقول يا رسول الله أمنته والنبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ثم قال نعم فبسط يده فبايعه فلما خرج عثمان وعبد الله قال لمن حوله أعرضت عنه مرارا ليقوم اليه بعضكم فيضرب عنقه وقال صلى الله عليه وسلم لعباد بن بشر وكان نذر إن رأى عبد الله قتله أي وقد أخذ بقائم السيف ينتظر النبي صلى الله عليه وسلم يشير اليه ان يقتله فقال له صلى الله عليه وسلم انتظرتك أن تفي بنذرك قال يا رسول الله خفتك أفلا أومضت الي فقال إنه ليس لنبي ان يومض وفي رواية الإيماء خيانة ليس لنبي ان يومى وفي رواية لا ينبغي لنبي ان تكون له خائنة الأعين أي وهذا يدل على أن خائنة الأعين والايماء بالعيون أي ان يومىء بطرفه خلاف ما يظهره بكلامه وهو اللمز هذا
وقيل إنه أسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران وصار يستحى من مقابلته صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم لعثمان أما بايعته وأمنته قال بلى ولكن يذكر جرمه القديم فيستحي منك قال الإسلام يجب ما قبله وأخبره عثمان رضي الله تعالى عنه بذلك ومع ذلك فصار إذا جاء جماعة للنبي صلى الله عليه وسلم يجيء معهم ولا يجيء اليه منفردا
وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بقتل ابن خطل لأنه كان مما أسلم أي قدم المدينة قبل فتح مكة وأسلم وكان اسمه عبد العزي فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخذ الصدقة وأرسل معه رجلا من الأنصار يخدمه وفي لفظ كان معه مولى يخدمه وكان مسلما فنزل منزلا وأمره أن يذبح له تيسا ويصنع له طعاما ونام ثم استيقظ فلم يجده صنع له شيئا وهو نائم فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا وكان شاعرا يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعره وكانت له قينتان تغنيانه بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يصنعه
وقد قيل إنه ركب فرسه لابسا للحديد وأخذ بيده قناة وصار يقسم لا يدخلها محمد عنوة فلما رأى خيل الله دخله الرعب فانطلق الى الكعبة فنزل عن فرسه والقى سلاحه
____________________

ودخل تحت استارها فأخذ رجل سلاحه وركب فرسه ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون وأخبره خبره فأمر بقتله
وقيل لما طاف صلى الله عليه وسلم بالكعبة قيل هذا ابن خطل معلقا بأستار الكعبة فقال اقتلوه فإن الكعبة لا تعيذ عاصيا ولا تمنع من إقامة حد واجب أي فقتله سعد ابن حريث وأبو برزة
وقيل قتله الزبير رضي الله عنه وقيل سعدبن ذؤيب وقيل سعد بن زيد قال في النور والظاهر اشتاركهم فيه جميعا جمعا بين الأقوال
وأمر صلى الله عليه وسلم بقتل قينتيه فقتلت إحداهما واستؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم للأخرى فأمنها وأسلمت
والحويرث بن نقيذ وانما أمر صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه كان يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ويعظم القول في أذيته وينشد الهجاء وكان العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنه حمل فاطمة وأم كلثوم بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة يريد بهما المدينة فنخس الحويرث البعير الحامل لهما فرمى به الأرض قتله علي بن ابي طالب كرم الله وجهه في ذلك اليوم وقد خرج يريد أن يهرب
ومقيس بن ضبابة إنما أمر بقتله لأنه كان قد أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما طالبا لدية اخيه هشام بن ضبابة رضي الله عنه قتله رجل من الأنصار في غزوة ذي قرد خطأ يظنه من العدو ودفع له النبي صلى الله عليه وسلم دية أخيه ثم إنه عدا على الأنصاري قاتل أخيه فقتله بعد أن أخذ دية اخيه ثم لحق بمكة مرتدا كما تقدم قتله ابن عمه ثميلة بن عبد الله الليثي أي بعد أن اخبر ثميله بأن مقيسا مع جماعة من كبار قريش يشربون الخمر فذهب اليه فقتله بردم بني جمح وقيل قتل وهو معلق بأستار الكعبة
وأما هبار بن الأسود رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه كان عرض لزينب بنت رسول الله في سفهاء من قريش حين بعث بها زوجها ابو العاص الى المدينة فأهوى اليها هبار ونخس بعيرها
وفي رواية ضربها بالرمح فسقطت من على الجمل على صخرة أي وكانت حاملا فألقت ما في بطنها وأهراقت الدماء ولم يزل بها مرضها ذلك حتى ماتت كما تقدم فقال
____________________

النبي صلى الله عليه وسلم إن لقيتم هبارا فأحرقوه ثم قال إنما يعذب بالنار رب النار ان ظفرتم به فاقطعوا يده ورجله ثم اقتلوه فلم يوجد يوم الفتح ثم أسلم بعد ذلك وحسن اسلامه ويذكر أنه لما أسلم وقدم المدينة مهاجرا جعلوا يسبونه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال سب من سبك فانتهوا عنه وهذا السياق يدل على إنه أسلم قبل أن يذهب الى المدينة
وفي لفظ ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة جاء هبار رافعا صوته وقال يا محمد أنا جئت مقرا بالإسلام وأنا اشهد أن لا إله الا الله وان محمدا عبده ورسوله واعتذر اليه أي قال له صلى الله عليه وسلم بعد أن وقف عليه وقال السلام عليك يا نبي الله لقد هربت منك في البلاد فأردت اللحوق بالاعاجم ثم ذكرت عائدتك وفضلك في صفحك عمن جهل عليك وكنا يا بنى الله أهل شرك فهدانا الله بك وانقذنا بك من الهلكة فاصفح عن جهلي وعما كان مني فإني مقر بسوء فعلي معترف بذنبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا هبار عفوت عنك وقد احسن الله اليك حيث هداك الى الإسلام والإسلام يجب ما كان قبله
وقوله مهاجرا فيه أنه لا هجرة بعد فتح مكة الا ان يقال هي مجاز عن مجرد الانتقال عن محل الى اخر اخذا مما يأتى إن شاء الله في عكرمة
وأما عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه فإنه صلى الله عليه وسلم إنما امر بقتله لأنه كان أشد الناس هو وأبوه أذية للنبي صلى الله عليه وسلم وكان اشد الناس على المسلمين ولما بلغه ان النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دمه فر الى اليمن فاتبعته امرأته بنت عمه ام حكيم بنت الحارث بن هشام بعد ان اسلمت فوجدته في ساحل البحر يريد ان يركب السفينة وقيل وجدته في السفينة فردته أي بعد أن قالت له يا ابن عم جئتك من عند اوصل الناس وأبر الناس وخير الناس لا تهلك نفسك فقد أستأمنت لك فجاء معها فأسلم وحسن إسلامه أي بعد أن قال يا محمد هذه يعني زوجتي أخبرتني أنك امنتنى قال صدقت إنك آمن فقال عكرمة أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبد ورسوله وطأطأ رأسه من الحياء فقال له صلى الله عليه وسلم يا عكرمة ما تسألني شيئا أقدر عليه الا اعطيتكه قال استغفر لي كل عداوة عاديتكها فقال صلى الله عليه وسلم اللهم إغفر لعكرمة كل عداوة عادانيها أو منطق تكلم به أي ولما قدم عليه صلى الله عليه وسلم وثب صلى الله
____________________

عليه وسلم إليه قائما فرحا به أي ورمى صلى الله عليه وسلم رداءه وقال مرحبا بمن جاء مؤمنا مهاجرا وكان بعد ذلك من فضلاء الصحابة
وفي بهجة المجالس في أنس الجالس لابن عبد البر رحمة الله انه صلى الله عليه وسلم رأى في منامه أنه دخل الجنة ورأى فيها فأعجبه وقال لمن هذا فقيل لأبي جهل فشق ذلك عليه وقال لا يدخلها الا نفس مؤمنة فلما جاءه عكرمة ابن أبي جهل مسلما فرح به وأول ذلك العذق لعكرمة والعكرمة الأنثى من الحمير واستدل بذلك على تأخر الرؤيا وأنها تكون لغير من ترى له قال وصار عكرمة قبل إسلامه يطلب امرأته أم حكيم يجامعها فتأبى وتقول أنت كافر وأنا مسلمة والإسلام حائل بيني وبينك فقال إن أمرا منعك عني لأمر كبير أي ولما قتل عكرمة رضي الله عنه في اليرموك في قتال الروم وانقضت عدتها تزوجها خالد بن سعيد واراد ان يدخل بها فجعلت تقول له لو أخرت الدخول حتى يفض الله هذه الجموع يعني الروم فقال خالد إن نفسي تحدثني أن اصاب في جموعهم قالت فدونك فدخل بها في خيمته فما أصبح الصبح الا والروم قد اصطفت فخرج خالد رضي الله عنه فقاتل حتى قتل فشدت أم حكيم عليها ثيابها وأخذت عمود الخيمة التي دخل بها خالد فيها فقتلت بها اسبعة من الروم وقال صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم عليه عكرمة ابن أبي جهل رضي الله عنه يأتيكم عكرمة مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يحلق الميت أنتهى أي وفي رواية لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا الى ما قدموا وفي أخرى لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء وفي أخرى اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم
وجاء أنه شكا اليه صلى الله عليه وسلم قولهم عكرمة بن ابي جهل فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لا تؤذوا الاحياء بسبب الأموات وقد كان قبل إسلامه بارز رجلا من المسلمين فقتله فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال له بعض الانصار ما أضحكك يا رسول الله وقد فجعنا بصابنا فقال أضحكني انهما في درجة واحدة في الجنة ومن ثم قتل عكرمة شهيدا في قتال الروم في وقعة اليرموك كما مر
وسارة رضي الله عنه فإنها أسلمت وإنما امر صلى الله عليه وسلم بقتلها لأنها كانت مغنية بمكة وكانت تغني بهجائه صلى الله عليه وسلم وهي التي وجد معها كتاب
____________________

حاطب وقد استؤمن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنها وأسلمت كما تقدم
والحارث بن هشام وزهير بن أمية استجارا بام هانئ بنت ابي طالب أخت علي بن ابي طالب كرم الله وجهه شقيقته ولم تكن أسلمت إذ ذاك فأراد على قتلهما
فعنها رضي الله عنه أنها قالت لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فر الى رجلان من أحمائي أي من أقارب زوجها هبيرة بن ابي وهب مستجيران بي فأجرتهما وذكر الأزرقي بدل زهير بن أمية عبد الله بن ابي ربيعة فدخل على أخي علي بن ابي طالب فقال والله لاقتلنهما أي وقال تجيري المشركين فحلت بينه وبينهما فخرج فأغلقت عليهما بيتي ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فوجدته يغتسل من جفنة فيها أثر العجين وفاطمة ابنته تستره بثوب فسلمت عليه فقال من هذه فقلت ام هانئ بنت ابي طالب فقال مرحبا بأم هانئ وفي الرواية الأولى فلما اغتسل أخذ ثوبه وتوشح به ثم صلى الله عليه وسلم ثماني ركعات من الضحى ثم أقبل على فقال مرحبا وأهلا بأم هانيء ما جاء بك فأخبرته الحديث فقال أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت فلا تقتلهما وفي البخاري أيضا أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل في بيتها ثم صلى الضحى ثمان ركعات أي ولما ذكر ذلك لابن عباس رضي الله عنه الله عنهما قال إني كنت أمر على هذه الآية يسبحن بالعشي والإشراق فأقول أي صلاة صلاة الإشراق فهذه صلاة الإشراق وفي لفظ ما عرفت صلاة الإشراق الا الساعة وهذا يدل لما أفتى به والد شيخنا الرملي رحمهما الله تعالى أن صلاة الضحى صلاة الإشراق خلافا لما في العباب من أنها غيرها ويحتج للجمع بين هذه الرواية والتي قبلها على ثبوت صحتهما وبهذه الواقعة قال المحاملي من أئمتنا في كتابه اللباب الذي هو أصل التنقيح الذي هو اصل التحرير ومن دخل مكة وأراد ان يصلي الضحى أول يوم اغتسل وصلاها كما فعله عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة وبه ألغز فقيل شخص يستحب له الاغتسال لصلاة الضحى في مكان خاص
وعن عائشة رضي الله عنهما ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط وإني لأسبحها أي أصليها
وعن عبد الرحمن بن ابي ليلى رحمه الله ما اخبرني احد انه راى النبي صلى الله عليه
____________________

وسلم يلصى الضحى الا ام هانئ وهذا ينازع فيه ما يأتي أن صلاة الضحى مما اختص بوجوبها صلى الله عليه وسلم
وأسلمت ام هانئ ذلك اليوم الذي هو يوم الفتح أو وجاء انه صلى الله عليه وسلم قال لها هل عندك من طعام نأكله قالت ليس عندي الا كسر يابسة وأنا استحي ان اقدمها إليك فقال هلمي بهن فكسرهن في ماء وجاءت بملح فقال هل من آدم فقالت ما عندي يا رسول الله إلا شيء من خل فقال هلميه فصبه على الكسر وأكل منه ثم حمد الله ثم قال نعم الآدم الخل يا أم هانئ لا يقفر بيت فيه خل
أي وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم سأل أهله الادام فقالوا ما عندنا الا الخل فدعا به فجعل يأكل به ويقول نعم الآدم الخل وفي الحديث عن جابر رضي الله تعالى عنهما مرفوعا إن الله يوكل بآكل الخل ملكين يستغفران له حتى يفرغ وجاء نعم الادم الخل اللهم بارك في الخل فإنه كان إدام الانبياء قبلي ولم يقفر بيت فيه خل
وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ذات يوم الى بعض حجر نسائه فدخل ثم أذن لي فدخلت فقال هل من غداء فقالوا نعم فأتى بثلاثة اقرصة فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرصا فوضعه بين يديه وأخذ قرصا فوضعه بين يدي ثم أخذ الثالث فكسره فجعل نصفه بين يديه ونصفه بين يدي ثم قال صلى الله عليه وسلم هل من أدم فقالوا لا إلا شيء من خل قال هاتوه فنعم الأدم الخل وفي رواية فإن الخل نعم الإدام قال جابر رضي الله تعالى عنه فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم ما زلت احب الخل منذ سمعتها من جابر
وصفوان بن أمية استأمن له عمير بن وهب أي قال له يا نبي الله إن صفوان سيد قومي قد هرب ليقذفن نفسه في البحر فأمنه فإنك أمنت الأحمر والأسود فقال صلى الله عليه وسلم أدرك ابن عمك فهو آمن فقال أعطني أيه يعرف بها أمانك فأعطى صلى الله عليه وسلم لعمير عمامته التي دخل بها مكة أي وفي لفظ أعطاه برده أي بعد أن طلب من العود فقال لا اعود معك الا ان تأتيني بعلامة أعرفها فقال امكث مكانك حتى آتيك به فلحقه عمير وهو يريد أن يركب البحر فرده أي بعد أن قال له اعزب عني لا تكلمني فقال أي صفوان فداك أبي وأمي جئنك من عند أفضل
____________________

الناس وأبر الناس وأحلم الناس وخير الناس وابن عمك عزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك قال إني أخافه على نفسي قال هو أحلم من ذلك وأكرم فرجع معه حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن هذا يزعم أنك أمنتني قال صدق فقال يا رسول الله أمهلني بالخيار شهرين فقال أنت بالخيار أربعة أشهر أى ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم الى حنين ولما فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمها أي بالجعرانة رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمق شعبا ملآنا نعما وشاء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبك هذا قال نعم قال هو لك وما فه فقبض صفوان ما في الشعب وقال ما طابت نفس أحد بمثل هذا الا نبي فأسلم كما سيأتي
وهند امرأة أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما فإنها اسلمت بعد وانما امر صلى الله عليه وسلم بقتلها لأنها مثلت بعمه حمزة رضي الله تعالى عنه يوم احد ولاكت قلبه كما تقدم
وكعب بن زهير رضي الله تعالى عنه فأنه اسلم بعد وأنما امر صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه كان ممن يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم
ووحشي رضى الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد وانما أمر صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه قتل عمه حمزة رضي الله تعالى عنه يوم احد وكانت الصحابة احرص شيء على قتله ففر الى الطائف وقد قدمنا اسلامه استطرادا
قال وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يوم الفتح على الصفا يبايع الناس فجاءه الكبار والصغار والرجال والنساء يبايعهم على الاسلام أي على شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ودخل الناس في دين الله افواجا أفواجا
أي وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل فأخذته الرعدة فقال له صلى الله عليه وسلم هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريس كانت تأكل القديد
أي وكان من جملة من بايعه النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما فعن معاوية رضي الله تعالى عنه لما كان عام الحديبية وقع الإسلام في قلبي فذكرت ذلك لأمي فقالت إياك ان تخالف إياك فيقطع عنك القوت فاسلمت وأخفيت إسلامي فقال لي يوما ابو سفيان وكأنه شعر بإسلامي اخوك خير منك هو على ديني فلما كان عام الفتح أظهرت اسلامي ولقيته صلى الله عليه وسلم
____________________

فرحب بي كتبت له أي بعد أن استشار فيه جبريل عليه الصلاة والسلام فقال استكتبه فإنه أمين وأردفه النبي صلى الله عليه وسلم يوما خلفه فقال ما يليني منك قلت بطني قال اللهم املأه حلما وعلما
وعن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لمعاوية اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب زاد في رواية ومكن له في البلاد
وعن بعض الصحابة انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لمعاوية يقول اللهم اجعله هاديا مهديا واهده واهد به ولا تعذبه
وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوما لمعاوية يا معاوية أنت مني وأنا منك لتزاحمني على باب الجنة كهاتين واشار باصبعية الوسطى والتي تليها ويذكر أنه كان عنده قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم وإزاره ورداؤه وشيء من شعره فقال عند موته كفنوني في القميص وادرجوني في الرداء وأزروني بالإزار واحشوا منخري وشدقي من الشعر وخلوا بيني وبين ارحم الراحمين
وقد بشر بمعاوية رضي الله تعالى عنه بعض كهان اليمن وسبب ذلك أن امه هند كانت قبل ابيه ابي سفيان عند الفاكه بن المغيرة المخزومي وكان الفاكه من فتيان قريش وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس من غير إذن فخلا ذلك البيت يوما من الضيفان فاضطجع الفاكه وهند فيه في وقت القائلة ثم خرج وكان الفاكه لبعض حاجته وأقبل رجل كان يغشاه فولج البيت فلما رأى المرأة التي هي هند ولي هاربا وأبصره الفاكه وهو خارج من البيت فاقبل الى هند فضربها برجله وقال لها من هذا الذي كان عندك قالت ما رأيت رجلا ولا انتبهت حتى أيقظتني فقال لها الحقي بأبيك وتكلم فيها الناس فقال لها ابوها عتبة يا بنية ان الناس قد اكثروا فيك فأنبئيني نبأك فإن كان الرجل عليك صادقا دسست اليه من يقتله فنقطع عنك المقالة وإن يك كاذبا حاكمته الى بعض كهان اليمن فحلفت له أنه لكاذب عليها فقال عتبة للفاكه يا هذا انك قد رميت ابنتي بامر عظيم فحاكمني الى بعض كهان اليمن فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم وخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف وخرجوا معهم بهند ونسوة معها فلما شارفوا البلاد وقالوا عدا نرد على الكاهن الفلاني تنكرت حالة هند وتغير وجهها فقال لها
____________________

ابوها إني قد أرى ما بك من تنكر الحال وما ذاك الا لمكروه عندك كان هذا قبل أن يشهد الناس مسيرنا قالت لا والله يا أبتاه ما ذاك لمكروه عندي ولكني اعرف انكم تأتون بشرا يخطئ ويصيب ولا آمنة أن يسمنى ميسما يكون على سبة في العرب قال إني سوف اختبره من قبل ان ينظر في أمرك فصفر بفرس حتى أدلى ثم أخذ حبة من حنطة فأدخلها في إحليله وأوكأ عليها بسير فلما وردوا على الكاهن أكرمهم ونحر لهم فلما تغذوا قال له عتبة إنا قد جئناك في أمر وإني قد خبأت لك خباء اختبرك به فانظر ما هو قال سمرة في كمرة قال اريد أبين من هذا قال حبة بر في إحليل مهر قال صدقت انظر في أمر هذه النسوة فجعل يدنو من احداهن فيضرب كتفها ويقول انهضي حتى دنا من هند فضرب كتفها وقال انهضي غير وسخاء ولا زانية ولتلدن ملكا يقال له معاوية فوثب اليها الفاكه فأخذ بيدها فنثرت يدها من يده وقالت اليك عني فوالله لاحرصن على ان يكون من غيرك فتزوجها ابو سفيان فجاءت منه بمعاوية رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنهم وقد قال له صلى الله عليه وسلم يا معاوية إذا ملكت فأحسن وفي رواية إذا ملكت من أمرأمتي شيئا فاتق الله واعدل
ويؤثر عنه رضي الله تعالى عنه أنه لما حضرته الوفاة قال اللهم ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي اللهم أقل عثرتي واغفر زلتي وعد بحلمك على من لا يرجوا غيرك ولم يثق بأحد سواك ثم بكى رضي الله تعالى عنه حتى علا نحيبه
كتب الى عائشة رضي الله تعالى عنها اكتبي لي كتابا توصيني فيه ولا تكثري فكتبت اليه من عائشة الى معاوية سلام عليك أما بعد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله الى الناس ومن التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس والسلام وكتبت اليه رضي الله تعالى عنها مرة اخرى اما بعد فاتق الله فإنك اذا اتقيت الله كفاك الناس وإذا اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئا والسلام
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال بايع النساء وفيهن هند بنت عتبة امرأة ابي سفيا رضي الله تعالى عنه متنقبة متنكرة خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنين من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهن بايعنني على ان لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن أي وذلك إسقاط الأجنة زاد في لفظ ولا
____________________

تلحقن بأزواجكن غير اولادهم أي ولا تقعدن مع الرجال في خلاء أي لا تجتمع امرأة مع رجل في خلوة ولا تأتين ببهتان تفترينه بين ايديكن وارجلكن قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما البهتان ان تلحق بزوجها ولدا ليس منه أي ولا يغني عنه الزنا كما ان ذلك لا يغني عن الزنا وقد تحبل ولا يلحقه بأحد ولا تعصين في معروف وجاء أن بعض النسوة قالت ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعطيك فيه قال لا تصحن أي وفي لفظ لا تنحن ولا تخمشن وجها ولا تنشرن شعرا وفي لفظ ولا تحلقن شعرا ولا تحرقن قرنا ولا تشققن جيبا ولا تدعين بالويل
وجاء هذه النوائح تجعلن يوم القيامة صفين صفا عن اليمين وصفا عن اليسار ينبحن كما ينبح الكلب وجاء تخرج النائحة من قبرها يوم القيامة شعثاء غبراء عليها جلباب من لعنة ودرع من جرب واضعة يدها على راسها تقول ويلاه وجاء النائحة إذا لم تتب تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب وجاء لا تقبل الملائكة على نائحة وجاء ليس للنساء في اتباع الجنائز من اجر
وجاء أن هندا قالت له صلى الله عليه وسلم إنك لتأخذ علينا مالا تأخذه على الرجال أي لان الرجال كان صلى الله عليه وسلم يبايعهم على الاسلام وعلى الجهاد فقط وإنها قالت لما قال صلى الله عليه وسلم ولا تسرقن والله إني كنت اصيب من مال ابي سفيان الهنة بعد الهنة وما كنت أدري أكان ذلك حلالا ام لا فقال ابو سفيان وكان حاضرا أما اما اصبت فيما مضى فأنت منه في حل عفا الله عنك أي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وعرفها فقال لها وإنك لهند بنت عتبة قالت نعم فاعف عما سلف عفا الله عنك يا نبي الله وأنها قالت لما قال صلى الله عليه وسلم ولا تزنين او تزني الحرة يا رسول الله ولما قال ولا تقتلن اولادكن قالت ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا وفي لفظ هل تركت لنا ولدا الا قتلته يوم بدر وفي لفظ انت قتلت آباءهم يوم بدر وتوصينا بأولادهم وفي لفظ ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا فضحك عمر رضي الله تعالى عنه حتى استلقى وتبسم صلى الله عليه وسلم وفي لفظ فضحك صلى الله عليه وسلم ولما قال صلى الله عليه وسلم ولا تأتين ببهتان تفترينه والله إن اتيان البهتان لقبيح زاد في لفظ وما تأمرنا الا بالرشد ومكارم الاخلاق ولما قال صلى الله عليه وسلم ولا تعصينني في معروف قالت والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في معروف وفي
____________________

لفظ انها أتته منتقبة بالأبطح وقالت إني امرأة مؤمنة أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله ثم كشفت عن نقابها وقالت أنا هند بن بنت عتبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحبا بك
قال بعضهم وفي اسلام ابي سفيان قبل هند واسلامها قبل انقضاء عدتها أي لانها أسلمت بعده بليلة واحدة وإقرارهما على نكاحهما حجة للشافعي رضي الله تعالى عنه ثم ارسلت اليه صلى الله عليه وسلم بهدية وهي جديان مشويان مع مولاة لها فاستأذنت فأذن لها فدخلت عليه وهو صلى الله عليه وسلم بين نسائه ام سلمة وميمونة ونساء من بنى عبد المطلب وقالت له إن مولاتى تعتذر إليك وتقول إن غنمها اليوم لقليل الوالدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لكم في غنكم واكثر والدتها فكثر الله ذلك تقول تلك المولاة لقد رأينا من كثرة غنمنا ووالدتها ما لم نكن نرى قبل وجاءت اليه وقالت يارسول الله ان ابا سفيان رجل مسيك فهل على من حرج أن اطعم من الذي له عيالنا فقال لها لا عليك ان تطعميهم بالمعروف وفي لفظ إن ابا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما اخذت منه وهو لا يعلم قال خذي مايكفيك وولدك بالمعروف أي وجاء ان بعض النساء قالت هلم نبايعك يا رسول الله قال لا اصافح النساء وانما قولي لمائة امراة كقولي لامرأة واحدة وفي لفظ قولي لألف امرأة كقولي لامرأة واحدة وعن عائشة رضي الله تعالى عنها لم يصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم امراة قط وإنما كان يبايعهن بالكلام
وعن الشعبي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء وعلى يه ثوب وقيل إنه غمس يده في إناء وأمرهن فغمسن أيديهن فيه فكانت هذه البيعة قال ابن الجوزي والقول الأول اثبت
وقد ذكر المبايعات له صلى الله عليه وسلم لا في خصوص يوم الفتح على حروف المعجم في كتاب التلقيح وتقدم عن أم عطية رضي الله تعالى عنها انها قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جمع نساء الانصار في بيت ثم ارسل اليهن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقام على الباب فسلم فرددن عليه السلام فقال انا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم اليكن يبايعكن على ان لا تشركن بالله شيئا وقرا الى قوله تعالى في معروف فقلن
____________________

نعم فمد يده من خارج ومددن أيديهن من داخل البيت ثم قال اللهم اشهد ولعل ذلك كان بحائل والفتنة مأمونة
وقال صلى الله عليه وسلم لعمه العباس اين ابنا اخيك يعني ابا لهب عتبة ومعت لا أراهما قال العباس رضي الله تعالى عنه قد تنحيا فيمن تنحى من مشركي قريش قال ائتني بهما فركبت اليهما فأتيت بهما فدعاهما للإسلام فأسلما فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامها ودعا لهما ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ بأيديهما وانطق بهما حتى اتى الملتزم فدعا ساعة ثم انصرف والسرور يرى في وجهه صلى الله عليه وسلم فقلت له سرك الله يا رسول الله إني أرى السرور في وجهك قال إني استوهبت ابني عمي هذين من ربي فوهبهما لي وشهدا معه حنينا والطائف ولم يخرجا من مكة ولم يأتيا المدينة وقلعت عين معتب في حنين
وعن ابي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح هذا ما وعدني ربي ثم قرأ { إذا جاء نصر الله والفتح } انتهى وقد أشار الى ذلك صاحب الهمزية رضي الله تعالى عنه بقوله ** واستجاب له بنصر وفتح ** بعد ذلك الخضراء والغبراء ** ** وتوالت للمصطفى الآية الكبرى ** عليه والغارة الشعواء ** ** فإذا ماتلا كتابا ** من الله تلته كتيبة خضراء **
أي أجاب دعوته صلى الله عليه وسلم الرفيع والوضيع وعن الأول كنى بالخضراء التي هي السماء فقد جاء في حديث سنده واه السماء الدنيا زمرذة خضراء وذكر انها أشد بياضا من اللين وخضتها من صخرة خضراء تحت الأرض وكنى عن الثاني بالغبراء التي هي الأرض وإنما كانت غبراء لأن جميع طبقاتها من طين مع حصول نصر له صلى الله عليه وسلم على أعاديه وفتح لبلادهم بعد ذلك الضعف الذي كان به صلى الله عليه وسلم وبأصحابه وقلتهم وكثرة عدوهم مع التصميم على أذيتهم وتتابعت العلامات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم وتوالت له عليهم الإغارة المحيطة بهم من سائر الجوانب
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه دعا عثمان بن طلحة رضي الله تعالى عنه فإنه كان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مع خالد بن الوليد وعمرو ابن العاص قبل الفتح واسلموا كما تقدم واستمر في المدينة إلى أن جاء معه صلى الله عليه وسلم
____________________

إلى فتح مكة وبه يرد ماروي أنه صلى الله عليه وسلم بعث عليا كرم الله وجهه الى عثمان بن طلحة لأخذ المفتاح فأبي أن يدفعه وقال لو علمت أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أمنعه منه ولوى علي كرم الله وجهه يده وأخذ المفتاح قهرا وفتح الباب وأنه لما نزل قوله تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } أمره صلى الله عليه وسلم أن يدفع له المفتاح متلطفا به فجاءه علي كرم الله وجهه بالمفتاح متلطفا به فقال له أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق فقال علي كرم الله وجهه لأن الله أمرنا برده عليك فأسلم
ثم لما دعا صلى الله عليه وسلم عثمان وجاء إليه أخذ منه مفتاح الكعلبة ففتحت له فدخلها ثم وقف صلى الله عليه وسلم على باب الكعبة فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده
ثم ذكر صلى الله عليه وسلم خطبة بين فيها جملة من الأحكام منها أن لا يقتل مسلم بكافر ولا يتوارث أهل ملتين مختلفتين ولا تنكح امرأة على عمتها ولا على خالتها والبينة على المدعي واليمين على من أنكر ولا تسافر امرأة مسيرة ثلاثة ليال الا مع ذي محرم ولا صلاة بعد العصر ولا بعد الصبح ولا يصام يوم الأضحى ولا يوم الفطر ثم قال يا معشر قريش إن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء والناس من آدم وآدم من تراب ثم تلا هذه الآية { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا } الآية ثم قال يا معشر قريش ما ترون وفي لفظ ماذا تقولون ماذا تظنون أني فاعل فيكم قالوا خيرا أخ كريم وأبن اخ كريم وقد قدرت أي وفي لفظ لما خرج صلى الله عليه وسلم من الكعبة يوم الفتح وضع يده على عضادتي الباب ثم قال ماذا تقولون ماذا تظنون أني فاعل فيكم قالوا خيرا فقال سهيل بن عمرو نقول خيرا ونظن خيرا أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت فقال أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم وفي لفظ فإني أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين اذهبوا فأنتم الطلقاء أي الذين اطلقوا فلم يسترقوا ولم يؤسروا والطليق في الأصل الأسير إذا أطلق فخرجوا فكأنما نشروا من فدخلوا في الإسلام
قال وذكر أنه لما فرغ من طوافه أرسل بلالا رضى الله تعالى عنه
____________________

إلى عثمان بن طلحة يأتي بمفتاح الكعبة فجاء الى عثمان فأخبره فقال إنه عند أمي فرجع بلال الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ان المفتاح عند أمه فبعث اليها رسولا فقالت لا واللات والعزى لا أدفعه أبدا فقال عثمان يا رسول الله أرسلني أخلصه لك منها فأرسله فجاء اليها فطلبه منها فقالت لا واللات والعزى لا أوصله اليك أبدا فقال يا أمه ادفعيه الى فإنه قد جاء أمر غير ما كنا عليه إن لم تفعلي قتلت أنا وأخي ويأخذه منك غيرى فأدخلته حجرتها وقالت أي رجل يدخل يده ههنا أي وقالت له أنشدك الله ان لا يكون ذهاب مأثرة قومك على يديك كل ذلك ورسول الله قائم ينتظر حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق فبينما هو يكلمها إذ سمعت صوت أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما في الدار وعمر رضي الله تعالى عنه رافعا صوته وهو يقول يا عثمان اخرج فقالت يا بني خذ المفتاح فإن تأخذه أحب الي من أن تأخذه تيم وعدي أي ابو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فأخذه عثمان فخرج يمشي حتى إذا كان قريبا من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عثر عثمان فسقط منه المفتاح فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المفتاح فحنى عليه وتناوله أي وفي رواية فاستقبلته ببشر واستقبلني ببشر فأخذه مني وفتح الكعبة وفي رواية أنه قال له هاك المفتاح بأمانة الله وفي لفظ لما أبت أمه أنه تعطيه المفتاح قال والله لتعطينه او لأخرجن هذا السيف من منكب فلما رأت ذلك أعطته إياه فجاء به ففتح عثمان له الباب
ويحتاج الى الجمع بين هذه الروايات على تقدير صحتها وقد اشار صاحب الهمزية رحمه الله تعالى إلى بعض هذه القصة بقوله ** صرعت قومه حبائل بغى ** ** مدها المكر منهم والدهاء ** ** فأتتهم خيل الى الحرب تختا ** ** ل وللخيل في الوغى خيلاء ** ** قصدت منهم القنا فقوا في الطع ** ** ن منا وما شأنها الايطاء ** ** وأثارت بأرض مكة نقعا ** ** ظن أن الغدو منها عشاء ** ** أحجمت عنده الحجون أكدى ** ** دون اعطائه القليل كداء ** ** ودهت أوجها بها وبيوتا ** ** مل منها الاقواء والإكفاء ** ** فدعوا أحلم البرية والعف ** و جواب الحليم والإغضاء ** ** ناشدوه القربي التي من قريش ** ** قطعتها الترات والشحناء **
____________________

** فعفا عفو قادر لم ينغص ** ** هـعليهم بما مضى إغراء ** ** وإذا كان القطع والوصل لله ** ** تساوى التقريب والإقصاء ** ** وسواء عليه فيما أتاه ** ** من سواه الملام والإطراء ** ** ولو أن انتقامه لهوى النف ** س لدامت قطيعة جفاء ** ** فعله كله جميل وهل ين ** ** ضح الا بما حواه الأناء **
أي القت قومه الذين لم يؤمنوا به بين يديه حبائل بغيهم التي مدها المكر والدهاء حالة كون ذلك منهم فبسبب مكرهم أتتهم من قبله خيل تتبختر بها راكبوها الى الحرب والخيل عليها الشجعان كبر وترفع في الحرب قصدت في أبدانهم الرماح فبسبب قصدها بهم كانت الطعنات المشبهة بالقوافي في تتابعها حالة كون ذلك الطعن من تلك الرماح ما عابها الإيطاء أي لم يعدم وجوده فيها والإيطاء في القافية تكريرها متحدة اللفظ والمعنى هو معيب على الشاعر لأنه يدل على قصوره والطعنات المتوالية في محل واحد تدل على قصر ساعد الشجاع ورفعت تلك الخيل غبارا أظلم الجو حتى ظن أن وقت الغدو من تلك الغبرة وقت العشاء وذلك بأرض مكة عند فتحها أمسكت عند ذلك الغبار لكثرته الحجون وهو كداء بالفتح والمد أعلى مكة لكثرة ما اعطاه صلى الله عليه وسلم الناس وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم القليل من الناس كداء بالضم والمد وهو اسفل مكة وهذه لغة فيه قليلة وعند ذلك قل غباره وأهلكت تلك الخيول أوجها من الناس بمكة ممن أباح دمه ومن قاتل وأهلكت بيوتا كان أهل مكة يرجعون اليها مل من تلك البيوت خلوها عن أنس بها والرجوع اليها وعند ذلك طلبوا منه العفو عما مضى منهم وجواب الحليم لمن سأله العفو عنه العفو وارخاء الجفون من الحياء وحلفوه بالقربي التي وصلت اليه من بطون قريش وهم ولد النضر بن كنانة التي قطعتها المقاتلة والتباغض والتحاسد فبسبب ذلك عفا صلى الله عليه وسلم عفو قادر لم يكدر ذلك العفو منهم إغراء سفهائهم به حالة كون ذلك الإغراء منهما فيما مضى وإذا كان القطع والوصل لله تساوى عند فاعل ذلك التقريب للاقارب والبعداء والإبعاد للأقارب والبعداء والذي تقريبه وإبعاده لله لا لغيره يستوى عنده سبه والمبالغة في مدحه إذا أتاه ذلك من غيره ومن ثم لو كان انتقامه لهوى النفس الأمارة بالسوء لاستمرت قطيعة الرحمن ودام إبعاده لها كيف
____________________

وقد قام لله في أموره كلها فبسبب ذلك أرضى الله تباين منه صلى الله عليه وسلم لأعدائه ووفاء لأوليائه فعله صلى الله عليه وسلم كله جميل ولا بدع في ذلك إذا ما يسيل مما في الإناء على ظاهره الا ما كان في تلك الإناء فمن أمتلأ قلبه خيرا كانت أفعاله كلها خيرا ومن امتلأ قلبه شرا كانت أفعاله كلها شرا
ثم جلس صلى الله عليه وسلم في المسجد ومفتاح الكعبة في يده في كمه فقام اليه علي كرم الله وجهه فقال يا رسول الله صلى اجمع لنا وفي لفظ اجمع لي الحجابة مع السقاية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أعطيكم ما تبذلون فيه أموالكم للناس أي وهو السقاية لا ما تأخذون فيه من الناس أموالهم وهي الحجابة لشرفكم وعلو مقامكم
وفي رواية أن العباس رضي الله تعالى عنه تطاول يومئذ لأخذ المفتاح في رجال من بني هاشم أي منهم علي كرم الله وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين عثمان بن طلحة فدعى له فقال هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم بر ووفاء
وقيل نزلت هذه الآية إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها في شأن عثمان ابن طلحة رضي الله تعالى عنه ودفع المفتاح له أي لما أخذه علي كرم الله وجهه وقال يا رسول الله أجمع لنا الحجابة مع السقاية فقال صلى الله عليه وسلم لعلى أكرهت وآذيت وأمره صلى الله عليه وسلم أن يرد المفتاح الى عثمان ويعتذر اليه فقد انزل الله في شأنك أي أنزل الله عليه ذلك في جوف الكعبة وقرأ عليه الآية ففعل على كرم الله وجهه ذلك
وسياق هذه الرواية يدل على ان عليا كرم الله وجهه أخذ المفتاح على أن لا يرده لعثمان فلما نزلت الآية أمره صلى الله عليه وسلم أن يرد المفتاح لعثمان
والسقاية كما تقدم كانت أحواض من أدم يوضع فيه الماء العذب لسقاية الحاج ويطرح فيها التمر والزبيب في بعض الاوقات
وفي كلام الأزرقى كان لزمزم حوضان حوض بينها وبين الركن يشرب منه وحوض من ورائه للوضوء أي ولعل هذا كان بعد الفتح
والسقاية قام بها العباس رضي الله تعالى عنه بعد موت أبيه عبد المطلب وقام بها بعده ولده عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما وقد تكلم فيها محمد بن الحنفية مع ابن عباس فقال له ابن عباس مالك ولها نحن اولى بها في الجاهلية والإسلام قام بها العباس بعد موت
____________________

أبيه عبد المطلب وأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس يوم الفتح واستمر المفتاح مع عثمان رضي الله عنه الى أن اشرف على الموت ولم يعقب دفعه الى اخيه شيبة ومن ثم عرفت ذريه بالشيبيين أي وفي رواية دفع صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة الى عثمان والى شيبة ابن عمه وقال خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم
أي وكون شيبة ابن عم عثمان هو الموافق لقول الحافظ ابن حجر الشيبيون نسبة الى شيبة بن عثمان بن ابي طلحة وهو ابن عم عثمان بن طلحة بن أبي طلحة فأبو طلحة له ولدان عثمان وطلحة أتى عثمان بشيبة وأتى طلحة بعثمان
وفي كلام ابن الجوزي ما يوافقه وهو أن عثمان لما هاجر الى المدينة وأسلم سنة ثمان لم يزل مقيما بالمدينة حتى خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة أي وقد تقدم ثم رجع الى المدينة ولم يزل مقيما بها حتى توفى رسول الله فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع الى مكة واستمر مقيما بها حتى مات بها في أول خلافة معاوية رضي الله عنه فلم يزل عثمان رضي الله عنه يلي فتح البيت الى أن اشرف على الموت دفع المفتاح الى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وهو ابن عمه فبقيت الحجابة في ولد شيبة وكان عثمان بن طلحة هذا خياطا وهي صناعة نبي الله ادريس عليه الصلاة والسلام
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم لما دعا عثمان بن طلحة وقال له ارني المفتاح فأتاه به فلما بسط يده اليه قال العباس فقال يا رسول الله اجعله لي مع السقاية فكف عثمان يده فقال صلى الله عليه وسلم ارني المفتاح فبسط يده يعطيه فقال العباس مثل كملته الأولى فكف عثمان يده فقال رسول الله يا عثمان إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فهاتني المفتاح فقال هاك بأمانة الله ولعل هذا كان قبل دخوله صلى الله عليه وسلم الكعبة فيكون طلب العباس رضي الله عنه أن يكون المفتاح له تكرر قبل دخوله الكعبة وبعده وفي رواية أنه قال له ائتنى بالمفتاح قال فأتيته به فأخذه ثم دفعه الي وقال خذوها خالدة تالدة لا بنزعها منكم الا ظالم
وفي لفظ غيره إن الله رضي لكم بها في الجاهلية والإسلام إني لما ادفعها اليكم ولكن الله دفعها اليكم لا ينزعها منكم الا ظالم وفي رواية لا يظلمكموها الا كافر
____________________

ولا مانع ان يكون ذلك بعد ان دفعه علي كرم الله وجهه له بأمره صلى الله عليه وسلم وكأنه صلى الله عليه وسلم أحب أن يؤدي الامانة بيده الشريفة من غير واسطة وقال له يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته فكلوا مما يصل اليكم من هذا البيت بالمعروف فقال عثمان رضي الله عنه فلما وليت ناداني فرجعت اليه فقال ألم يكن الذي قلت لك قال رضي الله عنه فذكرت قوله صلى الله عليه وسلم لي بمكة قبل الهجرة
وقد اراد صلى الله عليه وسلم أن يدخل الكعبة مع الناس وكنا نفتحها في الجاهلية يوم الاثنين والخميس فلما اقبل ليدخلها أغلظت عليه ونلت منه وحلم عي ثم قال صلى الله عليه وسلم يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي اضعه حيث شئت فقلت قد هلكت قريش يومئذ وذلت فقال صلى الله عليه وسلم بل عمرت وعزت يومئذ فوقعت كلمته صلى الله عليه وسلم مني موقعا وظننت أن الأمر سيصير الى ما قال صلى الله عليه وسلم قال فلما قال لي يوم الفتح ذلك قلت بلى اشهد انك رسول الله
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم دخل يؤمئذ الكعبة ومعه بلال فأمره أن يؤذن أي للظهر على ظهر الكعبة وأبو سفيان وعتاب بن أسيد في لفظ خالد بن أسيد والحارث ابن هشام جلوس بفناء الكعبة فقال عتاب بن أسيد أي أو خالد بن اسيد لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون يسمع هذا العبد فيسمع منه ما يغيظه فقال الحارث أما والله لو أعلم انه حق لا تبعته أي وفي رواية أنه قال ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا ولا مانع من وجود الأمرين منه أي وتقدم في عمرة القضاء وقوع مثل ذلك من جماعة لما أذن بلال رضي الله عنه على ظهر الكعبة أيضا أي وقال غير هؤلاء من كفار قريش لقد أكرم الله فلانا يعني اباه إذ قبضه قبل أن يرى هذا الأسود على ظهر الكعبة وفي لفظ والله الحدث العظيم أن يصبح عبد بني جمح ينهق على بيته فقال ابو سفيان لا اقول شيئا لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصباء فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم لقد علمت الذي قلتم ثم ذكر ذلك لهم فقال أما أنت يا فلان فقد قلت كذا وأما أنت يا فلان فقد قلت كذا فقال ابو سفيان وأما أنا يا رسول الله فما قلت شيئا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا نشهد أنك رسول الله والله ما اطلع على هذا احد معنا فنقول أخبرك
وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على ابي سفيان وهو في المسجد فلما نظر
____________________

إليه أبو سفيان قال في نفسه ليت شعري بأي شيء غلبني فاقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حتى ضرب يده بين كتفيه فقال بالله غلبتك يا ابا سفيان فقال ابو سفيان أشهد أنك رسول الله وصار بعض قريش يستهزئون ويحكون صوت بلال غيظا وكان من جملتهم أبو محذورة رضي الله عنه وكان من أحسنهم صوتا فلما رفع صوته بالأذان مستهزئا سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به فمثل بين يديه وهو يظن أنه مقتول فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته وصدره بيده الشريفة قال فامتلأ قلبي والله إيمانا ويقينا فعلمت أنه روسل الله فالقى عليه صلى الله عليه وسلم الأذان وعلمه إياه وأمره أن يؤذن لأهل مكة وكان ست عشرة سنة وعقبه بعده يتوراثون الأذان بمكة وتقدم أن أذان أبي محذورة وتعليمه صلى الله عليه وسلم الأذان كان مرجعه من حنين وتقدم طلب تأمل الجمع بينهما
وفي تاريخ الأزرقي أن جويرية بنت أبي جهل قالت عند أذان بلال علي ظهر الكعبة والله لا نحب من قتل الأحبة ولقد جاء لأبي الذي جاء لمحمد من النبوة فردها ولم يرد خلاف قومه
وعن الحارث ابن هشام قال لما أجارتني ام هانئ وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم جوراها فصار لا أحد يتعرض لي وكنت أخشى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فمر علي وانا جالس فلم يتعرض لي وكنت استحي ان يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أذكر برؤيته إياي في كل موطن مع المشركين فلقيته وهو داخل المسجد فلقيني بالبشر فوقف حتى جئته فسلمت عليه وشهدت شهادة الحق فقال الحمد لله الذي هداك ما كان مثلك يجهل الإسلام
وجاءه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح السائب بن عبد الله المخزومي أي وقيل عبد الله ابن السائب بن ابي السائب وقيل السائب بن عويمر وقيل قيس بن السائب بن عويمر قال في الاستيعاب وهذا اصح ما قيل في ذلك إن شاء الله تعالى وكان شريكا له صلى الله عليه وسلم في الجاهلية فقال فأخذ عثمان وغيره يثنون على فقال صلى الله عليه وسلم لهم لا تعلموني به كان صاحبي وفي لفظ لما أقبلت عليه قال مرحبا بأخى وشريكي كان لا يداري ولا يماري قد كنت تعمل أعمالا في الجاهلية لا تتقبل منك أي لتوقف صحتها على الاسلام وهي الاعمال المتوقفة على النية التي شرطها الاسلام وهي اليوم تتقبل منك أي لوجود الاسلام
____________________

ورأسل سهيل بن عمرو رضي الله تعالى عنه ولده عبد الله ليأخذ أمانا منه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي تؤمنه فقال صلى الله عليه وسلم نعم هو آمن بالله فليظهر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله من لقي سهيل بن عمرو فلا يحد اليه النظر فلعمري ان سهيلا له عقل وشرف وما مثل سهيل يجهل الاسلام فخرج ابنه عبد الله اليه فأخبره بمقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سهيل كان والله برا صغير برا كبيرا فكان سهيل رضي الله تعالى عنه يقبل ويدبر وخرج الى حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو على شركه حتى أسلم بالجعرانة
وذكر أن فضالة بن عمير بن الملوح حدث نفسه بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح قال فلما دنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا فضالة قال فضالة نعم يا رسول الله قال ما كنت تحدث به نفسك قال لا شيء كنت أذكر الله فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال استغفر الله ثم وضع يده الشريفة على صدره فسكن قلبه فكان فضالة رضي الله تعال عنه يقول والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئا أحب الي منه
قال ولما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا بعد الظهر مسندا ظهره الشريف الى الكعبة وقيل كان على راحلته فحمد الله وأثنى عليه وقال أيها الناس إن الله تعالى قد حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ويوم خلق الشمس والقمر ووضع هذين الجبلين فهى حرام الى يوم القيامة فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر يسفك فيها دما ولا يعضد فيها شجرة ولم تحل لأحد كان قبلي ولم تحل لأحد يكون بعدي ولم تحلى لي الا هذه الساعة أي من صبيحة يوم الفتح الى العصر غضبا على أهلها ألا قد رجعت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس فليبلغ الشاهد منكم الغائب فمن قال لكم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قاتل فيها فقولوا له إن الله قد أحلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحلها لكم
وقد جاء في صحيح مسلم لا يحل أن يحمل السلاح بمكة يا معشر خزاعة ارفعوا ايديكم عن القتل فقد كثر القتل فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين إن شاءوا فدم قاتله وإن شاءوا فعقله ثم ودي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي قتلته
____________________

خزاعة وهو ابن الأقرع الهذلي من بني بكر فإنه دخل مكة وهو على شركه فعرفته خزاعة فأحاطوا به فطعنه منهم خراش بمشقص في بطنه حتى قتله فلامه صلى الله عليه وسلم وقال لو كنت قاتلا مسلما بكافر لقتلت خراشا أي والمشقص ما طال من النصال وعرض قال ابن هشام وبلغني أنه اول قتيل وداه النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أنه تقدم في خبير أنه ودى قتيلا وقال صلى الله عليه وسلم يوم الفتح لا نغزى مكة بعد اليوم الى يوم القيامة قال العلماء أي على الكفر أي لا يقاتلوا على أن يسلموا ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صمنا إلا كسره
ولما أسلمت هند رضي الله تعالى عنها عمدت الى صم كان في بيتها وجعلت تضربه بالقدوم وتقول كنا منك في غرور
ثم بعث صلى الله عليه وسلم السرايا الى كسر الاصنام التي حول مكة أي لأنهم كانوا اتخذوا مع الكعبة اصناما جعلوا لها بيوتا يعظمونها كتعظيم الكعبة وكانوا يهدون لها كما يهدون للكعبة ويطوفون بها كما يطوفون بالكعبة فكان في كل حي صنم من ذلك كما تقدم العزى وسواع ومناة وسيأتي الكلام على ذلك في السرايا ان شاء الله تعالى
أي وفي هذا العام الذي هو عام الفتح كان غزوة أوطاس وأوطاس هو هوازن وحلل صلى الله عليه وسلم المتعة ثم بعد ثلاثة أيام حرمها ففي صحيح مسلم عن بعض الصحابة لما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتعة خرجت أنا ورجل إلى أمرأة من بني عامر كأنها بكرة غيطاء وفي لفظ مثل البكرة الغطنطية فعرضنا عليها انفسنا فقلنا لها هل لك أن يستمتع منك أحدنا فقالت ما تدفعان قلنا بردينا وفي لفظ رداءينا فجعلت تنظر فتراني أجمل من صاحبي وترى برد صاحبي أحسن من بردي فإذا نظرت الي اعجبتها وإذن نظرت الى برد صاحبي اعجبها فقالت أنت وبردك تكفيني فكنت معها ثلاثا
والحاصل أن نكاح المتعة كان مباحا ثم نسخ يوم خبير ثم أبيح يوم الفتح ثم نسخ في ايام الفتح واستمر تحريمه الى يوم القيامة وكان فيه خلاف في الصدر الاول ثم ارتفع واجمعوا على تحريمه وعدم جوازه
____________________

قال بعض الصحابة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما بين الركن والباب وهو يقول أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع الا وان الله حرمها الى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا أي لكن في مسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه قال استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وفي رواية عنه حتى نهى عنه عمر رضي الله تعالى عنه وقد تقدم في غزاة خيبر عن إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه لا أعلم شيئا حرم ثم ابيح ثم حرم الا المتعة وهو يدل على أن اباحتها عام الفتح كانت بعد تحريمها بخيبر ثم حرمت به وهذا يعارض ما تقدم ان الصحيح انها حرمت في حجة الوداع الا ان يقال يجوز ان تحريمها في حجة الوداع تأكيدا لتحريمها عام الفتح فلا يلزم أن تكن ابيحت بعد تحريمها أكثر من مرة كما يدل عليه إمامنا الشافعي لكن يخالفه ما في مسلم عن بعض الصحابة رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام اوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها
وقد يقال مراد هذه القائل بعام أوطاس عام الفتح لأن غزاة أوطاس كانت في عام الفتح كما تقدم وما تقدم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من جوزاها رجع عنه فقد قال بعضهم والله ما فارق ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الدنيا حتى رجع الى قول الصحابة في تحريم المتعة ونقل عنه رضي الله تعالى عنه انه قام خطيبا يوم عرفة فقال ايها الناس إن المتعة حرام كالميتة والدم ولحم الخنزير
والحاصل أن المتعة من الأمور الثلاثة التي نسخت مرتين الثاني لحوم الحمر الأهلية الثالث القبلة كذا في حياة الحيوان
قال واستقرض صلى الله عليه وسلم من ثلاثة نفر من قريش أخذ من صفوان بن امية رضي الله تعالى عنه خمسين ألف درهم ومن عبد الله بن ابي ربيعة أربعين الف درهم ومن حويطب بن عبد العزى اربعين الف درهم فرقها صلى الله عليه وسلم في أصحابه من أهل الضعف ثم وفاها مما غنمه من هوازن وقال إنما جزاء السلف الحمد والأداء أ هـ
أي وأقام صلى الله عليه وسلم بمكة أي بعد فتحها تسعة عشر وقيل ثمانية عشر يوما واعتمده البخاري يقصر الصلاة في مدة اقامته وبهذا الثاني قال أئمتنا ان من أقام بمحل لحاجة يتوقعها كل وقت قصر ثمانية عشر يوما غير يومي الدخول والخروج ولعل
____________________

سبب إقامته المدة المذكورة أنه كان يترجى حصول المال الذي فرقه في أهل الضعف من اصحابه فلما لم يتم له ذلك خرج من مكة الى حنين لحرب هوازن
وجاء اليه صلى الله عليه وسلم سعد بن ابي وقاص وقد أخذ بيد ابن وليدة زمعة ومعه عبد بن زمعة فقال سعد يا رسول الله هذا ابن اخي عتبة بن أبي وقاص عهد الى انه ابنه أي قال إذا قدمت مكة انظر الى ابن وليدة زمعة فإنه منى فاقبضه إليك فقال عبد بن زمعة يا رسول الله هذا أخى ابن وليدة أبى زمعة ولدته على فراشه أي مع كونها فراشا له فنظر صلى الله عليه وسلم الى ذلك الولد فإذا هو اشبه الناس بعتبة بن ابي وقاص فقال لعبد بن زمعة هو أخوك يا عبد بن زمعة من اجل انه ولد على فراش ابيك زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر وقال لزوجته سودة بنت زمعة أحتجبي منه يا سودة لما رأى عليه من شبه عتبة أي فخشي أن يكون ابن خاله فأمرها بالاحتجاب ندبا واحتياطا فلم يرها حتى لقي الله وفي بعض الروايات احتجبي منه يا سودة فليس لك بأخ
وسرقت امرأة فأراد صلى الله عليه وسلم قطعها ففزع قومها إلى أسامه بن زيد ابن حارثه رضي الله تعالى عنهم يستشفعون به فلما كلمه أسامه فيها تلون وجهه صلى الله عليه وسلم وقال أتكلمني في حد من حدود الله تعالى فقال اسامة استغفر لي يا رسول الله ثم قام صلى الله عليه وسلم خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها وفي كلام بعضهم كانت العرب في الجاهلية يقطعون يد السارق اليمنى
وولى صلى الله عليه وسلم عتاب بن اسيد رضي الله تعالى عنه وعمره احدى وعشرون سنة أمر مكة وأمره صلى الله عليه وسلم أن يصلي بالناس وهو أول أمير صلى بمكة بعد الفتح جماعة وترك صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه بمكة معه معلما للناس السنن والفقه
في الكشاف وعنه صلى الله عليه وسلم أنه استعمل عتاب بن اسيد على اهل مكة وقال انطلق فقد استعملتك على اهل الله أي وقال ذلك ثلاثا فكان رضي الله تعالى عنه شديدا
____________________

على المريب لينا على المؤمن وقال والله لا اعلم متخلفا يتخلف عن الصلاة في جماعة الا ضربت عنقه فإنه لا يتخلف عن الصلاة الا منافق فقال اهل مكة يا رسول الله لقد استعملت على أهل الله عتاب بن أسيد أعرابيا جافيا فقال صلى الله عليه وسلم إني رأيت فما يرى النائم كأن عتاب بن أسيد أتى باب الجنة فأخذ بحلقة الباب فقلقلها قلقالا شديد حتى فتح له فدخلها فأعز الله به الإسلام فنصرته للمسلمين على من يريد ظلمهم هذا
وفي تاريخ الازرقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقد رأيت أسيدا في الجنة وأني أي كيف يدخل أسيد الجنة فعرض له عتاب بن اسيد فقال صلى الله عليه وسلم هذا الذي رايت ادعوه لي فدعى له فاستعمله يومئذ على مكة ثم قال يا عتاب اتدري على من استعملتك استعملتك على أهل الله فاستوص بهم خيرا يقولها ثلاثا
فإن قيل كيف يقول صلى الله عليه وسلم عن اسيد انه رآه في الجنة ثم يقول عن ولد أسيد إنه الذي رآه في الجنة قلنا لعل عتابا كان شديد الشبة بأبيه فظن صلى الله عليه وسلم عتابا أباه فلما رآه عرف أنه عتاب لا أسيد
وفي كلام سبط ابن الجوزي عتاب بن اسيد استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل مكة لما خرج الى حنين وعمره ثماني عشرة سنة وفي كلام غيره ما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم إنما استخلف عتاب بن أسيد وترك معه معاذ بن جبل بعد عوده من الطائف وعمرته من الجعرانة إلا أن يقال لا مخالفة ومراده باستئلافه إبقاؤه على ذلك وينبغي ان يكون ما تقدم عن الكشاف من قول أهل مكة له صلى الله عليه وسلم لقد استخلفت على أهل الله عتاب بن اسيد الى آخره بعد ابقائه على استخلافه لما لا يخفى
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن اسيدا والد عتاب واليا على مكة مسلما فمات على الكفر فكانت الرؤيا لولده كما تقدم مثل ذلك في أبي جهل ولده عكرمة رضي الله تعالى عنه
ولما ولاه صلى الله عليه وسلم على مكة جعل له في كل يوم درهما فكان رضي الله تعالى عنه يقول لا اشبع الله بطنا جاع على درهم في كل يوم
ويروي انه قام فخطب الناس فقال ايها الناس اجاع الله كبد من جاع على درهم أي له درهم فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم درهما في كل يوم فليست لي حاجة الى احد
____________________


وعن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب بن اسيد على مكة وفرض له عمالته أربعين أوقية من فضة ولعل الدرهم كل يوم يحرز القدر المذكور أي أربعين أوقية في السنة فلا مخالفة
وفي السنن الكبرى للبيهقي وولد عتاب هذا عبد الرحمن الذي قطعت يده يوم الجمل واحتملها النسر وألقاها بمكة وقيل بالمدينة كان يقال له يعسوب قريش غزوة حنين
اسم موضع قريب من الطائف وفي كلام بعضهم الى جنب ذي المجاز وهو سوق الجاهلية وتقدم ذكره وفي كلام بعض آخر اسم لما بين مكة والطائف ويقال لها غزوة هوزان ويقال لها غزوة اوطاس باسم الموضع الذي كانت به الوقعة في آخر الأمر
أي وسببها أنه لما فتح الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة أطاعت له قبائل العرب الا هوزان وثقيفا فإن أهلهما كانوا طغاة عتاة مردة
قال قال ائمة المغازي لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة مشت اشراف هوازن وثقيف بعضها الى بعض فاشفقوا أي خافوا ان يغزوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا قد فرغ لنا فلاناهية أي لا مانع له دوننا والراي أن يغزونا فحشدوا وبغوا وقالوا وكان اجماع امر الناس إلى مالك بن عوف النصيري أي بالصاد المهملة رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك فاجتمع اليه من القبائل جموع كثيرة فيهم بنو سعد بن بكر وهم الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسترضعا فيهم وحضر معهم دريد بن الصمة وكان شجاعا مجربا لكنه كبر أي لأنه بلغ مائة وعشرين سنة وقيل مائة وخمسين وقيل مائة وسبعين أي وقيل قارب المائتين قاله ابن الجوزي وقد عمى وصار لا ينتفع الا برأيه ومعرفته بالحرب أي لأنه كان صاحب رأي وتدبير ومعرفة بالحروب وكان قائد ثقيف ورئيسهم كنانة بن عبد ياليل رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وقيل قارب بن الأسود وكان سن مالك بن عوف إذ ذاك ثلاثين سنة فإنه أسلم بعد ذلك وقيل قارب بن الاسود وكان سن مالك بن عوف إذ ذاك ثلاثين سنة فأمر الناس بأخذ اموالهم ونسائهم وابنائهم معهم فلما نزل بأوطاس اجتمع اليه الناس وفيهم
____________________

دريد بن الصمة فقال دريد للناس بأي واد أنتم قالوا بأوطاس قال نعم محل الخيل وفي لفظ مجال الخيل بالجيم لا حزن ضرس والحزن بفتح الحاء المهملة واسكان الزاي وبالنون ما غلط من الأرض والضرس بكسر الضاد المعجمة واسكان الراء وبالسين المهملة ما صلب من الأرض ولا سهل دهس والسهل ضد الحزن والدهس بفتح الدال المهملة والهاء وبالسين المهملة اللين كثير التراب مالي اسمع رغاء البعير ونهاق الحمير بضم النون أي صوتها وبكاء الصغير ويعار الشاء واليعار بضم المثناة تحت وبالعين المهملة المخففة الداء صوت الشاء أي وخوار البقراي صوتها قالوا ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وابناءهم قال ابن مالك أي وكان توافق معه على أن لا يخالفه فإنه قال له إنك تقاتل رجلا كريما قد أوطأ العرب وخافته العجم وأجلى يهود الحجاز أي غالبهم اما قتلا وإما خروجا عن ذل وصغار فقال له لا نخالفنك في أمر تراه فقيل له هذا مالك فقال يا مالك اما انك قد اصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعارالشاء وخوار البقر قال سقت مع الناس ابناءهم ونساءهم وأموالهم قال ولم قال أردت أن أجعل خلف كل رجل اهله وماله ليقاتل عنهم فأنقض به قال ابو ذر أي زجره كما تزجر الدابة وهو ان يلصق اللسان بالحنك الأعلى ويصوت به وهو معنى قول الأصل أي صوت بلسانه في فيه ثم قال له راعي وفي لفظ رويعي ضأن والله ماله وللحرب ثم اشار عليه برد الذرية والأموال وقال هل يرد المنهزم شيء إن كانت لك لم ينفعك كعب وكلب قالوا لم يشهدها منهم أحد قال غاب الحد والجد الأول بفتح الحاء المهملة والثاني بالمعجمة مكسورة ضد الهزل وبفتحها الحظ لو كان يوم علا ورفعة ما غابا ثم أشار عليه بأمور لم يقبلها مالك منه وقال والله لا اطيعك إنك قد كبرت وضعف رأيك فقال دريد لهوازن قد شرط يعني مالكا أن لا يخالفني فقد خالفني فأنا أرجع الى أهلي فمنعوه وقال مالك والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري وكره أن يكون لدريد فيها راي او ذكر قالوا أطعناك أي ثم جعل النساء فوق الإبل وراء المقاتلة صفوفا ثم جعلوا الإبل صفوفا والبقر والغنم وراء ذلك لئلا يفروا وفي لفظ
____________________

صفت الخيل ثم الرجالة المقاتلة ثم صفت النساء على الإبل ثم صفت الغنم ثم صفت النعم ثم قال للناس إذا رأيتموهم شدوا عليهم شدة رجل واحد وبعث عيونا له أي وهم ثلاثة أنفار أرسلهم لينظروا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا وقد تفرقت أوصالهم قال ويلكم ما شأنكم قالوا رأينا رجالا بيضا على خيول بلق فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى وإن أطعتنا جعنا بقومك فقال أف لكم بل أنتم أجبن العسكر فلم يرده ذلك 4 ومضى على ما يريده
ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماعهم أرسل اليهم رجلا من اصحابه أي وهو عبد الله بن ابي حدرد الأسلمي وأمره ان يدخل فيهم ويسمع منهم أجمعوا عليه فدخل فيهم أي ومكث فيهم يوما أو يومين وسمع ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر أي وجاءه رجل فقال يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا فإذا أنا بهوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشبابهم اجتمعوا الى حنين فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله تعالى فأجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر السير الى هوازن وذكر له صلى الله عليه وسلم أن عند صفوان بن امية ولم يكن اسلم يومئذ بل كان مؤمنا ادرعا وسلاحا فارسل صلى الله عليه وسلم اليه فقال يا أبا امية أعرنا سلاحك نلق به عدونا غدا فقال صفوان أغصبا يا محمد فقال صلى الله عليه وسلم بل عارية وهي مضمونة حتى نؤديها اليك قال ليس بهذا بأس وفي رواية الإمام احمد قال صفوان عارية مؤداة فقال صلى الله عليه وسلم العارية مؤداة فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح قبل وسأله صلى الله عليه وسلم أن يكفيهم حملها ففعل وذكر ان بعض تلك الأدراع ضاع فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضمنها له فقال أنا اليوم يا رسول الله في الإسلام ارغب
قال واستعار صلى الله عليه وسلم من ابن عمه نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ثلاثة آلاف رمح فقال له كأني أنظر الى رماحك هذه تقصف ظهر المشركين أهأي وتقدم أن نوفلا هذا فدى نفسه وكان في اسرى بدر بألف رمح
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا ألفان من أهل مكة والعشرة آلاف الذي فتح الله تعالى بهم مكة أي على ما تقدم
قال بعضهم وخرج أهل مكة ركبانا ومشاة حتى النساء يمشين على غير وهن يرجون
____________________

الغنائم ولا يكرهون أن من لم يصدق إيمانه أن الضيعة وفي لفظ أن الصدمة برسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه أي فقد خرج معه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون من المشركين منهم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو فلما قربوا من محل العدو صفهم ووضع الألوية والرايات مع المهاجرين والأنصار فلواء المهاجرين أعطاه عليا كرم الله وجهه وأعطى سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه راية وأعطى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه راية ولواء الخزرج أعطاه الحباب بن المنذر رضي الله تعالى عنه ولواء الأوس أعطاه اسيد بن حضير رضي الله تعالى عنه
وفي سيرة الدمياطي وفي كل بطن من الأوس والخرزج لواء وراية يحملها رجل منهم وكذلك قبائل العرب فيها الاولوية والرايات يحملها رجال منهم وركب صلى الله عليه وسلم بغلته ولبس درعين والمغفر والبيضة والدرعان هما ذات الفضول والسغدية بالسين المهملة والغين المعجمة وهي درع داود عليه السلام التي لبسها حين قتل جالوت ومروا بشجر سدرة كان المشركون يعظمونها وينوطون بها اسلحتهم أي يعلقونها بها فقالت الصحابة رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنهم يا رسول الله اجعل لنا ذات انواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله اكبر هذا كما قال قوم موسى عليه السلام أجعل لنا الها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون لتركبن سنن من كان قبلكم فلما كان بحنين وانحدورا الوادي أي وذلك عند غبش الصبح خرج عليهم القوم وكانوا كمنوا لهم في شعاب الوادي ومضايقه وذلك باشارة دريد بن الصمة فإنه قال لمالك اجعل لك كمينا يكون لك عونا إن حمل القوم عليك جاءهم الكمين من خلفهم وكررت أنت بمن معك وإن كانت الحملة لك لم يفلت من القوم أحد فحملوا عليهم حملة رجل واحد أي وكانوا رماة فاستقبلوهم بالنبل كأنهم جراد منتشر لا يكاد يسقط لهم سهم
أي وعن البراء رضي الله تعالى عنه وسأله رجل فقال فررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقال ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر
وأما ما روى عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما فمنهزما حال من سلمة لا من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينهزم قط في موطن من المواطن كما تقدم
وعن البراء رضي الله عنه كانت هوازن ناسا رماة وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا
____________________

فأكبيا على الغنائم فاستقبلونا بالسهام فأخذ المسلمون راجعين منهزمين لا يلوى أحد على أحد أي ويقال إن الطلقاء وهم أهل مكة قال بعضم لبعض أي من كان إسلامه مدخولا منهم اخذلوه هذا وقته فانهزموا فهم أول من انهزم وتبعهم الناس وعند ذلك قال ابو قتادة رضي الله عنه لعمر رضى الله عنه ما شأن الناس قال أمر الله
وهذا السياق يدل على انهم انهزموا مرتين الأولى في أول الأمر والثانية عند انكباب المسلمين على أخذ الغنائم والذي في الاصل الاقتصار على الأولى
وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ومعه نفر قليل منهم أبو بكر وعمر وعلي والعباس وابنه الفضل وابو سفيان ابن اخيه الحارث وربيعة بن الحارث ومعتب ابن عمه ابي لهب وفقئت عينه ولم أقف على أيهما كانت أي ووردت في عد من ثبت معه روايات مختلفة فقيل مائة وقيل ثمانون وقيل اثنا عشر وقيل عشرة وقيل كانوا ثلثمائة
ولا مخالفة لإمكان الجمع وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله إني عبد الله ورسوله
وعن العباس رضي الله عنه كنت آخذا بحكمة بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وهي الشهباء التي أهداها له فروة بن عمرو الجزامي أي صاحب البلقاء وعامل ملك الروم على فلسطين يقال لها فضة وقيل التي يقال لها دلدل التي أهداها له المقوقس وفي البخاري التي أهداها له ملك أيلة قال بعضهم والأول أثبت
ويدل الثاني ما أخرجه ابو نعيم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال انهزم المسلمون بحنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته الشهباء وكان يسميها دلدل فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم دلدل البدى فألزقت بطنها بالأرض الحديث وابو سفيان ابن الحارث آخذ بركابه صلى الله عليه وسلم وهو يقول حين رأى ما رأى من الناس الى أين أيها الناس فلما ار الناس يلوون على شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة يعني الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان
وفي لفظ يا عباس اصرخ بالمهاجرين الذين بايعوا تحت الشجرة وبالأنصار الذين آووا ونصروا أي وإنما خص صلى الله عليه وسلم العباس بذلك لأنه كان عظيم الصوت
____________________

كان صوته يسمع من ثمانية أميال كان يقف على سلع وينادي غلمانه آخر الليل وهم بالغابة فيسمعهم وبين سلع والغابة ثمانية اميال
وغارت الخيل يوما على المدينة فنادى واصباحاه فلم تسمعه حامل الا وضعت من عظم صوته
وفي لفظ آخر نادى يا أصحاب السمرة يوم الحديبية يا أصحاب سورة البقرة أي وخص سورة البقرة بالذكر لأنها أول سورة نزلت في المدينة لأن فيها { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } وفيها { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } وفيها { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } في لفظ نادى يا أنصار الله وأنصار رسوله يا بني الخزرج خصهم بالذكر بعد التعميم لأنهم كانوا صبرا في الحرب أو غلب فأجابوا لبيك لبيك وفي لفظ يا لبيك يا لبيك
أي وفي البخاري لما أدبروا عنه صلى الله عليه وسلم حتى بقي وحده فنادي يومئذ نداءين التفت عن يمينه فقال يا معشر الانصار قالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك ثم التفت عن يساره فقال يا معشر الانصار قالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك
ويجوز أن يكونه هذا بعد نداء العباس وقربهم منه صلى الله عليه وسلم وصار الرجل يلوي بعيره فلا يقدر على ذلك أي لكثرة الأعراب المنهزمين فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله ويؤم الصوت حتى ينتهي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعضهم فما شبهت عطفة الأنصار على رسول الله إلا عطفة الإبل وفي لفظ عطفة البقر على أولادها فلرماحهم أخوف عندي على رسول الله صلى الله عليه وسلم من رماح الكفار حتى إذا انتهى اليه من الناس مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا واشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر الى القوم وهم يجتلدون أي وكان شعارهم كيوم فتح مكة فقال صلى الله عليه وسلم الآن حمى وهو حجارة توقد العرب تحتها النار يشوون عليها اللحم والوطيس في الاصل التنور وهذه من الكلمات التي لم تسمع الا منه صلى الله عليه وسلم وهي مثل يضرب لشدة الحرب أي وصار يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن
____________________

عبد المطلب وهذا السياق يدل على أن المائة انتهت اليه صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وهو يؤيد القول بان الذين ثبتوا معه صلى الله عليه وسلم لم يبلغوا المائة
وفي رواية لما انكشف الناس عنه يوم حنين قال لحارثة بالحاء المهملة ابن النعمان يا حارثة كم ترى الناس الذي ثبتوا فحزرتهم مائة فقلت يا رسول الله مائة فلما كان يوم من الايام مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يناجي جبريل عليه السلام عند باب المسجد فقال جبريل عليه السلام يا محمد من هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حارثة بن النعمان فقال جبريل عليه السلام هو أحد المائة الصابرة يوم حنين لو سلم لرددت عليه السلام فلما أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت له ما كنت لأظنه الا دحية الكلبي واقفا معك
وفي رواية لما فر الناس يوم حنين عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبق معه إلا اربعة ثلاثة من بنى هاشم ورجل من غيرهم علي بن ابي طالب والعباس وهما بين يديه وابو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان وابن مسعود من جانبه الأيسر ولا يقبل أحد من المشركين جهته صلى الله عليه وسلم إلا قتل
وذكر بعضهم أنه رأى أبا سفيان بن الحارث حينئذ آخذا بزمام بغلته صلى الله عليه وسلم ولا ينافي ما تقدم أن الآخذ بذلك العباس رضي الله عنه وأن أبا سفيان بن الحارث كان آخذا بركابه صلى الله عليه وسلم لجواز أن يكون أخذا بزمامها بعد أخذه بركابه صلى الله عليه وسلم
وعن ابي سفيان بن الحارث قال لما لقينا العدو بحنين اقتحمت عن فرسي وبيدي السيف مصلتا والله يعلم أني اريد الموت دونه وهو ينظر الي فقال له العباس يا رسول الله اخوك وابن عمك ابو سفيان فارض عنه فقال غفر الله له كل عداوة عادانيها ثم التفت الي وقال يا أخي فقبلت رجله في الركاب وقال الله عليه وسلم في حقه أبو سفيان ابن الحارث من شبان أهل الجنة او من سيد فتيان أهل الجنة وليس قوله صلى الله عليه وسلم أنا النبي لا كذب إلى آخره من الشعر لأن شرطه كما تقدم في بناء المسجد أن يكون عن قصد وروية بناء على أن مشطور ومنهوكه شعر وهو الصحيح خلافا للأخفش حيث رد على الخليل في قوله إن الرجز شعر بأنه وقع منه صلى الله عليه وسلم في قوله المذكور وقد قال الله تعاالى { وما علمناه الشعر وما ينبغي له }
____________________


ورد بأن ما يقع موزونا لا عن قصد لا يقال له شعر ولا يقال لقائله انه شاعر كما تقدم مع زيادة وإنما قال صلى الله عليه وسلم انا ابن عبد المطلب ولم يقل أنا ابن عبد الله لأن العرب كانت تنسبه صلى الله عليه وسلم الى جده عبد المطلب لشهرته ولموت عبد الله في حياته كما تقدم فليس من الافتخار بالآباء الذي هو من عمل الجاهلية كما تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم أنا ابن العواتك والفواطم وأخذ من هذا أنه لا باس بالانتساب في موطن الحرب
وذكر الخطابي انه صلى الله عليه وسلم إنما قال أنا ابن عبد المطلب على سبيل الافتخار ولكن ذكرهم صلى الله عليه وسلم بذلك رؤيا كان رآها عبد المطلب ايام حياته وكانت القصة مشهورة عندهم فعرفهم بها وذكرهم إياها وهي إحدى دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم
ثم نزل صلى الله عليه وسلم عن بغلته وقيل لم ينزل بل قال يا عباس ناولني من الحصباء فانخفضت به بغلته حتى كادت بطنها تمس الأرض ثم قبض قبضة من تراب قال بعضهم كأن الله أفقه أي أفهم البغلة كلامه صلى الله عليه وسلم أي علمت مراده
وفي رواية كما تقدم أنه قال لها يا دلدل البدي فلبدت أي انخفضت وفي رواية قال اربضي دلدل فربضت وقيل ناوله العباس ذلك وقيل ناوله علي وقيل ابن مسعود رضي الله عنهم فعنه حادت به بغلته فمال السرج فقلت ارتفع رفعك الله فقال ناولني كفا من تراب فناولته ثم استقبل بها وجوههم فقال شاهت الوجوه أي وفي رواية قال حم لا ينصرون وفي رواية جمع بينهما فما خلف الله منهم إنسانا الا ملأت عينيه وفمه ترابا تلك القبضة وقال انهزموا ورب محمد فولوا مدبرين أي وقال بعضهم ما خيل الينا الا أن كل حجر او شجر فارس يطلبنا
وحدث رجل كان من المشركين يوم حنين قال لما التقينا نحن واصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقوموا لنا حلبة شاة أن كشفناهم قال فبينما نحن نسوقهم ونحن في آثارهم إذ صاحب بغلة بييضاء وإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقانا عنده رجال بيض الوجوه حسان الوجوه وقالوا شاهت الوجوه ارجعوا فانهزمنا
____________________

من قولهم وركبوا أجسادنا فكانت أياها والى رميه صلى الله عليه وسلم بالحصى اشار صاحب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله ** رومى الحصى فأقصد جيشا ** ما العصا وما الإلقاء **
أي ورمى صلى الله عليه وسلم بالحصى فأهلك ذلك الجيش العظيم أي شيء عصا موسى عند ذلك الحصى وأي شيء إلقاء موسى عليه السلام لتلك العصا عند إلقاء ذلك الحصى شتان ما بينهما فلا يقاس هذه بذلك لأن هذا أعظم لأن انقلاب العصا حية كان مشابها لانقلاب حبالهم وعصيهم حيات لأن ابتلاعها لحبالهم وعصيهم لم يقهر العدو ولم يشتت شملهم بل زاد بعدها طغيانهم وعتوهم على موسى عليه السلام بخلاف هذه الحصى فإنه أهلك العدو وشتت شمله
أي وذكر انه عند القتال أنزل الله تعالى قوله يوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا الى قوله غفور رحيم
فقد جاء ان بعض اصحابه أي وهو ابو بكر رضي الله عنه كما في سيرة الحافظ الدمياطي قال يا رسول الله لن نغلب اليوم من قلة وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءته تلك الكلمة وقيل بل قائل ذلك هو صلى الله عليه وسلم لما رأى كثرة المسلمين وقيل قال ذلك فتى من الأنصار أي وهو سلمة بن الأكوع أو سلامه بن وقش
أي وجاء أنه صلى الله عليه وسلم رفع يومئذ يديه وقال اللهم أنشدك ما وعدتي اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا
أي واخرج البيهقي في الاسماء والصفات عن الضحاك قال دعا موسى عليه الصلاة والسلام حين توجه الى فرعون لعنه الله ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين كنت وتكون وأنت حي لا تموت تنام العيون وتنكدر النجوم وأنت حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ياحي يا قيوم
وكان أمام المشركين رجل على جمل أحمر بيده راية سوداء في راس رمح طويل وهوزان خلفه إذا أدرك طعن برمحه وإذا فاته رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه فبينما هو كذلك إذ أهوى اليه علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ورجل من الانصار يريدانه فأتى على من خلفه وضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه ووثب الأنصاري على الرجل فضرب ضرب أطن
____________________

قدمه بنصف ساقه واجتلد الناس فوالله ما رجعت راجعة المسلمين من هزيمتهم حتى وجدوا الاسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولما انهزم المسلمون تكلم رجال من أهل مكة بما في نفوسهم من الضعف ومنهم ابو سفيان بن حرب رضي الله عنه قيل وكان إسلامه بعد مدخولا وكانت الأزلام في كنانته فقال لا تنتهي هزيمتهم يعني المسلمين دون البحر أي وقال والله غلبت هوزان فقال له صفوان بفيك الكثيب أي الحجارة والتراب وقد وصلت الهزيمة الى مكة وسر بذلك قوم من مكة واظهروا الشماتة وقال قائل منهم ترجع العرب الى دين آبائها أي وقال آخر أي وهو أخو صفوان لأمه ألا قد بطل السحر اليوم فقال له صفوان وهو يومئذ مشرك اسكت فض الله فاك أي أسقط أسنانك والله لأن يربني من الربوبية أي يملكني ويدبر أمري رجل من قريش أحب الي من أن يربني رجل من هوازن
وفي رواية مر رجل من قريش على صفوان بن امية فقال أبشر بهزيمة محمد وأصحابه فوالله لا يجبرونه أبدا فغضب صفوان رضي الله عنه وقال اتبشرني بظهور الاعراب فوالله لرب رجل من قريش احب الى من رجل من الأعراب وقال عكرمة بن ابي جهل رضي الله عنه وكونهم لا يجبرونها أبدا هذا ليس بيدك الامر بيد الله ليس إلى محمد منه شيء إن أديل عليه اليوم فإن له العاقبة غدا فقال له سهيل بن عمرو والله ان عهدك بخلافة لحديث فقال له يا ابا يزيد كنا على غير شيء وعقولنا ذاهبة نعبد حجر الأيضر ولا ينفع
وعن شيبة الحجى رضي الله عنه أي حاجب البيت ويقال لبنيه بنو شيبة وهم حجبة البيت كما تقدم أنه كان يحدث عن سبب اسلامه قال ما رايت أعجب مما كنا فيه من لزوم ما مضى عليه آباؤنا من الضلالات ولما كان عام الفتح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وسار الى حرب هوزان قلت اسير من قريش الى هوازن بحنين فعسى ان اختلطوا ان أصيب من محمد غرة فأقتله فأكون انا الذي قمت بثار قريش كلها أي ولفظ اليوم أدرك ثأرى من محمد أي لأن اباه وعمه قتلا يوم احد قتلهما حمزة رضي الله عنه كما تقدم
وأقول لم لم يبق من العرب والعجم أحد الا اتبع محمدا ما اتبعته لا يزداد ذلك الامر
____________________

عندي الا شدة فلما اختلط الناس ونزل صلى الله عليه وسلم عن بغلته اصلت السيف ودنوت منه اريد منه ورفعت السيف حتى كدت اوقع به الفعل رفع الى شواظ من النار كالبرق كاد يهلكني فوضعت يدي على بصري خوفا عليه
وفي رواية لما هممت به حال بيني وبينه خندق من نار وسور من حديد فناداني صلى الله عليه وسلم يا شيبة ادن مني فدنوت منه فالتفت الى وتبسم وعرف الذي أريد منه فمسح صدري ثم قال اللهم أعذه من الشيطان قال شيبة فوالله لهو كان الساعة إذا أحب الى من سمعي وبصري ونفسي وأذهب الله ما كان في ثم قال صلى الله عليه وسلم ادن فقاتل فتقدمت أمامه أضرب بسيفي الله أعلم إني أحب أن أقيه بنفسي كل شيء ولو كان أبي حيا ولقيته تلك الساعة لأوقعت به السيف فجعلت الزمه فيمن لزنه حتى تراجع المسلمون وكرواكرة واحدة وقربت اليه صلى الله عليه وسلم بغلته فاستوى عليها قائما وخرج في أثرهم حتى تفرقوا في كل وجه أي لا يلوى أحد منهم على احد وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل من قدر عليه واتبعهم المسلمون يقتلونهم حتى قتلوا الذرية فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الذرية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله سلبه وفي رواية من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه
وفي الأصل في غزوة بدر ان المشهور أن قول النبي صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله سلبه إنما كان يوم حنين واما ماروى أنه قال ذلك يوم بدر ويوم احد فأكثر ما يوجد في رواية من لا يحتج به ومن ثم قال الامام مالك رضي الله عنه لم يبلغني ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك الا يوم حنين
وتعقب ما في الاصل بأنه وقع ذلك في غزوة مؤتة كما في مسلم وهي قبل الفتح
وفي كلام بعضهم كون السلب للقاتل أمر مقرر من أول الأمر وأنما تجدد يوم حنين للإعلام العام والمناداة لا لمشروعيته
وحدث أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة رضي الله عنه أستلب وحده عشرين رجلا أي قتلهم وأخذ أسلابهم
وقال ابو قتادة رضي الله عنه رأيت يوم حنين مسلما ومشركا يقتتلان وإذا رجل من المشركين يريد إعانة المشرك على المسلم فأتيته وضربت يده فقطعتها فاعتنقني بيده
____________________

الأخرى فوالله ما ارسلني وجدت ريح الموت ولولا ان الدم نزفه لقتلني فسقط وضربته فقتلته وأجهضني القتال من استلابه فلما وضعت الحرب اوزارها قلت يا رسول الله لقد قتلت قتيلا ذا سلب واجهضني عنه القتال فما أدري من استلبه فقال رجل من اهل مكة صدق يا رسول الله فأرضه عني من سلبه فقال ابو بكر رضي الله عنه والله لا يرضيه تعمد الى أسد من أسد الله يقاتل عن دين الله تقاسمه سلب قتيله وفي لفظ قال ابو بكر رضي الله عنه أي للنبي صلى الله عليه وسلم كلا تعطيه أضييع من قريش وتدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله والأضيع تصغير ضبع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق اردد عليه سلبه قال ابو قتادة رضي الله عنه فأخذته منه فاشتريت بثمنه أي السلب الذي جمعته الذي جمعته بستانا وادرك ربيعة بن رفيع دريد ابن الصمة فأخذ بخطام جملة وهو يظن أنه أمرأة فإذا هو شيخ كبير اعمى ولا يعرفه الغلام فقال له دريد ماذا تريد قال اقتلك قال ومن أنت قال انا ربيعة بن رفيع السلمي ثم ضرب بسيفه فلم يغن شيئا فقال له يسخر به بئس ما سلحتك أمك بن خذ سيفي هذا من مؤخرة الرحل ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة فرب يوم قد منعت فيه نساءك فقتله فلما أحبر ربيعة أمه بقتله فقالت له أما والله لقد اعتق اثنين بل ثلاثا وقالت له ألا تكرمت عن قتله لما اخبرك بمنه علينا فقال ما كنت لاتكرم عن رضا الله ورسوله
أي وقيل القاتل لدريد بن الصمة الزبير بن العوام رضي الله عنه وقيل عبد الله بن قبيع وكانت أم سليم رضي الله عنها مع زوجها أبي طلحة رضي الله عنه وهي حازمة وسطها ببرد لها وفي حزامها خنجر وكانت حاملا بابنها عبد الله فقال لها زوجها ابو طلحة ما هذا الخنجر معك يا أم سليم قالت إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به فقال ابو طلحة الا تسمع يا رسول الله ما تقول ام سليم الرميصاء فأعادت عليه القول فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك أي وكان يقال لها العمصياء والرميصاء وهي التي يخرج القذى من عينها ومن ثم قال بعضهم قيل له لها الرميصاء لرمص كان في عينها
وعن ولدها أنس بن مالك رضي الله عنه الله عنه قال قد مات ابي مالك عنها مشركا ثم خطبها عمي ابو طلحة وهو مشرك فأبت ودعته الاسلام فأسلم فقالت له إني أتزوجك ولا
____________________

آخذ منك صداقا غيره فتزوجها قال انس رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فسمعت خشفة فقلت من هذا فقالوا هذه العميصاء بنت ملحان ام انس بن مالك
وعنه رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أحد من النساء إلا أزواجه وإلا أم سليم فانه كان يدخل عليها فقيل له في ذلك فقال إني ارحمها قتل أخوها معي ولعل المراد أنه كان يكثر الدخول عليها كأزواجه ولا ينافي انه صلى الله عليه وسلم كان يدخل على غيرها من النساء الانصار لأن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز الاختلاء بالاجنبية فكان يدخل على أخت ام سليم وهي أم حرام بالراء رضي الله عنها وتفلى له رأسه الشريف وينام عندها ويدخل على الربيع ثم رأيته في الامتاع أشار الى ذلك
وفي مزيل الخفاء أن أم سليم واختها خالتا النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الرضاع وعليه فلا دلالة في دخوله صلى الله عليه وسلم عليهما والخلوة بهما على جواز الخلوة بالأجنبية
وعن أنس رضي الله عنه قال مات ابن لابي طلحة من ام سليم أي وهو ابو عمير الذي كان صلى الله عليه وسلم يداعبه ويقول أب عمير ما فعل النغير ذكره السيوطي في كتابه تبريد الأكباد
وفي كلام بعضهم ما يفيد أنه غيره فقالت لأهلها لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا احدثه فجاء فقال ما فعل ابني قالت هو أسكن ما كان فقربت اليه عشاء فأكل وشرب ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها فلما رأت أنه قد شبع واصاب منها قالت يا ابا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت وطلبوا عاريتهم ألهم ان يمنعوا قال لا قالت فاحتسب ابنك فغضب ثم انطلق حتى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله لكما في غابر ليلتكما قال فحملت بعبد الله المذكور قالت ولما ولدته حملته وجئت به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل معك تمر فقلت نعم فناولته تمرات فألقاهن في فيه الشريف فلا كهن ثم فغز فالصبى فمجه فيه فجعل الصبي يتلمظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب الانصار التمر
____________________

وسماه عبد الله أي وجاء لعبد الله هذا الذي جاء من جماع تلك الليلة تسعة أولاد كلهم قد قرءوا القرآن
ولما أخبر أبو طلحة النبي صلى الله عليه وسلم بما تقدم عن أم سليم قال الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل صابرة بني إسرائيل فقيل يا رسول الله ما كان من خبرها قال كان في بني اسرائيل امرأة وكان لها زوج وكان له منها غلامان وكان زوجها امرها بطعام تصنعه ليدعوا عليه الناس ففعل واجتمع الناس في داره فانطلق الغلامام يعلبان فوقعا في بئر كانت في الدار فكرهت ان تنغص على زوجها الضيافة فأدخلتهما اليبت وسجتهما بثوب فلما فرغوا دخل زوجها فقال أي ابناي قالت هما في البيت وإنها كانت تمسح بشيء من الطيب وتعرضت للرجل حتى وقع عليها ثم قال أين ابناي قالت هما في البيت فناداهما أبوهما فخرجا يسعيان فقالت المرأة سبحان الله والله لقد كانا ميتين ولكن الله أحياهما ثوابا لصبري
ولما أنهزم القوم عسكر بعضهم بأوطاس فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في أثارهم ابا عامر الاشعري رضي الله عنه وسيأتي في السرايا ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر الاشعري رضي الله عنه وسيأتي في السرايا ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى معسكره قال شيبة فدخل خباءه فدخلت عليه مادخل عليه غيري حبا لرؤية وجهه وسرورا به فقال يا شيبة الي أراد الله خيرا مما اردت بنفسك ثم حدثني بكل ما اضمرته في نفسي مما لم أذكره لأحد قط فقلت إني أشهد ان لا إله الا الله وأنك رسول الله ثم قلت استغفر لي فقال غفر الله لك أي وقالت له صلى الله عليه وسلم أم سليم رضي الله عنها بابي أنت وأمي يا رسول الله اقتل هؤلاء الذين انهزموا عنك فإنهم لذلك أهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد كفى واحسن
وعن عائذ بن عمرو قال أصابتني رمية يوم حنين في جبتهي فسال الدم على وجهي وصدري فسد النبي صلى الله عليه وسلم الدم بيده عن وجهي وصدري الى ترقوتي ثم دعاني فصار اثر يده صلى الله عليه وسلم غرة سائلة كغرة الفرس
وجرح خالد بن الليد رضي الله تعالى عنه فتفل النبي صلى الله عليه وسلم في جرحه فلم يضره
أي فعن بعض الصحابة رضي الله عنهم قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما هزم الله الكفار ورجع المسلمون الى رحالهم يمشي في المسلمين ويقول من يدلني
____________________

على رحل خالد بن الوليد حتى دل عليه فوجده قد اسند الى مؤخرة رحله لأنه قد اثقل بالجراحة فتفل النبي صلى الله عليه وسلم في جرحه فبرئ
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال لقد رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون شيئا اسود اقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم فنظرت فإذا نمل أسود مبثوت قد ملا الوادي لم أشك أنها الملائكة ولم تكن الا هزيمة القوم
وفي سيرة الحافظ الدمياطي رحمه الله أن سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمر أرخوها بين اكتافهم أي فعن جمع من هوازن قالوا لقد راينا يوم حنين رجالا بيضا على خيل بلق عليها عمائم حمر قد أرخوها بين اكتافهم بين السماء والأرض وكتائب لا نستطيع ان نقاتلهم من الرعب منهم ولما وقعت الهزيمة أسلم ناس من كفار مكة وغيرهم لما رأوا نصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم
وعن شيبة الحجي قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين والله ما خرجت إسلاما ولكن خرجت اتقاء أن تظهر هوازن على قريش فوالله إني لواقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إني لأرى خيلا بلقا قال يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر فضرب بيده صدري ثم قال اللهم أحد شيبة فعل ذلك ثلاثا فما رفع صلى الله عليه وسلم يدع عن صدري الثالثة حتى ما أجد من خلق الله احب الي منه ويحتاج الى الجمع بينه وبين ما تقدم على تقدير صحتهما
وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبي والغنائم ان تجمع فجمع ذلك كله واحضره الى الجعرانة أي بسكون العين وتخفيف الراء وكثير من أهل الحديث يشددها وسمي المحل باسم امرأة كانت تلقب بذلك وقيل وهي التي نقضت غزلها من بعد قوة فكان بها الى أن انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أي من غزوة الطائف وفي هذه الغزوة سمي طلحة بن عبيد الله طلحة الجواد لكثرة انفاقه على العسكر
____________________

غزوة الطائف
ولما علم صلى الله عليه وسلم أن مالك بن عوف وجمعا من اشراف قومه لحقوا بالطائف عند انهزامهم أي الطائف بلد كبير كثير الأعناب والنخيل والفاكهة قيل سمي بذلك لأن جبريل عليه السلام طاف بها حين نقلها من الشام الى الحجاز بدعوة ابراهيم عليه الصلاة والسلام أي أن الله يرزقهم أي أهل مكة من الثمرات
أي وقيل إنهم بنوا حواليها حائطا وطافوا به تحصينا لهم وقيل هي جنة أصحاب الصريم كانوا نواحي صنعاء نقلها جبريل عليه السلام فسار بها الى مكة وطاف بها حول البيت ثم أنزلها في ذلك المكان أي ويقال له وج سمي ذلك باسم شخص من العماليق اول من نزل به وأن اؤلئك القوم تحصنوا في حصن به وأدخلوا فيه ما يصلحهم سنة خرج صلى الله عليه وسلم من حنين وتوجه اليهم وترك السبي بالجعرانة
أي وفي الامتاع أنه صلى الله عليه وسلم بعث بالسبي والغنائم الى الجعرانة مع بديل ابن ورقاء الخزاعي وفي كلام السهيلي وكان سبي حنين ستة آلاف رأس قد ولى صلى الله عليه وسلم عليه وسلم ابا سفيان بن حرب امرهم وجعله امينا عليهم هذا كلامه أي ولعل هذا بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف لأن ابا سفيان كان معه صلى الله عليه وسلم بالطائف كما سيأتي فلا معارضة
أي ومر صلى الله عليه وسلم بحصن مالك بن عوف فأمر به فهدم ومر بحائظ أي بستان لرجل من ثقيف قد تمنع فه فارسل اليه صلى الله عليه وسلم إما أن تخرج وإما ان نخرب عليك حائطك فأبي أن يخرج فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحراقه ومر صلى الله عليه وسلم بقبر فقال هذا قبر أبي رغال وهو ابو ثفيف أي وكان من ثمود قوم صالح أي وقد أصابته النقمة التي أصبات قومه بهذا المكان ثم دفن فيه أي بعد أن كان بالحرم ولم تصبه تلك النقمة فلما خرج من الحرم الى المكان المذكور اصابته النقمة
فعن بعض الصحابة حين خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الطائف فمررنا بقبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قبر أبي رغال وهو ابو ثقيف
____________________

وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج منه اصابته النقمة التي اصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه الحديث
وفي العرائس عن مجاهد قيل له هل بقي من قوم لوط أحد قال لا إلا رجل بقي أربعين يوما وكان بالحرم فجاءه حجر ليصيبه في الحرم فقام اليه ملائكة الحرم فقالوا للحجر ارجع من حيث جئت فإن الرجل في حرم الله تعالى فرجع فوقف خارجا من الحرم أربعين يوما بين السماء والارض حتى قضى الرجل حاجته وخرج من الحرم الى هذا المحل اصابه الحجر فقتله فدفن به
وابو رغال هذا هو الذي كان دليلا لأبرهة ليوصله الى مكة لما مر أبرهة بالطائف وتلقاه أهله واظهروا له الطاعة وقالوا له نرسل معك من يدلك على الطريق فأرسلوا أبا رغال معه دليلا كما تقدم وقال صلى الله عليه وسلم أية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه اصبتموه فابتدره الناس فنبشوه واستخرجوا منه الغصن وقدم صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه على مقدمته أي وهي خيل بني سليم مائة فرس قدمها من يوم خرج من مكة واستعمل عليهم خالد بن الوليد فلم يزل كذلك حتى وصل فلما وصل نزل قريبا من الحصن وعسكر هناك فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحات
أي وممن أصيب ابو سفيان بن حرب اصيبت عينه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وعينه في يده فقال يا رسول الله هذه عيني أصيبت في سبيل الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن شئت دعوت فردت عينك وإن شئت فالجنة وفي لفظ فعين في الجنة قال فالجنة ورمى بها من يده أي وقلعت عينه الثانية في القتال يوم اليرموك عند مقاتلة الرم فإن ابا سفيان رضي الله عنه كان في ذلك اليوم يحرض المسلمين على قتال الروم والثبات لهم ويقول لهم الله الله عباد الله انصروا الله ينصركم اللهم هذا يوم من أيامك اللهم أنزل نصرك على عبادك وذلك في آخر خلافة الصديق فإن الصديق رضي الله عنه توفي وهم في الاستعداد للقتال باليرموك وكان الامير على العسكر خالد بن الوليد رضي الله عنه
ولما ولي سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه أرسل البريد بعزل خالد وولاية ابي عبيدة ابن الجراح على العسكر فجاء البريد وقد التحم القتال بين المسلمين والروم واخذته
____________________

خيول المسلمين وسألوه عن الخبر فلم يخبرهم الا بخبر وسلامة واخبرهم عن امداد يجئ اليهم واخفى موت ابي بكر رضي الله تعالى عنه وتأمير ابي عبيدة فأتوا به الى خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه فأسر اليه موت ابي بكر وولاية عمر رضي الله تعالى عنهما وأخبره بما أخبر به الجند فاستحسن ذلك منه واخذ الكتاب فجعله في كنانته وخاف إن هو أظهر ذلك يتخاذل العسكر ثم لما هزم الله الروم وجمعوا الغنائم ودفنوا قتلى المسلمين وقد بلغوا ثلاثة آلاف دفع خالد رضي الله تعالى عنه الكتاب إلى أبي عبيدة رضي الله تعالى عنه فتولى ابو عبيدة ثم بعث ابو عبيدة أبا جندل رضي الله تعالى عنه بشير الى سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه بالتفح على المسلمين
ولما عزل سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه خالد بن الوليد وولى أبا عبيدة خطب الناس وقال إني اعتذر اليكم من خالد بن الوليد إني نزعته واثبت ابا عبيدة بن الجراح فقام اليه عمرو بن حفص وهو ابن عم خالد بن الوليد وابن عم ام سيدنا عمر فقال والله ما عدلت يا عمر لقد نزعت عاملا استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وغمدت سيفا سله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد قطعت الرحم وجفوت ابن العم فقال عمر رضي الله تعالى عنه إنك قريب القرابة حديث السن غضبت لابن عمك
ومات ممن خرج بالطائف اثنا عشر رجلا فارتفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى موضع مسجد الطائف الآن وكان معه صلى الله عليه وسلم من نسائه ام سلمة وزينب رض 4 ي الله تعالى عنهما فضرب لهما قبتين وكان يصلي بين القبتين الصلاة مقصورة مدة حصار الطائف وكانت ثمانية عشر يوما أي غير يومي الدخول والخروج وهذا هو المراد يقول فقهائنا لأنه صلى الله عليه وسلم أقامها بمكة عام الفتح لحرب هوازن يقصر الصلاة وقيل في مدة حصاره غير ذلكودخل صلى الله عليه وسلم خيمة أم سلمة وعندها اخوها عبد الله ومخنث وإذ المخنث يقول يا عبد الله إن فتح الله عليك الطائف غدا فعليك بابنه غيلان فان تقبل باربع وتدبر بثمان فلما سمعه صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل هذا عليكن واراد المخنث بالاربع التي تقبل بهن عكنها الاربع التي في بطنها ولكل عكنة طرفان فتكون ثمانية من خلفها فهي الثمانية التي تدبر بهن
اي وفي الامتاع كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى لخالته فاخته بنت عمرو
____________________

ابن عائذ يقال له ماتع وكان يدخل بيوته صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم كان يرى انه لا يفطن لشيء من أمر النساء ولا إربة له فسمعه صلى الله عليه وسلم وهو يقول لخالد بن الوليد ويقال لعبد الله اخي ام سلمة ان فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف غدا فعليك ببادية أي رضي الله تعالى عنها فإنه أسلمت وبادية بالياء تحت لا بالنون بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدر بثمن إذا قامت تثنت وإذا جلست تبنت وإذا تكلمت تغنت وبين رجليها مثل الإناء المكفوء ثم نفر كأنه الاقحوان فقال صلى الله عليه وسلم لا أرى هذا الخبيث يفطن لما اسمع
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال له قاتلك الله لقد أمعنت النظر ما كنت أظن هذا الخبيث يعرف شيئا من أمر النساء
وفي الأغاني أن هيتا بكسر الهاء وقيل بفتحها وإسكان التحتية بعدها مثناة والهيت الأحمق المخنث قال لعبد الله بن أمية إن فتح الله عليكم الطائف فاسأل النبي صلى الله عليه وسلم بادية بنت غيلان فإنها رداح شموع نجلاء إن تكلمت تغنت يعني من الغنة وإذا قامت تثنث موردة الخدين منحطة المانتين لقحاء الفخذين مسرولة الساقين كأنها قضيب بان وفي لفظ كأنها خوط بانه قصفت تقبل بأربع وتدبر بثمان وبين فخذيها شيء مخبوء كأنه الإناء المكفوء فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه قال لقد غلغلت النظر يا عدو الله ثم نفاه من المدينة الى الحمى وقال لا يدخل على أحد من نسائكم فقيل له صلى الله عليه وسلم إنه يموت جوعا فأذن له ان يدخل المدينة كل جمعة يسأل الناس
وقيل نفى صلى الله عليه وسلم كلا من ماتع وهيت الى الحمى فشكيا الحاجة فأذن لهما أن ينزلا كل جمعة يسألان الناس ثم يرجعان الى مكانهما فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلا المدينة فأخرجهما ابو بكر رضي الله تعالى عنه فلما توفي دخلا المدينة فأخرجهما عمر رضي الله تعالى عنه فلما مات دخلا
وغيلان أبو بادية هو الذي أسلم وعنده عشر نسوة فأمره صلى الله عليه وسلم ان يمسك أربعا ويفارق سائرهن
واختلف الفقهاء في ذلك فقال فقهاء الحجاز يختار اربعا وقال فقهاء العراق يمسك التى تزوج أولا ثم التي تليها الى الرابعة واحتج فقهاء الحجاز بترك الاستفصال
____________________


وغيلان هذا لما وفد على كسرى قال له أي ولدك أحب إليك فقال الغائب حتى يقدم والمريض حتى يعافى والصغير حتى يكبر
وكان المخنثون في زمانه صلى الله عليه وسلم ثلاثة هيت وماتع وهذم وقيل لهم ذلك لأنه كان في كلامهم لين وكانو يختضبون بالحناء كخضاب النساء لا أنهم يأتون الفاحشة الكبرى ويحتمل أن يكون كل من ماتع وهيت كان معه صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة وقد سمع منهما ما تقدم عنهما ويدل لهذا الاحتمال أنه نفاهما وفي البخاري أن القائل لعبد الله ما تقدم هو هيت ويحتمل أن الذي كان معه صلى الله عليه وسلم أحدهما وتكرر منه ذكر ما تقدم وتسميته باسم الآخر خلط من بعض الرواة فليتأمل
وقال اقبل خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ونادى من يبارز فلم يطلع اليه احد ثم كرر ذلك فلم يطلع اليه أحد وناداه عبد ياليل لا ينزل إليك منا أحد ولكن نقيم في حصننا فإن به من الطعام ما يكفينا سنين فإن أقمت حتى يذهب هذا الطعام خرجنا اليك بأسيافنا جميعا حتى نموت عن آخرنا أ هـونصب عليهم المنجنيق أي ورمى به كما في كلام غير واحد من أئمتنا وهو أول منجنيق رمى به في الإسلام أي ارشده إليه سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال إنا كنا بأرض فارس ننصب المنجنيقات على الحصون فنصيب من عدونا أي ويقال إن سلمان رضي الله تعالى عنه هو الذي عمله بيده وفيه أنه تقدم في خيبر أنه لما فتح حصن الصعب وجدوا فيه آلة حرب ودبابات ومنجنيقات إلا ان يقال سلمان صنع هذا المنجنيق الذي بالطائف لأنه يجوز أن يكون الذي وجدوه في خيبر لم يكن معهم في الطائف وتقدم في خيبر انه صلى الله عليه وسلم لما حاصر الوطيح وسلالم أربعة عشر يوما ولم يخرج أحد منهما هم صلى الله عليه وسلم أن يجعل عليهم المنجنيق وتقدم عن الامتاع أنه صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على حصن البراء وقد قدمنا أن ذلك لا يخالف قول بعضهم لم ينصب المنجنيق الا في غزوة الطائف لانه يجوز أن يكون مراد هذا البعض لم يرم به الا في غزوة الطائف أي كما أشرنا اليه
وأول من صنع المنجنيق إبليس فإن نمروذا لعنهما الله لما أراد ان يلقى إبراهيم عليهم الصلاة والسلام في النار بني الى جنب الجبل جدارا طوله ستون ذراعا ولما ألقوا الحطب وجعلوا فيه النار ووصلت النار الى رأس ذلك الجدار لم يدروا كيف يلقون إبراهيم فتمثل
____________________

لهم إبليس لعنه الله في صورة نجار فصنع لهم المنجنيق ونصبوه على راس الجبل ووضعوه فيه وألقوه في تلك النار
وأول من رمى به في الجاهلية جذيمة الأبرش وهو أول من أوقد الشمع ودخل نفر من الصحابة تحت دبابة وزحفوا بها الى جدار الحصن ليحرقوه وفي الإمتاع دخلوا تحت دبابتين وكانا من جلود البقر فأرسلت اليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار فخرجوا من تحتها فرموهم بالنبل فقتل منهم رجال أي والدبابة بفتح الدال المهملة ثم موحدة مشددة وبعد الألف موحدة ثم تاء التأنيث وهي آلة من آلات الحرب تجعل من الجلود يدخل فيها الرجال فيدبون بها الى الاسوار لينقبوها وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعنابهم أي ونخيلهم وتحريقها فقطع المسلمون قطعا ذريعا فسألوه أن يدعها لله وللرحم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أدعها لله والرحم ونادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما عبد نزل من الحصن وخرج الينا فهو حر فخرج منهم بضعة عشر أي وقيل ثلاثة وعشرون رجلا ونزل منهم شخص في بكرة فقيل له ابو بكرة أي وكان عبدا للحارث بن كلدة فاعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفع كل رجل منهم الى رجل من المسلمين يمونه فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة قال واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن في أن يأتي ثقيفا في حصنهم ليدعوهم الى الإسلام فأذن له في ذلك فأتاهم فدخل في حصنهم فقال لهم تمسكوا في حصنكم فوالله لنحن أذل من العبيد أي زاد بعضهم ولا تعطوا بأيديكم ولا تتأثروا أي لا يشق عليكم قطع هذا الشجر فرجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما قلت لهم يا عيينة قال أمرتهم بالإسلام ودعوتهم اليه وحذرتهم النار ودلتهم على الجنة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت إنما قلت لهم كذا وقص عليه القصة فقال صدقت يا رسول الله أتوب الى الله وإليك من ذلك أ هـ
ولم يؤذن لرسول الله صى في فتح الطائف أي فإن خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون قالت له يا رسول الله ما يمنعك أن تنهض إلى أهل الطائف قال لم يؤذن لنا الآن فيهم وما أظن أن نفتحها الآن وقال له عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في ذلك فقال لم يؤذن لنا في قتالهم فقال رضي الله تعالى عنه كيف نقبل في قوم لم يأذن الله فيهم وفي لفظ إن خولة قالت يا رسول الله أعطني ان فتح الله عليك
____________________

الطائف حلى بادية بنت غيلان أو حلى الفارعة بنت عقيل وكانتا من أحلى نساء ثقيف فقال لها صلى الله عليه وسلم وإن كان لم يؤذن لنا في ثقيف يا خولة فذكرت خولة ذلك لعمر بن الخطاب فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما حديث حدثتنيه خولة زعمت أنك قلت لها قال قلته قال أو ما أذن الله فيهم يا رسول الله قال لا قال أو أذن بالرحيل قال بلى واستشار رسول الله بعض الناس أي وهو نوفل بن معاوية الديلي في الذهاب أو المقام فقال له يا رسول الله ثعلب في جحر إن أقمت اخذته وان تركته لم يضرك فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه فأذن في الناس بالرحيل فقبح الناس ذلك وقالوا نرحل ولم يفتح علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغدوا على القتال فغدوا فأصابت الناس جراحات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا قافلون إن شاء الله فسروا بذلك وأذعنوا وجعلوا يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك أي تعجبا من سرعة تغير رأيهم لأنهم رأوا أن رأيه صلى الله عليه وسلم أبرك وأنفع من رأيهم فرجعوا اليه وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده فلا ارتحلوا واستقبلوا قال قولوا آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون وقيل يا رسول الله ادع على ثقيف أهل الطائف فقال اللهم اهد ثقيفا وأئت بهم مسلمين ولعل صاحب الهمزية رحمه الله يشير إلى ذلك بقوله ** جهلت قومه عليه فأغضى ** وأخو الحلم دأبه الإغضاء ** ** وسع العالمين علما وحلما ** فهو بحر لم تعيه الأعباء **
أي آذاه صلى الله عليه وسلم قومه من قريش وغيرهم فأرخى جفنه حياء وصاحب عدم الانتقام شأنه إرخاء الجفن وسع علمه علوم العالمين من الإنس والجن والملك ووسع حلمه كل من صدر منه نقص فهو بسبب ذلك بحر واسع لم تتعبه الأحمال الثقيلة
ومن جملة من جرح سيدنا عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما رماه بسهم أبو محجن وطاوله ذلك الجرح إى أن مات به في خلافة أبيه ورثته زوجته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وكان يحبها حبا شديدا مر عليه أبوه يوم جمعة وهو يلاعبها وقد صلى الناس فقال عبد الله او جمع الناس فسمعه أبوه فقال أشغلتك عن
____________________

الصلاة لا جرم لا تبرحن حتى تطلقها فطلقها ثم تعب عبد الله بسبب طلاقها فاطلع عليه ابوه يوما فسمعه يقول أبياتا من جملتها ** فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها ** ولا مثلها في غير جرم تطلق **
فقال له يا عبد الله راجع عاتكة فقال لأبيه قف بمكانك وكان معه غلام مملوك له فقال الغلام انت حر لوجه الله اشهدا أني قد راجعت عاتكه فلما مات رضي الله تعالى عنه رثته بقولها في ابيات ** آليت لا تنفك عيني حزينة ** عليك ولا ينفك جلدي أغبرا **
ثم تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فلما أعرس بها قال له علي كرم الله وجهه أتأذن لي أن أكلم عاتكة فقال لا غيرة عليك كلمها فقال لها علي كرم الله وجهه أنت القائلة البيت ** آليت لا تنفك عيني قريرة ** عليك ولا ينفك جلدي أصفرا **
قالت لما اقل هكذا وبكت وعادت الى حزنها فقال له عمر رضي الله تعالى عنه يا أبا الحسن إلا إفسادها علي فلما قتل عمر رضي الله تعالى عنه رثته بأبيات منها ** من لنفس عادها احزانها ** ولعين شفها طول السهد ** ** جسد لفف في أكفانه ** رحمة الله على ذال الجسد ** ** ثم تزوجها الزبير رضي الله تعالى عنه فلما قتل رثته بأبيات منها تخاطب قاتله ** ثكلتك امك أن قتلت لمسلما ** حلت عليك عقوبة المتعمد **
ثم خطبا سيدنا علي كرم الله وجهه فقالت له لم يبق للإسلام غيرك وأنا أنفس لك عن القتل ومن ثم قيل في حقها من أراد الشهادة فعليه بعاتكة
وعند منصرفه صلى الله عليه وسلم من ذلك أي وبينا هو يسير ليلا بواد بقربب الطائف إذ غشى سدرة في سواد الليل وهو في وسن النوم فانفرجت السدرة له نصفين فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين نصفيها وبقيت منفرجة على حالها أي وعند انحداره صلى الله عليه وسلم الى الجعرانة لقيه سراقة وهو واضع الكتاب الذي كتبه له صلى الله عليه وسلم عند الهجرة بين أصبعيه وينادي أنا سراقة وهذا كتابي فقال صلى الله عليه وسلم هذا يوم وفاء ومودة أدنوه فأدنوه منه وساق اليه الصدقة
____________________

وسأله عن الضالة من الإبل ترد حوضه الذي ملأه لإبله هل له في ذلك من أجر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم في كل ذات كبد حراء أجر
وعند وصوله صلى الله عليه وسلم الى الجعرانة أحصى السبي فكان ستة آلاف رأس والإبل أربعة وعشرين ألفا والغنم أكثر من أربعين ألفا وأربعة آلاف أوقية فضة
فأعطى صلى الله عليه وسلم للمؤلفة أي من أسلم من أهل مكة فكان أولهم أبا سفيان بن حرب رضي الله تعالى عنه أعطاه اربعين أوقية ومائة من الإبل وقال ابني يزيد ويقال ويقال له يزيد الخير فأعطاه كذلك وقال ابني معاوية فأعطاه كذلك فأخذ ابو سفيان رضي الله تعالى عنه ثلثمائة من الإبل ومائة وعشرين أوقية من الفضة وقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله لأنت كريم في الحرب وفي السلم أي وفي لفظ لقد حاربتك فنعم المحارب كنت وقد سالمت فنعم المسالم أنت هذا غاية الكرم جزاك الله خيرا
وأعطى حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه مائة من الإبل ثم سأله مائة أخرى فأعطاه إياها أي وفي الامتاع وسأله حكيم بن حزام مائة من الإبل فأعطاه ثم سأله مائة فأعطاه ثم سأله مائة فأعطاه وقال له يا حكيم هذا المال خضر حلو من أخذه بسخاوة نفس بورك ما فيه ومن أخذه باشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى فأخذ حكيم المائة الأولى وترك ما عداها أي وقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا لا ارزا أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا فكان ابو بكر رضي الله تعالى عنه يدعو حكيما ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئا ثم إن عمر رضي الله تعالى عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله فقال عمر يا معشر المسلمين إني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبي أن يأخذه
وأعطى صلى الله عليه وسلم الأقرع بن حابس مائة من الإبل واعطى عيينة مثله واعطى العباس بن مرداس أربعين من الإبل فقال في ذلك شعرا أي يعاتبه صلى الله عليه وسلم به حيث فضل الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن عليه وهو ** أتجعل نهبي ونهب العبي ** د يعني فرسه بين عيينة والأقرع ** ** وما كان حصن ولا حابس ** يفوقان مرداس في مجمع ** ** وما كنت دون امرئ منهم ** ومن تضع اليوم لا يرفع **
فأعطاه صلى الله عليه وسلم تمام المائة أي وفي رواية أنه قال اقطعوا عنى لسانه
____________________

وفي الكشاف أنه صلى الله عليه وسلم قال يا أبا بكر اقطع لسانه عنى واعطه مائة من الإبل هذا كلامه وحينئذ يتوقف في قولهم فظن ناس أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يمثل به وفزع هو أيضا لذلك فأتى به الى الغنائم وقيل له خذ منها ما شئت فقال إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع لساني بالعطاء فكره أن يأخذ منها شيئا فبعث اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلة وفي رواية فأتم له رسول صلى الله عليه وسلم مائة وروى بدل فما كان حصن ولا حابس فما كان بدر ولا حابس وهو صحيح أيضا لأن بدرا جد حصن ابو ابيه فانتسب تارة الى ابيه حصن وتارة الى جد ابيه بدر فإن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ويروى بدل مرادس شيخي بالإفراد يعني والده ويروي بالتثنية يعني والده وجده
وفي كلام بعضهم كانت المؤلفة ثلاثة أصناف صنف يتألفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلموا كصفوان بن أمية وصنف ليثبت إسلامهم كأبي سفيان بن حرب وصنف لدفع شرهم كعيينة بن حصن والعباس بن مرداس والأقرع بن حابس
لكن في رواية قيل يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة وتركت جعيل بن سراقة فقال أما والذي نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة والأقرع ولكني تألفتهما ووكلت جعيل بن سراقة الى إسلامه وتقدم أن جعيلا هذا كان من فقراء المسلمين وكان رجلا صالحا دميما قبيحا وهو الذي تصور الشيطان بصورته يوم أحد وقال إن محمدا قد مات وجاء إني لأعطى الرجل وغيره أحب الى منه خشية أن يكب في النار على وجهه وقال صلى الله عليه وسلم إن من الناس ناسا نكلهم الى إيمانهم منهم فرات بن حبان وأعطى صفوان بن امية ما تقدم ذكره وهو جميع ما في الشعب من غنم وإبل وبقر وكان مملوءا وكان ذلك سببأ لإسلامه كما تقدم
أقول في كلام ابن الجوزي رحمه الله اعلم أن من المؤلفة قلوبهم أقواما تؤلفوا في بدء الاسلام ثم تمكن الإسلام في قلوبهم فخرجوا بذلك عن حد المؤلفة وإنما ذكرهم العلماء في المؤلفة اعتبارا ببداية أحوالهم وفيهم من لم يعلم منه حسن الإسلام والظاهر بقاؤه على حالة التأليف
ولا يمكن أن يفرق بين من حسن اسلامه وبين من لم يحسن اسلامه لجواز ان يكون
____________________

من ظننا به شر أنه على خلاف ذلك إذا الإنسان قد يتغير عن حاله ولا ينقل إلينا أمره فالواجب أن نظن بكل من نقل عنه الإسلام خيرا
وقد جاء عن انس رضي الله عنه قال كان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم لشيء يعطاه من الدنيا فلا يمسى حتى يكون الإسلام أحب اليه من الدنيا وما فيها هذا كلام ابن الجوزي والعباس بن مرداس أسلم قبل الفتح بيسير وكان ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية والله أعلم ولا زال صلى الله عليه وسلم يعطى الرجل ما بين مائة وخمسين من الإبل أي وذلك من الخمس كما سيأتي
ثم أمر صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت باحصاء الناس والغنائم أي ما بقي منها وهي الاربعة الأخماس الباقية بعد إعطاء من تقدم ما تقدم من الخمس وقسمتها عليهم أي بعد أن اجتمعوا اليه وصاروا يقولون يا رسول الله أقسم علينا حتى ألجئوه صلى الله عليه وسلم إلى شجرة فاختطفت رداءه فقال ردوا ردائي أيها الناس فو الله إن كان لي فيه شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كدودا ثم قام صلى الله عليه وسلم الى جنب بعيره فأخذ وبره من سنامه ثم رفعها ثم قال أيها الناس والله مالي من فيئكم أي غنيمتكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس والخمس مردود عليكم فأدوا الخيط والمخيط فإن الغلول يكون على أهله عارا وشنارا ونارا يوم القيامة فجاء شخص من الأنصار بكبة من خيوط شعر وقال يا رسول الله أخذت هذه الكعبة أعمل بها بردعة بعير لي دبر فقال أما نصيبي منها فلك قال أما إذا بلغت هذا فلا حاجة لي بها وألقاها
ويروى أن عقيلا كان دفع لامرأته ابرة أخذها من الغنيمة أي فإنها قالت له إني قد علمت أنك قد قاتلت فماذا أصبت من الغنيمة فقال دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك فسمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أخذ شيئا فليرده حتى الخيط والمخيط فرجع وأخذها منها وألقاها في الغنائم
وفي كلام السهيلي أن ابا جهم بن حذيفة العدوي كان على الأنفال يوم حنين فجاءه خالد بن البرصاء وأخذ من الأنفال زمام شعر فمانعه أبو جهم فلما تمانعا ضربه ابو جهم بالقوس فشجه منقلة فاستعدى عليه خالد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له خذ خمسين شاة ودعه فقال أقدني منه فقال خذ مائة ودعه فقال أقدني منه فقال
____________________

خذ خمسين ومائة ودعه ليس لك إلا ذلك ولا أقيدك من وال عليك فقومت المائة والخمسون بخمس عشرة فريضة من الإبل فمن هنا جعلت دية المنقلة خمس عشرة فريضة ولما قسم ما بقي خص كل رجل اربعا من الإبل واربعين شاة فإن كان فارسا أخذ ثنتي عشرة بعيرا وعشرين ومائة شاة وإن كان معه أكثر من فرس لم يسهم الا لفرس واحد ومن ثم لم يعط الزبير رضي الله عنه إلا فرس واحد وكان معه أفراس وبه أخذ إمامنا الشافعي رضي الله عنه فقال لا يعطي الا لفرس واحد وقال بعض المنافقين قيل وهو معتب هذه القسمة ما عدل فيها ولا أريد بها وجه الله فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغير وجهه الشريف أي حتى صار كالصرف بكسر الصاد المهملة وهو شيء أحمر يدبغ به الجلد وفي رواية فغضب صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا واحمر وجهه وقال من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحمة الله على أخي موسى عليه السلام لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر انتهى
ولعل من ذلك أن قارون ابن خالة موسى عليه السلام أو ابن عمه حمله البغي والشر على أن أحضر امرأة بغيا وجعل لها جعلا على أن ترمي موسى بنفسها واحضر بني اسرائيل واعلمهم بذلك ودعا موسى عليه السلام وقال له إن قومك اجتمعوا فاخرج اليهم لتأمرهم وتنهاهم فخرج عليه السلام إليهم وقال لهم يا بني اسرائيل من سرق قطعناه ومن افترى جلدناه ومن زنى محصنا رجمناه حتى يموت ومن زني وهو لم ينكح جلدناه مائة جلدة فقال له قارون وإن كنت أنت قال وإن كنت أنا قال فإن بني اسرائيل زعموا أنك فجرت بفلانة فقال ادعها فإن قالت فهو كما قالت فأنت فقال موسى يا فلانة أنشدك بالذي أنزل التوراة أصدق قارون فقالت أما إذا أنشدتني فقد أشهد أنك برئ وأنك رسول الله وإن قارون جعل لي جعلا على أن أرميك بنفسي وجاءت بخريطتين فيهما دراهم عليهما ختمه وقالت للملأ إن قارون أعطاني هاتين وهذا ختمه وأعوذ بالله أن أفترى على الله فنظر القوم الى ختمه فعلموا صدقها فخر موسى ساجدا فأوحى الله اليه أن ارفع راسك فإني أمرت الأرض أن تطيعك فخسف به فهو يتجلجل في الأرض يخسف به في كل يوم مقدار قامة الى يوم القيامة
ولعل من ذلك أيضا ان بني اسرائيل قالوا لموسى عليه السلام إن طائفة تزعم أن الله لا يكلمك فخذ منا من يذهب معك ليسمعوا كلامه تعالى فيؤمنوا فأوحى الله لموسى عليه
____________________

السلام أن اختر سبعين من خيارهم واصعد بهم الجبل انت وهارون واستخلف يوشع ففعل فلما سمعوا كلامه سبحانه سالوه أن يريهم الله جهرة
ومن ذلك نسبته الى أنه قتل أخاه هرون عليهما السلام كما تقدم أي وقيل إن قائل هذه القسمة ما عدل فيها ذو الخويصرة التميمي وهو غير ذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد فقد جاء أن ذا الخويصرة التميمي وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا محمد قد رايت ما صنعت في هذا اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل فكيف رأيت قال لم أرك عدلت فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون فقال عمر رضي الله عنه ألا نقتله قيل وقال خالد بن الوليد رضي الله عنه ألا أضرب عنقه
قال الإمام النووي رحمه الله ولا تعارض لان كل واحد منها استأذن فيه أي ففي مسلم فقام اليه عمر رضي الله عنه فقال يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال لا ثم أدبر فقام إليه خالد رضي الله عنه فقال يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال لا لعله أن يكون يصلي قال خالد رضي الله عنه وكم مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول الله صلى ا 4 لله عليه وسلم إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا اشق بطونهم
وفي مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال بعث علي كرم الله وجهه وهو ياليمن بذهبه في تربتها أي لم تخلص من ترابها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اربعة نفر الأقرع بن حابس وعيينة بن بدر وعلقمة ابن علاثة وزيد الخير فغضب قريش فقالوا يعطي صناديد نجد ويدعنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم فجاء رجل فقال اتق الله يا محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن يطع الله إن عصيته يأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني وفي رواية ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء فجاء رجل فقال ما تقدم فقاله له ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله
ولعل هذه القسمة غير قسمة غنائم حنين وإن الرجل الذي قال له ما ذكر يحتمل أن يكون واحدا منهما أو من شيعة ذلك الرجل الذي قال له في أحدهما
وذكر بعضهم ان ذا الخويصرة اصل الخوراج وانه صلى الله عليه وسلم قال دعوه
____________________

فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية وفي رواية قال عمر رضي الله عنه يا رسول الله دعني فأقتل هذا المنافق فقال معاذ الله أن يتحدث الناس إني أقتل أصحابي إن هذا وأصحابه أي جماعة يخرجون من صلبه فهو اصل الخوراج يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم وفي لفظ تراقيهم لا تفقهه قلوبهم ليس لهم حظ منه إلا تلاوة الفم وإنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد وثمود أي قتلا متأصلا لعامتهم وفي رواية إذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم اجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة وبهذا استدل من يقول بجواز قتل الخوارج وقد قاتلهم علي كرم الله وجهه وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الخوارج أهم كفار فقال من الكفر فروا فقيل أمنافقون فقال إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا وهؤلاء يذكرون الله كثيرا فقيل ما هم فقال اصابتهم فتنة فعموا وصموا فلم يجعلهم صلى الله عليه وسلم كفارا لأنهم تعلقوا بضرب من التأويل
وحنيئذ يكون المراد بالدين وفي وصفهم بالمروق من الدين الطاعة لا الملة ويبعده رواية بدل الإيمان الإسلام وكان مصداق ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذا الخويصرة خرج منه حرقوص المعروف بذي الثدية وهو أول من بويع من الخوراج بالأمانة
والخوارج قوم يكفرون مرتكب الكبيرة ويحكمون بحبوط عمل مرتكبها وتخليده في النار ويحكمون بأن دار الإسلام تصير بظهور الكبائر فيها دار الكفر ولا يصلون جماعة
وسبب مقاتلة سيدنا على كرم الله وجهه لهم أنهم نقموا عليه التحكيم الذي وقع بينه وبين معاوية في صفين وقالوا لا حكم الا الله وأنت كفرت حيث حكمت الحكمين فإن شهدت على نفسك أنك كفرت فيما كان من تحكميك الحكمين واستأنفت التوبة والإيمان نظرنا فيما سألتنا من الرجوع اليك وإن تكن الأخرى فإنا ننابذك على سواء إن الله لا يهدي كيد الخائنين فلما أيس من رجوعهم اليه قاتلهم وحرقوص هذا اول ما رق من الدين وكان رجلا اسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم إن فيهم رجلا له عضد وليس له ذراع على راس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض
____________________


ولما قاتلهم علي كرم الله وجهه وقتل غالبهم التمس ذلك الرجل فأتى به فإذا هو له ثدي كثدي المرأة وفي رواية التمسوه في القتلى فلم يجدوه فقام علي كرم الله وجهه بنفسه فطاف في القتلى فأخرجوه من بينهم فكبر علي كرم الله وجهه ثم قال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول إن فيهم رجلا له عضد وليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض فقام اليه عبيدة السلماني فقال يا أمير المؤمنين والله الذي لا إله إلا هو أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إي والله الذي لا إله إلا هو حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له
وعن ألي سعيد الخدري رضي الله عنه لما أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطي من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجدوا في أنفسهم أي غضبوا حتى كثرت منهم القالة أي وهي القول الردئ أي حتى قال بعضهم إن هذا لهو العجب يعطي قريشا وفي لفظ الأفغء والمهاجرين ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم أي إن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دماء قريش وإن غنائمنا ترد عليهم وفي راوية إذا كانت شديدة ندعى إليها ويعطى الغنيمة غيرنا وفي رواية سيوفنا تقطر من دمائهم وهم يذهبون بالمغنم فإن كان من أمر الله صبرنا وإن كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم استعتبناه فدخل عليه سعد بن عبادة رضي الله عنه فقال يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم أي غضبوا لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء قال فاين أنت من ذلك يا سعد فقال يا رسول الله ما أنا إلا من قومي قال فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة أي وهي قبة من أدم أي وفي كلام بعضهم أن الحظيرة الزريبة التي تجعل للإبل والغنم من الشجر لتقيها من البرد والريح ولعل هذا باعتبار الأصل فلا مخالفة فلما اجتمعوا له أتى سعد اليه صلى الله عليه وسلم فقال اجتمع لك هذا الحي من الأنصار فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فقال لهم أفيكم احد من غيركم قالوا لا إلا ابن أخت لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ابن أخت القوم منهم وفي رواية قال من كان ههنا من غير الأنصار فليرجع الى رحله وذكر بعضهم أن سبب إيراد ابن اخت القوم منهم أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه اجمع لي من هنا من قريش فجمعهم
____________________

له ثم قال تخرج اليهم ام يدخلون قال أخرج فخرج صلى الله عليه وسلم فقال يا معشر قريش هل فيكم من غيركم قالوا لا إلا ابن اختنا فذكره ثم قال يا معشر قريش إن أولى الناس المتقون فانظروا لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالدنيا تحملونها فأصد عنكم بوجهي انتهى
فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال يا معشر الأنصار ما مقاله بلغتني عنكم وجدة وجدتموها على في أنفسكم والمقالة كما علمت الكلام الردئ والجدة الغضب والمعروف أنه الموجودة ومن ثم قال بعضهم الجدة في المال والموجدة في الغضب ألم آتكم ضلالا فهداكم الله بي وعالة فأغنا كم الله بي واعداء فألف بين قلوبكم أي وفي لفظ وكنتم متفارقين فجمعكم الله وفي لفظ يا معشر الأنصار ألم يمن الله عليكم بالإيمان وخصكم بالكرامة وسماكم بأحسن الأسماء انصار الله وانصار رسوله قالوا بلى الله ورسوله أمن وأفضل ثم قال صلى الله عليه وسلم ألا تجييوني يا معشر الانصار قالوا بماذا نجيبك يا رسول الله لله ولرسوله المنة والفضل أي وفي لفظ قالوا يا رسول الله وجدتنا في ظلمة فأخرجنا الله بك الى النور ووجدتنا على شفا جرف من النار فأنقذنا الله بك ووجدتنا ضلالا فهدانا الله بك فرضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فافعل ما شئت فأنت يا رسول الله في حل قال إذن والله لو شئتم لقلتم فصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فأويناك وعائلا فأغنيناك أي وخائفا فأمناك أوي أي إن كان متعديا كما هنا فالأفصح المد وإن كان قاصرا فالأفصح القصر قال تعالى وأويناهما الى ربوة وقال تعالى إذ أوى الفتيه الى الكهف قال فقال الانصار المن لله ورسوله والفضل علينا وعلى غيرنا فقال ما حديث بلغني عنكم فسكتوا فقال ما حديث بلغني عنكم فقال فقهاء الأنصار أما رؤساؤنا فلم يقولوا شيئا وأما ناس منا حديثة أسنانهم قالوا يغفر الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم أي وفي رواية ما الذي بلغني عنكم قالوا هو الذي بلغك لأنهم لا يكذبون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعطي رجالا حديثو عهد بكفر أتألفهم أه أي وفي رواية إن قريشا حديثو عهد بجاهلية ومصيبة وإني اردت أن اجبرهم وأتالفهم أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لغاغة بضم اللام وغينين معجمتين أي شيء قليل من الدنيا ألفت بها
____________________

قوما ليسلموا أي ليحسن إسلامهم ويسلم غيرهم تبعالهم ووكلتكم إلى إسلامكم الثابت الذي لا يزلزل ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله الى رحالكم فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت رجلا من الأنصار أي لانتسبت الى المدينة ولو سلك الناش شعبا أي بكسر الشين المعجمة وهو ما انفرج بن جبلين وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الانصار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وفي لفظ فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا أي وقوله صلى الله عليه وسلم للأنصار ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي ليس من المن المذموم في قوله صلى الله عليه وسلم آفة السماحة المن بل هو من التذكير بنعمة الله لكن يشكل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار ألا تجيبوني الخ فليتأميل أي وقد جاء في مدح الأنصار اللهم اغفر للأنصار وأبناء ولأزواج الأنصار ولذرارى الأنصار الأنصار كرشي وعيبتي وإن الناس يكثرون ويقلون فاقبلوا من محسنهم وتجاوزا عن مسيئهم وفي لفظ آخر اللهم صل على الانصار وعلى ذرية الأنصار وعلى ذرية ذرية الأنصار وقال للأنصار أنتم شعار والناس دثار أي والشعار الثوب الذي يلي الجسد والدثار الثوب الذي يكون فوق ذلك الثوي فهم ألصق به وأقرب اليه صلى الله عليه وسلم من غيرهم وقال الأنصار حبهم إيمان وبغضهم نفاق اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار ولنساء الانصار ولنساء أبناء الانصار ولنساء أبناء أبناء الأنصار وفي لفظ اللهم اغفر للأنصار ولذراري الأنصار ولذراري ذراريهم ولمواليهم ولجيرانهم لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر وقال تؤذوا الأنصار فمن أذاهم فقد آذاني ومن نصرهم فقد نصرني ومن أحبهم فقد أحبني ومن أبغضهم فقد ابغضني ومن بغى غليهم فقد بغي على ومن قضى لهم حاجة كنت في حاجته يوم القيامة أسرع إن الله اختار دارهم لإعزاز دينه واختارهم لنبيه انصارا وقال صلى الله عليه وسلم حب الأنصار آية الإيمان وبغضهم آية النفاق وقال في الأنصار لا يحبهم الا مؤمن ولا يبغضهم الا منافق من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله وقال لهم اللهم أنتم أحب الناس إلى قالها ثلاثا وقال حسان رضي الله عنه في مدح الانصار ** سماهم الله أنصارا بنصرهم ** دين الهدى وعوان الحرب تستعر ** ** وسارعوا في سبيل الله واعترفوا ** للنائبات وما خافوا وما ضجروا ** انتهى
____________________


أي وقد وقع له صلى الله عليه وسلم نظير ذلك فعن عمرو بن ثعلبة أنه صلى الله عليه وسلم سبى فاعطى قوما ومنع قوما وقال إنا لنعطي قوما نخشى هلعهم وجزعهم ونكل قوما الى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن ثعلبة فكان عمرو رضي الله عنه يقول ما يسرني أن لي بها حمر النعم
ولما أسرت اخته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة الشماء بشين معجمة مفتوحة ومثناة تحتية ساكنة وميم بمدة ويقال الشماء بغير ياء واختلف في اسمها صارت تقول والله إني أخت صاحبكم ولا يصدقوها فأخذها طائفة من الأنصار حتى أتوابها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا محمد إني أختك قال وما علامة ذلك الحديث ثم قال لها ارجعي الى الجعرانة تكونين مع قومك فإني أمضي الى الطائف فرجعت الى الجعرانة فلما قدم صلى الله عليه وسلم الجعرانة جاءته فقالت يا رسول الله إني أختك أي وأنشدته أبياتا قال وما علامة ذلك بكسر الكاف لأنه خطاب لمؤنث قالت عضة عضضتنيها في ظهري وفي رواية ي وجهي وفي رواية في إبهامي وأنا متوركتك فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة 2 وفيرواية قال لها إن تكوني صادقة فإن بك منى أثرا لن يبلى فكشفت عن عضدها ثم قالت نعم يا رسول الله حملتك وانت صغير فعضضتني هذه العضة فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة فليتأمل وعند ذلك قام صلى الله عليه وسلم لها قائما وبسط لها رداءه وأجلسها عليه أي ودمعت عيناه وسألها عن أمه وأبيه فأخبرته بموتهما أي وقال لها سلى تعطى واشفعي تشفعي فاستوهبته السبى لرجونا أن يحابينا فاتته فقالت أتعرفني قال ما أنكرك فمن أنت قالت أنا اختك بنت أبي ذؤيب وآية ذلك أني حملتك ذات يوم فعضضت كتفي عضة شديدة هذا أثرها فرحب بها ثم استوهبته السبي وهم ستة آلاف فوهبه لها فما عرفت مكة مثلها ولا امرأة هي أيمن على على قومها منها وخيرها صلى الله عليه وسلم وقال إن أحببت فعندي محببة مكرمة وإن أحبتت أمتعتك وترجعى الى قومك قالت بلى تمتعني وتردني الى قومي فأعطاها غلاما يقال له مكحول وجارية وقيل بل أعطاها ثلاثة أعبد وجارية ونعما وشاء وقيل إن القادمة عليه صلى الله عليه وسلم أمه من الرضاع التي هي حليمة وتقدم الكلام عن ذلك
____________________


قال بعضهم وهذا العطاء الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤلفة من قريش إنما كان من خمس الخمس الذي هو سهمه صلى الله عليه وسلم لا من أربعة أخماس الغنيمة وإلا لاستأذن الغانمين في ذلك لأنهم ملكوها بحوزهم لها
ثم قدم صلى الله عليه وسلم وفد هوازن وهم أربعة عشر رجلا مسلمين ورأسهم زهير ابن صرد وفي لفظ يكنى بأبي صرد وأبو برقان بالموحدة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أي فقالوا يا رسول الله إنا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك وفي رواية قالوا يا رسول الله إن فيمن أصبتهم الأمهات والأخوات والعمات والخالات وهن مخازى الأقوام ونرغب إلى الله وإليك يا رسول الله وقال زهير يا رسول الله إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك أي لأن مرضعته صلى الله عليه وسلم حليمة كانت من هوازن أي وقال له أيضا ولو ملحنا أي أرضعنا للحارث بن أبي شمر أي ملك الشام أو للنعمان بن المنذر أي ملك العراق ثم نزل منا بمثل ما نزلت به رجونا عطفه وعائدته علينا وأنت خير المكفولين وأنشده أبياتا يستعطفه صلى الله عليه وسلم بها منها ** أمنن علينا رسول الله في كرم ** فإنك المرء نرجوه ونتظر ** ** أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ** إذ فوك مملوءة من مخضها الدرر **
أي الدفعات الكثيرة من اللبن إنا لنشكر للنعماء إن كفرت أي جحدت وفي لفظ ** إنا لنشكرآلاء وإن كفرت ** وعندنا بعد هذا يوم مدخر ** ** إنا نؤمل عفوا منك نلبسه ** هدى البرية أن تعفوا وتنتصر ** ** فألبس العفو من قد كنت ترضعه ** من أمهاتك إن العفو مشتهر **
فقال صلى الله عليه وسلم إن أحسن الحديث أصدقه أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم أي وفي لفظ البخاري أحب الحديث الى اصدقه فاختاروا إحدى الطائفين إما السبي وإما المال وفي رواية وقد كنت أستأنيت بكم حتى ظننت انكم لا تقدمون أي لأنه صلى الله عليه وسلم انتظرهم بعد أن قفل من الطائف بضع عشرة وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم قد وقعت المقاسم فأي الأمرين أحب اليكم أطلب لكم السبي أم الاموال وإنما قال صلى الله عليه وسلم قد وقعت المقاسم أي لأنه لا يجوز للإمام ان يمن على الأسرى بعد القسم وإنما يمن عليهم
____________________

قبله كما وقع له صلى الله عليه وسلم في يهود خيبر ولا يخفى ان هذا في الرجال دون الذراري فقالوا ما كنا نعدل بالأحساب شيئا أردد علينا نساءنا وأبناءنا فهو أحب الينا ولا نتكلم في شاة ولا بعير فقال صلى الله عليه وسلم أما مالي ولبني عبد المطلب فهو لكم أي وقال لهم فإذا أنا صليت الظهر بالناس فقوموا إنا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم الى المسلمين وبالمسلمين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبنائنا ونسائنا أي بعد أن قال لهم صلى الله عليه وسلم أظهروا إسلامكم وقولوا نحن أخوانكم في الدين فاسأل كلم الناس فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعد أن اثنى على الله بما هو أهله ثم قال اما بعد فإن اخوانكم هؤلاء جاءوا تائبين وإني قد رأيت أن ارد اليهم سبيهم فمن أحب أن يطيب بذلك فليفعل ومن أحب منك أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفئ الله علينا فيلفعل كذا في البخاري
وفي لفظ انه صلى الله عليه وسلم قاله وأما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي فله بكل إنسان ست فرائض من أول سبي اسبيه
وفي رواية فمن أحب منكم أن يعطي غيره مكره فيلفعل ومن كره ان يعطى ويأخذ الفداء فعلى فداؤهم ثم قال صلى الله عليه وسلم أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو كلم فقال المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الاقرع بن حابس أما أنا بنو تميم فلا وقال عيينة بن حصن أما أنا وبنو فزارة فلا وقال العباس بن مرداس أما أنا وبنو سليم فلا فقالت بن سليم بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال العباس بن مرداس وهنتموني أي أضعفتموني حيث صيرتموني منفردا
وفي رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء القوم جاءوا مسلمين وقد خيرتهم فلم يعدلوا بالابناء والنساء شيئا فمن كان عنده من النساء سبى فطابت نفسه أن يرده فليرده ومن أبى فليرد عليهم ذلك قرضا علينا بكل إنسان ست فرائض من أول ما يفئ الله علينا قالوا رضينا وسلمنا فردوا عليهم نساؤهم وابنائهم ولما فرق صلى الله عليه وسلم النساء نادى مناديه ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا غير الحبالي حتى يستبرئن بحيضة
____________________


وعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال اصبنا سبايا يوم حنين فكنا نلتمس فداءهن فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال اصنعوا ما بدا لكم فما قضى الله فهو كائن وليس من كل الماء يكون الولد قال ابو سعيد الخدري رضي الله عنه وكانت اليهود تزعم أن العزل الموءودة الصغرى فقال رسول الله كذبت اليهود ولو أراد الله ان يخلقه لا يستطع أحد أن يصرفه وجاء لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدا وقد جاء في الحديث ما قالت اليهود ففي مسلم وابن ماجه العزل الوأد الخفي أي لأن التحرز عن الولد بالعزل كدفته حيا فليتأمل وقد مر الكلام على ذلك مبسوطا
والفريضة البعير الذي يؤخذ في الزكاة لأنه فرض وواجب على رب المال والى عفوه صلى الله عليه وسلم عن هوازن أشار صحاب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله ** من فضلا على هوازن إذ ** كان له قبل ذاك فيهم رباء ** ** وأتى السبي فيه أخت الرضاع ** وضع الكفر قدرها والسباء ** ** فحباها برا توهمت النا ** س به أنما السباء هداء ** ** بسط المصطفى لها من رداء ** أي فضل حواه ذاك الرداء ** ** فغدت فيه وهي سيدة النس ** وة والسيدات فيه إماء **
أي اعتق صلى الله عليه وسلم هوازن قبيلة أمه من الرضاعة التي هي حليمة السعدية وكانوا ستة آلاف أدمي وإنما اعتقهم لأجل انه كان له وهو طفل فيهم رباء بفتح الراء والمد أي تربيته فيهم ولأجل أن أخته من الرضاعة أتت في ذلك السبي وتلك الأخت صغر كفرها وسباؤها قدرها الرفيع بأخوته صلى الله عليه وسلم فأعطاها برا وفعل معها معروفا حتى وقع في وهم الحاضرين بسبب ذلك أن سباءها هداء لها بكسر الهاء كالعروس التي تهدى لزوجها ومن بره صلى الله عليه وسلم لها أنه بسط لها رداءه لتجلس عليه أي شرف لذلك الرداء شرف عظيم لا غاية له بسبب مماسته لجسده الشريف فصارت في ذلك السبي سيدة من فيه من النساء وصار السيدات التي فيه بالنسبة اليها إماء وبمثل الجمع بين كون اخته المذكورة هي الشافعة في السبي وقبلت شفاعتها وبين كون السائل فيهم هوازن والأصل اقتصر على سؤال الوفد ورد جميع السبي ولم يتخلف عنه احد الا عجوز من عجائزهم كانت عند عيينة بن حصن أبي ان يردها وقال حين
____________________

أخذها أرى عجوزا إني لأحسب أن لها في الحي نسبا وعسى أن يعظم فداؤها ثم ردها بعد ذلك بعشر من الإبل وقيل بست أخذ ذلك من ولدها بعد أن ساومه فيها مائة من الإبل وقال له ولدها والله ماثديها بناهد ولا بطنها بوالد ولا فوها ببارد ولا صاحبها بواجد أي بحزين لفراقها ولا درها بناكد بالنون أي غزير وهو من الأضداد وقيل قائل ذلك له زهير
وقد يقال لا مخالفة لجواز أن زهيرا هو ولدها فقال عيينة خذاها لا بارك الله لك فيها قال وذلك ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم دعا على من أبي أن يرد من السبى شيئا أن يبخس أي يكسد فإن ولدها دفع له فيها مائة من الإبل فابي ثم غاب عنه ثم مر عليه معرضا عنه فقال خذها بالمائة فقال لا أدفع الا خمسين فابى فغاب عنه ثم مر عليه معرضا عنه فقال خذها بخمسين فقال لا ادفع الاخمسة وعشرين فأبى فغاب عنه ثم مر عليه معرضا عنه فقال خذها بالخمس والعشرين فقال لا آخذها إلا بعشرة وفي رواية الا بسته فقال له ما تقدم ولما أخذها ولدها قال لعيينة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسا السبي قبطية قبطية فقال لا والله ما ذاك لها عندي فما فارقها حتى أخذ لها منه ثوبا والقبطية بضم القاف وهو ثوب ابيض من ثياب مصر منسوب للقبط وهم أهل مصر وضم القاف من التغيير في النسب
أي وفي كلام بعضهم وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أن يقدم مكة فيشتري للسبي ثياب المتعة فلا يخرج الحر منهم الا كاسيا قال وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحبس أهل مالك بن عوف النضري بمكة عند عمتهم أم عبد الله بن أبي امية وكلمة الوفد في ذلك فقالوا يا رسول الله أولئك سادتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أريد بهم الخير ولم يجز أن تجري السهمان في مال مالك بن عوف وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن ما فعل مالك بن عوف قالوا يا رسول الله إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل فلما بلغ مالكا ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه وان ماله وأهله موفور وما وعده به نزل من الحصن مستخفيا خوفا أن تحبسه ثقيف إذا علموا الحال وركب فرسه وركضه حتى أتى الدهناء محلا معروفا ركب راحلته ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه
____________________

بالجعرانة وأسلم ورد عليه أهله وماله واستعمله صلى الله عليه وسلم عى من اسلم من هوازن فكان لا يقدر على سرح ثقيف إلا أخذه ولا رحل الا ميله وكان رضي الله عنه يرسل بالخمس مما يغنم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أ هـ
أي وجاء اعرابي الى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المحل الذي هو الجعرانة وهو المراد بقول بعضهم وهو بحنين لأن المراد منصرفه من غزوة حنين وعلى ذلك الأعرابي جبه وهو متضمخ بخلوق أي مصفر لحيته ورأسه وقد أحرم بعمرة فقال أفتني يا رسول الله وفي رواية قال له كيف ترى في رجل في رجل أحرم في جبة ما تضمخ بطيب فسكت ساعة ثم نزل عليه الوحي فلما سرى عنه قال أين السائل عن العمرة أخلع عنك الجبة واغسل عنك أثر الخلوق وفي رواية قال له صلى الله عليه وسلم ما كنت تصنع في حجك قال كنت أنزع هذه الجبة وأغسل هذه الخلوق فقال صلى الله عليه وسلم اصنع في عمرتك ما كنت صانعا في حجك واستند لذلك من يقول بحرمة التطيب قبل الإحرام بما يبقى عند الإحرام والراجح عند إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه استحباب ذلك
وجاءه رجل فوقف على رأسه الشريف فقال يا رسول الله إن لى عندك موعدا فقال له صدقت فاحتكم فقال أحتكم ثمانين ضائنة وراعيها فقال هي لك ولقد احتكمت يسيرا ولصاحبة موسى عليه الصلاة والسلام التى دلته على عظام يوسف عليه الصلاة والسلام كانت احزم حكما منك حين حكمها أن تردنى شابة وأدل معك الجنة كذا ذكره الغزالي رحمه اللله قال السخاوى وهذا أخرجه ابن حبان والحاكم وصحح إسناده وفيه نظر كما قال العراقى وهذا أصل في عدم إخلاف الوعد بالخير
ونقل الإمام النووي رحمه الله ان جماعة ذهبوا الى وجوب الوفاء بذلك ووجهه السبكي رحمه الله بأن اخلاف الوعد كذب والكذب حرام وترك الحرام واجب
وذكر الغزالي رحمه الله أن خلاف الوعد لا يكون كذبا الا إذا عزم حين الوعد على عدم الوفاء
أي ويدل لذلك ما جاء عن عبد الله بن ربيعة قال جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الى
____________________

بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت لألعب فقالت أمي يا عبدالله تعال أعطك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اردت أن تعطيه قالت أردت أن أعطيه تمرا قال لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة
وأحرم صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ودخل مكة ليلا واستمر يلبي حتى استلم الحجر ثم رجع من ليلته واصبح بها كبائت وفي لفظ اصبح بمكة كبائت وفيه نظر ولم يسق هديا في هذه العمرة وحلق راسه وكان الحالق رأسه الشرف ابا هند الحجام وقيل أبو خراش بن أمية الذي حلق رأسه صلى الله عليه وسلم في الحديبية وأتى بأعمال العمرة بعد أن أقام بالجعرانة ثلاثة عشرة ليلة وقال اعتمر منها سبعون نبيا غزوة تبوك
بعدم الصرف للعلمية والتأنيث ووقع في البخاري صرفها نظرا للموضع أي ويقال لها غزوة العسيرة ويقال لها الفاضحة لأنها أظهرت حال كثير من المنافقين
ففي شهر رجب سنة تسع أي بلا خلاف ووقع في البخاري أنها كانت بعد حجة الوداع قيل وهو غلط من النساخ بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام وانهم قدموا مقدماتهم الى البلقاء المحل المعروف
أي وذكر بعضهم ان سبب ذلك ان متنصرة العرب كتبت الى هرقل إن هذا الرجل الذي قدخرج يدعى النبوة هلك واصابت اصحابه سنون أهلكت أموالهم فبعث رجلا من عظمائهم وجهز معه أربعين ألفا أي ولم يكن لذلك حقيقة أي وإنما ذلك شيء قيل لمن يبلغ ذلك للمسلمين ليرجف به وكان ذلك في عسرة في الناس وجدب في البلاد أي وشدة من نحو الحر وحين طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم أي وكونه عند طيب الثمار يؤيد قول عروة بن الزبير إن خروجه صلى الله عليه وسلم لتبوك كان في زمن الخريف ولا ينافي ذلك وجود الحر في ذلك الزمن لأن اوائل الخريف وهو الميزان يكون فيه الحر وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها وورى بغيرها إلا ما كان من غزوة تبوك لبعد المشقة وشدة الزمن أي وكثرة العدو وليأخذ الناس أهبتهم وأمر الناس بالجهاز أي وبعث إلى مكة وقبائل العرب ليستنفرهم وحض أهل الغنى على النفقة والحمل في سبيل الله
____________________

أي أكد عليهم في طلب ذلك وهي آخر عزواته صلى الله عليه وسلم وأنفق عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها قال فإنه جهز عشرة الآلف أنفق عليها عشرة آلاف دينار غير الإبل والخيل وهي تسعمائة بعير ومائة فرس والزاد وما يتعلق بذلك حتى ما تربط به الأسقية
أي وفي كلام بعضهم أنه أعطى ثلثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها وخمسين فرسا وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم اللهم أرض عن عثمان فإني عنه راض
أي وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل الى أن طلع الفجر رافعا يديه الكريمتين يدعو لعثمان بن عفان يقول اللهم عثمان رضيت عنه فارض عنه وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال سالت ربي ان لا يدخل النار من صاهرته أو صاهرني
وجاء رضي الله تعالى عنه بألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها بيديه ويقول ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم يرددها مرارا أ هـ
وفي رواية جاء بعشرة آلاف دينار الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصبت بين يديه فجعل صلى الله عليه وسلم يقول بيديه ويقلبها ظهرا لبطن ويقول غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما كان منك وما هو كائن الى يوم القيامة ما يبالي ما عمل بعدها أي ولعل هذه العشرة آلالاف هي التي جهز بها العشرة آلاف إنسان وإنها أي العشرة غير الألف التي صبها في حجره صلى الله عليه وسلم
وأنفق غير عثمان أيضا من أهل الغنى قال وكان أول من جاء بالنفقة ابو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه جاء بجميع ماله أربعة الاف درهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أبقيت لأهلك شيئا قال أبقيت لهم الله ورسوله وجاء عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بنصف ماله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أبقيت لأهلك شيئا قال النصف الثاني وجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه بمائة أوقية أي ومن ثم قيل عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما كانا خزنتين من خزائن الله في الأرض ينفقان في طاعة الله تعالى وجاء العباس رضي الله تعالى عنه بمال كثير وكذا طلحة رضي الله تعالى عنه وبعثت النساء رضي الله تعالى عنهن بكل
____________________

ما يقدرن عليه من خليهن وتصدق عاصم بن عدي رضي الله تعالى عنه بسبعين وسقا من تمر أ هـمعناه صلى الله عليه وسلم جمع أي سبعة أنفس من فقهاء الصحابة يتحملونه أي يسألونه أن يحملهم فقال صلى الله عليه وسلم لا أجد ما احملكم به وعند ذلك تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون أي ما يحملهم ومن ثم قيل لهم البكاءون ومنهم العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه ولم يذكره القاضي البيضاوي في السبعة وحمل العباس رضي الله تعالى عنه منهم اثنين وحمل منهم عثمان رضي الله تعالى عنه بعد الجيش الذي جهز ثلاثة أي وحمل يا ميز بن عمرو النضري اثنين دفع لهما ناضحا له وزود كل واحد منهما صاعين من تمر وعدهم مغلطاي ثمانية عشر
وفي البخاري عن أبي موسى الاشعري قال أرسلني اصحابي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله الحملان لهم فقلت يا نبي الله إن أصحابي أرسلوني اليك لتحملهم فقال والله لا أحملكم عى شي وفي رواية والله لا أحملكم ولا أجد ما أحملكم عليه فرجعت حزينا الى اصحابي من منع النبي ومن مخافة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه حيث حلف على أن لا يحملهم قال فرجعت الى اصحابي فأخبرتهم الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فلم ألبث الا سويعة إذ سمعت بلالا ينادي اين عبد الله ابن قيس فأجبته قال أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فلما أتيته قال خذ هذه الستة أبعرة فانطلق بها الى اصحابك زاد بعضهم فعند ذلك قال بعضهم لبعض إغلقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي حملناه على يمين الغلق وقد حلف أن لا يحملنا ثم حملنا فو الله لا بارك لنا في ذلك فاتوه فذكروه فقال عليه الصلاة السلام أنا ما حملتكم الله حملكم ثم قال إني لا أحلف يمينا فارى غيرها خيرا منا إلا كفرت عن يمني وأتيت الذي هو خير أي فهو صلى الله عليه وسلم إنما حلف أن لا يتكلف لهؤلاء حملا بقرض ونحوه ما دام لا يجد لهم حملا فلا حنث وفيه أن هذا لا يناسب قوله إني لا أحلف الى آخره
وأجيب بأن هذه استثبات قاعدة لا تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حنث في يمينة بل خرج الكلام على تقدير كأنه قال لو حنثت في يمني حيث كان الحنث خيرا وكفرت عنها لكان ذلك شرعا واسعا بل ندبا راجحا ويؤيده أنه لم ينقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر عن هذه اليمين وحينئذ يحتاج الى الجمع بين هذا وما قبله
____________________


وقد يقال إن حمل العباس رضي الله تعالى عنه اثنين منهم الى آخره كان قبل وجود هذه الأبعرة الستة أو يدعي أن هؤلاء غير من تقدم
فلما تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار بالناس وهم ثلاثون ألفا أي وقيل أربعون ألفا وقيل سبعون ألفا وكانت الخيل عشرة آلاف فرس وقيل بزيادة ألفين
وخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله تعالى عنه على ما هو المشهور وقال الحافظ الدمياطي رحمه الله وهو أثبت عندنا وقيل سباع بن عرفطة أي وقيل ابن ام مكتوم وقيل علي بن ابي طالب قال ابن عبد البر وهو الأثبت هذا كلامه
وفي كلام ابن اسحاق وخلف عليا كرم الله وجهه على أهله وأمره بالإقامة فيهم وتخلف عنه عبد الله بن أبي ابن سلول ومن كان من المنافقين بعد أن خرج بهم وعسكر عبد الله بن أبي على ثنية الوداع أي أسفل منها لأن معسكره صلى الله عليه وسلم كان على ثنية الوداع وكان عسكر بعد الله بن ابي اسفل منه قال ابن اسحق رحمه اله وما كان فيما يزعمون بأقل العسكرين أي والتعبير عن ذلك بالزعم واضح لأنه يبعد أن يكون عسكر عبد الله مساويا لعسكره صلى الله عليه وسلم فضلا عن كونه أكثر منه فليتأمل وقال عند تخلفه يغزو محمد بني الأصفر مع جهد الحال والحر والبلد البعيد أي مالا طاقة له به يحسب محمد أن قتال بني الأصفر معه اللعب والله لكأني انظر الى اصحابه مقرنين في الحبال يقول ذلك إرحامأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأصحابه أي وقيل للروم بنو الاصفر لأنهم ولد روم بن العيص بن إسحاق نبي الله عليه السلام وكان يسمى الأصفر لصفرة به
فقد ذكر العلماء باخبار القدماء ان العيص تزوج بنت عمه اسماعيل فولدت له الروم وكان به صفرة فقيل له الأصفر وقيل الصفرة كانت بأبيه العيص
ولما ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثنية الوداع متوجها الى تبوك عقد الألوية والرايات فدفع لواءه الأعظم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ورايته صلى الله عليه وسلم العظمى للزبير رضي الله عنه ودفع راية الأوس لأسيد بن حضير رضي الله عنه وراية الخزرج الى الحباب بن المنذر رضي الله عنه ودفع لكل بطن من الأنصار ومن قبائل العرب لواء وراية أي لبعضهم راية ولبعضهم لواء وكان قد اجتمع جمع من المنافقين أي في بيت سويلم اليهودي فقال بعضهم لبعض أتحسبون جلاد بني الأصفر
____________________

أي وهم الروك كقتال العرب بعضهم بعضا والله لكانهم يعني الصحابة غدا مقرنون في الحبال يقولون ذلك ارجافا وترهيبا للمؤمنين والجلاد الضرب بالسيوف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك لعمار بن ياسر رضي الله عنه أدرك القوم فإنهم قد احترقوا فاسألهم عما قالوا فإن أنكروا فقل بل قلتم كذا وكذا فانطلق اليهم عمار فقال لهم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون اليه وقالوا إنما كان نخوض ونلعب فانزل الله تعالى { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } وقال صلى الله عليه وسلم للجد بن قيس يا جد هل لك في جلاد بني الأصفر قال يا رسول الله أو تأذن لي أي في التخلف ولا تفتني فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبا بالنساء مني وإني أخشى إن رأيت نساء بني الاصفر أن لا أصبر فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد أذنت لك فانزل الله تعالى { ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني } الآية وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال اغزوا تبوك تغنموا بنات بني الأصفر نساء الروم فقال قوم من المنافقين ائذن لنا ولا تفتنا فأنزل الله تعالى الآية { ألا في الفتنة سقطوا } أي التي هي التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة عنه
وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال للجد بن قيس يا أبا قيس هل لك أن تخرج معنا لعلك تحقب أي تردف خلفك من بنات بني الأصفر فقال ما تقدم وعند ذلك لامه ولده عبد الله رضي الله عنه وقال له والله ما يمنعك الا النفاق وسينزل الله فيك قرآنا فأخذ نعله وضرب به وجه ولده فلما نزلت الآية قال له ألم أقل لك فقال له اسكت يالكع فوالله لأنت أشدعلي من محمد وفي رواية أن الجد بن قيس لما امتنع واعتذر بما تقدم قال للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن أعينك بمالي فانزل الله تعالى { قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم } وتقدم أنه لم يبايع بيعة الرضوان وتقدم أنه تاب من النفاق وحسنت توبته وأنه صلى الله عليه وسلم قال لبني ساعدة من سيدكم فقالوا الجد بن قيس على بخل فيه فقال واي داء أدوأ من البخل قالوا يا رسول الله من سيدنا فقال بشر بن البراء بن معرور وفي رواية سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح وذكر ابن عبد البر ان النفس أميل الى الأول ومات الجد بن قيس في خلافة عثمان رضي الله عنه وقال بعض المنافقين لبعض لا تنفروا في الحر فأنزل الله تعالى { قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون } أي يعلمون { وجاء المعذرون } أي وهم الضعفاء والمقلون من
____________________

الاعراب ليؤذن لهم في التخلف فأذن لهم وكانوا اثنين وثمانين رجلا وقعد أخرون من المنافقين بغير عذر وإظهار علة جراءة على الله ورسوله وقد عناهم الله تعالى بقوله وقعد الذي كذبوا الله ورسوله
قال السهيلي وأهل التفسير يقولون إن آخر براة نزل قبل أولها وإن أول ما نزل منها { انفروا خفافا وثقالا } قيل معناه شبابا وشيوخا وقيل أغنياء وفقراء وقيل أصحاب شغل وغيرذي شغل وقيل ركبانا ورجالة ثم نزل أولها في نبذ كل ذي عهد الى صاحبه كما تقدم
وتخلف جمع من المسلمين منهم كعب بن مالك وهلال بن امية ومرارة بن الربيع من غير عذر وكانوا ممن لا ينهم في إسلامه
ولما خلف صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله وجهه ارجف به المنافقون وقالوا ما خلفه الا استثقالا له وحين قيل فيه ذلك أخذ علي كرم الله وجهه سلاحه ثم خرج حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف فقال يا نبي الله زعم المنافقون أنك ما خلفتني إلا استثقلتني وتخففت مني فقال كذبوا ولكنني خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في اهلي وأهلك أفلا ترضى يا علي ان تكون مني بمنزلة هرون من وموسى إلا أنه لا بنى بعدي أي فإن موسى عليه السلام حين توجه الى ميقات ربه استخلف هرون عليه السلام في قومه فرجع علي الى المدينة
وعن علي كرم الله وجهه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة وخلف جعفرا في أهله فقال جعفر والله لا أتخلف عنك فخلفني فقلت يا رسول الله اتخلفني الى شيء تقول قريش أليس يقولون ما اسرع ما خذل ابن عمه وجلس عنه وأخرى ابتغى الفضل من الله لأني سمعت الله يقول ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار الآية فقال اما قولك ان تقول قريش ما اسرع ما خذل ابن عمه وجلس عنه فقد قالوا إني سامر وإني كاهن وغي كذاب وأما قولك تبتغي الفضل من الله فلك أبي أسوة أي حيث تخلفت عن بعض مواطن القتال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى عليهما السلام أي ولم يتخلف عنه علي كرم الله وجهه في مشهد من المشاهد الا في هذه الغزوة
وادعت الرافضة والشيعة ان هذه من النص التفصيلي على خلافة علي كرم الله وجهه
____________________

قالوا لأنه جميع المنازل الثابتة لهرون من موسى سوى النبوة ثابتة لعلي كرم الله وجهه من النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لما صح الاستثناء أي استثناء النبوة بقوله إلا أنه لا نبي بعدي ومما ثبت لهرون من موسى عليه السلام استحقاقه للخلافة عنه لو عاش بعده أي دون النبوة
ورد بأن هذ الحديث غير صحيح كما قاله الآمدي وعلى تسليم صحته بل صحته هي الثابتة لأنه في الصحيحين فهو من قبيل الآحاد وكل من الرافضة والشيعة لا يراه حجة في الإمامة وعلى تسليم أنه حجة فلا عموم له بل المراد ما دل عليه ظاهر الحديث أن عليا كرم الله وجهه خليفة عن النبي صلى الله عليه وسلم في اهله خاصة مدة غيبته بتبوك كما أن هارون كان خليفة عن موسى في قومه مدة غيبته عنهم للمناجاة فعلى تسليم أنه عام لكنه مخصوص والعام المخصوص غير حجة في الباقي او حجة ضعيفة وقد استخلف صلى الله عليه وسلم في مرار أخرى غير علي فيلزم أن يكون مستحقا للخلافة وصار بعد مسيره صى يتخلى عنه الرجل فيقال تخلف فلان فيقول دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه
وكان ممن تخلف عن مسيره معه صلى الله عليه وسلم أبو خيثمة ولما أن سار صلى الله عليه وسلم اياما دخل ابو خيثمة على أهله في يوم حار فوجد امرأتين له في عريشيتين لهما في حائط قد رشت كل منهما عريشتها وبردتا فيها ماء وهيأتا طعاما وكان يوما شديد الحر فلما دخل نظر الى امرأيته وماصنعتا فقال رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحر وابو خيثمة في ظل بارد وماء مهيأ وامرأه حسناء ما هذا بالنصف ثم قال والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيئا لي زادا ففعلتا ثم قدم ناضحة فارتحل واخذ سيفه ورمحه كما في الكشاف أي ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل بتبوك وقد كان ابو خيثمة ادرك عمير بن وهب في طريق يطلب رسول الله فترافقا حتى دنوا من تبوك فقال خيثمة لعمير إن لي ذنبا فلا عليك ان تتخلف عن حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل فلما دنا أبو خيثمة قال الناس هذا ركب مقبل فقال رسول الله كن أبا خيثمة فقالوا يا رسول الله هو والله ابو خيثمة فلما أناخ اقبل يسلم على الرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه
____________________

وسلم أولى لك يا أبا خيثمة ثم اخبر رسول صلى الله عليه وسلم الخبر فقال له رسول الله خيرا ودعا له بخير أي واولى كلمة تهديد وتوعد
ولما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر ديار ثمود سجى ثوبه على رأسه واسحث راحلته وقال لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا الا وانتم باكون خوفا أن يصيبكم ما أصابهم أي لأن البكاء يتبعه التفكر والاعتبار فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله عز وجل على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته الى مثل ذلك ونهى صلى الله عليه وسلم الناس ان يشربوا من مائها شيئا وان لا يتوضئوا به للصلاة وأن لا يعجن به عجين وان لا يحاس به حيس ولا يطبخ به طعام وان العجين الذي عجن به أو الحيس الذي فعل به يعلفونه الإبل وان الطبيخ الذي طبخ به يلقى ولا يأكلوا منه شيئا
ثم ارتحل بالناس أي لا زال سائرا حتى نزل على البئر التي كانت تشرب منها الناقة واخبرهم صلى الله عليه وسلم أنها تهب عليهم الليلة ريح شديدة أي وقال من كان له بعير فليشد عقاله ونهى الناس في تلك الليلة على أن يخرج واحد منهم وحده بل معه صاحبه شخص وحده لحاجته فخنق وخرج اخر كذلك في طلب بعير له ند فاحتمله الريح حتى ألقته بجبل طيء فاخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألم أنهكم ان يخرج أحد منكم إلا ومعه صاحبه ثم دعا للذي خنق فشفي والذي القته الريح بجبل طيئ فأرسلته طيء له صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة
وفي سيرة الحافظ الدمياطي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف على عسكره ابا بكر الصديق رضي الله عنه يصلي بالناس واستعمل على حرس العسكر عباد ابن بشر فكان يطوف في اصحابه بن على العسكر ثم اصبح الناس ولا ماء معهم أي وحصل لهم من العطش ما كاد يقع رقابهم حتى حملهم ذلك على نحر إبلهم ليشقوا اكراشها ويشربوا ماءها
فعن عمر رضي الله عنه خرجنا في حر شديد فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى إن الرجل لينحر بعير فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده وفي لفظ على صدره فشكوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أي قال له ابو بكر يا رسول الله قد
____________________

عودك الله من الدعاء خيرا فادع الله لنا قال أتحب ذلك قال نعم فدعا أي ورفع يديه فلم يرجعهما حتى أرسل الله سحابة فمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا ما يحتاجون اليه قال وذكر بعضهم ان تلك السحابة لم تتجاوز العسكر وأن رجلا من الانصار قال لآخر متهم بالنفاق ويحك قد ترى فقال إنما مطرنا بنوء كذا وكذا فأنزل الله تعالى { وتجعلون رزقكم } أي بدل شكر رزقكم { أنكم تكذبون } أي حيث تنسوبه للأنواء وقيل إنه قال له ويحك هل بعد هذه شيء قال سحابة مارة انتهى
وفي لفظ أنهم لما شكوا اليه صلى الله عليه وسلم شدة العطش قال لعلي لو استسقيت لكم فسقيتم قلتم هذه بنوء كذا وكذا فقالوا يا نبي الله ما هذا بحين أنواء فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضا ثم قام فصلى فدعا الله تعالى فهاجت ريح وثار سحاب فمطروا حتى سال كل واد فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يغرف بقدحه ويقول هذه نوء فلان فنزلت الآية
وضلت ناقته صلى الله عليه وسلم فقال رجل من المنافقين الذين خرجوا معه صلى الله عليه وسلم ليس غرضهم الا الغنيمة إن محمدا يزعم أنه بني وأنه يخبركم بخبر السماء وهو لا يدري أين ناقته فقال صلى الله عليه وسلم إن رجلا يقول كذا وكذا وإني والله لا أعلم إلا ما علمني الله وقد دلني الله عليها أنها في شعب كذا وكذا وقد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا حتى تأتوني بها فذهبوا فوجدوها كذلك فجاءوا بها أي وتقدم له صلى الله عليه وسلم نظير هذا في غزوة بني المصطلق التي هي المريسيع ولا بعد في تعدد الواقعة ويحتمل أن يكون من خلط بعض الرواة
ولما سمع بذلك بعض الصحابة جاء الى رحله فقال لمن به والله لعجب في شيء حدثناه رسول صلى الله عليه وسلم عن مقاله قائل اخبره الله عنه وذكر المقالة فقال له بعض من في رحله هذه المقالة قالها فلان يعني شخصا في رحله أيضا قالها قبل ان تاتي بيسير فقال يا عباد الله في رحلي داهية وما اشعر أي عدو الله اخرج من رحلي ولا تصحبني فيقال إنه تاب ويقال إنه لم يزل منها بشر حتى هلك
وتباطأ جمل أبي ذر رضي الله عنه لما به من الإعياء والتعب فتخلف عن الجيش فأخذ متاعه وحمله على ظهره ثم خرج يتبع أثر رسول الله ماشيا فأدركه نازلا في بعض المنازل أي وقبل مجيئه قالوا له يا رسول الله تخلف ابو ذر وأبطأ به بعيره
____________________

فقال صلى الله عليه وسلم دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يك غير ذلك فقد اراحكم الله منه
ولما اشرف على ذلك المنزل ونظره شخص يمشي فقال يا رسول الله إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا ذر فلما تامله القوم قالوا يا رسول الله هو والله ابو ذر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله ابا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده وكان كما قال صلى الله عليه وسلم إنه يموت وحده فقد مات رضي الله عنه وحده بالربذة لما أخرجه عثمان رضي الله عنه اليها
اي فإنه بعد موت ابي بكر رضي الله عنه خرج من المدينة الى الشام فلما ولي عثمان رضي الله عنه شكاه معاوية رضي الله عنه اليه فإنه كان يغلظ على معاوية في بعض امور تقع منه فاستدعاه عثمان رضي الله عنه من الشام ثم أسكنه بالربذة ولم يكن معه الا امرأته وغلامه فوصاهما عند موته ان غسلاني وكفنانني ثم اجعلاني على قارعة الطريق فأول من يمر بكم قولا له هذا ابو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعينوناعلى دفنه فلما مات رضي الله عنه الله عنه فعلا به ذلك وأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من اهل العراق فوجدوا الجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل تطؤها فقام اليهم الغلام وقال هذا ابو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعينونا على دفنه فاستهل عبد الله ابن مسعود يبكي ويقول صدق رسول الله تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك ثم نزل هو واصحابه فوارواه ثم حدثهم عبد الله بن مسعود خبره
أي وفي الحدائق عن أم ذر قالت لما حضرت ابا ذر الوفاة بكيت فقال ما يبكيك قلت ومالي لا أبكي وانت تموت بفلاة من الأرض ولا بد لنا من معين على دفنك وليس معنا ثوب يسعك كفنا فقال لا تبكي وابشري فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد الا وقد مات في قرية وإني أنا الذي أموت بالفلاة والله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبت وفي رواية ما كذبت ولا كذبت فانظري الطريق فقالت قد ذهب الحاج وتقعطت السبل فقال انظري فقالت كنت اشتد الى الكثيب فاقوم عليه ثم ارجع اليه فأمرضه فبينما أنا كذلك إذا أنا برجال على
____________________

روأحلهم كأنهم الرخم فألحث بثوبي فاسرعوا الى ووضعوا السياط في نحورها يستقبلوا الي فقالوا مالك يا أمة الله فقلت امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه قالوا ومن هو قلت أبو ذر قالوا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نعم فأسرعوا اليه حتى دخلوا عليه فسلموا عليه فرحب بهم وقال ابشروا فإنكم عصابة من المؤمنين وحدثهم الحديث وقال والله لو كان لي أو لها ما يسعني كفنا ما كفنت الا فيه وإني انشدكم الله والإسلام لا يكفنني منكم رجل كان أميرا ولا عريفا ولا بريدا او نقيبا ولم يكن منهم احد سلم من ذلك إلا فتى من الانصار فقال والله لم أصب مما ذكرت شيئاأن أكفنك في ردائي هذا وثوبين معي من غزل أمي فمات فكفنه الفتى الأنصاري ودفنه في النفر الذين معه
أقول يحتاج الى الجمع بين هذا وما تقدم وقد يقال لا ينافي ذلك ما تقدم عن ابن مسعود رضي الله عنه لجواز أن يكون قدومه بعد ان كفن بكفن الأنصاري ولا ينافي ذلك ما تقدم من قول الراوي فلما مات فعلا أي زوجته وغلامه ذلك أي غسله وتكفينه ولا ينافي ذلك قول الغلام لابن مسعود ومن معه أعينونا على دفنه ولا ينافي ذلك قول الراوي هنا ودفنه أي للفتى الأنصاري في النفر الذين معه لأن ذلك يقال إذا اشتركوا مع غيرهم في ذلك
وأبو ذر رضي الله عنه اسمه جندب وقيل اسمه سلمة بن جنادة وكان من أوعية العلم المبرزين في الزهد والورع بالحق وقد قال في حقه ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر وكان رضي الله عنه من الاقدمين في الإسلام قال ابن عبد البر كان خامس رجل أسلم فليتأمل وقال صلى الله عليه وسلم أبو ذر في أمتي شبيه عيسى ابن مريم في زهده وبعضهم يرويه من ينظر الى تواضع عيسى ابن مريم فلينظر إلى أبى ذر وغلى وجود ما أخبر عن أبي ذر من أنه يموت وحده أشار الإمام السبكي رحمه الله تعالى في تائيته بقوله ** وعاش ابو ذر كما قلت وحده ** ومات وحيدا في بلاده بعيدة **
قال وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال لما كنا فيما بني الحجر وتبوك ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته بعد الفجر وتبعته بماء فأسفر الناس بصلاتهم التي هي صلاة الفجر فقدموا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فصلى بهم فانتهى صلى الله عليه
____________________

وسلم بعد أن توضأ ومسح خفيه بن عوف وقد صلى ركعة فصلى رسول الله مع عبد الرحمن ركعة وقام ليأتي بالركعة الثانية وقال لهم صلى الله عليه وسلم بعد فراغه أحسنتم أو اصبتم ثم قال صلى الله عليه وسلم لم يتوف نبي حتى يؤمه رجل صالح من امته أ هـأي ولعل هذا لا ينافي ما تقدم
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف على عسكره اباابكر الصديق رضي الله عنه يصلي بالناس وقوله لم يتوف نبي حتى يؤمه رجل صالح من أمته يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل خلف الصديق في هذه الغزوة حيث يصلي بالعسكر فليتأمل
أي وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال عبد الرحمن سيد من سادات المسلمين ولا يخالف هذا ماروي عن ابن عباس رضي الله عنهما لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم خلف أحد من أمته الا خلف ابي بكر أي في فرض موته لأن المراد صلاة كاملة أو تكرر الصلاة هذا
وفي الخصائص الصغرى ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم فيما حكى القاضي عياض رحمه الله انه لا يجوز لأحد أن يؤمه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يصح التقدم بين يديه في الصلاة ولا غيرها لا لعذر ولا لغيره
وقد نهى الله المؤمنين عن ذلك ولا يكون أحد شافعا له وقد قال ائمتكم شفعاؤكم ولذلك قال ابو بكر رضي الله عنه ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فليتأمل
ولما نزلوا تبوك وجدوا عينها قليلة الماء فاعترف رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده غرفة من مائها فمضمض بها فاه ثم بصقه فيها ففارت عينها حتى امتلأت
قال وعن حذيفة رضي الله عنه بلغ رسول الله ان في الماء قلة أي ماء عين تبوك أي وقد قال لهم صلى الله عليه وسلم إنكم لتأتون غدا إن شاءاله تعالى عين تبوك وإنكم لن تنالوها حتى يضحا النهار فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتى وأمر مناديا ينادى بذلك فجئناها فإذا العين مثل الشراك تبض من مائها وقد سبق اليها رجلان أي من المنافقين ومسا من مائها فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك وفي رواية سبق اليها اربعة من المنافقين ثم إنهم غرفوا من تلك العين قليلا قليلا حتى اجتمع شيءفي شن فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه ويديه ومضمض ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير وفي رواية فجعلوا فيها سهاما
____________________

دفعها صلى الله عليه وسلم لهم فجاشت بالماء والى ذلك أشار الإمام السبكي رحمه الله تعالى في تائيته بقوله ** فيوما بوقع النيل جئت بشربهم ** ويوما بوقع الوبل جدت بسقية **
وحينئذ أي وحين إذ ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جعل السهام في عين تبوك يسقط الاعتراض بأن وقع النبل لم يكن بتبوك وإنما كان بالحديبية على أن الذي بالحديبية إنما هو غرز سهم واحد لا سهام فليتأمل
ثم قال صلى الله عليه وسلم لمعاذا يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما هنا ملئ جنانا أي بستانين وذكر ابن عبد البر رحمه الله عن بعضهم قال أنا رايت ذلك الموضع كله حوالي تلك العين جنانا خضرة نضرة
وقبل قدومهم تبوك نام رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يستيقظ حتى كادت الشمس قيد رمح أي وقد كان صلى الله عليه وسلم قال لبلال أكلأ لنا الفجر فاسند بلال ظهره الى راحلته فغلبته عيناه قال ألم أقل لك يا بلال اكلأ لنا الفجر وفي رواية أن بلالا رضي الله عنه قال لهم ناموا وأنا أوقظكم فاضطجعوا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال أين ما قلت قال يا رسول الله ذهب بي مثل الذي ذهب بك أي وفي لفظ أخذ بنفسي الذي اخذ بنفسك وقال صلى الله عليه وسلم للصديق إن الشيطان صار يهدئ بلالا للنوم كما يهدئ الصبي حتى ينام ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا وسأله عن سبب نومه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما أخبر به النبي الصديق فقال الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم أشهد أنك رسول الله فانتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزله غير بعيد ثم صلى وتقدم في خيبر أي في غزوة وادي القرى فإنها كانت عند منصرفه من خيبر الخلاف في أي غزوة كان وسار صلى الله عليه وسلم مسرعا بقية يومه وليلته فأصبح بتبوك
وفي منصرفه من تبوك قال ابو قتادة رضي الله عنه بينا نحن نسير مع رسول الله وهو قافل من تبوك وأنا معه إذ خفق خفقه هو على راحلته فمال على شقه فدنوت منه فدعمته فانتبه فقال من هذا فقلت ابو قتادة يا رسول الله خفت أن تسقط فدعمتك فقال حفظك الله كما حفظت رسوله ثم سار غير كثير ثم فعل مثلها
____________________

فدعمته فانتبه فقال يا أبا قتادة هل لك في التعريس فقلت ما شئت يا رسول الله فقال انظر من خلفك فنظرت فإذا رجلان او ثلاثة فقال ادعهم فقلت أجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءوا فعرسنا
وفي رواية قال ابو قتادة رضي الله عنه بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى ابهار الليل وأنا إلى جنبه فنعمس فمال عن راحلته فأتيته فدعمته من غيرأن أوقظه حتى أعتدل على راحلته ثم سار حتى تهور الليل مال عن راحلته فدعمته حتى اعتدل على راحلته ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة هي أشد من الميلتين الاولتين حتى كاد يسقط فأتيته فدعمته فرفع رأسه فقال من هذا قلت أبو قتادة قال متى كان هذا مسيرك مني قلت ما زال هذا مسيري منذ الليلة قال حفظك الله نبيه وهذا تقدم في منصرفه من خيبر ولا مانع من التعدد ويحتمل أن هذا خلط وقع من بعض الرواة فليتأمل ثم قال صلى الله عليه وسلم هل ترى من أحد يعني من الجيش قلت هذا راكب ثم قلت هذا راكب آخر حتى اجتمعنا وكنا سبعة وفي رواية خمسة برسول الله صلى الله عليه وسلم فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق ثم قال احفظوا علينا صلاتنا وكان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره فقمنا فزعين ثم قال اركبوا فركبنا فسرنا حتى ارتفعت الشمس ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء فتوضأ منها وبقي فيها شيء وفي رواية جرعة من ماء ثم قال لي احفظ علينا ميضأتك وفي رواية ازدهر بها يا أبا قتادة فسيكون لها نبأ الحديث
وفي رواية ماايقظنا الاحر الشمس فقلنا إنا لله فاتنا الصبح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغيظن الشيطان كما غاظنا فتوضأ من الإداوة التي هي الميضأة فضل فضل فقال يا أبا قتادة احتفظ بما في الإداو واحتفظ بالركوة فإن لهما شأنا فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر بعد طلوع الشمس وفي لفظ إن عمر رضي الله عنه هو الذي ايقظ النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير
أقول ظاهر هذه الرواية انهم صلوا بمحلهم ولم ينتقلوا وفي رواية قال لهم صلى الله عليه وسلم تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة وفي لفظ ارتحلوا فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان
____________________


وفي البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم وإنا أسرينا حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلى عند المسافر منها فما أيقظنا الا حر الشمس وكان صلى الله عليه وسلم إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو يستيقظ لأنا لا ندري ما يحدث له صلى الله عليه وسلم في نومه أي من الوحي فكانوا يخافون من إيقاظه قطع الوحي كما تقدم في غزوة بني المصطلق فلما استيقظ عمر رضي الله عنه ورأى ما أصاب الناس أي من فوات صلاة الصبح كبر ورفع صوته بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم
وفي رواية إن الصديق رضي الله عنه استيقظ أولا ثم لا زال يسبح ويكبر حتى استيقظ عمر ولا زال يكبر حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استيقظ شكوا اليه الذي اصابهم أي من فوات صلاة الصبح قال لا ضير ارتحلوا فارتحلوا فسار غير بعيد ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي بالصلاة فصلى بالناس وهذا كما نرى فيه التصريح بأن هاتين اليقظتين وقعتا في غزوة تبوك الاولى عند ذهابهم لها والثانية عند منصرفهم منها
وفي دلائل النبوة للبيهقي عن بعض الصحابة وبعد أن صلينا وركبنا جعل بعضنا يهمس الى بعض ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا الذي تهمسون دوني فقلنا يا رسول الله بتفريطنا في صلاتنا قال أما لكم في أسوة حسنة ثم قال ليس في النوم تفريط إنما التفريط علم من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الاخرى
وفي فتح الباري اختلف في تعيين هذا السفر ففي مسلم أنه كان في رجوعهم من خيبر قريب من هذه القصة وفي ابي داود أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ليلا فنزل فقال من يكلؤنا فقال بلال أنا الحديث وفي مصنف عبد الرزاق أن ذلك كان بطريق تبوك
وقد اختلف العلماء هل كان ذلك أي نومهم عن صلاة الصبح مرة أو أكثر فجزم الأصيلي رحمه الله بأن القصة واحدة
وتعقبه القاضي عياض رحمه الله بأن قصة أبي قتادة مغايرة لقصة عمران بن حصين ومما يدل على تعدد القصة اختلاف مواطنها
____________________


وفي الطبراني قصة شبيهة بقصة عمران وأن الذي كلأم لهم الفجر ذو مخبر قال ذو مخبر فما أيقظني الا حر الشمس فجئت أدنى القوم فايقظته وايقظ الناس بعضهم بعضا حتى اسيتقظ النبي صلى الله عليه وسلم فليتأمل وتقدم على الإمتاع قال عطاء بن يسار إن ذلك كان بتبوك وهذا لا يصح وإلا فالآثار الصحاح على خلاف مقولة مسندة ثابتة والله اعلم
واستشكل ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم نحن معاشر الانبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد قالت له أتنام قبل أن توتر قال تنام عيني ولا ينام قلبي
وأجيب عنه باجوبه حسنها أن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والالم لا يدرك ما يتعلق بالعين كرؤية الشمس وطلوع الفجر
ومن الأجوبة أنه صلى الله عليه وسلم كان له نومان نوم تنام فيه عينه وقلبه ونوم تنام فيه عينه فقط وينبغي أن يكون هذا الثاني اغلب أحواله وإن كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثله في ذلك ويكون قوله صلى الله عليه وسلم نحن معاشر الأنبياء تنام اعيننا ولا تنام قلوبنا أي غالبا ويكون هذا حاله دائما وأبدا إذا كان متوضئا لقولهم إنه لا ينقض وضوؤه صلى الله عليه وسلم بالنوم وفي جعله العين محلا للنوم نظر لأن العين إنما هي محل السنة ومحل النعاس الراس ومحل النوم القلب
قال الحافظ السيوطي وكون القلب محلا للنوم دون العين لا يشكل عليه قوله صلى الله عليه وسلم تنام عيناي ولا ينام قلبي لأنه من باب المشاكلة وفيه بحث هذا كلامه
واستشكل قوله صلى الله عليه وسلم ارتحلوا فان هذا منزل حضرنا فيه الشيطان وفي لفظ ارتحلوا فإن هذا واد به الشيطان بأنه يقتضى تسلط الشيطان على النبي صلى الله عليه وسلم لأن الظاهر ان وجود الشيطان هو السبب في النوم عن الصلاة
وأجيب بأنه على تسليم ذلك فإن تسليطه انما كان على من كان يحفظ الفجر بلال أو غيره ففي بعض الروايات كما تقدم إن الشيطان أتى بلالا فلم يزل يهدئه كما يهدا الصبي حتى نام
ثم لحق صلى الله عليه وسلم بالجيش وقبل لحوقه صلى الله عليه وسلم بهم قال لاصحابه ما ترون الناس يعني الجيش فعلوا قالوا الله ورسوله أعلم فقال صلى الله عليه وسلم وأطاعوا ابا بكر وعمر ورشدوا وذلك أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أرادا أن ينزلا
____________________

بالجيش على الماء فأبوا ذلك عليهما فنزلا على الماء فأبوا ذلك عليهما فنزلا على غير ماء بفلاة من الأرض لاماء بها عند زوال الشمس وقد كادت أعناق الخيل والركاب تقطع عطشا فدعا رسول صلى الله عليه وسلم وقال أين صاحب الميضأة قيل هو ذايار رسول الله قال جئني بميضأتك فجاءه بها وفيها شيء من ماء وفي رواية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالركوة فافرغ ما في الإدواة فيها ووضع أصابعه الشريفة عليها فنبع الماء من بين أصابعه واقبل الناس فاستقوا وفاض الماء حتى رووا ورووا خيلهم وركابهم وكان في العسكر من الخيل أثنا عشر الف فرس أي على ما تقدم ومن الإبل خمسة عشر ألف بعير والناس ثلاثون ألفا وقيل سبعون ألفا وواضح أن هذه العطشة غير المتقدمة التي دعا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل المطر
وفي كلام بعضهم انه لما حصل للقوم العطس ارسل صلى الله عليه وسلم نفرا ويقال عليا والزبير يستعرضون الطريق وأعلمهم ان عجوزا تمر بهم في محل كذا على ناقة معها سقاء ماء فقال لهم صلى الله عليه وسلم اشتروا منها بما عز وهان وائتوا بها مع الماء فلما بلغوا المكان إذا بالمرأة ومعها السقاء وفي رواية إذا نحن بامرأة سادلة رجلها بين مزادتين فسالوها في الماء فقالت أنا وأهلي احوج اليه منكم فسألوها أن تاتي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الماء فأبت وقالت من هو رسول الله لعله الساحر وفي رواية الذى يقال له الصابئ وخير الأشياء أنى لا آتيه فشدوها وثاقا وأتوا بها إلى رسول الله فقال لهم خلوا عنها وفي رواية قلنا لها أي الماء قالت أهاه أهاه لا حالكم بينكم وبين الماء مسيرة يوم وليلة ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أتأذنين لنا في الماء ولتصيبن ماءك كما جئت به فقالت شأنكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة هات الميضأة فقربت اليه فحل السقاء وتفل فيه وصب في الميضأة ماء قليلا ثم وضع يده الشريفة فيه ثم قال ادنوا فخذوا فجعل الماء يفور ويزيد والناس يأخذون حتى ما تركوا معهم إناء الا ملأوه ورووا إبلهم وخيلهم وبقي في الميضاة ثلثاها والميضأة هي الإداوة لأنها يتوضأ منها وفي الدلائل للبيهقي فجعل في إناء من زادتيها ثم قال فيه ما شاء الله ان يقول زاد في رواية ثم مضمض ثم رد الماء في المزادتين وأوكأ أفواههما وأطلق العزالي ثم أمر الناس أن يملئوا آنيتهم وأسقيتهم ثم قال لها تعلمي والله ما رزأنا من مائك شيئا ولكن الله عز وجل هو الذي سقانا
____________________

والعزالي جمع عزلاء والعزلاء هي التي تجعل في فم القربة لينزل فيها الماء من الراوية وهي المرادة بالمزادة وهذالسياق يدل على أن هذه عطشة ثالثة لأن الثانية وضع على صلى الله عليه وسلم يده في الركوة التي صب فيها من الميضأة وهذه وضع يده في الميضأة بعد ان لم يجدوا في الميضأة شيئا
وفي رواية أن تلك المرأة أخبرته أنها مؤتمة أي لها صبيان أيتام فقال هاتوا ما عندكم فجمعنا من كسر وتمروصرتها صرة ثم قال لها اذهبي فأطمعي هذا عيالك
وفي رواية أيتامك وصارت تعجب مما رأت ولما قدمت على أهلها قالوا لها لقد احتبست علينا قالت حبسني أني رأيت عجبا من العجب ارأيتم مزادتي هاتين فوالله لقد شرب منهما قريب من سبعين بعيرا وأخذوا من القرب والمزاد والمطاهر مالا احصى ثم هما الآن أوفر منهما يومئذ فلبثت شهرا عند أهلها ثم أقبلت في ثلاثين راكبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت وأسلموا
وفي مسلم لما كان يوم غزوة تبوك اصاب الناس مجاعة بحيث صارت تمص التمرة الواحدة جماعة يتناوبنها فقالوا يا رسول الله لو أذنت لنا فننحر نواضحنا فأكلنا وادهنا فقال عمر رضي الله عنه يا رسول الله فيها بالبركة لعل الله أن فعلت فتى الظهر ولكن أدعهم بفضل ازوادهم وادع الله لهم فيها بالبركة لعل الله ان يجعلها في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فدعا بنطع فبسطه ثم دعاهم بفضل أزوادهم فجعل الرجل يأتي بكف ذره ويجئ الآخر بكف من تمر ويجئ الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير فدعا رسول الله بالبركة ثم قال لهم خذوا في أوعيتكم فأخذوا حتى ما تركوا في العسكر وعاء الا ملئوه وأكلوا حتى شعبوا وفضلت فضلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة وفي رواية الا وقاه الله النار وتقدم نظير ذلك في الرجوع من غزة الحديبية أي ولا مانع من التعدد أو هو من خلط بعض الرواة ولعل هذا كان بعد أن ذبح لهم طلحة بن عبيد الله جزورا فأطعمهم وأسقاهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت طلحة الفياض وسماه يوم أحد طلحة الخير ويوم حنين طلحة الجود لكثرة إنفاقة على العسكر رضي الله عنهم
وعن بعض الصحابة رضي الله عنهم قال كنت في غزوة تبوك على نحي السمن
____________________

فنظرت الى النحي وقد قل مافيه وهيأت النبي صلى الله عليه وسلم طعاما ووضعت النحي في الشمس ونمت فانتبهت بخرير النحي فقمت فأخذت رأسه بيدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى لو تركته لسال الوادي سمنا
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك فقال ليلة لبلال هل من عشاء فقال والذي بعثك بالحق لقد نفضنا جربنا فقال انظر عسى أن تجد شيئا فأخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا فتقع التمرة والتمرتان حتى رايت في يده صلى الله عليه وسلم سبع تمرات ثم دعا بصحفة فوضع التمر فيها ثم وضع يده الشريفة على التمرات وقال كلوا بسم الله فأكلنا ثلاثة أنفس وأحصيت أربعا وخمسين تمرة أعدها عدا ونواها في يدي الأخرى وصاحباي يصنعان كذلك فشبعنا ورفعنا أيدينا فإذا التمرات السبع كما هي فقال يا بلال ارفعها فإنه لا يأكل منها أحد الا نهل شبعا فلما كان من الغد دعا صلى الله عليه وسلم بلالا بالتمرات فوضع صلى الله عليه وسلم يده الشريفة عليهن ثم قال كلوا بسم الله فأكلنا حتى شبعنا وإنا لعشرة ثم رفعنا أيدينا وإذا التمرات كما هي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن استحي من ربي لأكلنا من هذه التمرات حتى نرد الى المدينة من آخرنا فأعطاهن غلاما فولى وهو يلوكهن
وأتاه صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك يحنة بضم المثناة تحت وفتح الحاء المهملة ثم نون مشددة مفتوحة ثم تاء التأنيث ابن رؤبة بالموحدة صاحب أيلة وصحبته اهل جرباء تأنيث أجرب يمد ويقصر قرية بالشام واهل أذرح بالذال المعجمة والراء المهملة المضمومة والحاء المهملة مدينة تلقاء السراة وأهل ميناء وأهدي يحنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء فكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردا فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم على إعطاء الجزية أي بعد أن عرض عليه الإسلام فلم يسلم
وكتب له صلى الله عليه وسلم ولأهل أيلة كتابا صورته بسم الله الرحمن الرحيم هذا أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله لحينه بن رؤية وأهل آيلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمة الله ومحمد النبي ومن كان معهم من أهل الشام واهل اليمن واهل البحر فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحوز ماله دون نفسه وإنه لطيبة لمن أخذه من الناس وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يريدونه من بر او بحر
____________________

وكتب صلى الله عليه وسلم لأهل أذرح وجرباء ما صورته بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم لأهل أذرح وجرباء أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة والله كفيل بالنصح والإحسان الى المسلمين وصالح صلى الله عليه وسلم أهل ميناء على ربع ثمارهم
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال رأيت ونحن بتبوك شعلة من نار في ناحية العسكر أي ضوء شمعة كما صرح به الجلال السيوطي رحمه الله حيث أجاب من سأله هل الشمع كان موجودا قبل البعثة وهل وقد عنده صلى الله عليه وسلم بأنه كان موجودا قبل البعثة فقد ذكر العسكري رحمه الله في الأوائل أن أول من أوقده جزيمة الأبرش أي وقد تقدم وهو قبل البعثة بدهر وورد في حديث أنه أوقد للنبي صلى الله عليه وسلم عند دفنه عبد الله ذا البجادين قال وقد ألفت في المسألة تأليفا سميته مسامرة السموع في ضوء الشموع قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فاتبعتها أنظر اليها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات وإذا هم قد حفروا له ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته وأبو بكر وعمر يدليانه وهو يقول أدليا الى أخاكما فأدلياه اليه فلما هيأه لشقه قال اللهم قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه يقول ابن مسعود يا ليتني كنت صاحب الحفرة أي والبجاد بموحدة ككتاب الكساء المخطط الغليظ لأنه لم يكن لعبد الله المذكور الا بجاد واحد فشقه نصفين فاتزر بواحد وارتدى بالآخر وقدم المدينة وأسلم وقرأ قرآنا كثيرا وكان اسمه عبد العزي فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تبوك خرج معه وقال يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة فقال صلى الله عليه وسلم أئتني بلحاء شجرة أي بقشرها فأتاه بذلك قربطه على عضده وقال اللهم حرم دمه على الكفار قال يا رسول الله ليس هذا ما أردت قال إنك إذا أخذتك الحمى فقتلتك فأنت شهيد فأخذته الحمى بعد الإقامة بتبوك أياما ومات بها أي وهذا هو المشهور
وروى عن الادرع الأسلمى وكان في حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جئت ليلة احرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رجل ميت فقيل هذا عبد الله ذو البجادين توفي بالمدينة وفرغوا من جهازه وحملوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم
____________________

ارفقوا به رفق الله بكم فإنه كان يحب الله ورسوله قال ابن الأثير وهذا حدث غريب لايعرف الا من هذا الوجه وتقدم
وعن الحافظ السيوطي رحمه الله لما ذكر انه أوقد للنبي صلى الله عليه وسلم الشمع عند دفنه عبد الله ذا البجادين قال وقد دل ذلك على إباحة استعماله أي الشمع ولا يعد استعماله إسرافا مع قيام غيره من الأدهان مقامه
وأقام صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة وفي سيرة الحافظ الدمياطي عشرين ليلة يصلي ولم يجاوز تبوك ويحتاج أئمتنا الى الجواب عن ذلك على تقدير صحته
قال وقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في مجاوزتها فقال له عمر رضي الله تعالى عنه إن كنت أمرت بالسير فسر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أمرت بالسير لم أستشركم فيه فقال يا رسول الله إن للروم جموعا كثيرة وليس بها أحد من أهل الاسلام وقد دنونا وقد أفزعهم دنوك فلو رجعنا هذه السنة حتى نرى أو يحدث الله أمرا هذا تصريح بأن تبوك لم يقع بها مقاتلة ولا حصل فيها غنيمة وبه يرد ما ذكره الزمخشري في فضائل العشرة أنه صلى الله عليه وسلم جلس في المسجد يقسم غنائم تبوك فدفع لكل واحد سهما ودفع لعلي كرم الله وجهه سهمين فقام زائدة بن الأكوع وقال يا رسول الله أوحي نزل من السماء أم أمر من نفسك فقال صلى الله عليه وسلم أنشدكم الله هل رأيتم في مينمتكم صاحب الفرس الأغر المحجل والعمامة الخضراء بها ذؤابتان مرخاتين على كتفيه بيده حربة قد حمل بها على الميمنة فأزالها قالوا نعم قال هو جبريل عليه الصلاة والسلام وإنه امرني أن ادفع سهمه لعلي فقال زائدة حبذا سهم مسهم وخطب صلى الله عليه وسلم خطبة فيها أما بعد فإن أحسن الحديث كتاب الله وخير الغنى غنى النفس وخير الزاد التقوى ورأس الحكمة مخافة الله عز وجل والنساء حبالة الشيطان والشباب شعبة من الجنون والسعيد من وعظ بغيره ومن يغفر غفر له ومن يعف يعف الله عنه ومن يصبر على الرزية يعوضه الله أستغفر الله لي ولكم
وأهدي له صلى الله عليه وسلم بعض أهل الكتاب جبنة فدعا بالسكين فسمى الله وقطع وأكل ثم انصرف صلى الله عليه وسلم قافلا الى المدينة وكان في الطريق ماء يخرج من وشل قليل جدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبقنا الى ذلك الماء فلا يسقين منه شيئا حتى نأتيه فسبق اليه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه فلما أتاه رسول الله صلى الله
____________________

عليه وسلم وقف عليه فلم يجد فيه شيئا فقال من سقبنا الى هذا الماء فقيل له فلان وفلان وفلان فقال أو لم أنههم أن يستقوا منه شيئا حتى آتيه ثم لعنهم ودعا عليهم ثم نزل صلى الله عليه وسلم فوضع يده تحت الوشل فصار يصب في يده ما شاء الله أن يصب ثم نضحه ومسح بيده ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما شاء أن يدعو به فانخرق من الماء وكان له حس كحس الصواعق فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بقيتم أو بقي منكم احد لتسمعن بهذا الوادي وقد اخصب ما بين يديه وما خلفه أي وهذا خلاف عين تبوك الذي تقدم له صلى الله عليه وسلم فيها ما يشبه هذا وقوله يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة ان ترى ههنا ملئ جنانا إلى آخره لأن تلك العين كانت بتبوك وهذا عند منصرفه من تبوك
قال واجتمع رأي من كان معه صلى الله عليه وسلم من المنافقين وهم اثنا عشر رجلا وقيل اربعة عشر وقيل خمسة عشر رجلا على أن ينكثوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة التي بين تبوك والمدينة فقالوا إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي فأخبر الله تعالى رسوله بذلك فلما وصل الجيش العقبة نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يسلك العقبة فلا يسلكها أحد واسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لك وأوسع فسلك الناس بطن الوادي وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة فلما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا وسلكوا العقبة وأمر صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه ان يأخذ بزمام الناقة يقودها وأمر صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما أن يسوق من خلفه
وفي الدلائل عن حذيفة قال كنت ليلة العقبة آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به وعمار بن ياسر يسوقه أو أنا أسوقه وعمار يقوده أي يتناوبان ذلك فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في العقبة إذ سمع حس القوم قد غشوه فنفرت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سقط بعض متاعه فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر حذيفة أن يردهم فرجع حذيفة اليهم وقد رأى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه محجن فجعل يضرب به وجوه رواحلهم وقال اليكم اليكم يا اعداء الله فإذه هو بقوم ملثمين وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم صرخ بهم فولوا مدبرين فعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلع على مكرهم به فانحطوا من العقبة مسرعين الى بطن
____________________

الوادي واختلطوا بالناس فرجع حذيفة يضرب الناقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عرفت أحدا من الركب الذين رددتهم قال لا كان القوم ملثمين والليلة مظلمة
وعن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول لما سقط متاع النبي صلى الله عليه وسلم وأردت جمعة نور لي في اصابعي الخمس فأضاءت حتى جمعت ما سقط حتى ما بقي من المناع شيء وفي لفظ أن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال لا قال إنهم مكروا ليسيروا معي في العقبة فيزحموني فيطرحوني منها ان الله اخبرني بهم وبمكرهم وسأخبركما بهم واكتماهم فلما اصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إليه اسيد بن حضير فقال يا رسول الله ما منعك البارحة من سلوك الوادي فقد كان أسهل من سلوك العقبة فقال اتدري ما أراد المنافقون وذكر له القصة فقال يا رسول الله قد نزل الناس واجتمعوا فمر كل بطن أن يقتل الرجل الذي هم بهذا فإن أحببت بين بأسمائهم والذي بعثك بالحق لا ابرح حتى آتيك برءوسهم فقال صلى الله عليه وسلم إني أكره أن يقول الناس إن محمدا قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله تعالى بهم اقبل عليهم يقتلهم فقال يا رسول الله هؤلاء ليسوا بأصحاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس يظهرون الشهادة ثم جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرهم بما قالوه وما أجمعوا عليه فحلفوا بالله ما قالوا ولا أرادوا الذي ذكر فأنزل الله تعالى { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر } الآية وأنزل الله تعالى { وهموا بما لم ينالوا } ودعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم ارمهم بالدبيلة هي سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم انتهى أي وفي لفظ شهاب من نار يقع على نياط قلب احدهم فيهلكه
وفي الإمتاع أن النبي صلى الله عليه وسلم هو بتبوك الى نخلة فجاء شخص فمر بينه وبين تلك النخلة بنفسه وفي رواية وهو على حمار فدعا عليه صلى الله عليه وسلم فقال قطع صلاتنا قطع الله أثره فصار مقعدا وكان يقال لحذيفة رضي الله تعالى عنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حذيفة نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن راحلته فأوحى اليه وراحلته باركة فقامت تجر زمامها فلقيتها فأخذت بزمامها
____________________

وجئت الى قرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنختها ثم جلست عندها حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته بها فقال من هذا قلت حذيفة فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني مسر اليك سرا فلا تذكرنه إني نهيت أن أصلي على فلان وفلان وعد جماعة من المنافقين فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من خلافته إذا مات الرجل ممن يظن به أنه من أولئك الرهط أخذ بيد حذيفة رضى الله تعالى عنه فقاده الى الصلاة عليه فإن مشى معه حذيفة صلى عليه عمر رضي الله تعالى عنه وإن انتزع يده من يده ترك الصلاة عليه
وقال صلى الله عليه وسلم للمسلمين عند انصرافه إن بالمدينة لاقواما ما سرتهم مسيرا ولا قطعتم واديا الا كانوا معكم قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة قال نعم حبسهم العذر ثم اقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بذي أوان محل بينه وبين المدينة ساعة من نهار أي وقال البكري أظن أن الراء سقطت من بين الهمزة والواو أي اروان منسوب الى البئر المشهورة
وحين ننزل صلى الله عليه وسلم أتاه خبر مسجد الضرار فأنزل الله تعالى { والذين اتخذوا مسجدا ضرارا } الآية أي لإضرار اهل قباء أي فإن بني عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء حسدتهم إخوتهم بنو غنم بن عوف وقالوا نصلي في مربط حمار لا لعمر الله أي لأنه كان لا مرأة كانت تربط فيه حمارها ولكننا نبني مسجدا ونرسل إلى رسول الله فيه ويصلى فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام فيثبت لنا الفضل والزيادة على إخواننا وكان المسلمون في تلك الناحية كلهم يصلى في مسجد قباء جماعة فلما بنى هذا المسجد فصرف عن مسجد قباء جماعة وصلوا بذلك المسجد فكان به تفريق للمؤمنين فكانوا يجتمعون فيه ويعيبون النبي صلى الله عليه وسلم ويستهزئون به أي وقال إن أبا عامر الراهب الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم فاسقا هو الآمر لهم ببنائه فقال لهم ابنوا لي مسجدا واستمدوا ما استطعتم من قوة سلاح فإني ذاهب الى قيصر ملك الروم فآتي بجند من الروم فأخرج محمدا وأصحابه من المدينة وانهم لما فرغوا من بنائهم ارسلوا الى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم ويصلي فيه كما صلى الله عليه وسلم في مسجد قباء فهم أن يأتيهم فأنزل الله تعالى الآية
وفي رواية أتوه صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز الى تبوك فقالوا يا رسول الله قد
____________________

بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنا نحب أنا تأتينا فتصلي لنا فيه وتدعو لنا بالبركة قال إني على جناح سفر وحال شغل ولو قدمنا إن شاء الله تعالى لأتيناكم فصلينا لكم فيه فلما قفل من السفر وسألوه إتيان المسجد جاءه الخبر من السماء فأمر جماعة منهم وحشى قاتل حمزة رضي الله تعالى عنه وقال لهم انطلقوا الى هذا المسجد الظالم أهله فاحرقوه واهدموه على اصحابه ففعل به ذلك قال وكان ذلك بين المغرب والعشاء ووصل الهدم الى الأرض وأعطاه صلى الله عليه وسلم لثابت بن أرقم رضي الله تعالى عنه يجعله بيت فلم يولد في ذلك البيت مولود قط وحفر فيه بقعة فخرج منها الدخان ولعل هذا أي جعله بيتا كان بعد أن أمر صلى الله عليه وسلم أن يتخذه محلا لإلقاء الكناسة والجيفة
وفي الكشاف أن مجمع بن حارثة كان إمامهم في مسجد الضرارا فكلم بنو عمرو بن عوف اصحاب مسجد قباء عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في خلافته أن يأذن لمجمع بن حارثة أن يؤمهم في مسجدهم فقال لا ولانعمة أليس بامام مسجد الضرار فقال يا أمير المؤمنين لا تعجل على فو الله لقد صلت بهم والله يعلم إني لا أعلم ما أضمروا فيه ولو علمت ما صليت معهم فيه وكنت غلاما قارئا للقرآن وكانوا شيوخا لا يقرءون من القرآن شيئا فعذره وصدقه وأمره بالصلاة بهم
ولما أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة قال هذه طابة أسكننيها ربي تنفى خبث أهلها كما ينفي الكير خبث الحديد
ولما رأى صلى الله عليه وسلم جبل أحد قال هذا أحد جبل يحبنا ونحبه وتقدم ما في ذلك في غزوة أحد وعن عائشة رضي الله تعالى عنها ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقاه النساء والصبيان يقلن ** طلع البدر علينا ** من ثنيات الوداع ** ** وجب الشكر علينا ** ما دعا لله داع **
قال البيهقي رحمه الله وهذا يذكره علماؤنا عند مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة من مكة لا أنه عند مقدمة المدينة من تبوك هذا كلامه ولا مانع من تعدد ذلك
ولما دنا صلى الله عليه وسلم من المدينة تلقاه عامة الذين تخلفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه لا تكلموا رجلا منهم ولا تجالسوهم حتى آذن لكم فأعرض
____________________

عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن الرجل ليعرض عن ابيه وأخيه أنتهى
أي وعن فضالة بن عبيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غزا عزوة تبوك جهد الظهر جهدا شديد حتى صارا يسوقونه فشكوا اليه صلى الله عليه وسلم ذلك ورآهم يسوقونه فوقف صلى الله عليه وسلم في مضيق والناس فيه فنفخ في الظهر وقال اللهم احمل عليها في سبيلها فانك تحمل على القوى والضعيف والرطب واليابس في البر والبحر فزال ما بها من الإعياء وما دخلنا الا وهي تنازعنا ازمتها
وجاء أن حية عارضتهم في الطريق عظيمة الخلقة فانحاز الناس عنها فأقبلت حتى وقفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته طويلا والناس ينظرون اليها ثم التوت حتى اعتزلت الطريق فقامت قائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تدرون من هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا أحد الرهط الثمانية من الجن الذين وفدوا الى يستمعون القرآن أي بنخلة عند منصرفه صلى الله عليه وسلم من الطائف وتقدم الكلام عليه فرأى عليه من الحق حين ألم رسول الله صلى الله عليه وسلم ببلده أن يسلم عليه وها هو يقرؤكم السلام فقال الناس وعليه السلام ورحمة الله
وقد كان تخلف عنه صلى الله عليه وسلم رهط من المنافقين وكانوا بضعة وثمانين رجلا وتخلف عنه ايضا كعب بن مالك وكان من الخزرج مرارة بن الربيع وهلال بن أمية وكانا من الأوس فأما المنافقون فجعلوا يحلفون ويعتذرون فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم علانيتهم ووكل سرائرهم الى الله واستغفر لهم وأما الثلاثة فعن كعب بن مالك الخزرجي رضي الله تعالى عنه أنه قال لما جئته صلى الله عليه وسلم وسلمت عليه تبسم المغضب وقال لي تعال فجئت حتى جلست بين يديه فقال ما خلفك فصدقته وقلت والله ما كان لي من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك وفي رواية قلت يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرايت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلا ولكني والله لقدعلمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله ان يسخط على فيه ولئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخط علي فيه ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله ما كان لي من عذر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك وقال الرجلان
____________________

الآخران وهما مرارة بن الربيع وهلال بن أمية وكانا ممن شهد بدرا وهما من الأوس مثل قول كعب فقال لهما صلى الله عليه وسلم مثل ما قال لكعب ونهى صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامهم فاجتنبهم الناس فاما الرجلان فمكثا في بيوتهما يبكيان وأما كعب فكان يشهد الصلاة مع المسلمين ويطوف بالأسواق فلا يكلمه احد منهم قال ولما طال ذلك على من جفوة الناس تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس الي فسلمت عليه والله مارد علي السلام فقلت يا أبا قتادة أنشدك الله هل تعلمني أحب الله ورسوله فسكت فعدت اليه فنشدته فسكت فعدت اليه فنشدته فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار قال بينما أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدلني على كعب بن مالك فطفق أي جعل الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع الى كتابا من ملك غسان أي وهو الحارث بن ابي شمر أو جبلة بن الأيهم وكان الكتاب ملفوفا في قطعة من الحرير فإذا فيه أما بعد فانه بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك فقلت لما قراته وهذا أيضا من البلاء فيممت أي قصدت به التنور فسجرته بها أي القيته فيها أي والأنباط قوم يسكنون البطائح بين العراقين قال حتى إذا مضت اربعون ليلة جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطقلها أم ماذا قال لا بل اعتزلها ولا تقربها وأرسل صلى الله عليه وسلم الى صاحبي أي وهما هلال بن أمية ومرارة بن الربيع بمثل ذلك فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذ الأمر فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه فقال صلى الله عليه وسلم لا ولكن لا يقربك قالت والله إنه ما به حركة الى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما ما كان الى يومه هذا قال كعب فقال بعض أهلي قال في النور الظاهر أن القائل له امرأة لأن النساء لم يدخلن في النهي لأن في الحديث ونهى المسلمين وهذه الخطاب لا يدخل فيه النساء فدل على ان المراد الرجال قالت لو أستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه فقلت لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ما يقول لي رسول الله صلى الله
____________________

عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب ثم مضى بعد ذلك عشر ليال حتى كملت خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا فلما كان صلاة الفجر صبح تلك الليلة سمعت صوتا فوق جبل سلع يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر فخررت ساجدا وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آدن أي أعم بتوبة الله علينا فلما جاءني الرجل الذي سمعت صوته يبشرني أي وهو حمزة بن عمرو الأوسي نزعت له ثونبي فكسوته اياهما ببشراه والله لا أملك غيهما يومئذ واستعرت أي من أبي قتادة رضي الله عنه ثوبين فلبستهما وانطلقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقاني الناس فوجا فوجا أي جماعة جماعة يهنئوني بالتوبة يقولون ليهنئك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام الي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني والله ما قام الي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان آخى بينهما حين قدم المدينة قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور وكان صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر فلما جلست بين يديه صلى الله عليه وسلم قال أبشر بخير يوم يمر عليك منذ ولدتك أمك قلت أمن عندك يا رسول الله أم عند الله عز وجل قال لا بل من عند الله فقلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة الى الله وإلى رسوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك أي وكان المبشر لهلال بن أمية أسعد بن أسد وكان المبشر لمرارة بن الربيع سلطان بن سلامة أو سلامة بن وقش
أي وفي البخاري عن كعب رضي الله عنه فأنزل الله توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقي الثلث الأخير من الليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة وكانت أم سلمة رضي الله عنها محسنة في شأني معينة في أمري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أم سلمة تيب على كعب قالت أفلا أرسل اليه فأبشره قال إذن يحطمكم الناس فيمنعونكم النوم سائر الليل حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر أعلم بتوبة الله علينا وانزل الله تعالى قد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة الى قوله وكونوا مع الصادقين وقال في حق من اعتذر له صلى الله عليه وسلم { سيحلفون بالله لكم } الى قوله { فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين }
____________________

واستشكل نزول الوحي بالقرآن في بيت ام سلمة بقوله صلى الله عليه وسلم في حق عائشة رضي الله عنها ما نزل على الوحي في فراش امرأة غيرها وأجاب بعضهم بأنه يجوز أن يكون ما تقدم في حق عائشة كان قبل هذه القصة أو أن الذي خصت به عائشة رضي الله عنها نزول الوحي في خصوص الفراش لا في البيت
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } الآية قال كانوا عشرة أبو لبابة وأصحابه تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فلما رجع صلى الله عليه وسلم أوثق سبعة منهما أنفسهم بسواري المسجد منهم أبو لبابة فلما مر بهم رسول الله قال من هؤلاء قالوا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك حتى تطلقهم وتغذرهم قال وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله هو الذي يطلقهم رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين فلما بلغهم ذلك قالوا ونحن لا نطلق انفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا فأنزل الله تعالى { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } الآية فعند ذلك أطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذرهم فجاءوا بأموالهم وقالوا يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا فقال صلى الله عليه وسلم ما أمرت أن آخذ أموالكم فأنزل الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم } إلى قوله { وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم } وهم الذين لم يربطوا أنفسهم بالسواري وتقدم أن أبا لبابة رضي الله عنه الله عنه ربط نفسه ببعض سواري المسجد في قصة بني قريظة وعلى هذا فقد تكرر منه ربط نفسه وقد ذكره ابن اسحاق فليتأمل ذلك
ولما قدم صلى الله عليه وسلم من تبوك وجد عويمرا العجلاني رضي الله عنه امرأته حبلى أي وهي خولة بنت عمه قيس فلا عن بينهما صلى الله عليه وسلم أي في المسجد بعد العصر وكان قد قذفها بشريك بن سحماء ابن عمه وقال وجدته على بطنها وإني ما قربتها منذ اربعة اشهر فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عويرما وقال له اتق الله في زوجتك وابنة عمك فلا تقذفها بالبهتان فقال يا رسول الله أقسم بالله إني رايت شريكا على بطنها وإني ما قربتها منذ أربعة أشهر ودعا صلى الله عليه وسلم بالمرأة التي هي خولة وقال لها اتقي الله ولا تخبريني إلا بما صنعت قالت يا رسول الله إن عويمرا رجل غيور وإنه يأتي وشريكا يطيل السهر ويتحدث حملته الغيرة على أن قال ما قال فدعا شريكا==

6. السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون
علي بن برهان الدين الحلبي
سنة الولادة 975/ سنة الوفاة 1044.

وقال له ما تقول فقال مثل قول المرأة فأنزل الله تعالى { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } الآية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادي بالصلاة جماعة فلما صلى العصر أى وقد نودى بذلك واجتمع الناس قال لعويمر قم فقام وقال أشهد الله إن خولة لزاتنية وإني لمن الصادقين ثم قال في الثانية أشهد بالله إني رأيت شريكا على بطنها وإني لمن الصادقين ثم قال في الثالثة أشهد بالله إنها حبلى من غيرى وإني لمن الصادقين ثم قال في الرابعة أشهد بالله إني ما قربتها منذ أربعة اشهر وإني لمن الصادقين ثم قال في الخامسة لعنة الله على عويمر يعني نفسه إن كان من الكاذبين ثم أمره صلى الله عليه وسلم بالقعود وقال لخولة قومي فقامت فقالت أشهد الله ما أنا زانية وإن عويمرا لمن الكاذبين ثم قالت في الثانية أشهد بالله ما رأى شريكا على بطني وإنه لمن الكاذبين ثم قالت في الثالثة أشهد بالله إني لحبلى منه وإنه لمن الكاذبين ثم قالت في الرابعة أشهد بالله إنه ما رآني قط على فاحشة وإنه لمن الكاذبين ثم قالت في الخامسة إن غضب الله على خولة تعني نفسها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما أي قال له لا سبيل لك عليها وهو دليل لإمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه القائل إن الفرقة بين الزوجين تحصل بنفس التلاعن
وما جاء في بعض الروايات أنه طلقها ثلاثا قبل أن يأمره صلى الله عليه وسلم أي بعدم الاجتماع بها فهو محمول على أنه ظن أن التلاعن لا يحرمها عليه فاراد تحريمها بالطلاق فقال هي طالق ثلاثا ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم عقب ذلك لا سبيل لك عليها أي لا ملك لك عليها فلا يقع طلاقك ثم قال له صلى الله عليه وسلم إن جاء الولد على صفة كذا فعويمر صادق وإن جاء على صفة كذا فعويمر كاذب فجاء على الصفة التي تصدق عويمرا فكان الولد ينسب الى أمه
وفي البخاري أن عويمرا أتى عاصم بن عدي وكان سيد بني عجلان فقال كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه ام كيف يصنع سل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى عاصم النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فكره النبي صلى الله عليه وسلم تلك المسألة وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فساله عويمر فقال له عاصم لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة وعابها أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكره المسألة التي لا يحتاج
____________________

إليها أي التي لم يكن وقعت لا سيما إن كان فيها هتك ستر مسلم او مسلمة قال عويمر رضي الله عنه لم يكن وقع له مثل ذلك حينئذ ثم اتفق له وقوع ذلك بعد فقال عويمر والله لا أنتهى حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فجاءه عويمر وهو وسط الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا إن تكلم جلدتموه وإن قتله قتلتموه أو سكت سكت على غيظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم افتح وجعل يدعو فنزلت آية اللعان وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم لعويمر قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآنا فاذهب فائت بها أي وذلك بعد أن ذكر له عويمر قصته
وفي رواية وقد قضى فيك وفي امرأتك فتلاعنا وفيه أن هلال بن أمية أحد المتخلفين عن تبوك قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء أو كانت حاملا فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة زاد في رواية أوحد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا يتكلف يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول وإلا فحد في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل عليه السلام أي بعد أن قال صلى الله عليه وسلم اللهم افتح أي بين لنا الحكم فأنزل الله تعالى والذين يرمون أزواجهم فأرسل صلى الله عليه وسلم الى المرأة فجاءت وتلاعنا وعند الخامسة تلكأت ونكصت حتى ظن أنها ترجع أي لأنه صلى الله عليه وسلم قال لها إنها أي اللعنة موجبة أي للعذاب في الآخرة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ثم قالت جاءت به كذا فهو لهلال وإن جاءت به كذا فهو لشريك فجاءت به على الوصف الذي ذكرأنه يكون لشريك فقال صلى الله عليه وسلم لولا ما سبق من كتاب الله تعالى لكان لي ولها شأن
وجمهور العلماء على أن سبب نزول آية اللعان قصة هلال بن امية وأنه أول لعان وقع في الإسلام
وذهب جمع الى أن سبب نزولها قصة عويمر العجلاني لقوله صلى الله عليه وسلم قد
____________________

أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآنا وأجيب بأن معناه لما نزل في قصة هلال لأن ذلك عام في جميع الناس
قال الإمام النووي رحمه الله ويحتمل أنها نزلت فيهما جميعا فلعلهما سألا في وقتين متقاربين أي وقال صلى الله عليه وسلم في كل اللهم افتح فنزلت هذه الآية فيهما وسبق هلال باللعان فكان أول من لاعن
وفي مسلم أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم لا قال سعد بلى والذي اكرمك بالحق وفي رواية كلاوالذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله باليف وفي لفظ لضربته بالسيف من غير صفح أي بل أضربه بحده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اسمعوا الى ما يقول سيدكم وليس ذلك من سعد رضي الله عنه ردا عليه صلى الله عليه وسلم وانما هو إخبار عن حاله ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم إنه لغيور وأنا اغير منه والله أغير مني فاخبر صلى الله عليه وسلم عن سعد بأنه غيور وأنه صلى الله عليه وسلم أغير منه وأن الله غير منه صلى الله عليه وسلم ومن ثم جاء في الحديث لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحب اليه العذر من الله ومن أجل ذلك أرسل مبشرين ومنذرين ولا احب اليه المدح من الله ومن أجل ذلك وعد الجنة ليكثر سؤال العباد إياها والثناء منهم عليه
وفي تفسير الفخر الرازي رحمه الله لا شخص أغير من الله وبه استدل على جواز إطلاق الشخص على الله تعالى
وفي الحلية لأبي نعيم رحمه الله عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر أرايت لو وجدت مع أم رومان رجلا ما كنت صانعا قال كنت فاعلا به شرا ثم قال صلى الله عليه وسلم يا عمر أرايت لو وجدت رجلا أي مع زوجتك ما كنت صانعا قال كنت والله قاتله فقرأ صلى الله عليه وسلم { والذين يرمون أزواجهم } الآية
وفي الأم لإمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه عن سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه أن رجلا من أهل الشام وجد مع امرأته رجلا فقتله فرفع الامر الى معاوية رضي الله تعالى عنه فأشكل على معاوية القضاء فها فكتب معاوية الى أبي موسى الأشعري رضي الله
____________________

تعالى عنه أن يسال عن ذلك علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فاستخبر علي أبا موسى عن القصة فأخبره أبو موسى ت أن معاوية كتب إليه في ذلك فقال علي كرم الله وجهه أنا أبو الحسن إن لم يأت باربعة شهداء قتلناه فليتأمل
وفي الخصائص الكبرى أن في غزوة تبوك اجتمع صلى الله عليه وسلم بإلياس فعن أنس رضي الله تعالى عنه سمعتا صوتا يقول اللهم اجعلني من أمة محمد الله عليه وسلم المرحومة المغفور لها المستجاب لها فقال النبي صل يا أنس انظر ما هذا الصوت قال أنس رضي الله تعالى عنه فدخلت الجبل فإذا رجل عليه ثياب بيض أبيض الراس واللحية طوله أكثر من ثلثمائة ذراع فلما رآني قال أنت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نعم قال ارجع اليه واقرأه السلام وقل له أخوك الياس يريد أن يلقاك فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فجاء صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا معه حتى إذا كنت منه قريبا تقدم النبي صلى الله عليه وسلم وتأخرت أنا فتحدثا طويلا فنزل عليما من السماء شيء شبه السفرة ودعاني فأكلت معهما قليلا فإذا فيها كمأة ورمان وحوت وتمر وكرفس فلما أكلت قمت فتنحيت ثم جاءت سحابة فاحتملته وأنا أنظر إلى بياض ثوبه فيها قال الحافظ ابن كثير هذا حدث موضوع مخالف للآحاديث الصحيحين وهذا مما يستدرك به على الحاكم الصحاح من وجوه وأطال في بيان ذلك والعجيب من الحاكم كيف يستدركه على الصحيحين وهذا مما يستدرك به على الحاكم
وفي النور لم يجئ في حديث صحيح اجتماعه صلى الله عليه وسلم بالياس وفي الجامع الصغير إلياس أخو الخضر وفي تفسير البغوي أربعة من الأنبياء احياء الى يوم البعث أثنان في الأرض وهما الخضر وإلياس أي وإلياس في البر والخضر في البحر يجتمعان كل ليلة على ردم ذي القرنين يحرسانه وأكلهما الكرفس والكمأة واثنان في السماء إدريس وعيسى عليهما الصلاة السلام
وعن ابن اسحق الخضر من ولد فارس وإلياس من بني اسرائيل أي وقد يقال لا ينافي ذلك ما تقدم أنهما أخوان لجواز أن يكونا أخوين لأم
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله لم ينقل بسند صحيح ولا حسن تسكن اليه النفس أن الخضر عليه الصلاة السلام اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام ولو
____________________

كان حيا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أشرف أحواله اجتماعه به صلى الله عليه وسلم
وفي الخصائص الكبرى عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال خرجت ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم أحمل الطهور فسمع قائلا يقول اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس ضع الطهور وأت هذا فقل له ادع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعينه على ما بعثه به وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به من الحق فأتيته فقلت له فقال مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم أنا كنت أحق أن آتيه اقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وقل له أخوك الخضر يقرأ عليك السلام ويقول لك إن الله فضلك على النبيين كما فضل شهر رمضان على الشهور وفضل أمتك على الأمم كما فضل يوم الجمعة على سائر الأيام فلما وليت سمعته يقول اللهم اجلعني من هذه الأمة المرحومة المتاب عليها قال بعضهم وهذا حديث واه منكر الإسناد سقيم المتن ولم يراسل الخضر عليه الصلاة والسلام نبينا صلى الله عليه وسلم لم يلقه
قال السيوطي في اللآلئ قلت قد أخرج هذا الحديث الطبراني في الأوسط وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الإصابة قد جاء من وجهين وفي الخصائص الصغرى ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه جمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للأنبياء عليهم الصلاة و السلام إلا أحدهما بدليل قصة موسى مع الخضر عليهما الصلاة و السلام والمراد بالشريعة الحكم بالظاهر وبالحقيقة الحكم بالباطن
وقد نص العلماء على أن غالب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما بعثوا ليحكموا بالظاهر دون ما اطلعوا عليه من بواطن الأمور وحقائقها ومن ثم أنكر موسى عليه الصلاة والسلام على الخضر صلى الله عليه وسلم في قتله الغلام بقوله { لقد جئت شيئا نكرا } فقال له الخضر عليه الصلاة والسلام { وما فعلته عن أمري } ومن ثم قال الخضر لموسى عليهما الصلاة والسلام إني على علم من عند الله لا ينبغي لك أن تعلمه أي تعمل به لأنك لست مأمورا بالعمل به وأنت على علم من عند الله لا ينبغي لي أن أعلمه أي لا ينبغي لي أن اعمل به لاني لست مأمورا بالعمل به
وفي تفسير أبي حيان والجمهور على أن الخضر نبي وكان علمه معرفة بواطن أمور
____________________

أوحيت إليه أي ليعمل بها وعلم موسى عليه الصلاة والسلام الحكم بالظاهر أي دون بالحكم بالباطن
ونبينا صلى الله عليه وسلم حكم بالظاهر في أغلب أحواله وحكم بالباطن أي في بعضها بدليل قتله صلى الله عليه وسلم للسارق وللمصلي لما اطلع على باطن أمرهما وعلم منها ما يوجب القتل
وقد ذكر بعض السلف رحمه الله أن الخضر إلى الآن ينفذ الحكم بالحقيقة وأن الذين يموتون فجأة هو الذي يقتلهم فإن صح ذلك فهو في هذه الأمة بطريق النيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه عليه الصلاة والسلام صار من أتباعه صلى الله عليه وسلم كما أن عيسى عليه الصلاة والسلام لما ينزل يحكم بشريعته عنه لأنه من أتباعه
وفيه أن عيسى عليه الصلاة والسلام اجتمع به صلى الله عليه وسلم اجتماعا متعارفا ببيت المقدس فهو صحابي وجاء في حديث مطعون فيه أي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الخضر وإلياس عليهما الصلاة والسلام يجتمعان في كل عام أي في الموسم ويحلق كل منهما رأس صاحبه ويفترقان عن هذه الكلمات بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ما شاء الله ما يكون من نعمة فمن الله ما شاء الله لاحول ولا قوة الا بالله قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من قالها حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات عوفي من السرق والحرق والغرق ومن السلطان ومن الشيطان ومن الحية والعقرب
وعن علي كرم الله وجهه مسكن الخضر بيت المقدس فيما بين باب الرحمة الى باب الأسباط والله اعلم
____________________

باب سراياه صلى الله عليه وسلم وبعوثه
لا يخفى أن ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له غزوة وما خلا عنه صلى الله عليه وسلم يقال له سرية إن كان طائفة اثنين فأكثر فإن كان واحدا قيل له بعث وربما سمعوا بعض السرايا غزوة كما في مؤته حيث قالوا غزوة مؤته وكما في سرية الرجيع حيث عبر عنها السيوطي في الخصائص بغزوة الرجيع وعن سرية ذات السلاسل بغزوة ذات السلاسل وعن سرية سيف البحر بغزوة سيف البحر وربما سموا الواحد سرية وهو في الاصل كثير وبما سموا الاثنين فأكثر بعثا ومنه قول الأصل كالبخاري بعث الرجيع وظاهر كلامهم أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون إرسال ذلك لقتال أو لغير قتال كتجسس الأخبار أو لتعليمهم الشرائع كما في بئر معونة والرجيع أو للتجارة كما في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما حيث ذهب مع جمع بالتجارة للشام فلقيه بنو فزراة فضربوه وضربوا أصحابه وأخذوا ما كان معهم كما سيأتي
والسرية في الأصل الطائفة من الجيش تخرج منه ثم تعود اليه خرجت ليلا أو نهارا وقيل السرية هي التي تخرج ليلا والسارية هي التي تخرج نهارا وهي من مائة الى خمسمائة وقيل الى اربعمائة أي وفي القاموس السرية من خمس أنفس الى ثلثمائة او اربعمائة وعليه فما دون ذلك لا يقال له سرية فما زاد على الثلثمائة أو أربعمائة الى ثمانمائة يقال له بنسر بالنون فإن زاد على لك الى اربعة آلاف قيل له جيش أي وقيل الجيش من ألف إلى اربعة آلاف فإن زاد على ذلك قي له جحفل وجيش جرار أي الى أثني عشر الفا
والبعث في الأصل الطائفة تخرج من السرية ثم تعود اليها وهو من عشرة الى أربعين يقال له حفيرة ومن أربعين الى ثلثمائة يقال له معتقب وما زاد على ذلك يسمى حمزة قال بعضهم والكتيبة ما اجتمع ولم ينتشر وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله خير الأصحاب أربعة وخير السريا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف وما هزم قوم بلغوا اثني عشر ألفا من قلة إذا صدقوا وصبروا أي فلا يرد أنهزام القدر المذكور يوم حنين قال في الأصل وكانت سراياه صلى الله
____________________

عليه وسلم التي بعث بها سبعا واربعين سرية وهو في ذلك موافق لما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب قال الشمس الشامي والذي وقفت عليه من السرايا والبعوث لغير الزكاة يزيد على السبعين أ هـ
أي وكان صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا بسم الله قاتلوا من كفر بالله ولا تغلوا ولا تغدوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا والوليد الصبي أي مالم يقتل كالنساء ولا قتلوا
وفي رواية لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة وهذا عند العمد فلا ينافي أنه يجوز الإغارة على المشركين ليلا وإن لزم على ذلك قتل الصبيان والنساء والشيوخ
فقد روى الشيخان سئل صلى الله عليه وسلم عن المشركين يبيتون أي يغار عليهم ليلا فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال هم منهم وكان صلى الله عليه وسلم يقول من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ولا سمع ولا طاعة في معصية الله وكان صلى الله عليه وسلم يعتذر عن تخلفه عن تلك السرايا ويقول والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب نفوسهم ان يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل
من جملة وصيته صلى الله عليه وسلم لمن يوليه على سرية وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم الى ثلاث خصال فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم الى الإسلام فإن هم أبوا فاسألهم الجزية فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم
ومن جملة قوله صلى الله عليه وسلم لمن يوليه على سرية وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم الى ثلاث خصال فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم الى الإسلام فإن هم أبوا فسألهم الجزية فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم
ومن جملة قوله صلى الله عليه وسلم للسرايا بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا ولما بعث صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وأبا موسى رضي الله تعالى عنهما إلى اليمن قال لهما يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة في ثلاثين رجلا من المهاجرين قيل ومن الأنصار وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث من الأنصار الا بعد ان غزا بهم بدرا أي وذلك في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من الهجرة وعقد له صلى الله
____________________

عليه وسلم لواء أبيض وهو أول لواء عقد في الإسلام حمله ابو مرثد بتفح الميم وإسكان الراء ثم مثلثة مفتوحة حليف حمزة رضي الله تعالى عنه ليعترض عيرا لقريش جاءت من الشام تريد مكة وفيها ابو جهل لعنه الله في ثلثمائة رجل وقيل في مائة وثلاثين فصار رضي الله تعالى عنه الى ان وصل سيف البحر أي بكسر السين المهملة واسكان المثناة تحت ثم فاء ساحله من ناحية العيص أرض من جهينة فصأدق العير هناك فلما تصافوا للقتال حجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وكان حليفا للفريقين فأطاعوه وانصرفوا ولم يقع بينهم قتال ولما عاد حمزة رضي الله تعالى عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر بأي بان مجديا حجز بينهم وانهم رأوا منه نصفة قال صلى الله عليه وسلم في مجدي إنه ميمون النقيبة أي مبارك النفس مبارك الأمر وقال سعيد أورشيد الأمر أي أموره ناجحة ولم يقع له إسلام أي وفي الإمتاع وقد رهط مجدي على النبي صلى الله عليه وسلم فكساهم سرية عبيدة بن الحارث بن عبد الطلب رضي الله تعالى عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس ثمانية أشهر من الهجرة عبيدة بن الحارث رضي الله تعالى عنه في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين منهم سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه وعقد له لواء أبيض وحمله مسطح بن أثاثة رضي الله تعالى عنه ليعترض عيرا لقريش وكان رئيسهم ابا سفيان وقيل عكرمة بن ابي جهل وقيل مكرز بن حفص في مائتى رجل فوافوا العير ببطن رابغ أى ويقل له ودان هل فلم يكن بينهم الا المناوشة برمي السهام أي فلم يسلوا السيف ولم يصطفوا للقتال وكان أول من رمى من المسلمين سعد بن ابي وقاص رضي الله تعالى عنه فكان سهمه أول سهم رمى به في الإسلام أي كما أن سيف الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه أول سيف سل في الإسلام ففي كلام ابن الجوزي أول من سل سيفا في سبيل الله الزبير بن العوام
وقد ذكر أن سعدا رضي الله تعالى عنه تقدم أصحابه ونثر كنانته وكان فيها عشرون سهما مامنها سهم إلا ويجرح إنسانا أو دابة أي لو رمى به لصدق رميه وشدة ساعدة رضي الله تعالى عنه ثم انصرف الفريقان فإن المشركين ظنوا أن للمسليمن مددا فخافوا وانهزموا ولم يتبعهم المسلمون وفر من المشركين الى المسلمين المقداد بن عمرو أي الذي
____________________

يقال له ابن الأسود وعيينة بن غزوان فإنهما كانا مسلمين ولكنهما خرجا مع المشركين ليتوصلا بهم الى المسلمين فعلم أن سرية عبيدة بن الحارث رضي الله تعالى عنه بعد سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه وقي قيل بل هي قبلها وكلام الاصل يشعر به ويؤيده قول ابن اسحاق كانت راية عبيدة بن الحارث فيما بلغنا أول راية عقدت في الإسلام قال بعضهم ومنشأ هذا الاختلاف أن بعث حمزة وبعث عبيدة رضي الله تعالى عنهما كانا معا أي في يوم واحد في محل واحد أي وشيعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا كما في ذخائر العقبي فاشتبه الأمر فمن قائل يقول إن راية حمزة رضي الله تعالى عنه أول راية عقدت في الإسلام وأن بعثه اول البمعوث ومن لكن يشكل على ذلك أن خروج حمزة كل على رأس سبعة اشهر من الهجرة كما تقدم وخروج عبيدة كان على راس ثمانية أشهر كما تقدم وبما ذكر أن بعثهما معا الى آخره يرد ما أجاب به بعضهم عن هذا الإشكال بأنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم عقد رايتهما معا وتأخر خروج عبيدة الى راس الثمانية أشهر لأمر اقتضى ذلك هذا كلامه إلا أن يقال يجوز أن يكون المراد ببعثهما معا أمرهما بالخروج وأن المراد بتشيعهما جميعا أن كلا منهما وقع له التشييع منه صلى الله عليه وسلم وذلك لا يقتضي أن يكون ذلك في وقت واحد تأمل
وفي هذا إطلاق الراية على اللواء وهو الموافق لما صرح به جماعة من أهل اللغة أنهما متردافان وتقدم أنه لم يحدث له اسم الراية إلا في خبير او وكانوا لا يعرفون قبل ذلك إلا الألوية وما هنا يرده
وفي كلام بعضهم كانت رايته صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض كما في حديث ابن عباس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما زاد ابو هريرة رضي الله تعالى عنه مكتوب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله
____________________

سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه إلى الخرار
بفتح الخاء المعجمة وراءين مهملتين وفي النور بفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء الأولى
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على راس تسعة اشهر من الهجرة سعد بن أبي وقاص في عشرين من المهاجرين أي وقيل ثمانية وعقد له لواء أبيض حمله المقداد بن عمرو قال والخرار واد يتوصل منه إلى الجحفة وقد عهد إليه أن لا يجاوزه ليعترض عير لقريش تمر بهم فخرجوا يمشون على اقدامهم يكمنون النهار ويسيرون الليل حتى صبحوا المكان المذكور في صبح خمس فوجدوا العير قد مرت بالأمس فانصرفوا راجعين الى المدينة أ هـ
وقد ذكر ابن عبد البر وابن حزم هذه السرية بعد بدر الأولى وفي السيرة الشامية الباب السادس في سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه الى الخرار وساق ما تقدم وقال بعده الباب التاسع في سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه
روى الإمام احمد عنه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جاءت جهينة فقالوا له إنك نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا حتى نأتيك وقومنا فأوثق لهم فاسلموا وبعثنا صلى الله عليه وسلم ولا نكون مائة وكان ذلك في رجب أي من السنة الثانية وامرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نغير على حي من كنانة فأغرنا عليهم فكانوا كثيرا فلجأنا الى جهينة فمنعونا وقالوا لم تقاتلون في الشهر الحرام فقال بعضنا لبعض ماترون فقال بعضنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره وقال بعض آخر لا نقيم ههنا وقلت انا في أناس معي بل نأتي عير قريش فنقتطعها فانطلقنا الى العير وانطلق بعض أصحابنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه الخبر فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان محمرا وجه فقال جئتم متفرقين وإنما أهلك من قبلكم الفرقة لأبعثن عليكم رجلا ليس بخيركم أصبركم على الجوع والعطش فبعث علينا عبد الله بن جحش أميرا فأمره علينا لنذهب الى جهة نخلة بين مكة والطائف
____________________

سرية عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه إلى بطن نخلة
قال لما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الأخيرة قال لعبد الله بن جحش واف مع الصبح معك سلاحك ابعثك وجها فوافاه الصبح ومعه قوسه وجعبته ودرقته فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة الصبح وجده واقفا عند بابه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب فدخل عليه فأمره فكتب كتابا ثم دعا عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه فدفع اليه الكتاب وقال له قد ا ستعملتك على هؤلاء النفر أ هـأي وكان قبل ذلك بعث عليهم عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب فلما ذهب لينطلق بكى صبيانه الى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث عليهم عبد الله وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين أي فهو أول من تسمى في الإسلام بأمير المؤمنين ثم بعده عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ولا ينافي ذلك قول بعضهم أول من تسمى في الإسلام بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لان المراد أول من تسمى بذلك من الخلفاء أو أن هذا أمير جميع المؤمنين وذاك أمير من معه من المؤمنين خاصة
فقد جاء أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يكتب أولا من خليفة أبي بكر فاتفق أن عمر رضي الله تعالى عنه أرسل الى عامل العراق أن يبعث اليه برجلين جلدين يسألهما عن أهل العراق فبعث اليه بعبد بن ربيعة وعدي بن حاتم الطائي فقدما المدينة ودخلا المسجد فوجدا عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه فقالا استأذن لنا على أمير المؤمنين فقال عمرو انتما والله أصبتما اسمه فدخل عليه عمرو وقال السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال ما بدالك في هذا الاسم فأخبره الخبر وقال أنت الأمير ونحن المؤمنون فأول من سماه بذلك عبد بن ربيعة وعدي بن حاتم وقيل أول من سماه بذلك المغيرة بن شعبة وحينئذ صار يكتب من عبد الله عمر أمير المؤمنين فقد كتب رضي الله تعالى عنه بذلك الى نيل مصر فإن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه لما فتح مصر ودخل شهر بؤنة من شهور العجم دخل اليه أهل مصر وقالوا له أيها الأمير إذا كان أحد عشر ليلة تخلوا من هذا الشهر عمدنا الى جارية بكر بين أبويها وجعلنا عليها من الثياب والحلي ما يكون ثم
____________________

ألقيناها في هذا النيل أي ليجري فقال لهم عمرو رضي الله تعالى عنه إن هذا لا يكون في الإسلام وإن الإسلام يهدم ما كان قبله فأقاموا مدة والنيل لا يجري لا قليلا ولا كثيرا حتى هم أهل مصر بالجلاء منها فكتب عمرو بذلك إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فكتب اليه كتابا وكتب بطاقة في داخل الكتاب وقال في الكتاب قد بعثت اليك بطاقة في داخل الكتاب فالقها في نيل مصر فلما قدم الكتاب أخذ عمرو البطاقة ففتحها فإذا فيها من عبد الله عمر أمير المؤمنين الى نيل مصر أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر وإن كان الله هو الذي يجريك فأسأل الله الواحد القهار ان يجريك فالقى البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم فاصبحوا وقد أجراه الله ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة فقطع الله تلك السنة عن أهل مصر الى اليوم
وكان أولئك النفر ثمانية أي وقيل اثني عشر من المهاجرين يعتقب كل اثنين منهم بعيرا منهم سعد بن أبي وقاص وعيينة بن غزوان وكانا يعتقبان بعيرا ومنهم واقد ابن عبد الله ومنهم عكاشة بن محصن وامر صلى الله عليه وسلم عبد الله أن لا ينظر في ذلك الكتاب حتى يسير يومين أي قبل مكة ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ولا يستكره أحدا من اصحابه أي على السير معه أي وقد عقد له صلى الله عليه وسلم راية
قال ابن الجوزي أول راية عقدت في الإسلام راية عبد الله بن جحش أي بناء على أن الراية غير اللواء وحينئذ تعارض القول بترادفهما والقول بأن اسم الراية إنما وجد في خبير
قال ابن الجوزي رحمه الله وهو أول أمير أمر في الإسلام وفيه أنه مخالف لما سبق إلا أن يريد أن من سمي أمير المؤمنين فلما سار عبد الله يومين فتح الكتاب فإذا فيه إذا نظرت في كتابي هذا فأت حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف ولا تكره أحدا من أصحابك على السير معك أى ولفظ الكتاب سر بسم الله وبركاته ولا تكرهن أحدا من أصحابك على السير معك وامض لأمري حتى تأتي بطن نخلة فترصد عير قريش وتعلم لنا أخبارهم فلما قرا الكتاب على اصحابه قالوا نحن سامعون مطيعون لله ولرسوله ولك فسر على بركة الله تعالى أي وجعل البخاري دفعه صلى الله عليه وسلم الكتاب لعبد الله ليقراه ويعمل به فيه دليلا على صحة الراوية بالمناولة وهي ان الشيخ يدفع لتلميذه كتابا ويأذن له أن يحدث عنه بما فيه
____________________


وممن قال بصحة المناولة مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه روى إسماعيل بن صالح عنه أنه أخرج لهم كتابا مشدودة وقال لهم هذه كتبي صححتها ورويتها فارووها عني فقال له اسماعيل بن صالح نقول حدثنا مالك قال نعم
وفي لفظ أن عيد الله رضي الله تعالى عنه لما قرأ الكتاب قال سمعا وطاعة أي بعد أن استرجع ثم أعلم اصحابه وقال لهم من كان يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع فأما أنا فماض الى آخر رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضوا لم يتخلف منهم أحد حتى إذا كانوا ببحران بفتح الموحدة وبضمها وسكون الحاء المهملة موضع اضل سعد بن أبي وقاص وعيينة بن غزوان بعيرهما فتخلفا في طلبه ومضى عبد الله ومن عداهما معه حتى نزل بنلخة فمرت عير لقريش أي تحمل زبيبا وأدما أي جلودا من الطائف وأمتعة للتجارة في تلك العير عمرو بن الحضرمي وعثمان بن المغيرة وأخوه نوفل والحكم بن كيسان ونزلوا قريبا من عبد الله وأصحابه وتخوفوا منهما فاشرف عليهم عكاشة بن محصن وكان قد حلق رأسه أي وتراءى لهم ليظنوا أنهم عمارا فيطمئنوا أي وذلك بإرشاد عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه فإنه قال لهم إن القوم قد ذعروا منكم فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرض لهم فحلقوا راس عكاشة ثم أشرف عليهم فلما رأوا راسه محلقوا قالوا عمار أي هؤلاء معتمرون لا باس عليكم منهم وكان ذلك آخر يوم من شهر رجب أي وقيل أول يوم منه
ويدل للأول ما جاء ان عبد اله تشاور مع اصحابه فيهم فقال بعضهم لبعض إن تركتموهم في هذه الليلة دخلوا الحرم فقد تمنعوا منكم به وان قتلتموهم في هذا اليوم تقتلوهم في الشهر الحرام أي وكان ذلك قبل أن يحل القتال في الشهر الحرام فإن تحريم القتال في الأشهر الحرم كان معمولا به من عهد ابراهيم وإسمعيل عليهم الصلاة والسلام جعل الله ذلك مصلحة لأهل مكة فإن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما دعا لذريته بمكة أن يجعل الله أفئدة من الناس تهوي اليهم لمصلحتهم ومعاشهم وجعل الأشهر الحرم أرعة ثلاثة سردا وواحدا فردا وهو رجب أما الثلاثة فليأمن فليأمن الحجاج فيها ورادين لمكة وصادرين عنها شهرا قبل شهر الحج وشهرا آخر بعده قدر ما يصل الراكب من أقصى بلاد العرب ثم يرجع وأما رجب فكان للعمار يأمنون فيه مقبلين ومدبرين وراجعين
____________________

نصف الشهر للإقبال ونصفه الآخر للإياب لان العمرة لا تكون من أقاصي بلاد العرب كالحج وأقصى منازل بلاد المعتمرين خمسة عشر يوما ذكره السهيلي
ولم يزل تحريم القتال في تلك الأشهر الحرم الى صدر الإسلام وذلك قبل نزول براءة فإن براءة كان فيها نبذ العهد العام وهو أن لا يصد أحد عن البيت جاءه ولا يخاف أحد في الأشهر الحرم وأن لا يحتج مشرك وإباحة القتال في الأشهر الحرم أي مع بقاء حرمتها فإنها لم تنسخ قال تعالى { منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم } فتعظيم حرمتها باقية لم تنسخ وإنما نسخ حرمة القتال فيها خلافا لما نقل عن عطاء من أن حرمة القتال فيها باقية لم تنسخ
ويدل للثاني ما في الكشاف وكان ذلك اليوم أول يوم من رجب وهم يظنون أنه من جمادي الآخرة فتردد القوم وهابوا الإقدام ثم شجعوا أنفسهم عليهم ثم أجمع رأيهم على قتل من لم يقدروا على أسره أي وأخذ ما معهم فقتلوا عمرو بن الحضرمي رماه واقد بن عبد الله بسهم فهو أول قتيل قتله المسلمون وأسروا عثمان والحكم فهما أول أسير اسره المسلمون وأفلت بتفح الهمزة باقي القوم أي وجاء الخبر لأهل مكة فلم يمكنهم الطلب لدخول شهر رجب أي بناء على ما تقدم واستاق عبد الله واصحابه رضي الله تعالى عنهم العير حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أول غنيمة غنمها المسلمون فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام وأبى أن يستلم العير والأسيرين فسقط بالبناء للمجهول في ايديهم أي ندموا وعنفهم إخوانهم من المسلمين وقالت قريش قد استحل محمد واصحابه الشهر الحرام سفكوا فيه الدم وأخذوا فيه الأموال وأسروا فيه الرجال أي وصارت قريش تعير بذلك من مكة من المسلمين يقولون لهم يا معشر الصباة قد استحللتم الشهر الحرام وقاتلتم فيه وزادوا في التشنيع والتعيير وصارت اليهود تتفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون القتيل عمرو الحضرمي والقاتل واقد فيه عمرت بفتح العين المهملة وكسر الميم الحرب أي حضرت الحرب ووقدت الحرب فكان ذلك الفأل عليه لعنهم الله وضاق الأمر على عبد الله وأصحابه رضي الله تعالى عنهم فأنزل الله تعالى { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير } أي عظيم الوزر { وصد عن سبيل الله } أي ومنع للناس عن دين الله { وكفر به } أي بالله { والمسجد الحرام } أي ومنع للناس عن مكة { وإخراج أهله منه } وهم
____________________

النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين منه من { أكبر عند الله } أعظم وزرا { والفتنة } الشرك أي الذي أنتم عليه أو حملكم من أسلم على الكفر بالتعذيب له { أكبر من القتل } لكم فيه أي صدهم لكم عن المسجد الحرام وكفرهم بالله و إخراجكم من مكة وأنتم أهلها وفتنة من أسلم بحيث يريد عن الإسلام ويرجع إلى الكفر أكبر من قتل من قتلتم منهم ففرج عن عبد الله واصحابه رضي الله تعالى عنهم أي وهذا كما ترى يدل على أنهم قتلوا مع علمهم بأن ذلك اليوم من رجب وضعف ما تقدم عن الكشاف الموافق لما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اصحاب محمد كانوا يظنون أن ذلك اليوم آخر جمادي وكان أول رجب ولم يشعروا أي لأن جمادي يجوز أن يكون ناقصا وفيه أنه لو كان الأمر كذلك لا عتذر عبد الله وأصحابه رضي الله تعالى عنهم بذلك
وجاء أن المسلمين اختلفوا في ذلك اليوم فمن قائل منهم هذه غرة من عدوكم وغنم رزقمتوه ولا ندري أمن الشهر الحرام هذا اليوم ام لا وقال قائل منهم لا نعلم اليوم الا من الشهر الحرام ولا نرى ان تستحلوه لطمع اشتملتم عليه ويذكر أنه صلى الله عليه وسلم عقل أبن الحضرمي أي اعطي ديته ويضعفه ما تقدم في غزوة بدر من أن أخاه طلب ثأره وكان ذلك سببا لإثارة الحرب وأن عتبة بن ربيعة أراد أن يتحمل ديته ويتحمل جميع ما أخذ من العير وأن تكف قريش عن القتال وحينئذ تسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين وطمع وطمع عبد الله واصحابه في حصول الأجر وسألوا رسول الله فأنزل الله تعالى { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم } أي فقد اثبت لهم الجهاد في سبيل الله
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم ذلك العير وخمسه أي جعل خمسة لله واربعة أخماسه للجيش
وقيل تركه حتى رجع من بدر وخمسة مع غنائم بدر وقيل إن عبد الله هو الذي خمسها أي فإنه رضي الله تعالى عنه قال لأصحابه إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما غنمنا الخمس فأخرج خمس ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي عزلها له وقسم سائرها بين أصحابه رضي الله عنهم وحينئذ يكون ما تقدم من قوله وابي ان يتسلم العير الظاهر في أن العير لم تقسم المراد خمس تلك العير وهو أول غنيمة خمست في الإلام أي قبل فرضه ثم فرض على ما صنع عبد الله رضي الله عنه ويوافق ذلك قول ابن عبد الير
____________________

في الاسيتعاب وعبد الله بن جحش أول من سن الخمس من الغنيمة للنبي صلى الله عليه وسلم من قبل أن يفرض الله الخمس وأنزل الله تعالى بعد ذلك آية الخمس { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية وإنما كان قبل ذلك المرباع هذا كلامه والمرباع ربع الغنيمة وتقدم أن الفئ والغنيمة يطلق أحدهما على الآخر
وفي كلام فقهائنا أن الغنيمة كانت في صدر الإسلام له صلى الله عليه وسلم خاصة ثم نسخ ذلك بالتخميس
وبعثت قريش الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء عثمان والحكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لانفديكموهما حتى يقدم صاحبانا يعني سعد بن ابي وقاص وعيينة ابن غزوان فإنا نخشاكم عليهما فإن قتلتموهما نقتل صاحبيكم فإن سعدا عينية رضي الله عنهما لم يحضرا الوقعة بسبب التماسهما بعيرهما وقد مكثا في طلبه اياما ثم قدما فأفدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسيرين أي كل واحد بأربعين أوقية فأما الحكم فأسلم وحسن إسلامه وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا
أي وعن المقداد أراد أميرنا يعني عبد الله بن جحش أن يقتل الحكم فقلت دعه فقدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما عثمان فلحق بمكة فمات بها كافرا بعث وفي الاصل تبعا لشيخه الحافظ الدمياطي سرية عمير بن عدي الخطمي الضرير إلى عصماء
أي بالمد بنت مروان اليهودية وكانت متزوجة في بني خطمة وكان زوجها مرئد ابن زيد بن حصين الأنصاري أسلم بعد ذلك رضي الله عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمير بن عدي الخطمي وهو أ ول من أسلم من بني خطمة الى قتل عصماء بنت مروان لأنها كانت تسب الإسلام وتؤذي النبي صلى الله عليه وسلم في شعر لها وتحرض عليه فجاءها عمير في جوف اليل حتى دخل عليها بيتها وحولها نفر من ولدها نيام وعلى صدرها صبي ترضعه فمسها بيده ونحى الصبي عن صدرها ووضع سيفه على صدرها وتحامل عليه حتى أنفذه من ظهرها ثم صلى الصبح مع النبي
____________________

صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلت ابنة مروان فقال نعم فهل على في ذلك من شيء فقال لا ينتطح فيها عنزان أي الأمر في قتلها هين لا يعارض فيه معارض وهذه الكلمة من جملة الكلمات التي لم تسمع إلا من النبي صلى الله عليه وسلم وقد جمع غالبها في النور في هذا المحل قال وسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم عميرا هذا بالبصير لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال انظروا الى هذا الأعمى الذي يسري في طاعة الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقل الأعمى ولكن البصير
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم لما قال ألا رجل يكفينا هذه يعني عصماء بنت مروان فقال عمير بن عدي أنا لها فأتاها وكانت تمارة أي تبيع التمر فقال لها أعندك أجود من هذا التمر لتمر بين يديها قالت نعم فدخلت الى البيت وانكبث لتأخذ شيئا من التمر فالتفت يمينا وشمالا فلم يشسعر بأحد فضرب رأسها حتى قتلها فليتأمل هذا مع ما قبله
ثم إن عميرا أتى المسجد فصلى الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرف صلى الله عليه وسلم من صلاته نظر اليه فقال له أقتلت ابنة مروان قال نعم قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أجبتم أن تنظروا الى رجل نصر الله ورسوله فانظروا الى عمير فلما رجع عمير الى منزل بني خطمة وجد بنيها في جماعة يدفنونها فقالوا يا عمير أنت قتلتها قال نعم فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون والذي نفسي بيده لو قلتم بأجمعكم ما قالت لأضربنكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم فيومئذ ظهر الإسلام في بني خطمة وكان يخفى إسلامه من أسلم منهم لكن جاء في رواية أنها كانت تلقى خرق الحيض في مسجد بني خطمة فليتأمل
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم لما أهدر دم عصماء نذر عمير إن رد الله رسوله صلى الله عليه وسلم من بدر الى المدينة سالما ليقتلنها فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر الى المدينة عدا عليها عمير رضي الله تعالى عنه فقتلها وفي كلام السهيلي رحمه الله أن الذي قتل عصماء بعلها
وقد يقال لا مخالفة لأن عميرا رضي الله عنه جاز أن يكون كان بعلالها قبل مرثد بن زياد
____________________

وذكر في الاستيعاب في ترجمة عمير رضي الله عنه أنه قتل أخته لسبها رسول الله ولم يسمها
أقول الظاهر أنها غير عصماء لأن نسب عصماء غير نسب عدي الا ان يقال انها أخته لأمه ويبعده ما تقدم من أنه كان زوجا لها والله أعلم وبعث وفي الاصل تبعا لشيخه الحافظ الدمياطي سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك
أي والعفك بفتح العين المهملة وبالفاء وبالكاف أي الحمق أي ابي الحمق اليهودي قال صلى الله عليه وسلم يوما من لي بهذا الخبيث يعني أبا عفك أي من ينتدب الى قتله وكان شيخا كبيرا قد بلغ مائة وعشرين سنة وكان يحرض الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيبه في شعر له فقال سالم بن عمير رضي الله عنه أي وهو أحد البكائين وقد شهد بدرا على نذر ان أقتل ابا عفك أو أموت دونه فطلب له غرة أي غفلة فلما كانت ليلة صائفة أي شديدة الحر نام أبو عفك بفناء بيته أي خارجه فعلم بذلك سالم رضي الله عنه فاقبل نحوه فوضع السيف على كبده ثم تحامل حتى خش السيف في فراشه وصاح عدو الله فتركه سالم رضي الله عنه وذهب فقام إلى أبي عفك ناس من أصحابه فاحتملوه وأدخلوه داخل بيته فمات عدو الله وابن إسحاق قدم هذه البعث على بعث عمير سرية عبد الله بن مسلمة رضي الله عنه الى كعب بن الاشرف الأوسي
أي فإن الله أصاب دما في الجاهلية فأني المدينة فحالف بني النضير فشرف منهم وتزوج عقيلة بنت ابي الحقيق فولدت له كعبا وكان طويلا جسيما ذا بطن وهامة وكان شاعرا مجيدا وقد كان ساد يهود الحجاز بكثرة ماله وكان يعطى أحبار اليهود ويصلهم فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فجاءه أحبار يهود من بني قينقاع وبني قريظة لأخد صلته على عادتهم فقال لهم ما عندكم من أمر هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم قالوا هو الذي كنا ننتظر ما أنكرنا من نعوته شيئا فقال لهم قد حرمتم كثيرا من
____________________

الخير فارجعوا الى أهليكم فإن الحقوق في مالي كثيرة فرجعوا عنه خائبين ثم رجعوا اليه قالوا له أنا اعجلناك فيما أخبرناك به ولما استثبتنا علمنا أنا غلطنا وليس هو المنتظر فرضي عنهم ووصلهم وجعل لكل من تابعهم من الاحبار شيئا من ماله وهذا نزل فيه قوله تعالى { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما } استودعه شخص دينارا فجحده كذا في تكملة الجلال السيوطي وفي الكشاف وفروعه أنها نزلت في فنحاص بن عازوراء وقد يقال لا مانع من تعدد الواقعة
ولما انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وقدم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما مبشرين لأهل المدينة بذلك وصارا يقولان قتل فلان وفلان وأسر فلان وفلان من أشراف قريش صار كعب يكذب في ذلك ويقول هؤلاء أشراف العرب وملوك الناس والله إن كان محمد قتل هؤلاء القوم فبطن الأرض خير من ظهرها أن كما تقدم فلما يتقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم مكة وكان شاعرا فجعل يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ويمدح عدوهم ويحرضهم عليه وينشد الأشعار ويبكي من قتل ببدر من أشراف قريش فقال صلى الله عليه وسلم اللهم اكفنى ابن الأشرف بما شئت ثم رجع الى المدينة أي بعد أن لم يجد من يأوى رحله بمكة أي لانه لما قدم مكة وضع رحله عند المطلب بن وادعة وأكرمته زوجة المطالب وهي عاتكة بنت أسيد فدعا رسول اله صلى الله عليه وسلم حسان وأخبره بذلك فهجا المطلب وزوجته فلما بلغهما هجاء حسان ألقت رحله وقالت مالنا ولهذا اليهودي وأسلم المطلب وزوجته بعد ذلك رضي الله عنهما وصار كلما تحول عند قوم من أهل مكة صار حسان يهجوهم فيلقون رحله أي يقال إنه خرج في سبعين راكبا من اليهود إلى مكة ليحالفوا قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا على أبي سفيان فقال لهم أبو سفيان إنكم أهل الكتاب ومحمد صاحب الكتاب ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم فإن أردتم أن نخرج معكم فاسجدوا لهذين الصنمين وآمنوا بهما ففعلوا فأنزل الله تعالى { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت } أي وحالفهم عند استار الكعبة على قتال المسلمين فخرج من مكة للمدينة فلما وصل الى المدينة وصار يشبب بنساء المسلمين أي يتغزل فيهن ويذكرهن بالسوء حتى آذاهن
____________________

أي وقيل إن كعب بن الاشرف صنع طعاما وواطأ جماعة من اليهود أن يدعوا النبي صلى الله عليه وسلم الى الطعام فإذا حضر يفتكون به ثم دعاه فجاء ومعه بعض أصحابه فأعلمه جبريل عليه السلام بما أضمرره بعد أن جالسه فقام صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام يستره بجناحه حتى خرج فلما فقدوا تفرقوا ولا مانع من تعدد الاسباب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينتدب لقتل كعب بن الأشرف وفي لفظ من لنا بابن الأشرف فقد استعلن بعدواتنا وهجائنا أي وفي رواية إنه يؤذي الله ورسوله وفي أخرى فإنه قد آذانا بشعره وقوي المشركين علينا أي فإن ابا سفيان قال لكعب فانك تقرا الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم فأينا أهدى طريقا وأقرب الى الحق أنحن أم محمد فقال كعب اعرضوا على دينكم فقال ابو سفيان نحن ننحر للحجيج الكوماء ونقسيهم الماء ونقرى الضيف ونفك العاني ونصل الرحم ونعمر بيت ربنا ونطوف به ونحن أهل الحرم ومحمد فارق دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم وديننا قديم ودين محمد الحديث فقال كعب لعنة الله أنتم والله أهدى سبيلا مما هو عليه فقال صلى الله عليه وسلم من لي بقتل ابن الأشرف فقال محمد بن مسلمة الأوسي انا لك به يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خالي لأن محمد بن مسلمة ابن اخته أنا أقتله واجمع أي عزم على ذلك هو واربعة أي من الأوس عباد بن بشر وأبو نائلة وكان رضي الله عنه أخا لكعب بن الأشرف من الرضاعة والحارث بن عيسى والحارث بن أوس ومكث محمد بن مسلمة رضي الله عنه بعد قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة ايام لا يأكل ولا يشرب إلا ما تقوم به نفسه خوفا من عدم وفائه بما ذكر ثم قال يا رسول الله لا بد لنا أن نقول أي نذكر ما نتوصل به اليه من الحيلة وحينئذ كان المناسب أن يقول لا بد لنا أن نقول أي نخترع ما نحتال به عليه فقال قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك فأباح صلى الله عليه وسلم لهم الكذب لأنه من خدع الحرب كما تقدم
وقيل إنه صلى الله عليه وسلم أمر سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوه والجمع ممكن فتقدمهم الى كعب أبو نائلة رضي الله عنه وكان يقول الشعر فتحدث معه ساعة وتناشد شعرا ثم قال ويحك يا ابن الاشرف إني قد جئتك لحاجة أريد أن أذكرها لك فاكتم عني قال أفعل قال كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة فقطعت عنا السبل حتى جاع العيال وجهدت الأنفس أي
____________________

وسألنا الصدقة ونحن لا نجد ما نأكل وسائر ما عندنا أنفقناه على هذا الرجل وعلى أصحابه فقال كعب لقد كنت أخبرتك يا ابن مسلمة أن الأمر سيصبر إلى ما تقول أي ثم قال له كعب أصدقني ما الذي تريدون في أمره قال خذلانه والتنحى عنه قال شر تبين بان لكم أن تعرفوا ما أنتم عليه من الباطل فقال ابو نائلة وقيل محمد بن مسلمة كما في رواية صحيحة
قال الحافظ ابن حجر ويحتمل ان كلا منهما قال له إني اريد ان تبيعني وأصحابي طعاما ونرهنك ونوثق لك فقال اترهنوني أبناءكم وفي رواية نساءكم قال اردت أن تفضحنا نرهنك من الحلقة أي السلاح كما تقدم وقيل الدرع خاصة ما فيه وفاء وقد أردت أن آتيك بأصحابي أراد أبو نائلة رضي الله عنه أن لا ينكر كعب السلاح إذا جاء به هو وأصحابه فقال إن في الحلقة لوفاء أي وفي البخاري قال أرهنوني نساءكم قالوا كيف نرهنك نساناء وأنت اجمل العرب زاد في رواية ولا نأمنك عليهن وأي امرأة تمتنع منك لجمالك فانك تعجب النساء قال فارهنوني ابناءكم قالوا كيف نرهنك ابناءنا فيسب أحدهم فيقال رهن يوسف قالوا هذا عار علينا ولكنما نرهنك اللامة أي السلاح فرجع أبو نائلة رضي الله عنه الى أصحابه فاخبرهم الخبر وأمرهم أن يأخذوا السلاح ثم جاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجوا من عنده متوجهين الى كعب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي معهم الى بقيع الغرقد ثم وجههم وقال انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بيته أي وأمر عليهم محمد بن مسلمة وكانت تلك الليلة مقمرة فأقبلوا رضي الله عنهم حتى انتهوا الى حصن كعب فهتف به ابو نائلة رضي الله عنه وكان كعب قريب عهد بعرس فوثب في ملحفته فأخذت امراته بناحيتها أي طرفها وقالت إنك امرؤ محارب وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في مثل هذه الساعة قال أبو نائلة لووجدني قائما لا يوقظني فقالت والله إني لأعرف في صوته الشر أي وفي البخاري فقالت له امرأته أين تخرج هذه الساعة فإني أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم وفي مسلم كأنه صوت دم أي صوت طالب دم قال إنما هو ابن اختي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة إن الكريم لو دعي الى طعنة بليل لأجاب كذا في البخاري وفي مسلم إنما هو محمد ورضيعته قيل وصوابه إنما هو محمد ورضيعه ابو نائلة
____________________


فقد ذكر أهل العلم أن أبا نائلة رضي الله عنه كان رضيعا لمحمد فنزل أي وهو ينفح منه ريح طيب فتحدث معه هو وأصحابه ساعة ثم تماشوا ثم إن ابا نائلة رضي الله عنه وضع يده على رأس كعب ثم شم يده وقال ما رأيت طيبا أعطر من هذا الطيب أي فقال وكيف عندي أعطر نساء العرب وأكل العرب وفي لفظ وأجمل بدل أكمل وهي أشبه فقال له يا ابا سعيد أدن مني راسك أشمه وأمسح به عيني ووجهي ثم مشوا ساعة ثم عاد في ذلك أى في أن يتكلموا بما يتوصلون به إليه من الحيلة فأذن الله فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا أي وقع بعضها على بعض ولصق عدو الله بأبي نائلة وصاح صيحة لم يبق حصن وإلا وعليه نار قال محمد بن مسلمة رضي الله عنه فوضعت سيفي في ثنيته ثم تحاملت عليه حتى بلغ عانته فوقع أي ولما صاح اللعين صاحت امرأته يا آل قريظة والنضير مرتين فخرجت اليهود فأخذوا عل غير طريق الصحابة ففاتوهم
قال محمد بن مسلمة رضي الله عنه وأصيب الحارث بن أوس من بعض اسيافنا في رجله ورأسه ونزف به الدم فتخلف عنا أي وناداهم اقرءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام فعطفوا عليه واحتملوه وفي رواية تخلف عن اصحابه فافتفدوه ورجعوا اليه فاحتلموه قال محمد بن مسلمة رضي الله عنه فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلي فسلمنا عليه فخرج إلينا وأخبرناه بقتل عدونا وتفل على جرح صاحبنا فلم يؤلمه
قال وفي رواية أنهم حزوا رأس كعب وحملوا ذلك الراس ثم خرجوا يشتدون فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى تلك الليلة فلما سمع تكبيرهم بالبقيع كبر وعرف أنهم قد قتلوا عدو الله وخرج الى باب المسجد فجاءوا فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا على باب المسجد فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلحت الوجوه قالوا أفلح وجهك يا رسول الله ورموا برأسه بين يديه فحمد الله على قتله أي وعند ذلك أصبحت يهود مذعورين فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا قتل سيدنا غيلة فذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه من التحريض عليه وأذنيه المسلمين فازدادوا خوفا
____________________

سرية عبد الله بن عتيك رضي الله عنه لقتل أبي رافع
سلام بالتخفيف ابن ابي الحقيق على وزن نصير بالتصغير وبالحاء المهملة الخزرجي أي وفي البخاري ابي رافع عبد الله بن ابي الحقيق ويقال له سلام بن أبي الحقيق كان بخيبر وكان تاجر أهل الحجاز
لما قتلت الأوس أي عبد الله بن مسلمة وأبو نائلة ومن تقدم معهما كعب بن الأشرف تذاكر الخزرج من يشابه كعب بن الأشرف في العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الخزرج فذكروا أبا رافع سلام بن أبي الحقيق أي لانه كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم
أي وعن عروة أنه كان ممن أعان غطفان وغيرهم من مشركي العرب بالمال الكثير على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي حزب الأحزاب يوم الخندق لأن الأوس والخزرج كانا يتنافسان فيم يقرب الى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم لا تفعل الأوس شيئا من ذلك إلا فعلت الخزرج نظيره وبالعكس ويقولون والله لا يذهبون بهذا فتيلا علينا في الإسلام فانتدب لقتله خمسة من الخزرج منهم عبد الله بن عتيك وعبد الله ابن أنيس وابو قتادة واستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بن عتيك وأمرهم أن لا يقتوا وليدا ولا امرأة فخرجوا حتى أتوا خيبر فتسوردا دار ابي رافع ليلا فلم يدعوا بيتا في الدار إلا أغلقوه على أهله وكان ابو رافع في علية لها درجة أي سلم من الخشب من محل يصعد عليه الى تلك العلية فطلعوا في تلك الدرجة حتى قاموا على باب تلك العلية فاستأذنوا فخرجت اليهم امرأته فقالت من أنتم قالوا ناس من العرب نلتمس الميرة
وفي لفظ لما صعدوا قدموا عبد الله بن عتيك لأنه كان يتكلم بلسان يهود فاستفتح وقال جئت أبا رافع بهدية ففتحت له امرأته وقالت ذاكم صاحبكم فادخلوا عليه فلما دخلوا عليه أغلقوا عليهم وعليها باب الحجرة ووجدوه وهو على فراشه ما دلهم عليه في الظلمة إلا بياضة كأنه قبطية فابتدروه بأسيافهم ووضع عبد الله بن أنيس رضي الله
____________________

عنه سيفه في بطنه وتحامل عليه حتى انفذه وهو يقول قطني قطني أي يكفيني يكفيني وعند ذلك صاحت المرأة قال بعضهم ولما صاحت المرأة جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يتذكر نهى رسول صلى الله عليه وسلم فيكف يده قال وفي رواية أن المرأة لما رأت السلاح أرادت أن تصيح فاشار اليها بعضنا بالسيف فسكتت فابتدرناه باسيافنا وخرجنا من عنده وكان عبد الله بن عتيك رجلا سيء البصر فوقع من الدرجة فوثبت رجله وثبا شديدا أي جرحت جرحا شديدا وفي لفظ قد انكسرت ساقه وفي آخر فانخلعت رجله فعصبها بعمامته والجمع بين كسر ساقه وخلع رجله واضح لأن الانخلاع يكون من المفصل فقد انكسرت ساقه وانخلعت من مفصلها ومع الكسر والانخلاع حصلت فيها جراحة أيضا
وأما قول ابن اسحاق رحمه الله فوثبت يده فقيل وهم والصواب رجله كما تقدم وفي السيرة الهشامية فوثبت يده وقيل رجله
وقد يقال لا مانع من حصولهما قال فحملناه حتى أتينا محلا استخفينا فيه أى وذلك المحل من أفنيتهم التي يلقون فيها كناستهم وفي لفظ أنهم كمنوا في نهر من عيونهم حتى سكن الطلب
وقد يقال لا مخالفة لأنهم أوقدوا النيران وتفرقوا من كل وجه يلطبونهم أي وفي لفظ فخرج الحارث في ثلاثة آلاف في آثارهم يطلبونهم بالنيران حتى إذا أيسوا رجعوا إلى عدو الله فكتفوه وهو بينهم يجود بنفسه فقال بعضنا لبعض كيف نعلم أن عدو الله مات فقال رجل منهم أنا أذهب فانظر لكم فانطلق حتى دخل في الناس قال فوجدت امرأته تنظر في وجهه وفي يدها المصباح ورجال يهود حوله وهي تحدثهم وتقول أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي
أي وعلى الرواية الآتية انه أكذبها ثم اقبلت تنظر في وجهه ثم قالت فاضت وإله يهود أي خرجت روحه فما سمعت من كلمة كان ألذ الى نفسي منها ثم جئت وأخبرت أصحابي واحتملنا عبد الله بن عتيك وقدمنا الى رسول صلى الله عليه وسلم
وفي رواية أن ابن عتيك لما عصب رجله انطلق حتى جلس على الباب وقال لا اخرج الليلة حتى اعلم أني قتلته أولا فلما صاح الديك قام الناعي على السور فقال
____________________

أنعى أبا رافع تاجر اهل الحجاز فانطلق يحجل الى اصحابه وقال قد قتل الله ابا رافع فاسرعوا وليتأمل هذا مع ما قبله وقوله أنعى هو بتفح العين وقيل الصواب انعوا والنعي خبر الموت والأسم الناعي ويقال له الناعية وكانت العرب إذا مات فيهم الكبير ركب راكب فرسا وصار يذكر أوصافه ومآثره وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولا منافاة بين كونه انطلق يحجل إلى اصحابه وكونهم حملوه لأنه يجوز أن يكون عند وقوعه وحصول ما تقدم له لم يحس بالألم لما هو فيه من الاهتمام وقدر على المشي يحجل ومن ثم جاء في بعض الروايات فقمت أمشي ما بي قلبة أي علة مهلكة فلما وصل الى اصحابه وعاد عليه المشي أحس بالألم فحمله أصحابه وهذا السياق يدل على أن الذي قتله عبد الله ابن عتيك وحده وهو ما في البخاري وفي رواية أن الذي كسرت رجله ابو قتادة لأنهم لما قتلوه وخرجوا نسى ابو قتادة قوسه فرجع اليها وأخذها فاصيبت رجله فشدها بعمامته ولحق بأصحابه وكانوا يتناوبون حمله حتى قدموا المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم فمسحها فبرئت أي وقال لما رآنا أفلحت الوجوه قلنا أفلح أفلح وجهك يا رسول الله وأخبرناه بقتل عدو الله واختلفنا عنده صلى الله عليه وسلم في قتله كل منا ادعاه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتوا أسيافكم فجئناه بها فنظر اليها فقال لسيف عبد الله بن أنيس هذا قتله أرى فيه أثر الطعام قال والثابت في الصحيح كما علمت أن عبد الله بن عتيك هو الذي انفرد بقتله وان عدو الله كان يحصن بأرض الحجاز ولا منافاة لان خبير من الحجاز أي من قراه وريفه
فلما دنوا من خيبر وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم قال عبد الله لاصحابه اجلسوا مكانكم فإني منطلق ومتلطف للبواب لعلي ان أدخل فاقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته وقد دخل الناس فهتف به البواب يا عبد الله ناداه بذلك كما ينادي الشخص شخصا لا يعرفه وهو يظن أنه من أهل الحصن إن كنت تريد أن تدخل فادخل فإني اريد أن أغلق الباب فدخل وكمن فلما اغلق الباب علق المفاتيح قال ثم أخذتها وفتحت الباب وكان ابو رافع يسمر عنده فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت اليه فجعلت كلما فتحت بابا أغلقته على من داخله حتى انتهيت إليه فإذا هو في بيت ظلم وسط عياله لا أدري أين هو من البيت قلت أبا رافع قال من هذا فأهويت نحو الصوت فضربته بالسيف فما أغنت شيئا وصاح فخرجت من البيت أي وعند ذلك قالت له
____________________

امرأته يا أبا رافع هذا صوت عبد الله بن عتيك قال ثكلتك أمك واين عبد الله بن عيتك قال ابن عيتك ثم عدت وقلت ما هذا الصوت يا أبا رافع قال لأمك الويل إن رجلان في البيت ضربني بالسيف فعمدت إليه فضربته أخرى فلم تغن شيئا فتواريت ثم جئته كهيئة المغيث وغيرت صوتي وإذا هو مستلق على ظهره فوضعت السيف في بطنه وتحاملت عليه حتى سمت صوت العظم ثم جئت الى الدرجة فوقعت فانكسرت رجلي فعصبتها بعمامتي فانطلقت الى اصحابي وقلت النجاة قد قتل الله ابا رافع فانتهت الى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال ابسط رجلك فمسحها فكأني لم أشتهكا قط وعادت كأحسن ما كانت انتهى أبي وهذا ما في البخاري وفيه في رواية اخرى أن ابن عتيك قال لما وضعت السيف في بطنه وتحاملت عليه حتى سمعت صوت العظم خرجت دهشا حتى اتيت السلم أي الذي صعدت فيه اريد أن أنزل فأسقطت منه فانخلعت رجلي فعصبتها فأتيت أصحابي أحجل فقلت انطلقوا فبشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغني لا ابرح حتى اسمع الناعية فلما كان في وجه الصبح صعد الناعية فقال أنعى ابا رافع فقمت أمشي ما بي قلبة فادركت أصحابي قبل ان يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشرته
وفي سيرة الحافظ الدمياطي أنهم مكثوا في ذلك المحل استخفوا فيه يومين حتى سكن عنهم الطلب وينبغي النظر الى وجه الجمع بينا ما ذكر سرية زيد بن حارثه رضي الله عنهما الى القردة
بفتح القاف والراء وقيل بالفاء مفتوحة وقيل بكسرها وسكون الراء وقدمه في الأصل على الأول اسم ماء
وسبها أن قريشا لما كانت وقعة بدر خافوا الطريق التي كانوا يسلكونها الى الشام من على بدر فسلكوا طريقا أخرى من جهة العراق فخرج عيرلهم فيه أموال كثيرة جدا من تلك الطريق يريدون الشام واستأجروا رجلا يدلهم على الطريق وكان ذلك الرجل ممن هرب من أسارى بدر وفي ذلك العير من اشراف قريش ابو سفيان وصفوان بن أمية وعبد الله بن أبي ربيعة وحويطب بن عب العزي فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

زيد بن حارثة في مائة راكب وهي أول سرية لزيد بن حارثة خرج فيها أميرا فصادف تلك العير على ذلك الماء فأصاب العير وأفلت القوم وأسروا دليلهم
وقدم زيد رضي الله عنه بتك العير على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخسمها فبلغ الخمس ما قيمته عشرون الف درهم وأتى بذلك الأسير الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له إن تسلم تترك أي من القتل فأسلم فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن إسلامه بعد ذلك سرية ابي سلمة عبد الله بن عبد الأسد
وهو ابن عمته صلى الله عليه وسلم برة بنت عبد المطلب وأخوه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة كما تقدم الى قطن أي وهو جبل وقيل ماء من مياه بني أسد
وسببها انه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان طليحة وسلمة ابنى خويلد قد صار في قومهما ومن أطاعهما الى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي اخبره بذلك رجل من طيء قد المدينة لزيارة بنت اخيه بها فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سلمة المذكور وعقد له لواء وبعث معه مائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار وخرج الرجل المخبر له صلى الله عليه وسلم دليلا لهم وقال له صلى الله عليه وسلم سر حتى تنزل أرض بني أسد فإغر عليهم قبل أن يتلاقى عليك جموعهم فأغذ السير أي بفتح الهمزة والغين المشددة والذال المعجمتين أي أسرع ونكب أي بفتح الكاف المخففة عدل عن سيف الطريق وسار بهم ليلا ونهارا ليستبق الاخبار فانتهى الى ماء من مياههم فأغار على سرح لهم وأسروا ثلاثة من الرعاة وأفلت سائرهم ففرق ابو سلمة أصحابه ثلاث فرق فرقة بقيت معه وفرقتان أغارتا في طلب النعم والشاء والرجال فأصابوا إبلا وشاء ولم يلقوا أحدا فانحدر ابو سلمة بذلك كله الى المدينة
قال وقيل إنه أخرج صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك عبدا أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان يباح له أخذ الصفي وهو ما يختاره أو يختاره له أمير السرية قبل القسمة من الفئ أو الغنيمة من جارية أو غيرها كما تقدم واخرج الخمس ثم قسم ما بقي بين اصحابه فأصاب كل إنسان سبعة أبعرة أي وطليحة هذا كان يعد بألف فارس قدم عليه صلى الله عليه وسلم في بعض الوفود وأسلم ثم ارتد وادعى النبوة وتوفي رسول
____________________

الله صلى الله عليه وسلم فقويت شوكته ثم أسلم بعد وفاة ابي بكر رضي الله عنه وحسن إسلامه وحج في زمن عمر رضي الله عنه ولم يعرف لأخيه سلمة إسلام بعث عبد الله ابن أنيس الى سفيان بن خالد الهذلي ثم اللحياني بكسر اللام وفتحها
وسبب ذلك أنه عليه الصلاة والسلام بلغه أن سفيان المذكورة قد جمع الجموع لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه ليقتله فقال صفه لي يا رسول الله فقال إذا رايته هبته وفرقت أي خفت منه وذكرت الشيطان فقال عبد الله يا رسول الله ما فرقت من شيء قط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى إنك تجدله قشعريرة إذا رأيته فقال عبد الله فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اقول أي ما أتوصل به اليه من الحيلة فأذن لي أي قال لي قل ما بدا لك أي وقال انتسب الى خزاعة قال عبد الله بن أنيس فسرت حتى إذا كنت ببطن عرنة وهو واد بقرب عرفة لقيته يمشي أي متوكئا على عصا يهد الأرض ووراءه الأحابيش أي اخلاط الناس ممن انضم إليه فعرفته بنحت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأني هبته وكنت لا أهاب الرجال فقلت صدق الله ورسوله أي وكان وقت العصر فخشيت أن يكون بينى وبيه محاولة يشغلنى عن الصلاة فصليت وأنا أمشى نحوه أومىء برأسي فلما أنتهيت اليه قال لي من الرجل فقلت رجل من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئت لأكون معك قال أجل إني لأجمع له فمشيت معه ساعة وحدثته فاستحلى حديثي أي وكان فيما حدثته به أن قلت له عجبت لما احدث محمد من هذا الدين المحدث فارق الآباء وسفه أحلامهم فقال لي إنه لم يلق أحد يشبهني ولا يحسن قتاله
فلما انتهى الى خبائة وتفرق عنه صحابه قال لي يا أخا خزاعة هلم فدنوت منه فقال اجلس فجلست معه حتى إذا هدأ الناس وناموا اغتررته فقتلته وأخذت راسه ثم دخلت غارا في الجبل وصيرت العنكبوت أى نسجت على وجاء الطلب فلم يجدوا شيئا فانصرفوا راجعين ثم خرجت فكنت أسير الليل أتوارى النهار حتى قدمت المدينة فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فلما رآني قال قد أفلح الوجه قلت أفلح وجهك يا رسول الله فوضعت راسه بين يديه وأخبرته خبري فدفع لي عصا وقال تحضر بهذه في الجنة أي توكأ عليها فإن المتخصرين في الجنة قليل فكانت تلك العصا عنده فلما حضرته الوفاة أوصى اهله ان يدخلوها في كفنه يجعلوها بين جلده
____________________

وكفنه ففعلوا أي وفي القاموس ذو المخصرة أي كمكنسة بكسر الميم عبد الله بن أنيس
وهذه القصة وقصة كعب بن الأشرف ترد على الزهري قوله لم يحمل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس الى المدينة قط وحمل الى ابي بكر رضي الله تعالى عنه رأس فكره ذلك وأول من حملت اليه الرءوس عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما
وفيه أنه لما قتل الحسين وجماعة من أهل بيته بعث أبن زياد قبحه الله برءوسهم الى يزيد بن معاوية وابن الزبير رضي الله عنهما لم يبايع بالخلافة إلا بعد موت يزيد ومضى مدة خلافة ابنه معاوية رضي الله عنه الذي خلع نفسه وهي اربعون يوما ولعل إرسال راس الحسين ومن معه كان قبل راس عبد الله بن ابي الحمق فلا ينفأفي قول ابن الجوزي أول رأس حمل في الإسلام أي من المسلمين رأس عبد الله بن ابي الحمق وذلك أنه لدغ فمات فخشيت الرسل أن تتهم فقطعوا راسه فحملوه
ثم رأيت ابن الجوزي قال قال ابن حبيب نصب معاوية رضي الله عنه راس عمرو بن ابي الحمق ونصب يزيد بن معاوية رأس الحسين رضي الله عنه وقول الزهري الى المدينة لا يخالف ما في النور ما تقدم في غزوة بدر كم من رأس حمل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن تلك الرءوس لم تحمل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة على أن فيه أنه لم يحمل إليه ذلك اليوم إلا رأس أبي جهل على ما تقدم سرية الرجيع
وفي الاصل بعث الرجيع بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة وقيل ستة عيونا الى مكة يتجسسون أخبار قريش ليأتوه بها وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله تعالى عنه ويقال له ابن ابي الأفلح بالفاء وقيل أمر عليم مرثد الغنوي رضي الله عنه حليف عمه صلى الله عليه وسلم حمزة رضي الله عنه ومرثد بفتح الميم وإسكان الراء وبالمثلثة والغنوي بغين معجمة أي وكان مرثد هذا يحمل الأسرى ليلا من مكة حتى يأتي بهم المدينة فوعد رجلا من الأسرى بمكة أن يحمله قال فجئت به حتى انتهيت به الى حائط من حيطان مكة في ليلة مقمرة فجاءت عناق وكانت من جملة البغايا بمكة فرأت ظلي في جانب الحائط فلما أنتهت الي عرفتني قالت مرثد قلت مرثد قالت مرحبا وأهلا هلم تبت عندنا الليلة فقلت يا عناق إن الله حرم الزنا فدلت
____________________

علي فخرج في اثري ثمانية رجال فتواريت في كهف الخندمة فجاءوا حتى وقفوا على رأسي فأعماهم الله عني فلما رجعوا رجعت لصاحبي فحملته وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت الى محل فككت عنه قيده ثم جعلت أحمله حتى قدمت المدينة ثم استشرته صلى الله عليه وسلم أن أنكح عناق فأمسك عني حتى نزلت الآية { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } فدعاني صلى الله عليه وسلم فتلاها علي ثم قال لي لا تتزوجها
وفي قطعة التفسير للجلال المحلي أن الآية نزلت في بغايا المشركين لما هم فقراء المهاجرين أن يتزوجوهن وهن موسرات لينفقن عليهم فقيل التحريم خاص بهم وقيل عام ونسخ بقوله { وأنكحوا الأيامى منكم } الآية
وفيه أن عند فقهائنا يحرم على المسلم نكاح من تعبد الأوثان وإن لم تكن بغيا
ومن جملة العشرة عبد الله بن طارق وخبيب بن عدي وخبيب تصغير خب وهو الماكر من الرجال الخداع وزيد بن الدثنة بفتح الدال المهملة وكسر الثاء المثلثة وقد تسكن ثم نون مفتوحه ثم تاء تأنيث مقلوب من الندثة والندث استرخاء اللحم فخرجوا رضي الله عنهم أي يسيرون الليل ويكمنون النهار حتى إذا كانوا بالرجيع وهو ماء لهذيل لقيهم سفيان بن خالد الهذلي الذي قتله عبد الله بن أنيس وجاء براسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم وقومه وهم بنو لحيان فإنهم ذكروا لهم فنفروا اليهم فيما يقرب من مائة رام أي ولا يخالف ما في الصحيح قريبا من مائة رجل فاقتفوا آثارهم حتى وجدوا نوى تمر أكلوه في منزل نزلوه أي فإن منهم امرأة كانت ترعى غنما فرأت النوى فقالت هذه تمر يثرب فصاحت في قومها أتيتم فتبعوهم الى ان وجدوهم في المحل المذكور فلما أحسوا بهم لجئوا الى موضع من جبل هناك أي صعدوا اليه فأحاطوا بهم وقالوا لهم أنزلوا ولكم العهد أن لا نقتل منكم أحدا فقال عاصم رضي الله تعالى عنه أما أنا فلا أنزل على ذمة أي أمان وعند كافر فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما أي وستة منهم وصار عاصم يرميهم بالنبل وينشد أبياتا منها ** الموت حق والحياة باطل ** وكل ما قضى الإله نازل ** ** بالمرء والمرء إليه آيل **
ولا زال يرميهم حتى فنيت نبله ثم طاعنهم حتى انكسرت رمحه ثم سل سيفه
____________________

وقال اللهم إني حميت دينك صدر النهار فاحم لحمي آخره ونزل اليهم ثلاثة على العهد وهم خبيب وزيد وعبد الله بن طارق رضي الله تعالى عنهم فلما أمسكوهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوا خبيبا وزيدا وامتنع عبد الله وقال هذا أول الغدر أي ترك الوفاء بعهد الله والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء يعني القتلى اسوة فعالجوه فابى أن يصحبهم أي فقتلوه كما في الصحيح وقيل صحبهم الى أن كانوا بمر ظهران يريدون مكة انتزع عبد الله يده منم ثم أخذ سيفه واستأخر عن القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه وانلطقوا بخبيب وزيد أي ودخلوا بهما مكة في شهر القعدة فباعوهما بأسيرين من هذيل كانا بمكة أي وقيل بيع كل بخمسين من الإبل أي وقيل بيع خبيب بأمة سوداء فابتاع بنو الحارث بن عامر خبيبا قيل لأنه قتل الحارث يوم بدر كما في البخاري
وتعقب بأن المعروف عندهم قيل لأنه قاتل الحارث يوم بدر إنما هو خبيب بن إساف الخزرجي أي وقيل القاتل له علي كرم الله وجهه وخبيب بن عدي هذا اوسي لم يشهد بدرا عند أحد من أرباب المغازي أي وقيل في هذا يوم بدر كما في البخاري
وتعقب بأن المعروف عندهم أن قاتل الحارث يوم بدر إنما هو خبيب بن إساف الخزرجي أي وقيل القاتل له علي كرم الله وجهه وخبيب بن عدي هذا أوسي لم يشهد بدرا عند احد من ارباب المغازي أي وقيل في هذا تضعيف الحديث الصحيح
ثم رأيت الحافظ ابن حجر رحمه الله ذكر أنه لزم من هذا رد الحديث الصحيح ولو لم يقتل خبيب بن عدى الحارث بن عامر ما كان لاعتناء آل الحارث بشرائه وقتله به معنى إلا أن يقال لكونه من قبيلة قاتله وهم الأنصار وابتاع زيدا صفوان بن أمية رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك ليقتله بأبيه فحبسوهما إلى أن تنقضي الأشهر الحرم واستعار خبيب رضي الله تعالى عنه فإنه وهو محبوس موسى من بنت الحارث وفي الصحيح من بعض بنات الحارث ليستحد بها أي يحلق بها عانته فدرج لها ابن صغير وهي غافلة عنه حتى أتى الي خبيب رضي الله تعالى عنه فأجلسه خبيب رضي الله تعالى عنه على فخذه والموسى بيده فلما رأت ابنها على تلك الحالة فزعت فزعة عرفها خبيب رضي الله تعالى عنه فقال أتخشين أن اقتله ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله تعالى وذلك بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث
وروى أنه رضي الله عنه أخذ بيد الغلام وقال هل أمكن الله منكم فقالت المرأة ما كان هذا ظني بك فرمى لها بالموسى وقال إنما كنت مازحا ما كنت لأغدر
وفي السيرة الشامية أن تلك المرأة قالت قال لي تعني خبيبا رضي الله تعالى عنه حين حضره القتل ابعثي الي بحديدة أتطهر بها للقتل أي وقد كان رضي الله تعالى عنه قال
____________________

لها إذا أرادوا قتل فآذنيني فلما أرداوا قتله آذنته فطلب منها تلك الحديدة قالت فأعطيت غلاما من الحي الموسى فقلت له ادخل بها على هذا الرجل البيت قالت فوالله لما دخل عليه الغلام قلت والله أصاب الرجل ثأره بقتل هذا الغلام ويكون رجل برجل فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال لعمرك ما خافت امك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إلي ثم خلي سبيله ويقال إن الغلام ابنها أي ويرشد اليه قول خبيب رضي الله تعالى عنه ما خافت امك
وكانت بنت الحارث تقول والله ما رأيت اسيرا خيرا من خبيب قالت والله لقد وجدته يوما أي وقد طلعت عليه من شق الباب يأكل قطفا من عنب في يده أي مثل رأس الرجل وإنه لموثق بالحديد وما بمكة ثمرة وفي رواية ولا أعلم في أرض الله عنبا يؤكل
أي واستدل أئمتنا بقصة خبيب هذه على أنه يستحب لمن اشرف على الموت أن يتعهد نفسه بتقليم أظفاره وأخذ شعر شاربه وإبطه وعانته ولعل ذلك كان بلغ النبي صلى الله عليه وسلم وأقره فلما انقضت الأشهر الحرم بانقضاء المحرم خرجوا بخبيب من الحرم ليقتلوه في الحل فلما قدم للقتل قال لهم دعوني أصل ركعتين فتركوه فركع ركعتين وقال لم والله لولا أن تحبسوا أن ما بي من جزع لزدت ثم قال اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا أي متفرقين واحدا بعد واحد ولا تبق منهم احدا أي الكفار وقد قتلوا في الخندق متفرقين
قال ذكر انهم لما خرجوا به ليقتلوه خرج النساء والصبيان والعبيد فلما انتهوا به إلى التنعيم أمروا بخشبة طويله فحفروا لها فلما انتهوا بخبيب إليها وبعد صلاته للركعتين صلبوه على تلك الخشبة أي ليراه الوارد والصادر فيذهب بخبره الى الأطراف ثم قالوا له ارجع عن الإسلام نخل سبيلك وإن لم ترجع لنقتلنك قال إن قتلي في سبيل الله لقليل اللهم إنه ليس هنا أحد يبلغ رسولك عني السلام فبلغه أنت عني السلام وبلغه ما يصنع بنا
وعن أسامه بن زيد رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا مع اصحابه فأخذه ماكان يأخذه عند نزول الوحي فسمعناه يقول وعليه السلام
____________________

ورحمة الله وبركاته فلما سرى عنه صلى الله عليه وسلم قال هذا جبريل عليه السلام يقرئني من خبيب السلام خبيب قتلته قريش
وقد جاء أن المشركين دعوا أربعين ولدا ممن قتل آباؤهم يوم بدر فأعطوا كل واحد رمحا وقالوا هذا الذي قتل آباءكم فطعنوه بتلك الرماح حتى قتلوه ووكلوا بتلك الخشبة أربعين رجلا فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم المقداد والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما في إنزال خبيب عن خشبته وفي لفظ قال صلى الله عليه وسلم أيكم ينزل خبيبا عن خشبته وله الجنة فقال له الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه أنا يا رسول الله وصاحبي المقداد بن الأسود فجاءا فوجدا عندها اربعين رجلا لكنهم سكارى نيام فأنزلاه وذلك بعد أربعين يوما من صلبه وموته
وحمله الزبير رضي الله تعالى عنه على فرسه وهو رطب لم يتغير منه شيء فشعر بهما المشركون أي وكانوا سبعين رجلا فبتعوهما فلما لحقوا بهما قذفه الزبير رضي الله تعالى عنه فابتلعته الأرض أ هـومن ثم قيل له بليع الأرض أي وكشف الزبير رضي الله تعالى عنه العمامة عن رأسه وقال لهم انا الزبير بن العوام وصاحبي المقداد بن الأسود أسدان رابضان يذبان عن شبلهما فإن شئتم ناضلتكم وإن شئتم نازلتكم وإن شئتم انصرفتم فانصرفوا عنهما
وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان عنده صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فقال له جبريل يامحمد إن الملائكة تباهي بهذين الرجلين من أصحابك فنزل فيهما { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } الآية وتقدم أنه قيل إنها نزلت في علي كرم الله وجهه لما نام على فراشة صلى الله عليه وسلم ليلة ذهابة الى الغار
وقيل إنها نزلت في حق صهيب لما أراد الهجرة ومنعه منها قريش فجعل لهم ثلث ماله أو كله كما تقدم
ورأيت بعضهم هنا قال إنها نزلت في صهيب رضي الله تعالى عنه لما أخذ المشركون ليعذبوه فقال لهم إني شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أو من غيركم فهل لكم أن تأخذوا مالي وتدعوني وديني ففعلوا
وفي كلام ابن الجوزي رحمه الله أن عمرو بن أمية هو الذي أنزل خبيبا فعنه رضي الله تعالى عنه قال جئت الى خشبة خبيب فرقيت فيها فحللته فوقع الى الأرض ثم التفت فلم
____________________

أر خبيبا ابتعلته الأرض وهذا وهو الموافق لما في السيرة الهشامية وأن ذلك كان حين أرسله صلى الله عليه وسلم والأنصار لقتل أبي سفيان بن حرب كما سيأتي إن شاء الله تعالى أي كان خبيب رضي الله تعالى عنه تحرك على الخشبة فانقلب وجهه عن القبلة أي الكعبة فقال اللهم إن كان لي عندك خير فحول وجهي نحو قبلتك فحول الله وجهه نحوها فقال الحمد لله الذي جعل وجهي نحو قبلته التي رضي لنفسه ولنبيه عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين ودعا عليهم خبيب رضي الله تعالى عنه فقال اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما فألقى ابو سفيان بنفسه الى الأرض على جنبه خوفا من دعوة خبيب رضي الله تعالى عنه لأنهم كانوا يقولون ان الرجل إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه زال عنه أي لم تصبه تلك الدعوة
وقد ولي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه سعد بن عامر رضي الله تعالى عنه على بعض أجناد الشام فقيل له إنه مصاب يلحقه غشى فاستدعاه فلما قدم عليه وجد معه مزودا وعكازا وقدحا فقال له عمر رضي الله تعالى عنه ليس معك الا ما أرى فقال له وما أكثر من هذا يا أمير المؤمنين مزودي أضع فيه زادي وعكازي أحمل به ذلك وقدحي آكل فيه فقال له عمر رضي الله تعالى عنه أبك لمم فقال لا فقال فما غشية بلغني أنها تصيبك فقال والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس ولكني كنت فيمن حضر خبيب بن عدي حين قتل وسمعت دعوته فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط الا غشى علي فزاده ذلك عند عمر رضي الله تعالى عنهما خيرا ووعظ عمر فقال له من يقدر على ذلك فقال أنت يا أمير المؤمنين إنما هو أن يقال فتطاع فقال له عمر رضي الله تعالى عنه إرجع الى عملك فأبى وناشده الإعفاء فأعفاه
وكان خبيب رضي الله تعالى عنه هو الذي سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة أي لأنه صلى الله عليه وسلم بلغه ذلك عنه فاستحسنه فكان سنة وهذا يدل على أن واقعة زيد ابن حارثة رضي الله تعالى عنهما متأخرة عن قصة خبيب رضي الله تعالى عنه لكن في النور والمعروف أن زيد بن حارثة صلاهما قبل خبيب بزمن طويل
وفي الينبوع أن قصة زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما كانت قبل الهجرة أي وكان ابن سيرين رحمه الله إذا سئل عن الركعتين قبل القتل قال صلاهما خبيب رضي الله تعالى عنه وحجروهما فاضلان ويعني حجر بن عدي رضي الله تعالى عنه فإن
____________________

زيادا والي العراق من قبل معاوية رضي الله تعالى عنه وشى به الى معاوية فأمر معاوية بإحضاره فلما قدم على معاوية قال له السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال معاوية رضي الله تعالى عنه أو أمير المؤمنين أنا أضربوا عنقه فلما قدم للقتل قال ادعوني اصلي ركعتين فصلاهما خفيفتين ثم قال رضي الله تعالى عنه لولا أن تظنوا بي غير الذي بي لأطلتهما ثم قتل هو وخمسة من أصحابه
ولما حج معاوية رضي الله تعالى عنه وجاء المدينة زائرا استأذن على عائشة رضي الله تعالى عنها فأذنت له فلما قعد قالت له أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه قال إنما قتلهم من شهد عليهم
وقصة زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما رواها الليث بن سعد قال بلغني أن زيد ابن حارثة اكترى بغلا من رجل بالطائف فمال به ذلك الرجل إلى خبربة وقال له إنزل فنزل زيد رضي الله تعالى عنه فإذا في الخربة المذكورة قتلى كثيرة فلما اراد أن يقتله قال له دعني أصلي ركعتين أي لأنه رأى أن الصلاة خير ما ختم به عمل العبد قال صل فقد صلى قبلك هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيئا وهذا يدل على أن القتلى كلهم كانوا مسلمين قال فلما صليت أتاني ليقتلني فقلت يا أرحم الراحمين قال فسمع صوتا يقول لا تقتله فهاب ذلك فخرج يطلبه فلم ير شيئا فرجع الي فناديت يا أرحم الراحمين فعل ذلك ثلاثا فإذا بفارس على فرس في يده حربة حديد في راسها شعلة نار فطعنه بها فأنفذها من ظهره فوقع ميتا ثم قال لى لما دعوت الأولى يا أرحم الراحمين كنت في السماء السابعة فلما دعوت الثانية يا أرحم الراحمين كنت في السماء الدنيا فلما دعوت الثالثة أتيتك
أقول وقد وقع مثل ذلك لرجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الانصار يكنى ابا معلق وكان يتجر بمال له ولغيره يسافر به في الآفاق وكان ناسكا ورعا فخرج مرة في بعض أسفاره فلقيه لص مقنع في السلاح فقال له ضع ما معك فإني قاتلك فقال ما تريد من دمي فشأنك والمال فقال أما المال فلي ولست أريد إلا دمك فقال ذرني أصلي أربع ركعات فقال ما شئت فتوضأ ثم صلى اربع ركعات ثم دعا في آخر سجدة فقال يا ودود ياذا العرش المجيد يا فعال لما تريد اسألك بعزك الذي لا يرام وملكك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك
____________________

أن تكفيني شر هذا اللص يا ميغث أغثني وكرر ذلك ثلاث مرات فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة وضعها من أدنى فرسه فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه الفارس فقتله ثم اقبل إلي أبي معلق فقال قم من أنت بأبى أنت وأمى فلقد أغلثتى الله بك اليوم أنا ملك من اهل السماء الرابعة دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقة ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي دعاء مكرون فسألت الله تعالى أن يوليني قتله قال أنس رضي الله تعالى عنه من فعل ذلك استجيب له مكروبا كان أو غير مكروب
أي وقد وقع نظير هذه المسألة أي من حيث إقراره صلى الله عليه وسلم على فعل غيره وهو أنهم كانوا يأتون الصلاة قد سبقهم النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها فكان الرجل يشر الى الرجل كم صلى فيقول واحدة أو اثنتين فيصلهما وحده ثم يدخل مع القوم في صلاتهم فجاء معاذ رضي الله تعالى عنه فقال لا أجده صلى الله عليه وسلم على حال ابدا الا كنت عليها ثم قضيت ما سبقني فجاء وقد سبقه النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها فثبت معه فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قام ففضى ما عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد سن لكم معاذ فكذا فاصنعوا أي وكان هذا قبل قوله صلى الله عليه وسلم ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا
وأخرج صفوان بن أمية رضي الله تعالى عنه زيدا رضي الله تعالى عنه إلى الحل مع مولى له ليقتله به واجتمع عند قتله رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب فلما قدم للقتل قال له ابو سفيان رضي الله تعالى عنه أنشدك بالله يا زيد أتحب محمدا الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك والله ما أحب أ محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني لخالص في أهلى فقال ابو سفيان رضي الله تعالى عنه ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا ونقل مثل ذلك عن خبيب رضي الله تعالى عنه أي فإنهم لما وضعوا السلاح في خبيب رضي الله تعالى عنه وهو مصلوب نادوه وناشدوه أتحب أن محمدا مكانك قال لا والله ما أحب أن يؤذى بشوكة في قدمه ثم قتله ذلك المولى أي طعنه برمح في صدره حتى أنفذه من ظهره وقيل رمي بالنبل وأردوا فتنته عن دينه فلم يزدد إلا إيمانا
ولما قتل عاصم رضي الله تعالى عنه الذي أمير هذه السرية على ما تقدم أرادت
____________________

هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة وهي أم مسافع وجلاس ابني طلحة بن ابي طلحة بن عبد الدار وكلاهم بعضهم يقتضي أنها أسلمت بعد فإن عاصما هذا كما تقدم قتل يوم أحد ولديها كلاهما أشعره سهما وكل يأتي اليها بعد إصابته بالسهم ويضع رأسه في حجرها فتقول يا بني من أصابك فيقول سمعت رجلا يقول حين رماني خذها وأنا ابن أبي الأفلح فنذرت إن قدرت على رأسه لتشربن في قحفه الخمر وجعلت لم يجيء براسه مائة ناقة كما تقدم فحالت الدبر بفتح الدال المهملة وسكون الباء الموحدة وهي الزنابير بينهم وبين عاصم رضي الله تعالى عنه كلما قدموا على قحفه طارت وفي وجوهم ولدغتهم فقالوا دعوه حتى يمسى فنأخذه فبعث الله الوادي أي سال فاحتمل السيل عاصما فذهب به حيث اراد الله فسمي حمى الدبر وبعث ناس من قريش لما بلغهم قتل عاصم في طلب جسده او شيء منه يعرفونه أي ليمثلوا به لأنه قتل عظيما من عظمائهم قال الحافظ ابن حجر لعله عقبه بن ابي معيط فإن عاصما قتله صبرا باذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن انصرفوا من بدر أي كما تقدم قال وكأن قريشا لم تشعر بما جرى لهذيل من منع الزنابير لهم عن عاصم او شعروا بذلك ورجوا أن الزنابير تركته أي ولم يشعروا بأن السيل أخذه أ هـأي وقد كان عاصم رضي الله تعالى عنه دعا الله أن لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك في حياته وتقدم هنا أنه دعا الله أن يحمي لحمه فاستجاب الله له فلم يحصل له ذلك لا في حياته ولا بعد موته
أي وفي كلام بعضهم لما نذر عاصم أن لا يمس مشركا ووفي بنذره عصمه الله عن مساس سائر المشركين إياه فصار عاصم معصوما هذا
وقيل إن هؤلاء العشرة لم يخرجوا ليأتوا بخبر قريش وإنما خرجوا مع رهط من عضل والقارة وهما بطنان من بني الهون قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من اصحابك يفقهونا في الدين ويقرئونا القرآن ويعلمونا شرائع الاسلام فبعث صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم معهم أولئك النفر فساروا حتى إذا كانوا على الرجيع استصرخصوا عليهم هذيلا فلم يشعروا الا والرجال بأيديهم السيوف فدعوهم فأخذوا أسيافهم ليقتلوا القوم فقالوا لهم والله لا نريد قتلكم ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة ولكم عهد الله وميثاقه ان لا نقتلكم فأبوا الحديث والحافظ الدمياطي رحمه الله اقتصر على هذا الثاني وأن اميرهم كان مرثدا الغنوي رضي الله
____________________

تعالى عنه فقال سرية مرثد الغنوي إلى الرجيع قال قدم رهط من عضل والقارة فقالوا يا رسول الله إن فينا إسلاما الحديث لكنه في سياق القصة قال وأمر عليهم عاصما وقيل مرثدا رضي الله تعالى عنهما وأخر هذه السرية عن السرية بعدها التي هي سرية القراء الى بئر معونة سرية القراء رضي الله تعالى عنهم إلى بئر معونة
لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عامر بن مالك ملاعب الأسنة أي ويقال له ملاعب الرماح وهو رأس بني عامر أي ويقال له أيضا أبو براء بالمدلاغير وهو عم عامر بن الطفيل عدو الله أي وأهدي إليه صلى الله عليه وسلم ترسين وراحلتين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أقبل هدية من مشرك وفي رواية نهيت عن عطايا المشركين
أقول وفي كلام السهيلي أنه أهدى إليه فرسا وأرسل إليه إني قد أصانبي وجع فابعث الى بشيء أتداوى به فأرسل إليه صلى الله عليه وسلم بعكة عسل وأمره أن يستشفى به وقال نهيت عن زبد المشركين قال السهيلي والزبد مشتق من الزبد لأنه نهى عن مداهنتهم واللين لهم كما أن المداهنة مشتقة من الدهن فرجع المعنى الى اللين كذا قال ولعل هذا كان بعد ما تقدم ويحتمل أن يكون قبله وهو الأقرب والله أعلم
فلما قدم عليه أبو عامر عرضي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ودعاه إليه فلم يسلم ولم يبعد عن الإسلام أي وقال إني أرى أمرك هذا أمرا حسنا شريفا أي ولم يسلم بعد ذلك على الصحيح خلافا لمن عده في الصحابة ثم قال يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد أي وهم بنو عامر وبنو سليم فدعوتهم الى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أخشى أهل نجد عليهم قال ابو براء أنالهم جاروهم في جواري وعهدي فابعثهم فليدعوا الناس الى أمرك وخرج أبو البراء إلى ناحية نجد وأخبرهم أنه قد أجار أصحاب محمد فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو رضي الله تعالى عنه في اربعين وقيل في سبعين وعليه اقتصر
____________________

الحافظ الدمياطي أي لأنه الذي في صحيح البخاري وقيل في ثلاثين رجلا من أصحابه من خيار المسلمين
أي وذكر الحافظ ابن حجر أن هذا القيل وهم وأنه يمكن الجمع بين كونهم سبعين وكونهم اربعين بأن الأربعين كانوا رؤساء وبقية العدة كانوا أتباعا ويقال لهؤلاء القراء أي لملازمتهم قراءة القرآن فكانوا إذا أمسوا اجتمعوا في ناحية المدينة يصلون ويتدارسون القرآن فيظن أهلوهم أنهم في المسجد ويظن أهل المسجد أنهم في أهاليهم حتى إذا كان وجه الصبح استعذبوا من الماء واحتطبوا وجاءوا بذلك إلى حجر النبي صلى الله عليه وسلم
وفي كلام بعضهم أنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويتدارسون القرآن بالليل وكانوا يبعيون الحطب ويشترون به طعاما لأصحاب الصفة
وقد يقال لا منافاة لجواز أنهم كانوا يفعلون هذا مرة وهذا أخرى أو بعضهم يفعل أحد الأمرين وبعضهم يفعل الآخر وكان منهم عامر بن فهيرة رضي الله تعالى عنه
وكتب صلى الله عليه وسلم لهم كتابا فساروا حتى نزلوا بئر معونة وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم والحرة أرضى فيها حجارة سود فلما نزلوها بعثوا حرام بالحاء المهملة والراء ابن ملحان وهو خال أنس بن مالك بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل لعنه الله أي وهو راس بني سليم وفي لفظ سيد بني عامر وابن أخي أبي براء عامر بن مالك كما تقدم فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله أي بعد أن قال يا أهل بئر معونة إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم فآمنوا بالله ورسوله فجاء إليه رجل من خلفه فطعنه بالرمح في جنبه حتى نفذ من جنبه الآخر فقال الله أكبر فزت ورب الكعبة وقال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه ثم استصرخ عليهم أي استغاث بني عامر فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه وقالوا إنا لا نخفر بأبي براء أي لا نزيل خفارته وتنقض عهده وقد عقد لهم عقدا وجوارا فاستصرخ عليهم قبائل من سليم قال الحافظ الدمياطي عصية ورعلا وذكون زاد بعضهم وبني لحيان قال بعضهم وليس في محله
أقول كان قائله سري إلى هـذلك من كونه صلى الله عليه وسلم جمع بني لحيان في الدعاء عليهم مع من ذكر قلبه وسياتي أنه إنما جمعهم معهم لأن خبر أصحاب الرجيع وأصحاب
____________________

بئر معنة جاءه صلى الله عليه وسلم في يوم واحد وبنو ولحيان أصحاب الرجيع فدعا عليهم دعاء واحدا والله أعلم فلما دعا تلك القبائل الثلاثة التي هي عصية ورعل وذكوان أجابوه الى ذلك ثم خرجوا حتى أحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا سيوفهم فقاتلوهم حتى قتلوا إلى آخرهم إلا كعب بن زيد رضي الله تعالى عنه فإنه بقي به رمق وحمل من المعركة فعاش بعد ذلك حتى قتل يوم الخندق شهيدا وإلا عمرو بن أمية الضمري رضي الله تعالى عنه ورجلا آخر كانا في سرح القوم ولما أحاطوا بهم قالوا اللهم إنا لانجد من يبلغ رسولك عنا السلام غيرك فاقرأه منا السلام فأخبره جبريل عليه الصلاة والسلام بذلك فقال وعليهم السلام
أي وفي لفظ أنهم قالوا اللهم بلغ عنا نبينا صلى الله عليه وسلم أناقد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا فلماجاءه الخبرمن السماء قام صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن إخوانكم قد لقوا المشركين وقتلوهم وإنهم قالوا ربنا بلغ قومنا أنا قد لقينا ربنا ورضينا عنه ورضي عنا ربنا وفي لفظ فرضي عنا وأرضانا فأنا رسولهم اليكم إنهم قد رضوا عنه ورضي عنهم
وذكر انس رضي الله عنه أن ذلك أي قولهم المذكور كان قرآنا يتلى ثم نسخت تلاوته أي فصار ليس له حكم القرآن من التعبد بتلاوته وأنه لا يمسه إلا الطاهر ولا يتلى في صلاة إلى غير ذلك من أحكام القرآن
ولما رأى عمرو بن أمية والرجل الذي معه الطير تحوم على محل أصحابهما أي وكانا في رعاية إبل القوم كما تقدم قالا والله إن لهذا الطير لشأنا فأقبلا ينظران فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي اصابتهم واقفة فقال الرجل الذي مع عمرو ماذا ترى فقال أرى أن نلحق برسول الله فنخبره الخبر فقال له لكنى ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو فأقبلا فلقيا القوم فقتل ذلك الرجل وأسر عمرو فأخبرهم أنه من مضر فأخذه عامر بن الطفيل وجز ناصايته وأعتقه عن رقبة كانت على أمه فخرج عمرو حتى جاء إلى ظل فجلس فيه فأقبل رجلان حتى نزلا به معه فسألهما فأخبراه انهما من بني عامر وفي لفظ من بني سليم وكان معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم به عمرو فأمهلهما حتى ناما فعدا عليهما فقتلهما وهو يرى أي يظن أنه قد أصاب بهما ثأرا من بني عامر فلما قدم عمرو
____________________

على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر وأخبره بقتل الرجلين فقال له لقد قتلت قتيلين لأدينهما أى لأدفعن ديتهما ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها متخوفا ولما بلغ أبا براء أن عامر بن الطفيل ولد أخيه أزال خفارته شق عليه ذلك وشق عليه ما أصاب اصحاب الرسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه فعند ذلك حمل ربيعة بن أبي براء على عامر بن الطفيل أي الذي هو ابن عمه فطعنه بالرمح فوقع في فخذه ووقع عن فرسه وقال إن أنا مت فدمي لعمي يعني ابا براء وإن أعش فسأرى رأي أي وفي لفظ نظرت في أمري
وفي الإصابة أن ربيعة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أيغسل عن أبي هذه العذرة أن أضرب عامر بن الطفيل ضربة أو طعنة قال نعم فرجع ربيعة فضرب عامرا ضربة أشواه منها فوثب عليه قومه فقالوا لعامر بن الطفيل اقتص فقال قد عفوت أي وعقب ذلك مات أبو براء أسفا على ما صنع به أبن أخيه عامر بن الطفيل من إزالته خفارته وعاش عامر بن الطفيل ولم يمت من هذه الطعنة بل مات بالطاعون بدعائه صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الوفود في وفد بني عامر
أي وقال بعضهم قد أخطأ المستغفري في عده صحابيا ولما قتل عامر بن فهيرة رضي الله تعالى عنه رفع الى السماء فلما رأى قاتله ذلك أسلم أي وهو جبار بن سلمى أي لا عامر بن الطفيل كما وقع في بعض الروايات كما علمت
وقال صلى الله عليه وسلم أي لما بلغه قتل عامر بن فهيرة إن الملائكة وارت جثة عامر بن فهيرة أي في الارض أي بناء على أنه لما رفع الى السماء وضع كما في البخاري فقد جاء أن عامر بن الطفيل قال لعمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه واشار الى قتيل من هذا فقال له عمرو هذا عامر بن فهيرة فقال لقد رأيته بعد ما قتل رفع الى السماء حتى إني لأنظر الى السماء وبين الأرض ثم وضع
وفي بعض الروايات أن عامر بن فهيرة التمس في القتلى يومئذ أي فلم يوجد فيرون أن الملائكة رفعته وظاهرها أن الملائكة لم تضعه في الأرض بل رفعته أي ويؤيده أن عامر بن الطفيل لعنه الله دخل بعمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه في القتلى وصار يقول له ما اسم هذا ما اسم هذا ما اسم هذا ثم قال له هل من أصحابك من ليس فيهم قال نعم ما رايت فيهم عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما قال له عامر
____________________

أي رجل هو فيكم قال من أفضلنا وأولى أي ومن أولى المسلمين من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عامر لما قتل رأيته رفع الى السماء
وعن انس بن مالك رضي الله عنه أنه قال ما رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على أحد ما وجد على أصحاب بئر معونة ومكث يدعو عليهم ثلاثين صباحا
أقول وفي رواية الشيخين قنت شهرا أي متتابعا يدعو على قاتلي أصحاب بئر معونة أي بعد الاعتدال في الصلوات الخمس من الركعة الأخيرة وحينئذ يكون المراد بالصباح اليوم وليلته
وذكر بعض أصحابنا أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء المذكور وقاس عليه رفعهما في قنوت الصبح وروى الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في قنوت الصبح
واستدل أصحابنا على استحباب القنوت للنازلة في سائر المكتوبات بقنوته ودعائه على قاتلي أصحاب بئر معونة
وفي بعض السير فدعا النبي صلى الله عليه وسلم شهرا عليهم في صلاة الغداة وفي لفظ يدعو في الصبيح وذلك بدء القنوت وما كان يقنت رواه الشيخان
وقد سئل الجلال السيوطي هل دعاؤه صلى الله عليه وسلم على من قتل أصحابه كان عقب فراغه من القنوت المشهور أوكان الدعاء هو قنوته فأجاب رحمه الله بأنه لم يقف على شيء من الأحاديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين القنوت والدعاء قال بل ظاهر الأحاديث أنه اقتصر على الدعاء أي فيكون قنوته هو الدعاء وهو الموافق لقول أصحابنا ويستحب القنوت في اعتدال آخره صببح مطلقا وآخر سائر المكتوبات أي باقها للنازلة وهو اللهم اهدنا الخ في أن أل في القنوت للعهد والله أعلم
وفي رواية أنه يدعو على الذين أصابوا أصحابه في الموضعين أي بئر معونة والرجيع دعاء واحدا لانه صلى الله عليه وسلم جاءه خبرهما في وقت واحد كما تقدم وأدمج البخاري رحمه بئر معونة مع بعث الرجيع لقربهما في الزمن أي ففيه مكث رسول صلى الله عليه وسلم يدعو على أحياء من العرب على رعل وذكوان وعصية وبنى لحيان أي وهو يقتضي أنهما شئ واحد ليس كذلك وقد علمت أن بني لحيان قتلوا أصحاب الرجيع ومن قبلهم قتلوا أصحاب بئر معونة والله سبحانه وتعالى أعلم
____________________

سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء
بالقاف مفتوحة وبالطاء المهملة وهم بنو بكر من كلاب
بعث صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إلى القرطاء في ثلاثين راكبا أي وأمره أن يسير الى الليل ويكمن النهار وأمره أن يشن عليهم الغارة فسار الليل وكمن النهار قال وصادف في طريقه ركبانا نازلين فأرسل اليهم رجلا من أصحابه يسأل من هم فذهب الرجل ثم رجع إليه فقال قوم من محارب فنزل قريبا ثم أمهلهم حتى عطنوا أي بركوا الإبل حول الماء أغار عليهم فقتل نفرا منهم أي عشرة وهرب سائرهم واستاق نعما وشاء ولم يتعرض للظعن أي للنساء أنتهى ثم انطلق حتى إذا كان بموضع يطعله على بني كبر بعث عابد بن بشير إليهم وخرج محمد بن مسلة رضي الله تعالى عنه في أصحابه فشن عليهم الغارة فقتل منهم عشرة واستاقوا النعم والشاه ثم انحدر رضي الله تعالى عنه الى المدينة فخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به وعدل الجزور بعشرة من الغنم وكان النعم مائة وخمسين بعيرا والغنم ثلاثة آلاف شاة وأخذت تلك السرية ثمامة بن أثال الحنفي من بني حنيفة أي سيد أهل اليمامة وهم لا يعرفونه وجي به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم أتدرون من أخذتم هذا ثمامة بن أثال الحنفي فأحسنوا إساره أي قيده فربط بسارية من سواري المسجد
قال وقيل إن هذه السرية لم تأخذه بل دخل المدينة وهو يريد مكة للعمرة فتحير في المدينة وقد كان جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند رسولا مسيلمة وأراد اغتياله صلى الله عليه وسلم فدعا ربه أن يمكنه منه فأخذ وجيء به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فربط بسارية من سواري المسجد فدخل صلى الله عليه وسلم على أهله فقال اجمعوا ما كان عندكم من طعام فابعثوا به اليه وأمر له صلى الله عليه وسلم بناقة يأتيه لبنها مساء وصباحا وكان ذلك لا يقع عند ثمامة موقعا من كفايته أي وجاء اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مالك ياثمام هل أمكن الله منك فقال قد كان ذلك يا محمد وصار رسول الله يأتيه فيقول ما عندك يا ثمامة فيقول يا محمد عندي خير إن تقتل تقتل ذا كرم وفي لفظ ذا دم وإن تعف تعف عن شاكر
____________________

وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت ففعل ذلك معه ثلاثة أيام قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه فجعلنا أيها المساكين أي أصحاب الصفة نقول نبينا صلى الله عليه وسلم ما يصنع بدم ثمامة والله لأكله جزور سمينة من فدائه أحب الينا من دم ثمامة
وفي الاستيعاب أنه صلى الله عليه وسلم انصرف عن ثمامة وهو يقول اللهم أكلة لحم من جزور أحب الي من دم ثمامة ثم أمر به فأطلق ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الثالث قال أطلقوا ثمامة فقد عفوت عنك يا ثمامة فأطلق فانطق الى ماء جار قريب من المسجد فاغتسل وطهر ثيابه ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
أي وهذا يخالف ما ذكره فقهاؤنا من الاستدلال بقصة ثمامة على أنه يستحب لمن أسلم أن يغتسل لإسلامه ثم رأيت بعض متأخري أصحابنا أجاب بأنه أسلم أولا ثم لما اغتسل أظهر إسلامه
وفي الاستيعاب فأسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل كما في رواية أخرى أنه قال يا محمد والله ما كان على الارض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي والله ما كان على الأرض من دين أبغض إلي من دينك فقد أصبح دينك أحب الدين كله إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فقد أصبح بلدك أحب البلاد إلي ثم شهد شهادة الحق فلما أمسى جيء له بما كان يأتيه من الطعام فلم ينل منه الا قليلا ولم يصب من حلاب اللقحة الا يسيرا فعجب المسلمون قال وقال يا رسول الله إني خرجت معتمرا وفي لفظ في الصحيح فإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فأمره أن يعتمر فلما قدم بطن مكة لبى فكان أول من دخل مكة ملبيا فأخذته قريش فقالوا لقد اجترأت علينا أنت صبوت يا ثمامة قال أسلمت وتبعت خير دين محمد والله لا يصل اليكم حبة من حنطة أي من اليمامة من أرض اليمن وكانت ريفا لأهل مكة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموه ليضربوا عنقه فقال قائل منهم دعوه فإنكم تحتاجون الى اليمامة فخلوا سبيله فخرج ثمامة الى اليمامة فمنعهم أن يحملوا الى مكة شيئا حتى أضربهم الجوع وأكلت قريش العلهز وهو الدم يخلط بأوبار الإبل فيشوى على النار كما تقدم فكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع إنك تأمر بصلة الرحم وإنك قطعت أرحامنا فكتب
____________________

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة رضي الله تعالى عنه أن يخلي بينهم وبين الجمل وفي لفظ خل بين قومي وبين ميرتهم ففعل فأنزل الله تعالى { ولقد أخذناهم بالعذاب } الآية هذا
والذي في الاستيعاب أن ثمامة لما دخل مكة وقد سمع المشركون خبره فقالوا يا ثمامة صبوت وتركت دين أبائك قال لا أدري ما تقولون إلا أني أقسمت برب هذه البنية يعني الكعبة لا يصل إليكم من اليمامة شيء مما تنتفعون به حتى تتبعوا محمدا من آخركم وكانت ميرة قريش ومنافعهم من اليمامة ثم خرج رضي الله تعالى عنه فمنع عنهم ما كان يأتي منها فلما أضرب بهم ذلك كتبوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عهدنا بك وأنت تأمر بصلة الرحم وتحث عليها وإن ثمامة قد قطع عنا ميرتنا وأضر بنا فإن رأيت أن تكتب اليه أن يخلي بيننا وبين ميترنا فافعل فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خل بين قومي وبين ميرتهم
ولما عجب المسلمون من أكله بعد إسلامه رضي الله تعالى عنه لكونه دون أكله قبل إسلامه قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مم تعجبون أمن رجل أكل أول النهار في معي كافر وأكل آخر النهار في معي مسلم إن الكافر ليأكل في سبعة أمعاء وإن المسلم يأكل في معي واحد انتهى
أي وقد وقع له صلى الله عليه وسلم ذلك مع جهجاه الغفاري رضي الله تعالى عنه فإنه أكل مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر فأكثر ثم أكل معه وقد أسلم فأقل فقال النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء ولعل المراد بالأكل ما يشمل الشرب ثم رأيت في الجامع الصغير إن الكافر ليشرب في سبعة أمعاء والمسلم يشرب في معي واحد والمراد أنه يأكل ويشرب مثل الذي يأكل ويشرب في سبعة أمعاء
وكان رضي الله تعالى عنه مقيما باليمامة ولما ارتد أهل اليمامة ثبت ثمامة في قومه على الإسلام وكان ينهاهم عن اتباع مسيلمة لعنه الله ويقول لهم إياكم وأمرا مظلما لا نور فيه وإنه لشقاء كتبه الله على من اتبعه منكم
____________________

سرية عكاشة بن محصن رضي الله تعالى عنه الى الغمر
بفتح الغين المعجمة وسكون الميم والراء ماء لبني أسد أي جمع من بني أسد
وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن الأسدي رضي الله تعالى عنه في أربعين رجلا منهم ثابت بن أرقم رضي الله تعالى عنه وقيل إن ثابتا رضي الله تعالى عنه هو الذي كان الأمير على هذه السرية فخرج يسرع في السير إلى أن وصل إلى الماء المذكور فوجد القوم علموا بهم فهربوا ولم يجدوا في دارهم أحدا فبعث شجاع بن وهب طليعة يطلب خبرا ويرى أثرا فأخبر أنه رأى أثر نعم قريبا فخرجوا فوجدوا رجلا نائما فسألوه عن خبر الناس فقال وأين الناس لقد لحقوا بعليات بلادهم قالوا فالنعم قال معهم فضربه أحدهم بسوط في يده فقال تؤمنوني على دمي وأطلعكم على نعم لبني عم له لم يعلموا بمسيركم إليهم قالوا نعم فأمنوه فانطلقوا معه فأمعن أي بالغ في الطلب حتى خافوا أن يكون ذلك غدرا منه لهم فقالوا الله لتصدقنا أو لنضربن عنقك فقال تطلعون عليهم من هذا المحل فلما طلعوا منه وجدوا نعما رواتع فأغاروا عليها فاستاقوها فإذا هي مائة بعير وشردت الأعراب في كل وجه ولم يطلبوهم وانحدروا الى المدينة بتلك الإبل وأطلقوا الرجل الذي أمنوه والله أعلم سرية محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه لذى القصة
بفتح القاف والصاد المهملة المشددة وهو موضع قريب من المدينة
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة في عشرة نفر لبني ثعلبة وبني عوال من ثعلبة بذي القصة فورد عليهم ليلا فكمن القوم وهم مائة رجل لمحمد بن مسلمة وأصحابه وأمهلوهم حتى ناموا وأحدقوا بهم أي فما شعروا الا وقد خالطهم القوم فوثب محمد بن مسلمة فصاح في أصحابه السلاح فوثبا وتراموا ساعة ثم حمل القوم عليهم بالرماح فقتلوهم ووقع محمد بن مسلمة جريحا فضربوا كعبه فلم يتحرك فظنوا موته فجردوه من الثياب وانطلقوا ومر بمحمد وأصحابه زجل من المسلمين فاسترجع فلما سمعه محمد رضي الله تعالى عنه يسترجع تحرك له فأخذه وحمله
____________________

إلى المدينة فعند ذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا إلى مصارعهم فلم يجدوا أحدا ووجدوا نعما وشاء فانحدروا بها الى المدينة سرية أبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه إلى ذي القصة ايضا
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه في اربعين رجلا الى من بذي القصة فانه بلغه صلى الله عليه وسلم أنهم يريدون أن يغيروا على سرح المدينة وهو يرعى يومئذ بمحل بينه وبين المدينة سبعة اميال فصلوا المغرب ومشوا ليلتهم حتى وافوا ذا القصة مع عماية الصبح فأغاروا عليهم فأعجزوهم هربا في الجبال وأسروا رجلا واحدا وأخذوا نعما من نعمهم ورثة أي ثياباخلقة من متاعهم وقدموا بذلك الى المدينة فخمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم رجل فتركه صلى الله عليه وسلم سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه إلى بني سليم بالجموح
بفتح الجيم وهو اسم لناحية من بطن نخل
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة الى بني سليم بالجموح فسار حتى ورد ذلك المحل فاصابوا امرأة من مزينة فدلتهم على محلة من محال القوم فاصابوا في تلك المحلة إبلا وشاء واسروا منها جماعة من جملتهم زوج تلك المرأة وانحدروا بذلك الى المدينة فوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتلك المرأة نفسها وزوجها سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى العيص
وهو محل بينه وبين المدينة اربع أميال
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيرا لقريش قد أقبلت من الشام فبعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكب ليعترضها وكان فيها أبو العاص بن الربيع وقدم به
____________________

وبتلك العير المدينة فاستجار أبو العاص بزوجته زينب رضي الله تعالى عنها فأجارته ونادت في الناس حين صلى الله عليه وسلم الفجر أي دخل في الصلاة هو وأصحابه فقالت أيها الناس إني قد أجرت ابا العاص بن الربيع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لما سلم واقبل على الناس وقال هل سمعتم ما سمعت قالوا نعم قال أما والذي نفسي بيده ما علمت بشء من هذا أي ثم انصرف صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنته وقال قد أجرنا من أجرت قال وقال صلى الله عليه وسلم المؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم أي وفي الصحيحين ذمة المسلمين واحدة يسعى بها والملائكة والناس أجمعين ثم دخلت عليه صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله تعالى عنها فسالته أن يرد على أبي العاص ما اخذ منه فأجابها الى ذلك وقال لها صلى الله عليه وسلم أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له أي لتحريم نكاح المؤمنات على المشركين أي كما تقدم في الحديبية
وبعث صلى الله عليه وسلم للسرية فقال لهم إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم وقد أصبتم له مالا فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك وغن أبيتهم فهو فيء الله الذي فاء عليكم فأنتم أحق به فقالوا يا رسولالله بل نرد عليه فرد عليه ما أخذ منه
وهذا السياق يدل على أن ذلك كان قبل صلح الحديبية ووقوع الهدنة لأن بعد ذلك لم تتعرض سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش وهو يخالف قوله صلى الله عليه وسلم لها لا يخلص اليك لأن تحريم نكاح المؤمنات على المشركين إنما كان في الحديبية
وقد ذكر بعضهم أن ذلك كان قبيل الفتح سنة ثمان ومن ثم ذكر الزهري وتبعه ابن عقبة رحمهما الله تعالى أن الذين اخذوا هذا العير وأسروا من فيها أبو بصير وأبو جندل وأصحابهما رضي الله تعالى عنهم لأنهم كانوا في مدة صلح الحديبية من شأنهم أن كل أخذوا هذه العير خلوا سبيل ابي العاص لكونه صهر رسول الله صلى الله عليه وقيل أعجزهم هربا وجاء تحت الليل فدخل على زوجته زينب رضى الله تعالى عنها وسلم فاستجار بها فأجارته ثم كلمها في أصحابه الذين اسروا فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

في ذلك فخطب الناس وقال إنا صاهرنا أبا العاص فنعم الصهر وجدناه وإنه قد اقبل من الشام في أصحاب له من قريش فأخذهم أبو جندل وأبو نصير واسروهم وأخذوا ما كان معهم وأن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتني أن أجيرهم فهل أنتم مجيرون أبا العاص وأصحابه فقال الناس نعم فلما بلغ أبا جندل وأبا بصير وأصحابهما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا الأسرى وردوا عليهم كل شيء حتى العقال
وصوب في الهدى هذا الذي ذكره الزهري أي لما علمت أن مما يؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لبنته زينب ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له لأن تحريم نكاح المؤمنات على المشركين إنما كان بعد الحديبية
وذكر أن المسلمين قالوا لابي العاص يا أبا العاص إنك في شرف من قريش وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لأنه يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده عبد مناف فهل لك أن تسلم فتغنم ما معك من أموال أهل مكة فقال بئسما أمرتموني أفتتح ديني بغدرة أي بالغدر وعدم الوفاء ثم ذهب أبو العاص الى أهل مكة فأدى كل ذي حق حقه ثم قام فقال يا أهل مكة هل بقي لأحد منكم مال لم يأخذه هل وفيت ذمتي فقالوا اللهم نعم فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما فقال إني أشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا عبد ورسوله والله ما منعني عن الإسلام عنده إلا خشية أن تظنوا أني إنما أردت ان آكل أموالكم
ثم خرج حتى قدم المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم فرد له رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله تعالى عنها على النكاح الأول ولم يحدث نكاحا وذلك بعد ست سنين وقيل بعد سنة واحدة انتهى
اقول وفي رواية بعد سنتين والمتبادر ان السنة أو السنتين من إسلامها دونه وهو مخالف لما عليه اهل العلم من أنه لا بد أن يجتمع الزوجان في الإسلام والعدة ومن ثم قالت طائفة منهم الترمذي هذا حديث ليس بإسناده بأس ولكن لا يعرف وجهه
وفي كلام بعض الحفاظ يمكن أن يقال قوله بعد ست سنين ولم يقل من إسلامها دونه صيره مجهول تاريخ الابتداء فلا يصح الاستدلال به
وعن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد بنته
____________________

زينب على أبي العاص بن ا لربيع بمهر جديد ونكاح جديد قال بعضهم وهذا في إسناده مقال وقال غيره هذا حديث ضعيف وقال آخر لا يثبت والحديث الصحيح إنما هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهما على النكاح 2 الأول
وقال ابن عبد البر حديث أنه صلى الله عليه وسلم أقرهما على النكاح الأول متروك لا يعمل به عند الجميع وحديث ردها بنكاح جديد عندنا صحيح يعضده الأصول وإن صح الأول أريد به على الصداق الأول وهو حمل حسن هذا كلامه
قال بعضهم تصحيح ابن عبد البر الحديث إنه ردها بنكاح جديد مخالف لكلام ائمة الحديث كالبخاري وأحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد القطان والدارقطني والبيهقي وغيرهم هذا كلامه
وفي كون زينب رضي الله تعالى عنها كانت مشتركة واسلمت قبل زوجها المشعر به قول بعضهم ولم يقل من إسلامها نظر لأنها اتبعت ما بعث به أبوها صلى الله عليه وسلم من غير تقدم شرك منها
لا يقال فحيث كانت مسلمة فكيف زوجها من أبي العاص وهو كافر لأنا نقول على فرض أنه صلى الله عليه وسلم زوجها له بعد البعث فقد زوجها له قبل نزول قوله تعالى { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } لأن تلك الآية نزلت بعد صلح الحديبية كما علمت على أن ابن سعد ذكر انه صلى الله عليه وسلم زوجها له في الجاهلية أي قبل البعثة والله أعلم سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى بني ثعلبة
أي بالطرف ككتف اسم ماء
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة الى بني ثعلبة في خمسة عشرة رجلا أي بالطرف فاصاب عشرين بعيرا وشاء واقتصر الحافظ الدمياطي على النعم ولم يذكر الشاء ولم يجد احدا لأنهم ظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار اليهم فصبح زيد رضي الله تعالى عنه بالنعم والشاء المدينة أي وقد خرجوا في طلبه فأعجزهم وكان شعارهم الذي يتعارفون به في ظلمة الليل أمت أمت
____________________

سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى جذام
محل يقال له حسمى بكسر الحاء المهملة وسكون السين على وزن فعلى وهو موضع وراء وادي القرى يقال إن الطوفان أقام بذلك المحل بعد نضوبه أي ذهابه ثمانين سنة
وسببها أن دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه أقبل من عند قيصر ملك الروم أي وكان صلى الله عليه وسلم وجهه إليه كذا قيل ولعله من تصرف بعض الرواة أو أنه أرسله إليه بغير كتاب وإلا فإرساله إليه بالكتاب كان بعد هذه السرية لأنه كان بعد الحديبية
ولم وصل رضي الله تعالى عنه إليه أجازه بمال وكساء فأقبل بذلك إلى أن وصل ذلك المحل فلقيه الهنيد وابنه في ناس من جذام فقطعوا عليه الطريق وسلبوه ما معه ولم يتركوه عليه إلا ثوبا خلقا فسمع بذلك نفر من جذام من بني الضبيب أي ممن اسلم منهم فنفروا اليهم واستنقذوا لدحية رضي الله تعالى عنه ما أخذ منه وقدم دحية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فبعث زيد بن حارثة في خمسمائة رجل ورد معه دحية وكان زيد رضي الله تعالى عنه يسير بالليل ويكمن بالنهار ومعه دليل من بني عذرة فأقبل حتى هجم على القوم أي على الهنيد وابنه من كان معهم من الصبح فقتلوا الهنيد وابنه ومن كان معهم وأخذوا من النعم ألف بعير ومن الشاء خمسة آلاف ومن السبي مائة من النساء والصبيان قال ولما سمع بنو الضبيب بما صنع زيد رضي الله تعالى عنه ركبوا وجاءوا الى زيد وقال له رجل منهم إنا قوم مسلمون فقال له زيدا اقرا أم الكتاب فقرأها ثم قدم منهم جماعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه الخبر وقال بعضهم يا رسول الله لنا تحرم علينا حلالا ولا تحل لنا حراما فقال كيف أصنع بالقتلى فقال أطلق لنا من كان حيا ومن قتل فهو تحت قدمي هاتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق فقالوا ابعث معنا رجلا لزيد رضي الله تعالى عنه فبعث صلى الله عليه وسلم معهم عليا كرم الله وجهه يأمر زيدا أن يخلي بينهم وبين حرمهم وأموالهم أي فقال علي يا رسول الله إن زيدا لا يطيعني فقال خذ سيفي هذا فأخذه وتوجه فلقي علي كرم الله وجهه رجلا أرسله زيد رضي الله تعالى عنه مبشرا على ناقة من إبل القوم فردها علي كرم الله وجهه على القوم وأردفه خلفه ولقي
____________________

زيدا فأبلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وعند ذلك قال له زيد ما علامة ذلك فقال هذا سيفه صلى الله عليه وسلم فعرف زيد السيف وصاح بالناس فاجتمعوا فقال من كان معه شيء فليرده فهذا سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد الناس كافة كل ما أخذوه انتهى
أقول وهذا السياق يدل على أن جميع ما أخذه من النعم والشاء والسبي كان لمن أسلم من جذام من بني الضبيب وإن بعض من قتل مع الهنيد وابنه كان مسلما وفي ذلك من البعد مالا يخفى والله أعلم سرية أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه لبني فزارة كما في صحيح بوادي القرى
عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله تعالى عنه إلى فزارة وخرجت معه حتى إذا صلينا الصبح أمرنا فشنينا الغارة فوردنا الماء فقتل ابو بكر أي جيشه من قتل ورأيت طائفة منهم الذرارى فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فأدركتهم ورميت بسهم بينهم وبين الجبل فلما رأوا السهم وقفوا وفيهم امرأة أي وهي أم قرفة عليها قشع من أدم أي فروة خلقة معها ابنتها من أحسن العرب فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر فنفلني أبو بكر رضي الله عنه ابنتها فلم أكشف لها ثوبا فقدمنا المدينة فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا سلمة هب لي المراة لله أبوك أي أبوك لله خالصا حيث أنجب بك وأتى بمثلك يقال ذلك في مقام المدح والتعجب أي وقد كان وصف له صلى الله عليه وسلم جمالها فقلت هي لك يا رسول الله فبعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة ففدى بها أسرى من المسلمين كانوا في أيدي المشركين
وفي لفظ فدى بها اسيرا كان في قريش من المسلمين كذا ذكر الأصل أن أمير هذه السرية أي التي أصابت أم قرفة ابو بكر رضي الله تعالى عنه وأنه الذي في مسلم
وذكر في الاصل قبل ذلك عن ابن أسحاق وابن سعد أن أمير هذه السرية أي التي أصابت أم قرفة زيد بن حارثة رضي الله عنهما وأنه لقي بني فزارة وأصيب بها ناس من
____________________

أصحابه وانفلت زيد من بين القتلى أي احتمل جريحا وبه رمق فلما قدم زيد رضي الله تعالى عنه نذر أن لا يمس رأسه غسل من الجنابة حتى يغزو بني فزارة فلما عوفي أرسله صلى الله عليه وسلم إليهم فكمنوا النهار وساروا الليل حتى أحاطوا بهم وكبروا وأخذوا أم قرفة وكانت أم قرفة في شرف من قومها وكان يعلق في بيتها خمسون سيفا كلهم لها محرم وكان لها اثنا عشر ولدا ومن ثم كانت العرب تضرب بها المثل في العزة فتقول لو كنت أعز من أم قرفة فأمر زيد بن حارثة أن تقتل أم قرفة أي لأنها كانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم
وجاء أنها جهزت ثلاثين راكبا من ولدها وولد ولدها وقالت لهم اغزوا المدينة واقتلوا محمدا لكن قال بعضهم إنه خبر منكر فربط برجليها حبلين ثم ربطا الى بعيرين وزجرهما أي وقيل إلى فرسين فركضا فشقاها نصفين وقرفة ولدها هذا الذي تكنى به قتله النبي صلى الله عليه وسلم وبقية أولادها قتلوا مع أهل الردة في خلافة الصديق فلا خير فيها ولا في بنيها ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنة أم قرفة وذكر له صلى الله عليه وسلم جمالها فقال صلى الله عليه وسلم لابن الأكوع يا سلمة ما جارية اصبتها قال يا رسول الله جارية رجوت أن أفدي بها امرأة منا في بني فزارة فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام مرتين أو ثلاثا فعرف سلمة انه صلى الله عليه وسلم يريدها فوهبها له فوهبها النبي صلى الله عليه وسلم لخاله حزن بن أبي وهب ابن عمرو بن عائذ بمكة وكان أحد الأشراف فولدت له عبد الرحمن بن حزن وإنما قيل لحزن خاله لأن فاطمة أم أبي النبي صلى الله عليه وسلم هي بنت عائذ كما تقدم وعائذ جد حزن لأبيه وفي لفظ بنت عمرو بن عائذ
وفي كلام السهيلي أن رواية الفداء لمن كان أسيرا بمكة أصح من رواية أنه صلى الله عليه وسلم وهبها لخاله حزن
وجمع الشمس الشامي بين الروايتين حيث قال يحتمل أنهما سريتان اتفق لسلمة بن الأكوع فيهما ذلك أي إحداهما لأبي بكر والأخرى لزيد بن حارثة ويؤيد ذلك أن في سرية أبي بكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ببنت أم قرفة الى مكة ففدى بها أسرى كانوا في أيدي المشركين أي وفي سرية زيد وهبها لخاله حزن بمكة قال ولم أر من تعرض لتحرير ذلك انتهى
____________________

أقول في هذا الجمع نظر لانه يقتضى أن أم قرفة تعددت وأن كل واحدة كانت لها بنت جميلة وأن سلمة بن الأكوع أسرهما وأنه صلى الله عليه وسلم أخذهما منه وفي ذلك بعد إلا أن يقال لا تعدد لأم قرفة وتسمية المراة في سرية أبي بكر أم قرفة وهم من بعض الرواة ويدل عليه أن بعضهم أوردها ولم يسم المراة أم قرفة بل قال فيهم امرأة من بني فزارة معها ابنة لها من أحسن العرب فنفلني أبو بكر بنتها فقدمنا المدينة وما كشفت لها ثوبا فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوف مرتين في يومين فقال يا سلمة هبني المراة فقلت هي لك فبعث بها الى مكة ففدي بها ناسا كانا أسرى بمكة
ثم لا يخفى أن ما ذكره الأصل عن ابن اسحاق وابن سعد من أنه صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن حارثة الى وادي القرى أي غازيا لبني فزارة وأنه لقيهم وأصيب بها ناس من أصحابه وأفلت زيد من بين القتلى جريحا الخ يخالفه ما ذكره عن ابن سعد مما يقتضي ان زيد بن حارثة في هذه لم يكن غازيا بل كان تاجرا وانه لم يرسل لبني فزارة وانما اجتاز بهم فقاتلوه
والمذكور عن ابن سعد ما نصه قالوا خرج زيد بن حارثة في تجارة الى الشام ومعه بضائع لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان دون وادي القرى لقيه ناس من فزارة فضربوه وضربوا أصحابه أي فظنوا أنهم قد قتلوا وأخذوا ما كان معهم فقدموا المدينة ونذر زيد أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزوة بني فزارة فلما خلص من جراحته بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية لهم وقال لهم اكمنوا النهار وسيروا الليل فخرج بهم دليل من بني فزارة وقد نزر بهم القوم فكانوا يجعلون له ناظورا حين يصبحون فينظر على جبل يشرف على وجه الطريق الذي يرون أن المسلمين يأتون منه فينظر قدر مسيرة يوم فيقول اسرحوا فلا بأس عليكم فإذا امسوا أشرف ذلك الناظر على ذلك الجبل فينظر مسيرة ليلة فيقول ناموا فلا بأس عليكم في هذه الليلة فلما كان زيد ابن حارثة وأصحابه على نحو مسيرة ليلة أخطأ بهم الدليل الفزاري طريقهم فأخذ بهم طريقا أخرى حتى أمسوا وهم على خطا فعاينوا الحاضر من بني فزارة فحمدوا خطأهم فكمن لهم في الليل حتى اصبحوا فأحاطوا بهم ثم كبر زيد وكبر أصحابه إلى آخر ما تقدم
ولما قدم زيد بن حارثة المدينة جاء إليه صلى الله عليه وسلم وقرع عليه الباب فخرج
____________________

إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه واعتنقه وقبله وسأله فأخبره بما ظفره الله تعالى به
وحينئذ يشكل قوله في الاصل ثبت عن ابن سعد أن لزيد بن حارثة سريتين بوادي القرى إحداهما في رجب والأخرى في رمضان فإنه بظاهره يقتضي أنه أرسل غازيا المرتين لبني فزراة بوادي القرى
وقد علمت أن كلام ابن سعد يدل على أن زيد بن حارثة في السرية الأولى إنما كان تاجرا اجتاز ببني فزارة بوادي القرى فقاتلوه هو وأصحابه وأخذوا معهم
ثم رأيت الأصل تبع في ذلك شيخه الحافظ الدمياطي حيث قال سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى في رجب قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا رضي الله تعالى عنه أميرا ثم قال سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة بناحية وادي القى في رمضان وفيه ما علمت
ثم لايخفى أن في هذا إطلاق السرية على الطائفة التي خرجت للتجارة ولا يختص ذلك بمن خرج للقتال أو لتجسس الأخبار وقد تقدم سرية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى دومة الجندل
بضم الدال المهملة وبفتحها وأنكره ابن دريد لبني كلب
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه فأقعده بين يديه وعممه بيده قال أي بعد أن قال له تجهز فإني باعثك في سرية من يومك هذا أو من الغد إن شاء الله تعالى ثم امره أن يسري من الليل إلى دومة الجندل في سبعمائة وعسكروا خارج المدينة
فلما كانت وقت السحر جاء عبد الرحمن بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أحببت يارسول الله أن يكون آخر عهدي بك وكان عليه عمامة من كرابيس أي غليظة قد لفها على رأسه فنقضها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم عممه بعمامة سوداء وأرخى بين كتفيه منها اربع أصابع أو نحوا من لك ثم قال هكذا يا ابن عوف فاعتم فإنه أحسن وأعرف
____________________

ثم أمر صلى الله عليه وسلم بلالا أن يدفع اليه اللواء فدفعه اليه وقام صلى الله عليه وسلم فحمد الله ثم صلى على نفسه ثم قال خذه يا ابن عوف انتهى وقال اغز بسم الله وفي سبيل الله فقاتل من كفر بالله ولا تغل أي لا تخن في المغنم ولا تغدر أي لا تترك الوفاء ولا تقتل وليدا وفي رواية لا تغلوا ولا تغدروا ولا تنكثوا ولا تملوا ولا تقتلوا وليدا أي صبيا فهذاعهد الله وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم فيكم ثم قال صلى الله عليه وسلم له إذا استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم فسار عبد الرحمن ابن عوف حتى قدم دومة الجندل فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام وهم يأبون ويقولون لا نعطى إلا السيف وفي اليوم الثالث أسلم رأسهم وملكهم الاصبغ بن عمرو الكلبي وكان نصرانيا قال في النور لم أجد أحدا ترجمه والظاهر أنه ما وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فهو تابعي واسلم معه ناس كثير من قومه واقر من أقام على كفره بإعطاء الجزية أي وأرسل رضي الله تعالى عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه بذلك وأنه يريد أن يتزوج فيهم فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه بذلك وأنه يريد أن يتزوج فيهم فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تزوج ببنت الأصبغ أي فتزوجها رضي الله تعالى عنه وبنى بها عندهم وقدم بها المدينة وهي ام ولده سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهي أول كلبية نكحها قرشي ولم تلد غير سلمة وطلقها عبد الرحمن في مرض موته ثلاثا ومتعها جارية سوداء ومات وهي في العدة وقيل بعد انقضاء العدة فورثها عثمان رضي الله تعالى عنه
قال وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما أنه قال سرت لأسمع وصية رسول الله لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فإذا فتى من الأنصار اقبل يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس فقال يا رسول الله أي المؤمنين أفضل قال أحسنهم خلقا ثم قال وأي المؤمنين أكيس قال أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا قبل أن ينزل بهم أولئك الأكياس ثم سكت الفتى واقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا نزلت بكم وأعوذ بالله أن تدركوهن إنه لن تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في اسلافهم الذين مضوا وما نقص المكيال والميزان في قوم إلا أخذهم الله بالسنين ونقص من الثمرات وشدة المؤنة وجور السلطان لعلهم يذكرون وما منع قوم الزكاة إلا أمسك الله عنهم قطر السماء ولولا البهائم لم يسقوا
____________________

وما نقض قوم عهد الله ورسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذ ما كان في ايديهم وما حكم قوم بغير كتاب الله إلا جعل الله تعالى باسهم بينهم وفي رواية إلا البسهم الله شيعا وأذاق بعضهم بأس بعض
وفي الاصل ذكر إبن اسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ابا عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه لدومة الجندل في سرية زاد في السيرة الشامية على ذلك قوله كما سيأتي سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما الى مدين
قرية سيدنا شعيب صلوات الله وسلامه عليه وهي تجاه تبوك فاصاب سبيا وفرقوا في بيعهم بين الأمهات والأولاد فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون فقال مالهم فقيل يا رسول الله فرق بينهم أي بين الامهات والأولاد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوهم الا جميعا
قال في الأصل وكان مع زيد رضي الله تعالى عنه في هذه السرية ضميرة مولى علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه وكذا اخوه رضي الله تعالى عنه وأخ له وهو تابع في ذلك لابن هشام ورد بان مولى علي هذا الذي هو ضميرة لم يذكر في كتب الصحابة وكذا اخوه سرية أمير المؤمنين على بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى بني سعد بن بكر بفدك
وهي قرية بينها وبين المدينة ست ليال أي وفي لفظ ثلاث مراحل وهي خراب الآن وفي الصحاح فدك قرية بخيبر
وسببها أنه صلى الله عليه وسلم بلغه أن لمبنى سعد جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر وأن يجعلوا لهم تمر خيبر أي ما يوجد من غلتها فبعث إليهم عليا كرم الله وجهه في مائة رجل فسار الليل وكمن النهار إلى أن نزلوا محلا بين خيبر وفدك فوجدوا به رجلا فسألوه عن القوم أي فقال لا علم لي فشدوا عليه فأقر أنه عين أي جاسوس لهم وقال
____________________

أخبركم على أن تؤمنوني فأمنوه فدلهم فأغاروا عليهم وأخذوا خمسمائة بعير وألفي شاة وهربت بنو سعد بالظعن فعزل علي كرم الله وجهه صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوحا أي حلوبا قريبة عهد بنتاج تدعى الحفدة بفتح الحاء وكسر الفاء وفتح الدال المهملة لسرعة سيرها ومنه في الدعاء إليك نسعى ونحفد ثم عزل الخمس وقسم الباقي على أصحابه
اقول قوله يريدون أن يمدوا يهود خيبر يقتضى بظاهره أن ذلك كان عند محاصرة خيبر أو عند إرادة ذلك وفيه مالا يخفى لما تقدم والله أعلم سرية عبد الله بن رواحة رضى الله عنه إلى أسير
بضم الهمزة وفتح السين يقال أسير بن رزام اليهودي بخيبر
لما قتل الله أبا رافع بن سلام بن أبي الحقيق عظيم يهود خيبر كما تقدم أمروا عليهم أسير بن رزام قال ولما أمروه عليهم قال لهم إني صانع بمحمد مالم يصنعه أصحابي فقالوا له وما عسيت أن تصنع قال اسير في غطفان فأجمعهم لحربه قالوا نعم ما رأيت وكان ذلك قبل فتح خيبر انتهى
فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجه إليه عبد الله بن رواحة في ثلاثة نفر سرا يسأل عن خبر أسير وغرته فأخبر بذلك فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك فانتدب له ثلاثون رجلا وأمر عليهم عبد الله ابن رواحة رضي الله تعالى عنه وقيل عبد الله بن عتيك فقدموا على اسير فقالوا نحن آمنون حتى نعرض عليك ما جئنا له قال نعم ولي منكم مثل ذلك فقالوا نعم فقلنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا إليك لتخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك فطمع في ذلك أي واستشار يهود في ذلك فأشاروا عليه بعدم الخروج وقالوا ما كان محمد ليستعمل رجلا من بني إسرائيل قال بلى قد مل الحرب
قال في النور هذا الكلام لانياسب أن يقال قبل فتح خيبر فالذي يظهر أنها بعد فتح خيبر
____________________


وأقول يجوز أن يكون المراد باستعماله على خيبر المصالحة وترك القتال ومن ثم أجاب بقوله إنه صلى الله عليه وسلم قد مل الحرب والله أعلم
فخرج وخرج معه ثلاثون رجلا من يهود مع كل رجل منهم رديف من المسلمين قال عبد الله بن أنيس كنت رديفا لأسير فكأن أسيرا ندم على خروجه معنا فأهوى بيده إلى سيفي ففطنت بفتح الطاء له وقلت أغدر عدو الله أغدر عدو الله ثلاثا فضربته بالسيف فأطحت عامة فخذه فسقط وكان بيده مخدش من شوحط فضربني به على رأسي فشجني مأمومة وملنا على أصحابه فقتلناهم إلا رجلا واحدا أعجزنا جريا ثم اقبلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثناه إلا رجلا واحدا أعجزنا جربا ثم أقبلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثناه الحديث فقال صلى الله عليه وسلم قد نجاكم الله من القوم الظالمين وبصق في شجتي فلم تقح علي ولم تؤذني
قال وفي رواية زيادة على ذلك وهي قطع لي قطعة من عصاه فقال أمسك هذه معك علامة بيني وبينك يوم القيامة أعرفك بها فإنك تأتي يوم القيامة متخصرا فلما دفن عبد الله بن أنيس جعلت معه على جلده دون ثيابه انتهى
أقول تقدم نظير ذلك لعبد الله بن أنيس هذا لما أرسله صلى الله عليه وسلم لقتل سفيان ابن خالد الهذلي وجاء برأسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن هذا وهم من بعض الرواة ويحتمل تعدد الواقعة أي أعطاه صلى الله عليه وسلم عصاه أولا في تلك وأعطاه أخرى ثانيا في هذه وجعل العصا بين جلده وكفنه ولا مانع منه لكن ربما تتشوف النفس للسؤال عن حكمة تكرير ذلك لعبد الله بن أنيس وتخصيصه بهذه المنقبة دون بقية الصحابة والله أعلم سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم بن حريس رضي الله عنهما
بالحاء المهملة وكسر الراء وسين مهملة وكل ما في الأنصار حريس بالسين المهملة إلا لحريش فإنه بالشين المعجمة وقيل بدله جبار بن صخر إلى أبي سفيان بن حرب بمكة ليغتالاه
وسببها أن ابا سفيان رضي الله عنه قال لنفر من قريش ألا أحد يغتال لنا محمدا فإنه يمشي في الأسواق وحده فأتاه رجل من الأعراب وقال يعني نفسه قد وجدت أجمع الرجال قلبا وأشدهم بطشا وأسرعهم عدوا فإذا أنت فديتني خرجت إليه حتى أغتاله
____________________

فإن معي خنجرا بفتح الخاء المعجمة كجناح النسر وإني عارف بالطريق فقال له أنت صاحبنا فأعطاه بعيرا ونفقة وقال له اطو أمرك وخرج ليلا إلى أن قدم المدينة ثم اقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل عليه وكان صلى الله عليه وسلم في مسجد بني عبد الأشهل فعقل راحلته وأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال إن هذا يريد غدرا والله حائل بينه وبين ما يريد فجاء ليجني على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجذبه اسيد بن حضير رضي الله تعالى عنه بداخلة إزاره أي بحاشيته من داخل فإذا بالخنجر فأخذ أسيد يخنقه خنقا شديدا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدقنى قال وأنا آمن قال نعم فأخبره بأمره فخلى عنه رسول الله فأسلم أي وقال يا رسول الله ما كنت أخاف الرجال فلما رأيتك ذهب عقلي وضعفت نفسي ثم أطلعت على ما هممت به فعلمت أنك على الحق فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم
فعند ذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ومن تقدم معه إلى أبي سفيان بمكة أي وذلك بعد قتل خبيب عن عدي رضي الله عنه وصلبه على الخشبة
ومضى عمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه يطوف بالبيت ليلا فرآه معاوية بن ابي سفيان رضي الله تعالى عنهما فعرفه فأخبر قريشا بمكانه فخافوه لأنه كان فاتكا في الجاهلية وقالوا لم يأت عمرو بخير واشتدوا في طلبه
قال وفي رواية لما قدما مكة حبسا جمليهما ببعض الشعاب ثم دخلا ليلا فقال له صاحبه يا عمرو ولو طفنا بالبيت وصلينا ركعتين ثم طلبنا أبا سفيان فقال عمرو إني أعرف بمكة من الفرس الأبلق أي وإن القوم إذا تعشوا جلسوا على أفنيتهم فقال كلا إن شاء الله قال عمرو فطفنا بالبيت وصلينا ثم خرجنا لطلب أبي سفيان فلقيني رجل من قريش فعرفني وقال عمرو بن أمية فأخبر قريشا بي فهربت أنا وصاحبي انتهى أي وصعدنا الجبل وخرجوا في طلبنا فدخلنا كهفا في الجبل ولقي عمرو رجلا من قريش فقتله أي قتل ذلك الرجل عمرو فلما أصبحنا غدا رجل من قريش يقود فرسا ونحن في الغار فقلت لصاحبي إن رآنا صاح بنا فخرجت إليه ومعي خنجرا عددته لأبي سفيان فضربته على يده فصاح صيحة اسمع أهل مكة فجاء الناس يشتدون فوجدوه بآخر رمق
____________________

فقالوا له من ضربك قال عمرو بن أمية وغلبه الموت فاحتملوه فقلت لصاحبي لما أمسينا النجاة فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة فمررنا بالحرس الذين يحرسون خشية حبيب بن عدي رضي الله تعالى فقال أحدهم لولا أن عمرو بن أمية بالمدينة لقلت إنه هذا الماشي فلما حاذيت الخشبة شددت عليها فحملتها واشتديت أنا وصاحبي فخرجوا وراءنا فألقيت الخشبة فغيبة الله عنهم كذا في السيرة الهشامية
وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم أرسل الزبير والمقداد لإنزاله وأن الزبير أنزله فابتلعته الأرض وتقدم عن ابن الجوزي مثل ما هنا من أن الذي أنزله عمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه فيحتاج الى الجمع على تقدير صحة الروايتين ويقال عمرا قتل رجلا آخر سمعه يقول ** ولست بمسلم ما دمت حيا ** ولست أيدن دين المسلمينا **
ولقي رجلين بعثتهما قريش إلى المدينة يتجسسان لهم الخبر فقتل أحدهما وأسر الآخر ثم قدم رضي الله تعالى عنه المدينة وجعل بخير رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك سرية سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه
وقيل كرز بن جابر رضي الله تعالى عنه وعليه الأكثرون ومن ثم اقتصر عليه الحافظ الدمياطي أي وقيل جرير بن عبد الله البجلي ورد بأن إسلام جرير بن عبد الله المذكور كان بعد هذه السرية بنحو أربع سنين الى العرنيين
وسببها أنها قدم على رسول صلى الله عليه وسلم نفر أي ثمانية من عرينة وقيل أربعة من عرينة وثلاثة من عكل والثامن من غيرهما مسلمين نطقوا بالشهادتين كانوا مجهودين قد كادوا يهلكون أي لشدة هزالهم وصفرة ألوانهم وعظم بطونهم وقالوا يا رسول الله آونا وأطعمنا فأنزلهم صلى الله عليه وسلم عنده أي بالصفة ثم قال لهم أي بعد أن ذكروا له صلى الله عليه وسلم أن المدينة وبئة وخمة وأنهم أهل ضرع ولم يكونوا أهل ريف لو خرجتم إلى ذود لنا أي لقاح وكانت خمسة عشر فشربتم من ألبانها وأبوالها أي لأن في لبن اللقاح جلاء وتليينا وإدرارا وتفتيحا للسدد فإن الأستسقاء
____________________

وعظم البطن إنما ينشأ عن السدد وآفة في الكبد ومن أعظم منافع الكبد لبن اللقاح لاسيما إن استعمل بحرارته التي يخرج بها من الضرع مع بول الفصيل مع حرارته التي يخرج بها ففعلوا ثم لما صحت أجسامهم كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعيها وهو يسار مولى النبي صلى الله عليه وسلم ومثلوا به أي قطعوا يديه ورجليه وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات واستاقوا اللقاح
وفي لفظ أنهم ركبوا بعضها واستاقوها فأدركهم يسار ومعه نفر فقاتلهم فقطعوا يده ورجله الحديث
وبلغه صلى الله عليه وسلم الخبر فبعث صلى الله عليه وسلم في آثارهم عشرين فارسا واستعمل عليهم من تقدم وأرسل معهم من يقص آثارهم فأدركوهم فأحاطوا بهم فأسروهم ودخلوا بهم المدينة فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم أي غورت بمسامير محماة بالنار وألقوا بالحرة أي وهي أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار يستسقون فلا يسقون قال أنس رضي الله تعالى عنه ولقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه من العطش ليجد بردها لما يجده من شدة العطش حتى ماتوا على حالهم وأنزل الله فيهم { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } الآية ولم يقع بعد ذلك أنه صلى الله عليه وسلم سمل عينا وفي لفظ أنهما لما أسروا ربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة فخرجوا بهم نحوه فلقوه بمجمع السيول فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم وصلبوا هنالك وأنه صلى الله عليه وسلم فقد من اللقاح لقحة تدعى الحفياء فسأل عنها فقيل نحروها كذا في سيرة الحافظ الدمياطي وقدم فيها هذه السرية على سرية عمرو بن أمية الضمري رضي الله تعالى عنه
____________________

سرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى طائفة من هوازن
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في ثلاثين رجلا إلى عجز بفتح العين المهملة وبضم الجيم وبالزاي محل بينه وبين مكة أربع ليال بطريق صنعاء يقال له تربة بضم المثناة فوق وفتح الراء ثم موحدة مفتوحة ثم تاء وأرسل صلى الله عليه وسلم دليلا من بني هلال فكان يسير الليل ويكمن النهار فأتى الخبر لهوازن فهربوا فجاء عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه محالهم فلم يجد منهم أحدا فانصرف راجعا إلى المدينة فلما كان بمحل بينه وبين المدينة ستة أميال قال له الدليل هل لك جمع أخر من خثعم فقال له عمر رضي الله تعالى عنه لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم إنما أمرني بقتال هوازن سرية أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه إلى بني كلاب
عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وأمره علينا فسبي ناسا من المشركين فقتلناهم فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات من المشركين وما زاده الأصل على هذا من قوله إن سلمة بن الأكوع قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابا بكر رضي الله تعالى عنه إلى فزارة الخ نسب فيه للوهم لأن ذلك كان في سريته لبني فزارة بوادي القرى وقد تقدمت فهما قضيتان مختلفتان جمع بينهما أي وهذا الذي في الأصل تبع فيه شيخه الحافظ الدمياطي وفيه ما علمت
____________________

سرية بشير بن سعد الأنصاري رضي الله تعالى عنه إلى بني مرة بفدك
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد في ثلاثين رجلا إلى بني مرة بفدك وتقدم أنها قرية بينها وبين المدينة ستة اميال فخرج فلقى رعاء الشاء فسأل عن الناس فقيل في بواديهم فاستاق النعم والشاء وانحدر الى المدينة فخرج الصريخ إليهم فأدركه منهم العدد الكثير عند الليل فباتوا يترامون بالنبل حتى فني نبل أصحاب بشير أي فلما أصبحوا حملوا على بشير وأصحابه فقتلوا منهم من قتلوا وولى من ولى منهم وقاتل بشير قتالا شديدا حتى ارتث أي جرح وصار ما به رمق وضربت كعبه اختبارا لحياته فلم يتحرك فقيل مات فرجعوا بنعمهم وشياههم وجاء إليه صلى الله عليه وسلم خبرهم ثم جاء بشير رضي الله تعالى عنه إلى المدينة بعد ذلك أي فإنه استمر بين القتلى إلى الليل فلما أمسى تحامل حتى انتهى الى فدك فأقام بفدك عند يهودي أياما حتى قوي على المشي وجاء الى المدينة
أقول وهذا يدل على أن بني مرة الذين توجه اليهم بشير لم يكونوا بفدك بل بالقرب منها فيكون قوله أولا لبني مرة بفدك فيه تسمح وأن بشيرا حصلت له هذه الحالة مرتين فليتأمل سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه إلى بني عوال وبني عبد بن ثعلبة بالميقعة اسم محل وراء بطن نخل
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه في مائة وثلاثين رجلا لبني عوال وبني عبد بن ثعلبة بالميفعة ودليلهم يسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجموا عليهم جميعا ووقعوا في وسط محالهم فقتلوا جمعا من أشرافهم واستاقوا نعما وشاء ولم يأسروا أحدا وفي هذه السرية قتل اسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما الرجل الذي قال لا إله إلا الله وهو مرداس بن نهيك وفي سيرة الحافظ الدمياطي نهيك ابن مرداس والأول هو الذي في الكشاف وقال له النبي صلى الله عليه وسلم هلا شققت
____________________

عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب فعن اسامة رضي الله تعالى عنه بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصحبنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما أعييناه قال لا إله إلا الله فكف الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله قلت إنما قالها متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم أي تمنيت أن أكون اسلمت اليم فيكفر عني ما صنعت قال كذا وقع في الأصل أن قتل أسامة للرجل الذي قال لا إله إلا الله كان في هذه السرية وقد تبع في ذلك ابن سعد
وإنما كان ذلك في سرية أسامة بن زيد للحرقة بضم الحاء المهملة وفتح الراء وبالقاف ثم تاء تأنيث بطن من جهينة وسيأتي عن أسامة بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة فصبحناها فكان رجل يدعى مرداس بن نهيك إذا أقبل القوم كان من أشدهم علينا وإذا أدبروا كان من حاميتهم فهزمناهم فتبعته أنا ورجل من الأنصار فرفعت عليه السيف قال لا إله إلا الله وزاد في رواية محمد رسول الله فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته ثم وجدت في نفسي من ذلك موجدة شديدة حتى ما أقدر على أكل الطعام حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلني واعتنقني قال بعضهم وكان صلى الله عليه وسلم إذا بعث أسامة بن زيد يسأل عنه أصحابه ويجب ان يثنى عليه خيرا فلما رجعوا لم يسألهم عنه فجعل القوم يحدثون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون يا رسول الله لو رأيت ما فعل أسامة ولقيه رجل فقال الرجل لا إله إلا الله فشد عليه أسامة فقتله وهو يعرض عنهم فلما أكثروا عليه صلى الله عليه وسلم رفع رأسه الشريف لاسامة فقال يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله فكيف تصنع بلا إلا إلا الله إذا جاءت يوم القيامة فقال أسامة رضي الله تعالى عنه إنما قالها خوفا من السلاح وفي رواية إنما كان متعوذا من القتل قال اسامة رضي الله تعالى عنه ولا زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرر علي حتى تمنيت أني لم أسلم إلا يؤمئذ انتهى
والذي في الكشاف في تفسير قوله تعالى { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا } أصله أن مرداس بن نهيك رجل من أهل فدك أسلم ولم يسلم من قومه غيره فغزتهم سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عليها غالب بن فضالة الليثي رضي الله تعالى عنه فهربوا وبقي
____________________

مرداس لثقته بإسلامه فلما رأى الخيل ألجأ غنمه الى عاقول من الجبل وصعد فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل وقال لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليك فقتله أسامة ابن زيد واستاق غنمه فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فوجد وجدا شديدا وقال قتلتموه إرادة ما معه ثم قرأ الآية على أسامة فقال يا رسول الله استغفر لي قال فكيف بلا إله إلا الله فما زال يكررها حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ ثم استغفر لي وقال أعتق رقبة وسياتي نحو ذلك في سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب بشير بن سعد
ويبعد تعدد هذه الواقعة سيما في مواطن ثلاثة أو اربعة وكون يسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان دليلا في هذه السرية يقتضي أنها متقدمة على سرية العرنيين فقد تقدم أنهم قتلوه ثم رايته في النور قال ولعل هذا غير ذاك لكن لم أر ذكرا في الموالي إلا أن يكون أحد موالي أقاربه عليه الصلاة والسلام فنسب اليه ومن ثم لم يشهد اسامة رضي الله تعالى عنه مع علي كرم الله وجهه قتالا وقال له لو أدخلت يدك في فم تنين لأدخلت يدي معها ولكنك قد سمعت ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قتلت ذلك الرجل الذي شهد ان لا إله إلا الله وقلت له أعطى الله عهدا أن لا أقتل رجلا يقول لا إله إلا الله والله أعلم سرية بشسير بن سعد الأنصاري رضي الله تعالى عنه إلى يمن
بفتح الياء آخر الحروف وقيل بضمها أو يقال أمن همزة مفتوحة وسكون الميم وجبار بفتح الجيم واد قريب من خيبر
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من غطفان قد واعدهم عيينة بن حصن أي قبل أن يسلم رضي الله تعالى عنه ليكون معهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد فعقد له لواء وبعث معه ثلثمائة رجل فساروا الليل وكمنوا النهار حتى أتوا المحل المذكور فأصابوا نعما كثيرا وتفرق الرعاء بكسر الراء والمد وذهبوا الى القوم وأخبروهم فتفرقوا ولحقوا بعليا بلادهم وعليا
____________________

بضم العين وسكون اللام مقصورا نقيض السفلى فلم يظفر بأحد منهم إلا برجلين أسروهما فرجع بالنعم والرجلين الى المدينة فاسلم الرجلان فأرسلهما صلى الله عليه وسلم قال والرجلان من جمع عيينة فإن المسلمين لما لقوا جمع عيينة انهزموا أمامهم وتبعوهم أخذوا منهم ذينك الرجلين انتهى أي وعيينة بن حصن كان يقال له الأحمق المطاع لأنه كان يتبعه عشرة آلاف قناة وقيل له عيينة قال في الاصل لأن عينة حجفلت أي عظمت وكبرت فلقب بذلك رضي الله تعالى عنه سرية أبن أبي العوجاء السلمي رضي الله تعالى عنه إلى بني سليم
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أبي العوجاء رضي الله تعالى عنه السلمي في خمسين رجلا الى بني سليم فكان لهم جاسوس مع القوم فخرج اليهم وسبق القوم وحذرهم فجمعوا لهم جمعا كثيرا فجاءوا لهم وهم معدون لهم فدعوهم الى الاسلام فقالوا أي حاجة لنا بما تدعونا اليه فتراموا بالنبل ساعة وجعلت الأمداد تأتيهم وأحدقوا بالمسلمين من كل ناحية فقاتل المسلمون قتالا شديدا حتى قتل عامتهم واصيب ابن ابي العوجاء جريحا مع القتلى ثم تحامل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه الى بني الملوح
بضم الميم وفتح اللام وتشديد الواو مكسورة ثم حاء مهملة بالكديد بتفح الكاف وكسر الدال المهملة
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي في بضعة عشر رجلا قال وما نقل عن الواقدي أنهم كانوا مائة وثلاثين رجلا فذلك في سرية لغالب غير هذه انتهى
أقول وهي المتقدمة التي توجهت لبني عوال وبني عبد بن ثعلبة بالميفعة والله أعلم وأمر صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله وأصحابه أن يشنوا الغارة على القم فخرجوا
____________________

حتى إذا كانوا بقديد لحقوا الحارث الليثي فاسروه فقال إنما خرجت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اريد الإسلام فقالوا له إن كنت مسلما لم يضرك ربطنا لك يوما وليلة وإن كنت غير ذلك استوثقنا منك فشدوه وثاقا وخلفوا عنده سويد بن صخر أي وفي لفظ خلفوا عليه رجلا أسود منهم وقالوا له إن نازعك فاحتز رأسه وساروا حتى اتوا محل القوم عند غروب الشمس فكمنوا في ناحية الوادي قال جندب الجهني وأرسلني القوم جاسوسا لهم فخرجت حتى أتيت تلا مشرفا على الحاضر أي القوم المقيمين بمحلهم فلما استويت على رأسه انبطحت عليه لأنظر إذ خرج رجل منهم فقال لامرأته إني لأنظر على هذا الجببل سوادا ما رايته قبل انظري إلي أو عيتك لا تكون الكلاب جرت منها شيئا فنظرت فقالت والله ما فقدت من أوعيتي شيئا فقال ناوليني قوسي ونبلي فناولته قوسه وسهمين فارسل سهما فوالله ما أخطأ بين عيني فانتزعته وثبت مكاني فارسل آخر فوضعه في منكبي فانتزعته وثبت مكاني فقال لامرأته والله لو كان جاسوسا لتحرك لقد خالطه سهمان لا ابالك أي بكسر الكاف أي لا كافل لك غير نفسك وهو بهذا المعنى يذكر في معرض المدح وربما يذكر في معرض الذم وفي معرض التعجب لا بهذا المعنى فإذا اصبحت فانظريهما لا تمضغهما الكلاب ثم دخل فلما اطمأنوا ناموا شيئا عليهم الغارة واستقنا النعم والشاء بعد أن قتلنا المقاتلة وسبينا الذرية أي ومروا على الحارث الليثي فاحتماوه واحتملوا صاحبهم الذي تركوه عنده فخرج صريخ القوم في قومهم فجاء مالا قبل لنا به فصار بيننا وبينهم الوادي فأرسل الله سحابا فأمطر الوادي ما رأينا مثله فسال الوادي بحيث لا يستطيع أحد أن يجوز به فصاروا وقوفا ينظرون إلينا ونحن متوجهون الى أن قدمنا المدينة
أي وفي لفظ آخر فقلنا القوم ينظرون إلينا إذا جاء الله بالوادي من حيث شاء يملأ جنبيه ماء والله ما رأينا يومئذ سحابا ولا مطرا فجاء بمالا يستطيع أحد أن يجوزه فوقفوا ينظرون الينا وقد وقع نظير ذلك أي سيل الوادي لقطنه بن عامر حين توجه الى بن خثعم بناحية تبال كما سيأتي
____________________

سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد رضي الله تعالى عنه أي في بني مرة بفدك
لما قدم غالب من الكديد مؤيدا منصورا بعثه صلى الله عليه وسلم في مائتي رجل الى حيث أصيب أصحاب بشير بن سعد وذلك في بني مرة بفدك وكان قبل قدوم غالب هيأ صلى الله عليه وسلم للزبير لذلك وعقد له لواء فلما قدم غالب رضى الله تعالى عنه قال للزبير اجلس فصار غالب رضي الله تعالى عنه إلى أن أصبح القوم فأغاروا عليهم وكان غالب رضي الله تعالى عنه قد أوصاهم بعدم مخالفتهم له وآخى بين القوم فساقوا نعما وقتلوا منهم
قال لما دنا غالب منهم ليلا قام فحمد الله واثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله تعالى وحده لا شريك له وأن تطيعوني ولا تخالفوا لي أمرا فإنه لا رأى لمن لا يطاع وفي رواية لا تعصوني فغن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من يطع أميري فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني وإنكم متى ما تعصوني فإنكم تعصون نبيكم صلى الله عليه وسلم ثم ألف رضي الله تعالى عنه بين القوم فقال يا فلان أنت وفلان ويا فلان أنت وفلان لا يفارق رجل منكم زميله فإياكم أن يرجع الرجل منكم فاقول له أين صاحبك فيقول لا أدري فإذا كبرت فكبروا فلما أحاطوا بالقوم كبر غالب رضي الله تعالى عنه وكبروا معه وجردوا السيوف فخرج الرجال فقاتلوا ساعة ووضع المسلمون فيهم السيف وكان شعار المسلمين أمت أمت وكان في القوم أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما وتفقده غالب رضي الله تعالى عنه فلم يره وبعد ساعة أي من الليل أقبل فلامه غالب وقال الم تر إلى ما عهدت اليك فقال خرجت في أثر رجل منهم جعل يتهكم بي حتى إذا دنوت منه وضربته بالسيف قال لا إله إلا الله فقال له الأمير بئسما فعلت وما جئت به تقتل امرأ يقول لا إله إلا الله فندم أسامة وساق المسلمون النعم والشاء والذرية فكان سهم كل رجل عشرة ابعرة وعدل بعير بعشرة من الغنم انتهى وتقدمت الحوالة على هذه وتقدم ما فيها
____________________

وقوله هنا حتى إذا دنوت منه وضربته بالسيف قال لا إله إلا الله يقتضي أنه إنما قال لا إله إلا الله بعد ضربه بالسيف إلا أن يحمل على الإرادة وتقدم أنه طعنه برمحه فليتأمل سرية شجاع بن وهب الأسدي رضي الله تعالى عنه إلى بني عامر
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب رضي الله تعالى عنه في اربعة وعشرين رجلا إلى جمع من هوازن أي يقال لهم بنو عامر وأمره صلى الله عليه وسلم أن يغير عليهم فكان يسير بالليل ويكمن بالنهار حتى صبحهم وهم غافلون أي وقد نهى أصحابه أن يمعنوا في الطلب فاصابوا نعما وشاء واستاقوا ذلك حتى قدموا المدينة فكان سهم كل رجل خمسة عشر بعيرا وعدل البعير بعشرة من الغنم سرية كعب بن عمير الغفاري رضي الله تعالى عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح من أرض الشام وراء وادي القرى في خمسة عشر رجلا فوجدوا جمعا كثيرا أي لأنه لما دنا كعب ابن عمير رضي الله تعالى عنه من القوم ذهب عين لهم فأخبروهم بقلة المسلمين فدعوهم الى الإسلام فلم يستجيبوا ورشقوهم بالنبل فقاتلهم المسلمون أشد القتال حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن عمير فإنه ظن قتله فلما أمسى تحامل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق ذلك عليه فهم بالبعث إليهم فبلغه أنهم ساروا إلى محل آخر فتركهم
أقول لم أقف على السبب الذي اقتضى البعث إلى ذلك المحل والله أعلم سرية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه إلى ذات السلاسل
أرض بها ماء يقال له السلاسل بضم السين الأولى وكسر الثانية أي وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى المشهور أنها بفتح الأولى قيل سمي المكان بذلك لأنه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة يقال ماء سلسل وسلسال إذا كان سهل الدخول
____________________

في الحلق لعذوبته وصفائه وتلك الأرض وراء وادي القرى وقيل لان المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يغزوا
أقول ولخالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه في زمن الصديق غزاة مع أهل فارس يقال لها ذات السلاسل لكثرة من تسلسل فيها من الشجعان خوف الفرارا فقتلوا عن آخرهم لأن السلاسل منعتهم الهزيمة وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاسل إلى الصديق رضي الله تعالى عنه والله اعلم
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من قضاعة قد تجمعوا يريدون المدينة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه أي وذلك بعد إسلامه بسنة وعقد له لواء ابيض وجعل معه راية سوداء وبعثه في ثلثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ومعهم ثلاثون فرسا وأمره صلى الله عليه وسلم أن يستعين بمن يمر عليهم فسار الليل وكمن النهار حتى قرب من القوم فبلغه أن لهم جمعا كثيرا فبعث رافع بن كعب الجهني رضي الله تعالى عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إليه ابا عبيدة بن الجراح في مائتين من سراة المهاجرين والأنصار منهم ابو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وعقد له لواء وأمره أن يلحق بعمرو وأن يكونا جميعا ولا يختلفنا فلحق بعمرو أبو عبيدة وأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس فقال عمرو إنما قدمت علي مددا وأنا الأمير قال وعند ذلك قال جمع من المهاجرين الذي مع أبي عبيدة لعمرو أنت أمير أصحابك وهو أمير أصحابه فقال عمرو أنتم مدد لنا فلما رأى ابو عبيدة الاختلاف قال لتعلم يا عمرو أن آخر شيء عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال إن قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا وإنك والله إن عصيتني لأطيعنك قال فإني الأمير عليك قال فدونك أ هـأي لأن ابا عبيدة رضي الله تعالى عنه كان حسن الخلق لين العريكة فكان عمرو يصلي بالناس
أي وعن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال بعث الي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمري أن آخذ ثيابي وسلاحي فقال يا عمرو إني أريد أن أبعثك على جيش فيغنمك الله ويسلمك فقلت إني لم اسلم رغبة في قال نعم المال الصالح للرجل الصالح ورأوا جمعا كثيرا فحمل عليهم المسلمون فتفرقوا قال وأراد المسلمون أن يتبعوهم فمنعهم عمرو رضي الله تعالى عنه وأرداوا أن يوقدوا نارا ليصطلوا عليها من
____________________

البرد فمنعهم عمرو أي وقال كل من أوقد نارا لأفذفنه فيها فشق عليهم ذلك لما فيه من شدة البرد فكلمه بعض سراة الماجرين في ذلك فغالظه عمرو في القول وقال له قد أمرت أن تسمع لي وتطيع قال نعم قال فافعل ولما بلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه غضب وهم أن يأتيه فمنعه أبو بكر رضي الله تعالى عنه وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستعمله إلا لعلمه بالحرب فسكت واحتلم عمرو رضي الله تعالى عنه وكانت تلك الليلة شديدة البرد جدا فقال لأصحابه ما ترون قد والله احتلمت فإن اغتسلت مت فدعا بماء فغسل فرجه وتوضأ وتيمم ثم قام وصلى بالناس أ هـثم بعث عمرو عوف بن مالك مبشرا للنبي صلى الله عليه وسلم بقدومهم وسلامتهم قال قال عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه جئته صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في بيته فقلت السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال عوف بن مالك فقلت نعم بابي أنت وأمي يا رسول الله قال أخبرني فأخبرته بما كان من مسيرنا وما كان بين أبي عبيدة بن الجراح وبين عمرو ومطاوعة أبي عبيدة لعمرو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله ابا عبيدة بن الجراح وأخبرته بمنع عمرو رضي الله تعالى عنه للمسلمين من اتباع العدو ومن إيقاد النار ومن صلاته باصحابه وهو جنب فلما قدم عليه عمرو كلمه صلى الله عليه وسلم في ذلك قال كرهت أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفون عليهم فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره قال عمرو وسالني عن صلاتي فقال يا عمرو صليت باصحابك وأنت جنب فقلت والذي بعثك بالحق إني لو اغتسلت لمت لم أجد بردا قط مثله وقد قال الله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } فضحك صلى الله عليه وسلم ا هـ
أي ويحتاج أئمتنا إلى الجواب عن صلاة الصحابة خلفه فإني لم أقف على أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء
____________________

سرية الخبط وهو ورق السمر
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في ثلثمائة رجل من المهاجرين والأنصار فيهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى حي من جهينة في ساحل البحر وقيل ليرصدوا عيرا لقريش أي وعليه فتكون هذه السرية قبل الهدنة الواقعة في الحديبية لما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم بعد الهدنة لم يكن يرصد عيرا لقريش الى الفتح وتعدد سرية الخبط بعيد فلا يقال يجوز أن تكون سرية الخبط مرتين مرة قبل الهدنة ومرة بعدها ومن ثم حكم على هذا القول بأنه وهم فأقاموا بالساحل نصف شهر فاصابهم جوع شديد حتى اكلوا الخبط أي كانوا يبلونه بالماء ويأكلونه حتى تقرحت أشداقهم فإن ابا عبيدة رضي الله تعالى عنه كان يعطي الواحد منهم في اليوم والليلة تمرة واحدة يمصها ثم يصرها في ثوبه
أي وعن الزبير رضي الله تعالى عنه أنه قيل له كيف كنتم تصنعون بالتمرة قال نمصها كما يمص الصبي ثدي أمه ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا الى الليل لأنه صلى الله عليه وسلم زودهم جرابا من تمر فجعل ابو عبيدة رضي الله تعالى عنه يقوتهم إياه حتى صار يعده لهم عدا حتى كان يعطي الواحد تمرة كل يوم ثم بعد التمر أكلوا الخبط
ولما رأى قيس بن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهما ما بالمسلمين من جهد الجوع أي مشقته أي وقال قائلهم والله لو لقينا عدو ما كان منا حركة اليه لما بالناس من الجهد قال من يشتري مني تمرا أوفيه له في المدينة بجزر يوفيها إلى ههنا فقال له رجل من أهل الساحل أنا افعل لكن والله ما أعرفك فمن أنت قال أنا قيس ابن سعد بن عبادة فقال الرجل ما أعرفني بسعد إن بيني وبين سعد خلة سيد اهل يثرب فاشترى خمس جزائر كل جزور بوسق من تمر والوسق بفتح الواو وكسرها ستون صاعا وجمع الأول أوسق والثاني أوساق فقال له الرجل أشهد لي فقال
____________________

أشهد من تحب فأشهد نفرا من المهاجرين والأنصار من جملتهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
وقيل إن عمر رضي الله تعالى عنه امتنع من أن يشهد وقال هذه يدان ولا مال له إنما المال لأبيه فقال الرجل والله ما كان سعد ليخنى بابنه أي لا يوفى عن ابنه ما التزمه فكان بين قيس وعمر كلام حتى أغلظ له قيس الكلام وأخذ قيس رضي الله تعالى عنه الجزر فنحر لهم منها ثلاثة في ثلاثة ايام وأراد أن ينحر لهم في اليوم الرابع فنهاه أبو عبيدة وقال له عزمت عليك أن لا تنحر أتريد أن تخفر ذمتك أي لا يوفى لك بما التزمت ولا مال لك فقال له قيس رضي الله تعالى عنه أترى أبا ثابت يعني والده سعدا يقضي ديون الناس ويطعم في المجاعة ولا يقضي دينا استدنته لقوم مجاهدين في سبيل الله
وفي البخارى أن قيسا رضي الله تعالى عنه نحر لهم تسع جزائر كل يوم ثلاثا ثم نهاه ابو عبيدة
أي ومما يؤيد ما ذكر من أن الجزر كانت خمسة وأنه نحر لهم ثلاثة أيام كل يوم جزورا ما جاء في بعض الروايات انه معه جزوران قدم بهما يتعاقبون عليهما فلينظر الجمع
ثم إن البحر ألقى لهم دابة هائلة يقال لها العنبر بحيث إن أبا عبيدة رضي الله تعالى عنه نصب لهم ضلعا من أضلاعها وفي لفظ من أضلاعه ومر تحته أطول رجل في القوم أي وهو قيس بن سعد بن عبادة راكبا على أطول بعير لم يطأطئ رأسه
وعن جابر رضي الله تعالى عنه أنه قال دخلت أنا وفلان وفلان وعد خمسة نفر عينها ما رآنا أحد أي وفي لفظ ولقد أخذ منا ابو عيبدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينها فأكلوا منها أياما أي نحو شهر وكانوا ثلثمائة
فعن بعضهم لما تقرحت اشداقنا من الخبط انطلقنا على ساحل البحر فرفع لنا كهيئة الكثيب الضخم فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر فقال ابو عبيدة رضي الله تعالى عنه ميتة ثم قال اضطررتهم فكلوا فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلثمائة حتى سمنا ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه الدهن بالقلال
____________________


وفي رواية فأخرجنا من عينه كذا وكذا قلة ودك وصحبوا من لحمها الى المدينة أي وقيل لها العنبر لأنها تبتلع العنبر
فعن إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه قال سمعت من يقول رايت العنبر نابتا في البحر ملتويا مثل عنق الشاة وفي البحر دابة تأكله وهو سم لها فيقتلها فيقذفها البحر فيخرج العنبر من جوفها
وقيل العنبر اسم لسمكة مخصوصة في البحر هائلة الخلقة طولا وعرضا وقد أخبرني بعض السفار أن جملا مات على شاطئ البحر فالقي في البحر فابتلعته سمكة فوقفت اخفاف يديه في حلقها فجاءت سمكة فابتلعت تلك السمكة
وفي زمن الحاكم أمر الله وجدت سمكة بدمياط طولها مائتا ذراع وعرضها مائه وستون ذراعا وكان يقف في حلقها خمس رجال بالمجاريف يجرفون الشحم وأقام أهل دمياط يأكلون من لحمها خمسة اشهر
ولما بلغ سعد بن عبادة ما حصل للمسلين من المجاعة قبل قدومهم قال إن يكن قيس يعني ولده كما أعهد فلينحر للقوم فلما قدم قيس قال له سعد ما صنعت في مجاعة القوم فال نحرت قال اصبت قال ثم ماذا قال ثم نحرت قال أصبت قال ثم مذا قال نحرت قال اصبت ثم قال ماذا قال ثم نهيت قال ومن نهاك قال أميري أبو عبيدة قال ولم قال زعم انه لا مال لي إنما المال لأبيك فقلت له أبى يقضى عن الاباعد ويحمل الكل ويطعم في المجاعة ولا يصنع هذا لي فلان لموافقتي فابى عليه عمر بن الخطاب إلا التصميم على المنع فقال سعد لولده قيس ذاك اربع حوائط أي بساتين أدناها ما يتحصل منه خمسون وسقا ثم إن قيسا رضي الله تعالى عنه وفى الرجل صاحب الجزر وحمله أي أعطاه ما يركبه وكساه فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل قيس قال إنه في بيت جود إن الجود لمن شيمة أهل ذلك البيت
أي ومن ثم قال بعضهم لم يكن في الأوس والخزرج مطعمون يتوالدون في بيت واحد إلا قيس وأبوه سعد وأبوه عبادة وأبوه دليم كان في كل يوم يقف شخص على أطم ينادي من يريد الشحم واللحم فعليه بدار ابي دليم
____________________


أي وكان أصحاب الصفة إذا أمسوا انطلق الرجل بالواحد والرجل بالاثنين والرجل بالجماعة وأما سعد فينطلق بالثمانين وعن سعد بن عبادة زارنا النبي صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال السلام عليكم روحمة الله ثم قال اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة
قال ويذكر أن سعدا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال من عذيري من ابن الخطاب يبخل علي ابني ا هـ
ويذكر عن سعد بن عبادة أنه كان شديد الغيرة لم يتزوج الا بكرا وما طلق امرأة وقدر أحد أن يتزوجها
وعن جابر رضي الله تعالى عنه فلما قدمنا المدينة ذكرنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر العنبر فقال رزق أخرجه الله تعالى لكم لعل معكم من لحمه شيء فتطعمونا فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فأكله أي ولم يكن أروح بدليل أنه صلى الله عليه وسلم قال لو نعلم أنا ندركه لم يروح لأحببنا لو كان عندنا منه قال ذلك أزديادا منه سرية ابي قتادة رضي الله تعالى عنه إلى غطفان أرض محارب
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة في خمسة عشر رجلا إلى غطفان وأمره أن يشن الغارة عليهم فصار يسير الليل ويكن بالنهار حتى هجم عليهم وأحاط بهم وقتلوا من أشراف لهم واستاقوا الإبل والغنم فكانت الإبل مائة بعير والغنم ألفي شاة وسبوا سبايا كثيرة فاصاب كل رجل بعد إخراج الخمس اثني عشرة بعيرا وعدل البعير بعشرين من الغنم ووقع في سهم أبي قتادة رضي الله تعالى عنه جارية حسناء وضيئة فاستوهبها منه صلى الله عليه وسلم فوهبها له ثم وهبها صلى الله عليه وسلم لشخص أي كان وعده بجارية من أول فئ يفئ الله به فجاء ذلك الشخص الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله صلى الله عليه إن أبا قتادة قد أصاب جارية وضيئة وقد كنت وعدتني جارية من أول فئ يفئ الله به عليك فارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي قتادة قال وهب لي الجارية فوهبها له الحديث
____________________

سرية عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي رضي تعالى عنه إلى الغابة
وهي الشجر الملتف
قال عبد الله المذكور تزوجت امرأة من قومي فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم استعينه على ذلك فقال كما اصدقت قلت مائتي درهم فقال سبحان الله لو كنتم تأخذون الدراهم من بطن واديكم هذا وفي لفظ لو كنتم تغرفونها من ناحية بطحان ما زدتم والله ما عندي ما أعينك فلبثت أياما فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان رجلا يقال له رفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة في جمع عظيم نزل بالغابة يريد حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين من المسلمين فقال اخرجوا الى هذا الرجل حتى تأتوني منه بخبر ودفع لنا شارفا عجفاء أي ناقة مسنة وقال تبلغوا عليها واعتقبوها فركبها أحدنا فوالله ما قامت به ضعفا حتى ضربت فخرجنا ومعنا سلاحنا النبل والسيوف حتى إذا جئنا قريبا من القوم عند غروب الشمس فكنت في ناحية وصاحبي في ناحية أخرى فقلت لهما إذا سمعتماني قد كبرت فكبرا فوالله إنا كذلك ننتظر غرة القوم إلا ورفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة المجمع للقوم خرج في طلب راع لهم أبطأ عليهم وتخوفوا عليه فقال له نفر من قومه نحن نكفيك ولا تذهب أنت فقال والله لا يذهب إلا أنا فقالوا فنحن معك فقال والله لا يتبعنى احد منكم وخرج حتى مر بي فلما أمكنني نفحته أي رميته بسهم فوضعته في فؤاده فوالله ما تكلم ووثبت عليه فاحتززت راسه وشددت في ناحية العسكر وكبرت وشد صاحباي وكبرا فهرب القوم واستقنا إبلا وغنما كثيرة فجئنا بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الإبل بثلاثة عشر بعيرا في صداقي
قال وبعضهم جعل هذه السرية وسرية أبي قتادة إلى غطفان بارض محارب التي قبل هذه واحدة أي واحدة أي ومن ثم ذكرتها عقبها خلاف ما صنع في الاصل
____________________


قال ويدل لكونهما واحدة ما نقل عن عبد الله بن أبي حدود قال لما طلبت منه الإعانة في مهر زوجتي قال لي ما وافقت عندنا شيئا أعينك به ولكن قد أجمعت أن أبعث ابا قتادة في اربعة عشر رجلا في سرية فهل لك أن تخرج فيها فإني أرجو أن يغنمك الله مهر امرأتك فقلت نعم فخرجنا حتى جئنا الحاضر أي وهم القوم النزول على ماء يقيمون به ولا يرتحلون عنه أي كما تقدم فلما ذهبت فحمه العشاء أي اقباله واول سواده خطبنا ابو قتادة واوصانا بتقوى الله تعالى والف بين كل رجلين وقال لا يفارق كل رجل زميله حتى يقفل اى يرجع ولايجىء الى الرجل فاسأله عن صاحبه فيقول لا علم لي به واذا كبرت فكبروا واذا حملت فاحملوا ولاتمعنوا في الطلب فاحطنا بالحاضر فجرد ابو قتادة سيفه وكبر وجردنا سيوفنا وكبرنا معه وقاتل رجال من القوم واذا فيهم رجل طويل فأقبل علي قال يا مسلم هلم إلي الجنة يتهكم بهي فملت إليه فذهب أمامي أي وصار يقبل علي بوجهه مرة ويدبر عني بوجهه مرة أخرى فتبعته فقال لي صاحبي لا تتبعه فقد نهانا أميرنا أن نمعن في الطلب ولا زال كذلك وقال إن صاحبكم لذو مكيدة وإن أمره هو الأمر فأدركته فرميته بسهم فقتلته وأخذت سيفه وجئت صاحبي فأخبرني أنهم جمعوا الغنائم وأن أبا قتادة تغيظ علي وعليك فجئت أبا قتادة فلامني فأخبرته الخبر ثم سقنا النعم وحملنا النساء جفون السيوف معلقة بالأقتاب ثم لما أصبحنا رأيت في السبي امرأة كأنها ظبي تكثر الالتفات خلفها وتبكي فقلت لها أي شيء تنظرين قالت والله أنظر إلى رجل لئن كان حيا ليستنقذنا منكم فوقع في نفسي أنه الذي قتلته فقلت لها والله قد قتلته وهذا والله سيفه معلق بالقتب فقالت فألق إلي غمده فقلت هذا غمد سيفه فلما رأته بكت ولبثت انتهى ولا يخفى أن السياق في كل يبعد كونهما واحدة سرية أبي قتادة رضي الله تعالى عنه إلى بطن أضم
اسم موضع أو جبل
لما هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزو أهل مكة بعث أبا قتادة رضي الله تعالى عنه في ثمانية نفر من جملتهم محكم بن جثامة الليثي إلى بطن أضم ليظن ظان أن رسول الله
____________________

صلى الله عليه وسلم توجه إلى تلك الناحية وتنشر بذلك الأخبار فمر عليهم عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم عليهم بتحية الإسلام فأمسك عنه القوم وحمل عليه محكم فقتله أي لشيء كان بينه وبينه وسلبه متاعه وبعيره وعند وصولهم إلى المحل رجعوا فبلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إلى مكة فمالوا إليه حتى لقوه قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحكم أقتلته بعد ماقال آمنت بالله وفي رواية بعد ما قال إني مسلم أي أتى بما لم يأت به إلا مؤمن آمن الله وكان مسلما قال يارسول الله إنما قالها أي تحية الإسلام متعوذا قال أفلا شققت عن قلبه قال لم يا رسول الله قال لتعلم أصادق هو أم كاذب أي وفي رواية فقال يا رسول الله لو شققت عن قلبه أكنت أعلم ما في قلبه فقال له فلا أنت قبلت ما تكلم به ولا أنت تعلم ما في قلبه فقال استغفر لي يا رسول الله فقال لا غفر الله لك فقام يتلقى دمعه ببرده ا هـوأنزل الله تعالى فيه { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة } إلى آخر الآية
وذكر ابن اسحاق في خبر محكم أن النبي صلى الله عليه وسلم بحنين ثم عمد إلى ظل شجرة فجلس تحتها فقام إليه الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن يختصمان في عامر ابن الأضبط عيينة بن حصن يطلب دمه أي ويقول والله يا رسول الله إني لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحر مثل ما أذاق نسائي والأقرع يدافع عن محكم وارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعيينة ومن معه بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا وخمسين إذا رجعنا وهو يابى عليه فلم يزل به حتى اتفقا على الدية ثم قالوا إن محكما يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام محكم وهو رجل آدم طويل أي عليه حلة قد كان تهيأ للقتل فيها حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تدمعان فقال له ما اسمك قال أنا محكم قد فعلت الذي بلغك وإني أتوب إلى الله تعالى واستغفر لي يا رسول الله فرفع رسول الله يديه ثم قال اللهم لا تغفر لمحكم قالها ثلاثا بصوت عال فقام يتلقى دمعه بفضل ردائه فما مكث إلا سبعا حتى مات فلفظته الأرض ومات حتى ضموا عليه الحجارة وواروه
اي ولما أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال لهم إن الأرض تقبل من هو
____________________

شر من صاحبكم ولكن الله يعظكم أي وفي رواية إن الله أحب أن يريكم تعظيم حرمة لا إله إلا الله أي حرمة من يأتي بها
ولفظ الأرض له يردا ما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر له بعد دعائه عليه إلا أن يكون المراد استغفر له بعد موته ويوافقه ما في بعض الروايات أراد الله أن يجعله موعظة لكم لكيلا يقدم رجل منكم على قتل من يشهد أن لا إله إلا الله أو يقول إني مسلم اذهبوا به الى شعب بني فلان فادفنوه فإن الارض ستقبله فدفنوه في ذلك الشعب فيجوز أن يكون استغفر له حينئذ وقيل إن الذي لفظته الأرض غير محكم لأن محكما مات بحمص ايام ابن الزبير رضي الله تعالى عنه الذي لفظته الأرض إسمه فليت سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى العزى
أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بين فتح مكة الوليد في ثلاثين فارسا من أصحابه إلى العزى وهو صنم كان لقريش وكان معظما جدا وفي لفظ العزى نخلات أي سمرات مجتمعة لأنه كان يهدي اليها كما يهدي إلى الكعبة لأن عمرو بن لحى أخبرهم أن الرب يشتى بالطائف عند اللات ويصيف عند العزى فلما وصل إلى محلها أي وكان بناء على ثلاث سمرات فقطع السمرات وهدم ذلك البناء ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال له هل رايت شيئا قال لا قال فارجع اليها فرجع خالد وهو متغيظ فجرد سيفه فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس أي شعر رأسها منتشر تحثو التراب على راسها فجعل السادن يصيح بها أي يقول يا عزي عوريه يا عزيه خبليه فضربها خالد فقطعها نصفين أي وهو يقول ** يا عز كفرانك لا سبحانك ** إني رأيت الله قد أهانك **
ورجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم تلك العزى
____________________

سرية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه إلى سواع
بالعين المهملة أي سمي باسم سواع بن نوح عليه السلام وكان على صورة امراة وكان لقوم نوح ثم صار لهذيل كانوا يحجون اليه أي قبل فتح مكة وبعد ذلك ارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في جماعة من أصحابه إلى سواع ليكسره ويهدم محله قال عمرو رضي الله عنه فانتهيت الى ذلك الصنم وعنده سادنه أي خادمة فقال لي ما تريد فقلت أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهدمه قال لا تقدر قلت لم قال تمنع قلت حتى الآن أنت على باطل ويحك وهل يسمع او يبصر فدنوت منه فكسرته وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته فلم نجد فيها شيئا ثم قلت للسادن كيف رأيت قال اسلمت لله سرية سعد بن زيد الأشهلي رضي الله تعالى عنه إلى مناة
صنم كان للأوس والخزرج
ارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأشهلي في عشرين فارسا إلى مناة ليهدم محله فلما وصلوا الى ذلك الصنم قال السادن لسعد ما تريد قال هدم مناة قال أنت وذاك فاقبل سعد إلى ذلك الصنم فخرجت إليه أمراة عريانة سوداء ثائرة الراس تدعو بالويل وتضرب صدرها فقال لها السادن مناة دونك بعض عصيانك فضربها سعد رضي الله تعالى عنه فقتلها وهدم محلها سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى بني جذيمة
بناحية يلملم يدعوهم الى الإسلام أي ولم يكن صلى الله عليه وسلم علم بإسلامهم ولم يأمره بمقاتلتهم أي إذا لم يسلموا
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه في ثلثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار ومن بني سليم أي وهو عليه الصلاة والسلام مقيم بمكة إلى بني جذيمة وكانوا في الجاهلية قد قتلوا الفاكه عم خالد وقتلوا أخا الفاكه أيضا
____________________

في الجاهلية وكانوا من أشرحي في الجاهلية وكانوا يسمون لعقة الدم وقتلوا والد عبد الرحمن بن عوف فلما علموا به وعلموا أن معه بني سليم وكانوا قتلوا منهم مالك بن الشريد وأخويه في موطن واحد خافوه فلبسوا السلاح فلما انتهى خالد رضي الله عنه إليهم تلقوه فقال لهم خالد أسلموا فقالوا نحن قوم مسلمون قال فألقوا سلاحكم وانزلوا قالوا لا والله ما بعد وضع السلاح إلا القتل ما نحن بأمنين لك ولا لمن معك قال خالد فلا أمان لكم إلا أن تنزلوا فنزلت فرقة منهم فأسرهم وتفرقت بقية القوم
وفي رواية لما انتهى خالد الى القوم فتلقوه فقال لهم ما أنتم أي أمسلمون أم كفار قالوا مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبنينا المساجد في ساحتنا وأذنا فيها وفي لفظ لم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فقالوا صبانا صبانا قال فما بال السلاح في السحر نادى منادى خالد رضى الله عنه من كان معه أسير فليقتله فقتل بنو سليم من كان معهم قال فضعوا السلاح فوضعوا فقال استاسروا فأمر بعضهم فكتف السلاح قال فضعوا السلاح فوضعوا فقال استأسروا فأمر بعضهم فكتف بالتخفيف بعضا وفرقهم في أصحابه فلما كان في السحر نادى منادى خالد رضى الله عنه من كان معه أسير فليقتله فقتل بنو سليم من كان معهم معهم وامتنع المهاجرون والأنصار رضي الله تعالى عنهم وأرسلوا أسراهم فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل خالد أي فإن رجلا من القوم جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما فعل خالد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل أنكر عليه أحمد ما صنع قال نعم رجل أصفر ربعة ورجل طويل أحمر فقال عمرو رضي الله تعالى عنه والله يا رسول الله أعرفهما أما الأول فهو ابني فهذه صفته وأما الثاني فهو سالم مولى ابي حذيفة فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد أي قال ذلك مرتين وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فودي لهم قتلاهم قال له صلى الله عليه وسلم يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم ودفع إليه صلى الله عليه وسلم مالا أي إبلا وورقا يدى به قتلاهم ويعطيهم منه بدل ما تلف عليه من أموالهم فودي قتلاهم وأعطاهم عوض ما تلف عليهم حتى ميغلة الكلب أي الإناء التي يشرب فيها حتى إذا لم يبق لهم دم ولا مال قال هل بقي لكم دم أو مال قالوا لا قال أعطيكم ما بقي معي من المال احتياطا بدل ما لا تعلمون أي مما تلف من
____________________

أموالكم ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره الخبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبت وأحسنت أي وزاد
وفي رواية والذي أنا عبده لهي أحب إلي من حمر النعم ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة شاهرا يديه بقول اللهم إني أبرا إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات أنتهى
ووقع بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما شر بسبب ذلك فقال له عبد الرحمن عملت بأمر الجاهلية في الإسلام فقال له إنما أخذت بثأر أبيك فقال له عبد الرحمن كذبت أنا قتلت قاتل ابي أي وفي رواية كيف تأخذ مسلمين بقتل رجل في الجاهلية فقال خالد ومن أخبركم انهم أسلموا فقال أهل السرية كلهم أخبروا بأنك قد وجدتهم بنوا المساجد وأقروا بالإسلام فقال جاءني أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أغير فقال له عبد الرحمن بن عوف كذبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أخذت بثار عمك الفاكه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلا يا خالد دع عنك أصحابي فوالله لو كان لك أحد ذهبا فأنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل منهم ولا روحته أي والغدوة السير في أول النهار إلى الزوال والروحة السير من الزوال إلى آخر النهار
والمراد باصحابه هنا السابقون إلى الإسلام ومنهم عبد الرحمن بن عوف بل هو المراد كما تصرح به الرواية الآتية فقد نزل صلى الله عليه وسلم الصحابة غير السابقين الذي يقع منهم الرد على الصحابة غير السابقين لكون ذلك لا يليق بهم منزلة غير الصحابة
قال ولما عاب عبد الرحمن على خالد الفعل المذكور أعان عبد الرحمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرض عن خالد وقال يا خالد ذر أصحابي وفي رواية لا تسب أصحابي لو كان لك أحد ذهبا فانفقته قيراطا قيراطا في سبيل الله لم تدرك غدوة أو روحة من غدوات أو روحات عبد الرحمن انتهى
اي ولا يخفى أنه يبعد أن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إنما قتلهم لقولهم صبأنا ولم يقولوا أسلمنا إلا أن يقال يجوز أن يكون خالد فهم أنهم قالوا ذلك على سبيل الأنفة وعدم الانقياد إلى الإسلام وأنه صلى الله عليه وسلم إنما أنكر عليه العجلة وترك التثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا ثم لا يخفى أنه جاء لا تسبوا أصحابي فلو أنفق
____________________

أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ونقل الإمام السبكي عن الشيخ تاج الدين بن عطاء الله فإنه كان يحضر مجلس وعظه أن قوله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي كان خطابا لم يأتي بعده من أمته لأنه صلى الله عليه وسلم كان له تجليات فرأى في بعضها سائر أمته الآتين من بعده فقال خطابا لهم لا تسبوا أصحابي وارتضى منه هذا التأويل ا هـفالنهى والخطاب لا تسبوا أصحابي لغير الصحابة تنزيلا للغائب الذي لم يوجد منزلة الموجود الحاضر وفيه أن هذا لا يساعد عليه المقام
وفي الحديث من التنويه برفعة الصحابة وعلو منزلتهم ما يقطع الأطماع عن مداناتهم فإن كون ثواب إنفاق جبل أحد ذهبا في وجه الخير لا يبلغ ثواب التصدق بنصف المد الذي إذا طحن وعجن لا يبلغ الرغيف المعتاد أمرعظيم
أقول ووقع لخالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه نظير ذلك في زمن خلافة الصديق فإن العرب لما ارتدت بعد موته صلى الله عليه وسلم عين خالد لقتال أهل الردة وكان من جملتهم مالك بن نويرة فأسره خالد هو واصحابه وكان الزمن شديد البرد فنادى منادي خالد أن ادفنوا أسراكم فظن القوم أنه أراد ادفنوا أسراكم أي اقتلوهم فقتلوهم وقتل مالك بن نويرة فلما سمع خالد بن ذلك قال إذا اراد الله أمرأ أمضاه وتزوج خالد رضي الله تعالى عنه زوجه مالك بن نويرة وكانت من أجمل النساء ويقال إن خالدا استدعى مالك بن نويرة وقال له كيف ترتد عن الإسلام وتمنع الزكاة ألم تعلم أن الزكاة قرينة الصلاة فقال كان صاحبكم يزعم ذلك فقال له هو صاحبنا وليس هو بصاحبك يا ضرارا اضرب عنقه وأمر برأسه فجعل ثالث حجرين جعل عليها قدر يطبخ فيه لحم فعل ذلك إرجافا لأهل الردة فلما بلغ سيدنا عمر ذلك قال للصديق رضي الله تعالى عنهما اعزله فإن في سيفه رهقا كيف يقتل مالكا ويأخذ زوجته فقال الصديق رضي الله تعالى عنه لا أغمد سيفا سله على الكافرين والمنافقين سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله الله على الكافرين والمنافقين وقال الصديق رضي الله تعالى عنه في حق خالد عجزت النساء أن يلدن مثل خالد بن الوليد
وفي كلام السهيلي انه روى عن عمر بن الخطاب أنه قال لابي بكر الصديق إن في سيف خالد رهقا فاقتله وذلك حين قتل مالك بن نويرة وجعل رأسه تحت قدر حتى
____________________

طبخ به وكان مالك ارتد ثم رجع إلى الإسلام ولم يظهر ذلك لخالد وشهد عنده رجلان من الصحابة برجوعه إلى الإسلام فلم يقبلهما وتزوج امرأته فلذلك قال عمر لأبي بكر اقتله فقال لا أفعل لأنه متأول فقال اعزله فقال لا أغمد سيفا سله الله تعالى على المشركين ولا أعزل واليا ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيل واصل العداوة بين خالد وسيدنا عمر رضي الله تعالى عنهما على ما حكاه الشعبي أنهما وهما غلامان تصارعا وكان خالد ابن خال عمر فكسر خالد ساق عمر فعولجت وجبرت
ولما ولي سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه الخلافة أول شيء بدأ به عزل خالدا لما تقدم وقال لا يلي لي عملا أبدا وقيل لكلام بلغه عنه ومن ثم ارسل إلى أبي عبيدة إن أكذب خالد نفسه فهو أمير على ما كان عليه وإن لم يكذب نفسه فهو معزول فانتزع عمامته وقاسمه ماله نصفين فلم يكذب نفسه فقاسمه ابو عبيدة ماله حتى إحدى نعليه وترك له الأخرى وخالد يقول سمعا وطاعة لأمير المؤمنين
وبلغه أن خالدا أعطى الاشعث بن قيس عشرة آلاف وقد قصده ابتغاء إحسانه فارسل لابي عبيدة أن يصعد المنبر ويوقف خالدا بين يديه وينزع عمامته وقلنسوته ويقيده بعمامته لأن العشرة آلاف إن كان دفعها من ماله فهو سرف وإن كان من مال المسلمين فهي خيانة فلما قدم خالد رضي الله تعالى عنه على عمر رضي الله تعالى عنه قال له من أين هذا اليسار الذي تجيز منه بعشرة آلاف فقال من الأنفال والسهمان قال ما زاد على التسعين الفا فهو لك ثم قوم أمواله وعروضه وأخذ منه عشرين ألفا ثم قال له والله إنك علي لكريم وإنك لحبيب ولم تعمل لي بعد اليوم على شيء وكتب رضي الله عنه إلى الأمصار إني لم أعزل خالدا عن مبخلة ولا خيانة ولكن الناس فتنوا به فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع أي وأن نصر خالد على من قاتله من المشركين ليس بقوته ولا بشجاعته بل بفضل الله
فالصديق لم يعزل خالد بن الوليد مع فعله ما يكرهه بتأويل له في ذلك كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يعزله مع فعله كما كرهه صلى الله عليه وسلم حيث رفع يديه الى السماء وقال الهم إني أبرا إليك مما فعل خالد لكونه كان شديدا على الكفار لرجحان
____________________

المصلحة على المفسدة وسيدنا عمر رضي الله تعالى عنه عزله لخوف افتتان الناس به فعزله وولي ابا عبيدة بن الجراح
قال بعضهم كان الصديق رضي الله تعالى عنه لينا وخالد بن الوليد شديدا وعمر رضي الله تعالى عنه كان شديدا وأبو عبيدة لينا فكان الأصلح لكل منهما أن يولى من ولاه ليحصل التعادل والله أعلم
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في القوم رجل قال لهم أنا لست من هؤلاء ولكني عشقت امراة فلحقتها فدعوني أنظر اليها ثم افعلوا بي ما بدا لكم ثم أشار إلى نسوة مجتمعات غير بعيد قال بعضهم فقلت والله ليسير ما طلب فأخذته حتى أوقفته عليهن فأنشد أبياتا ثم جئت به فقدموه فضربت عنقه فقامت إمراة من بينهن فجاءت حتى وقفت عليه فشهقت بفتح الهاء شهقة أو شهقتين ثم ماتت أي وفي رواية فأكبت عليه تقبله حتى ماتت انتهى أي وفي رواية فانحدرت إليه من هو دجها فحنت عليه حتى ماتت فعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما كان فيكم رجل رحيم القلب سرية أبي عامر الأشعري رضي الله تعالى عنه إلى أوطاس
لما انصرف صلى الله عليه وسلم من حنين وانهزم المشركون عسكر منهم طائفة بأوطاس فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابا عامر الأشعري عم أبي موسى الأشعري في جماعة فيهم أبو موسى الأشعري ووقع في الاصل ان أبا عامر ابن عم ابي موسى الاشعري قال في النور وهو غلط وإنما أبو موسى ابن أخي أبن عامر فلحقوا بالقوم وتناوشوا القتال أي تكافئوا فيه وبارز أبو عامر تسعة ويقال إنهم إخوة وهو يقتلهم واحدا بعد واحد أي وصار كل من برز له منهم يدعوه إلى الإسلام فيأبى فيقول اللهم اشهد ويحمل عليه قيقتله ثم برز له أخوهم العاشر فقتل أبا عامر أي فإنه قال له اسلم فأبى فقال اللهم اشهد فقال اللهم لا تشهد وفرش يديه فظن أبو عامر أنه أسلم فكف عنه فعاد إلى ابي عامر فتقله ثم أسلم وحسن إسلامه رضي الله تعالى عنه وكان إذا رآه صلى الله عليه وسلم يقول هذا شريد أبي عامر
قال وعن أبي موسى الأشعري قال جئت لابي عامر وفيه رمق فقلت يا عم من
____________________

رماك فقال ذاك واشار إلى شخص من القوم فقصدته فلحقته فلما رآني ولي فاتبعته وجعلت أقول له الا تستحي ألا تثبت فثبت فاختلفنا ضربتين فقتلته ثم قلت لأبي عامر قد قتل الله صاحبك قال فانزع هذا السهم فنزعته فقال يا ابن اخي بلغ النبي صلى الله عليه وسلم مني السلام وقل له يستغفر لي وقال ادفع فرسي وسلاحي له انتهى فليتأمل الجمع بين هذا وما قبله
وقبل ان يموت أبو عامر رضي الله تعالى عنه استخلف ابن عمه أبا موسى ودفع الراية له وفي لفظ أنا أبا عامر رماه واحد فأصاب قلبه ورماه آخر فأصاب ركبته فقتلاه وولى الناس ابا موسى فحمل عليهما فقتلهما أي وفتح الله عليهم وانهزم المشركون وظفر المسلمون بالغنائم والسبايا
ولما رجع أبو موسى رضي الله عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بموت أبي عامر استغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اللهم اجعله من أعلى أمتي في الجنة أي وفي رواية اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من الناس ودعا لأبي موسى أي فقال اللهم اغفر له ذنبه وادخله يوم القيامة مدخلا كريما سرية الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حميمة الدوسي ليهدمه
لما اراد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى الطائف بعث الطفيل رضي الله تعالى عنه لهدم ذي الكفين وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف فخرج سريعا الى قومه فهدم ذا الكفين وجعل يجئ النار في وجهه وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعا فوافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف بعد مقدمه باربعة أيام فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الأزد من يحمل رايتكم فقال الطفيل من كان يحملها في الجاهلية النعمان بن الراوية قال اصبتم
____________________

سرية عيينة بن حصن الفزاري رضي الله تعالى عنه إلى بني تميم
أي وسببها أنه صلى الله عليه وسلم بعث بشر بن سفيان إلى بني كعب لأخذ صدقاتهم وكانوا مع بني تميم على ماء فأخذ بشر صدقات بني كعب فقال لهم بنو تميم وقد استكثروا ذلك لم تعطونهم أموالكم فاجتمعوا واشهروا السلاح ومنعوا بشرا من أخذ الصدقة فقال لهم بنو كعب نحن أسلمنا ولا بد في ديننا من دفع الزكاة فقال لهم بنو تميم والله لا ندع يخرج بعير واحد ولما رأى بشر رضي الله تعالى عنه ذلك قدم المدينة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
فعند ذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن الفزاري الى بني تميم في خمسين فارسا من العرب ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري فكان يسير الليل ويكمن النهار فهجم عليهم وأخذ منهم أحد عشر رجلا وإحدى وعشرين امرأة وفي لفظ إحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا فجاء بهم إلى المدينة فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسوا في دار رملة بنت الحارث فجاء في أثرهم جماعة من رؤسائهم منهم عطارد ابن حاجب والزبرقان بن بدر والاقرع بن حابس وقيس بن الحارث ونعيم بن سعد وعمرو بن الأهتم ورباح بكسر الراء المثناة تحت ابن الحارث فلما رأوهم بكى إليهم النساء والذراري فجاءوا إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم أي بعد أن دخلوا المسجد ووجدوا بلالا يؤذن بالظهر والناس ينتظرون خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن دخلوا المسجد ووجدوا بلالا يؤذن بالظهر والناس ينتظرون خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستبطئوه فجاءوا من وراء الحجرات فنادوا أي بصوت جاف اخرج إلينا نفاخرك ونشاعرك فإن مدحنا زين وذمنا شين يا محمد اخرج إلينا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وقد تأذى من صياحهم وأقام بلال رضي الله تعالى عنه الصلاة وتعلقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمونه فوقف معهم أي قالوا له نحن ناس من تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما بالشعر بعثنا ولا بالفخار أمرنا ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر ثم جلس في صحن المسجد أي بعد أن قالوا ما تقدم ومنه إن مدحنا لزين وإن شتمنا لشين نحن
____________________

أكرم العرب فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتم بل مدح الله عز وجل الزين وشتمه الشين وأكرم منكم يوسف بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام ثم قالوا له فائذن لخطيبنا وشاعرنا قال أذنت فليقم وفي لفظ إني لم أبعث بالشعر ولم أومر بالفخر ولكن هاتوا فقدموا عطارد بن حاجب
وفي لفظ قال الاقرع بن حابس لشاب منهم قم يا فلان فاذكر فضلك وفضل قومك فتكلم وخطب أي فقال الحمد لله الذي له علينا الفضل وهو أهله الذي جعلنا ملوكا ووهب لنا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثرهم عددا فمن مثلنا في الناس ألسنا رءوس الناس وأولى فضلم فمن فاخر فليعدد مثل عددنا وإنا لو شئنا لأكثرنا وإنما أقول قولي هذا لأن يأتوا بمثل قولنا أو أمر أفضل من أمرنا ثم جلس أي وفي رواية أنه قال الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه وأعطانا اموالا نفعل فيها ما نشاء فنحن خير أهل الأرض وأكثرهم عددا وأكثرهم سلاحا فمن أنكر علينا قولنا فليأت بقول هو أحسن من قولنا أو بفعال هي افضل من فعالنا
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس أن يجيبه أي قال له قم فأجب الرجل في خطبته فقام ثابت رضي الله تعالى عنه فقال الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه قضى فيهن أمره ووسع كرسيه علمه لم يكن شيء قط إلا من فضله ثم إنه كان من فضله أن جعلنا ملوكا واصطفى من خير خلقه رسولا أكرمه نسبا وأصدقه قلبا وأفضله حسبا فأنزل عليه كتابه وائتمنه على خلقه فكان خيرة الله من العالمين ثم دعا الناس إلى الإيمان فآمن رسول الله لى المهاجرون من قومه وذوو رحمه أكرم الناس أحسابا وأحسن الناس وجوها وخير الناس مقالا ثم كان أول الناس إجابة واستجابة لله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن فنحن أنصار الله ورسوله نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله ورسوله فمن آمن بالله ورسوله منع دمه وماله ومن كفر جاهدناه في الله وكان قتله علينا يسيرا اقول قولي هذا واستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات والسلام عليكم
أي وفي رواية أنه قال الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله دعا المهاجرين من بني عمه أحسن الناس وجوها وأعظم الناس أحلاما فأجابوه والحمد لله الذي جعلنا أنصاره
____________________

ووزراء رسوله وعزا لدينه فنحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فمن قالها منع منا نفسه وماله ومن اباها قاتلناه وكان رغمه في الله علينا هينا أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات
ثم قال الزبرقان لرجل منهم فقم يا فلان فقل أبياتا تذكر فيها فضلك وفضل قومك فقال ابياتا منها ** نحن الكرام فلا حي يعادلنا ** نحن الرءوس وفينا يقسم الربع ** ** إذا أبينا فلا يأتي لنا أحد ** إنا لذلك عند الفخر نرتفع **
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بحسبان بن ثابت فحضر فقال له قم فأجبه فقال يسمعني ما قاله فأسمعه فقال حسان رضي الله تعالى عنه أبياتا منها ** نصرنا رسول الله والدين عنوة ** على من رغم عات بعيد وحاضر ** ** وأحياؤنا من خير من وطئ الحصا ** وأمواتنا من خير أهل المقابر **
وثابت بن قيس هذا كان يعرف بخطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم افتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال من يعلم لي علمه فقال رجل أنا يا رسول الله فذهب فوجده في منزله جالسا منكسا رأسه فقال له ما شأنك قال أخشى أن أكون من أهل النار لأني رفعت صوتي فوق صوت النبي فرجع الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه فقال اذهب إليه فقل له لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة وقال صلى الله عليه وسلم نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس قتل يوم اليمامة وكان عليه درع نفيسة فمر به رجل من المسلمين فأخذها فبينما رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامنه فقال له إني أوصيك بوصية فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه إني لما قتلت مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي ومنزله في أقصى الناس عند خبائه فرس وقد كفأ على الدرع برمة وفوق البرمة رحل فأت خالدا فمره فليأخذها فإذا قامت المدينة على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ابا بكر رضي الله تعالى عنه فقل له إن علي من الدين كذا وكذا وفلان من رقيقي عتيق فاستيقظ الرجل فأتى خالدا فأخبره فبعث إلى الدرع فاتى بها بعد أن وجدها على ما وصف وحدث ابا بكر رضي الله تعالى عنه برؤياه فأجاز وصيته قال بعضهم ولا يعلم أحد حدثت وصيته بعد موته سواه
____________________

ووقعت مفاخرة بين الزبرقان بن بدر وبين حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه كل منهما يذكر قصيدة يذكر فيها فخرا فمن قصيدة الزبرقان بن بدر وهو مطلعها ** نحن الكرام فلا حي يعادلنا ** منا الملوك وفينا تنصب البيع
ومن قصيدة حسان رضي الله تعالى عنه وهو مطلعها ** إنا أبينا ولم يأبى لنا أحد ** إنا كذلك عند الفخر نرتفع **
وفيه أن هذا اليبت من قول بعض بني تميم وقد أسمعه لحسان كما تقدم فليتأمل
ووقعت مفاخرة بين الاقرع بن حابس وبين حسان رضي الله تعالى عنه فقال الأقرع ابن حابس إني والله يا محمد قد قلت شعرا فاسمعه فقال له صلى الله عليه وسلم هات أنشد ** أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا ** إذا خالفونا عند ذكر المكارم ** ** وإنا رءوس الناس من كل معشر ** وأن ليس في أرض الحجاز كدارم **
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا حسان فأجبه فقال ** بني درام لا تفخروا إن فخركم ** يعدو وبالا عند ذكر المكارم ** ** هبلتم علينا تفخرون وأنتم ** لنا خول من بين ظئر وخادم **
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأقرع لقد كنت غنيا يا أخا بني دارم أن تذكر ما كنت ترى أن الناس قد نسوه فكان هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد عليهم من قول حسان رضي الله تعالى عنه وحينئذ قال الأقرع بن حابس لخطيبه يعني النبي صلى الله عليه وسلم أخطب من خطيبنا ولشاعره أشعر من شاعرنا ولأصواتهم أعلى من اصواتنا أي ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرك ما كان قبل هذا ورأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله لي من الولد عشرة ما قبلت واحدا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لا يرحم لا يرحم
قال ابن دريد رحمه الله اسم الأقرع نواس وإنما لقب الأقرع لقرع كان في رأسه والقرع انحصاص الشعر وكان رضي الله تعالى عنه شريفا في الجاهيلة والاسلام ونزل
____________________

فيهم أن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم
ووقع أن عمرو بن الأهتم مدح الزبرقان للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إنه لمطاع في أنديته سيد في عشيرته فقال الزبرقان لقد حسدني يا رسول الله لشرفي وقد علم أفضل مما قال فقال عمرو إنه لزمر المروءة ضيق العطن لئيم الخال وفي لفظ أن الزبرقان قال يا رسول الله أنا سيد تميم والمطاع فيهم والمجاب منهم آخذ لهم بحقوقهم وأمنعهم من الظلم وهذا يعلم ذلك يعني عمرو بن الأهتم فقال عمرو إنه لشديد العارضة مانع لجنبه مطاع في ناديه مانع لما وراء ظهره فقال الزبرقان والله لقد كذب يا رسول الله وما منعه أن يتكلم إلا الحسد فقال عمرو أنا احسدك والله إنك للئيم الخال حديث المال أحمق الوالد مبغض في العشيرة فعرف عمرو الإنكار في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله والله لقد صدقت في الأولى وما كذبت في الثانية رضيت فقلت أحسن ما علمت وسخطت فقلت اقبح ما علمت وفي رواية والله يا رسول الله لقد صدقت فيهما أرضاني فقلت أحسن ما علمت وأسخطني فقلت اسوا ما علمت فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا وجاء إن من لبيان سحرا وإن من العلم جهلا وإن من الشعر حكما وإن من القول عيا
قال بعضهم أما قوله صلى الله عليه وسلم إن من البيان سحرا فإن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وأما قوله إن من العلم جهلا فإن العالم يكلف مالا يعلم فيجهله ذلك وأما قوله إن من الشعر حكما فهو هذه المواعظ والأمثال وأما قوله وإن من القول عيا فعرضك كلامك وحديثك على من ليس من شأنه هذا كلامه
وفيه إن هذا بيان للسحر المذموم وليس المراد هنا وإنما هو من السحر الحلال ومن ثم أقر صلى الله عليه وسلم عمرو بن الأهتم عليه ولم يسخطه منه فالسحر المذموم أن يصور الباطل في صورة الحق ببيانه ويخدع السامع بتمويهه وهو المراد عند الإطلاق والسحر غير المذموم فما كان من البيان على حق لأن البيان بعبارة مقبولة عذبة لا استكراه فيها تستميل القول القلوب كما يستميل الساحر قلوب الحاضرين إلى ماموه به
____________________


ثم إنه صلى الله عليه وسلم رد عليهم الأسارى والسبي وأحسن جوائزهم قال أي بعد أن أسلموا وأعطى كل واحد اثني عشر أوقية قيل إلا عمرو بن الأهتم فإن القوم خلفوه في ظهورهم لأنه كان أصغرهم سنا فاعطاه خمس أواق
وقد اختلف في عدد هذا الوفد فقيل كانوا سبعين رجلا وقيل كانوا ثمانين وقيل كانوا تسعين انتهى
أي والذي في الاستيعاب ثم أسلم القوم وبقوا في المدينة مدة يتعلمون الدين والقرأن ثم أرادوا الخروج إلى قومهم فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم أسراهم ونساءهم وقال أما بقي منكم أحد وكان عمر بن الاهتم في ركباهم فقال قيس بن عاصم وكان مشاحنا له لم يبق منا إلا غلام في ركابنا وأزرى به فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطاهم وبلغ عمرا ما قال قيس في حقه فأنشد أبياتا تتضمن لومه على ذلك وكان عمرو خطيبا بليغا شاعرا محسنا يقال إن شعره كان حللا منثورة وكان رضي الله تعالى عنه جميلا يدعى الكحيل لجماله وهو القائل ** لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ** ولكن أخلاق الرجال تضيق **
هذا كلامه وأنزل الله تعالى { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } قيل معناه لا تجعلوا دعاءه إياكم كدعاء بعضكم بعضا فتؤخروا إجابته بالأعذار التي يؤخر بها بعضكم إجابة بعض ولكن عظموه صلى الله عليه وسلم بسرعة الإجابة سرية قطبة بن عامر رضي الله تعالى عنه إلى حي من خثعم
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قطبه بن عامر في عشرين رجلا الى حي من خثعم وأمره أن يشن الغارة عليهم فخرجوا على عشرة أبعرة يعتقبونها فأخذوا رجلا فسألوه فاستعجم عليهم أي سكت ولم يعلمهم بالأمر فجعل يصيح بالحاضر أي وهم القوم النزول على ماء يقيمون به ولا يرتحلون عنه كما تقدم ويحذرهم فضربوا عنقه ثم أمهلوا حتى نام الحاضر فشنوا الغارة عليهم فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثرت الجرحى في الفريقين وساقوا النعم والشاء إلى المدينة وجاء سهيل فحال بينهم وبين القوم فلم يجد القوم إليهم سبيلا وتقدمت الحوالة على هذا
____________________

سرية الضحاك الكلابي رضي الله تعالى عنه
في جمع إلى بني كلاب فلقوهم ودعوهم إلى الإسلام فأبوا فقاتلوهم فهزمهوهم وكان من جملة المسلمين شخص لقي أباه في جملة القوم فدعاه إلى الإسلام فسبه وسب الإسلام فضرب عرقوب فرس أبيه فوقع فأمسك أباه إلى أن أتي بعض المسلمين فقتله أي وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم بعث لبني كلاب وكتب اليهم في رق فلم ينقادوا للإسلام وغسلوا الخط من الرق وخاطوه تحت دلوهم فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال ما لهم أذهب الله عقولهم فصار لا يوجد أحد منهم إلا مختل العقل مختلط الكلام بحيث لا يفهم كلامه سرية علقمة بن مجزز رضي الله تعالى عنهما
بضم الميم وفتح الجيم وزايين الأولى مكسورة مشددة المدلجى أي وهو ولد القائف الذي قاف في حق زيد بن حارثة وأسامة رضي الله تعالى عنهما وقال إن بعض هذه الأقدام من بعض فهو صحابي ابن صحابي إلى جمع من الحبشة بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا من الحبشة تراءاهم أهل جدة أي في مراكب وجدة بضم الجيم وتشديد الدال المهملة قرية سميت بذلك لبنائها على ساحل البحر لأن الجدة شاطئ البحر فبعث إليه علقمة بن مجزز رضي الله تعالى عنهما في ثلثمائة فخاض بهم البحر حتى أتوا الى جزيرة في البحر فهربوا أي ورجعوا ولم يلق كيدا ثم لما كانوا في أثناء الطريق أذن علقمة رضي الله تعالى عنه لجماعة ان يعجلوا وأمر عليهم احدهم فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا نارا يصطلون عليها فقال لهم أميرهم عزمت عليكم إلا تواثبتم أي وقعتم في هذه النار فقام بعض القوم فحجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها فقال اجلسوا إنما كنت أضحك معكم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه
قال وعن علي كرم الله وجهه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه في شيء
____________________

فقال اجمعوا لي حطبا فجمعوا له ثم قال أوقدوا نارا فأوقدوها ثم قال ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا قالوا بلى قال فادخلوها فنظر بعضهم إلى بعض وقال إنا فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار فكان كذلك حتى سكن غضبه وطفئت النار فلما رجعو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا له ذلك فقال لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا وقال صلى الله عليه وسلم لا طاعة في معصية الله وإنما الطاعة في المعروف انتهى أي والضمير في دخلوها للنار التي أوقدت والضمير في منها لنار الآخرة لأن الدخول فيها معصية والعاصي يستحق النار فالمقصود من ذلك الزجر
وفي رواية من أمركم منهم أي من الأمراء بمعصية الله فلا تطيعوه وفي لفظ لا طاعة في معصية الله ولا مانع من تكرر هذه الواقعة سرية علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى هدم الفلس بضم الفاء وسكون اللام صنم طيء والغارة عليهم
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في خمسين ومائة رجل من الانصار على مائة بعير وخمسين فرسا معه راية سوداء ولواء أبيض إلى هدم الفلس والغارة عليهم فشنوا الغارة عليهم مع الفجر فهدموا الفلس وأحرقوه واستاقو النعم والشاء والسبي وكان في السبي أخت عدي بن حاتم الطائي أي واسمها سفانة بفتح السين المهملة وتشديد الفاء وبعد الألف نون مفتوحة ثم تاء تأنيث والسفانة في الأصل هي الدرة وهذه أسلمت رضي الله تعالى عنها قال بعضهم ولا يعرف لحاتم بنت إلا هذه ووجدوا في خزانة الصنم ثلاثة أسياف معروفة عند العرب وهي رسوب والمخذم واليماني وثلاثة أدراع وجعل الرسوب والمخذم صفيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صار اليه الثالث الذي هو اليماني
قال ومر النبي صلى الله عليه وسلم بأخت عدي فقامت اليه وكانت امرأة جذلة أي ذات وقار وعقل وكلمته صلى الله عليه وسلم أن يمن عليها فمن عليها فأسلمت رضي الله تعالى عنها وخرجت إلى أخيها عدي فاشارت إليه بالقدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عليه كما سيأتي في الوفود
____________________

ويذكر أنها قالت له صلى الله عليه وسلم يا محمد أرايت أن تخلي عنا ولا تشمت بنا أحياء من العرب فإني أبنة سيد قومي وإن أبي كان يحمى الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العاري ويقري الضيف ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط أنا ابنة حاتم الطائى فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ياجارية هذه صفة المؤمنين حقا لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق
أي وفي لفظ قالت له صلى الله عليه وسلم يا محمد أرأيت أن تمن علي ولا تفضحني في قومي فإني بنت سيدهم إن أبي كان يطعم الطعام ويحفظ الجوار ويرعى الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العريان ولم يرد طالب حاجة قط أنا بنت حاتم الطائي فقال لها صلى الله عليه وسلم هذه مكارم الاخلاق حقا ولو كان أبوك مسلما لترحمت عليه خلوا عنها فإن أباها يحب مكارم الأخلاق وإن الله يحب مكارم الأخلاق
وفي رواية أنها قالت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك قال ومن وفدك قالت عدي بن حاتم قال الفار من الله ورسوله أي لأنه هرب لما رأى الجيش كما سيأتي في الوفود قالت ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني حتى إذا كان من الغد قلت له كذلك وقال لي مثل ذلك ففي اليوم الثالث أشار إلي رجل خلفه بأن كلميه فكلمته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلت فلا تعجلي حتى يجئ من قومك من يكون لك ثقة يبلغك إلى بلادك فآذنيني أي أعلميني وسألت عن الرجل الذي أشار علي بكلامه فقيل لي إنه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال فصبرت حتى قدم علي من أثق به فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملني وأعطاني نفقة فخرجت حتى قدمت الشام علي أخي انتهى سرية علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الى بلاد مذحج
بفتح الميم وإسكان الذال المعجمة ثم حاء مهملة مكسورة ثم جيم كمسجد أبو قبيلة من اليمن
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله وجهه الى بلاد مذحج من أرض
____________________

اليمن في ثلثمائة فارس وعقد له لواء وعممه بيده وقال امض ولا تلتفت فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك فكانت أول خيل دخلت إلى تلك البلاد فففرق أصحابه رضي الله تعالى عنهم فأتوا بنهب بفتح النون وغنائم وأطفال ونساء ونعم وشاء وغير ذلك وجعل على الغنائم بريدة بن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاء المهملتين ثم لقي جمعهم فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا بالنبل والحجارة فصف أصحابه ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان ثم حمل عليهم فقتل منهم عشرين رجلا فانهزموا وتفرقوا فكف عن طلبهم ثم دعاهم الى الاسلام فأسرع إلى اجابته ومتابعته نفر من رؤسائهم وقالوا نحن على من وراءنا من قومنا هذه صدقاتنا فخذ منها حق الله تعالى وجمع علي كرم الله وجهه الغنائم فجزأها على خمسة اجزاء فكتب في سهم منها لله وأقرع عليها فخرج أول السهام سهم الخمس وقسم الباقي على أصحابه ثم رجع علي كرم الله وجهه فوافي النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قدمها للحج أي حجة الوداع
وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم بعث عليا كرم الله وجهه في سرية إلى اليمن فأسلمت همدان كلها في يوم واحد فكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ كتابه خر ساجدا ثم جلس فقال السلام على همدان وتتابع أهل اليمن إلى الإسلام قال في الأصل إن هذه السرية هي الأولى وما قبلها السرية الثانية سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل وكان نصرانيا
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في اربعمائة وعشرين فارسا في رجب سنة تسع إلى أكيدر بدومة الجندل وقال له إنك ستجده يصيد البقر فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين وكانت ليلة مقمرة صافية وهو على سطح له ومعه امرأته فجاءت البقر تحك بقرونها باب الحصن فقالت له امرأته هل رأيت مثل هذا قط قال لا والله قال فمن يترك هذه قال لا أحد فنزل فأمر بفرسه فأسرج وركب معه نفر من اهله فيهم أخ له يقال له حسان فتلقتهم خيل خالد فاستأسر أكيدر وقاتل أخوه حتى قتل وأجار خالد أكيدرا من القتل حتى يأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يفتح له دومة الجندل وكان على أكيدر قباء من
____________________

ديباج مخوصة أي فيها خوص منسوجه بالذهب مثل خوص النخل فاستلبه خالد إياها وأرسلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتعجبت الصحابة منها فقال صلى الله عليه وسلم لمنادبل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا أي وقد تقدم وصالح على أهل دومة الجندل بألفي بعير وثمانمائة راس وأربعمائة رمح
ثم خرج خالد بأكيدر أخيه مصاد قافلا الى المدينة فقدم بالأكيدز على رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالحه على الجزية وحقن دمه ودم أخيه وخلى سبيلهما وكتب له كتابا فيه أمانهم وختمه يؤمئذ بظفره أي ومن جملة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام مع خالد ابن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها إلى آخره وهذا كما لا يخفى يدل على أن أكيدر أسلم أي وهو الموافق لقول أبي نعيم وابن منده إسلامه وأنه معدود من الصحابة وأهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حلة فوهبها صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب
وذكر ابن الأثير أي في أسد الغابة أن القول باسلامه غلط فاحش فإنه لم يسلم بلا خلاف بين أهل السير أي وحينئذ يكون قوله في الكتاب حين أجاب إلى الإسلام أي انقاد اليه ويبعده قوله وخلع الأنداد والأصنام فليتأمل وأنه صلى الله عليه وسلم لما صالحه عاد إلى حصنه وبقي فيه على نصرانيته
ثم إن خالدا رضي الله تعالى عنه حاصره في زمن ابي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه فقتله لنقضه العهد
قال ابن الأثير وذكر البلاذري أن أكيدر لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم أسلم ثم بعد موته صلى الله عليه وسلم ارتد ثم قتله خالد أي بعد أن عاد من العراق إلى الشام
قال وعلي هذا القول لا ينبغي أن يذكر في الصحابة وإلا كان كل من أسلم في حياته صلى الله عليه وسلم ثم ارتد أي ومات مرتدا يذكر في الصحابة أي ولا قائل بذلك
ثم رأيت الذهبي قال في عمارة بن قيس بن الحارث الشيباني إنه ارتد وقتل مرتدا في خلافة أبي بكر وبهذا خرج عن أن يكون صحابيا بكل حال
____________________

سرية أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه إلى أبنى
بضم الهمزة ثم موحدة ثم نون مفتوحة مقصورة اسم موضع بين عسقلان والرملة
وفي كلام السهيلي رحمه الله وهي قرية عند مؤته التي قتل عندها زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما
لماكان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة أحدى عشرة من الهجرة أمر صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لغزو الروم فلما كان من الغد دعا صلى الله عليه وسلم أسامة ابن زيد فقال سر إلى موضع قتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فاغز صباحاعلى أهل أبنى وحرق عليهم واسرع السير لتسبق الأخبار فإن ظفرك الله عليهم فأقل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون والطلائع معك
فلما كان يوم الأربعاء بدأ به صلى الله عليه وسلم وجعه فحم وصدع فلما اصبح يوم الخميس عقد صلى الله عليه وسلم لأسامة لواء بيده ثم قال اغز باسم الله وفي سبيل الله وقاتل من كفر بالله فخرج رضي الله تعالى عنه بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة وعسكر بالجرف فلفم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا اشتد لذلك منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهم فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين والأنصار أي لأن سن أسامة رضي الله تعالى عنه كان ثمان عشرة وقيل تسع عشرة سنة وقيل سبع عشرة سنة
ويؤيد ذلك أن الخليفة المهدي لما دخل البصرة رأى إياس بن معاوية الذي يضرب به المثل ي الذكاء وهو صبي خلفه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة فقال المهدي أف لهذه العثانين اما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث ثم التفت إليه المهدي وقال كما سنك يا فتى فقال سنى أطال الله بقاء أمير المؤمنين سن أسامة بن زيد ابن حارثة رضي الله تعالى عنهم لما ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا فيه ابو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فقال تقدم بارك الله فيك وكان سنه سبع عشرة سنة
ومما يؤثر عنه من لم يعرف عيبه فهو أحمق فقيل له ما عيبك يا أبا واثلة قال كثرة الكلام وقيل كان عمر أسامة رضي الله تعالى عنه عشرين سنة
____________________


ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالتهم وطعنهم في ولايته مع حداثه سنه غضب صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا وخرج وقد عصب على راسه عصابة وعليه قطيفة وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله وأيم الله إن كان لخليقا بالإمارة وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلى وإنهما منظنة لكل خير فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم وتقدم أنه رضي الله تعالى عنه كان يقال له الحب ابن الحب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح خشمه وهو صغير بثوبه
ثم نزل صلى الله عليه وسلم فدخل بيته وذلك في يوم السبت لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله ويخرجون إلى العسكر بالجرف وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول أرسلوا بعث أسامة أي واستثنى صلى الله عليه وسلم ابا بكر وأمره بالصلاة بالناس
أي فلا منافاة بين القول بأن ابا بكر رضي الله تعالى عنه كان من جملة الجيش وبين القول بأنه تخلف عنه لأنه كان من جملة الجيش أولا وتخلف لما أمره صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس
أي
وبهذا يرد قول الرافضة طعنا في أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه تخلف عن جيش أسامة رضي الله تعالى عنه لما علمت أن تخلفه عنه كان بأمر منه صلى الله عليه وسلم لأجل صلاته بالناس وقول هذا الرافضي مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن المتخلف عن جيش أسامة مردود لأنه لم يرد اللعن في حديث اصلا
فلما كان يوم الأحد اشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فدخل اسامة من عسكره والنبي صلى الله عليه وسلم مغمور فطأطأ رأسه فقبله وهو صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة رضي الله تعالى عنه قال أسامة فعرفت أنه صلى الله عليه وسلم يدعو لي ورجع أسامة رضي الله تعالى عنه إلى عسكره ثم دخل عليه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين فقال له صلى الله عليه وسلم اغد على بركة الله تعالى فودعه أسامة وخر إلى معسكره وامر الناس بالرحيل فبينما هو
____________________

يريد الركوب إذا رسول امه أم أيمن رضي الله تعالى عنها قد جاءه يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت
وفي لفظ فسار حتى بلغ الجرف فارسلت اليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول له لا تعجل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل فاقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنهم فانتهوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس
أي وفي لفظ أنه رضي الله تعالى عنه لما نزل بذي خشب قبض النبي صلى الله عليه وسلم فدخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة ودخل بريدة بلواء أسامة حتى اتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده
فلما بويع لأبي بكر رضي الله تعالى عنه بالخلافة أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت اسامة وأن يمضي أسامة لما أمر به
فلما مات صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب أي فإنه لما اشتهرت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ظهر النفاق وقويت نفوس أهل النصرانية واليهودية وصارت المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية وارتدت طوائف من العرب وقالوا نصلي ولا ندفع الزكاة وعند ذلك كلم أبو بكر رضي الله تعالى عنه في منع أسامة من السفر أي قالوا له كيف يتوجه هذا الجيش إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة فأبى أي وقال والله الذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل ازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرد جيشا وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حللت لواء عقده وفي لفظ والله لأن تخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشئ قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
أقول ذكر بعضهم أن أسامة رضي الله تعالى عنه وقف بالناس عند الخندق وقال لسيدنا عمر ارجع الى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه أن يأذن له أن أرجع بالناس فإن معي وجوه الناس ولا آمن على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقله واثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون وقالت له الانصار رضي الله تعالى عنهم فإن ابى أبو بكر إلا ان يمضي أي الجيش فابلغه منا السلام واطلب اليه أن يولى أمرنا رجلا أقدم منا من اسامة فقدم عمر على أبي بكر رضي الله تعالى عنهما وأخبره بما قال أسامة فقال أبو بكر والله لو تخطفني الذئاب والكلاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله صلى
____________________

الله عليه وسلم قال عمر رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنه فإن الأنصار أمروني أن أبلغك أنم يطلبون أن تولى أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة فوثب أبو بكر وكان جالسا وأخذ بلحية عمر وقال ثكلتك أمك وعدمتك يا أبن الخطاب استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه فخرج عمر الى الناس فقال امضوا ثكلتكم أمهاتكم مالقيت اليوم بسببكم من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا هذا كلامه
وفيه أن هذا مخالف لما تقدم من صعوده صلى الله عليه وسلم المنبر وإنكاره على من طعن في ولاية أسامة إذ يبعد عدم بلوغ ذلك للأنصار رضي الله تعالى عنهم إلا ان يقال لعل من قال لسيدنا عمر هذه المقالة جمع من الأنصار لم يكونوا سمعوا بذلك ولا بلغهم أو جوزوا أن الصديق رضي الله تعالى عنه يوافق على ذلك حيث رأى فيه المصلحة وسيدنا عمر رضي الله تعالى عنه جوز ذلك حيث لم يتكفل بالرد عليهم بأنه صلى الله عليه وسلم أنكر على من طعن في ولاية أسامة رضي الله تعالى عنه فليتأمل والله أعلم
وكلم أبو بكر رضي الله تعالى عنه اسامة في عمر رضي الله تعالى عنه أن يأذن له في التخلف ففعل ولعل ذلك كان تطيبا لخاطر أسامة ومن ثم كان عمر رضي الله تعالى عنه لا يلقى اسامة إلا قال السلام عليك أيها الأمير كما يأتي فلما كان هلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة خرج أسامة رضي الله تعالى عنه أي في ثلاثة آلاف فيهم ألف فرس وودعه سيدنا أبو بكر رضي الله تعالى عنه بعد أن سار الى جانبه ساعة ماشيا واسامة راكب وعبد الرحمن بن عوف يقود براحلة الصديق فقال أسامة يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن أنزل فقال والله لست بنازل ولست براكب ثم قال له الصديق رضي الله تعالى عنه أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك
وقد وقع نظير ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا رضي الله تعالى عنه الى اليمن شيعه صلى الله عليه وسلم وهو يمشي تحت راحلة معاذ وهو يوصيه
ثم أن أسامة رضي الله تعالى عنه سار إلى أهل أبني فشن عليهم الغارة أي فرق الناس عليهم وكان شعارهم يا منصور أمت فقتل من قتل وأسر من أسر وحرق منازلهم وحرق أرضها فأزال نخلها وأجال الخيل في عرصاتها ولم يقتل من المسلمين أحد وكان أسامة رضي الله تعالى عنه على فرس أبيه وقتل قاتل أبيه رضي الله تعالى عنهما
____________________

واسهم للفرس سهمين وللفارس سهما وأخذ لنفسه مثل ذلك فلما أمسى أمر الناس بالرحيل واسرع السير وبعث مبشرا إلى المدينة بسلامتهم
وخرج أبو بكر في المهاجرين والأنصار ممن لم يكن في تلك السرية يتلقون اسامة ومن معه وسروا بسلامتهم ودخل أسامة رضي الله تعالى عنه واللواء بين يديه حتى انتهى إلى باب المسجد ثم أنصرف إلى بيته
أي وكان في خروج هذا الجيش نعمة عظية فإنه كان سببا لعدم ارتداد كثير من طوائف العرب أرادوا ذلك وقالوا لولا قوة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ماخرج مثل هؤلاء من عندهم فثبتوا على الإسلام
أي وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حتى بعد أن ولي الخلافة إذا رأى أسامة رضي الله تعالى عنه قال السلام عليك ايها الأمير فيقول اسامة غفر الله لك يا أمير المؤمنين تقول لي هذا فيقول لا أزال أدعك ما عشت الأمير مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت علي أمير وفي السيرة الشامية سرايا أخر تركنا ذكرها تبعا للأصل
وفي السنة الثامنة أمر صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد رضي الله تعالى عنه أن يحج بالناس وهو بمكة
وقد كان صلى الله عليه وسلم استعمله عليها لما اراد الخروج إلى حنين وقيل لما رجع من حنين واستمر أميرا على مكة حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقره الصديق رضي الله تعالى عنه إلى أن توفي وكانت وفاته يوم وفاة الصديق رضي الله تعالى عنهما أي لأنه أطعم سم سنة في اليوم الذي أطعم فيه الصديق ذلك وكان ذلك الحج على ما كانت عليه العرب في الجاهلية من حج الكفار مع المسلمين لكن كان المسلمون بمعزل عنهم في الموقف
ولما دخلت سنة تسع استعمل صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه على الج فخرج في ثلاثمائة رجل من المدينة وبعث معه صلى الله عليه وسلم بعشرين بدنة قلدها صلى الله عليه وسلم واشعرها بيده الشريفة وساق ابو بكر رضي الله تعالى عنه خمس بدنات ثم تبعه علي كرم الله وجهه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء أي بفتح القاف والمد وقيل بالضم والقصر ونسب للخطأ فقال له ابو بكر رضي الله تعالى عنه استعملك رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحج قال
____________________

لا ولكن بعثني اقرا براءة على الناس وأنبذ إلى كل ذي عهد عهده وكان العهد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين عاما وخاصا فالعام أن لا يصد أحد عن البيت جاءه ولا يخاف أحد في الأشهر الحرم كما تقدم والخاص بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل العرب إلى آجال مسماة
وفي كلام السهيلي رحمه الله تعالى لما أردف ابو بكر بعلي رضي الله تعالى عنهما رجع أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله هل أنزل في قرآن قال لا ولكن أردت أن يبلغ عني من هو من أهل بيتي فمضى أبو بكر رضي الله تعالى عنه فحج بالناس أي في ذي الحجة لا في ذي القعدة كما قيل من أجل النسئ الذي كان في الجاهلية يؤخرون له الأشهر الحرم أي فإن براءة نزلت أي صدرها وإلا فقد نزل منها قبل ذلك في غزوة تبوك { انفروا خفافا وثقالا } الآيات وكان نزول صدرها بعد سفر أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقيل له صلى الله عليه وسلم لو بعثت بها إلى أبي بكر فقال لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي
ثم دعا صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله وجهه فقال اخرج بصدر براءة وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى فقرأ علي بن أبي طالب كرم الله وجهه براءة يوم النحر أي الذي هو يوم الحج الأكبر عند الجمرة الأولى وقال لا يحج بعد العام مشرك ولايطوف بالبيت عريان
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال أمرني علي كرم الله وجهه أن أطوف في المنازل من ببراءة فكنت أصيح حتى صحل حلقي فقيل له بماذا كنت تنادي فقال باربع أن لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأن لا يحج بعد العام مشرك وأن لا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عهد فله عهد اربعة اشهر ثم لا عهد له وأول تلك الأربعة يوم النحر من ذلك العام ولا عهد له فعهده إلى أنقضاء المحرم
وكان المشركون إذا سمعوا النداء ببراءة يقولون لعلي كرم الله وجهه سترون بعد الاربعة اشهر فإنه لا عهد بيننا وبين ابن عمك إلا الطعن والضرب
وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بما ذكر لأنهم كانوا يحجون مع المسلمين ويرفعون أصواتهم بقولهم لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك أي وتقدم سبب الإتيان بذلك ويطوف الرجال منهم عراة ليس على رجل منهم ثوب بالليل فيقول الواحد
____________________

منهم أطوف بالبيت كما ولدتني أمي ليس علي شيء من الدنيا خالطه الظلم أي وفي لفظ التي قارفنا فيها الذنوب
وكان لا يطوف الواحد منهم بثوب إلا بثوب من ثياب الحمس وهم قريش يستعيره أيو يكتريه وإذا طاف بثوب من ثيابه ألقاه بعد طوافه فلا يمسه هو ولا أحد غيره أبدا فكانوا يسمون تلك الثياب اللعنى
وفي الكشاف كان أحدهم يطوف عريانا ويدع ثيابه وراء المسجد وإن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت منه لأنهم قالوا لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها وقيل تفاؤلا بأن يعروا من الذنوب كما يعرون من الثياب
وكانت النساء يطفن كذلك وقيل كانت الواحدة تلبس درعا مفرجا وقد طافت امرأة عريانة ويدها على قبلها وهي تقول ** اليوم يبدو بعضه أو كله ** فما بدا منه فلا أحله **
فأنزل الله تعالى { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } فأبطلت ذلك سورة براءة في تلك السنة أي وقيل الزينة المشط وقيل الطيب
وكان بنو عامر في ايام الحج لا يأكلون الطعام إلا قوتا ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجتهم فقال المسلمون فإنا أحق أن نفعل ذلك فقيل لهم { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا }
ويحكى أن بعض الأطباء الحذاق من النصارى قال لبعض الحكماء ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان فقال له قد جمع الله الطب كله في بعض آية من كتابه قال له وما هي قال قوله { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } فقال النصراني ولا يؤثر عن رسولكم صلى الله عليه وسلم شي من الطب قال قد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطب في الفاظ يسيرة قال وما هي قال قوله المعدة بيت الداء والحمية راس كل دواء وأعط كل بدن ما عودته فقال ذلك الطبيب ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس شيئا
وبينت براءة أن من كان له عهد فعهد إلى مدته ومن لم يكن له عهد فأجله إلى اربعة
____________________

أشهر وفي لفظ لما لحق علي كرم الله وجهه أبا بكر رضي الله تعالى عنه قال له أبو بكر أمير أو مأمور قال بل مأمور
وزعمت الرافضة أنه صلى الله عليه وسلم عزل أبا بكر عن إمارة الحج بعلي وعبارة بعض الرافضة ولما تقدم ابو بكر بسورة براءة رده صلى الله عليه وسلم بعد ثلاثة ايام بوحي من الله وكيف يرضى العاقل إمامة من لا يرتضيه النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من الله لأداء عشر آيات من براءة هذا كلامه
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله وهذا أبين من الكذب فان من المعلوم المتواتر أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لم يعزل وأنه حج بالناس وكان علي كرم الله وجهه من جملة رعيته في تلك السفرة يصلي خلفه كسائر المسلمين ولم يرجع إلى المدينة حتى قضى الحج في ذلك العام
وإنما أردف صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه بعلي كرم الله وجهه لنبذ العهود وكان من عادة العرب لا ينبذ العهد إلا المطاع أو رجل من أهل بيته أي فلوا تلا أبو بكر رضي الله تعالى عنه ما فيه نقض عهد عاهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما تعللوا وقال قائلهم هذا خلاف ما نعرف فأزاح الله عللهم بكون ذلك على يد رجل من بني ابي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأدنى إليه ممن له ذرية وهو عبد المطلب قال وهذا غير بعيد من افتراء الرافضة وبهتانهم أي وعلى عادة العرب بما ذكر جاء قوله صلى الله عليه وسلم لا يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي كما تقدم وفي لفظ إلا رجل مني أي لا يبلغ عني عقد العقود ولا حلها إلا رجل مني أي من بني ابي الأدنى ولا أب له ذرية أدنى إليه صلى الله عليه وسلم من عبد المطلب
ولا يجوز حمل ذلك على تبليغ الأحكام والقرآن إذ كل أحد من المسلمين مأذون له في تبليغ ذلك عنه صلى الله عليه وسلم
وفي هذه السنة التي هي سنة تسع تتابعت الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قيل لها سنة الوفود
____________________

& باب يذكر فيه ما يتعلق بالوفود التي وفدت عليه صلى الله عليه وسلم
أي غير من تقدم فقد تقدم أنه قدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد هوازن بالجعرانة وكذا وفد عليه بها مالك بن عوف النصري وذلك في آخر سنة ثمان أي ووفد نصارى نجران أي قبل الهجرة ووفد بني تميم في سرية عيينة بن حصن وذكر ابن سعد أن ذلك كان في المحرم سنة تسع
ووفد عليه وفد نصارى نجران ايضا بعد الهجرة وكانوا ستين راكبا ودخلوا المسجد النبوي أي وعليهم ثياب الحبرة وأردية الحرير مختمين بخواتم الذهب أي ومعهم هدية وهي بسط فيها تماثيل ومسوح فصار الناس ينظرون للتماثيل فقال صلى الله عليه وسلم أما هذه البسط فلا حاجة لي فيها وأما هذه المسوح فإن تعطونيها آخذها فقالوا نعم نعطيكها ولما رأى فقراء المسلمين ما عليه هؤلاء من الزينة والزي الحسن تشوقت نفوسهم إلى الدنيا فأنزل الله تعالى { قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار } الآيات وأرادوا أن يصلوا بالمسجد بعد أن حان وقت صلاتهم وذلك بعد العصر فأراد الناس منعهم فقال صلى الله عليه وسلم دعوهم فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم فعرض عليهم صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلا عليهم القرآن فامتنعوا وقالوا قد كنا مسلمين قبلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتم يمنعكم من الإسلام ثلاث عبادتكم الصليب وأكلكم لحم الخنزير وزعمكم أن لله ولدا أي لأن احدهم قال له صلى الله عليه وسلم المسيح عليه الصلاة والسلام ابن الله لانه لا أب له وقال له آخر المسيح هو الله لأنها أحيا الموتى وأخبر عن الغيوب وابرأ من الأدواء كلها وخلق من الطين طيرا وقال له أفضلهم فعلام تشتمه وتزعم أنه عبد فقال صلى الله عليه وسلم هو عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم فغضبوا وقالوا إنما يرضينا أن تقول إنه إله وقالوا له صلى الله عليه وسلم إن كنت صادقا فأرنا عبد الله يحيى الموتى ويشفي الأكمه والأبرض ويخلق من الطين طيرا فينفخ فيا فتطير فسكت صلى الله عليه وسلم عنهم فنزل الوحي بقوله تعالى { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم }
____________________

وقوله تعالى { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب } ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم إن الله أمرني إن لم تنقادوا للإسلام أن ابا هلكم أي ندعوا ونجتهد في الدعاء باللعنة على الكاذب فقالوا له يا ابا القاسم نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك فخلا بعضهم ببعض فقال بعضهم والله علمتم أن الرجل نبي مرسل ومالا عن قوم قط نبيا الا استؤصلوا أي أخذوا عن آخرهم وإن أنتم أبيتم إلا دينكم فوادعوه وصالحوه وارجعوا إلى بلادكم وفي لفظ أنهم ذهبوا إلى بني قريظة أي من بقي منهم وبني النضير وبني قينقاع واستشاروهم فاشاروا عليهم أن يصالحوه ولا يلاعنوه
وفي لفظ أنهم وادعوه على الغد فلما أصبح صلى الله عليه وسلم أقبل ومعه حسن وحسين وفاطمة وعلي رضي الله عنهم وقال اللهم هؤلاء أهلي أي وعند ذلك قال لهم الاسقف إني لارى وجوها لو سالوا الله أن يزيل لهم جبلا لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الارض نصراني فقالوا لا نباهلك
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم لو لاعنتهم يا رسول الله بيد من كنت تأخذ قال صلى الله عليه وسلم آخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين وعائشة وحفصة وهذا أي زيادة عائشة وحفصة في هذه الرواية دل عليه قوله تعالى { ونساءنا ونساءكم } وصالحوه صلى الله عليه وسلم على الجزية صالحوه على ألف حلة في صفر وألف في رجب ومع كل حلة أو قية من الفضة وكتب لهم كتابا وقالوا له أرسل معنا أمينا فارسل معهم أبا عبيدة عامر بن الجراح رضي الله تعالى عنه وقال لهم هذا أمين هذه الأمة أي وفي رواية هذا هو القوي الأمين وكان لذلك يدعى في الصحابة بذلك
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أما والذي نفسي بيده لقد تدلى العذاب على أهل نجران ولو لاعنوني لمسخوا قردة وخنازير ولأضرم الوادي عليهم نارا ولاستأصل الله تعالى نجران وأهله حتى الطير على الشجر ولا حال الحول على النصارى حتى يهلكوا
ووفد عليه صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة الداريون أبو الهند الداري وتميم الداري وأخوه ونعيم واربعة آخرون وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم أرضا من أرض الشام فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سلوا حيث شئتم قال ابو هند
____________________

فنهضنا من عنده نتشاور في أي أرض نأخذ فقال تميم الداري رضي الله تعالى عنه نسأله بيت المقدس وكورتهما فقال أبو هند هذا محل ملك العجم وسيصبر محل ملك العرب فأخاف ان لا يتم لنا قال تميم نسأله بيت جبرون وكورتها فنهضنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا له فدعا بقطعة من أدم وكتب لهم كتابا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب ذكر فيه ما وهب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم للداريين إذا أعطاه الله الأرض وهب لهم بيت عينون وجيرون والمرطوم وبيت إبراهيم عليه الصلاة والسلام أبد الأبد شهد بذلك عباس بن عبد المطلب وخذيمة بن قيس وشرحبيل بن حسنة وكتب ثم أعطانا كتابنا وقال انصرفوا حتى تسمعوا أني قد هاجرت قال أبو هند فانصرفنا فلما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدمنا عليه وسألناه أن يجدد لنا كتابا آخر فكتب لنا كتابا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أنطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتميم الداري وأصحابه إني أنطيتكم بيت عينون وجيرون والمرطوم وبيت ابراهيم عليه الصلاة والسلام برمتهم وجميع مافيهم نطية بيت ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم من بعده أبد الأبد فمن آذاهم آذاه الله شهد بذلك أبو بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وكتب نقل ذلك في المواهب وأقره
وخطب صلى الله عليه وسلم خطبة قال فيها حدثني تميم الداري وذكر خبر الجساسة أي لأن تميما رضي الله تعالى عنه أخبره صلى الله عليه وسلم أنه ركب البحر فتاهت به سفينته فسقطوا إلى جزيرة فخرجوا إليها يلتمسون الماء فلقي إنسانا يجر شعره فقال له من أنت قال أنا الجساسة قالوا فأخبرنا قال لا أخبركم ولكن عليكم بهذه الجزيرة فدخلناها فإذا رجل مقيد فقال من أنتم قلنا ناس من العرب قال ما فعل هذا النبي الذي خرج فيكم قلناقد آمن به الناس واتبعوه وصدقوه قال فإن ذلك خير لهم قال أفلا تخبروني عن عين ذعر ما فعلت فأخبرناه عنها فوثب وثبة ثم قال ما فعل نخل بيسان العرب هل أطعم بتمر فأخبرناه أنه قد أطعم فوثب مثلها فقال أما لوقد أذن لي في الخروج لو طئت البلاد كلها غير طيبة فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدث الناس فقال هذه طيبة وذاك الدجال قال ابن عبد البر وهذا أولى ما يخرجه المحدثون في راية الكبار عن الصغار أي كما تقدم
____________________


ووفد عليه صلى الله عليه وسلم وهو في خيبر الاشعريون صحبة ابي موسى الأشعري صحبوا جعفر بن أبي طالب من الحبشة وقال صلى الله عليه وسلم فيهم كما تقدم أتاكم أهل اليم أرق افئدة وألين قلوبا الإيمان يمان والحكمة يمانية وقال في حق أهل اليمن يريد أقوام أن يضعوهم ويابى الله إلا أن يرفعهم والأشعري نسبة إلى أشعر واسمه نبت بن أدد ابن يشجب وإنما قيل له أشعر لأن أمه ولدته والشعر على بدنه
قال لما فتحت مكة ودانت له صلى الله عليه وسلم قريش عرفت العر ب انه لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بعداوته لأن قريشا كانت قادة العرب ودخلوا في دين الله أفواجا
قال في النهاية الوفد القوم يجتمعون ويردون البلاد واحدهم وافداهم والوفد رسول القوم يقدمهم وقد يراد به ما هو أعم من ذلك فيشمل من قدم رسول الله وحينذ يكون من ذلك كعب بن زهير رضى الله تعالى عنه فإنه قدم على رسول الله
وسبب ذلك أن أخاه بجير بن زهير خرج يوما هو وكعب في غنم لهما فقال لأخيه كعب بن اثبت في الغنم حتى آتى هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم فاسمع كلامه وأعرف ما عنده فأقام كعب ومضى بجير فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع كلامه وآمن به وذلك أن أباهما زهيرا كان يجالس أهل الكتاب ويسمع منهم أنه قد آن مبعثه صلى الله عليه وسلم ورأى زهير والدهما رضي الله تعالى عنهما أنه قد مد بسبب من السماء وأنه مد يده ليتناوله ففاته فأوله بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي يبعث في آخر الزمان وأنه لا يدركه وأخبر بنيه بذلك وأوصاهم إن أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلموا ولما اتصل ولما اتصل خبر إسلام بجير بأخيه كعب أغضبه ذلك فلما كان منصرفه صلى الله عليه وسلم من الطائف كتب بجير رضي الله تعالى عنه إلى أخيه كعب بن زهير وكان ممن يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بفتح مكة وأنه صلى الله عليه وسلم قتل بها رجالا ممن كان يهجوه من شعراء قريش وهرب بعضهم في كل وجه كابن الزبعري وهبيرة بن ابي وهب وأنه صلى الله عليه وسلم قال من لقي منكم كعب بن زهيرة فليقتله فإن كان لك في نفسك حجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقتل أحدا جاء تائبا ولا يطالبه بما تقدم الإسلام وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجاتك
____________________


وفي تصحيح الأنساب لابن أبي الفوارس أن زهير بن أبي سلمى قال لأولاده إني رأيت في المنام سببا ألقى إلي من السماء فمددت يدي لأتناوله ففاتني فأولته أنه النبي الذي يبعث في هذا الزمان وأنا لا أدركه فمن أدركه منكم فليصدقه وليتبعه ليهتدى به فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم آمن به ابنه بجير وأقام كعب ابنه على الشرك والتشبيب بأم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال لئن وقع كعب في يدي لأقطعن لسانه الحديث
أي ولا مانع ان يكون ضم إلى هذا هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض وأرجف به أعداؤه وصاروا يقولون هو مقتول لا محالة فلم يجد بدا من مجيئه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل القصيدة التي مدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر فيها إرجاف أعدائه به رضي الله تعالى عنه التي مطلعها ** بانت سعاد فقلبي اليوم متبول **
ثم خرج رضي الله تعالى عنه حتى قدم المدينة فنزل على رجل كان بينه وبينه معرفة فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح فاشار له ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هذا رسول الله فقم إليه واستأمنه فقام إلى أن جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع يده وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ومن حضره لا يعرفه فقال يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال يا رسول أنا كعب بن زهير فوثب رجل من الأنصار فقال يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه عنك فإنه قد جاء تائبا نازعا فلما أنشد القصيدة المذكورة ومدح فيها المهاجرين ولم يتعرض للأنصار قيل حمله على ذلك ما سمعه من ذلك الأنصاري مما غاظه ولم يسمع من المهاجرين شيئا يغيظه
وفيه أن هذا واضح إذا كان أنشا ذلك في ذلك الوقت وأما إذا كان عمله قبل مجيئه كما هو ظاهر ما تقدم أنه عمل تلك القصيدة التي من جملتها ما ذكر فلا فعند ذلك غضب الانصار فمدحهم بالقصيدة التي مطلعها ** من سره كرم الحياة فلا يزل ** في مقنب من صالحي الأنصار **
____________________


أي ويقال إنه صلى الله عليه وسلم هو الذي حضه على مدحهم وقال له لما أنشد بانت سعاد ورآها صلى الله عليه وسلم مشتملة على مدح المهاجرين دون الأنصار لوا أي هلا ذكرت الأنصار بخير فان الانصار أهل لذلك أي ولما أنشده صلى الله عليه وسلم بانت سعاد وقال ** إن الرسول لسيف يستضاء به ** مهند من سيوف الله مسلول **
ألقى صلى الله عليه وسلم بردة كانت عليه صلى الله عليه وسلم وقد اشتراها معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما من آل كعب بمال كثير أي بعد ان دفع لكعب فيها عشرة آلاف فقال ما كنت لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا فلما مات كعب رضي الله تعالى عنه أخذها من ورثته بعشرين ألفا وتوارثها خلفاء بني أمية ثم خلفاء بني العباس اشتراها السفاح أول خلفاء بني العباس بثلاثمائة دينار أي بعد انقراض دولة بني أمية وكانوا يطرحونها على أكتافهم جلوسا وركبوا وكانت على المقتدر حين قتل وتلوثت بالدم
ويقال إن التي كانت عند بني العباس بردته صلى الله عليه وسلم التي أعطاها لأهل أيلة مع كتابه الذي كتبه لهم أمانا وذلك في غزوة تبوك وحينئذ تكون بردة كعب رضي الله تعالى عنه فقدت عند زوال دولة بني أمية وأما هذه البردة فلعل فقدها كان في فتنة التتار
ثم رأيت ابن كثير رحمه الله تعالى إن معاوية رضي الله تعالى عنه اشترى البردة التي كانت عند الخلفاء من أهل كعب باربعين ألف درهم ثم توارثها الخلفاء الامويون والعباسيون حتى أخذها التتر منهم سنة أخذ بغداد وقال هذا من الأمور المشهورة جدا ولكني لم أر ذلك في شيء من الكتب باسناد أرتضيه وصار كعب رضي الله تعالى عنه من شعرائه صلى الله عليه وسلم الذي يذبون عن الإسلام كعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت رضي الله تعالى عنهما الأنصاريين
ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان قدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف وكان من خبرهم أنه لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن محاصرتهم تبع أثره عروة بن مسعود رضي الله تعالى عنه حتى أدركه صلى الله عليه وسلم قبل ان يصل إلى المدينة فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام فقال له رسول الله
____________________

صلى الله عليه وسلم إنهم قاتلوك فقال له عروة يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارم أي أول أولادهم وفي رواية من أبصارهم فخرج رضي الله تعالى عنه يدعو قومه إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه لمرتبته فيهم أي لأنه رضي الله تعالى عنه كان فيهم محببا مطاعا فلما أشرف لهم على علية ودعاهم إلى الإسلام وأظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل جانب فأصابه سهم فقتله
وفي لفظ انه رضي الله تعالى عنه قدم الطائف عشاء فجاءته ثقيف يسلمون عليه فدعاهم إلى الإسلام نصح لهم فعصوه وأسمعوه من الأذى مالم يكن يغشاه منهم فخرجوا من عنده حتى إذا كان السحر وطلع الفجر قام على غرفة في داره وتشهد فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله فقيل له قبل أن يموت ما ترى في دمك فقال كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إلي فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ان يرتحل عنكم فادفنوني معهم فدفنوه معهم وقال في حقه صلى الله عليه وسلم إن مثله في قومه كمثل صاحب يس إنه قال لقومه { اتبعوا المرسلين } الآيات فقتله قومه أي المذكورة في سورة يس وهو حبيب بن برى
وقال السهيلي يحتمل أن المراد به صاحب إلياس فإن إلياس يقال في اسمه يس أيضا وقد قال صلى الله عليه وسلم مثل هذه المقالة في حق شخص آخر يقال له قرة بن حصين او ابن الحارث بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني هلال بن عامر يدعوهم إلى الإسلام فقتلوه فقال صلى الله عليه وسلم مثله مثل صاحب يس
ثم إن ثقيفا أقامت بعد قتل عروة شهرا ثم إنهم ائتمروا بينهم ورأوا أنهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرف قد أسلموا فأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فكلموا عبد ياليل بن عمرو وكان في سن عروة بن مسعود رضي الله تعالى عنه في ذلك فأبي أن يفعل لأنه خشي أن يفعل به كما فعل بعروة وقيل كلموا مسعود بن عبد ياليل ونسب قائله إلى الغلط فقال لست فاعلا حتى ترسلوا معي رجالا فبعثوا معه خمسة أنفار منهم شرحبيل بن غيلان أحد أشراف ثقيف اسلم غيلان بالعين المعجمة على عشرة نسوة وممن أسلم على عشرة نسوة ايضا عروة بن مسعود وكذلك مسعود بن معتب ومسعود بن عمير وسفيان بن عبد الله وابو عقيل مسعود بن عامر وكلهم من ثقيف
____________________

ويقال وفد عليه صلى الله عليه وسلم تسعة عشر رجلاهم اشراف ثقيف فيهم كنانة بن عبد ياليل وهو رأسهم يؤمئذ وفيه عثمان بن ابي العاص وهو أصغرهم فلما قربوا من المدينة لقوا المغيرة بن شعبة الثففي فذهبب مسرعا ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم عليه فلقيه أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأخبره فقال له ابو بكر رضي الله تعالى عنه أقسمت عليك لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه ففعل فدخل ابو بكر رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقدومهم عليه ثم خرج المغيرة أي وعلمهم رضي الله تعالى عنه كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم فابوا إلا تحية الجاهلية وهي عم صباحا ثم قدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب لهم قبة في ناحية المسجد أي ليسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا وكانوا يغدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم ويخلفون عثمان بن أبي العاص عند أسبابهم فكان عثمان إذا رجعوا ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يساله عن الدين ويسقرئه القرآن إذا وجد النبي صلى الله عليه وسلم نائما ذهب إلى أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وكان يكتم ذلك عن أصحابه فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحبه وكان فيهم رجل مجذوم فارسل صلى الله عليه وسلم يقول له إنا بايعناك فارجع وفي المرفوع لا تديموا النظر إلى المجذومين وجاء كلم المجذوم وبينك وبينه قيد رمح أو رمحين هذا معارض بقوله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا طيرة وبما جاء في أحاديث اخر أنه صلى الله عليه وسلم أكل مع المجذوم طعاما وأخذ يده وجعلها معه في القصعة وقال كل بسم الله ثقة بالله وتوكلا عليه
وأجيب بأن الأمر باجتناب المجذوم إرشادي ومؤاكلته لبيان الجواز أو جواز المخالطة محمولة على من قوي إيمانه وعدم جوازها على من ضعف إيمانه ومن ثم باشر صلى الله عليه وسلم الصورتين ليقتدي به فيأخذ القوي الإيمان بطريق التوكل والضعيف الإيمان بطريق الحفظ والاحتياط
وعند انصرافهم قالوا يا رسول الله أمر علينا رجلا يؤمنا فامر عليهم عثمان بن أبي العاص لما راى من حرصه على الإسلام وقرأ القرآن وتعلم الدين ولقول الصديق رضي الله تعالى عنه له صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني رأيت هذا الغلام من أحصرصهم على النفقة في الإسلام وتعلم القرآن
____________________


وفي رواية ان عثمان بن ابي العاص قال قلت يا رسول الله اجعلني إمام قومي قال أنت إمامهم وقال لي إذا أممت فأخف بهم الصلاة واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا فكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب لهم كتابا وكان الكاتب له خالد المذكور ومن جملته بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المؤمنين إن عضاه وج وصيده حرام لا يعضد شجره ومن وحد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه ووج واد بالطائف وقيل هو الطائف والعضاه كل شجر له شوك واحده عضة كشفة وشفاه
وروى أبو داود والترمذي ألا إن صيد وج وعضاهه حرام محرم وكانوا يطعمون طعاما يأيتهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يترك لهم الصلاة فقال لا خير في دين لا صلاة فيه وفي لفظ لا ركوع فيه وأن يترك لهم الزنا والربا وشرب الخمر فابى ذلك وسألوه أن يترك لهم الطاغية التي هي صنمهم وهي اللات أي وكانوا يقولون لها الربة لا يهدمها إلا بعد ثلاث سنين من مقدمهم له فابى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فلا زالوا يسألونه سنة وهو يأبى عليهم حتى سألوه شهرا واحدا بعد قدومهم وارادوا بذلك ليدخل الإسلام في قومهم ولا يرتاع سفهاؤهم ونساؤهم بهدمها فابى عليهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
أي وعند خروجهم قال لهم سيدهم كنانة أنا أعلمكم بثقيف اكتموا إسلامكم وخوفوهم الحرب والقتال وأخبروهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم سألنا أمورا عظيمة ما ابيناها عليه سالنا أن نهدم الطاغية وأن نترك الزنا والربا وشرب الخمر فلما جاءتهم ثقيف وسألوهم قالوا جئنا رجلا فظا غليظا قد ظهر بالسيف ودان له الناس فعرض علينا أمور شدادا وذكروا ما تقدم قالوا والله لا نطيعه ولا نقبل هذا ابدا فقالوا لهم أصلحوا وتهيئوا للقتال ورموا حصنكم فمكثت ثقيف كلذلك يومين أو ثلاثة ثم القى الله الرغب في قلوبهم وقالوا والله ما لنا من طاقة فارجعوا إليه وأعطوه ما سأل فعند ذلك قالوا لهم قد قاضيناه واسلمنا فقالوا لهم لم كتمتمونا قالوا أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان فأسلموا ومكثوا أياما فقدم عليهم رسل رسول
____________________

الله صلى الله عليه وسلم بعث ابا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنهما لهدم الطاغية
وفي رواية لما فرغوا من أمرهم وتوجهوا إلى بلادهم راجعين بعث صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان والمغيرة بن شعبة لهدم الطاغية فخرجا مع القوم حتى إذا قدموا الطائف اراد المغيرة رضي الله تعالى عنه ان يقدم أبا سفيان فأبى ذلك أبو سفيان عليه وقال ادخل أنت على قومك فلما دخل المغيرة علاها ليضربها بالمعول أي الفأس العظيمة التي يقطع بها الصخر وقام قومه دونه خشية أن يرمي كما رمى عروة وخرج نساء ثقيف حسرا أي مكشوفات الرءوس حتى العواتق من الحجال يبكين على الطاغية
قال وفي رواية يظنون أنه لا يمكن هدمها لأنها تمنع من ذلك واراد المغيرة رضي الله تعالى عنه أن يخسر بثقيف فقال لأصحابه لأضحكنكم من ثقيف فألقى نفسه لما علا على الطاغية ليهدمها وفي لفظ أخذ يرتكض فصاحوا صيحة واحدة فقالوا أبعد الله المغيرة قتلته الربة وقالوا والله لا يستطيع هدمها
وفي رواية لما أخذ المعول وضرب به اللات ضربة صالح وخر لوجهه فارتج الطائف بالصياح سرورا وإن اللات قد صرعت المغيرة وأقبلوا يقولون كيف رايت يا مغيرة دونكها إن استطعت ألم تعلم أنها تهلك من عاداها فقام المغيرة يضحك منهم ويقول لهم يا خبثاء والله ما قصدت إلا الهزؤ بكم
وفي رواية فوثب وقال لهم قبحكم الله إنما هي لكاع حجارة ومدر فاقبلوا عافية الله واعبدوه ثم أخذ في هدمها ا هـفهدمها بعد أن بدأ بكسر بابها حتى هدم أساسها وأخرج ترابها لما سمع سادنها يقول ليغضبن الأساس فليخسفن بهم وأخذ مالها وحليها فلما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان أن يقضي دين عروة والأسود أخاه من مال الطاغية فقضاه فإن أبا مليح بن عروة ابن مسعود قارب ابن عمه بن الأسود أخو عروة بن مسعود سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كان قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمين لما قتلت ثقيف عروة ابن مسعود قبل أن تسلم ثقيف كما تقدم وكان صلى الله عليه وسلم قد أجاب أبا مليح فقال له نعم فقال له ابن عمه قارب بن الاسود وعن الأسود يا رسول الله فإن عروة
____________________

والأسود أخوان الأب وأم فقال صلى الله عليه وسلم إن الأسود مات مشركا فقال قارب يا رسول الله إنما الدين علي وأنا الذي أطلب به
ومن الوفود وفد بني تميم وقد تقدم ذكره أي في الكلام على سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم وفي ذلك الوفد عطارد بن حاجب وعمرو بن الأهتم والأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر
وذكر في الاستيعاب أنه كان مع وفد تميم وقيس بن عاصم فأسلم وذلك في سنة تسع فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا سيد أهل الوبر وكان عاقلا حليما مشهورا بالحلم قيل للأحنف بن قيس وكان من أحلم الناس ممن تعلمت الحلم قال من قيس بن عاصم رايته يوما قاعدا بنفاء داره محتبيا بحمائل سيفه يحدث قومه فأتى برجل مكتوف وآخر مقتول فقيل له هذا ابن أخيك قد قتل ابنك قال فوالله ما حل حبوته ولا قطع كلامه فلسا أتمه التفت إلى أبن اخيه فقال يا ابن اخي بئس ما فعلت أثمت بربك وقطعت رحمك وقتلت أبن عمك ورميت نفسك بسهمك ثم قال لابن له آخر قم يا بني فوار أخاك وحل كتاف ابن عمك وسق إلى أمك مائة ناقة دية ابنها فإنها غريبة
وكان قيس بن عاصم رضي الله تعالى عنه ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية وسبب ذلك أنه سكر يوما فغمز عكنة ابنته وسب ابويها ورأى القمر فصار يخاطبه وأعطى الخمار مالا كثيرا فلما افاق أخبر بذلك فحرمها على نفسه وقال في ذمها أبياتا كثيرة
ولما حضرته الوفاة دعا بنيه فقال لهم يا بني احفظوا عني فلا أحد أنصح لكم مني إذا مت فسودوا كباركم ولا تسودوا صغاركم فيسفه الناس كباركم وتهونوا عليهم وعليكم بإصلاح المال فإنه منبة للكريم ويستغنى به عن اللئيم وإياكم ومسألة الناس فإنها آخر كسب الرجل فإذا مت فلا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه وقد قيل فيه من جملة أبيات عند موته ** فما كان قيس هلكه هلك واحد ** ولكنه بنيان قوم تهدما **
وتقدم انهم نادوه صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات يا محمد اخرج الينا ثلاثا مرات فخرج إليهم آخر ما تقدم
____________________


ومنها وفد بني عامر فيهم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس وجبار بن سلمى بضم السين وفتحها وكانوا أي هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وكان عامر بن الطفيل عدو الله سيدهم وكان مناديه بسوق عكاظ هل من راجل فنحمله أو جائع فنطعمه أو خائف فنؤمنه وكان من أجمل الناس وكان مضمرا الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأريد وهو أخو لبيد الشاعر إذا قدمنا على هذا الرجل فإني شاغل عنك وجهه فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف وقد قال قومه يا عامر إن الناس قد اسلموا فاسلم فقال والله لقد كنت آليت أي حلفت أن لا أنتهى حتى تتبع العرف عقبي فأنا أتبع عقب هذا الفى من قريش فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر بن الطفيل يا محمد خالني أي اجعلني خليلا وصديقا لك قال لا والله حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له قال يا محمد خالني وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم وينتظر من أربد ما كان أمره به فجعل أربد لا يأتي بشيء
وفي رواية لما أتاه صلى الله عليه وسلم عامر وسده أي القى له وسادة ليجلس عليها ثم قال له صلى الله عليه وسلم أسلم يا عامر فقال له عامر إن لي إليك حاجة قال اقرب مني فقرب منه حتى حنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أن قوله خالني أي اجعل لي منك خلوة وهو المناسب لقول عامر لاربد إني اشاغل عنك وجهه
قال وذكر أن عامر بن الطفيل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال له أسلم يا عامر فقال أتجعل لي الأمر بعدك أن أسلمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ذلك لك ولا لقومك أي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء أي وقال له يا محمد أسلم على أن لي الوبر ولك المدر فقال لا فقال ما لي إن أسلمت فقال لك ماللمسلمين وعليك ما عليهم فقال أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا وفي رواية خيلا جردا ورجالا مردا ولأربطن بكل نخلة فرسا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يمنعك الله عز وجل
قال السهيلي وجعل أسيد بن حضير رضي الله تعالى عنه يضرب في رءوسهما ويقول اخرجا أيها الهجرسان أي القردان فقال له عامر ومن أنت فقال أسيد بن حضير فقال أحضير بن سماك قال نعم قال أبوك كان خيرا منك قال بلى أنا خير منك ومن أبي لأن أبي كان مشركا وأنت مشرك
____________________


ومكث صلى الله عليه وسلم أياما يدعو الله عليهم ويقول اللهم اكفني عامر بن الطفيل بما شئت وابعث له داء يقتله ا هـأي ثم قال صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو اسلم وأسلمت بنو عامر لزاحمت قريشا على منابرها ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا قوم آمنوا ثم قال اللهم اهد بني عامر واشغل عني عامر بن الطفيل بما شئت وأني شئت
وفي البخاري أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أخيرك بين ثلاث خصال يكون لك أهل السهل ولى أهل الوبر وأكون خليفتك من بعدك أو أغزوك من غطفان بألف أشتقر وألف وشقراء فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر لأربد ويلك يا أربد أين ما كنت أمرتك به والله ما على وجه الأرض من رجل أخافه على نفسى منك أبدا وايم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا فقال لا أبالك لا تعجل علي والله ما هممت بالذي أمرتني به إلا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك أفاضربك بالسيف أي وفي رواية إلا رأيت بيني وبينه سورا من حديد وفي رواية لما وضعت يدي على قائم السيف يبست فلم أستطع أن أحركها وفي رواية لما أردت سل سيفي نظرت فإذا فحل من الإبل فاغر فاه بين يدي يهوى إلى فو الله لو سللته لخفت أن يبتلع رأسي
ويمكن الجمع بأن ما في الرواية الأولى كان بعد أن تكرر منه الهم وما في الرواية الثانية كان بعد أن حصل منه هم آخر وكذا يقال في الثالثة وخرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه أي وفي لفظ حلقه أي وأوى لبيت امرأة سلولية من بني سلول وكانوا موصوفين باللؤم
وفي كلام السهيلي إنما اختصها بالذكر لقرب نسبها منه لأنها منسوبة إلى سلول بن صعصعة والطفيل من بني عامر بن صعصعة أي فهي تأسف عليه وصار ياسف الذي كان موته ببيتها وصار يمس الطاعون ويقول يا بني عامر غدة أي أغد عدة كغدة البعير وموتا في بيت امرأة من بني السلول ائتوني بفرسي ثم ركب فرسه وأخذر رمحه وصار يجول حتى وقع عن فرسه ميتا
أي ويذكر أنه صار يقول ابرز يا ملك الموت وفي لفظ يا موت ابرز لي أي أي لأقاتلك وهذا يدل على أن موت عامر لم يتأخر سيما وقد جاء في رواية فخرج حتى
____________________

إذا كان بظهر المدينة صادف مرأة من قومه يقال لها سلولية فنزل عن فرسه ونام في بيتها فأخذته غدة في حلقه فوثب على فرسه وأخذ رمحه وأقبل يجول وهو يقول غدة كغدة البكر وموت في بيت سلولية فلم يزل على تلك الحالة حتى سقط عن فرسه ميتا
ويحتاج للجمع بينه وبين قول الاوزاعي قال يحيى فمكث رسول الله صل يدعو على عامر بن الطفيل ثلاثين صباحا وقدم صاحباه على قومهما فقالوا لأربد ما وراءك يا أربد فقال لا شيء والله لقد دعانا إلى عبادة شيئ لوددت أني عنده ألآن فأرميه بالنبل حتى أقتله فخرج بعد مقالته هذه بيوم أو يومين معه جملة يتبعه فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة أحرقتهما أي وذلك في يوم صحو قائظ وأنزل الله تعالى قوله { ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء } وأما جبار بن سلمى الذي هو ثالثهم فقد أسلم مع من أسلم من بني عامر
ومنها وفود ضمام بن ثعلبة أي وقيل وفد في سنة خمس بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اصحابه متكئا جاءه رجل من أهل البادية قال فيه طلحة بن عبيد الله جاءنا أعرابي من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول الحديث أي جاء عل جمل وأناخه في المسجد ثم عقله وقال أيكم ابن عبد المطلب أي وفي رواية أيكم محمد قالوا هذا الأمغر المرتفق أي الأبيض المشرب بحمره المتكئ على مرفقه فدنا منه صلى الله عليه وسلم فقال إني سائلك فمشدد عليك في المسألة قال سل عما بدا لك أي وفي رواية لمغلظ عليك في المسئلة فلا تجد علي في نفسك مالا أجد في نفسي فقال سل ما بدالك فقال يا محمد جاءنا رسولك فذكر لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال صدق فقال أنشدك بفتح الهمزة برب من قبلك ورب من بعدك وفي رواية بالذي خلق السموات والأرض ونصب هذه الجبال قال اللهم نعم قال وفي رواية أنه قال له قبل ذلك آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئا أن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون قال اللهم نعم انتهى قال أنشدك بالله آلله أمرك أن نصلي خمس صلوات في كل يوم وليلة قال اللهم نعم قال وأنشد بالله آلله أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده على فقرائنا قال اللهم نعم قال وأنشد ك بالله آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من اثني عشر شهرا قال اللهم نعم قال وأنشدك بالله آلله أمرك أن يحج
____________________

هذا البيت من استطاع اليه سبيلا قال اللهم نعم قال فأنا قد آمنت وصدقت وأنا ضمام ابن ثعلبة
أقول وهذا السياق يدل على أن وفوده كان بعد فرض الحج وهو يخالف ما سبق أنه كان في سنة خمس ومن ثم استبعده ابن القيم قال والظاهر أن هذه اللفظة مدرجة من كلام بعض الرواة
وفيه أن الذي جزم به اسحاق وابو عبيدة أنه وفد في سنة تسع وصوبه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ومن ثم جاء ذكر الحج في مسلم ويؤيد ذلك قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم علينا الحديث لأن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنما قدم المدينة بعد الفتح فلما أن ولي ضمام رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقه الرجل أي بضم القاف صار فقيها وبكسرها فهم في لفظ لئن صدق ليدخلن الجنة وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام بن ثعلبة أي وفي لفظ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فما سمعنا بوافد وقد كان أفضل من ضمام
ولما رجع ضمام رضي الله تعالى عنه إلى قومه قال لهم إن الله تعالى قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا أستنقذكم به مما كنتم فيه
قال وفي رواية أن أول شيء تكلم به أن سب اللات والعزى فقال له قومه مه يا ضمام اتق البرض تق الجذام اتق الجنون فقال لهم ويلكم والله إنهما لا يضران ولا ينفعان إن الله قد بعث رسولا إلى آخر ما تقدم وإني اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه فلم يبق من القوم رجل ولا امرأة إلا وأسلم
ومنها وفد عبد القيس وفيهم الجارود وكان نصرانيا أي قد قرأ الكتب فقال أبياتا مخاطبا بها النبي صلى الله عليه وسلم منها ** يا نبي الهدى أتاك رجالا ** قطعت فدفدا وآلافآلا ** ** تتقي وقع شر يوم عبوس ** أوجل القلب ذكره ثم هالا **
الفدفد المفازة والآل ما يرفع الشخوص في أول النهار وفي آخره وقيل السراب قيل وكانوا ستة عشرة فعرض عليهم صلى الله عليه وسلم الإسلام فقال يامحمد إني
____________________

كنت على دين وإني تارك ديني لدينك فتضمن لي ذنبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم أنا ضامن لك أن قد هداك إلى ما هو خير لك منه فأسلم وأسلم أصحابه ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحملهم فقال والله ما عندي ما أحملكم عليه فقال يا رسول الله يحال بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال المسلمين أي من الإبل والبقر مما يحمى نفسه أفنتبلغ عليها أي نركبها إلى بلادنا قال لا إياك وإياها فإنما تلك حرق النار أي لهبها كذا في الاصل
وفي السيرة الهشامية أن الجارود إنما وفد مع حلف له يقال له سلمة بن عياض الأزدي وأن الجارود قال لسلمة إن خارجا خرج بتهامة يزعم أنه نبي فهل لك أن تخرج إليه فإن رأينا خيرا دخلنا فيه وأنا أرجو أن يكون هو النبي الذي بشر به عيسى ابن مريم لكن يضمر كل واحد مناله ثلاث مسائل يسأله عنها لا يخبر بها صاحبه فلعمري إنه إن أخبرنا بها إنه لنبي يوحى اليه فلما قدما عليه صلى الله عليه وسلم قال له الجارود بم بعثك به ربك يا محمد قال بشهادة أن لا إله إلا الله وأني عبد الله ورسوله والبراءة من كل ند أو دين يعبد من دون الله وبإقام الصلاة لوقتها وإيتاء الزكاة لحقها وصوم رمضان وحج البيت من استطاع اليه سبيلا بغير إلحاد { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد } قال الجارود يا محمد إن كنت نبيا فأخبرنا عما أضمرنا عليه فخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة كأنها سنة ثم رفع رأسه الشريف العرق يتحدر عنه فقال أما أنت يا جارود فإنك أضمرت أن تسألني عن دماء الجاهلية وعن حلف الجاهلية وعن المنيحة ألا وإن دم الجاهلية موضوع وحلفها مردود ولا حلف في الإسلام ألا وأن أفضل الصدقة أن تمنح أخاط ظهر دابة أو لبن شاة فإنها تغدو برفده وتروح بمثله وأما أنت يا سلمة فإنكا اضمرت على أن تسألني عن عبادة الاوثان وعن يوم السباسب وعن عقل الهجين فأما عبدة الأوثان فإن الله تعالى يقول { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } وأما يوم السباسب فقد أعقبه الله ليلة خيرا من ألف شهر فاطلبوها في العشر الأواخر من رمضان فإنها ليلة بلجة سمحة لا ريح فيها تطلع الشمس في صبيحتها لا شعاع لها وأما عقل الهجين فإن المؤمنين إخوة تتكافأ دماؤهم يجبر أقصاهم على أدناهم اكرمهم عند الله أتقاهم فقالا نشد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله انتهى
____________________


وذكر في السيرة الهشامية في وفد عبد القيس أنه كان قبل فتح مكة وذكر ما حاصله أنه صلى الله عليه وسلم بينما هو يحدث أصحابه إذ قال لهم سيطلع عليكم من ههنا ركب هم خير أهل المشرق وفي رواية ليستبين ركب من المشرق لم يكرهوا على الإسلام قد أنضوا أي أهزلوا الركائب وأفنوا الزاد اللهم اغفر لعبد القيس فقام عمر رضي الله تعالى عنه فتوجه نحو مقدمهم فلقي ثلاثة عشرة راكبا وقيل كانوا عشرين راكبا وقيل كانوا اربعين رجلا فقال من القوم قالوا من بني عبد القيس فقال أما إن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكركم آنفا فقال خيرا ثم مشى معهم حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر للقوم هذا صاحبكم الذي تريدون فرمى القوم بأنفسهم عن ركائبهم بباب المسجد بثياب سفرهم وتبادوا يقبلون يده صلى الله عليه وسلم ورجله وكان فيهم عبد الله بن عوف الأشج وهو راسهم وكان أصغرهم سنا فتخلف عند الركائب حتى أناخها وجمع المتاع وذلك بمرأى من النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج ثوبين أبيضين لبسهما ثم جاء يمشي حتى أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها وكان رجلا دميما ففطن لنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دمامته فقال يا رسول الله إنه لا يستقى أي يشرب في مسوك أي جلود الرجال وإنما يحتاج الرجل من أصغر به لسانه وقلبه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فيك خلتين يخبهما الله ورسوله الحلم والأناة فقال له رسول الله أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما قال لا بل الله تعالى جبلك عليهما فقال الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الأناة على وزن قناة التؤدة وقد جاء التؤدة والاقتصاد والسمت الحسن جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة
وفي رواية أنهم لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم من القوم قالوا من ربيعة أي وهو المراد بما في بعض الروايات ربيعة فإنه من التعبير عن البعض بالكل
وفي البخاري في الصلاة إن هذا الحي من ربيعة أي إن هذا الحي حي من ربيعة وهو في الاصل اسم لمنزل القبيلة سميت به القبيلة لأن بعضهم يحيا ببعض قال خير ربيعة عبد القيس مرحبا بالقوم أي صادفتم رحبا بضم الراء أي سعة وأول من قال مرحبا سيف بن ذي يزن وقد تكررت هذه الكلمة منه صلى الله عليه وسلم قالها
____________________

لابنة عمه أم هانئ رضي الله تعالى عنها وقال لعكرمة بن أبي جهل رضي الله تعالى عنه مرحبا بالراكب المهاجر وقال لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها مرحبا بابنتي وقال لشخص دخل عليه مرحبا وعليك السلام
ثم قال لهم صلى الله عليه سلم غير خزايا ولا ندامى أي حالة كونكم سالمين من الخزي ومن الندم وفي لفظ مرحبا بالوفد الذين جاءوا غير خزايا ولا ندامى أنا حجيج من ظلم عبد القيس فقالوا يا رسول الله إنا نأتيك من شقعة بيعدة أي من سفر بعيد لأن مساكنهم بالبحرين وما والاها من أطراف العراق وإنه يحول بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر وإنا لا نصل اليك إلا في شهر حرام أي وفي لفظ إلا في الشهر الحرام وهو كمسجد الجامع ونساء مؤمنات وهو شهر رجب للتصريح به في بعض الروايات
وقال بعضهم وفي هذا دليل على أن الأعمال الصالحة تدخل الجنة إذا قبلت وقبولها يقع برحمة الله لأن مضر كانت تبالغ في تعظيم شهر رجب زيادة على بقية الأشهر الحرم ومن ثم قيل رجب مضر فأمرنا بأمر فصل أي فاصل بين الحق والباطل فقال آمركم بأربع أي خصال أربع أو جمل أربع
ففي بعض الروايات قالوا حدثنا بجمل من الأمر وأنهاكم عن اربع آمركم بالإيمان بالله أتدرون ما الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أي وفيه أن القوم كانوا مؤمنين مقرين بكلمة الشهادة
ووقع في البخاري في الزكاة زيادة واو قبل شهادة وهي زيادة شاذة لم يتابع عليها روايها وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس أي لأنهم كانوا بصدد محاربة كفار مضر وهذا زائد على الأربع وم ثم قال بعضهم هو معطوف على قوله باربع أي آمركم بأربع وبأن تعطوا ومن ثم غاير في الأسلوب
وفي مسلم أمركم بأربع اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان واعطوا الخمس من الغنائم ولم يذكر الحج لأنه لم يكن فرض على الصحيح كما قال الحافظ الدمياطي رحمه الله وهو بناء على الأصح أنه فرض سنة ست وقول الواقدي إن قدوم وفدعبد القيس كان في سنة ثمان ليس بصحيح لكن ذكر بعضهم أن لعبد القيس وفدتين واحدة كانت قبل فرض الحج وواحدة
____________________

بعده ومن ثم جاء ذكر الحج في مسند الإمام أحمد وهو وأن تحجوا اليبت وإله لم يتعرض في هذه الرواية لعدد أي لقوله أربع ثم قال صلى الله عليه وسلم لهم وأنهاكم عن اربع عن الدبا أي القرع أي عما ينبذ فيها والحنتم وهو جرار مدهونة بدهان أخضر أي عما ينبذ فيها أي وقيل والحنتم جرار كانت تعمل من طين وشعر وأدم والنقير أصل النخلة ينقر وينبذ فيه التمر أي ما ينبذ في ذلك والمزفت ما طلى بالزفت أي عما ينبذ فيه وفي رواية زيادة على ذلك والقير ما طلي بالقار وهو نبت يحرق إذا يبس وتطلى به السفن كما تطلى بالزفت زاد في رواية وأخبروا بهن من وارءكم أي من جئتم من عندهم ومن يحدث من الأولاد قالوا فيم نشرب يا رسول الله قال في أسقية الأدم أي الجلود التي يلاث أي يربط على أفواهما قالوا يا رسول الله إن أرضنا كثير الجرذان أي الفيران أي لا تبقى فيها أسقية الأدم قال وإن أكلها الجرذان قال ذلك مرتين أو ثلاثا فقال له الأشج يا رسول الله إن أرضنا ثقيلة وخمة وإنا إذا لم نشرب هذه الأشربة عظمت بطوننا فرخص لنا في مثل هذه فأومأ صلى الله عليه وسلم بكفيه وقال له يا أشج إن رخصت لك في مثل هذه شربته في مثل هذه وفرج بين يديه وبسطها يعني أعظم منها حتى إذا ثمل أي سكر أحدكم من شرابه قام إلى ابن عمه فضرب ساقه بالسيف وكان القوم رجل وقع له ذلك أي وهو جهم بن قثم قال لما سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع له ذلك أي وهو جهم بن قثم قال لما سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت أسدل ثوبي لأغطي الضربة وقد أبداها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أي وفي كلام السهيلي فعجبوا من علم النبي صلى الله عليه وسلم واشارته إلى ذلك الرجل هذا كلامه
أي وفي رواية أنهم سألوه عن النبيذ فقالوا يا رسول الله إن أرضنا وخمة لا يصلحها إلا النبيذ قال فلا تشربوا في النقير فكأني بكم إذا شربتم في النقير قال بعضكم إلى بعض بالسيوف فضرب رجلا منكم ضربة لا يزال يعرج منها إلى يوم القيامة فضحكوا فقال صلى الله عليه وسلم ما يضحككم قالوا ولقد شربنا في النقير فقام بعضنا على بعض بالسيوف فضرب هذا ضربه بالسيف فهو أعرج كما ترى ثم ذكر لهم صلى الله عليه وسلم أنواع تمر بلدهم فقال لكم تمرة تدعونها كذا وتمرة تدعونها كذا فقال له رجل من القوم بأبي وأنت وأمي يا رسول الله لو كنت ولدت في جوف هجر ما كنت بأعلم منك الساعة اشهد أنك رسول الله فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

إن أرضكم رفعت إلى منذ قعدتم أي فنظرت من أدناها إلى أقصاها وقال لهم خير تمركم البرني يذهب بالداء ولاداء ومعه أي وإنما اقتصر صلى الله عليه وسلم في المناهي على شرب الأنبذة في الأوعية المذكورة مع أن في المناهي ما هو أشد في التحريم لكثرة تعاطيهم لها
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ومعنى النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية بخصوصها أنه يسرع فيها الإسكار فربما يشرب منها من لا يشعر بذلك
كان في عبد القيس ابو الوازع بن عامر وابن اخته مطر بن هلال ولما ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم أنه ابن أختهم قال ابن اخت القوم منهم وكان فيهم ابن أخي الوازع وكان شيخا كبيرا مجنونا جاء به الوازع معه ليدعو له صلى الله عليه وسلم فمسح ظهره ودعا له فبرأ لحينه وكسى شبابا وجمالا حتى كأن وجهه وجه العذراء
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم زودهم الأراك يستاكون به وذكر أنه كان فيهم غلام ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم خلف ظهره وقال إنما كان خطيئة دواد عليه الصلاة والسلام النظر
ومنها وفد بني حنيفة مسيلمة الكذاب قيل جاء بنو حنيفة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم مسيلمة الكذاب يسترونه بالثياب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في اصحابه رضي الله تعالى عنهم معه عسيب من عسب النخل في رأسه خويصات فلما انتهى مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب كلمة وسأله أن يشركه معه في النبوة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه
وقيل إن بني حنيفة جعلوه في رحالهم فلما أسلموا ذكروا مكانه فقالوا يا رسول الله إنا قد خلفنا صاحبنا في رحالنا يحفظها لنا فأمر صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به لواحد من القوم وهو خمس أواق من فضة وقال اما إنه ليس بشركم مكان فلما رجعوا إليه اخبروه بما قال عنه فقال إنما قال ذلك لأنه عرف أن لي الأمر من بعده فلما رجعوا وانتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وكذب وادعى أنه أشرك معه صلى الله عليه وسلم في النبوة وقال لمن وفد مهم ألم يقل لكم حين ذكرتموني له أما انه ليس بشركم مكانا
____________________

ما ذاك إلا لما كان يعلم أني أشركت معه في الأمر أي وهو صلى الله عليه وسلم إنما أراد بذلك انه حفظ ضيعة أصحابه هذا
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أقبل ومعه ثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنه وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة من جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال إن سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها أي فإنه صلى الله عليه وسلم بلغه عنه أنه قال إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتبعته وإني لأراك الذي منه رايت وهذا قيس يجيبك عني ثم أنصرف
والذي رآه منه صلى الله عليه وسلم أنه رأى في المنام أن في يده سوارين من ذهب قال فأهمني شأنهما فأوحى الله إلي في المنام أن أنفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي أي وهما طليحة العبس صاحب صنعاء ومسيلمة الكذاب صاحب اليمامة فإنا كلا منهما ادعى النبوة في حياته صلى الله عليه وسلم وكان طليحة العبسي يقول إن ملكا كان يقال ذو النون يأتيني كما يأتي جبريل محمدا فلما بلغه صلى الله عليه وسلم قال لقد ذكر مالكا عظيما في السماء يقال له ذو النون وجمع بعضهم بين هذا الذي في الصحيحين وما هنا بأنه يجوز أن يكون مسيلمة قدم مرتين الأولى كان تابعا ومن ثم كان في حفظ الرحال والثانية كان متبوعا ولم يحضر أنفة منه واستكبارا وعامله صلى الله عليه وسلم معاملة الإكرام على عادته صلى الله عليه وسلم في الاستئلاف فأتى إلى قومه وهو فيهم كذا قيل
ولا يخفى أن قوله ولم يحضر يقتضى أنه لم يجئ إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المرتين وتقدم أنه جاء إليه صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب وهذا أي ستره بالثياب هو المناسب لكونه متبوعا ثم صار مسيلمة لعنه الله يتكلم بالهذيان يضاهي به القرآن فمن ذلك قوله قبحه الله لقد أنعم الله علي الحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين شغاف وحشا وقال والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا والخابزات خبزا والثاردات ثردا واللاقمات لقما وضع عنهم الصلاة وأحل لهم الخمر والزنا وقيل إنه لعنه الله طلب منه أن يتفل في بئر تبركا ففعل فملح ماؤها ومسح رأس صبي فصار أقرع قرعا فاحشا ودعا لرجل في بنين له بالبركة فيهما فرجع الرجل إلى منزله فوجد أحدهما قد سقط في بئر والآخر أكله الذئب مسح على عيني رجل للاستشفاء بمسحه فابيضت عيناه فعل ذلك مضاهاة للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا السياق يرشد إلى أنه كان برأس ذلك الصبي قرع يسير
____________________

فمسح عليه للاستشفاء ثم أظهر معجزة بزعمه وهو أنه ادخل بيضة في قارورة افتضح بأن البيضة بنت يومها إذا ألقيت في الخل والنوشادر يوما وليلة فإنا تمتد كالخيط فتجعل في القارورة ويصب عليها ماء فتجمد وبهذا يرد على من ورثاه من بني حنيفة بقوله ** لهفي عليمك أبا ثمامة ** كم أية لك فيهمو ** كالشمس تطلع من غمامه **
فيقال له كذبت بل كانت آياته معكوسة
قال وكتب مسيلمة قبحه الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتابا فقال من مسيلمة رسول اله إلى محمد رسول الله أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك وإن لنا نصف الأمر وليس قريش قوما يعدلون وبعث رجلين فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسليمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ثم قال للرجلين وإنما تقولان مثل ما يقول قالا نعم قال أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما انتهى
ومنها وفد طيئ وفيهم زيد الخيل رضي الله تعالى عنه وفد عليه صلى الله عليه وسلم وفيهم قبيصة بن الأسود وسيدهم زيد الخيل قيل له ذلك لخمسة أفراس كانت له أي ولو كان وجه التسمية يلزم اطراده لقيل للزبرقان بن بدر زبرقان الخيل
فقد قيل إنه وفد على عبد الملك بن مروان وقاد إليه خمسة وعشرين فرسا ونسب كل واحدة من تلك الأفراس إلى آبائها وأمهاتها وحلف على كل فرس يمينا غير اليمن التي حلف بها على غيرها فقال عبد الملك عجبي من اختلاف أيمانه أشد من عجبي من معرفته بأنساب الخيل
وكان زيد الخيل شاعرا خطيبا بليغا جوادا فعرض عليهم صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلموا وحسن إسلامهم وقال صلى الله عليه وسلم في حق زيد الخيل ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما قيل فيه إلا زيد الخيل فإنه لم يبلغ أي ما قيل فيه كل ما فيه وسماه صلى الله عليه وسلم زيد الخير أي فإنه صلى الله عليه وسلم قال له وهو لا يعرفه الحمد لله الذي أتى بك من سهلك وحزنك وسهل قلبك للإيمان ثم قبض صلى الله عليه وسلم على يده فقال من أنت قال أنا زيد الخيل بن مهلهل اشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله فقال له صلى الله عليه وسلم بل أنت زيد
____________________

الخير ثم قال يا زيد ما أخبرت عن رجل قط شيئا إلا رأيته ما أخبرت عنه غيرك أي واجاز صلى الله عليه وسلم كل واحد منهم خمس أواق واعطى زيد الخيل اثنتي عشرة أوقية ونشا أي واقطعه محلين من أرضه وكتب له بذلك كتابا ولما خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم متوجها إلى قومه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ينجو زيد من الحمى أي ما ينجو منها ففي اثناء الطريق اصابته الحمى أي وفيه لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال له يا زيد تقتلك أم ملدم يعني الحمى
وفي رواية أن زيد الخيل لما قام من عنده صلى الله عليه وسلم وتوجه الى بلاده قال صلى الله عليه وسلم أي فتى إن لم تدركه أم كلبة يعني الحمى والكلبة الرعدة
وفي رواية ما قدم علي رجل من العرب يفضله قومه إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا ما كان من زيد فإن ينج زيد من حمى المدينة فلأمر ما هو
قال لما مات اقام قبيصة بن الاسود الناحة عليه سنة ثم توجه براحلته ورحله وفيه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أقطعه فيه محلين بأرضه فلما رأت امرأته الراحلة ضرمتها بالنار فاحترقت واحترق الكتاب انتهى
وفي كلام السهيلي وكتب له كتابا على ما أراد وأطعمه قرى كثيرة منها فدك هذا كلامه وقيل بقي إلى خلافة عمر رضي الله عنهما
ومنها وفود عدي بن حاتم الطائي حدث عدي رضي الله عنه قا لكنت امرأ شريفا في قومي آخذ المرباع من الغنائم كما هو عادة سادات العرب في الجاهلية أي وهو ربع الغنيمة كما تقدم فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته ما من رجل من العرب كان أشد كارهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني فقلت لغلام كما راعيا لإبلي لا أبا لك اعزل من إبلي أجمالا ذللا سمانا فاحتبسها قريبا مني فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني ففعل ثم إنه أتاني ذات يوم فقال يا عدي ما كنت صانعا إذا غشيك محمد فاصنعه الآن فإني قد رأيت رايات فسالت عنها فقالوا هذه جيوش محمد فقلت له قرب لي أجمالي فقربها فاحتملت أهلي وولدي التحقت بأهل ديني من النصارى بالشام وخلفت بنتا لحاتم في الحاضر فأصيبت فيمن أصيب أي سبيت فيمن أصيب من الحاضر فلما قدمت في السبايا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام من عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

وكساها وحملها وأعطاها نفقة وحرجت إلى أن قدمت على الشام فوالله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى طغينة تؤمنا فقلت ابنة حاتم فإذا هي هي فلما وقعت علي قالت القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك وقطعت بقية والديك وعورتك فقلت أي أخية لا تقولي إلا خيرا فوالله مالي من عذر ولقد صنعت ما ذكرت ثم نزلت وأقامت عندي فقلت لها وكانت إمراة حازمة ماذا ترين في أمر هذا الرجل قالت أرى والله أن تلحق به سريعا فإن يكن نبيا فللسابق إليه فضله وإن يكن ملكا فأنت أنت فقلت والله إن هذا للرأي أي ولعلها لم تظهر له إسلامها لئلا ينفر طبعه من قولها له إن يكن نبيا أي على الفرض والتنزل تحريضا له على اللحوق به صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى جئته صلى الله عليه وسلم بالمدينة فدخلت عليه فقال من الرجل فقلت عدي بن حاتم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلق بي إلى بيته فوالله إنه لقائدني إليه إذ لقيته امرأة كبيرة ضعيفة فاستوقفته صلى الله عليه وسلم فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها فقلت ما هو بملك ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بيته تناول وسادة بيده من أدم محشوة ليفافقدمها إلي وقال اجلس على هذه فقلت بل أنت فاجلس عليها قال بل أنت فجلست عليها وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض فقلت والله ما هذا بأمر ملك ثم قال لي ما معناه يا عدي بن حاتم أسلم تسلم قالها ثلاثا قلت إني على دين قال أنا أعلم بدينك منك فقلت أنت أعلم بديني قال نعم ألست من الركوسية ألست من القوم الذين لهم دين لأنه تقدم أنه كان نصرانيا فقلت بلى فقال أم تكن تسير في قومك بالمرباع أي تأخذ ربع الغنيمة كما هو شأن الأشراف من اخذهم في الجاهلية ربع الغنيمة قلت بلى قال فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك فقلت أجل والله وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل ثم قال صلى الله عليه وسلم لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى تقول إنما اتبعه ضعفه الناس ومن لا قوة له وقد رمتهم العرب مع حاجتهم فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ولعلك لم أرها وقد سمعت بها قال فوالله وفي لفظ فوالذي نفسي بيده ليتمن هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة تطوف بالبيت من غير جوار أحد
وفي رواية ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية أي وهي قرية بينها وبين
____________________

الكوفة نحو مرحلتين على بعيرها حتى تزور البيت أي الكعبة لا تخاف ولعلك إنما يمنعك من الدخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم قال عدي وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تحج بالبيت وأيم الله لتكونن الثانية ليفيض المال حتى لا يوجد من ياخذه
ومنها وفود فروة بن مسيك المرادي وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فروة مفارقا لملوك كندة وكان بين قومه مراد وبين همدان قبيل الإسلام وقعة أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا في يوم يقال الردم وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل ساءك ما أصاب قومك يوم الروم فقال يا رسول الله من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم ولا يسوءه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إن لك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيرا واستعمله صلى الله عليه وسلم على مراد وزبيد وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فروة عند توجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ** لما رأيت ملوك كندة أعرضت ** كالرجل خان الرجل عرق نسائها ** ** فركبت راحلتي أؤم محمدا ** أرجو فواضلها وحسن ثوابها **
ومنها وفد بني زبيد بضم الزاي وفتح الموحدة وفد بنو زبيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم عمرو بن معد يكرب الزبيدي وكان فارس العرب مشهورا بالشجاعة شاعرا مجيدا قال لأبن أخيه قيس المرادي إنك سيد قومك وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقول إنه نبي فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه فإن كان نبيا كما يقول فإنه لن يخفى عليك وإذا لقيناه اتبعناه وإن كان غير ذلك علمنا علمه فأبى عليه قيس ذلك وسفه رأيه فركب عمرو رضي الله عنه حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه فأسلم فلما بلغ ذلك قيسا قال خالفني وترك أمري ورأيي وتوعد عمرا فقال عمرو في قيس أبياتا منها ** فمن ذا عاذرى من ذى سفاه ** يريد بنفسه شد المزاد ** ** أريد حياته ويريد قتلي ** عذيرك من خليلك من مرادي **
____________________


أي وبعد موته صلى الله عليه وسلم ارتد عمرو هذا مع الأسود العبسي ثم أسلم وحسن إسلامه وشهد فتوحات كثيرة أيام الصديق وأيام عمر رضي الله تعالى عنهما
وعن ابن اسحاق قيل إن عمرو بن معد يكرب لم يأت النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم قيس بعد ذلك قيل له صحبة وقيل لا
ومنها وفد كندة أي وله صلى الله عليه وسلم جدة منهم وهي أم جده كلاب وفد عليه صلى الله عليه وسلم ثمانون أي وقيل ستون من كندة فيهم الأشعث بن قيس وكان وجيها مطاعا في قومه وفي الإمتاع وهو اصغرهم فلما أرداوا الدخول عليه صلى الله عليه وسلم رجلوا أي سرحوا جممهم أي شعور رءوسهم أي الساقطة على مناكبهم وتكحلوا ولبسوا عليهم جبب الحبرة أي بوزن عنبة برود اليمن المخططة قد كففوها أي سجفوها بالحرير فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وعند ذلك قالوا أبيت اللعن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لست ملكا أنا محمد بن عبد الله قالوا لا نسميك باسم قال أنا أبو القاسم فقالوا يا أبا القاسم إنا خبأنا لك خبئا فما هو وكانوا خبئوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عين جرادة في ظرف سمن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله إنما يفعل ذلك بالكاهن وإن الكاهن والكهانة والمتكهن في النار فقالوا كيف نعلم أنك رسول الله فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من حصباء فقال هذا يشهد أني رسول الله فسبح الحصى في يده فقالوا نشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله بعثني بالحق وأنزل علي كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فقالوا أسمعنا منه فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { والصافات صفا } حتى بلغ { برب المشارق والمغارب } ثم سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكن بحيث لا يتحرك منه شيء ودموعه تجري على لحيته فقالوا إنا نراك تبكي أفمن مخافة من أرسلك تبكي فقال صلى الله عليه وسلم إن خشيتي منه أبكتني بعثني على صراط مستقيم في مثل حد السيف إن زغت عنه هلكت ثم تلا صلى الله عليه وسلم { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك } الآية ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم ألم تسلموا قالوا بلي قال فما بال هذا الحرير في اعناقكم فعند ذلك شقوه منها وألقوه
وفيه أنه هذا يخالف ما قاله فقهاؤنا معاشر الشافعية من جواز التسجيف بالحرير إلا
____________________

أن يقال الجواز مخصوص بأن لا يجاوز الحد اللائق بالشخص ولعل سجفهم جاوزت الحد اللائق بهم وقد قال الأشعث له صلى الله عليه وسلم نحن بنو أكل المرار وأنت ابن آكل المرار يعني جدته أم كلاب فقد تقدم أنها من كندة وقيل إنما قال ذلك الأشعث لأن عمه العباس بن عبد المطلب كان إذا دخل حيا من أحياء العرب لأنه كما تقدم كان تاجرا فإذا سئل من أين قال أنا ابن آكل المرار ليعظم يعني انتسب الى كندة لأن كندة كانوا ملوكا فاعتقدت كندة أن قريشا منهم لقول العباس المذكور فقال له صلى الله عليه وسلم لا نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفى من آبائنا أي لا ننتسب إلى الأمهات ونترك النسب إلى الأباء
والأشعث هذا ممن ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعا إلى الإسلام في خلافة ابي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أي فإنه حوصر ثم جئ به أسيرا فقال الصديق حين أراد قتله ستبقني لحروبك وزوجني أختك فزوجه أخته أم فروة فدخل سوق الإبل بالمدينة واخترط سيفه فجعل لا يرى جملا إلا عرقبه فصاح الناس كفر الأشعث فلما فرغ طرح سيفه وقال والله ما كفرت إلا أن الرجل يعني أبا بكر رضي الله تعالى عنه زوجني أخته ولو كنا ببلادنا لكانت لنا وليمة غير هذه وقال يا أهل المدينة انحروا وكلوا وأعطى أصحاب الإبل أثمانها قال وقال صلى الله عليه وسلم للاسعث هل لك من ولد فقال لي غلام ولد لي عند مخرجي إليك وددت ان لي به لسبعة فقال إنهم مبخلة مبلهة محزنة وإنهم لقرة العين وثمرة الفؤاد انتهى
ومنها وفد أزد شنوءه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع من الأزد وفيهم صرد بن عبد الله ألازدي وكان أفضلهم فأمره صلى الله عليه وسلم على من اسلم من قومه وأمره أن يجاهد بمن اسلم من كان يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن فخرج حتى نزل بجرش بضم الجيم وفتح الراء وبالشين المعجمة وهي مدينة بها قبائل من قبائل اليمن وحاصرها المسلمون قريبا من شهر ثم رجعوا عنها حتى إذا كانوا بجبل يقال له شكر بالشين المعجمة والكاف المفتوحتين وقيل باسكان الكاف فلما وصلوا ذلك المحل ظن أهل جرش أن المسلمين رضي الله تعالى عنهم إنما رجعوا عنهم منهزمين فخرجوا في طلبهم حتى إذا أدركوهم عطفوا عليهم فقتلوهم قتلا شديدا
وقد كان أهل جرش بعثوا رجلين منهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة
____________________

يرتادن أي ينظران الأخبار فبينما هما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي بلاد الله شكر فقام إليه رجلان فقالا يا رسول الله ببلادنا جبل يقال له كشر فقال إنه ليس بكشر ولكن شكر قالا فما شأنه يا رسول الله قال إن بدن الله لتنحر عنده الآن وأخبرهما الخبر فخرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى قومهما فوجد قومهما قد أصيبوا في اليوم الساعة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال وعند إخبارهما لقومهما بذلك وفد وفد جرش على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحبا بكم أحسن الناس وجوها وأصدقه لقاء وأطيبه كلاما وأعظمه أمانة أنتم مني وأنا منكم وحمى لهم حمى حول بلدهم
ومنها وفد رسول ملوك حمير وحامل كتابهم إليه صلى الله عليه وسلم وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول ملوك حمير وحامل كتابهم اليه صلى الله عليه وسلم بإسلام الحارث بن عبد كلال بضم الكاف
وقد اختلف في كون الحارث له وفادة فهو صحابي أولا والنعمان ومعافر بالفاء مكسورة وهمدان أي باسكان الميم وفتح الدال المهملة وهي قبيلة
وأما همذان بفتح الميم والذال المعجمة فقبيلة بالعجم فكتب اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى الحارث بن عبد كلال وإلى النعمان ومعافر وهمذان أما بعد فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنه قد وقع بنا رسولكم مقفلنا من أرض الروم أي رجوعنا من غزوة تبوك فلقيناه بالمدينة فبلغ ما أرسلتم به وخبر ماقبلكم وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين وإن الله قد هداكم بهداه إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من الغنائم خمس الله وسهم النبي صلى الله عليه وسلم وصفيه وما كتب على المؤمنين من الصدقة أما بعد فإن محمدا النبي أرسل إلى زرعة ذي يزن وفي الاستيعاب زرعة بن سيف ذي يزن وفي كلام الذهبي زرعة بن سيف ذي يزن أن إذا أتاكم رسلي فأوصيكم بهم خيرا معاذ بن جبل وعبد الله بن زيد ومالك بن عبادة وعقبة بن نمر ومالك ابن مرارة وأصحابهم وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخاليفكم بالخاء المعجمة
____________________

جمع محلاف وأبلغوها رسلي وأن أميرهم معاذ بن جبل فلا ينقلبن إلا راضيا اما بعد فإن محمدا يشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله
ثم ان مالك بن كعب بن مرارة قد حدثنى انك قد اسلمت من أول حمير و قتلت المشركين فابشر بخير و آمرك بحمير خيرا ولا تخونوا ولا تخاذلوا بضم التاء المثناه الفوقية وكسر الذال ويجوز ان يكون بفتح المثناه وفتح الذال محذوف إحدى التاءين فان رسول الله هو مولى غنيكم وفقيركم وان الصدقه لا تحل لمحمد ولا لاهل بيته انما هى زكاه يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل وان مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب وامركم به خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ومنها وفد رسول فروه بن عمرو الجذامى وفد رسول فروه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم يخبره باسلامه واهدى له صلى الله عليه وسلم بغله بيضاء اى يقال لها فضة وحمارا يقال له يغفور و فرسا يقال لها الظرب و ثيابا وقباء مرصعا بالذهب
وكان فروه رضى الله عنه تعالى عاملا للروم على ما يليهم من العرب فلما بلغ الروم اسلامه اخذوه وحبسوه ثم ضربوا عنقه وصلبوه اى بعد ان قال له الملك ارجع عن دين محمد ونحن نعيدك الى ملكك قال لا افارق دين محمد صلى الله عليه وسلم فانك تعلم ان عيسى عليه السلام بشر به ولكنك تظن بملكك
ومنها وفد بنى الحارث بن كعب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه الى بني الحارث بن كعب بنجران و امره ان يدعوهم الى الاسلام قبل ان يقاتلهم وقال له ان استجابوا فاقبل منهم وان لم يفعلوا فقاتلهم فخرج خالد رضى الله تعالى عنه حتى قدم عليهم فبعث الركبان يضربون فى كل وجه ويدعون الى الاسلام ويقولون ايها الناس أسلموا تسلموا فاسلموا فقام فيهم خالد بن الوليد رضى الله عنه تعالى عنهم يعلمهم الاسلام اى شرائعه وكتب الى رسول صلى الله عليه وسلم بذلك فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقبل ويقبل معه وفدهم فاقبل رضى الله تعالى عنه ومعه وفدهم وفيهم قيس بن الحصين ذو الغصه بالغين المعجمه اى لانه كان فى حلقه غصه لايكاديبين الكلام منها وهى صفه لابيه الحصين وربما وصف بها قيس قال فى النور ويحتمل ان يقال له ذو الغصه وابن ذى الغصه لانه واباه كانت بهما الغصه وفيه بعد
____________________


وحين اجتمعوا به صلى الله عليه وسلم قال لهم بما كنتم تغلبون من قاتلكم فى الجاهليه قالوا كنا نجتمع ولا نفترق ولا نبدا احدا بظلم قال صدقتم وامر عليهم صلى الله عليه وسلم زيد بن الحصين ولم يمكثوا بعد رجوعهم الى قومهم إلا أربعه اشهر حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومنها أنه وفد عليه صلى الله عليه وسلم رفاعة بن زيد الخزاعي وفد رفاعة بن زيد الخزاعي بالخاء المعجمة والزاي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما فأسلم وحسن إسلامه وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا إلى قومه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لرفاعة بن زيد إني بعثته إلى قومه عامة ومن دخل فيهم يدعوهم إلى الله وإلى رسوله فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله ومن أدبر فله أمان شهرين فلما قدم رفاعة رضي الله تعالى عنه على قومه أجابوا وأسلموا
ومنها وفد همدان وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع من همدان فيهم مالك ابن نمط كان شاعرا مجيدا فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك عليهم مقطعات من الحبرات بكسر الحاء المهملة ثياب قصار وقيل مخططة من برود اليمن والعمائم العدنية نسبة إلى عدن مدينة باليمن سميت بذلك لأن تبعا كان يحبس فيها أرباب الجرائم وفدوا اليه صلى الله عليه وسلم على الرواحل المهرية والأرحبية والمهرية نسبة إلى قبيلة يقال لها مهرة باليمن والأرحبية نسبة إلى أرحب وصار مالك بن نمط يرتجز إي يقول الرجز بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ** إليك جاوزنا سواد الريف ** في هبوات الصيف والخريف ** ** مخطمات بحبال الليف
ومن شعره ** حلفت برب الراقصات إلى منى ** صوادر بالركبان من هضب قردد ** ** بأن رسول الله فينا مصدق ** رسول أتى من عند ذي العرش مهتد ** ** فما حملت من ناقة فوق رحلها ** أشد على أعدائه من محمد **
وقد أمره صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه وأمره بقتال ثقيف فكان لا يخرج لهم سرج إلا أغار عليه كذا في الأصل
وفي الهدى روى البيهقي بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد
____________________

ابن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى من ذكر يدعوهم إلى الاسلام فأقام ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه ثم إنه صلى الله عليه وسلم بعث عليا كرم الله وجهه وأمر خالدا بالرجوع إليه وأن من كان مع خالد إن شاء بقي معي علي وإن شاء رجع مع خالد فلما دنا من القوم خرجوا إليه فصف علي كرم الله وجهه أصحابه صفا واحدا ثم تقدم بين أيديهم وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا جميعا وكتب بذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه ثم قال السلام على همدان السلام على همدان وهذا أصح لأن همدان لم تكن تقاتل ثقيفا فإن همدان باليمن وثقيفا بالطائف
أي وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال نعم الحي همدان ما أسرعها إلى النصر وأصبرها على الجهد وفيهم أبدال وفيهم أوتاد
ومنها وفد تجيب أي بضم المثناة فوق وتحيته ويجوز الفتح وهي قبيلة من كندة وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد تجيب وقد كانوا ثلاثة عشر رجلا وقد ساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عليهم فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وأكرم مثواهم وقالوا يا رسول الله إنا سقنا اليك حق الله في اموالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوها فاقسموها على فقرائكم قالوا يا رسول الله ما قدمنا عليك إلا بما فضل عن فقرائنا أي وفضل بفتح الضاد وكسرها قال ابو بكر يا رسول الله ما قدم علينا وفد من العرب مثل هذا الوفد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الهدى بيد الله عز وجل فمن أراد به خيرا شرح صدره للإيمان وجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن فازداد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم رغبة وأرادوا الرجوع إلى أهليهم فقيل لهم ما يعجلكم قالوا نرجع إلى من وراءنا فنخبرهم برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلاقينا إياه وما ورد علينا ثم جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعوه فأرسل إليهم بلالا فأجازهم بأرفع ما كان يجيز به الوفود ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هل بقي منكم أحد قالوا غلام خلفناه على رحالنا وهو أحدثنا سنا قال فأرسلوه إلينا فأرسلوه فأقبل الغلام حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله أنا من الرهط الذين أتوك آنفا فقضيت حوائجهم فاقض حاجتي قال وما حاجتك قال تسأل الله عز وجل أن يغفر لي ويرحمني ويجعل غناي في قلبي فقال رسول الله
____________________

صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه ثم أمر له صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه
ثم إنهم بعد ذلك وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى في الموسم إلا ذلك الغلام فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل الغلام الذي أتاني معكم قالوا يا رسول الله ما رأينا مثله قط ولا حدثنا بأقنع منه بما رزقه الله لولا أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها ولا التفت اليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله إني لأرجو أن يموت جميعا فقال رجل منهم او ليس يموت الرجل جميعا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تشعب أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا فعل الأجل يدركه في بعض تلك الأودية فلا يبال الله عز وجل في أيها هلك
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع من رجع من أهل اليمن عن الإسلام قام ذلك الغلام في قومه فذكرهم الله والإسلام فلم يرجع منهم أحد وجعل أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يذكر ذلك الغلام ويسأل عنه ولما بلغه ما قام به كتب إلى زياد بن الوليد أي وكان واليا على حضرموت يوصيه به خيرا
ومنها وفد بن ثعلبة وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من الجعرانة أربعة نفر من بني ثعلبة أي مقرين بالإسلام فإذا رسول اله صلى الله عليه وسلم قد خرج من بيته ورأسه يقطر ماء قال بعضهم فرمى ببصره إلينا فاسرعنا إليه وبلال يقيم الصلاة فسلمنا عليه وقلنا يا رسول الله إنا رسل من خلفنا من قومنا ونحن مقرون بالإسلام وقد قيل لنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا إسلام لمن لا هجرة له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيثما كنتم واتقيتم الله فلا يضركم أي ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا الظهر ثم انصرف إلى بيته فلم يلبث أن خرج الينا فدعا بنا فقال كيف بلادكم فقلنا مخصبون فقال الحمد لله فأقمنا أياما وضايفته صلى الله عليه وسلم تجري علينا ثم لما جاءوا يودعونه صلى الله عليه وسلم قال لبلال أجزهم فأعط كل واحد منهم خمس أواق فضة أي والأوقية اربعون درهما
ومنها وفد بني سعد هذيم من قضاعة عن النعمان رضي الله تعالى عنه قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافدا في نفر من قومي وقد اوطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاد أي جعلها موطأة فهرا وغلبة وأزاح العرب أي استولى عليها
____________________

والناس صنفان إما داخل في الإسلام راغب فيه وإما خائف السيف فنزلنا ناحية من المدينة ثم خرجنا نؤم المسجد حتى أنتهينا إلى بابه فنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على جنازة في المسجد أي وهو سهيل بن البيضاء لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل في مسجده على جنازة إلا عليه رضي الله تعالى عنه وما وقع له في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلى فيه على سهيل وأخيه نظر فيه مع أن فقهاءنا ذكروه وأقروه فقمنا خلفه ناحية ولم ندخل مع الناس في صلاتهم وقلنا حتى يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبايعه
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلينا فدعا بنا فقال ممن أنتم فقلنا من بني سعد هذيم فقال أمسلمون أنتم قلنا نعم فقال هلا صليتم على أخيكم قلنا يا رسول الله ظننا أن ذلك لا يجوز لنا حتى نبايعك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما أسلمتم فأنتم مسلمون قال فأسلمنا وبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيدينا على الإسلام ثم انصرفنا إلى رحالنا وقد كنا خلفنا عليها أصغرنا فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبنا فأتى بنا إليه فتقدم صاحبنا فبايعه صلى الله عليه وسلم على الإسلام فقلنا يا رسول الله إنه أصغرنا وإنه خادمنا فقال صلى الله عليه وسلم سيد القوم خادمهم بارك الله عليه قال النعمان رضي الله تعالى عنه فكان والله خيرنا وأقرأنا للقرآن لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا فكان يؤمنا فلما أردنا الانصراف أمر صلى الله عليه وسلم بلالا فأجازنا بأواق من فضة لكل رجل منا فرجعنا إلى قومنا
ومنها وفد بني فزارة وفد عليه صلى الله عليه وسلم بضعة عشر رجلا من بني فزارة فيهم خارجة بن حصن أخو عيينة بن حصن وابن أخيه الجد بن قيس بن حصن وهو أصغرهم مقرين بالإسلام وهم مسنتون أي توالى عليهم الجدب على ركائب عجاف أي هزال فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بلادهم فقال رجل منهم أي وهو خارجة أسنتت بلادنا وهلكت مواشينا وأجدب جنابنا أي ما حولنا وغرثت أي جاعت عيالنا فادع لنا ربك يغيثنا واشفع لنا إلى ربك وليشفع لنا ربك إليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله ويلك هذا أنا أشفع إلى ربي عز وجل فمن ذا الذي يشفع ربنا اليه لا إله إلا هو العلي العظيم وسع كرسيه أي علمه كذا قيل وقيل موضع قدميه السموات والأرض أي احاط بالسموات والأرض وهو دون العرش
____________________

كما جاء به الآثار فهي تئط أي تصوت من عظمته وجلاله كما يئط الرحل بالحاء المهملة الحديث أي من ثقل الحمل
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليضحك من شغفكم وأزلكم أي شدة ضيقكم وجدبكم وقرب غيائكم فقال الأعرابي لن نعدم من رب يضحك خيرا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وصعد صلى الله عليه وسلم المنبر فتكلم بكلمات وكان لا يرفع يديه أي الرفع البالغ في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء فرفع صلى الله عليه وسلم يديه حتى رؤى بياض إبطيه أي وفي النور وقد جوزت وجها وهو أنه عليه الصلاة والسلام كان يرفع يديه في الاستسقاء يعني ظهور كفيه إلى السماء كما في مسلم أي فيكون التقدير لا يرفع ظهور كفيه إلى السماء إلا في الاستسقاء
وأقول فيه أن هذا يقتضي أنه يفعل ذلك وإن كان استسقاؤه لطلب حصول شيء كما في دعائه صلى الله عليه وسلم في هذا الاستسقاء فإنه متضمن للحصول
وقد ذكر في النور أن ما كان الدعاء فيه لطلب شيء كان ببطون الكفين إلى السماء
والظاهر أن مستند ذلك استقراء حاله صلى الله عليه وسلم في الدعاء في الاستسقاء وغيره فليتأمل والله أعلم
ومما حفظ من دعائه صلى الله عليه وسلم اللهم أسق بقطع الهمزة ووصلها بلادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت اللهم اسقنا غيثا أي مطرا مغيثا مربعا بضم الميم وإسكان الراء وبالموحدة مكسورة وبالعين المهلمة مسرعا لإخراج الربيع مرتعا بالتاء المثناة فوق من رتعت الدابة إذا أكملت ما شاءت طبقا أي مستوعبا للأرض منطبقا عليها واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار اللهم اسقنا رحمة ولا تسقنا عذابا ولا هدما ولا غرقا ولا محقا اللهم أسقنا الغيث وانصرنا على الاعداء فقام ابو لبابة رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله التمر في المرابد أي وتكرر ذلك منه صلى الله عليه وسلم ومن أبي لبابة ثلاثا مرات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اسقنا الغيث حتى يقوم ابو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده أي المحل الذي يخرج منه ماء المطر بازاره فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم امطرت فوالله ما رأينا الشمس سبتا أي من السبت إلى السبت الآخر وقام أبو لبابة رضي الله تعالى عنه عريانا يسد ثعلب مربده بازاراه لئلا يخرج التمر منه
____________________


وفي بعض الروايات فأمطرت السماء وصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طاف الأنصار بأبي لبابة رضي الله تعالى عنهم يقولون له يا أبا لبابة إن السماء والله لم تقلع حتى تقوم عريانا تسد ثعلب مربدك بازارك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام ابو لبابة رضي الله تعالى عنه عريانا يسد ثعلب مربده بازاره فأقلعت السماء وحينئذ يكون قول الراوي لئلا يخرج منه التمر بحسب ما فهم ويكون قول الصحابة فوالله ما رأينا الشمس سبتا كان في قصة غيرها فخلط بعض الرواة فجاء ذلك الرجل أو غيره والذي في الصحيح أنه الرجل الأول
وذكر بعض الحفاظ أنه خارجة بن حصن فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فدعا ورفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه وهو أي بياض الإبط معدود من خصائصه صلى الله عليه وسلم ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم علي الإكام بكسر الهمزة جمع أكمة وهي التل المرتفع والظراب بكسر الظاء المشالة جمع ظرب بفتحها الروابي الصغار وبطون الأودية ومنابت الشجر فانجابت السحابة أي أقلعت عن المدينة انجياب الثوب
أقول لعل هذا المطر كان عاما للمدينة وما حولها حتى وصل إلى محل هؤلاء الوفد وإلا فهم إنما طلبوا حصول المطر لمحلهم ولا يلزم من وجوده بالمدينة وجوده بمحلهم إلا إذا كان قريبا بالمدينة بحيث إذا وجد المطر بها يوجد بمحلهم غالبا وقد أشار صاحب الهمزية رحمه الله تعالى إلى هذه القصة بقوله ** ودعا للأنام إذا دهمتهم ** سنة من مخولها شهباء ** ** فاستلهت بالغيث سبعة أيا ** م عليهم سحابة وطفاء ** ** تتحرى مواضع الرعى والسق ى وحيث العطاش توهى السقاء ** ** وأتى الناس يشتكون أذاها ** ورخاء يؤذي الأنام غلاء ** د ** فدعا فانجلى الغمام فقل في ** وصف غيث إقلاعه استسقاء ** ** ثم أثرى الثرى وقرت عيون ** بقراها وأحييت أحياء ** ** فترى الارض عنده كسماء ** أشرقت من نجومها الظلماء ** ** يخجل الدر واليواقيت من نو ** ر رباها البيضاء والحمراء **
ثم رأيت في الحدائق لابن الجوزي رحمه الله عن أنس رضي الله تعالى عنه قال أصابت
____________________

الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة فقام أعرابي فقال يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله ان يسقينا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما في السماء قزعة سحاب فدار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل صلى الله عليه وسلم عن المنبر حتى رأينا المطر يتحادر على لحيته الشريفة قال فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الأخرى فقام ذلك الأعرابي أوغيره فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال ادع الله لنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال اللهم حوالينا ولا علينا قال فما جعل يشير بيديه إلى ناحية من السماء إلا انفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجونة حتى سال الوادي شهرا فلم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود
ثم رأيت بعضهم قال أحاديث الاستسقاء ثابتة في الصحيحين وطاهرها أنه تعدد ففي بعضها أنه وقع وهو في خطبة الجمعة وفي بعضها أنه صعد المبنر حين شكى اليه فخطب ودعا
وفي بعضها أنه خرج إلى المصلى بعد أن وعد الناس يوما يخرج فيه ونصب له منبرا واستسقى وأجيبت دعوته ونزل المطر وجاء اليه صلى الله عليه وسلم أعرابي وقال له يا رسول الله أتيناك ومالنا بعير يئط ولا صغسير يغط ثم أنشد شعرا يقول فيه ** وليس لنا إلا إليك فرارنا ** وأين فرار الناس إلا إلى الرسل **
فقام صلى الله عليه وسلم وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر فدعا فسقى ثم قال صلى الله عليه وسلم لو كان أبو طالب حيا لقرت عيناه من ينشدنا قوله فقام علي كرم الله وجهه فقال يا رسول الله كأنك تريد قوله ** وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ** ثمال اليتامى عصمة للأرامل ** الأبيات
فقال صلى الله عليه وسلم أجل
وفي رواية لما جاءه صلى الله عليه وسلم المسلمون وقالوا يا رسول الله قحط المطر ويبس الشجر وهلكت المواشي وأسنت الناس فاستسق لنا ربك فخرج صلى الله عليه وسلم والناس معه يمشون بالسكينة والوقارحتى أتوا المصلى فتقدم صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة وكان يقرأ في العيدين والاستسقاء في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسبح اسم ربك الأعلى وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وهل
____________________

أتاك حديث الغاشية فلما قضى صلاته استقبل الناس بوجهه وقلب رداءه لكي يتقلبه القحط إلى الخصب ثم جثى صلى الله عليه وسلم على ركبتيه ورفع يديه وكبر تكبيرة ثم قال اللهم اسقنا وأغثنا مغيثا رحيما واسعا وجدا طبقا مغدقا عاما هنيئا مريئا مربعا مرتعا وابلا سائلا مسيلا مجللا دائما دارا نافعا غير ضار عاجلا غير واب غيثا اللهم تحي به البلاد وتغيث به العباد وتجعله بلاغا للحاضر منا والباد اللهم أنزل في أرضنا زينتها وأنزل علينا سكنها اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهورا تحي به بلدة ميتا واسعة مما خلقت أنعاما وأناسى كثيرا فما برحوا حتى أقبل قزع من السحاب فالتأم بعضه إلى بعض ثم أمطرت سبعة ايام لا تقلع عن المدينة فأتاه صلى الله عليه وسلم المسلمون فقالوا قد غرقت الأرض وتهدمت البيوت وانقطعت السبل فادع الله يصرفها عنها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر حتى بدت نواجذه تعجبا لسرعة ملالة ابن آدم ثم رفع يديه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على رءوس الظراب ومنبت الشجر وبطون الأودية وظهور الآكام فتقشعت عن المدينة ثم قال صلى الله عليه وسلم لله در أبي طالب لو كان حيا قرت عيناه من الذي ينشدنا قوله فقام علي كرم الله وجهه فقال يا رسول الله كأنك أردت قوله فقال الابيات
ومنها وفد بني أسد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم رهط من بني أسد منهم ضرار بن الازور ووابصة بن معبد وطليحة بن عبد الله الذي ادعى النبوة بعد ذلك ثم أسلم وحسن إسلامه ومنهم بن عبد الله بن خلف
وقد استهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ناقة تكون جيدة للركوب والحلب من غير أن يكون له ولد معها فطلبها فلم يجدها إلا عند ابن عم له فجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلبها فشرب منها ثم سقاه ثم قال اللهم بارك فيها وفيمن منحها قال يا رسول الله وفيمن جاء بها قال وفيمن جاء بها ومنهم حضرمي بن عامر ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد مع اصحابه فسلموا عليه وقال شخص منهم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله وجئناك يا رسول الله ولم تبعث إلينا بعثا ونحن لمن وراءنا
أي وفي لفظ إن حضرمي بن عامر قال أتيناك نتدرع الليل البهيم في سنة شهباء أي ذات قحط ولم تبعث إلينا وفي رواية يا رسول الله أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك العرب فأنزل
____________________

الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين }
وسألوه صلى الله عليه وسلم عما كانوا يفعلونه في الجاهلية من العيافة وهي زجر الطير والتخرص على الغيب والكهانة وهي الإخبار عن الكائنات في المسقبل وضرب الحصباء فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالوا يا رسول الله خصلة بقيت فقال وما هي قالوا الخط أي خط الرمل ومعرفة ما يدل عليه قال صلى الله عليه وسلم علمه نبي فمن صادف مثل علمه علم أي وفي رواية لمسلم فمن وافق خطه أي عم موافق خطه فذاك أي يباح له وإلا فلا يباح له إلا بتبيين الموافقة
أي وفي شرح مسلم أن محصل مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه أي لأنه لا طريق لنا إلا إلى العلم اليقيني بالموافقة وكأنه صلى الله عليه وسلم قال لو عملتم موافقته لكن لا علم لكم بها وأقاموا أياما يتعلمون الفرائض ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعوه وأمر لهم بجوائز ثم انصرفوا إلى أهليهم
ومنا وفد بني عذرة قبيلة باليمن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا من بني عذرة أي وسلموا بسلام الجاهلية فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من القوم فقال قائلهم من بني عذرة أي اخو قص لامه نحن الذين عضدوا قصيا وازاحوا من بطن مكة خزاعة وبني بكر فلنا قرابات وأرحام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحبا بكم وأهلا أي لقيتم رحبا وأتيتم أهلا فستأنسوا ولا تستوحشوا ما أعرفني بكم قال ثم قال صلى الله عليه وسلم لهم فما يمنعكم من تحية الإسلام قالوا يا محمد كنا على ما كان عليه آباؤنا فقدمنا مرتادين لأنفسنا ولقومنا وقالوا إلام تدعو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعو 2 إلى عبادة الله وحده لا شريك له وأن تشهدوا أني رسول الله إلى الناس كافة فقال متكلمهم فما وراء ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس تحسن طهورهن وتصليهن لمراقبتهن فإنه أفضل العمل ثم ذكر لهم صلى الله عليه وسلم باقي الفرائض من الصيام والزكاة والحج انتهى فأسلموا وبشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح الشام عليهم وهرب هرقل إلى ممتنع بلاده ونهاهم صلى الله عليه وسلم عن سؤال الكاهنة أي فقد قالوا يا رسول الله إن فينا امرأة كاهنة قريش والعرب يتحاكمون اليها أفنسألها عن أمور فقال صلى الله عليه وسلم
____________________

لا تسألوها عن شيء ونهاهم صلى الله عليه وسلم عن الذبائح التي كانوا يذبحونها الى اصنامهم وقالوا نحن أعوانك وأنصارك ثم انصرنوا وقد اجيزوا أي وكسا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدهم دابر
ومنها وفد بني بلى على وزن على مكبرا وهو حي من قضاعة وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد من بلى منهم وهو شيخهم أبو الضبيب تصغير الضب الدابة المعروفة نزلوا على رويفع بن ثابت البلوي وقدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له هؤلاء قومي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحبا بك وبقومك فاسلموا وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي هداكم للإسلام فمن مات منكم على غير الإسلام فهو في النار
قال وفي رواية عن رويفع رضي الله عنه قال قدم وفد قومي فأنزلتهم علي ثم خرجت بهم حتى انتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه فسلمنا عليه فقال صلى الله عليه وسلم رويفع فقلت لبيك قال من هؤلاء القوم قلت قومي يا رسول الله قال مرحبا بك وبقومك قلت يارسول الله قدموا وافدين عليك مقرين بالإسلام وهم على من وراءهم من قومهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يهديه للإسلام فتقدم شيخ الوفد أبو الضبيب فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا وفدنا إليك لنصدقك ونشهد أنك نبي حق ونخلع ما كنا نعبد وكان يعبد آباءؤنا فقال صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي هداكم للإسلام فكل من مات على غير الإسلام فهو في النار انتهى وقال له ابو الضبيب يا رسول الله إن لي رغبة في الضيافة فهل لي في ذلك أجر قال نعم وكل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقه فقال يارسول الله ما وقت الضيافة قال ثلاثة أيام فما بعد ذلك صدقه ولا يحل للضيف أن يقيم عندك فيحوجك أي يضيق عليك أي وفي لفظ فيؤثمك أي يعرضك للإثم أي تتكلم بسيء القول قال يا رسول الله أرأيت الضالة من الغنم أجدها في الفلاة من الأرض قال هي لك أو لأخيك أو للذئب قال فالبعير قال مالك وله دعه حتى يجده صاحبه قال رويفع ثم قاموا فرجعوا إلى منزلي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي منزلي يحمل تمرا فقال استعن بهذا التمر فكانوا يأكلون منه ومن
____________________

غيره فأقاموا ثلاثة أيام ثم ودعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجازهم ورجعوا إلى بلادهم
ومنها وفد بني مرة وفد عليه صلى الله عليه وسلم وسلم ثلاثة عشر رجلا من بني مرة رأسهم الحارث بن عوف فقال يا رسول الله إنا قومك وعشيرتك نحن قوم من بني لؤي ابن غالب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للحارث أين تركت أهلك فقال بسلاح وما والاها فقال كيف البلاد فقال والله إنا لمسنتون وما في المال مح أي صوت يردده فادع الله لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اسقهم الغيث فأقاموا أياما ثم أرادوا الانصراف إلى بلادهم فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مودعين له فأمر بلالا أن يجيزهم فأجازهم بعشرة أواق من فضة وفضل الحارث ابن عوف فأعطاه اثني عشر اوقية أي وهذا يفيد أن كل واحد أعطى عشر أواق ورجعوا إلى بلادهم فوجدوا البلاد مطيرة فسألوا قومهم متى مطرتم فإذا هو ذلك اليوم الذي دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم واخصبت لهم بعد ذلك بلادهم
ومنها وفد خولان وهي قبيلة من اليمن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من خولان فقالوا يا رسول الله نحن على من وراءنا من قومنا ونحن مؤمنون بالله عز وجل مصدقون برسوله وقد ضربنا إليك آباط الإبل وركبنا حزون الأرض وسهولها وحزون كفلوس وهو ما غلظ منها والمنة لله ولرسوله علينا وقدمنا زائرين لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ما ذكرتم من مسيركم إلي فإن لكم بكل خطوة خطاها بعير أحدكم حسنة وأما قولكم زائرين لك فإنه من زارني بالمدينة كان في جواري يوم القيامة فقالوا يا رسول الله هذا السفر الذي لا توى عليه أي والتوى بفتح المثناة فوق وفتح الواو مقصورا هو هلاك المال ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل عم أنس وهو صنم خولان الذي كانوا يعبدونه قالوا بشر بدلنا الله تعالى ما جئت به وقد بقيت منا بقايا شيخ كبير وعجوز كبيرة متمسكون به ولو قدمنا عليه هدمناه إن شاء الله تعالى فقد كنا منه في غرور وفتنة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وما اعظم ما رأيتم من فتنة قالوا لقد رأيتنا بضم المثناة فوق واسنتنا حتى أكلنا الرمة فجمعنا ما قدرنا عليه وابتعنا مائة ثور ونحرناها لعم أنس قربانا في غداة واحدة وتركناها يردها السباع ونحن أحوج اليها من السباع فجاءنا الغيث من
____________________

ساعتنا لقد رأينا الغيث يواري الرحال ويقول قائلنا أنعم علينا عم أنس وذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يقسمون لهذا الصنم من أموالهم من إنعامهم وحرثهم فقالوا كنا نزرع الزرع فنجعل له وسطه فنسميه له ونسمى زرعا آخر حجرة أي ناحية الله فإذا مالت الريح بالذي سميناه له أي لله جعلناه لعم أنس وإذا مالت الريح بالذي سميناه لعم أنس لم نجعله الله فذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أنزل علي في ذلك { وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا } الآية قالوا وكنا نتحاكم إليه فيتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الشياطين تكلمكم وسألوه صلى الله عليه وسلم عن فرائض الله فأخبرهم بها صلى الله عليه وسلم وأمرهم بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة وحسن الجوار لمن جاوروا وأن لا يظملوا أحدا فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ثم ودعوه صلى الله عليه وسلم بعد أيام وأجازهم أي أعطى كل واحد اثنتي عشرة أوقية ونشا ورجعوا إلى قومهم فلم يحلوا عقدة حتى هدموا عم أنس
ومنها وفد بني محارب وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من بني محارب وفيهم خزيمة بن سواد وكانوا أغلظ العرب وأشدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام عرضه نفسه على القبائل في المواسم يدعوم إلى الله تعالى فجلسوا عنده يوما من الظهر إلى العصر وأدام صلى الله عليه وسلم النظر إلى رجل منهم وقال له قد رأيتك فقال له ذلك الرجل إي والله رأيتني وكلمتك بأقبح الكلام ورددتك بأقبح الرد بعكاظ وأنت تطوف على الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ثم قال يا رسول الله ما كان في أصحابي اشد عليك يومئذ ولا أبعد عن الإسلام مني فأحمد الله الذي جاء بي حتى صدقت بك ولقد مات أولئك النفر الذين كانوا معي على دينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذه القلوب بيد الله عز وجل فقال يا رسول الله استغر لي من مراجعتي إياك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا الإسلام يجب ما قبله يعني الكفر أي ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه خزيمة بن سواد فصارت له غرة بيضاء وأجازهم كما يجيز الوفود ثم انصرفوا إلى أهليهم
ومنا وفد صداء حي من عرب اليمن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلا من صداء
وسبب ذلك أنه صلى الله عليه وسلم هيأ بعثا أربعمائة من المسلمين استعمل عليهم قيس
____________________

ابن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهم ودفع له لواء أبيض ودفع إليه راية سوداء وأمره ان يطأ ناحية من اليمن كان فيها صداء فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل منهم وعلم بالجيش فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله جئتك وافدا على من ورائي فاردد الجيش وأنا لك بقومي فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم قيس بن سعد رضي الله تعالى عنهما وخرج الصدائي إلى قومه فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بأولئك القوم فقال سعد بن عبادة يا رسول الله دعهم ينزلون علي فنزلوا عليه فحباهم بالموحدة أعطاهم وأكرمهم وكساهم ثم ذهب بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام وقالوا له نحن لك على من وراءنا من قومنا فرجعوا إلى قومهم ففشا فيهم الإسلام فوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة رجل في حجة الوداع وسمى ذلك الرجل الذي كان سببا في رد الجيش ومجيء الوفد بزياد بن الحارث الصدائي أي وذكر زياد أنه صلى الله عليه وسلم قال له يا أخا صداء إنك لمطاع في قومك قال فقلت بلى من من الله عز وجل ومن رسوله قال وفي رواية بل الله هداهم للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا أؤمرك عليهم فقلت بلى يا رسول الله فكتب لي كتابا بذلك فقلت يا رسول الله مر لي شيء من صدقاتهم قال نعم فكبت لي كتابا آخر انتهى
قال زياد رضي الله تعالى عنه وكنت معه صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وكنت رجلا قويا فلزمت غرزة أي ركابه وجعل أصحابه يتفرقون عنه فلما كان السحر قال صلى الله عليه وسلم أذن يا أخا صداء فأذنت على راحلتي ثم سرنا حتى نزلنا فذهب صلى الله عليه وسلم لحاجته ثم رجع فقال يا أخا صداء هل معك ماء قلت معي شيء في إداوتي أي وهي إناء من جلد صغير وفي رواية لا إلا شيء قليل لا يكفيك قال هاته فجئت به قال صب نصببت ما في الإداوة في القعب أي وهو القدح الكبير وجعل أصحابه صلى الله عليه وسلم يتلاحقون ثم وضع صلى الله عليه وسلم كفه في الإناء فرأيت بين كل اصبعين من أصابعه عينا تفور ثم قال يا أخا صداء لولا اني أستحي من ربي عز وجل لسقينا وأسقينا أي من غير اصل ثم توضأ وقال أذن في أصحابي من كانت له حاجة في الوضوء بفتح الواو فليرد قال فورد الناس من آخرهم ثم جاء بلال يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أخا صداء
____________________

أذن ومن أذن فهو يقيم فأقمت ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا فلما سلم يعني من صلاته قام رجل يشكو من عامله فقال يا رسول الله إنه آخذنا بذحول كانت بيننا وبين قومه في الجاهلية أي وفي رواية آخذنا بكل شيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في الإمارة لرجل مسلم ثم قام رجل آخر فقال يا رسول الله أعطني من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل لم يكل قسمتها إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل حتى جزأها ثمانية أجزاء فإن كنت جزءا منها أعطيتك إن كنت غنيا عنها فإنما هي صداع في الرأس وداء في البطن فقلت يا رسول الله هذان كتاباك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم قلت إني سمعتك تقول لا خير في الإمارة لرجل مسلم وأنا رجل مسلم وسمعتك تقول من سأل الصدقة وهو عنها غني فإنما هي صداع في الرأس وداء في البطن وأنا غني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إن الذي قلت كما قلت ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دلني على رجل من قومك أستعمله فدللته صلى الله عليه وسلم على رجل منهم فاستعمله قلت يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء كفانا ماؤها وإن كان الصيف قل علينا فتفرقنا على المياه والإسلام فينا قليل ونحن نخاف فادع الله عز وجل لنا في بئرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ناولني سبع حصيات فناولته ففكرهن في يده الشريفة ثم دفعهن إلي وقال إذا انتهيت إليها فألق فيها حصاة حصاة وسم الله قال ففعلت فما أدركنا لها قعرا حتى الساعة
ومنا وفد غسان اسم ماء نزل عليه قوم من الأزد فنسبوا اليه ومنهم بنو حنيفة وقيل غسان قبيلة
وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من غسان فأسلموا وقالوا لا ندري هل يتبعنا قومنا أم لا وهم يحبون بقاء ملكهم وقربهم من قيصر فأجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوائز وانصرفوا راجعين إلى قومهم فلما قدموا عليهم ولم يستجيبوا لهم كتموا إسلامهم
ومنها وفد سلامان بفتح السين وتخفيف اللام وفي العرب بطون ثلاثة منسوبون إليه بطن من الأزد وبطن من طيء وبطن من قضاعة وهم هؤلاء
____________________

وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة نفر من سلامان فيهم خبيب بن عمرو السلاماني فأسلموا
قال وعن خبيب رضي الله تعالى عنه صادفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا من المسجد إلى جنازة دعى إليها فقلنا السلام عليك يا رسول الله فقال وعليكم السلام من أنتم قلنا نحن من سلامان قدمنا إليك لنبايعك على الإسلام ونحن على من وراءنا من قومنا فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى ثوبان غلامه فقال أنزل هؤلاء وسألنا عن اشياء انتهى
قال خبيب رضي الله تعالى عنه قلت يا رسول الله ما أفضل الأعمال قال الصلاة في وقتها وصلوا معه صلى الله عليه وسلم يؤمئذ الظهر والعصر ثم شكوا له صلى الله عليه وسلم جدب بلادهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اسقهم الغيث في دارهم فقلت يا رسول الله ارفع يديك فإنه أكثر وأطيب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه ثم قام صلى الله عليه وسلم وقمنا معه وأقمنا ثلاثة أيام وضيافته صلى الله عليه وسلم تجري علينا ثم ودعناه وأمر لنا بجوائز فأعطينا خمس أواق فضة لكل واحد واعتذر إلينا بلال رضي الله تعالى عنه وقال ليس عندنا اليوم مال فقلنا ما أكثر هذا وأطيبه ثم رجعنا إلى بلادنا فوجدناها قد مطرت في اليوم الذي دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومنا وفد بني عبس وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة من نبي عبس فقالوا يا رسول الله قدم علينا قراؤنا فأخبرونا أنه لا إسلام لمن لا هجرة له ولنا أموال ومواش هي معاشنا فإن كان لا إسلام لمن لا هجرة له بعناها وهاجرنا من آخرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقوا الله حيث كنتم فلن يلتكم أي ينقصكم من أعمالكم شيئا وسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خالد بن سنان هل له عقب فأخبروه أنه لا عقب له كانت له ابنة فانقرضت وأنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه عن خالد بن سنان وقال إنه نبي ضيعه قومه وجاء ليس بيني وبين عيسى عليه الصلاة والسلام نبي
أي وإذا صح شيء من الأحاديث التي ذكر فيها خالد بن سنان أو غيره يكون
____________________

معناه لم يكن بينه صلى الله عليه وسلم وبين عيسى عليه السلام نبي مرسل أي وتقدم ما في ذلك
ومنها وفد النخع أي بفتح النون والخاء المعجمة قبيلة من اليمن وهم آخر الوفود وكان وفودهم سنة إحدى عشرة في النصف من المحرم
وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مائتا رجل من النخع مقرين بالإسلام وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه فقال رجل منهم يقال له زرارة بن عمرو يا رسول الله إني رأيت في سفري هذا عجبا أي وفي رواية رأيت رؤيا هالتني قالو ما رأيت قال رأيت أتانا نركبها في الحي ولدت جديا أي وهو ولد المعز اسقع أحوى أي والأسقع الذي سواده مشرب بحمرة والأحوى الذي ليس شديد السواد ومن ثم فسر بالأخضر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تركت أمة لك مصرة لك على حمل قال نعم قال فإنها تلد غلاما وهو ابنك قال يا رسول الله فماله أسقع أحوى قال ادن مني فدنا منه فقال هل بك برص تكتمه قال فوالذي بعثك بالحق ما علم به احد ولا أطلع عليه غيرك قال هو ذاك قال يا رسول الله ورايت النعمان بن المنذر أي وهو ملك العرب وعليه قرطان والقرط ما يكون في شحمة الأذن ودملجان بضم الدال المهملة وضم اللام وفتحها ومسكتان بضم الميم وسكون المهملة قال ذاك ملك العرب رجع إلى أحسن زيه وبهجته قال يا رسول الله ورايت عجوزا شمطاء أي يخالط شعر رأسها الأبيض شعر أسود خرجت من الأرض قال تلك بقية الدنيا وقال ورأيت نارا خرجت من الأرض فحالت بني وبين ابن لي يقال له عمرو وهي تقول لظى لظى بصير وأعمى أطعموني أكلكم أهلكم ومالكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك فتنة تكون في آخر الزمان قال يا رسول الله وما الفتنة قال يقتل الناس إمامهم ويشتجرون اشتجار أطباق ا لرأس ويشتجرون بالشين المعجمة وبالجيم أي يشتبكون في الفتنة اشتباك أطباق الراس وخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصبعيه يحسب المسيء فيها أنها محسن ويكون دم المؤمن عند المؤمن أسهل أي وفي لفظ أحلى من شرب الماء البارد وإن مات ابنك أدركت الفتنة وإن مت أنت أدركها ابنك فقال يا رسول الله أني لا أدركها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم لا يدركها فمات وبقي ابنه عمرو ولم يجتمع به صلى الله عليه وسلم فهو تابعي وكان ممن خعل عثمان رضي الله تعالى عنه
____________________


قال وفي رواية أن النخع بعث رجلين منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم أرطاه بن شرحبيل من بني حارثة والأرقم من بني بكر فلما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض عليهما الاسلام فقبلاه فبايعاه على قومهما وأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم شانهما وحسن هيئتهما وقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم هل خلفتما وراءكما من قوكما مثلكما قالا لا يا رسول الله قد خلفنا وراءنا من قومنا سبعين رجلا كلهم أفضل منا وكلهم يقطع الأمر وينفذ الأشياء ما يشاء فدعا لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقومهما بخير وقال اللهم بارك في النخع
وعقد صلى الله عليه وسلم وسلم لأرطاة لواء على قومه فكان في يده يوم الفتح وشهد به القادسية وقتل يومئذ رضي الله تعالى عنه ا هـ
وقوله وكان في يده يوم الفتح لا يناسب ما تقدم أن وفد النخع كان قدومه في سنة إحدى عشرة إلا أن يقال إن هذين وفدا قبل وفود ذلك الجمع
وقد ترك الأصل التعرض لجملة الوفود وذكرت في السيرة العراقية والسيرة الهشامية تركناها تبعا للأصل
منها أن عمرو بن مالك وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم ثم رجع إلى قومه فدعاهم إلى الإسلام فقالوا حتى نصيب من بني عقيل مثل ما أصابوا منا فكان بينهم وبين بني عقيل مقتلة وكان عمرو بن مالك هذا من جملة من قاتل معهم فقتل رجلا من بني عقيل قال عمرو فشددت يدي في غل وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغه ما صنعت فقال صلى الله عليه وسلم إن أتاني لأضرب ما فوق الغل من يده فلما جئت سلمت فلم يرد علي السلام وأعرض عني فأتيته عن يمينه فاعرض عني فأتيته عن يساره فأعرض عني فأتيه من قبل وجهه فقلت يا رسول الله إن الرب عز وجل ليترضى فيرضى فارض عني رضي الله تعالى عنك قال رضيت
وتقدم أنه قد جاء في الصحيح لا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ولا أحد أحب اليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه ولا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن والله اعلم
____________________

& باب بيان كتبه صلى الله عليه وسلم التي أرسلها الى الملوك يدعوهم إلى الإسلام
أي في الغالب وإلا فمنها ما ليس كذلك وهذه غير كتبه صلى الله عليه وسلم التي كتبها بالامان التي تقدم ذكرها
أي ولما أراد صلى الله عليه وسلم أن يكتب للملوك قيل له يا رسول الله إنهم لا يقرءون كتابا إلا إذا كان مختوما أي ليكون في ذلك إشعار بأن الاحوال المعروضة عليهم ينبغي أن تكون مما لا يطلع عليها غيرهم وفيه أن هذا واضح إذا كان الختم عليها بعد طيها ويجعل عليها نحو شمع ويختم فوق ذلك والظاهر أن ذلك لم يكن وحينئذ يكون الغرض من ذلك أمن التزوير لبعده مع الختم فاتخذ صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة أي بعد أن اتخذ خاتما من ذهب فاقتدى به صلى الله عليه وسلم ذوو اليسار من أصحابه فصنعوا خوايتم من ذب ولما لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لبس أصحابه رضي الله تعالى عنهم خواتيمهم فجاءه جبريل عليه السلام بعد من الغد بأن لبس الذهب حرام على ذكور أمتك فطرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الخاتم فطرح أصحابه خواتيمهم كان نقش خاتمه الفضة ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر
وفي حديث موضوع كان نقش خاتمه صدق الله وفي رواية شاذة أنه بسم الله محمد رسول الله والأسطر الثلاثة تقرا من أسفل إلى فوق فمحمد آخر الأسطر ورسول في الوسط الله فوق كذا قال بعض أئمتنا
قال في النور والذي يظهر لي أن هذه الكتابة كانت مقلوبة حتى إذا ختم بها يختم على الاستواء كما في خواتم الكبراء اليوم وختم صلى الله عليه وسلم بذلك الخاتم الكتب وكان في يده الشريفة ثم في يد ابي بكر ثم في يد عمر ثم في يد عثمان رضي الله تعالى عنهم حتى وقع في بئر أريس في السنة التي توفي فيها عثمان رضي الله تعالى عنه فالتمسوه ثلاثة ايام فلم يجدوه
وذكر أن هذا الخاتم الذي كان في يده صلى الله عليه وسلم ثم في يد أبي بكر ثم في يد عمر ثم في يد عثمان رضي الله تعالى عنهم كان الخاتم الحديد الذي كان ملويا عليه الفضة
____________________

وأنه الذي كان في يد خالد بن سعيد فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما نقش هذا الخاتم قال محمد رسول الله قال اطرحه إلي فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان في يده ثم في يد أبي بكر الحديث
وعن أنس رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم لبس خاتم فضة فصه حبشي أي من جذع لأنه يؤتى به من بلاد الحبشة وقيل صنف من الزبرجد وأنه الذي نقش فيه محمد رسول الله وفي لفظ فصه منه وفي لفظ فصه من عتيق
أي ولا ينافي ذلك وصفه بانه حبشي لأن العقيق يؤتى به من بلاد الحبشة ولم يرد أنه صلى الله عليه وسلم لبس خاتما كله عقيق وفي الحديث تختموا بالعقيق فإنه مبارك تختموا بالعقيق فإنه ينفى الفقر
قيل وكان خاتمه صلى الله عليه وسلم في خنصر يده اليسرى وهو المروي عن عامة الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين
وقيل كان في خنصر يمينه صلى الله عليه وسلم وهو قول أبن عباس رضي الله تعالى عنهما وطائفة ومنهم عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه وقبض والخاتم في يمينه قال بعضهم وهذا وراه عبيدة بن القاسم وهو كذاب أي وهو يخالف ما جمع به البغوي بأنه تختم أولا في يمينه ثم تختم به في يساره وكان ذلك آخر الأمرين وروى أشعب الطامع عن عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في اليمنى
قال الإمام النووي رحمه الله التختم في اليمين أو اليسار كلاهما صح فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه في اليمين أفضل لأنه زينة واليمين بها أولى هذا كلامه أي ولأن ابن أبي حاتم نقل عن أبي زرعة أنه كان في يمينه صلى الله عليه وسلم أكثر منه في يساره وكان يجعل فصه مما يلي كفه وتقدم أن الخاتم الذي لبسه صلى الله عليه وسلم يوما ألقاه كان من الذهب وقيل كان ذلك الخاتم من حديد
وقال قال صلى الله عليه وسلم للابس خاتم الحديد مالي ارى عليك حلية أهل النار فطرحه ولعله لكون سلاسل أهل النار وأغلالهم وقيودهم من حديد أي ثم جاء وعليه خاتم من صفر أي من نحاس فقال مالي أجد فيك ريح الأصنام ولعل الاصنام كانت تتخذ من نحاس غالبا ثم أتاه وعليه خاتم من ذهب فقال مالي أرى عليك حلية أهل الجنة
____________________

أي المختص إباحتها بأهل الجنة في الجنة قال يا رسول الله من أي شيء أتخذه قال من ورق ولا تتمه مثقالا أي وزن مثقال لكن في رواية أبي داود ولا تتمه مثقالا ولا قيمة مثقال وهي تفيد أن الخاتم كان دون مثقال وزنا لكن بلغ بالصنعة قيمة مثقال كان منهيا عنه
وفي الحديث ما طهر الله كفا فيه خاتم من حديد وهو يفيد كراهة لبس الخاتم الحديد
وفي كلام الشمس العلقمى ولا يكره كونه من نحود حديد ونحاس لحديث الشيخين التمس ولو خاتما من حديد فليتأمل
وعند عزمه صلى الله عليه وسلم على إرسال الكتب وتكلم مع اصحابه في ذلك خرج على أصحابه يوما فقال ايها الناس إن الله بعثني رحمة وكافة فأدوا عني رحمكم الله ولا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى بن مريم عليه السلام يا رسول الله قال دعاهم لمثل ما دعوتكم له فأما من بعثه مبعثا قريبا فرضى وسلم وأما من بعثه مبعثا بعيدا فكره وأبى فشكا ذلك عيسى عليه السلام إلى ربه عز وجل فاصبحوا وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذي وجه إليهم ذكر كتباه صلى الله عليه وسلم إلى قيصر
المدعو هرقل ملك الروم على يد دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه والدحية بلسان اليمن الرئيس
وقيصر معناه في اللغة البقير لانه شق عنه لأن أم قيصر ماتت في المخاص فشق عنه وأخرج فسمي قيصر وكان يفتخر بذلك ويقول لم أخرج من فرج أي لأن كل من ملك الروم يقال له قيصر
كتب صلى الله عليه وسلم كتابا لقيصر يدعوه إلى الاسلام وبعث به دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه وأمره أن يدفعه إلى قيصر ففعل كذلك أي بعد أن قال صلى الله عليه وسلم من ينطلق بكتابي هذا فيسير إلى هرقل وله الجنة
____________________

وقيل أمر صلى الله عليه وسلم دحية أن يدفعه إلى عظيم بصرى وهو الحارث ملك غسان ليدفعه إلى قيصر
ولما انتهى دحية رضي الله تعالى عنه إلى الحارث أرسل معه عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه ليوصله إلى قيصر فذهب به إليه فقال قومه لدحية رضي الله تعالى عنه إذا رأيت الملك فاسجد له ثم لا ترفع رأسك أبدا حتى يأذن لك
قال دحية رضي الله تعالى عنه لا أفعل هذا أبدا ولا أسجد لغير الله قالوا إذن لا يؤخذ كتابك فقال له رجل منهم أنا أدلك على أمر يؤخذ فيه كتابك ولا تسجد له فقال دحية رضي الله تعالى عنه وما هو فقال إن له على كل عتبة منبرا يجلس عليه فضع صحيفتك تجاه المنبر فإن أحدا لا يحركها حتى يأخذها هو ثم يدعو صاحبها ففعل فلما أخذ قيصر الكتاب وجد عليه عنوان كتاب العرب فدعا الترجمان الذي يقرا بالعربية ثم قال انظروا لنا من قومه أحدا نسأله عنه وكان أبو سفيان بن حرب رضي الله تعالى عنه بالشام أي بغزة مع رجال من قريشس في تجارة زمن هدنة الحديبية أي وكان أولها في ذي القعدة سنة ست
وقيل كتب إليه صلى الله عليه وسلم من تبوك وذلك في السنة التاسعة وجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم لقيصر مرتين والأول ما هو في الصحيحين والثاني قاله السهيلي واستدل له بخبر في مسند الإمام أحمد أي وأغرب من قال إن الكتابة له كانت سنة خمس
قال ابو سفيان فأتانا رسول قيصر أي وهو والي شرطته فانطلق بنا حتى قدمنا عليه أي في بيت المقدس فإذا هو جالس وعليه التاج وعظماء الروم حوله فقال لترجمانه أي وهو المعبر عن لغة بلغة وهو معرب وقيل اسم عربي سلهم ايهم أقرب نسبا لهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي أي وفي لفظ لهذا الرجل الذي خرج بارض العرب يزعم أنه نبي فقال ابو سفيان أنا أقربهم نسبا اليه لأنه لم يكن في الركب يومئذ من بني عبد مناف غيري أي لأن عبد مناف هو الأب الرابع له صلى الله عليه وسلم وكذا لأبي سفيان أي وزاد في لفظ ما قرابتك منه قلت هو ابن عمي فقال له ادن مني ثم أمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري ثم قال لترجمانه قل لاصحابه إنما قدمت هذا أمامكم سأله عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي وإنما جعلتكم خلف ظهره لتردوا عليه كذبا
____________________

إن قاله أي حتى لا تستحيوا أن تشافهوه بالتكذيب إذا كذب قال ابو سفيان فوالله لولا الحياء يؤمئذ أن يردوا علي كذبا لكذبت ولكني استحيت فصدقت وانا كاره أي وفي رواية لولا مخافة أن يؤثر عني الكذب لكذبت أي لولا خفت أن ينقل عني الكذب إلى قومي ويتحدثوا به في بلادي لكذبت عليه لبغضي إياه ومحبتي نقصه وبه يعلم أن الكذب من القبائح جاهلية واسلاما ثم قال لترجمانه قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم قلت هو مناذ ونسب قال قل له هل قال هذا القول أحد منكم قبله قلت لا قال قل له هل كنتم تتهمونه بالكذب على الناس قبل أين يقول ما قال قلت لا أي وفي رواية هل كان حلافا كذابا مخادعا في أمره لعله يطلب ملكا وشرفا كان لأحد من أهل بيته قبله قال هل كان من آبائه ملك قلت لا أي وزاد في رواية كيف عقله ورأيه قال لم نعب عليه عقلا ولا رأيا قط قال فاشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم قلت بل ضعفاؤهم أي والمراد باشراف الناس أهل النخوة واهل التكبر فلا يرد مثل أبي بكر وعمر وحمزة رضي الله عنهم ممن أسلم قبل هذا السؤال
وعند ابن اسحاق رحمه الله تعالى تبعه منا الضعفاء والمساكين والاحداث وأما ذوو الأحساب والشرف فما تبعه منهم أحد وهو محمول على الأكثر الأغلب أي الأكثر والأغلب أن أتباعه صلى الله عليه وسلم ضعفاء قال فهل يزيدون أو ينقصون قلت بل يزيدون قال فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه أي كراهة له وعدم رضا به بعد أن يدخل فيه قلت لا ولا يقال هذا منقوض بما لعبد الله بن جحش حيث ارتد ببلاد الحبشة لأنه يرتد كراهية للإسلام بل لغرض نفساني كما تقدم قال فهل يغدر إذا عاهد قلت لا ونحن الآن منه في ذمة لا ندري ما هو فاعل فيها قال فهل قاتلتموه قلت نعم قال فكيف حربكم وحربه قلت دول وسجال ندل عليه مرة أي كما في أحد ويدال علينا أخرى أي كما في بدر قد تقدم في أحد أن أبا سفيان رضي الله عنه قال يوم أحد بيوم بدر والحرب سجال أي نوب
وفي لفظ قال ابو سفيان انتصر علينا مرة يوم بدر وأنا غائب ثم غزوتهم في بيوتهم ببقر البطون وبجدع الآذان والأنوف والفروج واشار بذلك إلى يوم أحد
قال فما يأمركم به قلت يأمرنا أن نعبد الله وحده لا شريك به شيئا أي والذي
____________________

في البخاري يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ويأمرنا بالصلاة والصدقة وفي لفظ والزكاة وفي لفظ جمع بين الصدق الصدقة والعفاف أي ترك المحارم وخوارم المرؤءة ويأمرنا بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة
فقال لترجمانه قل له إني سألتك عن نسبه فزعمت أنه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها وسألتك هل هذا القول قاله أحد منكم قبله فزعمت أن لا تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ماقال فزعمت أن لا فقد عرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله تعالى وسألتك هل كان من آبائه ملك فقلت لا فلو كان من آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم فقلت ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل أي لأن الغالب أن أتباع الرسل أهل الاستكانة لا أهل الاستكبار وسالتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم وسألتك هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فزعمت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب إذا حصل به انشراح الصدور والفرح به لا يسخطه أحد وسألتك هل قاتلتموه قلت نعم وإن حربكم وحربه دول وسجال يدال عليكم مرة وتدالون عليه أخرى وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون له العاقبة وسألتك ماذا يأمركم به فزغمت أنه يأمركم بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة أي وفي البخاري وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر أي لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يناله طالبه إلا بالغدر فعلمت أنه نبي وقد كنت أعلم أنه خارج ولكن لم أظن أنه فيكم وإن كان ما حدثني به حقا فيوشك أي يقرب أن يملك موضع قدمي هاتين
أي وذكر بعضهم أن هذا يدل على أن هذه الأشياء التي سأل عنها هرقل كانت عنده في الكتب القديمة من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم
وفيه أن هذا لا يأتي مع قوله ما تقدم إذ هو يقضي أن ذلك علامة على رسالة كل رسول ثم قال قيصر ولو أعلم أني أخلص أي أصل إليه لتجشمت أي تكلفت مع المشقة لقيه أي وفي لفظ آخر لا استطيع أن أفعل إن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى ولا عذر له في هذا لأنه قد عرف صدق النبي
____________________

صلى الله عليه وسلم وإنما شح بالملك فطلب الرياسة وآثرها على الإسلام ولو أراد الله هدايته لوفقه كما وفق النجاشي وما زالت عنه الرياسة
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أو تفطن هرقل لقوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب إليه أسلم تسلم وحمل الجزاء على عمومه في الدنيا والآخرة لسلم أو أسلم من كل ما يخافه ولكن التوفيق بيد الله
ثم قال ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه أي مبالغة في خدمته والتعبد له ولا أطلب منه ولاية ولا منصبا
قال ابو سفيان ثم دعا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرىء عليه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أي ولم يتبع الهدى فلا سلام عليه فليس في هذا بداءة الكافر بالسلام اما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أي بالكلمة الداعية للإسلام وهي كلمة التوحد أي اليها فلاباء موضع إلى أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين أي لإيمانك بعيسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم أو لإيمان أتباعك بسبب إيمانك فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين أي فلاحين القرى أي ومن ثم جاء في رواية إثم الفلاحين وفي رواية إثم الأكارين والأكار الفلاح لأن أهل السواد وما والاهم أهل فلاحة والمراد ثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون لأمرك وخص هؤلاء بالذكر لأنهم أسرع انقيادا من غيرهم لأن الغالب عليهم الجهل والجفاء وقلة الدين والمراد عليك مع إثمك إثم رعاياك لأنه إذا أسلم أسلموا وإذا امتنع امتنعوا فهو متسبب في عدم إسلامهم والفاعل لمعصية المتسبب لارتكاب غيره لها عليه الإثم من جهتين جهة فعله وجهة تسببه ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلى الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون والواو في قوله صلى الله عليه وسلم ويا أهل الكتاب عاطفة على مقدر معطوف على قوله أدعوك والتقدير أدعوك بدعاية الاسلام وأقول لك ولأتباعك يا أهل الكتاب
قيل وهذه الآية كتبها صلى الله عليه وسلم قبل نزولها لأنها إنما نزلت في وفد نجران وذلك في سنة تسع وهذه القصة كانت في سنة ست وقيل بعد نزولها لأن نزولها كان في اول الهجرة في شان اليهود قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى وجوز بعضهم نزولها مرتين وهو بعيد كذا قال فليتأمل
____________________


قال ابو سفيان رضي الله تعالى عنه فلما قضى مقالته وفرغ من الكتاب علت أصوات الذين حوله وكثر لغطهم أي اصواتهم التي لا نفهم
وفي البخاري كثر عنده الصخب وارتفاع الأصوات والصخب اختلاط الأصوات عند المخاصمة زاد البخاري فلا أدري ما قالوا وأمر بنا فأخرجنا فلما خرجت أنا وأصحابي وخلصنا قلت لهم لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أي عظم أمره هذا ملك بني الاصفر يخافه فما زلت موقنا أن سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام أي فأظهرت ذلك اليقين لا أنه ارتفع وفي لفظ فما زلت مرعوبا من محمد حتى أسلمت
وقد تقدم الكلام على كبشة وهو أن جد وهب لأمه أبو آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم كان يكنى أبا كبشة قال في شرح مسلم وهو الذي كان يعبد الشعرى وأبو سلمة أم جده عبد المطلب كان يكنى أبا كبشة وزوج مرضعته صلى الله عليه وسلم كان يكنى ابا كبشة وتقدم الكلام أيضا عن بني الأصفر
ويروى أن أبا سفيان رضي الله تعالى عنه قال لقيصر لما سأله هل كنتم تتهمونه بالكذب فقال لا لكن أخبرك عنها أيها الملك خبرا تعرف به أنه قد كذب قال وما هو قلت إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة فجاء مسجدكم هذا ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح فقال بطريق أي قائد من قواد الملك كان واقفا عند رأس قيصر صدق أيها الملك فنظر إليه قيصر فقال ما أعلمك بهذا قال إني كنت لا أنام ليلة أبدا حتى أغلق أبواب المسجد فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني فاستعنت عليه بعمالي ومن يحضرني فلم نستطع أن نحركه كانما نزاول جبلا فدعوت النجارين فنظروا إليه فقالوا لا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فلما أصبحت جئت إليه فإذا الحجر الذي في زواية المسجد مثقوب قال في النور الذي يظهر لي أنه الصخرة أي المراد بالصخرة في بعض الروايات كما قدمناه وإذا فيه أثر مربط الدابة فقلت لأصحابي ما حبس هذا الباب الليلة إلا لهذا الأمر فقال قيصر لقومه يا قوم ألستم تعلمون أن بين يدي الساعة نبيا بشركم به عيسى ابن مريم ترجون أن يجعله الله فيكم قالوا بلى قال فإن الله جعله في غيركم وهي رحمة الله عز وجل يضعها حيث شياء أي وأمر بإنزال دحية وإكرمه
وذكر أن ابن أخي قيصر أظهر الغيظ الشديد وقال لعمه قد ابتدأ بنفسه وسماك
____________________

صاحب الروم ألق به يعني الكتاب فقال له والله إنك لضعيف الراي أترى أرمي بكتاب رجل يأتيه الناموس الأكبر هو حق ان يبدأ بنفسه ولقد صدق أنا صاحب الروم والله مالكي ومالكه أي وفي لفظ أن أخا قيصر لما سمع الترجمان يقرأ من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم ضرب في صدر الترجمان ضربة شديدة ونزع الكتاب من يده وأراد أن يقطعه فقال له قيصر ما شأنك فقال تنظر في كتاب رجل قد بدأ بنفسه قبلك وسماك قيصر صاحب الروم وما ذكر لك ملكا فقال له قيصر إنك أحمق صغير أو مجنون كبير أتريد أن تمزق كتب رجل قبل أن أنظر فيه ولعمري إن كان رسول الله كما يقول لنفسه أحق أن يبدأ بها مني ولئن سماني صاحب الروم لقد صدق ما أنا إلا صاحبهم وما أملكهم ولكن الله سخرهم لي ولو شاء لسلطهم علي كما سلط فارس على كسرى فقتلوه
ولما جاءه صلى الله عليه وسلم الخبر عن قيصر قال ثبت ملكه وفي لفظ سيكون لهم بقية ولقد صدق الله ورسوله
فقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أن الملك المنصور قلاوون أرسل بعض امرائه إلى ملك المغرب بهدية فارسله ملك المغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة فقبله وأكرمه وقال له لأتحفنك بتحفة سنية فأخرج له صندوقا مصفحا بالذهب وأخرج منه مقلمة وفي لفظ قصبة من الذهب
فعن السهيلي رحمه الله تعالى قال بلغني ان هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيما له فأخرج منها كتابا قد زالت أكثر حروفه وقد الصق عليه خرقه حرير فقال هذا كتاب نبيكم لجدي قيصر ما زلنا نتوراثه إلى الآن وذكر لنا آباؤنا عن آبائم أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزول الملك عنا فنحن غاية الحفظ ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا أي ولا ينافيه ما جاء إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده لأن المراد إذا زال ملكه عن الشام لا يخلفه فيه أحد وكان كذلك لم يبق إلا ببلاد الروم
أي ويروى أن قيصر لما رجع من بيت المقدس إلى محل دار ملكه وهي حمص أي فإنه لما ظهر على الفرس وأخرجهم من بلاده نذر أن يأتي بيت المقدس ماشيا شكرا لله فلما اراد الذهاب إلى بيت المقدس ماشيا بسط له البسط وطرح له عليها الرياحين ولا زال يمشي على ذلك إلى أن وصل بيت المقدس كما سيأتي فلما رجع إلى حمص كان له فيها
____________________

قصر عظيم فأغلق أبوابه وأمر مناديا ينادي ألا أن هرقل قد آمن بمحمد واتبعه فدخلت الأجناد في سلاحها وطافت بصره تريد قتله فأرسل إليهم إني اردت اختبار صلابتكم في دينكم فقد رضيت فرضوا عنه
والذي في البخاري أن قيصر لما سار إلى حمص أذن لعظماء الروم في دسكرة له ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم اطلع فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتايعوا هذا النبي فحاصوا حيصة حمر الوحس إلى الأبواب فوجدوها قد أغلقت فلما رأى قيصر نفرتهم وأيس من الإيمان منهم أي وقالوا له أتدعونا أن نترك النصرانية ونصير عبيدا لأعرابي فقال ردوهم علي وقال إني قلت مقالتي أختبر بها شدتكم على شدتكم على دينكم فقد رايت فسجدوا له ورضوا عنه وعند ذلك كتب كتابا وأرسله مع دحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه إني مسلم ولكنني مغلوب وأرسل بهدية لما قرىء عليه صلى الله عليه وسلم الكتاب قال كذب عدو الله ليس بمسلم وقبل صلى الله عليه وسلم هديته وقسمها بين المسلمين ومصداق قوله صلى الله عليه وسلم أن قيصر بعد هذه القصة بدون سنتين قاتل المسلمين بغزوة مؤتة
وفي صحيح ابن حبان عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه أيضا من تبوك يدعوه وأنه قارب للإجابة ولم يجب وفي مسند الإمام أحمد أنه كتب من تبوك إلى النبي صلى الله عليه وسلم إني مسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم كذب إنه على نصرانيته وفي لفظ كذب عدو الله والله إنه ليس بمسلم
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله فعلى هذا إطلاق صاحب الاستيعاب أنه آمن أي أظهر التصديق لكنه لم يستمر عليه ولم يعلم بمقتضاه بل شح بملكه وآثر العافية على العاقبة لعنه الله عليه أي لأنه تحقق كفره أي وقد ذكر حامل كتابه إليه صلى الله عليه وسلم قال جئت تبوك فإذا هو جالس بين ظهراني أصحابه محتبيا فقلت أين صاحبكم قيل هو هذا فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه فناولته كتابي فوضعه في حجره ثم قال من أنت قلت أنا أحد تنوخ قال هل لك في الإسلام دين الحنيفية ملة إبراهيم قلت إني رسول قوم وعلى دين قوم لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } فلما فرغ من قراءة كتابي قال إن لك حقا وإنك رسول فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها إنا قوم سفر
____________________

فقال رجل أنا أجوزه فأتى بحلة فوضعها في حجري فسألت عنه فقيل لي إنه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس على يد عبد الله بن حذافة أي لأنه كان يتردد عليه كثيرا
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي وقيل أخاه خنيسا وقيل أخاه خارجة وقيل شجاع بن وهب وقيل عمر بن الخطاب رضي الله عنهم إلى كسرى وبعث معه كتابا مختوما فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس أي الذين هم أتباعك قال عبدالله بن حذافة رضي الله عنه فأتيت إلى بابه وطلبت الإذن عليه حتى وصلت إليه فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرئ عليه فأخذه ومزقه
أي وفي رواية أن كسرى لما أعلم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن بحامل الكتاب أن يدخل عليه فلما وصل أمر كسرى أن يقبض منه الكتاب فقال لا حتى أدفعه إليك كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كسرى ادنه فدنا فناولته الكتاب فدعا من يقرؤه فقرأ فإذا فيه من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى عظيم فارس فأغضبه حين بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وصاح ومزق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه وأمر باخراج حامل ذلك الكتاب فأخرج فلما رأى لك قعد على راحلته وسار فلما ذهب عن كسرى سورة غضبه بعث فطلب حامل الكتاب فلم يجده فلما وصل إليه صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر قال صلى الله عليه وسلم مزق كسرى ملكه
وكتب كسرى إلى بعض أمرائه باليمن يقال له باذان بلغني ان رجلا من قريش خرج بمكة يزعم أنه نبي فسر إليه فاستتبه فإن تاب وإلا فابعث إني برأسه يكتب إلي هذا الكتاب أي الذي بدأ فيه نفسه وهو أي وفي رواية إن تكفيني رجلا
____________________

خرج بارضك يدعوني إلى دينه وإلا فعلت فيك كذا يتوعده فابعث إليه برجلين جلدين فيأ تيأني به فبعث باذان بكتاب كسرى إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع قهر مانه وبعث معه رجلا آخر من الفرس وبعث معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى فخرجا وقدما الطائف فوجدا رجلا من قريش في ارض الطائف فسألاه عنه فقال هو بالمدينة فلما قدما عليه صلى الله عليه وسلم المدينة قالا له شاهنشاه ملك الملوك كسرى بعث إلى الملك باذن يأمره أن يبعث إليك من يأتي بك وقد بعثنا إليك فان أبيت هلكت وأهلكت قومك وخربت بلادك وكانا على زي الفرس من حلق لحاهم وإعفاء شواربهم فكره صلى الله عليه وسلم النظر إليهما ثم قال لهما ويلكما من أمركما بهذا قالا أمرنا ربنا يعنيان كسرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أمرني بي باعفاء لحيتي وقص شاربي ثم قال لهما ارجعا حتى تأتياني غدا وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بأن الله قد سلط على كسرى ابنه يقتله في شهر كذا في ليلة كذا فلما كان الغد دعاهما وأخبرهما الخبر وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى باذان إن الله قد وعدني أن يقتل كسرى يوم كذا من شهر كذا فلما أتى الكتاب باذان توقف وقال إن كان نبيا فسيكون ما قال فقتل الله كسرى في اليوم الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد ولده شيرويه قيل قتله ليلا بعد ما مضى من الليل سبع ساعات فيكون المراد باليوم في تلك الرواية مجرد الوقت أي وفي راية قال صلى الله عليه وسلم لرسول باذان اذهب إلى صاحبك وقل له إن ربي قد قتل ربك الليلة ثم جاء الخبر بأن كسرى قتل تلك الليلة فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم فلما جاءه صلى الله عليه وسلم هلاك كسرى قال لعن الله كسرى أول الناس هلاكا فارس ثم العرب
وعن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال لتفتحن عصابة من المسلمين أو المؤمنين أو رهط من أمتي كنوز كسرى التي في القصر الأبيص فكنت أنا وأبي فيهم واصبنا نم ذلك ألف درهم وقدم على باذان كتاب ولد كشرى شيرويه فيه اما بعد فقد قتلت كسرى ولم اقتله إلا غضبا لفارس فانه قتل اشرافهم فتفرق الناس فإذا جاءك كتابي هذا فخذلي الطاعة ممن قبلك وانظر الرجل الذي كان كسرى يكتب إليك فيه فلا تزعجه حتى يأتيك أمري فيه فبعث باذان بإسلامه وإسلام من معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا
____________________

وفي رواية أنه قيل صلى الله عليه وسلم إن كسرى قد استخلف ابنته فقال لا يفلح قوم تملكهم امرأة ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للنجاشي ملك الحبشة على يد عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه إلى النجاشي وبعث معه كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة سلم أنت أي أنت سالم لأن المسلم يأتي بمعنى السلامة فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة أي العفيفة أي المنقطعة عن الرجال التي لا شهوة لها فيهم أو المنقطعة عن الدنيا وزينتها ومن ثم قيل لفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم البتول فحملت بعيسى حملته من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وأن تتبعني وتوقن بالذي جاءني فإني رسول الله وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى فلما وصل إليه الكتاب وضعه على عينيه ونزل من سريره فجلس على الأرض ثم أسلم ودعا بحق من عاج أي وهو عظم الفيل وجعل فيه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لن تزال الحبشة بخير ما كان هذا الكتاب بين أظهرهم
أي وفي كلام بعضهم وبعث صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي فكان أو رسول وكتب إليه كتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام وفي الآخر يأمره أن يزوجه صلى الله عليه وسلم أم حبيبة فأخذ الكتابين وقبلهما ووضعهما على رأسه وعينيه نزل عن سريه تواضعا ثم أسلم وشهد شهادة الحق
وكتب إليه صلى الله عليه وسلم النجاشي أي جواب الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من النجاشي أصحمة السلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته الذي لا إله إلا هو زاد في لفظ الذي هداني للإسلام أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى عليه الصلاة والسلام فورب
____________________

السماء والأرض إن عيسى عليه الصلاة والسلام لا يزيد على ما ذكرت وقد عرفنا ما بعث به إلينا وقد قر بنا ابن عمك وأصحابه يعني جفعر بن أبي طالب ومن معه من المسلمين رضي الله عنهم فاشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك أي جعفر بن أبي طالب واسلمت على يده لله رب العالمين أي وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم اتركوا الحبشة ما تركوكم
وذكر أن عمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه قال للنجاشي أي عند إعطائه الكتاب يا اصحمة إن علي القول وعليك الاستماع إنكا كأنك في الرقة علينا منا وكأنا في الثقة بك منك لأنا لم نظن بك خيرا قط إلا نلناه ولم نحفظك على شر قط إلا أمناه وقد أخذنا الحجة عليك من قبل آدم والإنجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد وقاض لا يجوز في ذلك موقع الخير وإصابة الفضل وإلا فأنت في هذا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم كاليهود في عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم رسله إلى الناس فرجاك لما لم يرجهم له وأمنك على ما خافهم عليه لخير سالف وأجر ينتظر فقال النجاشي أشهد بالله إنه للنبي الذي ينتظره أهل الكتاب وأن بشارة موسى عليه الصلاة والسلام براكب الحمار كبشارة عيسى عليه الصلاة والسلام براكب الجمل وأن العيان ليس بأشفى من الخبر زاد بعضهم ولكن أعواني من الحبشة قليل فأنظرني حتى أكثر الأعوان والين القلوب
أقول كذا في الأصل وهو صريح في أن هذا المكتوب اليه هو الذي هاجر إليه المسلمون سنة خمس من النبوة ونعاه النبي صلى الله عليه وسلم يوم توفى وصلى عليه بالمدينة منصرفه صلى الله عليه وسلم من تبوك وذلك في السنة التاسعة
والذي قاله غيره كابن حزم أن هذا النجاشي الذي كتب إليه صلى الله عليه وسلم وسلم الكتاب وبعث به عمرو بن أمية الضمري لم يسلم وأنه غير النجاشي الذي صلى الله عليه وسلم الذي آمن به وأكرم أصحابه وفي صحيح مسلم ما يوافق ذلك
ففيه عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النجاشي الذي كتب إليه ليس بالنجاشي الذي صلى عليه ويرد بأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم كتب للنجاشي الذي عليه وللنجاشي الذي تولى بعده على يد عمرو بن أمية فلا مخالفة
____________________


ومن ثم قال في النور والظاهر أن هذه الكتابة متأخرة عن الكتابة لأصحمة الرجل الصالح الذي آمن به صلى الله عليه وسلم وأكرم أصحابه هذا كلامه
وفيه أن رد الجواب على النبي صلى الله عليه وسلم بالكتاب المذكور ورده على عمرو ابن أمية بقوله أشهد بالله إنه النبي الذي ينتظره أهل الكتاب إلى آخره إنما يناسب الأول الذي هو الرجل الصالح ويكون جواب الثاني لم يعلم وقد تقدم عن ابن حزم أنه لم يسلم
وقال بعضهم إنه الظاهر وحينئذ يكون الراوي خلط فوهم أن المكتوب إليه ثانيا هو المكتوب إليه أولا كما اشار إليه في الهدى والله أعلم ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للمقوقس ملك القبط
وهم أهل مصر الإسكندرية وليسوا من بني إسرائيل على يد حاطب بن أبي بلتعة رضي الله تعالى عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بن أبي بلتعة رضي الله عنه إلى المقوقس أي فإنه صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من الحديبية قال ايها الناس أيكم ينطلق بكتابي هذا إلى صاحب مصر وأجره على الله فوثب إليه حاطب رضي الله عنه وقال انا يا رسول الله قال بارك الله فيك يا حاطب قال حاطب رضي الله عنه فأخذت الكتاب وودعته صلى الله عليه وسلم وسرت إلى منزلي وشددت على راحلتي وودعت أهلي وسرت زاد السهيلي وانه صلى الله عليه وسلم أرسل مع حاطب جبير مولى أبي رهم الغفاري فإن جبيرا هو الذي جاء بمارية من عند المقوقس
واعترض بأن هذا لا يلزمه أن يكون صلى الله عليه وسلم أرسل جبيرا مع حاطب للمقوقس لجواز ان يكون المقوقس ارسل جبيرا مع حاطب والمقوقس لقب وهو لغة المطول للبناء واسمه جريج بن مينا بعث معه صلى الله عليه وسلم كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى أما بعد فانى أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين
____________________

فإن توليت فإنما عليك إثم القبط أي الذين هم رعاياك ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدو بأنا مسلمون وختم الكتاب وجاء به حاطب رضي الله تعالى عنه حتى دخل على المقوقس بالإسكندرية أي بعد أن ذهب إلى مصر فلم يجده فذهب إلى الإسكندرية فأخبر أنه في مجلس مشرف على البحر فركب حاطب رضي الله عنه سفينة وحاذى مجلسه وأشار بالكتاب إليه فلما رآه أمر باحضاره بين يديه فلما جيىء به نظر إلى الكتاب وفضه وقرأه وقال لحاطب ما منعه إن كان نبيا أن يدعو على من خالفه أي من قومه وأخرجوه من بلده إلى غيرها أن يسلط عليهم فاستعاد منه الكلام مرتين ثم سكت فقال له حاطب ألست تشهد أن عيسى ابن مريم رسول الله فماله حيث أخذه قومه فأرادوا أن يقتلوه أن لا يكون دعا عليهم أن يهلكهم الله تعالى حتى رفعه الله إليه قال احسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم ثم قال له حاطب رضي الله تعالى عنه إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى يعني فرعون { فأخذه الله نكال الآخرة والأولى } فانتقم به ثم انتقم منه فاعتبر بغيرك ولا يعتبر غيرك بك إن هذا النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش وأعداهم له يهود وأقربهم منه النصارى ولعمري ما بشارة موسى بعيسى عليهما الصلاة والسلام إلا كبشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوارة إلى الإنجيل كل نبي أدرك قوما فهم أمته فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدرك هذا النبي ولسنا ننهاك عن دين المسيح عليه السلام ولكنا نأمرك به فقال إني قد نظرت في امر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى عن مرغوب عنه ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكذاب ووجدت معه آلة النبوة باخراج الخبء بفتح الخاء المعجمة وهمز في آخره أي الشيء الغائب المستور والإخبار بالنجوى أي يخبر بالمغيبات وسأنظر وأخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وجعله في حق عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية له
ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليك أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعوا إليه وقد علمت أن نبيا قد بقي وقد كنت
____________________

أظن أنه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك أي فإنه قد دفع له مائة دينار وخمسة أثواب وبعثت لك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم أي وهما مارية وسيرين بالسين المهملة مكسورة وبثياب أي وهوي عشرون ثوبا من قباطي مصر قال بعضهم وبقيت تلك الثياب حتى كفن صلى الله عليه وسلم في بعضها
وفي كلام هذا البعض وأرسل له صلى الله عليه وسلم عمائم وقباطي وطيبا وعودا وندا ومسكا مع ألف مثقال من الذهب ومع قدح من قوراير فكان صلى الله عليه وسلم يشرب فيه أي لأنه سأل حاطبا رضي الله عنه فقال أي طعام أحب إلى صاحبكم قال الدباء يعني القرع ثم قال له في أي شيء يشرب قال في قعب من خشب ثم قال وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام عليك ولم يزد على ذلك ولم يسلم
ولا يخفى أنه سيأتي أنه أهدى إليه صلى الله عليه وسلم زيادة على الجاريتين جارية أخرى اسمها قيسر وهي أخت ماوية ولعله إنما اقتصر على ذكر الجاريتين دون هذه الثالثة مع أنها اخت مارية لأنها دونهما في الحسن
وذكر بعضم أن سيرين أيضا أخت مارية فالثلاث أخوات
وفي ينبوع الحياة لابن ظفر فأهدى إليه صلى الله عليه وسلم المقوقس جواري اربعا أي ويواقفه قول بضعهم وارسل إليه صلى الله عليه وسلم جارية سوداء أسمها بريرة
وفي كلام بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم أهدى إحدى الجاريتين لأبي جهم بن قيس العبدي فهى أم زكريا بن جهم الذي كان خليفة عمرو بن العاص على مصر وأخرى اهداها لحسان بن ثابت وهي ام عبد الرحمن بن حسان كما تقدم في قصة الإفك وأهدى اليه المقوقس زيادة على ذلك خصيا أي مجبوبا أي غلام أسود يقال له مأبور باثبات الراء وقيل بحذفها وقيل هابو أي بالهاء بدل الميم واسقاط الراء ابن عم مارية وكونه كان مجبوبا عند إرساله وكان المهدي له المقوقس هو المشهور
وفي كلام بعضهم أن الهدى له جريج بن مينا القبطي الذي كان على مصر من قبل هرقل وأنه لم يكن حال الإرسال مجبوبا وأنه قدم مع مارية فأسلم وحسن إسلامه وكان يدخل عليها وأنه رضى من مكانه من دخوله على سرية النبي صلى الله عليه وسلم
____________________

ان يجب نفسه فقطع ما بين رجليه حتى لم يبق منه شىء فليتأمل وسيأتي ما وقع له واهدى له المقوقس زيادة على البغلة وهي الدلدل في اللغة اسم للقنفذ العظيم وكانت انثى ولا يستدل بلحوق التاء لها لأنها للوحدة
وفي كلام بعضهم أجمع أهل الحديث على أن بغلة النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم كانت ذكرا لا انثى واول من استنتج البغال قارون قالوا والبغل أشبه بأمه منه بأبيه
قيل ولم يكن يومئذ في العرب بغلة غيرها وقد قال له سيدنا علي رضي الله عنه لو حملنا الحمر على الخيل لكان لنا مثل هذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما يفعل ذلك الذين لا يعلمون قال ابن حيان أي الذين لا يعلمون النهى عنه
وفيه أن الله امتن بها كالخيل والحمير ولا يقع الامتنان بالمكروه وحمارا أشهب يقال له يعفورا وعفير بالعين المهملة مضمومة وضبطه القاضي عياض بالمعجمة وغلط في ذلك مأخوذ من العفرة وهي لون التراب وفرسا وهو اللزاز أي فإن المقوقس سأل حاطبا رضي الله عنه ما الذي يحب صاحبك من الخيل فقال له حاطب الاشقر وقد يركب عنده فرسا يقال له المرتجز فانتخب له صلى الله عليه وسلم فرسا من خيل مصر الموصوفة فأسرج وألجم وهو فرسه صلى الله عليه وسلم الميمون
وأهدى له صلى الله عليه وسلم عسلا من بنها بكسر الباء الموحدة قرية من قرى مصر وأعجب به صلى الله عليه وسلم ودعا في عسل بنها بالبركة لأنه حين أكل منه قال إن كان عسلكم أشرف فهذا أحلى ثم دعا فيه بالبركة
وأهدى إليه مربعة يضع فيها المكحلة وقارورة الدهن والمشط والمقص والمسواك ومكحلة من عيدان شامية ومرآة ومشطا أي فان المقوقس سأل حاطبا عن النبي صلى الله عليه وسلم هل يكتحل فقال له نعم وينظر في المرآة ويرجل شعره ولا يفارق خمسا في سفر كان أو في حضر وهي المرآة والمكحلة والمشط والمدرى والمسواك والمدرى شيء كالمسلة يفرق به بين شعر الرأس ويحك به لأن حكه بالاصبع يشوش الشعر ويلوى بها قرون شعر الرأس
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها سبع لما تفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ولا حضر القارورة التي يكون فيها الدهن والمكحلة والمقراض أي المقص
____________________

والمسواك والمرآة زاد بعضهم والإبرة والخيط ولعل عدم ذكر ذلك في الكتاب أنه لم يره شيئا ينبغي ذكره
أي وقد قال بعضهم إن المقوقس أرسل مع الهدية طبيبا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ارجع إلى أهلك نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا اكلنا لا نشبع
واعترض كون الحمار الذي أرسله المقوقس يسمى يعفورا بأن الحمار الذي يسمى يعفور أهداه له فروة بن عمرو الجذامي عامل قيصر
وأهدى إليه أيضا بغلة شهباء يقال لها فضة وفرسا يقال له الظرب كما تقدم
ثم رايت بعضههم سمى الحمار الذي أهداه عامل قيصر عفيرا أيضا وعليه فتسميه حمار المقوقس عفيرا أيضا كما في الأصل أن الحمار الذي أهداه المقوقس يقال له يعفورا وعفير من خلط بعض الرواة فلا منافاة وفي هذا قبول هدية المشركين وقد تقدم رده صلى الله عليه وسلم لهداياهم وقال لا أقبل زبد المشركين
ومما يشكل عليه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية أهدى صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان عجوة استهداه أدما فأهداه إليه ابو سفيان وهو على شركه
وذكر أن المقوقس قال لحاطب رضي الله عنه القبط لا يطاوعوني في اتباعه ولا أحب أن تعلم بمحاورتي إياك وأنا أضن أي أبخل بملكي أن أفارقه وسيظهر على البلاد وينزل بساحتنا هذه أصحابه فارجع إلى صاحبك وارحل من عندي ولا تسمع منك القبط حرفا واحدا قال حاطب رضي الله عنه فرحلت من عنده أي وبعث معه جيشا إلى أن دخل جزيرة العرب ووجد قافلة من الشام تريد المدينة فرد الجيش وارتفق بالقافلة
قال حاطب وذكرت قوله للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ضن الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه
ومن ثم ذكر بعضهم أن هرقل لما علم ميل المقوقس إلى الإسلام عزله ويخالفه قول بعضهم وبعث أبو بكر رضي الله عنه حاطبا هذا إلى المقوقس بمصر فصالح القبط إلا أن يقال يجوز أن يكون المقوقس عاد لولايته بعد عزله
وذكر بعضهم أن باني الإسكندرية لما أراد بناءها قال أبني مدينة فقيرة إلى الله غنية
____________________

عن الناس فدامت وبنى أخوه مدينة قال عند إراده بنائها ابني مدينة فقيرة إلى الناس غنية عن الله فسلط عليها الله الخرب في أسرع وقت
ولما فتح عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه مصر وقف على بعض ما بقي من آثار تلك المدنية فسال عن ذلك فأخبر بهذا الخبر ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للمنذر بن ساوي العبدي بالبحرين على يد العلاء بن الحضرمي
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى وبعث معه كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى سلام عليك فإني أحمد الله إليك لا إله إلا هو وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد فإني اذكرك الله عز وجل فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه وإنه من يطع رسلي وتبع أمرهم فقد أطاعني ومن نصح لهم فقد نصح لي وإن رسلي قد أثنوا عليك خيرا وإني قد شفعتك في قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية أني وهذا جواب كتاب أرسله المنذر جوابا لكتاب أرسله له صلى الله عليه وسلم قبل ذلك يدعوه إلى الإسلام فأسلم وحسن إسلامه
أقول ولم أقف على ذلك الكتاب ولا على حامله والظاهر أنه العلاء المذكور فقد ذكر السهيلي رحمه الله أن العلاء قدم على المنذر بن ساوى فقال له يا منذر إنك عظيم العقل في الدنيا فلا تصغرن عن الآخرة إن هذه المجوسية شر دين ينكح فيها ما يستحيا من نكاحه ويأكلون ما يتكره من أكله وتعبدون في الدنيا نارا تأكلكم يوم القيامة ولست بعديم عقل ولا رأى فانظر هل ينبغي لمن لا يكذب في الدنيا أن لا نصدقه ولمن لا يخون أن لا نأتمنه ولمن لا يخلف أن لا نثق به فإن كان هذا هكذا فهذا هو النبي الأمي الذي والله لا يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهى عنه أو ما نهى عنه أمر به فقال المنذر قد نظرت في هذا الذي في يدي فوجدته للدنيا دون الآخرة ونظرت في دينكم فرايته للآخرة والدنيا فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة
____________________

وراحة الموت ولقد عجبت أمس ممن يقبله وعجبت اليوم ممن يرده وإن من إعظام من جاء به أن يعظم رسوله وسأنظر والله أعلم
ومن جملة كتاب المنذر أي الذي هذا الكتاب جوابه أما بعد يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل البحرين فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه ودخل فيه ومنهم من كرهه وبأرضي مجوس ويهود فأحدث لي في ذلك أمرك
وذكر ابن قانع أن المنذر المذكور وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فهو من الصحابة قال ابو الربيع ولا يصح ذلك ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى جعفر وعبد ابني الجلندي ملكي عمان
أي بضم العين المهملة وتخفيف الميم بلدة من بلاد على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه إلى جيفر وعبد أبني الجلندي وبعث معه كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندي سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوكما بدعاية الإسلام أسلما تسلما فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما وإن أبيتما أن تقرا الإسلام فإن ملككما زائل عنكما وخيلي تحل أي تنزل بساحتكما وتظهر نبوتي على ملككما وختم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب
قال عمرو ثم خرجت حتى انتهيت إلى عمان فعمدت إلى عبد وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا فقلت إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك وإلى أخيك فقال أخي المقدم علي بالسن والملك وأنا أوصلك به حتى يقرأ كتابك ثم قال وما تدعوا اليه قلت أدعو إلى الله وحده وتخلع ما عبد من دونه وتشهد أن محمدا عبده ورسوله قال يا عمر إنك ابن سيد قومك فكيف صنع أبوك يعني العاص بن وائل فإن لنا فيه قدوة قلت مات ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ووددت له لو كان آمن وصدق به وقد كنت قبل على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام
____________________

فقال متى تبعته قلت قريبا فسألني أين كان إسلامي فقلت عند النجاشي وأخبرته أن النجاشي قد أسلم قال فكيف صنع قومه بملكه قلت أقروه واتبعوه قال والأساقفة أي رؤساء النصرانية والرهبان قلت نعم قال انظر يا عمر وما تقول إنه ليس من خصلة في رجل أفضح له أي أكثر فضيحة من كذب قلت وما كذبت وما نستحله في ديننا ثم قال ما رأى هرقل علم باسلام النجاشي قلت له بلى قال بأي شيء علمت ذلك يا عمرو قلت كان النجاشي رضي الله عنه يخرج له خراجا فلما أسلم النجاشي وصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم قال لا والله ولو سألني درهما واحدا ما أعطيته فبلغ هرقل قوله فقال له أخوه أتدع عبدك لا يخرج لك خراجا ويدين دينا محدثا فقال هرقل رجل رغب في دين واختاره لنفسه ما اصنع به والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع قال انظر ما تقول يا عمرو قلت والله صدقتك قال عبد فأخبرني ما الذي يأمر به وينهى عنه قلت يأمر بطاعة الله عز وجل وينهى عن معصيته ويأمر البر وصلة الرحم وينهى عن الظلم والعدوان وعن الزنا وشرب الخمر وعن عبادة الحجر والوثن والصليب فقال ما أحسن هذا الذي يدعو اليه ل كان أخى يتابعني لركبنا حتى نؤمن بمحمد ونصدق به ولكن أخى أضن مملكه من أن يدعه ويصير ذنبا أي تابعا
قلت إنه إن أسلم ملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه فأخذ الصدقة من غنيهم فردها على فقيرهم قال إن هذا الخلق حسن وما الصدقة فأخبرته بما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقات في الأموال أي ولما ذكرت الماشي قال يا عمرو يؤخذ من سوائهم مواشينا التي ترعى في الشجر وترد المياه فقلب نعم فقال والله ما أرى قومي في بعد دارهم وكثرة عددهم يطيعون بهذا
قال عمرو فمكثت أياما بباب جيفر وقد أوصل إليه أخوه خبري ثم إنه دعاني فدخلت عليه فأخذ أعوانه بضبعى أي عضدي يقال دعوه فأرسلت فذهبت لأجلس فأبوا أن يدعوني أجلس فنظرت إليه فقال تكلم بحاجتك فدفعت إليه كتابا مختوما ففض خاتمه فقرأه حتى أنتهى إلى آخره ثم دفع إلى أخيه فقرأه ثم قال ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت فقلت اتبعوه إما راغب في الدين وإما راهب مقهور ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت فقلت ابتعوه إما راغب في الدين وإما راهب مقهور بالسيف قال ومن معه قلت الناس قد رغبوا في الاسلام واختاروه على غيره
____________________

وعرفوا بعقولهم مع هدى الله إياهم أنهم كانوا في ضلال مبين فما أعلم احدا يبقى غيرك في هذه الخرجة وأنت لم تسلم اليوم وتتبعه تطؤك الخيل وتبد خضراءك أي جماعتك فأسلم تسلم ويستعملك على قومك ولا تدخل عليك الخيل والرجال قال دعني يوني هذا وارجع إلي غدا فلما كان الغد أتيت إليه فأبى أن يأذن لي فرجعت إلى أخيه فأخبرته أني لم أصل إليه فأوصلني إليه فقال إني فكرت فيما دعوتني اليه فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجلا ما في يدي وهو لا تبلغ خيله ههنا وإن بلغت خيله ألفت أي وجدت قتالا ليس كقتال من لاقى قلت وأنا خارج غدا فلما أيقن بمخرجي خلا به أخنه فأصبح فأرسل إلى فأجاب إلى الاسلام هو وأخوه جميعا وصدقا وخليا بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم وكانا لى عونا على من خالفني ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هوذة
بالذال المعجمة وقيل بالدال المهملة قال في النور ولا أظنه إلا سبق قلم صاحب اليمامة أي وزاد بعضهم وإلى ثمامة بن أثال الحنفيين ملكي اليمامة وفيه نظر لأن ثمامة رضي الله تعالى عنه كان مسلما حينئذ على يد سليط بفتح السين المهملة بن عمرو والعامري أي لأنه كان يختلف إلى اليمامة وبعث معه كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي سلام على من اتبع الهدى واعلم أن ديني سيظهر على منتهى الخف والحافر أي حيث تقطع الإبل والخيل فأسلم تسلم وأجعل لك ما تحت يديك فلما قدم عليه سليط بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختوما أنزله وحياه وقرأ عليه الكتاب فرد ردا دون ردا فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله وأنا شاعر قومي وخطيبهم والعرب تهاب مكاني فاجعل إلي بعض الأمر اتبعك واجاز سليطا رضي الله تعالى عنه عنه بجائزة وكساه أثوابا من نسج هجر فقدم بذلك كله على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم كتابه وقال لو سألني سيابة أي بفتح السين المهملة وتخفيف المثناة من تحت وموحدة مفتوحة أي قطعة من الأرض ما فعلت باد وباد ما في يديه
فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفتح جاءه جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبره بأن هوذة قد مات فقال صلى الله عليه وسلم أما ان اليمامة سيخرج
____________________

بها كذاب يتنبأ يقتل بعدي أي فقال قائل يا رسول الله من يقتله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت وأصحابك فكان كذلك
أقول هذا يدل على أن القائل له صلى الله عليه وسلم ذلك هو خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه فإن أبا بكر رضي الله تعالى عنه وجهه أميرا على الجيش الذي أرسله لمقاتلة مسيلمة لعنه الله وتقدم الخلاف في قاتله والمشهور أنه وحشي قاتل حمزة رضي الله تعالى عنهما وكان سن هوذه مائة وخمسين سنة
ويذكر ان هوذة هذا كان عنده عظيم من عظماء النصارى حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما قال فقال له لم لا تجيبه قال أنا ملك قومي ولئن اتبعته لم أملك فقال بلى والله لئن اتبعته ليملكنك وإن الخيرة لك في اتباعه وإنه النبي العربي الذي بشر به عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وإنه لمكتوب عندنا في الإنجيل محمد رسول الله الحديث
أي وذكر السهيلي رحمه الله تعالى أن سليطا قال له يا هوذة إنه سودتك أعظم حائلة أي بالية وأرواح في النار يعني كسرى لأنه الذي كان توجه وإنما السيد من متع بالإيمان ثم تزود بالتقوى وإن قوما سعدوا برأيك فلا تشقين به وأنا آمرك بخير مأمور به وأنهاك عن شر منهي عنه آمرك بعبادة الله وأنهاك عن عبادة الشيطان فإن في عبادة الله الجنة وفي عبادة الشيطان النار فان قبلت نلت ما رجوت وأمنت ما خفت وإن أبيت فبيننا وبينك كشف الغطاء وهو الملطع فقال هوذة يا سليط سودني من لو سودك تشرفت به وقد كان لي رأى أختبر به الأمور ففقدته فاجعل لي فسحة ليرجع إلي رأي فأجيبك به إن شاء الله تعالى ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر الغساني
أي وكان بدمشق أي بغوطتها أي وهو محل معروف كثير المياه والشجر
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني وبعث معه كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى حارث بن ابي شمر سلام على من اتبع الهدى وآمن به وصدق وإني ادعوك أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقى لك ملكك وختم الكتاب
____________________

قال شجاع رضي الله تعالى عنه فخرجت حتى انتهيت إلى بابه فأقمت يومين أو ثلاثة فقلت لحاجبه إني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وجعل حاجبه يسألني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدعو إليه فكنت أحدثه فيرق حتى يغلبه البكاء ويقول إني قرأت في الإنجيل وأجد صفة هذا النبي بعينه فكنت أراه أي أظنه يخرج بالشام فأراه قد خرج بأرض القرظ أي وهو ورق أو ثمر السلم فأنا أومن به وأصدقه وأنا اخاف من الحارث بن أبي شمر أن يقتلني فكان هذا الحاجب يكرمني ويحسن ضيافتي ويخبرني عن الحارث باليأس منه ويقول هو يخاف قيصر فخرج الحارث يوما وجلس على رأسه التاج وأذن لي عليه فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه ثم رمى به ثم قال من ينزع مني ملكي أنا سائر إليه ولو كان في باليمن جئته علي بالناس فلم يزل جالسا يعرض عليه حتى الليل وأمر بالخيل أن تنعل ثم قال لي أخبر صاحبك بما ترى وكتب إلى قيصر يخبره الخبر وصادف أن كان عند قيصر دحية الكلبي رضي الله عنه بعثه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب إليه أن لا تسر إليه واله عنه أي لا تذكره واشتغل بايلياء أبي بيت المقدس ومعنى إيلياء بالعبرانية بيت الله والمراد باشتغاله بذلك أن يهيء لقيصر الإنزال ببيت المقدس فإنه نذر المشى من حمص وقيل من قسطنطينية إلى بيت المقدس ماشيا شكرا لله تعالى حيث كشف عنه جنود فارس وأظهر الله تعالى الروم على فارس ففرشوا له بسطا ونثروا عليها الرياحين وهوم يمشي عليها حتى بلغ بيت المقدس فجاء إليه كتاب قيصر أي الذي فيه أنه يلهو عنه ولا يذكره وأنا مقيم فدعاني وقال متى تريد أن تخرج إلى صاحبك قلت غدا فأمر لي بمائة مثقال ذهبا ووصلني حاجبه بنفقة وكسوة وقال لي ذلك الحاجب اقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وأخبره أني متبع دينه
قال شجاع فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما كان من الحارث قال با أي هلك ملكه وأقرأته السلام من الحاجب وأخبرته بما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق
وفي كلام بعضهم وبعض أهل السير على أن الحارث أسلم ولكن قال أخاف أن أظهر إسلامي فيقتلني قيصر وذكر أبن هشام وغيره ان شجاع بن وهب إنما توجه إلى جبلة ابن الأيهم
____________________


ويقال إن شجاع بن وهب أرسل إلى الحارث وإلى جبلة بن الأيهم وان شجاعا قاله له يا جبلة إن قومك نقلوا هذا النبي من داره إلى دارهم يعني الأنصار فآووه ومنعوه ونصروه وإن هذا الدين الذي أنت عليه ليس بدين آبائك ولكنك ملكت الشام وجاورت الروم ولو جاورت كسرى دنت بدين الفرس فإن اسلمت أطاعتك الشام وهابتك الروم وإن لم يفعلوا كانت لهم الدنيا وكانت لك الآخرة وقد كنت استبدلت المساجد بالبيع والأذان بالناقوس والجمع بالشعانين وكان ما عند الله خير وأبقى قال جبلة إني والله لوددت أن الناس اجتمعوا على هذا النبي اجتماعهم على من خلق السموات والأرض وقد سرني اجتماع قومي له وقد دعاني قيصر إلى قتال أصحابه يوم مؤته فأبيت عليه ولكني لست ارى حقا ولا باطلا وسأنظر
وفي كلام بعضهم أنه أسلم ورد جواب كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمه بإسلامه وأرسل الهدية وكان ثابتا على إسلامه لزمن عمر رضي الله عنه فإنه حج في خلافته
أي وفي كلام بعضهم لما أسلم جبلة بن الأيهم في أيام عمر رضي الله عنه وكتب اليه يخبره بإسلامه ويستأذنه في القدوم عليه فسر عمر بذلك وأذن له فخرج في خمسين ومائتين من أهل بيته حتى إذا قارب المدينة عمد إلى أصحابة هـفحملهم على الخيل وقلدها بقلائد الذهب والفضة وألبسها الديباج وسرف الحرير ووضع تاجه على رأسه فلم تبق بكر ولا عانس إلا خرجت تنظر إليه وإلى وزيه وزينته فلما دخل على عمر رضي الله تعالى عنه رحب به وأدنى مجلسه وأقام بالمدينة مكرما فخرج عمر رضي الله تعالى عنه حاجا فخرج معه وحين تطوف بالبيت وطىء رجل من فزارة إزاره فانحل فلطم الفزاري لطمة هشم بها أنفه وكسر ثناياه أي ويقال فقأ عينه فشكا الفزاري ذلك إلى عمر رضي الله عنه فاستدعاه وقال له لم هشمت أنفه أو قال لم فقأت عينه فقال يا أمير المؤمنين تعمد حل إزراي ولولا حرمة البيت لضربت عنقه بالسيف فقال له عمر أما أنت فقد أقررت إما أن ترضيه وإلا أقدته منك وفي رواية وحكم إما بالعفو أو بالقصاص فقال جبلة فتصنع بي ماذا قال مثل ما صنعت به وفي رواية أتقتص له مني سواء وأنا ملك وهذا سوقي فقال له عمر رضي الله تعالى عنه الإسلام سوى بينكما ولا فضل لك عليه إلا بالتقوى إن كنت أنا وهذا الرجل سواء في الدين فأنا اتنصر فإني كنت
____________________

أظن يا أمير المؤمنين أني أكون في الإسلام أعزمني في الجاهلية فقال له عمر رضي الله تعالى عنه إذا أضرب عنقك فقال فأملهني الليلة حتى انظر في أمري قال ذلك إلى خصمك فقال الرجل أمهلته يا أمير المؤمنين فأذن له رضي الله تعالى عنه في الانصراف ثم ركب في بني عمه وهرب إلى القسطنطينية أي فدخل على هرقل وتنصر هنا ومات على ذلك وقيل عاد إلى الإسلام ومات مسلما
وكان جبلة رجلا طوالا طوله أثنا عشر شبرا وكان يمسح الأرض برجليه وهو راكب فسر هرقل به وزوجه ابنته وقاسمه ملكه وجعله من سماره وبنى له مدينة بين طرابلس واللاذقية سماها جبلة باسمه يقال إن فيها قبر إبراهيم بن أدهم
وقيل المحاكمة كانت عند ابي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه أي فقد ذكر بعضهم أن جبلة لم يزل مسلما حتى كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فبينما هو في سوق دمشق إذ وطىء رجلا من مزينة فوثب المزنى فلطم خد جبلة فأرسله مع جماعة من قومه إلى أبي عبيدة بن الجراح فقالوا هذا لطم جبلة قال فليلطمه قالوا ما يقبل قال لا يقبل قالوا إنما تقطع يده قال لا إنما أمر الله بالقود فلما بلغ جبلة ذلك قال أتروني أني جاعل وجهي ندا لوجه بئس الدين هذا ثم ارتد نصرانيا وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم على هرقل حجة الوداع
ويقال لها حجة البلاغ وحجة الإسلام لأنه صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها ولم يحج بعدها ولأنه ذكر لهم ما يحل وما يحرم وقال لهم هل بلغت ولأنه صلى الله عليه وسلم يحج من المدينة غيرها وقيل لإخراج الكفار الحج عن وقته لأن أهل الجاهلية كانوا يؤخرون الحج في كل عام أحد عشر يوما حتى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة فيعود إلى وقته ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في هذه الحجة إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض فإن هذه الحجة كانت في السنة التي عاد فيها الحج إلى وقته وكانت سنة عشر
قال الجمهور فرض الحج كان سنة ست من الهجرة أي وصححه الرافعي في باب السير وتبعه النووي
____________________

وقيل فرض سنة تسع وقيل سنة عشر انتهى وبه قال ابو حنيفة ومن ثم قال إنه على الفور وقيل فرض قبل الهجرة واستغرب
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الحج وأعلم الناس بذلك ولم يحج منذ هاجر إلى المدينة غير هذه الحجة قال وأما بعد النبوة قبل الهجرة فحج ثلاثة حجات أي وقيل حجتين أي وهما اللتان بايع فيهما الانصار عند العقبة
وفي كلام ابن الأثير كان صلى الله عليه وسلم يحج كل سنة قبل أن يهاجر وفي كلام ابن الجوزي حج صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها حججا لا يعلم عددها أي وكان صلى الله عليه وسلم قبل النبوة يقف بعرفات ويفيض منها إلى مزدلفة مخالفا لقريش توفيقا له من الله فإنهم كانوا لا يخرجون من الحرم فإنهم قالوا نحن بنو ابراهيم عليه الصلاة والسلام وأهل الحرم وولاة البيت وعاكفو مكة فليس لأحد من العرب منزلتنا فلا تعظموا شيئا من الحل أي كما تعظمون الحرم فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمكم وقالوا قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم فليس لنا أن نخرج من الحرم نحن الحمس فتركوا الوقوف بعرفة والإفاضة منه إلى المزدلفة ويرون ذلك لسائر العرب قال بعض الصحابة لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه الوحي وإنه واقف على بعير له بعرفات مع الناس من بين قومه حتى يدفع معهم منها توفيقا له من الله عز وجل
وعند خروجه صلى الله عليه وسلم للحج أصاب الناس بالمدينة جدري بضم الجيم وفتح الدال وبفتحهما أو حصبة منعت كثيرا من الناس من الحج معه صلى الله عليه وسلم ومع ذلك كان معه جموع لا يعلمها إلا الله تعالى قيل كانوا أربيعن ألفا وقيل كانوا سبعين ألفا وقيل كانوا تسعين ألفا وقيل كانوا مائة ألف وأربعة عشرة ألفا وقيل وعشرين ألفا وقيل كانوا أكثر من ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم أي عند ذهابه عمرة في رمضان تعدل حجة أو قال حجة معي أي قال ذلك تطييبا لخواطر من تخلف وصوب بعضهم أن هذا إنما قاله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه أي الى المدينة قاله لأم سنان الأنصارية لما قال لها ما منعك أن تكوني حججت معنا وقالت لنا ناضحان حج ابو فلان تعني زوجها وولدها على أحدهما وكان الآخر نسقي عليه ارضا لنا وقال ذلك أيضا لغيرها من النسوة قاله لأم سليم ولأم طلق ولأم الهيثم ولا مانع أن يكون قال ذلك مرتين مرة عند ذهابه لما ذكر ومرة عند رجوعه لمن ذكر
____________________


وكان خروجه صلى الله عليه وسلم يوم الخميس لست بقين من ذي القعدة أي وقيل يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة ورجحه بعضهم وأطال في الاستدلال له وذلك سنة عشرة نهارا بعد أن ترجل وادهن وبعد أن صلى الظهر بالمدينة وصلى عصر ذلك اليوم بذي الحليفة ركعتين وطاف تلك الليلة على نسائه أي فانهن كن معه صلى الله عليه وسلم في الهوداج وكن تسعة ثم اغتسل ثم صلى الصبح أي والظهر ثم طيبته عائشة رضي الله تعالى عنه بذريرة هي نوع من الطيب مجموع من أخلاط الطيب وبطيب فيه مسك ثم أحرم صلى الله عليه وسلم أي وذلك بعد أن اغتسل لإحرامه غير غسلة الأول وتجرد في إزراه وردائه أي فقد روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم أحرم في رداء وإزار ولم يغسل الطيب بل كان يرى وبيص المسك في مفارقة ولحيته الشريفة أي فإنه صلى الله عليه وسلم لبد شعر رأسه بما يلزق بعضه ببعض فلا يشعث
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها طيبته صلى الله عليه وسلم لحرمه وحله وعنها رضي الله تعالى عنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت رواه الشيخان وعنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضح طيبا وبه رد على ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قوله لأن أصبح مطيبا بقطران أحب إلي من أن أصبح محرما أنضح طيبا ويؤيد ما قاله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ما تقدم في الحديبية من أمره صلى الله عليه وسلم من تطيب قبل إحرامه بغسل الطيب وتقدم ما فيه أي وصلى كما في الصحيحين عن ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما ركعتين أي قبل أن يحرم وبه يرد قول ابن القيم رحمه الله تعالى لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر وأهل حيث ابنعثت به راحلته أي وهي القصواء أي وهو يرد ما روى عن ابن سعد رحمه الله تعالى حج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مشاة من المدينة إلى مكة قد ربطوا أوساطهم ومن ثم قال ابن كثير رحمه الله تعالى إنه حديث منكر ضعيف الإسناد وإنما كان صلى الله عليه وسلم راكبا وبعض أصحابه مشاة ولم يعتمر صلى الله عليه وسلم في عمره ماشيا وأحواله صلى الله عليه وسلم أشهر من أن تخفى على الناس بل هذا الحديث منكر شاذلا يثبت مثله وكان على راحلته صلى الله عليه وسلم رحل رث يساوي اربعة دراهم وفي رواية حج صلى الله عليه وسلم على رحل وقطيفة تساوي أو لا تساوي أربعة دراهم وقال اللهم اجعله حجا مبرورا لا رياء فيه ولا سمعة وذلك عند مسجد ذي الحليفة وأحرم بالحج والعمرة معا فكان قارنا
____________________


قال وقيل أحرم بالجج فقط فكان مفردا وقيل بالعمر فقط أي ثم أحرم بالحج بعد فراغه من أعمال العمرة فكان متمتعا أخذا من قول بعض الصحابة إنه صلى الله عليه وسلم أحرم متمتعا وقيل أطلق إحرامه
وفي كلام السهيلي رحمه الله واختلفت الروايات في إحرامه صلى الله عليه وسلم هل كان مفردا أو قارنا أو متمتعا وكلها صحاح إلا من قال كان متمتعا وأرد أنه أهل بعمرة
قال الإمام النووي وطريق الجمع أي بين من يقول إنه أحرم قارنا ومن يقول إنه أحرم مفردا ومن يقول إنه أحرم متمتعا أنه أحرم أولا مفردا أي بالحج ثم أدخل العمرة أي وذلك أي دخول الأضعف وهي العمرة على الأقوى الذي هو الحج من خصائصه صلى الله عليه وسلم فصار قارنا ويدل لذلك حديث البخاري أنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج فلما كان بالعقيق أتاه آت من ربه فقال له صل بهذا الوادي المبارك وقل لبيك بحجة وعمرة معا فصار قارنا بعد أن كان مفردا
فمن روى القرآن اعتمد آخر الأمر أي ومنه قول سيدنا أنس رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك عمرة وحجا
ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق بالقران انتهى أي بالقران المذكور الذي هو ادخال العمرة على الحج لانه يكفى فيه الاقتصار على عمل واحد في النسكين أي لا ياتي بطوافين ولا بسعيين أي وليس مراده التمتع الحقيقي بأن أحرم بعمرة فقط ثم بعد فراغه من أعمالها أحرم بالحج كما هو حقيقة التمتع ومن ثم قال بعضهم أكثر السلف يطلقون المتعة على القرآن
ومن روى الإفراد اعتمد أول الأمر ومنه قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وقد سئل عن ذلك لبى الحج وحده أو أن ابن عمر سمعه يقول لبيك بحج ولم يسمع قوله وعمرة فلم يحك إلا ما سمع وأنس رضي الله عنه سمع ذلك أي سمع الحج والعمرة أي فإن ابن عمر رضي الله عنه قيل له عن أنس بن مالك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة فقال ابن عمر لبى بالحج وحده فقيل لأنس عن ابن عمر ذلك فقال أنس رضي الله عنه ما يعدونا إلى صبيانا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك لبيك عمرة وحجا أي يصرح يهما جميعا وقال إني لرديف لابي طلحة وإن ركبتي لتمس ركبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________

وهو يلبى بالحج والعمرة وذلك مثبت لما قاله ابن عمر وزائد عليه فليس منا قضاله أي ودليل من قال إنه أحرم مطلقا ما رواه إمامنا الشافعي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم خرج هو وأصحابه رضي الله عنهم مهلين أي محرمين إحراما مطلقا ينتظرون القضاء أي نزول الوحي لتعيين ما يصرفون إحرامهم المطلق إليه أي بإفراد أو تمتع أو قران أي فجاءه صلى الله عليه وسلم الوحي أن يأمر من لا هدى معه ان يجعل إحرامه عمرة فيكون متمتعاومن معه هدى أن يجعله حجا فيكون مفردا لأن من معه هدى أفضل ممن لا هدى معه والحج أفضل من العمرة
ويدل لكون الصحابة أطلقوا إحرامهم ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها خرجنا نلبي لا نذكر حجا ولا عمرة لكن أجيب عن ذلك بأنهم لا يذكرون ذلك مع التلبية وإن كانوا سموه حال الإحرام هذا
وفي مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بعمة فليفعل فلينظر الجمع بين هذا وما قبله
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم من لم يكن معه هدى وأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ومن كان معه هدى فلا أي فلا يجعلها عمرة بل يجعل إحرامه حجا ولم يذكر القران وجاء في بعض الطرق أنه أمر من كان معه هدى أن يحرم بالحج والعمرة معا
وفي بعض الروايات خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يسمى حجا ولا عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة فأمر أصحابه من كان منهم أهل بالحج ولم يكن معه هدى أن يجعله عمرة
وفي الهدى الصواب أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج والعمرة معا من حين أنشأ الإحرام فهو قارن ولم يحل حتى حل منهما جميعا وطاف لهما طوافا واحدا وسعيا واحدا كما دلت عليه النصوص المستفيضة التي تواترات تواترا يعلمه اهل الحديث وما ورد انه صلى الله عليه وسلم طاف طوافين وسعى سعيين لم يصح
قال وغلط من قال لبى بالحج وحده ثم أدخل عليه العمرة أتى الذي تقدم في الجمع بين الروايات عن النووي رحمه الله تعالى ومن قال لبى بالعمرة ثم ادخل عليها الحج أي وهذا لم يتقدم ومن قال أحرما إحراما مطلقا لم يعين فيه نسكا ثم عينه بعد احرامه أي وهو
____________________

ما تقدم عن إمامنا الشافعي رضي الله عنه ومن قال أفرد الحج أراد به أنه أتى بأعمل الحج ولم يفرد للعمرة أعمالا وهذا محمل ما في بعض الروايات وأفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج ولم يعتمر على أن بعض الحفاظ قال إنه حديث غريب جدا وفيه نكارة شديدة
ثم لبى صلى الله عليه وسلم أي بعد ان استقبل القبلة فقال لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك
وروى أنه زاد على ذلك لبيك إله الخلق لبيك أي وروي أنه زاد لبيك حقا تعبدا ورقا على تلبيته المذكورة والناس معه يزيدون فيها وينقصون لم ينكر عليها وبه استدل أئمتنا على عدم كراهة الزيادة على تلبيته المشهورة المتقدمة فكان ابن عمر رضي الله عنهما يزيد فيها لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك لبيك والرغباء اليك والعمل
وأتاه صلى الله عليه وسلم جبريل عليه الصلاة والسلام وأمره أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية من شعائر الحج فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فقال مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فانها من شعائر الحج
واستعمل صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا دجانه رضي الله عنه وقيل سباع بن عرفطة رضي الله عنه وولدت أسماء بنت عميس زوج ابي بكر الصديق رضي الله عنهما ولدها محمد بن ابي بكر رضي الله عنهم في ذي الحليفة وارسلت إليه صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل وتستثفر أي بخرقة عريضة بعد أن تحشو بنحو قطن وتربط طرفي تلك الخرقة في شيء تشده في وسطها لتمنع بذلك سيلان الدم كما تفعل الحائض وتحرم
ثم حاضت سيدتنا عائشة رضي الله عنها في اثناء الطريق بمحل يقال له سرف بكسر الراء وكانت قد أحرمت بعمرة ففي البخاري أنها قالت وكنت فيمن أهل بعمرة فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتدخل الحج على العمرة
أقول وقد جاء أنها قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال ما يبكيك ياعائشة وفي لفظ ما يبكيك يا هنتاه لعلك نفست أي حضت قلت نعم والله لوددت أني لم أخرج معكم عامي هذا في هذا السفر قال لا تقولين ذلك فهذا شيء كتبه الله على بنات آدم
____________________


أي واستدل البخاري رحمه الله بهذا على أن الحيض كان في جميع بنات آدم وانكر به على من قال إن الحيض أول ما وقع في بني اسرائيل وفي لفظ قال ما شأنك قلت لا أصلي قال لاصبر عليك إنما أنت امرأة من بنات آدم كتب الله عليك ما كتب عليهن أهلي بالحج وفي رواية ارفضي عمرتك أي لا تشرعي في شيء من أعمالها وأحرمي بالحج فإنك تقضين كل ما يقضى الحاج أي تفعلين كل ما يفعل الحاج وأنت حائض إلا أنك لا تطوفين بالبيت ففعلت ذلك أي ادخلت الحج على العمرة ووقفت المواقف فوقفت بعرفه وهي حائض حتى إذا طهرت أي وذلك يوم النحر وقيل عشية عرفة طافت بالبيت وبالصفاة والمروة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حللت من حجك وعمرتك جميعا
وذكر بعضهم أن في هذه الحجة كان جمل عائشة رضي الله عنها سريع المشي مع خفة حمل عائشة وكان جمل صفية بطيء المشي مع ثقل حملها فصار يتأخر الركب بسبب ذلك فأمر صلى الله عليه وسلم أن يجعل حمل صفية على جمل عائشة وأن يجعل حمل عائشة جمل صفية فجاء صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها يستعطف خاطرها فقال لها يا أم عبد الله حملك خفيف وجملك سريع المشي وحمل صفية ثقيل وجملها بطىء فأبطأ ذلك بالركب فنقلنا حملك على جملها وحملها على جملك ليسير الركب فقالت له إنك تزعم أنك رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم أفي شك أني رسول الله أنت يا أم عبد الله قالت فمالك لا تعدل قال فكان ابو بكر رضي الله عنه فيه حدة فلطمني على وجهي فلامه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اما سمعت ما قالت فقال دعها فإن المرأة الغيراء لا تعرف أعلى الوادي من أسفله
قالوا ولما نزلوا بمحل يقال له العرج فقد البعير الذي عليه زاملته صلى الله عليه وسلم وزاملة ابي بكر أي زاداهما وكان ذلك البعير مع غلام لأبي بكر فقال ابو بكر رضي الله تعالى عنه للغلام اين بعيرك قال ضللته البارحة فقال ابو بكر وقد اعترته حدة بعير واحد تضله وأخذ يضربه بالسوط ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع ويتبسم ولا يزيد على ذلك فلما بلغ بعض الصحابة أن زاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضلت جاء بحيس ووضعه بين يديه صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم لابي بكر الله تعالى عنه وهو يغتاظ على الغلام هون عليك
____________________

يا أبا بكر فإن الأمر ليس لك ولا إلينا وقد كان الغلام حريصا على أن لا يضل بعيره وهذا غداء طيب قد جاء الله به وهو خلف عما كان معه فأكل صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ومن كان يأكل معهما حتى شبعوا فأقبل صفوان بن المعطل رضي الله تعالى عنه وكان على ساقة القوم أي لأن هذا كان شأنه كما تقم في قصة الإفك والبعير معه وعليه الزاملة حتى أناخه على باب منزله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر انظر هل تفقد شيئا من متاعك فقال ما فقدت شيئا إلا قعبا كنا نشرب فيه فقال الغلام هذا القعب معي ولما بلغ سعد بن عبادة وابنه قيسا رضي الله تعالى عنهما أن زاملته صلى الله عليه وسلم قد ضلت جاآ بزاملة مكانها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء الله بزاملتنا فارجعا بزاملتكما بارك الله لكما ا هـثم نزل صلى الله عليه وسلم بذي طوى فبات بها تلك الليلة وصلى بها الصبح أي بعد أن اغتسل بها أي ثم سار صلى الله عليه وسلم ونزل بالمسلمين ظاهر مكة ودخل مكة نهارا أي وقت الضحى من الثنية العليا التي هي ثنية كداء بفتح الكاف والمد قال ابو عبيدة لا ينصرف وهي التي ينزل منها إلى المعلاة مقبرة مكة وهي التي يقال لها الآن الحجون التي دخل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة كما تقدم ودخل المسجد الحرام صبحا من باب عبد مناف وهو باب بني شيبة المعروف الآن بباب السلام وكان صلى الله عليه وسلم إذا أبصر البيت قال اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما ومهابة وبرا وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا
وفي مسند إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه أخبرنا سعيد بن سالم عن جريح عن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زد هذا البيت الخ وفي رواية كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبر وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا السلام اللهم زد هذا البيت الخ
وعند دخوله صلى الله عليه وسلم المسجد طاف بالبيت أي سبعا ماشيا فعن جابر ابن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال دخلنا مكة عند ارتفاع الشمس فأتى النبي صلى الله عليه وسلم باب المسجد فأناخ راحلته ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر الأسود فاستلمه وفاضت عيناه بالبكاء ثم رمل ثلاثا ومشى اربعا فلما فرغ صلى الله
____________________

عليه وسلم قبل الحجر ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه رواه البيهقي في السنن الكبرى بإسناد جيد
وقيل طاف صلى الله عليه وسلم على راحلته الجدعاء أي لانه صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكى فعن أبن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكى فطاف على راحلته فلما أتى الركن استلمه بمحجن فلما فرغ من طوافه أنا خ فصلى ركعتين رواه أبو داود ورد بأن هذا الحديث تفرد به يزيد بن ابي زياد وهو ضعيف
على أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لم يذكر أن ذلك كان في حجة الوداع ولا في الطواف الأول من طوافاتها الثلاثة التي هي طواف القدوم وطواف الإفاضة وطواف الوداع فينبغي أن يكون ذلك في غير الطواف الأول بان يكون في طواف الإفاضة أو طواف الوداع فلا ينافي ما تقدم عن جابر ولا ما في مسلم عنه انه قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت ليراه الناس فيسألوه وقوله ورمل في ثلاثا منها أي يسرع المشي مع تقارب الخطأ ومشى أى على هينته في أربع يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كل طوفة وابتداء الرمل كان في عمرة القضاء لما قال المشركون غدا يقدم عليكم قوم قد وهنتم حمى يثرب فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ليرى المشركون جلدهم ومن ثم قال بعضهم لبعض هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتم هؤلاء أجلد من كذا وكذا كما تقدم فلما كانت هذه الحجة فعلوا كذلك فصارت سنة
قال وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قبل الحجر الأسود وثبت أنه استلمه بيده ثم قبلها وثبت أنه استلمه بمحجنه فقبل المحجن ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم قبل الركن اليماني ولا قبل يده حين استلمه ا هـ
وعند إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه يتسحب أن يقبل ما استلمه به روى إمامنا الشافعي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر فاستلمه ثم وضع شفتيه عليا طويلا وكان صلى الله عليه وسلم إذا استلم الحجر قال بسم الله والله اكبر وقال بينهما أي بين الركن اليماني والحجر { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم شيء من
____________________

الأذكار في غير هذا المحل حول الكعبة ولم يستلم الركنين الماقبلين للحجر أي لانهما ليسا على قواعد سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام وقال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله تعالى عنه إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر أي الأسود تؤذى الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر وأخذ منه بعض فقهائنا أن من شق عليه استلام الحجر الأسود يسن له أن يهلل ويكبر
ثم بعد الطواف صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين عند مقام سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام جعل المقام بينه وبين الكعبة أي استقبل جهة باب المحل الذي به المقام الآن وهو المراد بخلف المقام قرأ فيهما مع أم القرآن { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحد } ودخل صلى الله عليه وسلم زمزم فنزع له دلو فشرب منه ثم مج فيه ثم أفرغها في زمزم ثم قال لولا أن الناس يتخذونه نسكا لنزعت أي وتقدم في فتح مكة أنه صلى الله عليه وسلم قال لولا أن تغلب بنو عبد المطلب لانتزعت منها دلوا وانتزع له العابس ثم رجع صلى الله عليه وسلم الى الحجر الأسود فاستلمه ثم خرج على الصفا وقرأ { إن الصفا والمروة من شعائر الله } ابدءوا بما بدأ الله به فسعى بين الصفا والمروة سبعا راكبا على بعيره
وعن إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه أن سعيه الذي طاف لقدومه كان على قدميه لا على بعير أي فذكر البعير في هذا السعي غلط من بعض الرواة
ثم رأيت بعضهم قال بعض الروايات عن جابر وغيره يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان ماشيا بين الصفا والمروة ولعل بين الصفا والمروة مدرجة أو أنه صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة بعض المرات على قدميه فلما ازدحم الناس عليه ركب في الباقي ويدل لذلك أنه قيل لابن عباس رضي الله تعالى عنهما إن قومك يزعمون أن السعي بين الصفا والمروة راكبا سنة فقال صدقوا وكذبوا فقيل كيف صدقوا وكذبوا فقال صدقوا في أن السعي سنة وكذبوا في أن الركوب سنة فإن السنة المشي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى في السعي فلما كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه فلما كثر عليه الناس ركب وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم مشى بين الصفا والمروة والأحاديث
____________________

الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم ركب فيه وصار صلى الله عليه وسلم في السعي يخب ثلاثا ويمشي اربعا ويرقى الصفا ويستقبل الكعبة ويوحد الله ويكبره ويقول لا إله إلا الله والله اكبر لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده أي من غير قتال ثم يفعل على المروة مثل ذلك
واعترض بأن كونه كان يخب ثلاثا ويمشي أربعا كان في الطوف بالبيت لا في السعي بين الصفا والمروة وهذا السياق يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم سعى بعد طواف القدوم
وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم حج فأول شيء بدأ به حين قدم مكة انه توضأ ثلاثا ثم طاف بالبيت ولم يذكر السعي أي وفي مسلم في سبب نزول قوله تعالى { إن الصفا والمروة من شعائر الله } أن المهاجرين في الجاهلية كانوا يهلون بصنمين على شط البحر يقال لهما إساف ونائلة ثم يجيئون فيطوفون بين اصفا والمروة ثم يحلقون فلما جاءهم الإسلام كرهوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة يرون أن ذلك من أمر الجاهلية فأنزل الله تعالى { إن الصفا والمروة من شعائر الله }
وقيل إن سبب نزولها أن الأنصار كانوا في الجاهلية يهلون لمناة وكان من أحرم بمناة لا يطوف بين الصفا والمروة وأنهما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك حين أسلموا فأنزل الله تعالى { إن الصفا والمروة من شعائر الله } الآية ثم أمر صلى الله عليه وسلم من لا هدى معه بالإحلال أي وإن لم يكن أحرم بالعمرة بأن لم يكن سمع أمره صلى الله عليه وسلم بأن من لاهدى معه يحرم بالعمرة فأحرم بالحج قارنا أو مفردا قال السهيلي رحمه الله ولم يكن ساق الهدى معه من أصحابه رضي الله تعالى عنهم إلا طلحة ابن عبد الله وكذا علي كرم الله وجهه جاء من اليمن وقد ساق الهدى معه ويأتي ما فيه أي وأمره صلى الله عليه وسلم من ذكر بالإحلال كان بعد الحلق والتقصير لأنه أتى بعمل العمرة فحل له كل ما حرم على المحرم من وطء النساء الطيب والمخيط وأن يبقى كذلك إلى يوم التروية الذي هو اليوم الثامن من ذي الحجة فيهل أي يحرم بالحج
وقيل له يوم التروية لأنهم كانوا يتروون فيه الماء ويحملونه معهم في ذهابهم من مكة إلى عرفات لعدم وجدان الماء بها في ذلك الزمن وأمر صلى الله عليه وسلم من معه الهدى أن يبقى على إحرامه أ بالحج قارنا أو مفردا حتى قال بعضهم لو استقبلت من أمري
____________________

ما استدبرت ما سقت الهدى قال ويروي أن قائل ذلك هو صلى الله عليه وسلم فعن جابر ابن عبدالله رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم لما تم سعيه قال لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم اسق الهدى وجعلتها عمرة قال ذلك جوابا لقول بلغه عن جمع من الصحابة ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر وفي لفظ وفرجه يقطر منيا أي قد جامع النساء أي وفيه أنهم لا ينطلقون إلى منى إلا بعد الإحرام بالحج لأنهم يحرمون من مكة إلا أن يقال مرادهم أنا كيف نجامع النساء بعد إحرامنا بالحج وكيف نجعلها عمرة بعد الإحرام بالحج كما سيأتي في بعض الروايات
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان فقلت من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار فقال أو ما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون
وقوله صلى الله عليه وسلم لو استقبلت الخ تأسف على فوات أمر من أمور الدين ومصالح الشرع كذا قال الإمام احمد رضي الله تعالى عنه لأنه يرى أن التمتع أفضل ورد بانه لم يتأسف على التمتع لكونه أفضل وإنما تأسف عليه لكونه أشق على اصحابه في بقائه محرما على إحرامه وأمره لهم بالاحلال وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لو تفتح عمل الشيطان محمول على التأسف على فوات حظ من حظوظ الدنيا فلا تخالف
ويروى أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغه تلك المقالة قام خطيبا فحمد الله تعالى فقال أما بعد فتعلمون أيها الناس لأنا والله أعلمكم بالله وأتقاكم له ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت هدبا ولا حللت وفي رواية قالوا كيف نجعلها عمرة وقد سمينا الحج فقال صلى الله عليه وسلم اقبلوا ما امرتكم به واجعلوا اهلالكم بالحج عمرة فلولا أني سقت الهدى لفعلت مثل الذي أمرتكم به ففعلوا وأهلوا ففسخوا الحج إلى العمرة وكان من جملة من ساق الهدى ابو بكر وعمر طلحة والزبير وعلى رضي الله تعالى عنهم فإن عليا كرم الله وجهه قدم إلى مكة من اليمن ومعه هدى وعن جابر رضي الله تعالى عنه لم يكن أحد معه هدى غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي كرم الله وجهه انطلق وطف بالبيت وحل كما أحل أصحابك فقال يا رسول الله أهللت كما أهللت فقال له ارجع فأحل
____________________

كما أحل أصحابك قال يا رسول الله إني قلت حين أحرمت اللهم إني أهل بما أهل به نبيك وعبدك ورسولك محمد فقال هل معك من هدى قال لا فأشركه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه وثبت على إحرامه وهذا صريح في أن إحرامه صلى الله عليه وسلم كان بالحج
ويمكن الجمع بين رواية أن عليا قدم من اليمن ومعه هدى وبين رواية أنه لم يكن معه هدى تأخر مجيئه بعده لأنه تعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على الجيش رجلا من اصحابه
ويؤيد ذلك قول بعضهم كان الهدى الذي قدم به علي كرم الله وجهه من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة أي وإلا فالذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وستون بدنة والذي قدم به من اليمن لعلى لعلى كان سبعة وثلاثين بدنة ولا يخالف ذلك إشراكه له في الهدى لأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لا حتمال تلف ذلك اشراكه له في الهدى وعدم مجيئه والذي في البخاري لما قدم علي كرم الله وجهه من اليمن قال له النبي صلى الله عليه وسلم بم أهللت يا علي قال بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم قال فأهدوا مكث حراما كما أنت أي فإنه تقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان أرسل خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى اليمن لهمدان يدعوهم إلى الإسلام قال البراء رضي الله تعالى عنه فكنت ممن خرج مع خالد فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فأمره أن يقفل خالد بن الوليد ويكون مكانه وقال مر اصحاب خالد من شاء منهم اين يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقفل فكنت من أعقب مع علي كرم الله وجهه فلما دنونا من القوم خرجوا الينا وصلى بنا علي كرم الله وجهه ثم صفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم فاسلمت همدان جميعا فكتب رضي الله تعالى عنه إلى رسول صلى الله عليه وسلم بإسلامهم فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه فقال السلام على همدان السلام علي همدان
وكان من جملة من لم يسق الهدى أبو موسى الاشعري رضي الله تعالى عنه فإنه لما قدم من اليمن قال له بم أهللت قال أهللت كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال له
____________________

هل معك من هدى قال قلت لا فأمري فطفت بالبيت والصفاة والمروة ورواية الشيخين عن ابي موسى رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال له بم أهللت فقلت لبيت بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال فقد أحسنت طف بالبيت وبالصفا والمروة وأحل أي بعد الحلق أو التقصير
وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان مهلا بالحج فقط أو مع العمرة إلا أن يقال جوز لابي موسى الفسخ من الحج إلى العمرة كما فعل ذلك مع غيره من الصحابة الذين أحرموا بالحج ولا هدى معهم ومن جملة من لم يسق الهدى أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن فأحللن أي لانهن أحرمن إحراما مطلقا ثم صرفنه للعمرة أو أحرمن متمتعات أي بالعمرة إلا عائشة رضي الله تعالى عنها فإنها لم تحل أي لأنها أدخلت الحج على العمرة كما تقدم
وممن أحل سيدتنا فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم أي لانها لم يكن معها هدى وأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما وشكا علي كرم الله وجهه فاطمة رضي الله تعالى عنها للنبي صلى الله عليه وسلم إذا احلت أي فإنه وجدها لبست صبيغا واكتحلت فأنكر عليها فقالت رضي الله تعالى عنها أمرني أبي بذلك فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم محر شاله عليها رضي الله تعالى عنها فصدقها عليه الصلاة والسلام في أنه أمرها بذلك أي فإنه صلى الله عليه وسلم قال له صدقت صدقت صدقت أنا أمرتها بذلك يا علي
وسأله سراقة بن مالك رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد فشبك صلى الله عليه وسلم أصابعه فقال بل لأبد لأبد دخلت العمرة في الحج هكذا إلى يوم القيامة أي وفي رواية فشبك بين اصابعه واحدة في أخرى وقال دخلت العمرة في الحج هكذا مرتين بل لأبد لأبد بالإضافة أي إلى آخر الدهر وهذا الجواب بقوله دخلت العمرة في الحج يدل على أن مراد السائل بالتمتع القران لا حقيقته الذي هو الإحرام بالحج بعد الفراغ من عمل العمرة لكن قول بعضهم لما كان آخر سعيه صلى الله عليه وسلم على المروة قال لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم اسق الهدى وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل وليجعلها عمرة فقام سراقة فقال يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد الحديث يدل على أن مراده بالتمتع حقيقته
____________________

لكن لا يحسن الجواب بقوله دخلت العمرة في الحج إلا أن يقال المراد حلصت العمرة مع الإحرام بالحج لقلب الإحرام بالحج إلى العمرة لان هذا كله يدل على أنه امر من احرم بالحج ممن لا هدى معه أن يقلب احرامه عمرة
وأجاب عنه أئمتنا بأن ذلك أي فسخ الحج إلى العمرة كان من خصائص الصحابة في تلك السنة ليخالفواما كان عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج ويقولون إنه من أفجر الفجور وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وإمامنا الشافعي وجماهير العلماء من السلف والخلف رضي الله عنهم
وفي مسلم عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه لم يكن فسخ الحج إلى العمرة إلا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وخالف الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه وطائفة من أهل الظاهر فقالوا بل هذا ليس خاصا بالصحابة في تلك السنة أي بل باق لكل أحد إلى يوم القيامة فيجوز لكل من أحرم بالحج وليس معه هدى أن يقلب احرامه عمرة ويتحلل بأعمالها
وبعضهم قال إن قول سراقة رضي الله تعالى عنه معناه أن جواز العمرة في أشهر الحج خاصة بهذه السنة أو جائزة إلى يوم القيامة وفيه أنه لا يحسن الجواب عنه بما تقدم من قوله دخلت العمرة في الحج
ثم نهض صلى الله عليه وسلم ونهض معه الناس يوم التروية الذي هو اليوم الثامن إلى منى وأحرم بالحج كل من كان أحل فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بمنى والعصر والمغرب والعشاء وبات بها تلك الليلة أي وكانت ليلة الجمعة وصلى بها الصبح ثم نهض بعد طلوع الشمس إلى عرفة وأمر صلى الله عليه وسلم أن تضرب له قبة من شعر بنمرة فأتى عليه الصلاة والسلام عرفة ونزل في تلك القبة حتى إذا زالت الشمس أمر بناقته القصواء بفتح القاف والمد وقيل بضم القاف والقصر وهو خطأ كما تقدم
وفي كلام الأصل أن القصواء والعضباء والجدعاء اسم لناقة واحدة وفيه مالا يخفى فرحلت ثم أتى بطن الوادي فخطب على راحلته خطبة ذكر فيها تحريم الدماء والأموال والأعراض ووضع ربا الجاهلية وأول ربا وضعه ربا عمه العباس رضي الله تعالى عنه ووضع الدماء في الجاهلية وأول دم وضعه دم ابن عمه ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قتلته هذيل فقال هو أول دم أبدأ به من دماء الجاهلية موضوع فلا يطالب به في الإسلام وأوصى صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا وأباح ضربهن غير المبرح إن أتين بما لا يحل
____________________

وقضى لهن بالرزق والكسوة بالمعروف على ازواجهن وأمر صلى الله عليه وسلم بالاعتصام بكتاب الله عز وجل أي وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأخبر أنه ل ايضل من اعتصم به وأشهد الله عز وجل على الناس أنه قد بلغهم ما يلزمهم فاعترف الناس بذلك وأمر أن يبلغ ذلك الشاهد الغائب
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب فاتقوا الله في النساء فإنكم اخذتموهن بامانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإنكم لتسألون عني فما أنتم قائلون قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس اللهم فاشهد ثلاث مرات
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم أمر مناديا صار ينادي بكل ماقاله من ذلك أي وهو ربيعة بن أمية بن خلف أخو صفوان بن أمية وكان صيتا وصار صلى الله عليه وسلم يقول له يا ربيعة قل ياأيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا كما تقدم فيصرخ به وهن واقف تحت صدر ناقته صلى الله عليه وسلم
وربيعة هذا ارتد في زمن عمر رضي الله تعالى عنه فإنه شرب الخمر فهرب منه إلى الشام ثم هرب إلى قيصر فتنصر ومات عنده
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أنه طاف ليلة هو وعمر رضي الله تعالى عنهما للحرس بالمدينة فرأوا نورا في بيت فانطلقوا يؤمونه فإذا باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط فقال عمر رضي الله تعالى عنه لعبد الرحمن تردي بيت من هذا قال لا قال هذا بيت ربيعة بن أمية وهم الآن شرب فما ترى قال أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه { ولا تجسسوا } فانصرف عمر ثم إن عمر رضي الله تعالى عنه غرب ربيعة إلى خيبر فكان ما تقدم وقد رأى ربيعة قبل ذلك في المنام كأنه في أرض معشبة مخصبة وخرج منها إلى أرض مجدبة كالحة وراى أبا بكر رضي الله تعالى عنه في جامعة من حديد عند سرير إلى الحشر فقص ذلك على أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال
____________________

إن صدقت رؤياك تخرج من الإيمان إلى الكفر وأما أنا فإن ذلك ديني جمع لي في أثر الناس إلى يوم الحشر
وبعثت إليه صلى الله عليه وسلم أم الفضل زوجة العباس أم عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهم لبنا في قدح شربه أمام الناس فعلموا أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن صائما ذلك اليوم الذي هو التاسع أي لأنهم تماروا عندها في صيامه صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم الذي هو يوم عرفة
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم يوم عرفة أي وبهذا استدل أئمتنا أنه لا يستحب للحاج صوم يوم عرفة الذي هو التاسع من ذي الحجة
فلما تم صلى الله عليه وسلم خطبته أمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا فصلاهما مجموعتين في وقت الظهر بأذان واحد وإقامتين أي لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقم بمكة إقامة تقطع السفر لأنه دخلها في اليوم الرابع وخرج يوم الثامن فقد صلى بها إحدى وعشرين صلاة من أول الظهر يوم الرابع إلى عصر الثامن يقصر تلك الصلوات فالجمع للسفر كما يقول إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه كالجمهور لا النسك كما يقول غيرهم
أقول وفيه أن فقهاء ذكروا أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة في حجة الوداع مع عزمه على الإقامة أياما أي تقطع السفر لعدم استيطانه
ويرد بأنه من أين أنه صلى الله عليه وسلم عزم على الإقامة بمكة المدة التي تقطع السفر هذه دعوى تحتاج إلى دليل وأيضا عزمه على ذلك إنما هو بعد عوده إلى مكة بعد فراغه من الوقوف والرمى ولا ينقطع سفره إلا بوصوله إلى مكة
والأولى استدلال فقهائنا على وجوب الاستيطان في إقامة الجمعة بعد أمره صلى الله عليه وسلم لأهل مكة باقامة الجمعة مع أنهم غير مسافرين لعدم استيطانهم للمحل فما ذهب إليه إمامنا الشافعي رضي الله عنه من أن الجمع للسفر لا للنسك في محله
وقد رأيت أن مالكا رضي الله تعالى عنه سأل أبا يوسف وقد كان حج مع هرون الرشيد وذلك بحضرة الرشيد فقال له ما تقول في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات يوم الجمعة أصلي ظهرا مقصورة فقال أبو يوسف صلى جمعة لأنه خطب لها قبل الصلاة فقال مالك أخطأت لأنه لو وقف يوم السبت لخطب قبل الصلاة
____________________

فقال أبو يوسف ما الذي صلى فقال مالك صلى الظهر مقصورة لأنه أسر بالقراءة فصوبه هرون في احتجاجه على أبي يوسف والله اعلم
ثم ركب صلى الله عليه وسلم راحلته إلى أن أتى الموقف فاستقبل القبلة ولم يزل واقفا للدعاء من الزوال إلى الغروب وفي الحديث أفضل الدعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي أي في يوم عرفة كما في بعض الروايات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
وجاء أن من جملة دعائه من في ذلك اليوم اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن وسوسة الشيطان ومن وسوسة الصدر ومن شتات الامر ومن شر كل ذي شر
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان فيما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع اللهم إنك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سري وعلانيتي ولا يخفى عليك شيء من أمري أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف الضريع من خضعت لك رقبته وفاضت لك عبرته وذل لك جسده ورغم لك أنفه اللهم لا تجعلني بدعائك ربي شقيا وكن بي رءوفا رحيما يا خير المسئولين ويا خير المعطين واستمر كذلك صلى الله عليه وسلم حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة
أي وخطب صلى الله عليه وسلم على ناقته في ذلك اليوم فعن شهر بن حوشب عن عمرو بن خارجة رضي الله تعالى عنهم قال بعثني عتاب بن أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة فبلغته ثم وقفت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لعابها ليقع على رأسي فسمعته يقول أيها الناس إن الله قد أدى إلى كل ذي حق حقه وإنه لا تجوز وصية لوارث والولد للفراش وللعاهر الحجر ومن دعى إلى غير أبيه أو مولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله له صرفا ولا عدلا وجاءه صلى الله عليه وسلم جماعة من نجد فسألوه كيف الحج فأمر مناديا ينادي الحج عرفة من جاء ليلة جمع أي المزدلفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج وجمع بفتح الجيم وسكون الميم أيام منى ثلاثة { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه } أي وقال صلى الله عليه وسلم وقفت ههنا وعرفة كلها موقف زاد مالك في الموطأ وارفعوا عن بطن عرنة
____________________


وفي كلام بعضهم نزلت { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } يوم الجمعة بعد العصر والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفات على ناقته العضباء فكاد عضد الناقة يندق من ثقل الوحي
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما اتفق في ذلك اليوم أربعة اعياد عيد للمسلمين وهو يوم الجمعة وعيد اليهود وعيد النصارى وعيد للمجوس ولم تجتمع أعياد لأهل الملل في يوم قبله ولا بعده
ولما نزلت بكى عمر رضي الله تعالى عنه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا عمر فقال رضي الله تعالى عنه أبكاني أنا كنا في زيادة أما إذا كمل فإنه لا يكمل شيء إلا نقص فقال صدقت فكانت هذه الآية نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يعش بعدها إلا ثلاثة أشهر وثلاثة أيام ولم ينزل بعدها شيء من الاحكام
ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه خلفه ودفع الى مزدلفه وقد ضم زمام راحتله القصواء التي خطب عليها في نمرة حتى إن راسها ليصيب طرف رجليه يسير العنق حتى إذا وجد فسحة سار النص وهو فوق العنق هو يأمر الناس بالسكينة في السير فلما كان في الطريق عند الشعب الأبتر نزل فيه فبال وتوضأ وضوءا خفيفا ثم ركب حتى أتى المزدلفة التي هي جمع أي وتقدم أن وقوفه صلى الله عليه وسلم بعرفات وإفاضته إلى مزدلفة قبل ان يبعث كان مخالفا في ذلك لقوله وصلى المغرب والعشاء مجموعتين في وقت العشاء أي مقصورتين بأذان واحد وإقامتين ثم اضطجع وأذن للنساء والضعفة أي الصبيان أن يرموا ليلا أي أن يذهبوا من مزدلفة إلى منى بعد نصف الليل بساعة ليرموا جمرة العقبة قبل الزحمة
وعن ابن عباس رضي الله عنهما فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس فليتأمل ذلك فعن عائشة رضي الله عنها أن سودة رضي الله عنها أفاضت في النصف الأخير من مزدلفة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمرها بالدم ولا النفر الذين كانوا معها وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم في ضعفه اهله وروى ذلك الشيخان ولم يأذن صلى الله عليه وسلم للرجال في ذلك إلا لضعفائهم ولا لغير ضعفائهم أي فالمراد بالضعفة
____________________

الصبيان كما تقدم وبهذا استدل أئمتنا على أنه يستحب تقديم النساء والضعفة بعد نصف الليل إلى منى أي وأن يبقى غيرهم حتى يصلوا الصبح مغسلين
وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت فلأن أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنت سودة أحب إلي من مفروح به أي لأرمي الجمرة قبل ان يأتي الناس وفي لفظ قبل حطمة الناس لأن سودة رضي الله عنها كانت امرأة ضخمة ثقيلة فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفيض من مزدلفة مع النساء والضعفة
وفي مسلم مضت أم حبيبة من جمع بليل أي في نصف الليل وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال أرسلني صلى الله عليه وسلم مع ضعفه أهله فصلينا الصبح بمنى ورمنيا الجمرة فلما كان وقت الفجر قام صلى الله عليه وسلم وصلى بالناس أي بالمزدلفة الصبح مغلسا ثم أتى المشعر الحرام فوقف به أي وهو راكب ناقته واستقبل القبلة ودعا الله وكبر وهلل ووحد ولم يزل واقفا حتى أسفر جدا وجاء أنه صلى الله عليه وسلم دعا بالمغفرة لأمته يوم عرفة فأجيب بأنه يغفر لها ما عدا المظالم ثم دعا بذلك أي بالمغفرة لأمته بمزدلفة فأجيب إلى ذلك أي إلى غفران المظالم فجعل إبليس لعنه الله يحثو التراب على راسه فضحك صلى الله عليه وسلم من فعله وجاء ما بين أن المراد بالأمة من وقف بعرفة
ثم إنه صلى الله عليه وسلم دفع أي من المشعر الحرام قبل أن تطلع الشمس أي قال جابر رضي الله تعالى عنه وكان المشركون لا ينفرون حتى تطلع الشمس واردف خلفه الفضل بن العباس وجاءته امرأة تسأله فقالت له يا رسول الله إن فريضة الله على عباده الحج أدركت أي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر وفي لفظ آخر فوضع صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول وجهه إلى الشق الآخر وفي لفظ آخر أنه صلى الله عليه وسلم لوى عنق الفضل فقال له أبوه العباس رضي الله عنهما يا رسول الله لويت عنق ابن عمك قال رأيت شابا وشابة فلم آمن عليهما الشيطان فلما وصل صلى الله عليه وسلم إلى محسر حرك ناقته قليل وسلك الطريق التي تسلك على جمرة العقبة فرمى بها من أسلفها سبع حصيات التقطها
____________________

له عبد الله بن عباس رضي الله عنهما من موقفه الذي رمى فيه مثل حصى الخذف بفتح الخاء المعجمة وإسكان الذال المعجمة وهذا لا يخال ما عليه أئمتنا من أن الأولى أن يلتقط حصى الرمى من مزدلفة
ويكره أخذه من المرمى لجواز أن يكون القتط له ذلك من مزدلفة ثم سقط منه عند جمرة العقبة فأمر ابن عباس بالتقاطه
لكن الذي في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل محسرا أي الوادي المعروف وهو أول منى قال عليكم بحصى الحذف الذي ترمى به الجمرة وهو يدل على أن أخذ الحصى من ذلك أولى إلا أن يقال يجوز أن يكون قال ذلك لجماعة تركوا أخذ ذلك من مزدلفة وأمر صلى الله عليه وسلم بمثلها ونهى عن أكبر منها وقطع صلى الله عليه وسلم التلبية عند الرمي وصار يكبر عند رمي كل حصاة وهو راكب ناقته وفي رواية على بغلة قال بعضهم وهو غريب جدا وبلال واسامة أحدهما آخذ بخطامها والآخر يظله بثوبه لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك
وفي رواية فرأيت بلالا رضي الله تعالى عنه يقود براحلته وأسامة بن زيد رضي الله عنه رافعا عليه ثوبه يظله من الحر حتى رمى جمرة العقبة وخطب صلى الله عليه وسلم على بغلة الشهباء وقيل على بعير بمنى خطبه قرر فيها تحريم الزنا والأموال والأعراض وذكر حرمة يوم النحر وحرمة مكة على جميع البلاد فقال يا أيها الناس أي يوم هذا قالوا يوم حرام قال فأي بلد هذا قالوا بلد حرام قال فأي شهر هذا قالوا شهر حرام قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا أعادها مرارا ثم رفع صلى الله عليه وسلم رأسه وقال اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت فليبلغ الشاهد منكم الغائب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وأمرهم صلى الله عليه وسلم بأخذ مناسكم عنه لعله لا يحج بعد عامه ذلك وكان وقوفه صلى الله عليه وسلم بين الجمرات والناس بين قائم وقاعد
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم خطب في اليوم الأول واليوم الثاني من أيام التشريق وهو أوسطها ويقال له يوم النفر الأول لجواز النفر فيه كما يقال لليوم الثالث في أيام التشريق يوم النفر الآخر
ثم انصرف صلى الله عليه وسلم إلى المنحر بمنى فنحر ثلاثا وستين بدنة أي وهي التي
____________________

قدم بها من المدينة وذلك بيده الشريفة لكل سنة بدنة قال بعضهم وفي ذلك إشارة إلى منتهى عمره صلى الله عليه وسلم لأن عمره صلى الله عليه وسلم كان في ذلك اليوم ثلاثا وستين سنة فنحر صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة لكل سنة بدنة وطبخ له اللحم من لحمها وأكل منه أي أخذ من كل بدنة بضعة فجعل ذلك في قدر وطبخ فاكل من ذلك اللحم وشرب من مرقته ثم أمر صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله وجهه فنحر ما بقي وهو تمام المائة أي ولعله الذي أتى به علي كرم الله وجهه من اليمن هذا
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال اهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مائة بدنة نحر منها ثلاثين بدنة ثم أمر صلى الله عليه وسلم عليا فنحر ما بقي منها ويقال له اقسم لحومها وجلودها وجلالها بين الناس ولا تعط جزارا منها شيئا وخذ لنا من كل بيعر جذية من لحم واجعلها في قدر واحدة حتى نأكل من لحمها ونحثو من مرقها ففعل وأخبر صلى الله عليه وسلم أن منى كلها منحر وأن فجاج مكة كلها منحر ثم حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم راسه الشريف أي حلقه معمر بن عبد الله وقال له هنا وأشار بيده إلى الجانب الأيمن فبدأ بشقه الأيمن فحلقه ثم بشقه الأيسر وقسم شعره فأعطى نصفه لأبي طلحة الانصاري أي شعر نصف راسه الأيسر بعد ان قال ههنا أبو طلحة وقيل اعطاه لأم سليم زوج أبي طلحة رضي الله عنهما وقيل لأبي كريب وأعطى منه نصفه الثاني أي الذي هو الأيمن الشعرة و الشعرتين للناس
وفي رواية ناول صلى الله عليه وسلم الحلاق شقه الأيمن فحلقه ثم دعا ابا طلحة الانصاري فأعطاه اياه ثم ناول الحلاق الشق الايسر فحلقه وأعطاه أبا طلحة وقال اقسمه بين الناس
قال في النور والحاصل أن الروايات اختلفت في مسلم في بعضها أنه أعطاه الايسر وف بعضها أنه أعطاه الأيمن ورجح أبن القيم أن الذي اختص به أبو طلحة هو الشق الأيسر
اقول الذي في مسلم قال للحلاق ها وأشار بيده إلى جانبه الأيمن فقسم شعره بين من يليه وفي رواية فوزعه الشعرة والشعرتين ثم أشار إلى الحلاق وإلى جانبه الأيسر فحلقه فأعطاه لأم سليم وفي رواية قال ههنا أبو طلحة وفي لفظ أين أبا طلحة فدفعه إلى أبي طلحة
____________________


وفي رواية ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه ثم دعا أبا طلحة فأعطاه إياه ثم ناوله الشق الأيسر فحلقه وأعطاه أبا طلحة فقال اقسم بين الناس والجمع ممكن بين هذه الروايات والله اعلم
وعن بعضهم قال شقت قلنسوة خالد بن الوليد رضي الله عنه يوم اليرموك وهو في الحرب فسقطت فطلبها طلبا حثيثا فعوتب في ذلك فقال إن فيها شيئا من شعر ناصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنها ما كانت معي في موقف إلا نصرت بها
وعن أنس رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وقد طاف به أصحابه ما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل
ثم تطيب صلى الله عليه وسلم طيبته عائشة رضي الله عنها بطيب فيه مسك قبل أن يطوف طواف الإفاضة ويقال له طواف الركن ويقال له طواف الصدر والأشهر أن طواف الصدر طواف الوداع وحلق بعض اصحابه وقصر بعض آخر وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر للمحلقين قالوا والمقصرين فأعاد صلى الله عليه وسلم وأعادوا ثلاثا وقال في الرابعة والمقصرين
والصحيح المشهور أنه قال ذلك في هذه الحجة التي هي حجة الوداع كما قال ذلك في الحديبية كما تقدم وقيل لم يقله الا في الحديبية وبه جزم امام الحرمين في النهاية وقال النووي ولا يبعد أن يكون وقع ذلك منه صلى الله عليه وسلم في الموضعين قال في فتح الباري بل هو المتعين لتضافر الروايات في الموضعين أي فإن في مسلم في حجة الوداع عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال وللمقصرين ثم نهض صلى الله عليه وسلم راكبا إلى مكه فطاف في يومه ذلك طواف الإفاضة قبل الظهر وشرب من نبيذ الساقية
فعن أبن عباس رضي الله عنهما مر النبي صلى الله عليه وسلم عاى راحلته وخلفه أسامة رضي الله عنه فاستسقى فأتيناه بإناء من نبيذ أي من سقاية العباس رضي الله عنه فإنهم كانوا يضعون في السقاية التمر والزبيب كما تقدم فشرب صلى الله عليه وسلم وسقى فضله لأسامة رضي الله تعالى عنه وقال أحسنتم وأجملتم كذا فاصنعوا ثم شرب صلى الله عليه
____________________

وسلم من ماء زمزم بالدلو قيل وهو قائم وقيل وهو على البعير والذي نزع له الدلو عمه العباس بن عبد المطلب أي وفعل ذلك عند فتح مكة أيضا كما تقدم وقيل لما شرب صلى الله عليه وسلم صب منه على رأسه الشريف وعن ابن جريح أنه صلى الله عليه وسلم نزع الدلو لنفسه
وقيل إن هذا يخالف ما تقدم من قوله لولا أن الناس يتخذونه نسكا لنزعت ومن قوله يوم فتح مكه لولاأن تغلب بنو عبد المطلب لنزعت منها ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى منى فصلى بها الظهر كما اتفق عليه الشيخان وقيل صلاة بمكة وبه انفرد مسلم ورجع بإمور
وجمع بينهما بأنه يجوز أن يكون صلى الظهر بمكه اول الوقت ثم رجع الى منى فصلها مرة اخرى باصحابه أي الذين تخلفوا عنه بمنى فإنه صلى الله عليه وسلم وجدهم ينتظرونه فهى له صلى الله عليه وسلم معادة قال بعضهم وهذا مشكل على من لا يجوز الإعادة
وعورض هذا بأنه صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم رمى جمرة العقبة ونحر ثلاثا وستين من بدنة ونحر علي كرم الله وجهه بقية المائة و أخذ من كل بدنة بضعة و وضعت في قدر وطبخت حتى نضجت فأكل من ذلك اللحم وشرب من مرقه وحلق رأسه ولبس تطيب وخطب فكيف يمكن أن يكون صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمكه اول الوقت ويعود الى منى في وقت الظهر
على أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع ألى منى رواه أبو داود
وأجيب بأن النهار كان طويلا فلا يضر صدور أفعال منه صلى الله عليه وسلم كثيرة في صدر ذلك اليوم
على أن ابن كثير رحمه الله قال لست أدري أن خطبته صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم أكانت قبل ذهابه أو بعد رجوعه إلى منى
أما رواية عائشة رضي الله تعالى عنها المقتضية لكونه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمنى قبل أن يذهب إلى البيت فأجاب بعضهم عنها بأنها ليست نصا في ذلك بل تحتمل فليتامل
فإن قيل روى البخاري وأهل السنن الأربعة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الزيارة
____________________

إلى الليل وفي لفظ زار ليلا قلنا المراد بالزيارة زيارة مجيئه لا طواف الزيارة الذي هو طواف الإفاضة
فقد روى البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت كل ليلة من ليالي مني وهو قول عروة بن الزبير إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر الطواف يوم النحر إلى الليل فقد أخذه من قول عاشة المتقدم وقد علمت ما فيه
وقد قال بعضهم الصحيح من الروايات وعليه الجمهور أنه صلى الله عليه وسلم طاف يوم النحر بالنهار والأشبه أنه كان قبل الزوال هذا كلامه
وطافت أم سلة رضي الله عنها في ذلك اليوم على بعيرها من وراء الناس قالت وطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جانب البيت وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور
أي وعورض ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة رضي الله عنها ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت كيف يلتئم هذا مع طوافه قبل الظهر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن ذلك الوقت بمكة
ويجاب بأنه يجوز أن يتكون ام سلمة أخرت طوافها لذلك الوقت وإن كانت قدمت مكة قبل الفجر
وعورض بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقرأ في ركعتي الطواف بالطور ولا جهر بالقراءة في النهار بحيث تسمعه أم سلمة من وراء الناس هذا من المحال
ويجاب بأن كونه صلى الله عليه وسلم لم يقرا في ركعتي الطواف بالطور شهادة نفي على من يثبت وأم سلمة رضي الله عنها لم تدع أنها سمعت قراءته صلى الله عليه وسلم ثم رأيت ابن كثير رحمه الله قال والظاهر أنه عليه الصلاة والسلام صلى الصبح يومئذ أي رأيت ابن كثير رحمه الله قال والظاهر أنه عليه الصلاة والسلام صلى الصبح يومئذ أي عند قدومه مكة لطواف الوداع عند الكعبة وأصحابه وقرأ في صلاته والطور بكمالها قال ويؤيد ذلك ما روى عن أم سلمة قالت شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني اشتكى قال طوفي من راء الناس وأنت راكبة ومضت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى حينئذ إلى جنب البيت وهو يقرأ { والطور وكتاب مسطور }
أي وحينئذ يكون ما قدم تقدم من قول الرواي وطافت ام سلمة في ذلك اليوم الذي هو يوم النحر وقوله في الرواية الأخرى ارسل أم سلمة ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل
____________________

النحر ثم مضت فأفاضت أي طافت طواف الإفاضة وما جاء عن ام سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافى معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة قال بعضهم ذكر يوم النحر غلط من الراوي أو من الناسخ وإنما هو يوم النفر ويقال بمثل ذلك فما قبله فليتأمل فإنه سيأي في بعض الروايات أنه طاف طواف الوداع سحرا قبل صلاة الصبح
إلا أن يقال إنه صلى الله عليه وسلم مكث بعد الطواف لصلاة الصبح حتى صلاها وفيه أن بعضهم ذكر أنه صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت أي طواف الوداع بعد صلاة الصبح والله أعلم وطافت في ذلك اليوم الذي هو يوم النحر عائشة رضي الله عنها بعد أن طهرت من حيضها وكانت حائضا يوم عرفة أي كما تقدم وطافت أيضا صفية رضي الله عنها في ذلك اليوم
وسئل صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم عما تقدم بعضه على بعض من الرمى والحلق والنحر والطواف فقال لا حرج أي لا إثم
ففي مسلم عن عمرو بن العاصي رضى الله عنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في جة الوداع بمنى على راحلته للناس يسألونه فجاء رجل فقال يارسول الله لم أشعر أن التحلل قبل النحر فحلقت قبل أن أنحر فقال اذبح ولا حرج ثم جاءه رجل آخر فقال يا رسول الله لم أشعر أن الرمى قبل النحر فنحرت قبل أن أرمي فقال ارم ولا حرج وجاءه آخر فقال إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي فقال ارم ولا حرج قال فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أيضا في تقديم السعي بين الصفا والمروة قبل الطواف بالبيت أي فمن شاء قدم السعي عقب طواف القدوم ومن شاء أخره عن طواف الإفاضة وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم أتى بالسعي عقب طواف القدوم
وأقام صلى الله عليه وسلم بمنى ثلاثة أيام يرمي الجمار أي ماشيا في ذهابه وإيابه وأمر صلى الله عليه وسلم شخصا أن ينادي في الناس بمنى إنها أيام أكل وشرب وباءة ورمى لكل جمرة من الجمرات الثلاث بعد الزوال أي قبل الصلاة للظهر سبع حصيات يبدأ بالتي تلي مسجد منى أي الخيف ويقف عندها للدعاء ثم التي تليها وهي الوسطى ثم يقف للدعاء ثم جمرة العقبة ولم يقف عندها للدعاء أي وكان أزواجه صلى الله عليه وسلم
____________________

يرمين بالليل وخطبهم أي الناس في اليوم الأول من ايام منى كما تقدم ويقال لذلك اليوم يوم القرلأنهم يقرون فيه منى وهو يوم الرءوس لأكلهم الرءوس في ذلك اليوم وفي اليوم الثاني من أيام منى وهو يوم النفر الأول أي ويقال له يوم الأكارع أي لأكلهم الأكارع في ذلك اليوم
وأوصى بذي الأرحام خيرا فقد خطب صلى الله عليه وسلم في الحج خمس خطب الأولى يوم السابع من ذي الحجة بمكة والثانية يوم عرفة والثالثة يوم النحر بمنى والرابعة يوم القر بمنى والخامسة يوم النفر الأول بمنى ايضا
ثم نهض صلى الله عليه وسلم من منى في اليوم الثالث الذي هو يوم النفر الآخر ونفر معه المسلمون بعد الزوال أي وبعد الرمي
واستأذنه عمه العابس رضي الله عنه في عدم المبيت بمنى في الليالي الثلاث من أجل السقاية فرخص له في ذلك
وضربت له صلى الله عليه وسلم قبة بالمحصب وهو الأبطح أي ضربها له أبو رافع رضي الله عنه وكان على ثقله ولم يأمره صلى الله عليه وسلم بذلك فعن أبي رافع رضي الله عنه لما يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل بالأبطح ولكني جئت فضربت قبة فجاء فنزل وكان صلى الله عليه وسلم قال لأسامة رضي الله عنه غدا نننزل بالمحصب إن شاء الله وهو المحل الذي تحالف فيه قريش وكنانة ن على منابذة بني هاشم وبني المطلب حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه أي وكان ذلك سببا لكتابة الصحيفة
وفيه أنه تقدم في فتح مكة أنه صلى الله عليه وسلم نزل بالحجون عند شعب ابي طالب المكان الذي حصرت فيه بنو هاشم وبنو المطلب وأنه خيف بني كنانة الذي تقاسمت قريش فيه جملتهم
وفي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال منزلنا إن شاء الله إذا فتح الله الخيف حيث تقاسموا على الكفر
ولما نزل صلى الله عليه وسلم بالمحصب صلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة ثم إن عائشة رضي الله عنها قالت له يا رسول الله أأرجع بحجة ليس معها عمرة فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما فقال اخرج بأختك من الحرم ثم افرغا من طوافكما حتى تأتياني ههنا بالمحصب قالت فقضى الله العمرة وفي لفظ فاعتمرنا
____________________

من التنعيم مكان عمرتي التي فاتتني وفرغنا من طوافها في جوف الليل فأتيناه صلى الله عليه وسلم بالمحصب فقال فرغتما من طوافكما قلنا نعم فأذن في الناس بالرحيل وفي رواية فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة اليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها
واعترض كيف يأتي قولها عمرتي التي فاتتني مع قوله صلى الله عليه وسلم قد حللت من حجتك وعمرتك وكيف اقرها صلى الله عليه وسلم على ذلك
وأجيب بأنها لما رأت صواحبها أتين بعمرة ثم بحج وهي لم تأت إلا بحج أحبت ان تأتي بعمرة أخرى زائدة على الحج وإن كانت العمرة مندرجة فيه وأقرها صلى الله عليه وسلم تطيبا لخاطرها لانه صلى الله عليه وسلم كان معها إذا هويت الشيء الذي لا مخالفة فيه للشرع تابعها عليه وبهذا استدل أئمتنا على جواز الاحرام بالعمرة قبل طواف الواداع
وأمر صلى الله عليه وسلم الناس أن ينصرفوا أي إلى بلادهم حتى يكون آخر عهدهم الطواف بالبيت أي الذي هو طواف الوداع
ورخص صلى الله عليه وسلم في ترك المؤمنين ذلك للحائض التي قد طافت طواف الإفاضة قبل حيضها كصفية أم المؤمنين رضي الله عنها فإناه حاضت بعد طواف الافاضة ليلة النفر من منى أي وقالت ما أراني إلا حابستكم لانتظار طهري وطواف الوداع فقال لها صلى الله عليه وسلم أوما كنت طفت يوم النحر أو في لفظ ما كنت طفت طواف الافاضة يوم النمحر قالت بلى قال لا بأس انفرى معنا وفي رواية قال يكفيك ذلك أي لأنه هو طواف الركن الذي لا بد لكل احد منه بخلاف طواف الوداع لا يجب على الحائض ولا يلزمها الصبر التطهر وتأتي به ولادم عليها في تركه
قال الإمام النووي رحمه الله وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا ما حكى عن بعض السف وهو شاذ مردود
ثم إنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة في تلك الليلة وطاف طواف الوداع سحر اقبل صلاة الصبح ثم خرج من الثنية السفلى ثنية كدى بضم الكاف والقصر وهو عند باب شبيكة متوجها إلى المدينة أي التي خرج منا لما فتح مكة كما تقدم
وكان خروجه صلى الله عليه وسلم من المسجد من باب الحزورة ويقال له باب الخناطين وجاء عن جابر رضي الله عنه أن خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة كان
ثم إنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة في تلك الليلة وطاف طواف الوداع سحر اقبل صلاة الصبح ثم خرج من الثنية السفلى ثنية كدى بضم الكاف والقصر وهو عند باب شبيكة متوجها إلى المدينة أي التي خرج منا لما فتح مكة كما تقدم
وكان خروجه صلى الله عليه وسلم من المسجد من باب الحزورة ويقال له باب الخناطين وجاء عن جابر رضي الله عنه أن خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة كان
____________________

عند غروب الشمس فلم يصل حتى اتى سرف قال بعضم لعل هذا كان في غير حجة الوداع فإنه صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت بعد الصلاة الصبح فماذا أخره الى وقف الغروب هذا غريب جدا هذا كلامه وما روى أنه صلى الله عليه وسلم رجع بعد طواف الوداع إلى المحصب غير محفوظ
أقول هذا جمع به الإمام النووي رحمه الله بين الروايات المتقدمة عن عائشة حيث قال ووجه الجمع أنه صلى الله عليه وسلم بعث عائشة مع أخيها بعد نزوله المحصب وواعدها أن تلحقه بعد اعتمارها ثم خرج هو صلى الله عليه وسلم بعد ذهابها فقصد البيت ليطوف طواف الوداع ثم رجع بعد فراغه من الطواف الوداع فلقيها وهو صادر وهي داخلة لطواف عمرتها ثم لما فرغت لحقته وهو في المحصب
قال وأما قولها فأذن في أصحابه فخرج ومر بالبيت وطاف فمتأول بأن في الكلام تقديما وتأخيرا وإلا فطوافه صلى الله عليه وسلم كان بعد خروجها إلى العمرة وقبل رجوعها وأنه فرغ قبل طوافها للعمرة هذا كلامه فليتأمل فكانت مدة دخوله صلى الله عليه وسلم إلى مكة وخروجه منها عشرة أيام وهذا السياق يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يأت بعمرة بعد حجة وهو لا يناسب القول بانه أحرم مفردا بالحج بل يدل للقول بأنه أحرم قارنا أو نواهما بعد إطلاق الإحرام أو ادخل الحج على العمرة
وفي كلام بعضهم لم يعتمر صلى الله عليه وسلم تلك السنة عرمة مفردة لا قبل الحج ولا بعده ولو جعل حجه منفردا لكان خلاف الأفضل أي لأنه لم يقل أحد إن الحج وحجه من غير اعتمار في سنته أفضل من القرآن
وفي كلام بعض آخر أجمعوا على أنه لم يعتمر بعد الحج فتعين أن يكون متمتعا تمتع قران
وقد يطلق الإفراد على الاتيان بأعمال الحج فقط وإن كان قد أحرم بهما معا كما أن القران قد يطلق على الاتيان بطوافين وسعيين فمن روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه أفرد الحج أراد به أنه أتى بأعمال الحج ولم يفرد للعمرة أعمالا
ولم أقف على أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة في هذه الحجة التي هي حجة الوداع
____________________


ولما طاف صلى الله عليه وسلم سبعا وقف في الملتزم بين ركن الحجر وبين باب الكعبة فدعا الله وألزف جسده أي صدره الشريف ووجهه بالملتزم
أي ولما وصل صلى الله عليه وسلم إلى محل بين مكة والمدينة يقال له غدير خم بقرب رابغ جمع الصحابة وخطبهم خطبة بين فيها فضل علي كرم الله وجهه وبراءة عرضه مما تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جورا وبخلا والصواب كان معه كرم الله وجهه في ذلك فقال صلى الله عليه وسلم أيها الناس إنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب أي وفي لفظ في الطبراني فقال يا أيها الناس إنه قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله وإني لأظن أن يوشك أن أدعى فأجيب وإني مسئول وإنكم مسئولون فما أنتم قائلون قالوا نشهد أنك قد بلغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيرا فقال صلى الله عليه وسلم أليس تشهدون ان لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن جنته حق وناره حق وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور قالوا بلى نشهد بذلك قال اللهم اشهد الحديث ثم حض على التمسك بكتاب الله ووصى بأهل بيته أي فقال إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن تتفرقا حتى تردا علي الحوض وقال في حق على كرم الله وجهه لما كرر عليهم ألست أولى بكم من أنفسكم ثلاثا وهم يجيبونه صلى الله عليه وسلم بالتصديق والاعتراف ورفع صلى الله عليه وسلم يد علي كرم الله وجهه وقال من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وابغض من أبغضه وانصر من نصره وأعن من أعانه واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار وهذا أقوى ما تمسكت به الشيعة والإمامية والرافضة على أن عليا كرم الله وجهه أولى بالإمامة من كل احد وقالوا هذا نص صريح على خلافته سمعه ثلاثون صحابيا وشهدوا به قالوا فلعلى عليهم من الولاء ما كان له صلى الله عليه وسلم بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ألست أولى بكم وهذا حديث صحيح ورد بأسانيد صحاح وحسان ولا التفات لمن قدح في صحته كأبي دواد وأبي حاتم الرازي وقول بعضهم إن زيادة اللهم وال من والاة إلى آخره موضوعة مردود فقد ورد ذلك من طرق صحح الذهبي كثيرا منها
____________________


وفد جاء أن عليا كرم الله وجهه قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أنشد الله من ينشد يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم رجل يقول أنبئت أو بلغني إلا رجل سمعت أذناه ووعى قلبه فقام سبعة عشر صحابيا وفي رواية ثلاثون صحابيا وفي المعجم الكبير ستة عشر وفي رواية اثنا عشر فقال هاتوا ما سمعتم فذكروا الحديث ومن جملته من كنت مولاه فعلى مولاه وفي رواية فهذا مولاه وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه وكنت ممن كتم فذهب الله ببصرى وكان علي كرم الله وجهه دعا على من كتم
قال بعضهم ولما شاع قوله صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلى مولاه في سائر الامصار وطار في جميع الاقطار بلغ الحارث بن النعمان الفهري فقدم المدينة فأناخ راحلته عند باب المسجد فدخل والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله أصحابه فجاء حتى جثا بين يديه ثم قال يا محمد إنك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا ذلك منك وإنك أمرتنا أن نصلي في اليوم والليلة خمس صلوات ونصوم شهر رمضان ونزكي أموالنا ونحج البيت فقبلنا ذلك منك ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته وقلت من كنت مولاه فعلى مولاه فهذا شيء من الله أو منك فاحمرت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال والله الذي لا إله إلا هو إنه من الله وليس مني قالها ثلاثا فقام الحارث هو يقول اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك وفي رواية اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأرسل علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم فوالله ما بلغ باب المسجد حتى رماه الله بحجر من السماء فوقع على رأسه فخرج من دبره فمات وأنزل الله تعالى { سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع } الآية وكان ذلك اليوم الثامن عشر من ذي الحجة وقد اتخذت الروافض هذا اليوم عيدا فكانت تضرب فيه الطبول ببغداد في حدود الاربعمائة في دولة بني بويه وما جاء من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهرا قال بعضهم قال الحافظ الذهبي هذا حديث منكر جدا أي بل كذب
فقد ثبت في الصحيح ما معناه أن صيام شهر رمضان بعشرة اشهر فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهرا هذا باطل هذا كلامه فليتأمل
وقد رد عليهم في ذلك بما بسطته في كتابي المسمى بالقول المطاع في الرد على أهل
____________________

الابتداع لخصت فيه الصواعق للعلامة ابن حجر الهيتمي وذكرت أن الرد عليهم في ذلك من وجوه
أحدهما أن هؤلاء الشيعة والرافضة اتقوا على اعتبار التواتر فيما يستدلون به على الإمامة من الاحاديث وهذا الحديث مع كونه آحادا طعن في صحته جماعة من أئمة الحديث كأبي داود وأبي حاتم الرازي كما تقدم فهذا منهم مناقضة ومن ثم قال بعض أهل السنة يا سبحان الله من أمر الشيعة والرافضة إذا استدللنا عليهم بشيء من الأحاديث الصحيحة قالوا هذا خبر واحد لا يغني وإذا ارادوا أن يستدلوا على ما زعموا أتوا بأخبار باطلة كاذبة لا تصل إلى درجة الأحاديث الضعيفة التي هي أدنى مراتب الآحاد التي منها أنه قال لعلى أخي ووصي وخليفتي في ديني بكسر الدال وخبر أنت سيد المرسلين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وخبر سلموا على علي بإمرة الناس فإنها أحاديث كاذبة موضوعة مفتراة عليه أفضل الصلاة والسلام
ثانيها أن اسم المولى يطلق على عشرين معنى منها أنه السيد الذي ينبغي محبته ويجتنب بغضه ويؤيد ارادة ذلك أن سبب إيراد ذلك أن عليا كرم الله وجهه تكلم فيه بعض من كان معه باليمن من الصحابة وهو بريدة قدم هو وإياه عليه صلى الله عليه وسلم في تلك الحجة التي هي حجة الوداع وجعل يشكوه له صلى الله عليه وسلم لأنه حصل له منه جفوة فجعل يتغير وجه رسلو الله صلى الله عليه وسلم وقال يا بريدة لا تقع في علي فإن عليا مني وأنا منه ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قال نعم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلى مولاه فقال ذلك لبريدة خاصة ثم لما وصل صلى الله عليه وسلم إلى غدير خم أحب أن يقول ذلك للصحابة عموما أي فكما عليهم أن يحبوني فكذلك ينبغي ان يحبوا عليا وعلى تسليم أن المراد أنه أولى بالإمامة فالمراد في المآل لا في الحال قطعا وإلا لكان هو الإمام مع وجوده صلى الله عليه وسلم والمآل لم يعين له وقت فمن اين أنه عقب وفاته صلى الله عليه وسلم وجاز أن يكون بعد أن يعقد له البيعة ويصير خليفة ويدل لذلك أنه كرم الله وجهه لم يحتج بذلك إلا بعد أن يعقد له البيعة ويصير خليفة ويدل لذلك أنه كرم الله وجهه لم يحتج بذلك إلا بعد أن آلت إليه الخلافة ردا على من نازعه فيه كما تقدم فسكوته كرم الله جهه عن الاحتجاج بذلك إلى أيام خلافته قض على كل من له أدنى عقل فضلا عن فهم بأنه لا نص في ذلك على إمامته عقب وفاته صلى الله عليه وسلم
____________________


ثالثها أنه تواتر النقل عن علي كرم الله وجهه أنه صلى الله عليه وسلم لم ينص عند موته على خلافة أحد لا هو ولا غيره فقد قيل له كرم الله وجهه كما يأتي حدثنا فأنت الموثوق به والمأمون على ما سمعت فقال لا والله لئن كنت أول من صدق به لا أكون أول من كذب عليه لو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك ما تركت القتال على ذلك ولو لم أجد إلا بردتي هذه وفي رواية ما تركت اخا بني تيم و عدي يعني أبا بكر وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما ينوبان على منبره صلى الله عليه وسلم ولقاتلتهما بيدي
رابعها أنه لو كان هذا الحديث نصا على إمامته لم يسعه الامتناع من متابعة عمه العباس رضي الله عنه لما قال له العباس اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان هذا الأمر فينا علمنا وأيضا لو كان الحديث نصا لكان لما قالت الانصار منا أمير ومنكم أمير واحتج عليهم ابو بكر رضي الله تعالى عنه بأن الأئمة من قريش قالوا له قد ورد النص بخلافة علي كرم الله وجهه ولم يكن بين ذكر الحديث في غدير خم وبين ذلك إلا نحو شهرين فاحتمال النسيان على علي والعباس وعلى جميع الانصار رضي الله تعالى عنهم من ابعد البعيد على أنه ورد أنه لما قيل لعلي إن الأنصار قالوا منا أمير ومكم أمير قال كرم الله وجهه هلا ذكرت الأنصار قول النبي صلى الله عليه وسلم يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم فكيف يكون الأمر فيهم مع الوصاية بهم ودعوى الرافضة والشيعة أن الصحابة رضوان الله عليهم علموا هذا النص ولم يعملوا به عنادا غير مسموعة إذ هي ظاهرة البطلان لأن في ذلك تضليلا لجميع الصحابة وهم رضي الله تعالى عنهم معصومون عن أن يجتمعوا على ضلالة
ومن العجب العجيب أن بغض غلاة الرافضة يقول بتكفير الصحبة بسبب ذلك وأن عليا كرم الله وجهه كفر لأنه أعان الكفار على كفرهم
وأما دعواهم أنا عليا ان ترك النزاع في أمر الخلافة تقية وامتثالا لوصيته صلى الله عليه وسلم أن لا يوقع بعده فتنة ولا يسل سيفا فكذب وافتراء إذ كيف يجعله إماما على الأمة ويمنعه أن يسل سيفا على من امتنع من قبول الحق وكيف منع سل السيف على أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم مع قلة أتباعهم وكثرة أتباعه وسله على معاوية رضي الله تعالى عنه مع وجود من معه من الألوف ولما ساغ له أن يقول كما تقدم
____________________

لو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك ما تركت أخا بني تيم وعدي ينوبان على منبهر صلى الله عليه وسلم ولما بين سبب تركه لمقاتلة ابي بكر وعمر وعثمان ومقاتلته لمعاوية بأن أبا بكر اختاره صلى الله عليه وسلم لديننا فبايعناه فولاهما عمر فبايعناه وأعطيت ميثاقى لعثمان فلما مضوا بايعني أهل الحرمين وأهل المصرين البصرة والكوفة فوثب فيها من ليس مثلي ولا قرابته كقرابتي ولا عمله كعلمي ولا سابقته كسابقتي وكنت أحق بها منه يعني معاوية رضي الله تعالى عنه كما سيأتي ومن ثم لما قيل للحسن المثنى ابن الحسن السبط إن خبر من كنت مولاه فعلى مولاه نص في إمامة علي كرم الله وجهه قال أما والله لو يعني النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الإمارة والسلطان لأفصح لهم ولقال لهم يا أيها الناس هذا وال بعدي والقائم عليكم بعدي فاسمعوا له واطيعوا ووالله لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليه في ذلك ثم تركه كان أعظم خطيئة
وقد سئل الإمام النووي رحمه الله هل يستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلى أنه كرم الله وجهه أولى بالإمامة من أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فأجاب إنه لا يدل على ذلك بل معنى ذلك عند العلماء الذين هم أهل هذا الشأن وعليهم الاعتماد في تحقيق ذلك من كنت ناصره ومواليه ومحبه ومصافيه فعلى كذلك
وقد قيل في سبب ذلك أن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما قال لعلي كرم الله وجهه لست مولاي وإنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ولما وصل صلى الله عليه وسلم إلى ذي الحليفة بات بها أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان كره أن يدخل المدينة ليلا
ولما رأى المدين كبر ثلاث مرات وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دخل عليه الصلاة والسلام المدينة نهارا من طريق المعرس بفتح الراء المشددة باب ذكر عمره صلى الله عليه وسلم
قد اعتمر صلى الله عليه وسلم أي بعد الهجرة أربع عمر فقد قال بعضهم لا خلاف أن عمره صلى الله عليه وسلم لم تزد على اربع أي كلهن في ذي القعدة مخالفا
____________________

للمشركين فإنهم كانوا يكرهون العمر في أشهر الحج ويقولون هي من أفجر الفجور أي كما تقدم
وأول تلك الأربعة عمرة الحديبية أي وكانت في ذي القعدة التي صده فيها المشركون عن البيت
وثانيها عمرته صلى الله عليه وسلم من العام المقبل أي وهي عمرة القضاء وكانت في ذي القعدة كما تقدم وعن قتادة رضي الله تعالى عنه كان المشركون فجروا عليه صلى الله عليه وسلم حيث ردوه في الحديبية وكان في ذي القعدة فاقتص الله منهم وأدخله مكة في ذلك الشهر الذي هو ذو القعدة وأنزل الله { الشهر الحرام بالشهر الحرام }
وثالثها عمرته صلى الله عليه وسلم حين قسم غنائم حنين وكانت من الجعرانة وكانت في ذي القعدة ودخل صلى الله عليه وسلم مكة ليلا فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت بها ومن ثم خفيت على الناس كما تقدم
ورابعها عمرته صلى الله عليه وسلم مع حجة الوداع أي التي دخلت في الحج بناء على أنه أحرم قارنا أو التي أدخلها على الحج بناء على انه أحرم بالحج خصوصية له أو عينهما بعد أن أحرم مطلقا على ما تقدم فإنه أحرم لخمس بقين من ذي القعدة وقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا سوى التي قرنها بحجة الوداع
وأخرج البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر اربع عمر كلها في ذي القعدة إلا التي في حجته أي فإنه لم يوقعها في ذي القعدة بل أوقعها في ذي الحجة تبعا للحج واما إحرامه بها فكان في ذي القعدة في خمس بقين منه كما تقدم
وأخرجا أيضا أن عروة بن الزبير رضي الله تعالى عنهما قال كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها وإنا لنسمع صوتها بالسواك تستن فقلت يا أبا عبد الرحمن اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب قال نعم فقلت لعائشة أي أمتاه ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن قالت وما يقول قلت يقول اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب فقالت يغفر الله لأبي عبد الرحمن ما اعتمر عمره إلا وهو شاهدها وفي رواية إلا وهو معه وما اعتمر في رجب قط أي وإنما اعتمر في ذي القعدة
ولكن روى الدارقطني رحمه الله عنها رضي الله تعالى عنها أنها قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان فأمطر وصمت وقصر وأتممت قال
____________________

في الهدى إنه غلط عليها وهو الأظهر فإنه صلى الله عليه وسلم ما اعتمر في رمضان قط اقول وزاد بعضهم أنه اعتمر أيضا عمرتين عمرة في رجب وعمرة في شوال فيكون اعتمر ستة إلا أن يقال يجوز أن يكون مستند القائل بأنه اعتمر في رجب قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما المتقدم وقد تقدم رده وجاز أن يكون قوله اعتمر في شوال أي خرج للعمرة في شوال وهي العمرة التي كانت في ضمن حجة الوداع والله اعلم باب ذكر نبذ من معجزاته صلى الله عليه وسلم
التي يمكن التحدي بها سواء تحدي بها بالفعل كالقرآن وتمنى اليهود الموت أولا وتلك المعجزة اصطلاحا هي الحاصلة له صلى الله عليه وسلم بعد البعثة إلى وفاته وأما الأمور الحاصلة له بين يدي أيام مولده وبعثته وقبل ذلك من الأمور الخارقة للعادة الغريبة الموهنة للكفر التي يعجز عن بلوغها قوي البشر ولا يقدر عليها إلا خالق القوى والقدر لأنها في الاصطلاح يقال لها إرهاصات وتأسيسات للرسالة لا تسمى في الاصطلاح معجزات
وهي إذا تليت على قلب المؤمن زادته إيمانا وإذا تفكر فيها ذو البصيرة واليقين زادته إيقانا فإن كل من أرسله الله عز وجل لم يخله من آية أيده بها مخالفة للعادات لكون ما يدعيه من الرسالة مخالفا لها فيستدل بتلك الآية على صدقة فيما يدعيه لأن اقترانها بدعواه الرسالة تصديق له فيها
وقد كانت للأبنياء أي الرسل معجزات مختلفه أي وهو صلى الله عليه وسلم أكثر الرسل معجزة وأعظمهم آية وأظهرهم برهانا أي فقد جاء مامن الأنبياء من نبي إلى وقد أعطى من الآيات من آمن عليه البشر أي آمنوا بسبب إظهاره وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحي الله عز وجل إلي وهو القرآن لأنه الذي تحداهم به فأرجو أن أكون أكثرهم تبعا يوم القيامة
أي فإنه لما غلب السحر في زمن موسى عليه الصلاة والسلام جاءهم بجنسه في معجزاته فألقى العصا وفلق البحر ولما غلب الطب في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام جاءهم بجنسه فأحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص ولما غلبت الفصاحة وقول الشعر في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام جاءهم بالقرآن وهذا السياق يدل على أن المعجزة خاصة بالرسل عليهم الصلاة والسلام ويوافق ذلك قول صاحب المواقف وشرحه وهي أي المعجزة بحسب الاصطلاح عبارة عما قصد به إظهار صدق من ادعى بأنه رسول الله
____________________

لكنه قال فى شروط المعجزه الرابع ان يكون اى الامر الخارق للعاده ظاهرا على يد مدعى النبوه ليعلم انه تصديق له انتهى فيحتمل انه اراد بالنبوه الرساله ويتحتمل انه اراد بها ما يعم الرساله للشخص نفسه لان النبى غير الرسول مرسل لنفسه ودعواه النبوه متضمنه لدعواه الرساله لنفسه فهو رسول الى نفسه فتكون المعجزه عانه فى حق الرسول والنبى الذى ليس برسول
ومما يؤيد هذا الثانى قول النسفى رحمه الله فى عقائده وايدهم قال السعد رحمه الله اى الانبياء بالمعجزات الناقضات للعادات
ثم قال وقد روى بيان عددهم فى بعض الاحاديث قال السعد على ما روى ان النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن عدد الانبياء عليهم الصلاه والسلام فقال مائه الف واربعه وعشرون الفا وفى روايه مائتا الف واربعه وعشرون الفا ويؤيده ايضا قول الامام السنوسى فى شرح عقيدته الكبرى ان معجزة النبى غير الرسول يجوز ان تتاخر بعد موته بخلاف معجزة الرسول فان فيها خلافا الى آخر ما ذكر ومما يؤيد هذا الثانى ايضا ما نقله فى الخصائص الصغرى عن بعضهم واقره فرض الله على الانبياء اظهار المعجزات ليؤمنوا بها وفرض على الاولياء كتمان الكرامات لئلايفتتنوا بها انتهى فقد قابل بين المعجزه والكرامه وفيه تصريح بانه يجب على النبى غير الرسل اظهار المعجزة
وعن القرافى المالكى رحمه الله انه يجب على النبى انه يخبر بنبوته وذكر فى الاصل ان الغرض ذكر نبذه من معجزاته صلى الله عليه وسلم والا فمعجزاته صلى الله عليه وسلم كالبحر المتدافق بالامواج
وفد ذكر بعض العلماء ان معجزاته صلى الله عليه وسلم لا تنحصر وفى كلام بعض اخر انه صلى الله عليه وسلم اعطى ثلاثه الاف معجزة أي غير القران فان فيه ستين وقيل سبعين الف معجزة تقريبا
قال فى الخصائص قال الحليمى وليس فى شىء معجزات غير هـما ينجو نحو اختراع الاجسام فان ذلك من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم خاصه هذا كلامه
وفيه ان هذا معارض بقول الله تعالى حكايه عن عيسى عليه الصلاه والسلام { أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير } الآيه والغرض ذكر تلك النبذه مجموعه وان كان اكثرها قد سبق لكنه مفرق اى وانبه على ما تقدم بقولى اى كما تقدم واسكت عن ذلك فيما لم يتقدم
____________________


فمن معجزاته صلى الله عليه وسلم وهو اعظمها القران اى لانه تعالى اتى به مشتملا على اخبار الامم السالفه وسير الانبياء الماضيه التى عرفها اهل الكتاب وهو صلى الله عليه وسلم امى لا يقرا ولا يكتب ولاعرف بمجالسه الكهان والاحبار لانه صلى الله عليه وسلم قد نشا بين اظهرهم فى بلد ليس بها عالم يعرف اخبار القرون الماضيه والامم السالفه التى اشتمل عليها اى ومن كان من العرب يكتب ويقرأ ويجالس الاحبار لم يدرك علم ما أخبر به القرآن خصوصا عن المغيبات الستقبله الداله على صدقه لوقوعها على اخبر به وقد اعجز الفحصاء البلغاء اى لحسن تاليفه والتام كلماته بهرت العقول بلاغته وظهرت على كل قول فصاحته احكمت آياته وفصلت كلماته فحارت فيه عقولهم وتبلدت فيه احلامهم وهم رجال النظم والنثر وفرسان السجع والشعر
وقد جاء على وصف مباين لأوصاف كلامهم النثر لان نظمه لم يكن كنظم الرسائل والخطب ولا الاشعار واسجاع الكهان
وقد تحداهم ودعاهم إلى معارضته والإتيان بأقصر سورة منه أي وهو دليل قاطع على أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل له ذلك إلا وهو واثق مستيقن أنهم لا يستطيعون ذلك لكونه من عند الله إذ يستحيل أن يقول صلى الله عليه وسلم ذلك وهو يعلم أنه الذي تولى نظمه ولم ينزل عليه من عند الله إذ لا يأمن أن يكون في قومه من يعارضه وهم أهل فصاحة وشعر وخطابة قد بلغوا الدرجة العليا في البلاغة وهو من جنس كلامهم فيصير كذابا ولو كان في استطاعة أحد منهم ذلك لما عدلوا عن ذلك إلى المحاربة التي فيها قتل صناديدهم ونهب أموالهم وسبي ذراريهم أي لأن النفوس إذا قرعت بمثل هذا استفرغت الوسع في المعارضة فهو ممتنع في نفسه عن المعارضة خلافا لمن قال إنما لم تقع المعارضة منهم لأن الله تعالى صرفهم عنها مع وجود قدرتهم عليها لأنه وإن كان صرفهم عنها فيه إعجاز لكن الإعجاز في الأول أكمل وأتم وهو اللائق بعظيم فضل القرآن
ومن ثم لما جاءه الوليد بن المغيرة وكان المقدم في قريش بلاغة وفصاحة وكان يقال له ريحانة قريش كما تقدم وقال له صلى الله عليه وسلم اقرأ علي فقرأ صلى الله عليه وسلم { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون } وقال له أعده فأعاد ذلك قال والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما يقول هذا بشر وإنه ليعلو ولا يعلى
____________________

عليه وفي رواية قرأ عليه { حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب } الآيات فانطلق حتى أتى منزل أهله بني مخزوم فقال والله كلام محمد ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن إلى آخر ما تقدم ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش قد صبأ الوليد والله لتصبأن قريش كلها فقال ابو جهل لعنه الله أنا أكفيكموه فقعد على هيئة الحزين فمر به الوليد فقال له مالي أراك كئيبا قال وما يمنعني ان أحزن وهذه قريش قد جمعوا لك نفقة ليعينوك على أمرك وزعمو أنك إنما زينت قول محمد لتصيب من فضل طعامه فغضب الوليد وقال أو ليس قد علمت قريش أني من أكثرهم مالا وولدا وهل يشبع محمد وأصحابه من الطعام فانطلق مع أبي جهل حتى أتى مجلس بني مخزوم فقال هل تزعمون أن محمدا كذاب فهل رأيتموه كذبكم قط قالوا اللهم لا قال فتزعمون أنه مجنون فهل رأيتموه خرفكم قط أي أتى بالخرافات من القول قالوا لا قال تزعمون أنه كاهن فهل سمعتموه يخبر بما تخبر به الكهنة قالوا لا فعند ذلك قالت له قريش فما هو يا أبا المغيرة فقال إن هذا إلا سحر يؤثر
وقد سمع أعرابي رجلا يقرأ { فاصدع بما تؤمر } فسجد فقيل له في ذلك فقال سجدت لفصاحة هذا الكلام وسمع آخر رجلا يقرأ { فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا } فقال أشهد أن مخلوقا لن يقدر على مثل هذا الكلام
أي ولما سمع الاصمعي من جارية خماسية أو سداسية فصاحة فعجب منها فقالت له أو تعد هذا فصاحة بعد قوله تعالى { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } الآية فجمع فيها بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين ولما اراد بعضهم معارضة بعض سوره وقد أوتى من الفصاحة والبلاغة الحظ الأوفى فسمع صبيا في المكتب يقرأ { وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر } رجع عن المعارضة ومحا ما كتبه وقال والله ما هذا من كلام البشر قال بعضهم ولم يتحد صلى الله عليه وسلم بشيء من معجزاته إلا بالقرآن قال بعضهم كل جملة من القرآن معجزة وحفظ من التبديل والتحريف على ممر الدهور وقارئه لا يمله وسامعه لا يمجه بل لا يزال مع تكريره وترديده غضا طريا تتزايد حلاوته وتتعاظم محبته وغيره من الكلام ولو بلغ الغاية يمل من الترداد ويعادي إذا أعيد يؤنس به في الخلوات
____________________

ويستراح بتلاوته من شدائد الأزمات واشتمل على جميع ما اشتملت عليه جميع الكتب الإلهية وزيادة
وقد قال بعض بطارقة الروم لما أسلم لعمر رضي الله تعالى عنه إن آية { ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه } جمعت جميع ما أنزل على عيسى عليه الصلاة والسلام من احوال الدنيا والآخرة
قال الحليمي في مناجه ومن عظم قدر القرآن أن الله خصه بأنه دعوة وحجة ولم يكن هذا لنبي قط إنما يكون لكل منم دعوة ثم يكون له حجة وغيرها وقد جمعهما الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن فهو دعوة وحجة دعوة بمعانيه حجة بألفاظه
وكفى الدعوة شرفا أن تكون حجتها معها وكفى حجتها شرفا أن لا تنفصل دعوتها عنها وجمع كل شيء أي خصوصا الإخبار بالمغيبات وتوحد على طبق ما أخبر به والإخبار عن القرون السالفة كقصة موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام وقصة أهل الكهف وقصة ذي القرنين والأمم الماضية كقصص الأنبياء مع أممهم وتيسره للحفظ ولا تنقضى عجائبه ولا تشبع منه العلماء ولا تزيع به الأهواء
ومنها شق صدره الشريف صلى الله عليه وسلم أي والتآمه من غير حصول أدنى ضرر ولا مشقة مع تكرر ذلك أربعا أو خمسا كما تقدم
ومنها إخباره صلى الله عليه وسلم عن صفة بيت المقدس أي لما أخبر قريشا بأنه أسرى به إلى بيت المقدس كما تقدم
ومنها إخباره صلى الله عليه وسلم بموت النجاشي يوم موته وصلاته عليه مع أصحابه فقال المنافقون انظروا هذا يصلي على علج نصراني أي لم يره قط فأنزل الله تعالى { وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم } الآية
ومنا انشقاق القمر كما تقدم
ومنها ان الملأ من قريش لما تعاقدوا على قتله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة وجاءوا إلى منزله صلى الله عليه وسلم وقعدوا إلى بابه فخرج عليهم وقد خفضوا أبصارهم وسقطت ذقونهم في صدورهم وأقبل صلى الله عليه وسلم حتى قام على رءوسهم فقبض قبضة من تراب والقبضة بضم القاف الشيء المقبوض وبفتحها المرة الواحدة
____________________

وقال شاهت الوجوه أي قبحت وألقاهها على رءوسهم فكل من اصابه شيء من ذلك قتل يوم بدر كما تقدم
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم هزم القوم يوم حنين بقبضة من تراب رمى بها في وجوههم كما تقدم له في بدر مثل ذلك
ومنها نسج العنكبوت عليه صلى الله عليه وسلم في الغار أي وعلى بعض أتباعه كما تقدم
ومنها ما وقع لسراقة رضي الله تعالى عنه من غوص قوائم فرسه في الأرض الجلد كما تقدم في خبر الهجرة
ومنها در الشاة التي لم ينز الفحل عليها كما تقدم في قصة شاة أم معبد وفي قصة أخرى عن أبي العالية قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبياته التسعة يطلب طعاما وعنده ناس من أصحابه فلم يجد فنظر إلى عناق في الدار ما نتجت قط فمسح مكان ضرعها فدفقت بضرع مدلى بين رجليها فدعا بقعب فحلب فيه فبعث إلى أبياته قعبا ثم قعبا ثم حلب فشرب وشربوا
ومنها دعوته صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله تعالى عنه أن يعز الله به الاسلام فكان كذلك كما تقدم
ومنها دعوته صلى الله عليه وسلم لعلي أن يذهب عنه الحر والبرد فلم يشك واحدا منهما وكان كرم الله وجهه يلبس ثياب الشتاء في الصسف وثياب الصيف في الشتاء ولا يتأثر كما تقدم
أي ومن ذلك ما حدث به بلال رضي الله تعالى عنه قال أذنت في غداة باردة فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلم ير في المسجد أحدا فقال اين الناس فقلت حبسهم البرد فقال اللهم أذهب عنهم البرد قال فلقد رأيتهم يتروحون في الصلاة
ومنها دعاؤه صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه وقد أصابه مرض واشتد به وسمعه يقول اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني وإن كان متأخرا فاشقني وإن كان بلاء فصبرني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كيف قلت فأعد ذلك عليه فمسح صلى الله عليه وسلم بيده المباركة الشريفة ثم قال اللهم اشفه فما عاد ذلك المرض إليه
____________________


أي ومنها دعاؤه صلى الله عليه وسلم لحذيفة رضي الله تعالى عنه في الخندق ليلة انهزم الأحزاب بأن الله يذهب عنه البرد فكان كأنه يمشي في حمام كما تقدم
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم تفل في عيني علي كرم الله وجهه وهو ارمد فعوفي من ساعته كما تقدم في خيبر
أي ومنها أنه صلى الله عليه وسلم بصق في نحر كلثون بن الحصين وقد رمى فيه بسهم يوم احد فبرأ كما تقدم
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم تفل على اثر سهم في وجه أبي قتادة في غزاة ذي قرد فما ضرب عليه ولا قاح كما تقدم
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم تفل على شجة عبد الله بن أنيس فلم تؤلمه كما تقدم
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم نفث على ضربة بساق سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه يوم خيبر فبرئت كما تقدم
أي ومنها أنه صلى الله عليه وسلم نفث على رجل وراس زيد بن معاذ رضي الله تعالى عنه حين أصابهما السيف عند قتل كعب بن الأشرف فبرأ كما تقدم
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم نفث على ساق بن علي الحكم يوم الخندق وقد انكسرت فبرأ مكانه ولم ينزل عن فرسه كما تقدم
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم نفث على يد معوذ بن عفراء وقد قطعها عكرمة بن ابي جهل يوم بدر وجاء يحملها فألصقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتصقت كما تقدم
ومنها أن محمد بن حاطب يحدث عن أمه أنها ولدت بأرض الحبشة وأنها خرجت به قال حتى إذا كنت من المدينة على ليلة أو ليلتين طبخت لك طعاما ففنى الحطب فذهب أطلب فتناولت القدر فانكفأت على ذراعك فقدمت المدينة فأتيت بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا محمد بن حاطب وهو أول من سمي بك أي بعد الإسلام قالت فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في فيك ومسح على ذراعك ودعا لك ثم تفل على يدك ثم قال أذهب الباس رب الناس اشف أنت الشافعي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما قالت فما قمت من عنده صلى الله عليه وسلم حتى برئت يدك
____________________


ومنها أنه صلى الله عليه وسلم نفث على عاتق خبيب وقد أصيبت يوم بدر بضربه على عاتقه حتى مال شقه فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه فالتصق كما تقدم
ومنها رد عين قتادة بعد أن سالت على خده فكانت أحسن عينيه كما تقدم
ومنها أن ضريرا شكا إليه صلى الله عليه وسلم ذهاب بصره وأنه لا قائد له فقال له صلى الله عليه وسلم توضأ وصل ركعتين ولقنه دعاء فدعا به فأبصر لوقته
أي ومنها أن رجلا ابيضت عيناه فكان لا يبصر بهما شيئا فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فأبصر قال بعضهم رأيته وهو ابن ثمانين يدخل الخيط في الإبرة
ومنها أن عتبة بن فرقد السلمي كان يشم منه رائحة الطيب ولا يمس طيبا لكونه صلى الله عليه وسلم نفث في يده الشريفة ومر بها صلى الله عليه وسلم على جسده قال بعض نساء عتبه كنا أربع نسوة ما منا امراة إلا وهي تجتهد في الطيب لتكون أطيب من صاحبتها وما يمس عتبة الطيب وإذا خرج إلى الناس قالوا ما شممنا ريحا أطيب من ريح عتبة فقلن له يوما إنا لنجهد في الطيب ولأنت أطيب ريحا منا فمم ذلك فقال أخذني الشرا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوت إليه ذلك فأمرني أن أتجرد فتجردت وقعدت بين يديه الشريفة ودلك بها الأخرى ثم مسح ظهري وبطني بيديه فعبق هذا الطيب من يديه يومئذ وإلى ذلك أشار صاحب الأصل بقوله رحمه الله ورحمنا به ** وعتبه لما مسه راح عاطرا ** يضوع الشذا منه بأعطر ما يحوى **
ومنها دعوته صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما بأن الله يعلمه التأويل والفقه في الدين فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال اللهم علمه الكتاب وفي لفظ الحكمة وعنه رضي الله عنه قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم الخلاء فوضعت له وضوءا فلما خرج قال من وضع هذا فأخبر فقال اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس قال اللهم بارك فيه وانشر منه فكان كما دعا
ومنها دعاؤه صلى الله عليه وسلم لجمل جابر رضي الله عنهما فصار سابقا بعد أن كان مسبوقا كما تقدم
____________________

ومنها دعاءه صلى الله عليه وسلم لأنس بطول العمر وكثرة المال والولد فكان كما دعا فقد ذكر أنه عاش فوق المائة وأخبر عنه نفسه أنه أكثر الأنصار مالا ولم يمت حتى رأى مائة ولد من صلبه وقد كان دفن مائة وعشرين من أولاده حين قدم الحجاج البصرة وولد له بعد ذلك
أي ومنها دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأم أبي هريرة رضي الله عنهما بالإسلام فأسلمت فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال كنت أدعو أمي للإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقلت يا رسول الله قد كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم فاسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اهد أم ابي هريرة للإسلام فخرجت مستبشرا بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم فلما جئت قصدت إلى الباب فإذا هو مجاف أي مردود فسمعت أمي حس قدمي فقالت على رسلك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت يا ابا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح فقلت يا رسول الله أبشر فقد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وقال خيرا
ومنها دعاؤه صلى الله عليه وسلم في تمر حائط جابر رضي الله عنه بالبركة فأوفى منه ما عليه وهو ثلاثون وسقا بسبب دين استدانه والده من يهودي وفضل بعد ذلك ثلاثة عشر وسقا وفي رواية سبعة عشر وسقا أي مع قلة ما كان فيه من التمر حتى قال جابر رضي الله عنه كنت أود أن يؤدي الله دين والدي ولا أرجع إلى إخوتي بتمرة واحدة فإن النخل في ذلك العام لم يحمل إلا القليل وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم اليهودي في أن يصبر إلى عام قابل وهو يابى ويقول يا ابا القاسم لا أنظره فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف في النخيل ثم قال يا جابر جذ أي اقطع واقض فأخذت في الجذاذ ووفيته ثلاثين وسقا وفضل سبعة عشر وسقا فجئته صلى الله عليه وسلم فأخبرته فضحك وقال أخبر بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذهبت فأخبرته فقال لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليباركن فيها
____________________

وفي لفظ آخر عن جابر توفي أبي وعليه دين فعرضت على غرمائه أن يأخذوا النخل بما عليه فأبوا ولم يروا أن فيه وفاء فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال إذا جذذته ووضعته في المربد فاعلمني فجذذته فلما وضعته في المربد آذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء ومعه أبو بكر وعمر فجلس عليه ودعا بالبركة أي وهذا محمل رواية ودعا صلى الله عليه وسلم في تمر جابر بحذف حائط
وقد يقال يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم طاف في النخل أولا ودعا ثم لما قطع التمر ووضع في المربد جاء وجلس عليه ودعا فلا مخالفة ثم قال صلى الله عليه وسلم ادع غرماءك فأوفهم فما تركت احدا له دين إلا قضيته وفضل مثله فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشرته فقال أشهد أني رسول الله
ومنها استسقاؤه صلى الله عليه وسلم فأمطرت السماء اسبوعا ثم شكى له من كثرة المطر فاستصحى لهم فانجاب السحاب كما تقدم
ومنها أنه صلى الله عليه وسلم دعا على عتيبة بالتصغير ابن ابي لهب بأن يسلط عليه كلب فافترسه الأسد من بين القوم كما تقدم أي والأسد إنما يسمى كلبا لأنه يشبه الكلب في انه إذا بال رفع رجله ومن ثم قيل إن كلب أهل الكهف كان أسدا وحكى أنه كان رجلا يسمى بالكلب لملازمته للحراسة ويرده ما جاء ليس في الجنة من الدواب إلا كلب أهل الكهف وحمار العزير وناقة صالح وتقدم ذلك مع زيادة وأما عتبة مكبرا فقد أسلم يوم فتح مكة هو وأخوه معتب هذا هو المشهور وبعضهم عكس فقال عتبة المكبر هو عقير الأسد وعتيبة المصغر هو الذي أسلم يوم الفتح
ومنها شهادة الشجرة له صلى الله عليه وسلم بالرسالة في خبر الأعرابي الذي دعاه إلى الإسلام فقال هل من شاهد على ما تقول قال نعم هذه الشجرة ادعها فدعاها فأقبلت فاستشهدها فشهدت أنه كما قال ثلاثا ثم رجعت إلى منبتها
ومنها أمره صلى الله عليه وسلم للشجرتين اللتن كانتا بشاطئ الوادي أن يجتمعا ليستتر بهما عند قضاء الحاجة فاجتمعتا ثم افترقتا وذهبتا إلى محلهما كما تقدم في غزاة خيبر
ومنها أمره صلى الله عليه وسلم أنسا أن يتلطف إلى نخلاته يقول لهن أمركن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجتمعن ليقضي حاجته بينكن فلما قضى حاجته أمره أن يأمرهن بالعود إلى أماكنهن فعدن كما تقدم
____________________


ومنها مجيء الشجرة إليه صلى الله عليه وسلم لتظله وتسلم عليه فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم نام أي في الشمس فجاءت شجرة تشق الأرض حتى قامت عليه لما استيقظ ذكر له ذلك فقال هي شجرة استأذنت ربها عز وجل في ان تسلم علي فأذن لها
ومنها حنين الجذع إليه صلى الله عليه وسلم كما تقدم ومنها تسبيح الحصا في كفه صلى الله عليه وسلم كما تقدم أي ومنها تأمين أسكفة الباب وحوائط البيت على دعائه صلى الله عليه وسلم آمين آمين آمين كما تقدم
ومنها تسبيح الطعام بين اصابعه الشريفة صلى الله عليه وسلم ومنها إعلام الشاة المسمومة له صلى الله عليه وسلم بأنها مسمومة كما تقدم ومنها شكوى البعير له صلى الله عليه وسلم قلة العلف وكثرة العمل كما تقدم
أي ومنها شكوى بعض الطيور له صلى الله عليه وسلم بسبب أخذ بيضه أو فراخه فقد جاء أن حمرة جاءت فوق راسه فقال صلى الله عليه وسلم ايكم فجع هذه فقال رجل من القوم أنا أخذت بيضها فقال رده رده رحمة لها وفي لفظ من فجع هذه بفرخيها فقلنا نحن فقال صلى الله عليه وسلم ردوهما إلى موضعهما ولا مانع من وجود البيض مع الفراخ
ومنها سجود البعير له صلى الله عليه وسلم الذي استصعب على اهله وصار كالكلب الكلب لا يقدر أحد أن يقرب إليه كما تقدم
ومنها سجود الغنم له صلى الله عليه وسلم في بعض حوائط الأنصار كما تقدم
ومنها تكليم الجمل له صلى الله عليه وسلم كما تقدم
ومنها تكليم الحمار له صلى الله عليه وسلم في خيبر وهو اليعفور كما تقدم
ومنها شهادة الجمل عنده صلى الله عليه وسلم أنه لصاحبه الأعرابي دون من أدعاه ففي المعجم الكبير للطبراني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصرنا بأرعابي أخذ بخطام بعيره حتى وقف على النبي صلى الله عليه وسلم ونحن حوله فقال السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجاء رجل آخر كأنه حرسي فقال الحرسي يا رسول الله هذا الأعرابي سرق سرب البعير فرغا البعير ساعة وحن فأنصت له رسول الله
____________________

صلى الله عليه وسلم ساعة فسمع رغاءه وحنينه فلما هدأ البعير اقبل على البي صلى الله عليه وسلم فقال للرجل انصرف عنه فإن البعير شهد عليك أنك كاذب فانصرف وأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على الأعرابي فقال أي شيء قلت حين جئت لي قال قلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله اللهم صل على محمد حتى لا تبقي صلاة وبارك على محمد حتى لا تبقى بركة اللهم سلم على محمد حتى لا يبقى سلام اللهم وارحم محمدا حتى لا يبقى رحمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل أبداها لي والبعير ينطق بعذرك وإن الملائكة قد سدوا الأفق
أي ومنها سؤال الظبية له صلى الله عليه وسلم أن يخلصها لترضع ولدها وتعود فخلصها وعادت وتلطفت بالشهادتين فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظبية مربوطة إلى خباء فقالت يا رسول الله خلصني حتى أذهب فأرضع خشفي ثم أرجع فتر بطني فقال لها صيد قم وربيطة قوم ثم استحلفها ان ترجع فحلفت له فحلها فمكثت قليلا ثم جاءت وقد نفضت ضرعها فربطها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتى خباء أصحابها فاستوهبها منهم فوهبوها له فحلها
وعن زيد بن أرقم نحو هذا وزاد فأنا والله رأيتها لتسبح في البرية وتقول لا إله إلا اله محمد رسول الله وذكر بعضهم أن حديث الغزالة موضوع
أي ومنها شهادة الذئب له صلى الله عليه وسلم بالرسالة كما تقدم
ومنها شهادة الضب له صلى الله عليه وسلم بالرسالة كما تقدم
ومنها إخباره صلى الله عليه وسلم عن مصارع المشركين ببدر فلم يعد أحد منهم من مصرعة كما تقدم
ومنها إخباره صلى الله عليه وسلم بأن طائفة من أمته يغزون البحر وأن أم حرام بالراء المهملة بنت ملحان منهم فكان كذلك كما تقدم
ومنها إخباره صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان رضي الله عنه بأنه تصيبه بلوى شديدة فأصابته وقتل فيها
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني والأثرة بضم الهمزة وسكون الثاء المثلثة أي يستأسر عليكم غيركم بأمور
____________________

الدنيا فكان ما وقع في زمن معاوية في وقعة الجمل وصفين وفي زمن ولده يزيد في وقعة الحرة كما تقدم
ومنها اخباره صلى الله عليه وسلم بأنه لا يبقى أحد من أصحابه بعد المائة أي من الهجرة والذي ينبغي أن تكون المائة من حين وفاته صلى الله عليه وسلم لأن ابا الطفيل رضي الله عنه آخر من مات من الصحابة فكان موته بعد المائة من الوفاة
وعن أب الطفيل رضي الله عنه قال وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي وقال يعيش هذا الغلام قرنا فعاش مائة سنة
ومنها إخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات وهو باب واسع جدا
فمن ذلك أنه جيء إليه صلى الله عليه وسلم برجل سرق فقال اقتلوه فقيل له إنه سرق فقال اقطعوه ثم أتى به بعد إلى أبي بكر رضي الله عنه وقد سرق فقطع ثم ثالثة ورابعة إلى أن قطعت قوائمه ثم جيء به إلى أبي بكر وقد سرق فقال له أبو بكر رضي الله عنه لا أجد لك شيئا إلى ما قضى به فيك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أمر بقتلك فإنه كان أعلم بذلك ثم أمر بقتله
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لقيس بن خرشة العبسي رضي الله عنه وقدقال له يا رسول الله أبايعك على ما جاء من الله وعلى أن أقول الحق يا قيس عسى أن مر بك الدهر أن يليك ولاة لا تستطيع أن تقول معهم الحق فقال قيس لا والله لا ابايعك على شيء إلا وفيت به فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن لا يضرك شيء وكان قيس رضي الله عنه يعيب زيادا وابنه عبيدالله بن زياد ومن بعده فبلغ ذلك عبيدالله ابن زياد فأرسل اليه فقال له أنت الذي تفتري على الله وعلى رسوله فقال لا والله ولكن إن شئت أخبرتك بمن يفتري على الله ورسوله قال ومن هو قال من ترك العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال ومن ذلك قال أنت وأبوك ومن أمركما قال وأنت الذي تزعم أنك لا يضرك بشر قال نعم قال لتعلمن اليوم أنك كاذب ائتوني بصاحب العذاب فمال قيس عند ذلك فمات
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لزوجاته أيتكن تنبحها كلام الحوأب وأيتكن صاحبة الجمل الأديب بالدال المهملة والفك لغة في الأدب بالإدغام وهو كثير الشعر يقتل حولها قتلى كثير وتنجو بعدما كادت فكانت تلك عائشة رضي الله عنه فإنه
____________________

لما قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه كانت عائشة بمكة لأنها خرجت إلى مكة وهو محاصر وكلمها مروان بن الحكم في عدم الخروج وقال لها لا تخرجي يا أماه فجاء إليها طلحة والزبير رضي الله عنهما بعد ان بايعا عليا على كره واستأذنا عليا كرم الله وجهه في العمرة فأذن لهما فقدما مكة وخرجت بنو أمية من المدينة ولحقت بمكة قبل المباعية لعلي فخرج مروان وغيره من أهل المدينة وجاء إلى عائشة رضي الله عنها يعلى بن أمية رضي الله عنه وكان عاملا لعثمان باليمن فلما بلغه حصار عثمان قدم لنصرته فسقط من على بعيره في اثناء الطريق فكسر فخذه وبلغه قتل عثمان فلا زالوا بعائشة حتى وافقت على الخروج إلى العراق في طلب دم عثمان رضي الله عنه ودفع لها ذلك الجمل يعلى بن أمية أشتراه بمائتي دينار واعان الزبير بأربعمائة ألف دينار وصار يقول من خرج في طلب دم عثمان فعلي جهازه فحمل سبعين رجلا من قريش وطلبت عائشة رضي الله عنها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن يكون معهما فقال معاذ الله أن أدخل في الفتنة ويقال إن طلحة والزبير دعوا عبدالله بن عمر رضي الله عنهم إلى الخروج معهم فقال لهم أما تخافون الله أيها القوم وتدعوا هذا الأباطيل عنكم وكيف أضرب في وجه علي بن ابي طالب كرم والله وجهه بالسيف وقد عرفت فضله وسابقته ومكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنكما بايعتماه وسألتماه القيام بهذا الأمر ثم نكثتما بعد أن جعل الله عليكما شهيدا وإنه ما بدل ولا غير والقاتل لعثمان رضي الله عنه أخو زعيمتكم ورئيستكم يعني عائشة واخوها محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم فإنه أخذ بلحيته فضربها حتى تقلقلت أضراسه وضربه بالمشقص فلما كانت عائشة رضي الله عنها في اثناء الطريق سمعت كلابا تنبح فسألت عن ذلك المحل فقيل لها هذا الحوأب فأرادت الرجوع لما تذكرت ما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فإنها صرخت وأناخت بعيرها وقالت والله أنا صاحبة الحوأب ردوني ردوني ردوني فعند ذلك يقال إن طلحة والزبير أحضرا خمسين رجلا شهدوا أن هذا ليس بماء الحوأب وأن المخبر لها كذاب
قال الشعبي وهي أول شهادة زورت في الإسلام وقال لها الزبير رضي الله عنه ولعل الله أن يصلح بك بين الناس فلما بلغ عليا كرك الله وجهه توجه عائشة ومن ذكر معها إلى العراق بعد أن كان أرد الذهاب إلى الشام وقام في الناس وقال ألا أن طلحة والزبير أم المؤمنين قد تمالئوا على سخط إمارتي وإني خارج اليهم ثم
____________________

جاءه الخبر أن ستين ألف شيخ تبكى تحت قميص عثمان وهو منصوب على منبر دمشق ومعلق فيه أصابع زوجة عثمان فقال أمني يطبون دمع عثمان
ولما أراد الخروج جاءه عبد الله بن سلام رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين لا تخرج منها أي المدينة فوالله لئن خرجت منها لا يرجع إليها سلطان المسلمين فسبوه وقالوا له يا ابن اليهودية مالك ولهذا الأمر فقال لهم علي كرم الله وجهه دعوا الرجل فنعم الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
ثم إن طلحة والزبير أم المؤمنين وصلوا إلى البصرة ووقع بينهم وبين أهل البصرة مقتلة كبيرة بعد أن افترقوا فرقتين إحداهما تقول صدقت وبرت يعني عائشة وجاءت بالمعروف وقال الأخرى كذبت ثم انحازت الأخرى إلى عسكر أم المؤمنين وقهروا أهل البصرة ونادى منادي الزبير وطلحة ألا من كان عنده أحد ممن غزا المدينة فليأت به فجىء بهم كما يجاء بالكلاب وكانوا ستمائة فقتلوا فما أفلت منهم من أهل البصرة إلا حرقوص بن زهير وكتب طلحة والزبير إلى أهل الشام إنا خرجنا لوضع الحرب وإقامة كتاب الله فوافقنا خيار أهل البصرة وخالفنا شرارهم ولم يفلت من قتله أمير المؤمنين عثمان من أهل البصرة إلى حرقوص بن زهير والله مقيده إن شاء الله وكتبوا لأهل الكوفة بمثله وكتبوا إلى أهل اليمامة بمثل ذلك وكتبوا إلى أهل المدينة بمثل ذلك
ثم سار علي كرم الله وجهه إلى البصرة ثم أرسل إلى أهل الكوفة يستنفرهم إليه فنفروا إليه بعد أمور يطول ذكرها وكانوا سبعة آلاف والتقى الجيشان جيش علي كرم الله وجهه وجيش عائشة ام المؤمنين رضي الله تعالى عنها بعد ان كتب لطلحة والزبير أما بعد فقد علمتما أني لما ارد البيعة حتى أكرهت عليها وأنتما ممن رضي ببيعتي وألزمني إياها فإن كنتما بايعتما طائعين فتوبا إلى الله وارجعا عما أنتما عليه فانك يا طلحة شيخ المهاجرين وأنت يا زبير فارس قريش لو دفعتما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه لكان أوسع لكما من خروجكما منه والسلام
وكتب لعائشة رضي الله عنها أما بعد فإنك قد خرجت من بيتك تزعمين أنك تريدين الإصلاح بين المسلمين وطلبت بزعمك دم عثمان وأنت بالأمس تؤلبين عليه فتقولين في ملا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوا نعثلا فقد كفر قتله الله واليوم تطلبين بثأره فاتقى الله وارجعي إلى بيتك وأسبلي عليك سترك قبل أن يفضحك الله ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم فلما قرءوا الكتابين عرفوا انه على الحق
____________________


وعند ذلك خرج طلحة والزبير رضي الله عنهما على فرسين وخرج إليهما علي كرم الله وجهه ودنا كل واحد من الآخر فقال لهما علي لعمري لقد أعددتما خيلا ورجالا وسلاحا فاتقيا الله ولا تكونها { كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا } ألم تكونا أخوى في الله تحرمان دمي وأحرم دمكما فقال له طلحة رضي الله عنه ألبت الناس على عثمان فقال له علي كرم الله وجهه انتما خذلتماه حتى قتل فسلط الله اليوم على أشرنا على عثمان ما يكره ثم توافقوا على الصلح وقتل من كان له دخل في قتل عثمان رضي الله عنه
وبات الفريقان على ذلك وبات الذي أثاروا أمر عثمان بشر ليلة وباتوا يتشاورون ثم اتفقوا على انشاب الحرب فلما كان وقت الغلس ثاروا ووضعوا السلاح فثار الناس فخرج طلحة والزبير في وجوه الناس وقالا ما هذا قالوا طرقنا جيش علي فقالا علمنا أن عليا غير سفيه حتى يسفك الدماء ويستحل الحرمة فقام علي كرم الله وجهه في وجوه الناس وقال ما هذا قالوا طرقنا جيش عائشة فقال لقد علمت أن طلحة والزبير غير سفيهين حتى يستفكا الدماء ويستحلا الحرمة ونشبت الحرب فألبسوا هودج عائشة رضي الله عنها الدروع ووقفت على الجمل وصار كل من أخذ زمامه قتل وقتل طلحة رضي الله عنه جاءه سهم غرب يقال أرسله له مروان بن الحكم وهو كان في جيش أم المؤمنين وفي الزربير رضي الله عنه لما قال له علي كرم الله وجهه يا زبير أتذكر لما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك تقاتلني وأنت ظالم لي فقال له علي كرم الله وجهه ترجع بالعار ولا ترجع بالنار فترك وذهب وصار الهودج مثل القنفذ من كثرة النشاب فعند ذلك عقروا الجمل ووقع الهودج على الأرض وجعلت تقول عائشة رضي الله عنها يا بني اتبعنه ابتعنه
وعند ذلك قال علي كرم الله وجهه لمحمد بن أبي بكر رضي الله عنهما انظر أختك هل اصابها شيء فلما جاءها وادخل بيده قالت من أنت قال ابن الخثعمية قالت محمد قال نعم قالت بأبي أنت وأمي الحمد لله الذي عافاك وفي رواية قال لها أخوك محمد البار فقالت بل مذمم العاق تضرب عليها فسطاطا فلما كان من آخر الليل خرج بها وادخلها البصرة وانزلها في دار صفية بنت الحارث أم طلحة الطلحات وبكت
____________________

عائشة رضي الله عنها بكاء كثيرا قالت وددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة وقد قال علي كرم الله وجهه مثل ذلك لما رأى من كثرة القتلى فقد قيل إن القتلى بلغت عشرة آلاف وقيل ثلاثة عشر ألفا
ثم إن عليا كرم الله وجهه صلى على القتلى من الفريقين ثم دخل البصرة على بغلته متوجها لعائشة رضي الله عنها فلما دخل عليها سلم عليها وقعد عندها ثم جهزها بكل شيء ينبغي لها واختار لها أربعين امرأه من نساء أهل البصرة المعروفات وأمرهن بلبس العمائم وتقليد السيوف ثم قال لهن لا تعلمنها بأنكن نسوة وتلثمن مثل الرجال وكن حولها من بعيد ولا تقربنها وقال لأخيها محمد تجهز معها وفي رواية جهز معها أخاها عبد الرحمن في جماعة من شيوخ الصحابة فلما كان يوم خروجها جاء إليها علي كرم الله وجهه ووقف الناس وخرجت فودعها ووودعتهم وقالت يا بني والله ما كان بني وبن علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها وإنه على معتبتي عليه عندي لمن الأخيار فقال على أيها الناس صدقت والله وبرت ما كان بيني وبينها إلا ذلك وإنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة وذهب معها نحو سبعة أميال ثم ذهبت إلى مكة حتى حجت ثم رجعت على المدينة وعلمت عند وصولها إلى مكة أن هؤلاء الرجال حولها نساء فانهن كشفن عن وجوههن وعرفنها الحال فشكرت وقالت والله لا يزداد ابن أبي طالب إلا كرما
وقيل ان كعب بن سعد أتى عائشة رضي الله عنها وقال لعل الله أن يصلح بك والأولى الصلح والسكون والنظر في قتلة عثمان بعد ذلك فوافقت وركبت هودجها وقد ألبسوه الأدراع ثم بعثوا جملها وذهب إلى علي كرم الله وجه وقال له مثل ذلك فقال له قد أحسنت واشرف القوم على الصلح فخافت قتلة عثمان رضي الله عنه فاشار عليهم ابن السوداء الذي هو السبائي هو أصل الفتنة أن يفترقوا فرقتين تكون كل فرقة في عسكر من العسكرين فإذا جاء وقت السحر ضربت كل فرقة منهما إلى العسكر الذي فيه الفرقة الأخرى فنادت كل فرقة في المعسكر الذي هي في غررنا ففعلوا ذلك فنشبت الحرب وحصل ما تقدم
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحسن رضي الله عنه إن ابني هذا سيد ولعل الله أن صلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فصالح معاوية رضي الله عنها وحقن دماء الفئتين من المسلمين أي فإن الحسن رضي الله عنه لما بويع له بالخلافة يوم مات أبوه
____________________

كان في الخلافة سبعة اشهر وقيل ستة اشهر ولما سار إلى قتال معاوية كان معه أكثر من أربعين ألفا فلما سار عدا عليه شخص وضربه بخنجر في فخذه ليقتله فقال الحسن قتلتم ابي بالأمس ووثبتم علي اليوم تريدون قتلي زهدا في العادلين ورغبة في القاسطين لتعلمن نبأ بعد حين
أي ويذكر انه بينما هو يصلي إذ وثب عليه شخص فطعنه بخنجر وهو ساجد ثم خطب الناس فقال يا أهل العراق اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم ونحن أهل البيت الذين قال الله فيهم { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } فما زال يقولها حتى ما بقي احمد من أهل المسجد إلا وهو يبكي
ثم كتب إلى معاوية رضي الله عنهما بتسليم الأمر أي بعد أن أرسل إليه معاوية رضي الله عنه رجلين يكلمانه في الإصلاح فإن عمرو بن العاص لما رأى الكتائب مع الحسن أمثال الجبال قال لمعاوية إني لأرى هذا الكتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها فخلع الحسن رضي الله عنه نفسه وسلم الأمر إلى معاوية تورعا وزهدا وقطعا للشر وإطفاء لثائرة الفتنة وتصديقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله المتقدم وغص منه شيعته حتى قال له بعضهم يا عار المؤمنين سودت وجوه المؤمنين فقال العار خير من النار وقال له بعضهم السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال له لا تقل ذلك كرهت أن أقتلكم في طلب الملك وعند ذلك أي لما انبرم الصلح طلب منه معاوية رضي الله عنها أن يتكلم بجمع من الناس ويعلمهم أنه سلم الأمر إلى معاوية فأجابه إلى ذلك وصعد المنبر وحمد الله إلى أن قال في خطبته أيها الناس إن الله هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا إلا إن أكيس الكيس التقى وأعجز العجز الفجور وإن هذا الأمر الذي اختلفت أنا ومعاوية فيه إما أن يكون أحق به مني او يكون حقي فان كان حقي فقد تركته لله ولصلاح أمة محمد صلى الله عليه وسلم وحقن دمائهم ثم التفت رضي الله عنه إلى معاوية وقال { وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين } أي ثم انتقل من الكوفة إلى المدنية وأقام بها وكان من جملة ما اشترطه على معاوية رضي الله عنه أن يكون الأمر شورى بين المسلمين بعده ولا يعهد إلى أحد من بعده عهدا
وقيل على أن يكون الأمر للحسن بعده فلما سم الحسن اتهم ذلك زوجته بنت الأشعث بن قيس وأن ذلك بدسيسة من يزيد ولد معاوية ووعدها أن يتزوجها وبذل
____________________

لها مائة ألف درهم حرصا على ان يكون الأمر له فإن معاوية عرض بذلك في حياة الحسن ولم يكشفه إلا بعد موته
ولما جاء الخبر لمعاوية بموته رضي الله عنه قال يا عجبا من الحسن بن علي شرب شربة من عسل بما رومة يعني بئر رومة فقضى نحبه وأتى ابن عباس رضي الله عنهما معاوية وهو لا يعلم الخبر فقال له معاوية هل عندك خبر المدينة قال لا فقال معاوية يا ابن عباس احتسب الحسن لا يحزنك الله ولا يسؤك فأظهر عدم التشوش وقال أما ما أبقاك الله لي يا أمير المؤمنين فلا يحزنني الله ولا يسوءني فأعطاه على تلك الكلمة ألف ألف
وذكر بعضهم قال كنا عند الحسن رضي الله عنه ومعنا الحسين رضي الله عنه فقال الحسن لقد سقيت السم مرارا وما سقيته مثل هذه المرة ولقد لفظت طائفة من كبدي فقال له الحسين أي أخي ومن سقاك قال وما تريد أتريد أن تقتله قال نعم قال لئن كان الذي أظن فالله أشد نقمة ولئن كان غير ما أحب أن يتل بي بريئا
وكان الحسن رضي الله عنه رجلا حليما لم يسمع منه كلمة فحش وكان مروان وهو وال على المدينة يسبه ويسب عليا كرم الله وجهه كل جمعة على المنبر فقيل له في ذلك فقال لا أمحو شيئا بأن اسبه ولكن موعدي وموعده الله فإن كان صادقا جازاه الله بصدقه وإن كان كاذبا فالله أشد نقمة
وأغلظ عليه رضي الله عنه مروان يوما وهو ساكت ثم امتخط مروان بيمينه فقال له الحسن رضي الله تعالى أف لك أما علمت أن اليمين لها شرف فخجل مروان وبكى مروان في جنازته فقال له الحسين اتبكيه وقد كنت تجرعه ما تجرعه فقال إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا وأشار إلى الجبل
ومن ثم وقع بين الحسن والحسين رضي الله تعالى عنه بعض الشحناء فتهاجرا ثم أقبل الحسن على الحسين فأكب على رأسه يقبله فقال له الحسين إن الذي منعني من ابتدائك بهذا أنك أحق بالفضل مني وكرهت أن أنازعك ما أنت أحق به مني وقد تقدم ذلك
ومن شعره الحسن رضي الله تعالى عنه ** من ظن أن الناس يغنونه ** فليس بالرحمن بالواثق **
____________________


ومن ذلك إخباره صلى الله عليه وسلم بقتل الأسود العنسي الكذاب أي الذي ادعى النبوه ليله قتله بصنعاء وبمن قتله كما تقدم
أي ومنها اخباره صلى الله عليه وسلم بأن رجلا من أمته يتكلم بعد الموت فكان كذلك وهو زيد بن حارثه و تكلم غيره أيضا فعن ابن المسيب أن رجلا من الآنصار توفى فلما كفن أتاه القوم يحملونه تكلم فقال محمد رسول الله فلعل المراد بالرجل جنس الرجل
ومنها اخباره صلى الله عليه وسلم بأن أمته تتخذ الخصيان وأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يستوصوا بهم خيرا فقال سيكون قوم ينالهم الخصاء فاستوصوا بهم خيرا وهو يقتضى ان الخصاء لم يكن في غير هذه الآمه
ومن ذلك إخباره صلى الله عليه وسلم بذهاب الأمانة والعلم والخشوع وعلم الفرائض أى قرب قيام الساعة
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس تعيش حميدا وتقتل شهيدا فقتل رضى الله تعالى عنه يوم اليمامة فى قتال مسيلمة الكذاب لعنه الله
وإخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات باب واسع منه الإخبار بالحوادث الكائنة بعده إلى آخر الزمان والإخبار عن أحوال يوم القيامة من القضاء والحشر والحساب والإخبار عن الجنة والنار
فعن حذيفة رضى الله تعالى عنه لقد حدثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يكون حتى تقوم الساعة وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح يوما وصعد المنبر فخطب حتى حضرت الظهر فنزل فصلى الظهر ثم صعد المنبر فخطب حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى العصر ثم صعد المنبر فخطب حتى غربت الشمس فأخبر بما كان وبما هو كائن
ومن ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن فى جماعة من المهاجرين والأنصار يا معاذ إنك عسى أن لا تلقانى بعد عامى هذا ولعلك أن تمر بمسجدى غدا وقبرى وكان كذلك توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ باليمن ولم يقدم إلا فى خلافة أبى بكر رضى الله تعالى عنه
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ستفتح عليكم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم رحما وصهرا والمراد بالرحم أم إسمعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام جده
____________________

صلى الله عليه وسلم فإنها كانت قبطية والمراد بالصهر أم ولده إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنها كانت قبطية كما علمت
ومنها إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم غير ما تقدم فمن ذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم لثعلبة بن حاطب الأنصاري أي غير البدري لأن ذاك قتل بأحد وهذا تأخر إلى زمن عثمان رضي الله تعالى عنه كما سيأتي خلافا لمن وهم في ذلك لأن من شهد بدرا لا يدخل النار وكثيرا ما يقع الاشتراك في الاسم واسم الأب كما قال بعض الصحابة وهو طلحة ابن عبيد الله لئن مات محمد صلى الله عليه وسلم لأتزوجن عائشة من بعده فأنزل اله تعالى { وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله } الآية ظن بعضهم أن المراد بطلحة هذا أحد العشرة المبشرين بالجنة وحاشاه من ذلك وهو أجل مقاما من أن يصدر منه مثل ذلك
ولما قال ثعلبة بن حاطب له يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال له صلى الله عليه وسلم ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ثم أتاه مرة اخرى فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال له صلى الله عليه وسلم ويحك يا ثعلبة أما ترضى أن تكون مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالذي نفسي بيده لو سألت ربي أن يسير الجبال معي ذهبا وفضة لسارت فقال والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله أن يرزقني مالا لاوتين كل ذي حق حقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم ارزق ثعلبة مالا فاتخذ غنما فصارت تنمى كما تنمى الدود وضاقت عليه المدينة فتنحى عنها فنزل ودايا من أوديتها فكان يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك الجماعة فيما سواهما ثم نمت وكثرت حتى ترك الجماعة فيما سوى الجمعة فإنه كان يشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم ترك الجمعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل ثلعبة فأخبروه بخبره فقال صلى الله عليه وسلم يا ويح ثعلبة قالها ثلاثا فلما نزل قوله تعالى { خذ من أموالهم صدقة } الآية بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة وكتب لهما فرائض الصدقة وأسنانها وقال لهما مرا ثبعلبة فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدق وأقرآه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال انطلقا حتى تفرغا ثم تعودا إلي فانطلقا ثم مرا عليه أرياني كتابكما أنظر فيه فنظر فيه فقال ما هذه إلا أخية الجزية انطلقا حتى أرى رأيي فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآهما قال قبل أن يكلماه يا ويح ثعلبة فلما
____________________

أخبراه بالذي صنع ثعلبة أنزل الله تعالى { ومنهم من عاهد الله } الآيات وكان عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة فأرسل إليه بأن الله قد أنزل فيك قرآنا وهو كذا كذا فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه الصدقة فقال إن الله منعنى أن أقبل صدقتك فجعل يحثو التراب على رأسه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هذا عملك وقد أمرتك فلم تطعني وأبى أن يقبل منه شيئا فأتى أبا بكر رضي الله عنه حين استخلف فسأله قبول صدقته فقال له لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا لا أقبلها ثم فعل كذلك مع عمر رضي الله تعالى عنه ثم مع عثمان رضي الله تعالى عنه وكل يأبى أن يقبل صدقته ومات في خلافة عثمان
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في رجل ارتد ولحق بالمشركين اللهم اجعله آية فعن أنس رضي الله تعالى عنه قال كان رجل من بني النجار حفظ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فارتد ولحق بأهل الكتاب وكان يقول ما يدري محمد إلا ما كتب له فقال صلى الله عليه وسلم اجعله آية فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوه وألقوه فحفروا له وأعمقوا ما استطاعوا فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا مثل الأول فحفروا واعمقوا فلفظته الأرض في المرة الثالثة فعلموا أنه ليس من فعل الناس
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لرجل يأكل بشماله كل بيمينك فقال لا أستطيع أي قال ذلك تكبرا وعنادا فقال له صلى الله عليه وسلم لا استطعت فلم يطق أن يرفعها إلى فيه بعد
أي ومن ذلك المرأة التي خطبها صلى الله عليه وسلم فقال له أبوها إن بها برصا ولم يكن بها برص وإنما قال ذلك امتناعا من خطبته صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم فلتكن كذلك فبرصت
ومن ذلك أن فاطمة رضي الله تعالى عنها جاءت اليه صلى الله عليه وسلم وسلم فنظر اليها وقد ذهب الدم من وجهها وغلبت الصفرة على وجهها من شدة الجوع فقال لها صلى الله عليه وسلم ادن مني يا فاطمة فدنت منه فرفع يده فوضعها على صدرها وفرد بين اصابعه وقال اللهم مشبع الجاعة ورافع الوضيعة ارفع فاطمة بنت محمد فذهبت الصفرة عنها حالا ولم تشك بعد ذلك جوعا
____________________

ومن ذلك ما حدث به واثلة بن الاسقع قال حضر رمضان ونحن في أهل الصفة فصمنا فكنا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجلا من أهل الصفة فأخذه فانطلق به فعشاه فأتت علينا ليلة فلم يأتنا أحد فأصبحنا صياما ثم أتت علينا الليلة القابلة فلم يأتنا أحد فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بالذي كان من أمرنا فأرسل إلى كل امرأة من نسائه يسألها هل عندها شيء فما بقيت امرأة ألا أرسلت تقسم ما أمسي في بيتها ما يأكل ذو كبدر فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنهما بيدك لا يملكهما أحد غيرك فلم يكن إلا مستأذن يستأذن فإذا بشاة مصلية ورطب فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت بين أيدينا فأكلنا حتى شبعنا
ومنها تساقط الأصنام التي حول العبة بإشارته صلى الله عليه وسلم إليها أو طعنه فيها بقضيب كان ي يده قائلا { جاء الحق وزهق الباطل } كما تقدم
ومنها تكثير الطعام وقد وقع له ذلك في مواطن كثيرة
فمن ذلك اطعام الف من صاع شعير في حفر الخندق فشبعوا والطعام أكثر مما كان كما تقدم
ومن ذلك إطعام اهل الخندق من تمر يسير كما تقدم
ومن ذلك جمع ما فضل من الأزواد ودعاؤه صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة وقسمتها في العسكر فقامت بهم كما تقدم في الحديبية وتبوك
ومن ذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة في تمرات قد صفهن في يده وقال ادع لي فيهن بالبركة أي فدعا له صلى الله عليه وسلم بذلك قال ابو هريرة رضي الله تعالى عنه فأخرجت من ذلك التمر كذا وكذا وسقا في سبيل الله وكنا نأكل منه نطعم حتى انقطع في زمن عثمان رضي الله تعالى عنه أي بانقطاع المزود الذي أمره صلى الله عليه وسلم أن يكون به التمر والمزود وعاء من جلد يوضع فيه الزاد وقال له إذا اردت شيئا فأدخل يدك ولا تكفأ فيكفا عليك قال ابو هريرة رضي الله تعالى عنه وكان لا يفارق حقوى فلما قتل عثمان انقطع حقوى فسقط وفي رواية كان معلقا خلف رحلي فوقع في زمن عثمان أي في زمن محاصرته وقتله وذهب وفي رواية فلما قتل عثمان انتهب بيتي وانتهب المزود أي بعد سقوطه من حقوه فلا يخالف ما سبق
____________________


وقد جاء في بعض الروايات عن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات فقلت يا رسول الله ادع لي فيهن بالبركة فصفهن ثم دعا فيهن بالبركة وقال خذهن واجعل في مزودك ما أردت منهن أي إذا أردت أخذ شيء منهن أدخل يدك فيه فخذه ولا تنثره نثرا أي وفي لفظ غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصاب الناس مجاعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة هل من شيء قلت نعم شيء من تمر في المزود فقال ائتني به فأتيته به فأدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ثم قال لي ادع لي عشرة فدعوت عشرة فأكلوا حتى شبعوا فما زال يصنع ذلك حتى أطعم الجيش كلهم ثم قال صلى الله عليه وسلم خذ ما جئت به أدخل يدك فاقبض ولا تكفأه قال فقبضت على أكثر ما جئت به ثم أكلت منه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة أبي بكر واطعمت وحياة عمر واطعمت وحياة عثمان واطعمت فلما قتل عثمان انتهب مني
ومن ذلك تكثير الطعام الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على اصابعه فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم دعا أهل الصفة لقصعة ثريد فأكلوا حتى لم يبق إلا اليسير في نواحيها فجمعه صلى الله عليه وسلم فصار لقمة فوضعها على أصابعه وقال لأبي هريرة رضي الله تعالى عنه أي لأنه كان من أهل الصفة كل بسم الله قال ابو هريرة فوالذي نفسي بيده ما زلت آكل منها حتى شبعت كما تقدم قيل وكان أصحاب الصفة حينئذ تسعين وقيل مائة ونيفا وقيل اربعمائة
ومن ذلك تكثير الطعام الذي جاء به أنس رضي الله تعالى عنه للنبي صلى الله عليه وسلم فعنه رضي الله تعالى عنه قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله فصنعت أمي أم سليم حيسا فجعلته في تور فقالت يا انس اذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل بعثت بهذا إليك أمي وهي تقرؤك السلام وتقول لك إن هذا لك منا قليل قال فذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت له إن أمي تقرئك السلام وتقول لك إن هذا منا لك قليل فقال ضعه ثم قال اذهب فادع لي فلانا وفلانا وفلانا ومن لقيت فدعوت من سمي ومن لقيت قيل لانس كم كانوا قال زهاء ثلثمائة وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس هات التور ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحلق عشرة عشرة وليأكل كل إنسان مما يليه
____________________

فأكلوا حتى شبعوا كلهم ثم قال يا أنس ارفع فما أدري حين وضعت كان أكثر أو حين رفعت
ومن ذلك تكثير الطعام الذي صنعه أبو ايوب الأنصاري فعنه رضي الله تعالى عنه قال صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله تعالى عنه طعاما قدر ما يكفيهما فأتيتهما به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب فادع لي ثلاثين من اشراف الأنصر قال فشق ذلك علي ما عندي ما أزيده فقال اذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الأنصار قال ابو ايوب رضي الله تعالى عنه فدعوتهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اطعموا فأكلوا حتى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله قبل أن يخرجوا ثم قال اذهب فادع لي ستين من اشراف الأنصار فدعوتهم فأكلوا حتى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله قبل أن يخرجوا ثم قال اذهب فادع لي تسعين من الأنصار فدعوتهم فأكلوا حتى صدروا ثم شهدو أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرجوا فأكل من طعامي ذلك مائة وثمانون رجلا كلهم من الأنصار
قال ومنها تكثير اللبن في القدح فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه اشتد به الجوع يوما قال فمر علي ابو بكر رضي الله تعالى عنه فقمت إليه وسألته عن آية من كتاب الله ليشبغني فمر ولم يفعل ثم مر علي عمر ففعلت معه وفعل معي كذلك ثم مر صلى الله عليه وسلم فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي ثم قال يا أبا هريرة وفي لفظ يا أبا هر قلت لبيك يا رسول اله قال الحق فتبعته صلى الله عليه وسلم إلى أن دخل بيته وأذن لي فدخلت فوجدت لبنا في قدح فقال صلى الله عليه وسلم أي لأهل بيته من أين هذا اللبن فقيل أهدى لك فقال يا أبا هريرة قلت لبيك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ادع لي أهل الصفة فساءني ذلك فقلت ما هذا اللبن في اهل الصفة وما اظن أن ينالني من هذا اللبن شيء أي لأنهم كانوا اربعمائة على ما تقدم فدعوتهم فاقبلوا واخذوا مجالسهم من البيت فقال يا ابا هريرة قلت لبيك يا رسول الله خذ فأعطاهم فأخذت القدح فجلست أعطيه الرجل فيشرب حتى يروي حتى لم يبق إلا أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي اقعد فاشرب فشربت فقال لي اشرب فشربت فما زال يقو لي اشرب فأشرب حتى قلت لا والذي بعثك بالحق ما اجد له مسلكا فأعطيته القدح فحمد الله
____________________

عز وجل سمى وشرب الفضلة ا هـأي وقد تقدم ذلك وفي لفظ حتى إذا لم يبق إلا أنا وهو فأخذ القدح على يده ونظر إلي وتبسم فقال يا ابا هريرة قلت لبيك يا رسول الله قال بقيت أنا وانت قلت صدقت يا رسول الله قال اقعد فاشرب الحديث وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم لما قال لأبي هريرة يا أبا هر قال إنما أنا أبو هريرة فقال صلى الله عليه وسلم الذكر خير من الأنثى
ولما وقع القتال بين على ومعاوية رضي الله تعالى عنهما كان ابو هريرة رضي الله تعالى عنه يصلي خلف على كرم الله وجهه ويحضر طعام معاوية وعند القتال يصعد على تل فقيل له في ذلك فقال الصلاة خلف على أقوم وطعام معاوية أدسم والقعود على هذا التل اسلم
ومن ذلك ما حدثت به بنت خباب بن الأرت رضي الله تعالى عنهما قالت خرج خباب في سرية فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعهدنا وكان لنا عنز فكان يحلبها فيملأ حلابها جفنة لنا فلما جاء خباب عاد حلابها لما كان عليه أولا فقلت لأبي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلبها فتمتلئ جفنتنا فلما حلبتها رجع حلابها
ومن ذلك ما حدث به بعض الصحابة أنه قال كنا زهاء أربعمائة رجل فنزلنا في موضع ليس فيه ماء فشق ذلك على أصحابه صلى الله عليه وسلم فجاءت شويهة لها قرنان فقامت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلبها فشرب حتى روى وسقى أصحابه حتى رووا ثم قال لي صلى الله عليه وسلم املكها الليلة وما أراك تملكها فأخذتها فوتدت لها وتدا ثم ربطتها بحبل ثم قمت في بعض الليل فلم أر الشاة ورأيت الحبل مطروحا فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ذهب بها الذي جاء بها
ومنها أن امرأة كانت أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم سمنا في عكة فقبله وترك في العكة قليلا ونفخ فيه ودعا بالبركة فكان ياتيها بنوها يسألونها الأدم فتعمد إلى تلك العكة فتجد فيها سمنا فما زالت تقيم بها أدم بيتها بقية حياته صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان حتى كان من أمر على ومعاوية رضي الله تعالى عنهما ما كان وفي رواية أنها عصرتها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها عصرتيها قالت نعم قال لو تركتيها ما زال دائما ويحتمل أن الواقعة تعددت
وعن ام سليم أم انس رضي الله تعالى عنهما قالت كان لي شاة فجمعت من سمنها
____________________

ما ملأت به عكة وأرسلت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها وأمر ففرغوها وردوها فارغة وكنت غائبة عن المنزل فلما جئت رأيت العكة مملوءة سمنا قالت فقلت للتي أرسلتها معها كيف الخبر فأخبرتني الخبر فما صدقتها وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته وقلت له يا رسول الله وجهت إليك عكة سمن قال قد وصلت فقلت بالذي بعثك بالهدى ودين الحق لقد وجدتها مملوءة سمنا تقطر قال افتعجبين أن أطعمك الله كما أطعمت نبيه صلى الله عليه وسلم اذهبي فكلي واطعمي الحديث
أي ومنها دعاؤه صلى الله عليه وسلم لفرس جعيل الأشجعي فعنه رضي الله تعالى عنه قال خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته وأنا علي فرس عجفاء ضعيفة فكنت في آخر الناس فلحقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سر يا صاحب الفرس فقلت يا رسول الله عجفاء ضعيفة فرفع محقنة كانت معه فضربها بها وقال اللهم بارك له فيها فلقد رأيتني ما أملك رأسها قدام القوم ولقد بعت من بطنها باثني عشر الفا
ومنها أن جليبيبا على وزن قنيديل الأنصاري وكان قصيرا دميما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه فقال يا رسول الله إذا تجدني كاسدا فقال إنك عند الله لست بكاسد فخطب له صلى الله عليه وسلم جارية من أولاد الانصار فكره ابو الجارية وامها ذلك فسمعت الجارية بما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قبلت { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } وقالت رضيت وسلمت لما رضي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم به فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اللهم اصبب الخير عليها صبا ولا تجعل عيشها كدا فكانت من أكثر الأنصار نفقة ومالا مع كونها أيما فإنه رضي الله تعالى عنه قتل عنها في بعض غزواته معه صلى الله عليه وسلم بعد أن قتل سبعة من المشركين ووقف عليه صلى الله عليه وسلم ودعا له وقال هذا مني وأنا منه وحمله صلى الله عليه وسلم على ساعديه ماله سرير غير ساعديه صلى الله عليه وسلم ثم حفروا له فوضعه في قبره ولم يغسله ولم يصل اليه
ومنها نبع الماء من بين أصابعه الشريفة صلى الله عليه وسلم حتى شرب القوم وتوضئوا وهم ألف وأربعمائة قال وفي رواية ألف وخمسمائة وفي رواية فشربوا وسقوا وملئوا
____________________

قرابهم وكان في المعكسر اثنا عشر ألف بعير والخيل اثنا عشر ألف فرس أي وهذه في غزوة تبوك وقد تكرر ذلك منه صلى الله عليه وسلم عدة مواطن عظيمة تقدمت وتكررت الروايات بحسب تكرار الوقائع وهو أشرف المياه كما قاله السراج البلقيني ولم يسمع بمثل هذه المعجزة التي هي خروج الماء من بين الاصابع عن غير نبينا صلى الله عليه وسلم وهي ابلغ من نبع الماء من الحجر الذي ضربه موسى عليه الصلاة والسلام لأن خروج الماء من الحجر معهود بخلاف خروجه من بين اللحم والدم والعظم والعصب كما تقدم ا هـ
ومنها أن الماء فار بغرز سهم من كنانته صلى الله عليه وسلم في محله وقع له ذلك في الحديبية وفي تبوك فقد جاء أنه ورد في منصرفه من غزوة تبوك على ماء قليل لا يروى واحدا وشكوا اليه صلى الله عليه وسلم العطش فأخذ سما من كنانته وأمر ان يغرز فيه ففار الماء وارتوى القوم وكانوا ثلاثين ألفا كما تقدم
قال ومنها ما تقدم له صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب بذي المجاز من ضربه صلى الله عليه وسلم الأرض أو صخرة برجله حين عطش فخرج الماء كا تقدم
ومنها ركوبه صلى الله عليه وسلم الفحل الذي قطع الطريق على من يمر لما سافر صلى الله عليه وسلم مع عمه الزبير بن عبد المطلب إلى اليمن كما تقدم
ومنها انقلاب الماء الملح غذبا ببركة ريقه الشريف فقد جاء أن قوما شكوا اليه صلى الله عليه وسلم ملوحة في ماء بئرهم فجاء صلى الله عليه وسلم في نفر من اصحابه حتى وقف على ذلك البئر فتفل فيه فتفجر بالماء العذب المعين
ومنها أنه كان باليمن ماء يقال له زعاق من شرب منه مات فلما بعث صلى الله عليه وسلم وجه اليه أيها الماء اسلم فقد أسلم الناس فكان بعد ذلك من شرب منه حم ولا يموت
ومنها زوال القراع بمرور يده الشريفة صلى الله عليه وسلم فقد جاء أن امرأة أتته بصبي لها أقرع فمسح صلى الله عليه وسلم رأسه فاستوى شعره وذهب داؤه
ومنها إحياء الموتى له صلى الله عليه وسلم وسماع كلامهم فمن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم دعا رجلا للإسلام فقال لا أومن بك حتى تحي لي بنتي فقال صلى الله عليه وسلم أرني قبرها فأراه قبرها فقال صلى الله عليه وسلم يا فلانه فقالت لبيك وسعديك فقال
____________________

صلى الله عليه وسلم أتحبين أن ترجعي إلى الدنيا فقالت لا والله يا رسول الله إني وجدت الله خيرا لي من أبوي ووجدت الآخرة خيرا من الدنيا
ومنها إبراء الأبرض فقد روى أن امرأة معاوية بن عفراء كان بها برص فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح عليه بعصا فأذهبه الله
ومنها إبراء الرئة واللقوة والقرحة والسلعة والحرارة والدبيلة والاستسقاء فإن ابن ملاعب الأسنة أصابه استسقاء فبعث الى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة حثوة من الأرض فتفل عليها ثم اعطاها رسوله فأخذها متعجبا يرى انه قد هزىء به فأتاه بها وهو على شفا فشربها فشفاه الله وقد أشار الى ذلك صاحب الهمزية بقولة ** ويكف من تربة الأرض داوى ** من تشكى من مؤلم استسقاء **
ومنها أن أخت اسحاق الغنوي هاجرت من مكة تريد المدينة هي وأخوها اسحاق المذكور حتى إذا كانت في بعض الطريق قال لها أخوها اجلسي حتى أرجع إلى مكة فأخذ نفقة انسيتها قالت له إني أخشى عليك الفاسق أن يقتلك تعنى زوجها فذهب اخوها إلى مكة وتركها فمر عليها راكب جاء من مكة فقال لها ما يقعدك ههنا قالت انتظر اخي قال لا اخ لك قد قتله زوجك بعد ما خرج من مكة قالت فقمت وأنا استرجع وأبكي حتى دخلت المدينة فدخلت على رسول اله صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ في بيت حفصة فأخبرته الخبر فأخذ ملء كفه ماء فضربني به فمن يومئذ لم ينزل من عيني دمعة وكانت تصيبني المصائب العظام غايته أن ينفر الدمع على مقلتي ولا يسيل على وجنتي
ومنها إبراء الجراحة كما تقدم
ومنها ابراء الكسر فقد مسح صلى الله عليه وسلم على رجل ابن عتيك رضي الله تعالى عنه وقد انكسرت فكأنها لم تكسر قط كما تقدم
ومنها إبراء الجنون أي ومنها أن امرأة جاءته صلى الله عليه وسلم بابن لها لا يتكلم وقد بلغ اوان الكلام فأتى بماء فمضمض وغسل يديه ثم اعطاها صلى الله عليه وسلم إياه وأمرها أن تسقيه وتمسه به ففعلت ذلك فبرئ وعقل عقلا يفضل عقول الناس
ومنا أن بعض الصحابة ثبتت في كفه سلعة تمنعه القبض على السيف وعنان الدابة فشكا ذلك له صلى الله عليه وسلم فما زال صلى الله عليه وسلم يطحنها بكفه الشريفة حتى زالت ولم يبق لها اثر
____________________


ومنها أنه صلى الله عليه وسلم أعطى جذلا من الحطب فصار سيفا وقع ذلك لعكاشة ابن محصن رضي الله تعالى عنه يوم بدر كما تقدم ووقع ذلك لعبد الرحمن بن جحش أيضا يوم احد كما تقدم
أي ومنها انقلاب الماء لبنا وزبدا ومنها أنه عرضت كدية بالخندق ولم يقدر أحد على إزالة شيء منها فضربها فصارت كثيبا كما تقدم
أي ومن إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم ما روى عن النابغة الجعدي رضي الله تعالى عنه قال أنشدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبياتا منها ** فلا خير في حلم إذا لم يكن له ** بوادر تحمى صفوه أن يكدرا ** ** ولا خير في جهل إذا لم يكن له ** حليم إذا ما أورد الأمر اصدرا **
فقال النبي صلى الله عليه وسلم أجدت لا أفضض الله فاك من هذه إشارة إلى أسنانه قال النابغة رضي الله تعالى عنه فلقد أتت على نيف ومائة سنة وما ذهب لي سن قيل عاش مائة واثنتي عشرة سنة وقيل مائة وثمانين سنة أي كما تقدم وفي لفظ كان من أحسن الناس ثغرا وكان إذا سقطت له سن نبت له أخرى أي وعلى هذا الأخير فالمراد لا أخلى الله فاك من الاسنان
ومن ذلك أن امرأة جاءت بابن لها صغير فقالت يا رسول إن يا بني هذا جنونا وإنه يأخذه عند غذائنا وعشائنا فيفسد علينا فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ودعا له فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود فشفي
ومنها ابراء وجع الضرس فقد جاء ان بعض الصحابة شكا اليه صلى الله عليه وسلم وجع ضرسه فقال له صلى الله عليه وسلم أدن مني فوالذي بعثني بالحق لأدعون لك بدعوة لا يدعو بها مؤمن مكروب إلا كشف الله عنه كربه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على الخد الذي فيه الوجع وقال اللهم اذهب عنه سوء ما يجد وفحشه بدعوة نبيك المبارك المكين عندك سبع مرات فشفاه الله تعالى قبل أن يبرح هذا ما يتعلق ببعض معجزاته صلى الله عليه وسلم التي يمكن التحدي بها والحمد لله وحده
____________________

& باب نبذة من خصائصه صلى الله عليه وسلم
أي ما اختص به صلى الله عليه وسلم عن سائر الناس من الأنبياء وغيرهم وما اختص به عن غير الأنبياء وفيما اختصت به امته صلى الله عليه وسلم عن سائر الناس من الأنبياء وغيرهم وفيما اشتركت فيه مع الأنبياء دون أممهم
لا يخفى أن ذكر خصائصة صلى الله عليه وسلم مندوب قال في الروضة ولا يبعد القول بوجوب ذلك ليعرف فلا يتأسى به جاهل في ذلك ثم لا يخفى أن الذي من خصائصه صلى الله عليه وسلم عن سائر الناس إما أن يكون اختص بوجوبه عليه لأن الله علم أنه صلى الله عليه وسلم أقوم به واصبر عليه من غيره ولأن ثواب الفرض أفضل من ثواب النفل غالبا
وقد جاء ما تقرب إلي عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه أو اختص بتحريمه عليه لأن الله علم أنه صلى الله عليه وسلم أصبر على تركه ولمزيد فضل تركه أو اختص بإباحته له تسهيلا عليه أو اختص باتصافه به لمزيد فضله وشرفه
فمن القسم الأول صلاة الضحى أي بما هو أقلها وهو ركعتان وركعتا الفجر وصلاة الوتر قال صلى الله عليه وسلم ثلاث علي وفرائض ولكم تطوع الوتر وركعتا الفجر وركعتا الضحى
أي وفي الامتاع أن هذا الحديث ضعف من جميع طرقه ومع ذلك ففي ثبوت خصوصية هذه الثلاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم تظر فإن الذي ينبغي ولا يعدل عنه إلى غيره أن لا تثبت خصوصيته إلا بدليل صحيح
وفي البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط وإني لأسبحها وفي الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها
____________________

ويدعها حتى نقول لا يصليها وهذا يدل بظاهره ويقتضي عدم الوجوب إذ لو كانت واجبة في حقه صلى الله عليه وسلم لكان مداومته عليها أشهر من أن تخفي هذا كلامه
وفيه أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى الضحى يوم الفتح في بيت ام هاني واظب عليها إلى أن مات وأنه صلى الله عليه وسلم ثمان ركعات وجاء في حديث مرسل كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين وأربعا وستا وثمانيا وهل المراد بالوتر أقله أو أكثره أو ادني كماله والسواك قال في الامتاع وهل هو بالنسبة الى الصلاة المفروضة او في كل الاحوال المؤكدة في حقنا أو فميا هو اعم من ذلك وغسل الجمعة والأضحية واستدل بوجوبهما بقوله تعالى { إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي } إلى قوله { وبذلك أمرت } قال في الإمتاع والامر على الوجوب هذا كلامه وفيه نظر لأن أمر للوجوب والندب والذي للوجوب إنما هو صيغة أفعل
قال في الإمتاع إن الآمدي وابن الحاجب رحمهما الله عدا ركعتي الفجر من خصائصه صلى الله عليه وسلم ولا سلف لها في ذلك إلا حديث ضعيف عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما
واعترض كون الوتر واجبا عليه صلى الله عليه وسلم بأنه صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين صلاه على البعير إذ لو كان واجبا لما صلاه على الراحلة وأجاب النووي رحمه الله بأن جواز هذا الواجب على الراحلة من خصائصه صلى الله عليه وسلم وأجاب القرافي المالكي رحمه الله بأن الوتر لم يكن واجبا عليه صلى الله عليه وسلم إلا في الحضر ووافقه على ذلك من أئمتنا الحليمي والعز ابن عبد السلام
والعقيقة وأنه صلى الله عليه وسلم يجب عليه أن يؤدي فرض الصلاة كاملة لا خلل فيها وانه يجب عليه صلى الله عليه وسلم أن يصلي في كل يوم وليلة خمسين صلاة على وفق ماكان في ليلة الاسراء كذا في الخصائص الصغرة للسيوطي
والمشاورة في أمر الدين والدنيا لذوي الأحلام من الأمور الاجتهادية وعن ابي هريرة رضي الله تعالى عنهما ما رأيت احدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما نزلت هذه الآية { وشاورهم في الأمر } قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله ورسوله غنيان عنها ولكن جعلها الله رحمة في أمتي فمن شاور
____________________

منهم لم يعدم رشدا ومن ترك المشورة منهم لم يعدم غيا وقد قيل الاستشارة حصن من الندامة ومصابرة العدو وإن كثر
وفي الحاوث للماوردي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا بارز رجلا لا ينفك عنه قبل قتله هذا كلامه ولم أقف على أنه صلى الله عليه وسلم بارز أحدا
وقضاء دين من مات معسرا من المسلمين وأداء الجنايات والكفارات عن من لزمته وهو معسر وتخيير نسائه صلى الله عليه وسلم بين الدنيا والآخرة أي بين زينة الدنيا ومفارقته وبين اختيار الآخرة والبقاء في عصمته وأن من اختارت الدنيا يفارقها ومن اختارات الآخرة يمسكها ولا يفارقها أي لأن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما }
قيل اختلف سلف هذه الأمة في سبب نزول هذه الآية على تسعة أقوال فقد قيل نزلت لما طلبن منه صلى الله عليه وسلم زيادة في النفقة فاعتزلهن شهرا ثم أمر بتخييرهن فيما ذكر كما تقدم
عن جابر رضي الله تعالى عنه قال جاء أبو بكر رضي الله تعالى عنه يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوسا ببابه ليأذن لهم قال فأذن لأبي بكر فدخل ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له فوجدا النبي صلى الله عليه وسلم جالسا حوله نساؤه أي قد سألنه النفقه وهو حاجم ساكت لا يتكلم فقال عمر رضي الله تعالى عنه لأقولن شيئا أضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لو رأيت فلانة يعني زوجته سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال هن حولي كما ترى يسألنني النفقة فقام ابو بكر رضي الله تعالى عنه إلى عائشة فوجأ عنهقا وقام عمر رضي الله تعالى عنه إلى حفصة فوجأ عنقها وكل يقول تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده ثم أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجتمع بهن شهرا
فعن عم رضي الله تعالى عنه أنه ذكر أن بعض اصدقائه من الانصار جاء اليه ليلا ودق عليه بابه وناداه قال عمر فخرجت إليه فقال حدث أمر عظيم فقلت ماذا أجاءت غسان لأنا كنا حدثنا ان غسان تنعل الخيل لغزونا فقال لا بل اعظم من
____________________

ذلك وأطول طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فقلت خابت حفصة وخسرت كنت أظن هذا كائنا حتى إذا صليت الصبح شددت علي ثيابي ودخلت على حفصة وهي تبكي فقلت أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لا أدري هو هذا معتزلا في هذه المشربة أي لأن نساءه صلى الله عليه وسلم لما اجتمعن عليه في طلب النفقة اقسم أن لا يدخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن قال عمر رضي الله تعالى عنه لأقولن من الكلام شيئا أضحك به النبي صلى الله عليه وسلم فأتيت غلاما له اسود فقلت استأذن لعمر فدخل الغلام ثم خرج فقال قد ذكرتك له فصمت فانطلقت حتى أتيت المسجد فجلست قليلا ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام فقلت استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلي فقال ذكرتك له فصمت فلما كان في المرة الرابعة وقال لي مثل ذلك وليت مدبرا فإذا الغلام يدعوني فقال أدخل قد أذن لك فدخلت فسلمت على رسول اله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكىء على زمل حصير قد أثر في جنبه فقلت أطلقت يا رسول الله نساءك قال فرفع رأسه إلي وقال لا فقلت الله أكبر ثم قلت كنا معاشر قريش بمكة نغلب على النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطقف نساؤنا يتعلمن منهن فكلمت فلانة يعني زوجته فراجعتني فأنكرت عليها فقالت تنكر علي أن أراجعك فو الله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لتراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل فقلت قد خاب من فعل ذلك وخسر أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها بغضب زوجها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت إلى حفصة فقلت أتراجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت نعم وتهجره إحدانا اليوم إلى الليل فقلت قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر أتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها بغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسألينه شيئا وسليني ما بدالك ولا يغرنك إن كانت جارتك احب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك يعني عائشة فتبسم أخرى فقلت استأنس يا رسول الله قال نعم فجلست وقلت يا رسول الله قد أثر في جنبك زمل هذا الحصير وفارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله فاستوى جالسا وقال افي شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت استغفر الله يا رسول الله فلما مضى تسع وعشرون يوما أنزل الله تعالى
____________________

عليه أن يخير نساءه في قوله تعالى { يا أيها النبي قل لأزواجك } الآية فنزل ودخل على عائشة رضي الله تعالى عنها فقالت له يا رسول الله أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وقد دخلت وقد مضى تسع وعشرون يوما أعددهن قال إن الشهر تسع وعشرون وفي رواية يكون هكذا وهكذا يشير بأصابع يديه وفي الثالثة حبس إبهامه ثم قال يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك فقالت وما هو يا رسول الله فقرأ { يا أيها النبي قل لأزواجك } الآية قلت أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة وفي رواية أفيك يا رسول الله استشيري أبوي بل أريد الله ورسوله والدار الآخرة قالت ثم قلت له لا تخير امرأة من نسائك بالذي قلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني ولكن بعثني معلما بشيرا ثم فعل أزواجه صلى الله عليه وسلم ما فعلت عائشة رضي الله تعالى عنهن وقد ذكر الأقوال التسعة في الإمتاع وذكر فيه أن التخيير كان بعد فتح مكة لآن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لم يقدم المدينة إلا بعد الفتح مع أبيه العباس رضي الله تعالى عنهما وذكر أنه حضر الواقعة
ومن القسم الثاني تحريم أكل الصدقة واجبة أو مندوبة وكذا الكفارة والمنذورة والموقوف عليه إلا على جهة عامة كالآبار الموقوفة على المسلمين ويشاركه في الصدقة الواجبة آلة دون صدقة التطوع على الجهة الخاصة دون الجهة العامة والصدقة الواجبة هي المعنية بقوله صلى الله عليه وسلم إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس لما سأله عمه العباس رضي الله تعالى عنه أن يستعمله على الصدقات قال صلى الله عليه وسلم ما كنت لأستعملك على غسلات ذنوب الناس ولما أخذ الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما تمرة من تمر الصدقة ووضعها في فيه قال له النبي صلى الله عليه وسلم كخ كخ ارم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة وفي رواية إن آل محمد لا يأكلون الصدقة
واختلف علماء السلف هل الانبياء عليهم الصلاة والسلام تشارك النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فذهب الحسن رحمه اله تعالى إلى أن الأنبياء تشاركه في ذلك وذهب سفيان بن عيينة على اختصاصه بذلك دونهم وأن يعطى شيئا لأجل أن يأخذ شيئا أكثر منه وأن يتعلم الكتابة أو الشعر وإنشاءه وروايته لا التمثل به وأنه إذا لبس لامته للقتال
____________________

لا يدعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه وهذا الأخير مما شاركه فيه الانبياء عليهم الصلاة والسلام وخائنة الأعين وهي الإيماء إلى مباح من قتل أو ضرب على خلاف ما يظهر كما تقدم وإمساك من كرهته ونكاح الكتابية قيل والتسرى بها والراجح خلافه ونكاح الأمة المسلمة لأنه لا يخشى العنت أي الزنا
ومن القسم الثالث القبلة في الصوم مع وجود الشهوة فقد كان صلى الله عليه وسلم يقبل عائشة رضي الله تعالى عنها وهو صائم ويمص لسانها ولعله صلى الله عليه وسلم لم يكن يبلع ريقه المختلط بريقها والخلوة بالأجنبية وأنه صلى الله عليه وسلم إذا رغب في امرأة خلية كان له أن يدخل بها من غير لفظ نكاح أو هبة ومن غير ولي ولا شهود كما وقع له صلى الله عليه وسلم في زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها كما تقدم ومن غير رضاها وأنه إذا رغب في امرأة متزوجة يجب على زوجها أن يطلقها له صلى الله عليه وسلم وأنه إذا رغب في أمة وجب على سيدها أن يهبها له وله أن يزوج المرأة لمن يشاء بغير رضاها وله أن يتزوج في حال إحرامه ومن ذلك نكاح ميمونة على ما تقدم وأن يصطفى من الغنيمة ما شاء قبل القسمة من جارية أو غيرها
ومن صفاياه صلى الله عليه وسلم صفية وذو الفقار كما تقدم وأن يتزوج من غير مهر كما وقع لصفية رضي الله تعالى عنها وقد قال المحققون معنى ما في البخاري وغيره أنه صلى الله عليه وسلم جعل عتقها صداقها أنه صلى الله عليه وسلم أعتقها بلا عوض وتزوجها بلا مهر فقول أنس رضي الله تعالى عنه أمهرها نفسها معناه أنه لما لم يصدقها شيئا كان العتق كأنه المهر وإن لم يكن في الحقيقة كذلك وأن يدخل مكة بغير إحرام إتفاقا وأن يقضى بعلمه ولو في حدود الله تعالى
قال القرطبي في تفسيره اجمع العلماء على أنه ليس لأحد أن يقضى بعلمه إلا النبي صلى الله عليه وسلم
قال الجلال السيوطي في الخصائص الصغرى وجمع له صلى الله عليه وسلم بين الحكم بالظاهر والباطن معا وجمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للأنبياء إلى احداهما بدليل قصة موسى مع الخضر عليهما الصلاة والسلام وقوله إني على علم لا ينبغي لك ان تعلمه وأنت على علم لا ينبغي لي أن أعلمه هذا كلامه
وكتب عليه الشهاب القسطلاني رحمه الله هذه غفلة كبيرة وجراءة على الأنبياء
____________________

عليهم الصلاة والسلام إذ يلزم منه خلو بعض أهل العزم عليهم الصلاة والسلام من علم الحقيقة الذي لا يجوز خلو بعض آحاد الاولياء عنه وإخلاء الخضر بل بقية بعض الأنبياء عليه الصلاة والسلام عن علم الشريعة وأعجب من ذلك أنه بين له وجه الخطأ فأجاب بقوله مرادي الجمع بين الحكم والقضاء هذا كلامه
وأقول ذكر السيوطي في كتابه الباهر في حكمن النبي بالباطن والظاهر هل يقول مسلم إن الذي خص به نبينا صلى الله عليه وسلم أي عن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يورث نقصا في حق سائر الانبياء معاذ الله وكل مسلم يعتقد أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل من سائر الأنبياء على الاطلاق وذلك لا يورث نقصا في حق أحد منهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
وهذا الاعتراض كان لا يحتاج إلى جواب عنه لكن خشيت أن يسمعه جاهل فيؤديه ذلك إلى انكار خصائص النبي صلى الله عليه وسلم التي فضل بها على سائر الانبياء عليهم الصلاة والسلام توهما منه أن ذلك يورث نقصا فيهم فيقع والعياذ بالله في الكفر والزندقة هذا كلامه
ومما حكم فيه بالظاهر والباطن معا قوله صلى الله عليه وسلم في ولد وليدة زمعة والد سودة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها لما اختصم فيه سعد بن ابي وقاص رضي الله تعالى عنه وعبد بن زمعة فقال سعد يارسول الله هذا ابن اخي عهد إلى أنه ابنه انظر إلى شبهه به وقال عبد بن زمعة هذا أخي ولد على فراش ابي من وليدته فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة ثم قال هو لك يا عبد الولد للفراش واحتجى منه يا سودة بنت زمعة زاد في رواية فليس بأخ لك فقد جعله صلى الله عليه وسلم اخا لسودة عملا بظاهر الشرع ونفى أخوته عنها بمقتضى الباطن فقد حكم في هذه القصة بالظاهر والباطن معا
وأما حكمه صلى الله عليه وسلم بالباطن فقد جاء في أمور متكثرة
من ذلك قتله الحارث بن سويد بقتله المجذر بن زياد غيلة من غير دعوى وارث ولا قيام بينه ولا قبل الدية كما قدم
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل مات أخوه إن أخاك محبوس بدينه فاقض عنه فقال يا رسول الله قد أديت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة قال اعطها فإنها محقة
____________________


ومن ذلك أن امرأة جاءت إلى أخرى وقالت لها فلانه تستعيرك حليك وهي كاذبة فأعارتها إياه فبعد مدة جاءت للمراة تطلب حليها فقالت لم أطلب حليك فجاءت للمرأة التي اخذته فأنكرت أخذه فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته القصة فدعاها فقالت والذي بعثك بالحق ما استعرت منها شيئا فقال صلى الله عليه وسلم اذهبوا فخذوه من تحت فراشها فأخذ وأمر بها فقطعت
وأن يقضى لنفسه ولولده وأن يشهد لنفسه ولولده وأن يقبل الهدية ممن يريد الحكومة عنده وأن يقضى في حال غضبه وأن يقطع الأرض قبل أن يفتحها
ومما شاركه فيه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في هذا ا لقسم ان له صلى الله عليه وسلم أن يصلي بعد نومه غير متمكن أي في النوم الذي تنام فيه عينه وقلبه بناء على أنه صلى الله عليه وسلم كان له نومان وحينئذ يكون قوله نحن معاشر الأنبياء تنام أعيينا ولا تنام قلوبنا المراد به غالبا إذ يبعد أن يكون بقية الانبياء عليهم الصلاة والسلام ليس لم إلا نوم واحد وله صلى الله عليه وسلم نومان
وإباحة ترك إخراج زكاة المال لأنه كبقية الأنبياء لا ملك لهم مع الله وما في أيديهم من المال وديعة لله عندهم يبذلونه في محله ويمنعونه في غير محله ولأن الزكاة طهرة وهم مبرءون من الدنس كذا في الخصائص الصغرى نقلا عن سيدي الشيخ تاج الدين ابن عطاء الله
وفيها بعد ذلك أنه صلى الله عليه وسلم اختص بأن ماله باق بعد موته على ملكه ينفق منه إلى أهله في أحد الوجهين وصححه إمام الحرمين والذي صححه النووي الوجه الآخر وهو خروجه عن ملكه لكنه صدقة على المسلمين لا يختص به الورثة وما قاله ابن عطاء الله بناه على مذهب امامة سيدنا مالك ومذهب الشافعي رحمه الله تعالى خلافه ففي الخصائص الصغرى قبل هذا وذكر مالك رضي الله تعالى عنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يملك الأموال إنما كان له التصرف وأخذ قدر كفايته وعند الشافعي رضي الله تعالى عنه وغيره أنه يملك هذا كلام الخصائص
ومن القسم الرابع أنه صلى الله عليه وسلم أول من أخذ عليه المثياق يوم { ألست بربكم } وأنه أول من قال بلى أي وأنه خص بالبسملة وفيه ما تقدم أن ذلك على وجه وأن الأصح خلافه لما في القرآن في سورة النمل وفي المرفوع أنزل علي آية لم تنزل على نبي بعد سليمان
____________________

غيري { بسم الله الرحمن الرحيم } وجاء بسم الله فاتحة كل كتاب وفيه أن الانجيل من جملتها وهو كتاب عيسى ابن مريم وهو بعد سليمان عليهما السلام وقد قدمنا ذلك عند الكلام على أوائل البعث وبفاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة { آمن الرسول } إلى ختامها وآية الكرسي اعطيها من كنز تحت العرش وكذا الفاتحة والكوثر
فقد جاء أربع نزلت من كنز تحت العرش لم ينزل منه شيء غيرهن أم الكتاب وآية الكرسي وخواتم سورة البقرة والكوثر
وذكر الجلال السيوطي رحمه الله في الخصائص الصغرى أن مما خص به أنه اعطى من كنز تحت العرش ولم يعط منه أحد غيره والسبع الطوال والمفصل
وأن دار هجرته التي هي المدينة آخر الدنيا خرابا وان جميع ما في الكون خلق لأجله وأنه تعالى كتب اسمه على العرش وعلى كل سماء وما فيها كما تقدم وعلى بعض الأحجار وورق الأشجار وبعض الحيوانات كما تقدم قال بعضهم وعلى سائر مافي الملكوت وذكر الملائكة له صلى الله عليه وسلم في كل ساعة وذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في الأذان في عهد آدم والملكوت الأعلى كما تقدم
ومما اختص به صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه يحرم نكاح أزواجه صلى الله عليه وسلم بعد موته حتى على الأنبياء بخلاف زوجات الأنبياء بعد موتهم لا يحرم نكاحهن على المؤمنين قال شيخنا الشمس الرملي والأقرب عدم حرمتهن على الأتقياء من أممهم
وفيه أنه إذا لم يحرمن على آحاد المؤمنين فعلى الأتقياء بطريق الأولى إلا أن يقال افرق ممكن يدل عليه قوله والأقرب وإلا فهذا مما يتوقف فيه على النقل
وقيل ومن ذلك أنه يجب على أزوجه صلى الله عليه وسلم من بعده الجلوس في بيوتهن ويحرم عليهن الخروج منها ولو حج أو عمرة والراجح خلاف ذلك فقد حججن مع عمر رضي الله تعالى عنه وعنهن إلا سودة وزينب فخرجن في الهوادج عليهن الطيالسة الخضر وعثمان رضي الله تعالى عنه يسير أمامهن يقول لمن أراد أن يمر عليهن إليك إليك وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه خلفهن يقول لمن اراد أن يمر علين مثل ذلك ولا ترى هوادجهن إلا مد البصر ولما ولي عثمان رضي الله تعالى عنه حج بهن أيضا إلا سودة وزينب
____________________


وأنه يحرم أيضا رؤية أشخاص زوجاته صلى الله عليه وسلم في الأرز وسؤالهن مشافهة أي من غير حجاب
ولا يجوز كشف وجوههن لشهادة بلا خلاف وأن الله سبحانه وتعالى أخذ الميثاق على سائر النبيين آدم فمن بعد أن يؤمنوا به صلى الله عليه وسلم وينصروه إن أدركوه وأن يأخذوا العهد على أممهم بذلك كما تقدم وأنه صلى الله عليه وسلم يحشر على البراق فقد جاء تبعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على الدواب ويبعث صالح على ناقته ويحشر ابنا فاطمة رضي الله تعالى عنهم على ناقته العضباء والقصوى ويبعث بلال رضي الله تعالى عنه على ناقة من نوق الجنة وأن في كل يوم ينزل على قبره الشريف صلى الله عليه وسلم سبعون ألف ملك يضربونه بأجنحتهم ويحفون به ويستغفرون له ويصلون عليه إلى أن يمسوا عرجوا وهبط سبعون ألف ملك كذلك حتى يصبحون لا يعودون إلى أن تقوم الساعة وأنه شق صدره الشريف صلى الله عليه وسلم عند ابتداء الوحي وأنه تكرر له ذلك خمس مرات على ما تقدم وأن خاتم النبوة بظهره بإزاء قلبه حيث يدخل الشيطان لغيره وخاتم الأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام كان في يمينهم كما تقدم وتقدم ما فيه وأن له صلى الله عليه وسلم وعلم ألف اسم ونقل عن تفسير الفخر الرازي أن له صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف اسم وأنه صلى الله عليه وسلم تسمى من أسماء الله تعالى بنحو سبعين اسما وأنه صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام على الصورة التي خلق عليها مرتين كما تقدم وغيره لم يره كذلك وأنه عليه الصلاة والسلام يحكم بالظاهر والباطن كما تقدم وأنه صلى الله عليه وسلم أحلت له مكة ساعة من نهار وأنه حرم ما بين لابتي المدينة كما تقدم وأنه لم تر عورته قط وأن من رآها طمست عيناه كما تقدم وأنه إذا مشى في الشمس أو في القمر لايكون له صلى الله عليه وسلم ظل لأنه كان نورا وأنه إذا وقع شيء من شعره في النار لا يحترق وأن وطأه أثر في الصخر على ما تقدم وأن الذباب لا يقع على ثيابه فضلا عن جسده الشريف ولا يمتص نحو البعوض والقمل دمه كما تقدم وهذا لا ينافي كون القمل يكون في ثوبه ومن ثم جاء كان صلى الله عليه وسلم يفلى ثوبه وأن عرقه أطيب من الريح المسك كما تقدم
وكان صلى الله عليه وسلم إذا ركب دابة لا تبول ولا تروث وهو راكبها ولو بنى مسجده إلى صنعاء اليمن كان مسجده أي في المضاعفة خلافا لجمع منهم ابن حجر الهيتمي
____________________


وقد قال الحافظ السيوطي نص العلماء على أن المسجدين أي المكي والمدني ولو وسعا لم تختلف أحكامهما الثابتة لهما
وروى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما انه قال لو مد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذي الحليفة لكان منه فهذا الأثر مصرح بأن أحكام مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة له فالتوسعة لا تمنع استمرار الحكم وتقدم ما في ذلك وأنه يجب على أمته صلى الله عليه وسلم أن تصلي وتسلم عليه في التشهد الأخير وعند كلما يذكر عند بعضهم وأن القمر شق له صلى الله عليه وسلم كما تقدم وأن الحجر والشجر سلما عليه صلى الله عليه وسلم وشهادة الشجر له صلى الله عليه وسلم بالنبوة واجابتها دعوته وكلام الصبيان المراضع وشهادتهم له بالنبوة كما تقدم وأن الجذع اليابس حن اليه صلى الله عليه وسلم كما تقدم وأنه صلى الله عليه وسلم أرسل للناس كافة الإنس والجن اجماعا معلوما من الدين بالضرورة فيكفر جاحد ذلك وقد يتوقف في كفر العامي بجحد إرساله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم الجن وإلى الملائكة على ما هو الراجح كما تقدم
قال بعضهم والقول بمقابلة مبنى على تفضيل الملائكة على الأنبياء وهو قول مرجوح ذهب إليه المعتزلة والفلاسفة وجماعة من أهل السنة الأشاعرة واستدلوا بأمور كلها مردودة وتقدم عن البارزي رحمه الله أنه صلى الله عليه وسلم ارسل إلى الحيوانات والجمادات لكن استدل له بشهادة الضب والشجرله بالرسالة صلى الله عليه وسلم وقد يتوقف في الاستدلال بذلك
وتقدم عن الحافظ السيوطي رحمه الله انه صلى الله عليه وسلم أرسل لنفسه وتقدم الفرق بين عموم رسالته عليه الصلاة والسلام وعموم رسالة نوح صلى الله عليه وسلم وأنه صلى الله عليه وسلم بعث رحمة للبر والفاجر ورحمة للكفار بتأخير العذاب وعدم معاجلتهم بالعقوبة بنحو الخسف والمسخ والغرق كسائر الامم المكذبة كما تقدم وأن الله تعالى لم يخاطبه باسمه كما خاطب غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بل خاطبه صلى الله عليه وسلم يا أيها النبي يا أيها الرسول يا أيها المدثر يا أيها المزمل وقال يا آدم يا نوح يا ابراهيم يا داود يا زكريا يا يحيى يا عيسى وان الله أقسم بحياته صلى الله عليه وسلم قال تعالى { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون }
وروى ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ما حلف الله تعالى بحياة احد
____________________

إلا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم وأقسم الله على رسالته بقوله { يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين } وأن إسرافيل عليه السلام أهبط إليه صلى الله عليه وسلم ولم يهبط إلى نبي قبله كما تقدم وأنه صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق على الله وأنه يحرم نكاح موطوآته صلى الله عليه وسلم من الزوجات والسرارى إلا من باعه او وهبه من السراري في حياته إن فرض ذلك وذهب المارودي إلى تحريمها
وفي كلام بعضهم وتحرم زوجاته صلى الله عليه وسلم على غيره ولو قبل الدخول ولو مختارة للفراق خلافا لما في الشرح الصغير للرافعي من حل المختارة للفراق وأنه يحرم التزوج على بناته صلى الله عليه وسلم وقيل على فاطمة خاصة رضي الله تعالى عنه وأما التسري عليهن فلم أقف على حكمه وما علل به منع التزويج عليهن حاصل في التسري إلا أن يفرق
وأوتي صلى الله عليه وسلم قوة أربعين رجلا من أهل الجنة في الجماع وقوة الرجل من أهل الجنة كمائة من أهل الدنيا فيكون أعطى صلى الله عليه وسلم قوة اربعة آلاف رجل وسليمان صلوات الله وسلامه عليه أعطى قوة مائة رجل وقيل ألف رجل أي من رجال الدنيا وأن فضلاته صلى الله عليه وسلم طاهرة كما تقدم وأنه كان له صلى الله عليه وسلم أن يخص من شاء بما شاء من الأحكام كجعله شهادة خزيمة بشهادة رجلين لأن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابي فاستبقه النبي صلى الله عليه وسلم وسلم ليقضيه ثمن فرسه فاسرع النبي صلى الله عليه وسلم وتباطأ الأعرابي والفرس معه فساومه في الفرس رجال لا يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراه بزيادة عما اشتراه به صلى الله عليه وسلم فقال الاعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت مبتاعا لهذا الفرس فابتعه وإلا بعته فقال النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمع نداء الاعرابي أو ليس قد ابتعته منك فقال الأعرابي لا فقال النبي صلى الله عليه وسلم بلى قد ابتعته منك فقال الاعرابي شاهدان يشهدان أني بعتك فلما سمع خزيمة رضي الله تعالى عنه ذلك قال أنا اشهد أنك بعته فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخزيمة كيف تشهد ولم تكن معنا فقال يا رسول الله إنا نصدقك بخبر السماء أفلا نصدقك بما تقول فجعل صلى الله عليه وسلم شهادته رضي الله تعالى عنه في القضايا بشهادة رجلين ومنه أخذ جواز الشهادة له صلى الله عليه وسلم بما ادعاه
____________________


وترخيصه صلى الله عليه وسلم لأم عطية رضي الله تعالى عنها ولخولة بنت حكيم رضي الله تعالى عنها في النياحة لجماعة مخصوصين
وترخيصه صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها في عدم الإحداد لما قتل زوجها سيدنا جعفر بن أبي طالب حيث قال لها تسلى ثلاثا ثم اصنعي ما شئت
وتجويز التضحية بالعناق لأبي بردة ولعقبة بن عامر رضي الله تعالى عنهما وزاد بعضهم ثلاث آخرين
وتزويجه صلى الله عليه وسلم لشخص امرأة على سورة من القرآن وقال لا تكون لأحد غيرك مهرا ولعل المراد سورة مجهولة فلا يخالفه ذلك ما عند أئمتنا من جواز ذلك على معين من السور القرآنية
وتزويجه صلى الله عليه وسلم أم سليم أبا طلحة رضي الله تعالى عنهما على إسلامه كما تقدم وإعادة امرأة ابي ركانة إليه بعد أن طلقها ثلاث من غير محلل
وتخصيصه صلى الله عليه وسلم نساء المهاجرين بأن يرثن دور أزواجهن دون بقية الورثة وقد ألغز في ذلك بعضهم بقوله ** سلم لى مفتي الأنا وقل له ** هذا سؤال في الفرائض مبهم ** ** قوم إذا ماتوا تحوز ديارهم ** زوجاتهم فلغيرها لا تقسم ** ** وبقية المال الذي قد خلفوا ** يجرى على أهل التوارث منهم **
وأنه صلى الله عليه وسلم أول من ينشق عنه القبر فعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم أبو بكر ثم عمر ثم أهل البقيع فيخرجون معي ثم أنتظر أهل مكة أي وفي رواية وأنا أول من تنشق عنه الأرض فأكون أول من رفع رأسه فإذا أنا بموسى عليه الصلاة والسلام آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أرفع رأسه قبلي أو كان ممن استثنى الله
وفيه أن الاستثناء انما هو من نفخة الفزع التي هي النفخة الأولى التي يفزع بسببها أهل السموات والأرض وتمر الجبال مر السحاب وترتج الأرض بأهلها رجا فتكون كالسفينة في البحر تضربها الأمواج المعنية بقوله تعالى { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة } والمعنية بقوله تعالى { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم } الآية قال صلى الله عليه وسلم والأموات يومئذ لا يعلمون بشيء من ذلك قلنا يا رسول الله
____________________

فمن استثنى الله في قوله إلا من شاء الله قال أولئك الشهداء وانما يصل الفزع إلى الأحياء وهم أحيا ء عند ربهم يرزقون وقاهم الله فزع ذلك اليوم وآمنهم منه
وفيه أن هذا يقتضي أن الانبياء عليهم الصلاة والسلام يفزعون لأنهم أحياء ولم يذكرهم صلى الله عليه وسلم مع الشهداء والقياس قد يمنع لأنه يوجد في المفضول مالا يوجد في الفاضل وأنه من يكسى في الموقف أعظم الحلل من الجنة وأنه صلى الله عليه وسلم في المقام المحمود على يمين العرش وأنه الذي يشفع في فصل القضاء بين أهل الموقف وأنه له صلى الله عليه وسلم شفاعات في ذلك اليوم وهي إحدى عشرة شفاعة ذكرها في مزيل الخفاء وأنه صلى الله عليه وسلم صاحب لواء الحمد في ذلك اليوم آدم فمن دونه تحت لوائه صلى الله عليه وسلم وأنه خطيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإمامهم في ذلك اليوم كما تقدم
وأول من يؤذن له في السجود وأول من ينظر إلى الرب عز وجل وأنه يسجد أولا فيقول له الرب جل جلاله ارفع رأسك يا محمد قل تسمع وسل تعط واشفع تشفع ثم ثانيا ثم ثالثا كذلك فيشفع
وأنه أول من يفيق من الصعقة وفيه أن نفخة الصعقة وهي النفخة الثانية التي هي نفخة الموته لأهل السموات والأرض إلا أن يقال المراد بالصعقة هنا نفخة رابعة أثبتها ابن حزم
فقد قال الحافظ الجلال السيوطي رحمه الله وأغرب ابن حزم رحمه الله تعالى فادعى أن النفخ في الصور يقع أربع مرات فعليه تكون هذه النفخة ليست هي المذكورة في القرآن وأنها تكون في الموقف بعد النفخة الثالثة التي هي نفخة البعث التي بسببها يكون القيام من القبور إلى المحشر المعنية بقوله تعالى { ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } وهذه النفخة الرابعة تسمى نفخة الصعق أيضا الأن بها يحصل لجميع أهل السموات والأرض في ذلك الوقت غشى وهوشبيه بالموت ويكون أول من يفيق من تلك الصعقة هو صلى الله عليه وسلم وحينئذ يجد موسى عليه الصلاة والسلام آخذا بقائمة من قوائم العرش ويكون قوله أنا أول من تنشق عنه الأرض فأكون انا أول من رفع رأسه فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش من تخليط بعض الرواة وحينئذ لا يحتاج إلى الجواب بأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بقوله لا أدري قبل أن أعلمه الله تعالى بأنه أول من
____________________

تنشق عنه الأرض على الإطلاق وأن موسى عليه الصلاة والسلام سبقه إلى العرش لأنه صلى الله عليه وسلم بعد خروجه من الأرض ينتظر خروج أهل البقيع ومجئ أهل مكة فليتأمل ذلك
وأول من يمر على الصراط وأول من يدخل الجنة ومعه فقراء المسلمين وأن له الوسيلة وهي أعلى درجة في الجنة
وقيل إنه في الجنة لا يصل لأحد شيئ إلى بواسطته صلى الله عليه وسلم وانه لا يقرا في الجنة إلا كتابه ولا يتكلم في الجنة إلا بلسانه
ومما شارك فيه الأنبياء في هذا القسم أن من دعاه صلى الله عليه وسلم في الصلاة تجب عليه الإجابة قولا وفعلا ولو كثيرا ولا تبطل صلاته بالنسبة لنبينا صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنها تبطل
ومنه أيضا العصمة من الذنب مطلقا كبيرا او صغيرا عمدا او سهوا وعدم التثاؤب والاحتلام لان كلا من الشيطان ولم ير أثر لقضاء حاجته صلى الله عليه وسلم بل كانت الأرض تبتلعه ويشم من مكانه رائحة المسك قال وأنه صلى الله عليه وسلم كان ينظر بالليل في الظلمة كما يرى بالنهار في الضوء
واستشكل بما جاء أنه صلى الله عليه وسلم لما ابتنى بأم سلمة رضي الله تعالى عنها دخل عليها في الظلمة فوطىء صلى الله عليه وسلم على ابنتها زينب فبكت فلما كانت الليلة القابلة دخل صلى الله عليه وسلم في ظلمة أيضا فقال أنظروا ربائبكم لا أطأ عليها وزينب هذه ولدتها من أبي سلمة بالحبشة ودخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل وهي إذا ذاك طفلة فنضح صلى الله عليه وسلم وجهها بالماء فلم يزل ماء الشباب بوجهها حتى عجزت وقاربت المائة سنة
وكان صلى الله عليه وسلم يظر من خلفه كما ينظر أمامه أي وعن يمنيه وعن شماله فقد جاء إني لأنظر إلى ما وراء ظهري كما أنظر إلى أمامي فقيل كان له صلى الله عليه وسلم بين كتفيه عينان كسم الخياط يبصر بهما لاتحجبهما الثياب وقيل كانت تنطبع صورة المحسوسات التي خلفه في حائط قبلته كما تنطبع في الصورة في المرآة وهذا يدل على أن ذلك خاص بالصلاة وهو ظاهر أكثر الروايات أي وكانت تلك الصلاة إلى حائط فليتأمل
____________________

وكان صلى الله عليه وسلم يرى الثريا اثنا عشر نجما وغيره لا يزيد على تسعة ولو امعن النظر
واختصت هذه الأمة المحمدية بأمور لم يشاركها فيه من قبلهم من الأمم وهي أنها خير الأمم وأكرم الخلق على الله قال تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس }
وفي الحديث إن الله اختار أمتي على سائر الأمم وإن الله ينظر إليها في أول ليلة من رمضان وأعطيت الاجتهاد في الأحكام واظهر الله ذكرها في الكتب القديمة كالتوراة والإنجيل وأثني عليها وأعطيت الصلوات الخمس أي جمعت لهم على ما تقدم وأعطيت صلاة العشاء
فقد أخرج ابو داود والبيهقي عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال إنكم فضلتم بها أي بصلاة العشاء على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم وفيه ما تقدم
وأعطيت افتتاح الصلاة بالتكبير وأعطيت التأمين أي قول آمين عقب الدعاء فقد جاء أعطيت آمين ولم يعطها أحد ممن كان قبلكم إلا أن يكون الله أعطاها هرون فإن موسى كان يدعو ويؤمن هرون عليهما الصلاة والسلام وتقدم في آمين عقب الفاتحة ليس من القرآن اتفاقا
وأعطيت الاستنجاء بالحجر وأعطيت الأذان والإقامة والركوع في الصلاة وأما قوله تعالى لمريم { واركعي مع الراكعين } فالمراد بالركوع الخضوع كما تقدم ويلزمه أنها أعطيت في الرفع منه سمع الله لمن حمده وفي الاعتدال اللهم ربنا لك الحمد إلى آخره واعطيت تحريم الكلام في الصلاة دون الصوم عكس من قبلهم وأعطيت الجماعة في الصلاة وأعطيت الاصطفاف فيها كصفوف الملائكة وأعطيت صلاة العيدين والكسوفين والاستسقاء والوتر واعطيت قصر الصلاة في السفر والجمع بين الصلاتين فيه على ما تقدم وفي المطر والمرض على قول اختاره جمع من العلماء ومنهم والدي رحمه الله وأعطيت صلاة الخوف وصلاة شدته واعطيت شهر رمضان على ما تقدم وأعطيت فيه امورا منها تصفيد الشياطين
وقد سئلت ما فائدة تصفيد الشياطين في رمضان مع وجود الفساد والشر وقتل الأنفس فيه وقد أجبت عنه أربعة أجوبة حاصلها أن فائدة ذلك قلة الشر لا نفيه بالكلية وقد
____________________

ذكرت ذلك في كتابي إسعاف الإخوان في شرح غاية الإحسان وهو كتاب الفته في الصوم وما يتعلق به
ومنها صلاة الملائكة عليهم حين يفطروا ومنا أن ريح فمهم بعد الزوال أطيب عند الله من ريح المسك وفيه أن هذا لا يختص بصوم رمضان ومنها أن الجنة تزين فيه من رأس الحول إلى رأس الحول وتفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النيران وتفتح أبواب السماء في أول ليلة منه
ومنها أنه يغفر لهم في آخر ليلة منه وأعطيت العقيقة عن الأنثى وأعطيت العذبة في العمامة وأعطيت الوقف والوصية بالثلث عند الموت واعطيت غفران الذنوب بالاستغفار وجعل الندم توبة واعطيت صلاة الجمعة وأعطيت ساعة الإجابة في يومها وأعطيت ليلة القدر وأعطيت السحور وتعجيل الفطر وأعطيت الاسترجاع عند المصيبة وأعطيت الحوقلة أي لا حول ولا قوة إلا بالله وأعطيت رفع الإصر عنها ومنه وجوب القصاص في الخطأ والمؤاخذة بحديث النفس والنسيان وما وقع عليه الإكراه وأن اجماعها حجة لأنها لا تجتمع على ضلالة أي محرم واعطيت أن اختلاف علمائها رحمة وكان اختلاف من قبلهم عذابا والمراد بعلماء الأمة المجتهدون كما أن المراد ذلك بما رواه البيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلاف اصحابي رحمة أي ويقاس بأصحابه غيرهم ممن بلغ رتبة الاجتهاد قال بعضهم وما ذكره بعض الأصوليين والفقهاء أنه صلى الله عليه وسلم قال اختلاف امتي رحمة لا يعرف من خرجه بعد البحث الشديد وانما يعرف عن القاسم بن محمد بلفظ اختلاف أمة محمد رحمة قال الحافظ السيوطي ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا وأن الطاعون لهم رحمة وكان على من قبلهم عذابا وأعطيت الإسناد للحديث قال ابو حاتم الرازي رحمه الله لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم عليه الصلاة والسلام من يحفظون آثار الرسل أي ويأخذها واحد عن الآخر إلا في هذه الأمة أي حتى إن الواحد منهم يكتب الحديث الواحد من ثلاثين طريقا أو أكثر وان فيها الاقطاب والانجاب والأوتاد ويقال لهم العمد والأبدال والأخيار العصب فالأبدال بالشام واختلفت الروايات في عدهم فأكثر الروايات أنهم اربعون رجلا وفي بعض الروايات أربعون
____________________

رجلا وأربعون امرأة كلما مات رجل ابدل الله مكانه رجلا وكلما ماتت امرأة أبدل الله مكانها امرأة فإذا جاء الأمر قبضوا كلهم فعند ذلك تقوم الساعة
وعن الفضل بن فضاله قال الأبدال بالشام في حمص خمسة وعشرون رجلا وفي دمشق ثلاثة عشر وفي نيسان اثنان وفي رواية عن حذيفة بن اليمان الأبدال بالشام ثلاثون رجلا على منهاج ابراهيم عليه الصلاة والسلام
وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال أربعون رجلا قلوبهم على قلب إبراهيم عليه الصلاة والسلام يدفع الله بهم عن أهل الأرض يقال لهم الأبدال
وعن الحسن البصري رحمه الله لن تخلوا الأرض من سبعين صديقا وهم الأبدال اربعون بالشام وثلاثون في سائر الأرض
وعن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من كن فيه فهو من الأبدال اللذين بهم قوام الدنيا وأهلها الرضا بالقضاء والصبر عن محارم الله الغضب في ذات الله
وجاء في وصف الأبدال إنهم لم ينالوا ما نالوا بكثرة صلاة ولا صيام ولا صدقة وكلن بسخاء النفس وسلامة القلوب والنصيحة لأئمتهم وفي لفظ لجميع المسلمين
وعن أبي سليمان الأبدال بالشام والنجباء بمصر وفي لفظ الأبدال في الشام والنجباء من أهل مصر وفي رواية عن علي كرم الله وجهه أيضا والنجباء بالكوفة والعصب باليمن والأخيار بالعراق وفي لفظ والعصب بالعراق
وعن بعضهم النقباء ثلاثمائة وسبعون والبدلاء أربعون والأخيار سبعة والعمد أربعة والغوث أي الذي هو القطب واحد فمسكن النقباء الغرب ومسكن النجباء مصر ومسكن الأبدال الشام والأخيار سائحون من الأرض والعمد في زوايا الأرض ومسكن الغوث مكة فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيها النجباء ثم الأبدال ثم الأخيار ثم العمد فإن أجيبوا وإلا ابتهل الغوث فما تتم مسألته حتى يجاب
وجاء عن علي كرم الله وجهه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن نبي
____________________

قط إلا أعطى سبعة نجباء وزراء رفقاء وإني أعطيت خمسة عشر حمزة وجعفر وأبو بكر وعمر وعلي والحسن والحسين وعبد الله بن مسعود وسلمان وعمار بن ياسر وحذيفة وأبوذر والمقداد وبلال ومصعب وأسقط الترمذي حذيفة وأبا ذر والمقداد
وأنهم أي أمته صلى الله عليه وسلم يخرجون من قبورهم بلا ذنوب يمحصها الله عنهم باستغفار المؤمنين لهم وأنها اول من تنشق عنها الأرض وأنها في الموقف تكون على مكان عال مشرف على الأمم وأنها أول من يحاسب وأنها أول من يدخل الجنة من الأمم وأن لكل منها نورين كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأنها تمر على الصراط كالبرق الخاطف وانها تشفع في بعضها وأن لها ما سمعت وما سعى لها وأنها اختصت عن من الأمم ما عدا الأنبياء بوصف الاسلام على الراجح كما تقدم لأنه لم يوصف بالإسلام أحد الأمم السالفة سوى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقد شرفت بأن توصف بالوصف الذي توصف به الانبياء تشريفا لها وتكريما فقد قال زيد بن أسلم أحد أئمة السلف العالمين بالقرآن والتفسير لم يذكر الله بالسلام غير هذه الأمة أي وما ورد مما يوهم خلاف ذلك مؤول
وقد خصت هذه الأمة بخصائص لم تكن لأحد سواها إلا للأنبياء فقط فمن ذلك الوضوء فإنه لم يكن أحد يتوضأ إلا الأنيباء عليهم الصلاة والسلام فعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعا في التوراة والإنجيل وصف هذه الأمة أنهم يوضئون أطرافهم
وفي بعض الآثار افترضت عليهم أن يتطهروا في كل صلاة كما افترضت على الأنبياء لكن تقدم في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم توضا مرة مرة فقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ثم توضا مرتين مرتين فقال هذا وضوء الأمم من قبلكم من توضأ مرة آتاه الله أجره مرتين ثم توضأ ثلاثا ثلاثا فقال هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي ووضوء خليل الله ابراهيم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهذا الحديث كما ترى يقتضى مشاركة الأمم مع هذه الأمة في أصل الوضوء والاختصاص إنما هو بالتثليث وتقدم الكلام على ذلك أي والغسل من الجنابة
ففيما أوحى الله إلى داود عليه الصلاة والسلام في وصف هذه الأمة وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم وأن منها سبعين ألفا مع كل واحد من هؤلاء
____________________

السبعين ألفا سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب أي وباجلال الله تعالى توقير المشايخ منهم وأنهم اذا حضرووا القتال في سبيل الله حضرتهم الملائكة لنصرة الدين وأن الملائكة تنزل عليهم في كل سنة ليلة القدر تسلم عليهم وأكل صدقاتهم في بطونهم وإثابتهم عليها وتعجيل الثواب في الدنيا مع ادخاره في الآخرة كصلة الرحم فإنها تزيد في العمر ويثاب عليها في الآخرة وما دعوا به استجيب لهم
روى الترمذي رحمه الله أعطيت هذه الأمة مالم يعط أحد بقوله تعالى { ادعوني أستجب لكم } وإنما يقال هذا للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم
وأوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام في وصف هذه الأمة إن دعوني استجب لهم فإما أن يكون عاجلا وإما أن يكون أن اصرف عنهم سوءا وإما أن أدخرلهم في الآخرة ومخالطة الحائض سوى الوطء وما ألحق به وهو مباشرة ما بين سرتها وركبتها وتقدم وصفهم في الكتب القديمة بمالا ينبغي إعادته هنا لطوله & باب ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم
ولد له صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله تعالى عنها قبل البعثة القاسم وهو أول أولاده صلى الله عليه وسلم وبه كان يكنى قيل عاش سنتين وقيل سنة ونصفا وقيل حتى مشى وقيل بلغ ركوب الدابة وقيل عاش سبت ليال وهو أول من مات من ولده قبل البعثة ثم ولدت قبل البعثة أيضا زينب ثم رقية ثم فاطمة ثم أم كلثوم رضي الله تعالى عنهن وقيل أول بناته صلى الله عليه وسلم رقية ثم فاطمة ثم أم كلثوم رضي الله تعالى عنهن وقيل أكبر بناته صلى الله عليه وسلم رقية ثم زينب ثم أم كلثوم ثم فاطمة وقيل أول بناته صلى الله عليه وسلم زينب ثم رقية ثم أم كلثوم ثم فاطمة وبعض الناس ذكر رقية بعد فاطمة
وبعد البعثة ولد له صلى الله عليه وسلم عبد الله ويسمى الطيب الطاهر وقيل الطيب والطاهر غير عبد الله المذكور ولدا في بطن واحدة قبل البعثة
أي وقيل اللذان ولدا في بطن واحدة قبل البعثة الطاهر والمطهر وقيل ولد له أيضا قبل البعثة في بطن واحدة الطيب والمطيب وقيل ولده له قبل البعثة عبد مناف مات هؤلاء
____________________

قبل البعثة وهم يرضعون أما عبد الله الذي ولد له بعد بعثته صلى الله عليه وسلم فكان آخر الأولاد من خديجة رضي الله تعالى عنها
وبهذا يظهر التوقف في قول السهيلي رحمه الله كلهم ولدوا بعد النبوة وأجاب بعضهم بأن المراد بعد ظهور دلائل النبوة
وفيه أن دلائل النبوة وجدت قبل تزوجه بخديجة رضي الله تعالى عنها
وعند موت عبد الله هذا قال العاص بن وائل والد عمرو بن العاصي وقيل أبو لهب قد انقطع ولده أي لا ولد له ذكر لأن ما عدا ذكر عند العرب لا يذكر فهو أبتر فأنزل الله تعالى { إن شانئك هو الأبتر }
أقول في مسلم عن انس رضي الله تعالى عنه قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا إغفى إغفاءه ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول الله فقال أنزل على آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم { إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر } ولا يخفى أن هذا يقتضي ان السورة المذكورة مدنية ثم رأيت الإمام النووي رجح ذلك لما ذكر
وقد يقال يجوز ان يكون { إن شانئك هو الأبتر } نزل بمكة وما عداه نزل بالمدينة وقد يعبر عن معظم السورة بالسورة ثم رأيته في الاتقان ذكر ان مما نزل دفعة واحدة سورا منها الفاتحة والإخلاص والكوثر ثم رأيت الإمام الرافعي رحمه الله قال فهم فاهمون من الحديث أن السورة نزلت في تلك الإغفاءة وقالوا من الوحي ما كان يأتيه في النوم لأن رؤيا الأنبياء وحي وهذا غير صحيح لكن الأشبه أن يقال القرآن كله نزل يقظة وكان صلى الله عليه وسلم خطر له في النوم سورة كوثر المنزل عليه في اليقظة أي قبل ذلك
وفيه أن قوله آنفا لا يناسبه قال او يحمل الإغفاء على الحالة التي كانت تعتريه عند نزول الوحي ثم رأيت الجلال السيوطي في الإتقان نظر في جواب الرافعي الأول بما ذكرته واستحسن الجواب الثاني
وفي المواهب ان العاصي بن وائل اجتمع هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم في باب من أبواب المسجد فتحدثا وصناديد قريش جلوس في المسجد فلما دخل العاص المسجد قالوا له من ذا الذي كنت تتحدث معه قال ذاك الأبتر يعني النبي صلى الله عليه
____________________

وسلم وقد كان توفي أولاده صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله تعالى عنها أي الذكور فرد الله سبحانه وتعالى عليه وتولى جوابه بقوله { إن شانئك هو الأبتر } أي عدوك ومبغضك هو الذليل الحقير أي باغضك هو الأبتر أي المقطوع عن كل خير أو المقطوع رحمه بينه وبين ولده لأن الإسلام حجزهم عنه فلا توارث بينهم فلا يقال العاص وأبو لهب لها اولاد ذكور فالأول له عمرو وهشام رضي الله تعالى عنهما والثاني له عتبة ومعتب رضي الله تعالى عنهما
قيل وكان بين كل ولدين لخديجة سنة وكانت رضي الله تعالى عنها تعق عن الغلام بشاتين وعن الجارية بشاة وكانت تسترضع لهم
وذكر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره في قوله تعالى { يهب لمن يشاء إناثا } كلوط عليه الصلاة والسلام كان له إناث ولم يكن له ذكور { ويهب لمن يشاء الذكور } كإبراهيم عليه الصلاة والسلام فإنه لم يكن له بنت { أو يزوجهم ذكرانا وإناثا } كنبينا صلى الله عليه وسلم { ويجعل من يشاء عقيما } كيحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام فإنهما لم يولد لهما ولد
أما زينب رضي الله تعالى عنها فتزوجها ابن خالتها هالة بنت خويلد أخت خديجة شقيقتها وهو العاصي بن الربيع كما تقدم وذكر بعضهم بدل هالة هند قال وهالة صحابية وهند لا أعرف لها إسلاما ويحتمل أن يكون أحدهما اسما والآخر لقبا فهما واحدة
وفي سنة ثمان من الهجرة أي من ذي الحجة ولدت له صلى الله عليه وسلم مارية القبطية رضي الله تعالى عنها وكان صلى الله عليه وسلم معجبا بها لأنها كانت بيضاء جميلة ولده ابراهيم وعق عنه صلى الله عليه وسلم بكبشين يوم سابعه وحلق رأسه وتصدق بزنة شعره فضة على المساكين وأمر بشعره فدفن في الارض أي وغارت نساؤه صلى الله عليه وسلم ورضى عنهن من ذلك ولا كعائشة رضي الله تعالى عنها حتى إنه صلى الله عليه وسلم قال لها انظري إلى شبهه فقالت ما أرى شيئا فقال ألا تري إلى بياضه ولحمه وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وكانت قبل ذلك مولاة عمته صلى الله عليه وسلم صفية رضي الله تعالى عنها وهبتها له صلى الله عليه وسلم وسلمى زوجة أبي رافع رضي الله تعالى عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لعمه العباس
____________________

رضي الله تعالى عنه قبل ذلك وهبه له صلى الله عليه وسلم واسمه ابراهيم وكن قبطيا وقيل غير ذلك اعتقه صلى الله عليه وسلم لما أخبره بإسلام العباس وزوجه مولاته سلمى المذكورة وقيل كان مولى لسعيد بن العاص فورثه بنوه وهم ثمانية فأعتقوه كلهم إلى ولده خالد فإنه لم يعتق نصيبه منه فكلمه صلى الله عليه وسلم أن يعتق نصيبه أو يبيعه أو يهبه منه فوهبه منه صلى الله عليه وسلم فأعتقه قيل بعد ان سأله صلى الله عليه وسلم ابو رافع في ذل كوبقى عقبة من أشارف المدينة
وكان ولده عبد الله كاتبا وخازنا لعلي كرم الله وجهه أيام خلافته فخرجت إلى زوجها أبي رافع فأخبرته أن مارية قد ولدت غلاما فجاء أبو رافع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشره فوهب له عبدا
وروى أبو رافع رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه واغتسل عند كل واحدة منهن غسلان قال ابو رافع فقلت له يا رسول الله لو جعلته غسلا واحدا قال هذا أزكى وأطيب وسمي صلى الله عليه وسلم ابنه يومئذ أي يوم ولادته وقيل سماه سابع ولادته ودفعه لأم بردة خولة بنت المنذر بن زيد الأنصاري زوجة البراء بن أوس لترضعه وأعطاها قطعة نخل فكانت ترضع في بني مازن وترجع به الى المدينة وكان صلى الله عليه وسلم ينطلق اليها فيدخل البيت ويأخذه فيقبله ثم يرجع
ولما احتضر جاء صلى الله عليه وسلم فوجده في حجر أمه فأخذه صلى الله عليه وسلم في حجره وقال يا إبراهيم إنا لن نغني عنك شيئا ثم ذرفت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال إنا بك يا ابراهيم لمحزونون تبكى العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب ونهانا عن الصياح أي وفي لفظ تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب ولولا أنه وعد صادق وموعود جامع فإن الآخر منا يتبع الأول وجدنا عليك يا ابراهيم وجدا شديدا ما وجدناه أي وفي لفظ ولولا أنه أمر حق ووعد صدق وأنها سبيل مأتية لحزنا عليك حزنا شديدا اشد من هذا وإنابك يا ابراهيم لمحزونون وفي لفظ وإنا بفراقك يا ابراهيم لمحزونون
وعن سيرين لما نزل بإبراهيم الموت صرت كلما صحت أنا واختي نهانا صلى الله عليه وسلم عن الصياح أي ولما بكى صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر وعمر رضي الله تعالى
____________________

عنهما أنت أحق من علم الله حقه قال تدمع العين وقال له صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أو لم تكن نهيت عن البكاء قال لا ولكني نهيت عن صوتين أحمقين وآخرين صوت عند مصيبة وخمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان وصوت عند نغمة لهو وهذه رحمة ومن لا يرحم لا يرحم وذكر أنه لما مات كان صلى الله عليه وسلم مستقبلا للجبل فقال يا جبل لو كان بك مثل ما بي لهدك ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون وصرخ أسامة رضي الله تعالى عنه فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رأيتك تبكي فقال له صلى الله عليه وسلم البكاء من الرحمة والصراخ من الشيطان
ولما مات ولد سليمان بن عبد الملك التفت إلى ولي عهده عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه وقال له إني اجد في كبدي جمرة لا يطفئها إلا عبرة فقال له عمر رضي الله تعالى عنه اذكر الله يا أمير المؤمنين وعليك بالصبر والتفت إلى وزيره رجاء فقال له رجاء اقضها يا أمير المؤمنين فما بذلك من بأس فقد دمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه ابراهيم فأرسل سليمان عينيه فبكى حتى قضى أربا ثم أقبل عليهما فقال لو لم أنزف هذه العبرة لانصدعت كبدي ثم لم يبك بعده ولذلك قيل ** في إفاضة الكئيب لدمعته ** ما يذهب من لوعته ** ** وفي إرساله لعبرته ** ما يعينه على سلوته **
ومات سنة عشر من الهجرة
واختلف في سنه فقيل سنة وعشرة اشهر وستة أيام وقيل ثمانية عشر شهرا مات عند ظئره أم بردة وغسلته وحملته بين يديها على سرير
وفي رواية غسله الفضل بن العابس رضي الله تعالى عنهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم على سرير
وفي كلام ابن الأثير رحمه الله قيل إن الفضل بن العباس رضي الله تعالى عنهما غسل ابراهيم ونزل في قبره هو واسامه بن زيد وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير القبر قال الزبر ورش على قبره ماء وعلم على قبره بعلامة وهو أول قبر رش عليه الماء وفيه أنه رش على قبر عثمان بن مظعون بالماء وهو سابق على سيدنا إبراهيم كما تقدم وصلى عليه صلى الله عليه وسلم وكبر أربعا أي وقيل لم يصل عليه أي لم يقع الصلاة
____________________

عليه من أحد وفي كلام النووي رحمه الله القول بالصلاة عليه وهو قول جمهور العلماء وهو الصحيح
وما جاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها انه لم يصل عليه قال ابن عبد البر رحمه الله إنه غلط فقد أجمع جماهير العلماء على الصلاة على الأطفال إذا استهلوا عملا مستفيضا عن السلف والخلف
وقال الإمام احمد رحمه الله في خبر عائشة رضي الله تعالى عنها إنه خبر منكر جدا أي وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم الطفل يصلى عليه وجاء صلوا على أطفالكم فإنه من أفراطكم وقد جاء في المرفوع إذا استهل المولود صلى عليه وورث وورث وجاء أحق ما صليتم على أطفالكم ومن المقرر أنه إذا تعارض الإثبات والنفي قدم الإثبات على النفي
ولما كسفت الشمس في ذلك اليوم قال قائل كسفت لموت إبراهيم فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم لا تكسف لموت أحد ولا لحياته وفي لفظ إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده فلا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته الحديث وفدن بالبقيع وقال الحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون رضي الله عنه ولقنه صلى الله عليه وسلم قال إلامام السبكي وهو غريب وقد احتج به بعض أئمتنا على استحباب تلقين الطفل
وفي التتمة للمتولي من أئمتنا والأصل في التلقين ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن إبراهيم قال قل الله ربي ورسول الله ابي والإسلام ديني فقيل له يا رسول الله أنت تلقنه فمن يلقننا فأنزل الله تعالى { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } أي وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم لما دفن ولده ابراهيم وقف على قبره فقال يا بني إن القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب إنا لله وإنا اليه راجعون يا بني قل الله ربي والإسلام ديني ورسول الله الله أبي فبكت الصحابة رضوان الله عليهم ومنهم عمر رضي الله عنه بكى حتى ارتفع صوته فالتفت اليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما يبكيك يا عمر فقال يا رسول الله هذا ولدك وما بلغ الحلم ولا جرى عليه القلم ويحتاج إلى تلقين مثلك يلقنه التوحيد مثل هذا الوقت فما حال عمر وقد بلغ الحلم وجرى عليه القلم وليس له ملقن مثلك فبكى
____________________

النبي صلى الله عليه وسلم وبكت الصحابة معه ونزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } يريد بذلك وقت الموت أي عند وجود الفتانين وعند السؤال في القبر فتلا النبي صلى الله عليه وسلم الآية فطابت الأنفس وسكنت القلوب وشكروا لله
وفيه أن هذا يقتضى أنه صلى الله عليه وسلم لم يلقن أحدا قبل ولده ابراهيم وهذا الحديث استند اليه من يقول بأن الاطفال يسألون في القبر فيسن تلقينهم
وذهب جمع إلى أنهم لا يسألون وأن السؤال خاص بالمكلف وبه أفتى الحافظ ابن حجر رحمه الله فقال والذي يظهر اختصاص السؤال بمن يكون مكلفا ويوافقه قول النووي رحمه الله في الروضة وشرح المهذب التلقين إنما هو في حق الميت المكلف أما الصبي ونحوه فلا يلقن قال الزركشي وهو مبني على أن غير المكلف لا يسأل في قبره
وذكر القرطبي رحمه الله ان الذي يقتضيه ظواهر الأخبار ان الأطفال يسألون وأن العقل يكمل لهم
وذكر أن الاحاديث مصرحة بسؤال الكافر أي من هذه الأمة ويخالفه قولهم حكمة السؤال تمييز المؤمن من المنافق الذي كان يظهر الإسلام في الدنيا وأما الكافر الجاحد فلا يسأل قال الفاكهاني إن الملائكة لا يسألون
قال بعضهم ووجهه ظاهر فإن الملائكة إنما يموتون عند النفخة الأولى أي فلم يبق منهم من يقع منه السؤال وأما عذاب القبر فعام للمسلم والكافر والمنافق فعلم الفرق بين فتنة القبر وعذابه وهو أن الفتنة تكون بامتحان الميت بالسؤال وأما العذاب فعام يكون ناشئا عن عدم جواب السؤال ويكون من غير ذلك
وقد اختص نبينا صلى الله عليه وسلم بسؤال أمته عنه بخلاف بقية الأبيناء عليهم الصلاة والسلام وما ذاك إلا أن الأنبياء قبل نبينا كان الواحد منهم إذا أتى أمته وأبوا عليه اعتزلهم وعوجلوا بالعذاب وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فبعث رحمة بتأخير العذاب ولما أعطاه الله السيف دخل في دينه قوم مخافة من السيف فقيض الله تعالى فتاني القبر ليستخرجا بالسؤال ما كان في نفس الميت فيثبت الله المسلم ويزل المنافق
وفي بعض الآثار تكرر السؤال في المجلس الواحد ثلاث مرات وفي بعضها أن المؤمن يسأل سبعة أيام المنافق أربعين يوما أي قد يقع ذلك
____________________


وفي بعض الآثار أن فتاني القبر اربعة منكر ونكير وناكور وسيدهم رومان وفي بعضها ثلاثة أنكر ونكير ورومان وقيل أربعة منكر ونكير يكونان للمنافق ومبشر وبشير للمؤمن
ونقل الحافظ السيوطي عن شيخه الجلال البلقيني رحمهما الله أن السؤال يكون بالسريانية واستغربه وقا لم اره لغيره وفي كلام الحافظ السيوطي لم يثبت في التقلين حديث صحيح ولا حسن بل حديثه ضعيف باتفاق جمهور المحدثين ولهذا ذهب جمهور الأمة إلى أن التلقين بدعة وآخر من أفتى بذلك العز بن عبد السلام وإنما استحسنه ابن الصلاح وتبعه النووي نظرا إلى أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال وحينئذ فقول الإمام السبكي حديث تلقين النبي صلى الله عليه وسلم لابنه ليس له أصل أي صحيح او حسن
وقال صلى الله عليه وسلم في حق ابراهيم إن له ظئرا تتم رضاعه وفي رواية إن له ضئرين يكملان رضاعه في الجنة وقال لو عاش لوضعت الجزية عن كل قبطي وفي لفظ لأعتقت القبط وما استرق قبطي قط وفي لفظ مارق له خال
قال بعضهم معناه لو عاش فرآه أخواله القبط لأسلموا فرحا به وتكرمة له فوضعت الجزية عنهم لأنه لا توضع على مسلم ومعنى الثاني إذا اسلموا وهم أحرار لم يجر عليهم الرق لأن الحر المسلم لا يجري عليه الرق
وذكر ان الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما كلم معاوية في أن يضع الخراج عن أهل بلد مارية وهي حفنة بالحاء المهملة واسكان الفاء وبالنون قرية من قرى الصعيد فعل معاوية ذلك رعاية لحرمتهم
أي وقال النووي رحمه الله وأما ما روى عن بعض المتقدمين لو عاش ابراهيم لكان نبيا فباطل وجسارة على الكلام في المغيبات ومجازفة وهجوم على بعض الزلات قال الحافظ ابن حجر رحمه الله وهو عجيب مع وروده عن ثلاثة من الصحابة وكأنه لم يظهرله وجه تأويله وهو أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع أي وكان اللائق به أن يكون نبيا وان لم يكن ذلك ثم رأيت الجلال السيوطي رحمه الله نقل عن الاستاذ ابي بكر بن فورك وأقره أنه صلى الله عليه وسلم لما دفن ولده ابراهيم وقف على قبره وقال يا بني إن القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب إنا لله وإنا إليه راجعون وكنى به صلى الله
____________________

عليه وسلم فقد جاء ان جبريل عليه السلام قال له السلام عليك يا ابا ابراهيم إن الله قد وهب لك غلاما من أم ولدك مارية وامرك ان تسميه ابراهيم فبارك الله لك فيه وجعله قرة عين لك في الدنيا والآخرة زاد الحافظ الدمياطي رحمه الله فاطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك
اقول وسبب اطمئنانه صلى الله عليه وسلم بذلك أن مابورا كان يأوى اليها ويأتي اليها بالماء والحطب فاتهمت به وقال المنافقون علج يدخل على علجة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث عليا كرم الله وجهه ليقتله فقال له علي كرم الله وجهه يا رسول الله أقتله أو أرى فيه رأي فقال بل ترى رأيك فيه فلما رأى السيف بيد علي كرم الله وجهه تكشف وفي لفظ فإذا هو في ركى يتبرد فقال علي كرم الله وجهه اخرج فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب أي ممسوح فكف عنه علي كرم الله وجهه ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال أصبت إن الشاهد يرى مالا يرى الغائب أي وتكون هذه القضية متقدمة على قول جبريل عليه الصلاة والسلام المذكور فالمراد مزيد الاطمئنان
وفي كلام بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مارية رضي الله تعالى عنها وهي حامل بولده ابراهيم فوجد عندها من ذكر فوقع في نفسه شيء فخرج صلى الله عليه وسلم وهو متغير اللون فلقيه عمر رضي الله تعالى عنه فعرف الغيظ في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فأخبره فأخذ عمر السيف ثم دخل على مارية رضي الله عنها وهو عندها فأهوى إليه السيف فلما رأى ذلك كشف عن نفسه فإذا هو مجبوب فلما رآه عمر رضي الله عنه رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال ألا أخبرك يا عمر إن جبريل عليه الصلاة والسلام أتاني فأخبرني أن الله برأها ونزهها مما وقع في نفسي وبشرني أن في بطنها غلاما مني وأنه اشبه الخلق بي وأمرني أن اسميه ابراهيم وكناني بأبي ابراهيم ولولا أني أكره أن احول كنيتي التي تكنيت بها لتكنيت بأبي ابراهيم والله اعلم
أي وفي النور إني لا أعرف في الصحابة خصيا إلا هذا وشخص آخر يقال له سفد رآه مولاه يقبل جارية له فخصاه وجدعه وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه سيده
____________________

وفي كلام بعضم عد ابن منده وأبو نعيم مابورا في الصحابة وقد غلطا في ذلك فإنه لم يسلم وما زال نصرانيا ومنه أي بسببه فتح المسلمون مصر في خلافة عمر رضي الله عنه & باب ذكر أعمامه وعماته صلى الله عليه وسلم
أعمامه صلى الله عليه وسلم اثنا عشر وهم الحارث وهو أكبر أولاده جده عبد المطلب وبه كان يكنى وشقيقه قثم وقد هلك صغيرا وابو طالب والزبير وعبد الكعبة وهؤلاء الثلاثة أشقاء لعبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم وقيل الحارث لا شقيق له وحمزة وشقيقاه المقوم بفتح الواو وكسرها مشددة وجحل بتقديم الجيم على الحاء واسمه المغيرة والجحل السقاء الضخم أي وقيل بتقديم الحاء مفتوحة على الجيم وهو في الأصل الخلخال والعباس وشقيقه ضرار وقد تقدم أن ام العباس رضي الله عنه أول من كست الكعبة الحرير وأبو لهب واسمه عبد العزى والغيداق واسمه مصعب قيل نوفل ولقب بالغيداق لكثرة جوده أي لأنه كان أجود قريش وأكثرها طعاما ومالا وذكر بعضهم في أعمامه العوام
وعماته صلى الله عليه وسلم ست وهن أم حكيم وعاتكة وبرة وأروى وأميمة وهؤلاء الخمسة أشقاء لعبد الله والده صلى الله عليه وسلم وصفية أي وهي شقيقة حمزة ولم يسلم من أعمامه صلى الله عليه وسلم الذين ادركوا البعثة إلا حمزة والعباس وحكى إسلام ابي طالب وقد تقدما ما فيه ولم يسلم من عماته اللاتي ادركن البعثة من غير خلاف الا صفية أي وهي ام الزبير بن العوام أسلمت وهاجرت أي وماتت في خلافة عمر رضي الله عنه
قيل وأسلمت عاتكة التي هي صاحبة الرؤيا يوم بدر وقيل وأروى قال بعضهم والمشهور أن عاتكة لم تسلم & باب ذكر ازواجه وسراريه صلى الله عليه وسلم
لا يخفى ان ازواجه صلى الله عليه وسلم المدخول بهن اثنا عشرة امرأة خديجة رضي الله تعالى عنها وهي أول نسائه صلى الله عليه وسلم وكانت قبله تحت أبي هالة بن زرارة التيمي وقيل كانت تحت عتيق بن عائد المخزومي أولا ثم تحت ابي هالة كما تقدم وجاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرأن يبشرها في الجنة من قصب لا صخب
____________________

فيه ولا نصب أي ليس فيه رفع صوت ولا تعب أي من دره مجوفة فقد جاء أنها قالت له يا رسول الله هل في الجنة قصب فقال إن من لؤلؤ مجبي بالجيم وبالموحدة مشددة أي مجوف وجوزيت رضي الله تعالى عنها بهذا البيت لأنها أول من بنى بيتا في الإسلام بتزوجها برسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء من كسا مسلما على عري كساه الله من حلل الجنة ومن سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحقي جزاء وفاقا
وعن عائشة رضي الله عنها ما غرت على أحد ما غرت على خديجة رضي الله عنها ولقد هلكت قبل أن يتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له صلى الله عليه وسلم وقد مدح خديجة رضي الله عنها ما تذكر من عجوز حمراء الشدقين قد بدلك الله خيرا منها فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال والله ما أبدلني الله خيرا منها آمنت بن حين كذبني الناس وواستني بمالها حين حرمني الناس ورزقت منها الولد وحرمته من غيرها واتفق له صلى الله عليه وسلم أنه أرسل لحما لامرأة تناوله صلى الله عليه وسلم ودفعه لآخر يدفعه لها فقالت له عائشة رضي الله عنها لم تحرز يدك فقال إن خديجة أوصتني بها فقالت عائشة لكأنما ليس في الأرض امرأة إلا خديجة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا فلبث ما شاء الله ثم رجع فإذا أم رومان أم عائشة رضي الله عنهما فقالت يا رسول الله مالك ولعائشة إنها حديثة السن وأنت أحق من يتجاوز عنها فأخذ بشدق عائشة رضي الله عنها وقال أليست القائلة كأنما ليس على وجه الأرض امرأة إلا خديجة والله لقد آمنت بي إذ كفر بي قومك ورزقت منها الولد وحرمتموه
ثم سودة بنت زمعة وأمها من بني النجار لأنها بنت أخي سلمى بن عبد المطلب كما تقدم
ثم أم عبد الله عائشة رضي الله عنها بنت ابي بكر الصديق رضي الله عنهما اكتنت بابن اختها اسماء عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم بإذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فصار يقال لها ام عبد الله كما تقدم
____________________


وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة هو عبد الله وأنت أم عبدالله قالت فما زلت أكتنى به أي وكان يدعوها أما لأنه رضي الله عنه تربى في حجرها
ويقال إنها أتت منه صلى الله عليه وسلم بسقط أي وسمى عبد الله قال الحافظ الدمياطي ولم يثبت كما تقدم وتزوجها صلى الله عليه وسلم بمكة في شوال وهي بنت سبع سنين وبنى صلى الله عليه وسلم بها وهي بنت تسع سنين أي في شوال على رأس ثمانية أشهر من الهجرة على الصحيح كما تقدم وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها أريتك في النوم مرتين أرى ملكا يحملك في سرقة أي شقة حرير فيقول هذه امرأتك فأكشف فأراك فأقول إن كان من عندالله يمضه وقبض صلى الله عليه وسلم عنها وهي بنت ثمان عشرة ولم يتزوج بكرا غيرها وقبض صلى الله عليه وسلم ورأسه في حجرها ودفن في بيتها كما سيأتي وماتت وقد قاربت سبعا وستين سنة في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه بالبقيع وقيل سعيد بن زيد ودفنت به ليلا وذلك في زمن ولاية مروان بن الحكم على المدينة في خلافة معاوية وكان مروان استخلف أبا هريرة رضي الله عنه لما ذهب إلى العمرة في تلك السنة
ثم حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهي شقيقة عبد الله بن عمر وأسن منه وأمها زينب اخت عثمان بن مظعون وكانت قبله صلى الله عليه وسلم تحت خنيس ابن حذافة رضي الله عنه فتوفى عنها بجراح اصابته ببدر وقيل بأحد وهو خطأ لما سيأتي نم أن تزوجه صلى الله عليه وسلم لها في شعبان على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة قبل أحد بشهرين
أقول وكانت ولادتها قبل النبوة بخمس سنين وقريش تبني البيت وماتت بالمدينة في شعبان سنة خمس واربعين وصلى عليها مروان بن الحكم وهو أمير المدينة يومئذ وحمل سريرها وحمله أيضا أبو هريرة رضي الله عنه وقد بلغت ثلاثا وستين سنة وقيل ماتت لما بويع معاوية سنة إحدى وأربعين والله اعلم وطلقها صلى الله عليه وسلم
وقيل في سبب طلاقها أنه صلى الله عليه وسلم كان في بيتها فاستأذنت في زيارة ابيها أي وقيل في زيارة عائشة لأنهما كانتا متصادقتين أي بينهما المصافاة فأذن لها فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مارية وأدخلها بيت حفصة وواقعها فرجعت حفصة
____________________

فأبصرت مارية مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها فلم تدخل حتى خرجت مارية ثم دخلت وقالت له إني رأيت من كان معك في البيت وغضبت وبكت أي وقالت يا رسول الله لقد جئت إلي بشيء ما جئت به إلى أحد من نسائك في يومي وفي بيتي وعلى فراشي فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهها الغيرة قال لها اسكتي فهي حرام علي ابتغي بذلك رضاك
وفي رواية أما ترضين أن احرمها على نفسي ولا أقربها أبدا قالت بلى وحلف أن لا يقربها أي قال إنها حرام
وفي رواية قد حرمتها علي ومع ذلك أخبرك أن أباك الخليفة من بعد ابي بكر فاكتمي علي
وفي رواية قال لها لا تخبري بما أسررت إليك فأخبرت بذلك عائشة رضي الله عنها فقالت قد أراحنا الله من مارية فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرمها على نفسه وقصت عليها القصة وقيل خلا صلى الله عليه وسلم بمارية في يوم عائشة وعلمت بذلك حفصة فقال لها اكتمي علي قد حرمت مارية على نفسي فأخبرت بذلك عائشة وكانتا متصادقتين بينهما المصافاة كما تقدم فطلقها وأنزل الله تعالى عند تحريم مارية قوله { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك } إلى قوله { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } أي أوجب عليك كفارة ككفارة أيمانكم لأن الكفارة تحل ما عقدته اليمين لأنه هذا ليس من الأيمان أي وأطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على أن حفصة قد نبأت عائشة بما اسره اليها من أمر مارية وأمر الخلافة فلما أخبر صلى الله عليه وسلم عائشة ببعض ما أسرته لها وهو أمر مارية وأعرض عما أسره إليها من أمر الخلافة خوفا أن ينتشر ذلك من الناس قالت عائشة من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير ومن ثم كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول والله إن خلافة ابي بكر وعمر لفي كتبا الله ثم يقرا هذه الآية
ولما أفشت حفصة رضي الله عنها سره صلى الله عليه وسلم طلقها كما تقدم فجاءه جبريل عليه السلام يأمره بمراجعتها لانها صوامة قوامة وإنها احدى زوجاته صلى الله عليه وسلم في الجنة
وفي رواتية تأتي راجعها رحمة لعمر وقيل هم صلى الله عليه وسلم بتطليقها ولم
____________________

يفعل فقد جاء عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يطلقها فقال له جبريل عليه السلام انها صوامة قوامة وانها زوجتك في الجنة وعليه فيراد بالمراجعة المصالحة والرضا عنها كما سيأتي قال في الينبوع وهذا هو المشهور فسيأتي ما يدل على صحته أي والذي سياتي قول عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم لما اعتزل نساءه يا رسول الله أطلقتهن قال لا
وفيه أن هذا كان عند طلبهن منه صلى الله عليه وسلم والنفقة وهذا الواقعة غير تلك وقيل في سبب نزول الآية غير ذلك
وفي البخاري في سبب نزول الآية عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب ابنة جحش ويمكث عندها فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له صلى الله عليه وسلم أكلت مغافير أي أجد منك ريح مغافير فدخل على حفصة رضي الله عنها فقالت له ذلك فقال لها لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب ابنة جحش فلن اعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا أي لانه صلى الله عليه وسلم لا يحب أن يظهر منه ريح كريهة لأن المغافير صمغ العوسج من شجر الثمام كريه الريح
وعن عمر رضي الله عنه أن امرأته راجعته في شيء فأنكر عليها مراجعتها فقالت له عجبا لك يا ابن الخطاب ما تريد أن تراجع وان ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان فقام عمر رضي الله عنه فدخل على حفصة رضي الله عنها فقال لها يا بنية إنك لتراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان فقالت له حفصة والله إنا لنراجعه فقلت تعلمين أني احذرك عقوبة الله وغضب رسوله صلى الله عليه وسلم يا بنية لا تغررك هذه التي أعجبها حسنا وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها يريد عائشة قال ثم دخلت على أم سلمة لقرابتي منه فكلمتها فقال يا ابن الخطاب دخلت في كل شيء حتى تبتغي ان تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه فأخذتني والله أخذا كسرتني عن بعض ما كنت أحد فخرجت من عندها فأنا في منزلي فجاءني صاحب لي من الأنصار واخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتزل نساءه فقلت رغم أنف حفصة وعائشة فأخذت ثوبي وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو في مشربة له يرقى إليها بعجلة وهو
____________________

جذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشربة وينحدر منها عليه وغلام له أسود يقال له رباح على راس العجلة فقلت له قل له هذا عمر بن الخطاب فأذن لي أي بعد أن قال له يا رباح استأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وفي كل مرة ينظر رباح إلى المشربة ولا يرد له جوابا وفي الثالثة رفع له عمر رضي الله عنه صوته فأومأ اليه أن ارق قال فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه القصة فلما بلغت حديث ام سلمة تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم ويأتى أن هذا كان عند اجتماعهن عليه في النفقة لا لأجل معاتبة الله إياه بسبب الحديث الذي أفشته حفصة ويحتمل أنه لاجتماع الأمرين
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لم أزل حريصا على أن اسأل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عن المرأتين من أزاج رسول الله صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله تعالى فيهما { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } فقال اعجبا لك يا ابن عباس هما عائشة وحفصة أي فإن الله خاطبهما بقوله { إن تتوبا إلى الله } أي فهو خير لكما { فقد صغت قلوبكما } أي مالتا عما يجب عليكما من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابتغاء مرضاته ثم استقبل الحديث قال كنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نسائهم فصخبت علي امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني فقالت ولم تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه فقالت وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل فأفزعني ذلك منهن فدخلت على حفصة فقلت لها أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل قالت نعم فقلت قد خبت وخسرت أفتأمنين أن يغضب الله بغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فتهلكي لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه وسليني ما بدا لك ولا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد عائشة فاخبرت ان النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه فقلت قد خابت حفصة وخسرت قد كنت أظن هذا فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي فقلت ما يبكيك ألم أكن حذرتك هذا أطلقكن النبي صلى الله عليه وسلم قالت لا أدري ها هو معتزل في المشربة أي الغرفة فانه صلى الله عليه وسلم لما عاتبه سبحانه بسبب الحديث الذي أفشته حفصة على عائشة حلف
____________________

لا يدخل على نسائه شهرا فصار صلى الله عليه وسلم يتغدى ويتعشى وحده في تلك المشربة فجئت المشربة فقلت لغلام أسود استأذن لعمر فدخل الغلام فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع فقال كلمته وذكرتك له فصمت فانصرفت ثم غلبني ما أجد فجئت فقلت للغلام استأذن لعمر فدخل ثم رجع إلي فقال ذكرتك له فصمت فرجعت ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام ثم قلت استأذن لعمر فدخل ثم رجع إلي فقال ذكرتك له فصمت فلما وليت منصرفا إذا الغلام يدعوني فقال قد أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئا على وسادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت له وأنا قائم يا رسول الله أطلقت نساءك فرفع بصره إلي فقال لا فقلت الله اكبر كنا معاشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة فإذا قوم تلغبهم نساؤهم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلت يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لها لا يغرنك ان كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم تبسمة أخرى فجلست حين رأته صلى الله عليه وسلم تبسم
وفي رواية أن عمر رضي الله عنه لما بلغه ان النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة حثا على رأسه التراب وقال ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم من الغد وقال إن الله يأمرك أن تراجع حفضة رحمة لعمر
وقد يراد بالمراجعة المصالحة والرضا فلا ينافي ما تقدم أنه لم يطلقها وإنما أرادذلك ويدل له ما جاء عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم اراد أن يطلقها فقال له جبريل عليه السلام إنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة ومن هذا وما يأتي يعلم بانه صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه وأما الظهار فلم يظاهر ابدا خلافا لم زعمه
أي وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في سبب اعتزاله صلى الله عليه وسلم لنسائه في المشربة أنه شجر بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين حفصة أمر فقال لها اجعلي بني وبينك رجلا قالت نعم قال فأبوك إذن فأرسلت إلى عمر فجاء فلما دخل عليها قال لها النبي صلى الله عليه وسلم تكلمي فقالت بل أنت يا رسول الله تكلم
____________________

ولا تقل إلا حقا فرفع عمر رضي الله عنه يده فوجأها في وجهها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كف يا عمر فقال عمر يا عدوة الله النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق والذي بعثه بالحق لولا مجلسه ما رفعت يدي حتى تموتي فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصعد إلى الغرفة فمكث فيه شهرا لا يعرف شيئا من نسائه ونزلت آية التخيير ويقال لا مانع من اجتماع هذا السبب مع ما تقدم
ويروى أن سبب نزول الآية التخيير أن نساءه صلى الله عليه وسلم اجتمعن عليه فسألنه النفقة ولم يكن عنده شيء فآلى أن لا يجتمع بهن شهرا وصعد المشربة الحديث
وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال جاء ابو بكر يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوسا ببابه ليؤذن لهم قال فأذن لأبي بكر رضي الله عنه فدخل ثم أقبل عمر ماشيا فأذن له فدخل فوجد النبي صلى الله عليه وسلم حوله نساؤه أي قد سأله النفقة وهو واجم ساكت لا يتكلم فقال عمر رضي الله عنه لأقولن شيئا أضحك به النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لو رأيت فلانة يعني زوجته سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال هن حولي كما ترى يسألنني النفقة فقام ابو بكر رضي الله عنه إلى عائشة فوجأ عنهقا وقام عمر رضي الله عنه إلى حفصة فوجأ عنقها كل يقول تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده ثم أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجمع بهن شهرا
وفي رواية أخرى عن عمر رضي الله عنه أنه كر أن بعض اصدقائه من الأنصار جاء اليه ليلا فدق عليه بابه وناداه قال عمر فخرجت إليه فقال حدث أمر عظيم فقلت ماذا اجاءت غسان لأنا كنا حدثنا أن غسان تنعل الخيل لغزونا فقال لا بل أمر أعظم من ذلك وأطول طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فقلت خابت حفصة وخسرت كنت أظن هذا كائنا حتى إذا صليت الصبح شددت علي ثيابي ودخلت على حفصة وهي تبكي فقلت أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لا أدري هو هذا معتزلا في هذه المشربة أي لأن نساءه صلى الله عليه وسلم لما اجتمعن عليه صلى الله عليه وسلم في طلب النفقة أقسم أن لا يدخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن قال عمر رضي الله عنه لأقولن من الكلام شيئا اضحك به النبي صلى الله عليه وسلم فأتيت غلاما له صلى الله عليه وسلم أسود فقلت له استأذن لعمر فدخل الغلام ثم
____________________

خرج وقال قد ذكرتك له فصمت فانطلقت حتى أتيت المسجد فجلست قليلا ثم غلبني ما أجد فأتيت الغلام فقلت استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلي فقال قد ذكرتك له فصمت فلما كان في المرة الرابعة وقال لي مثل ذلك وليت مدبرا فإذا الغلام يدعوني فقال ادخل قد أذن لك فدخلت فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكىء على رمل حصير قد أثر في جنبه فقلت أطلقت يا رسول الله نساءك قال فرفع رأسه إلي وقال لا فقلت الله اكبر ثم قلت كنا معاشر قريش بمكة نغلب على النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن منهن فكلمت فلانة يعني زوجته فراجعتني فأنكرت عليها فقالت تنكر أن راجعتك فوالله لقد رأيت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل فقلت قد خاب من فعل ذلك وخسر أتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت إلى حفصة فقلت أتراجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت نعم وتهجره إحدانا اليوم إلى الليل فقلت قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر أتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسألينه شيئا وسليني ما بدا لك ولا يغرنك ان كانت جارتك احب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك يعني عائشة رضي الله تعالى عنها فتبسم أخرى فقلت أستأنس يا رسول الله قال نعم فجلست وقلت يا رسول الله قد اثر في جنبك رمل هذا الحصير وفارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله فاستوى صلى الله عليه وسلم جالسا وقال أفي شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم قد عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت استغفر الله يا رسول الله فلما مضى تسع وعشرون يوما انزل الله تعالى عليه ان يخبرنساءه في قوله تعالى { يا أيها النبي قل لأزواجك } الآية فنزل ودخل على عائشة رضي الله تعالى عنها فقالت له يا رسول الله أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وقد دخلت وقد مضى تسع وعشرون يوما اعددهن فقال صلى الله عليه وسلم إن الشهر تسع وعشرون وفي رواية يكون هكذا وهكذا وهكذا يشير بأصابع يديه وفي الثالثة حبس إبهامه ثم قال صلى الله عليه وسلم يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي وفي رواية إني أعرض عليك أمرا وأحب أن لا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك قالت وما هو يا رسول الله
____________________

فقرأ علي { يا أيها النبي قل لأزواجك } الآية قلت أفي هذا استأمر أبوي فإني اريد الله ورسوله والدار الآخرة وفي رواية أفيك يا رسول الله أستشير أبوي بل اريد الله ورسوله والدار الآخرة قالت رضي الله تعالى عنها ثم قلت له لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت لك فقال صلى الله عليه وسلم لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا ثم فعل بقية أزواجه صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت عائشة رضي الله تعالى عنهن
ثم زينب بنت خزيمة رضي الله تعالى عنها وهي اخت ميمونة لأمها كانت تدعى أي في الجاهلية أم المساكين لرأفتها واحسانها اليهم أي كما سمي صلى الله عليه وسلم جعفر ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بأبي المساكين لحبه لهم وجلوسه عندهم وتحدثه معهم واحسانه اليهم رضي الله تعالى عنه كانت قبله تحت الطفيل بن الحارث فطلقها فتزوجها أخوه عبيدة بن الحارث فقتل يوم بدر شهيدا فخطبها صلى الله عليه وسلم فجعلت أمرها إليه فتزوجها صلى الله عليه وسلم وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشا أي وذلك على رأس احد وثلاثين شهرا من الهجرة قبل أحد بشهر وفي لفظ أن عبيدة بن الحارث قتل عنها يوم احد فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ أنها كانت تحت عبد الله بن جحش قتل عنها يوم احد فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المواهب وهو أصح
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال كان رسول اله صلى الله عليه وسلم عروسا بزينب فعمدت أم سليم إلى تمر وسمن وأقط فصنعت حيسا فجعلته في تور فقالت يا أنس إذهب بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل بعثت بهذا إليك أمي وهي تقرئك السلام فقال صلى الله عليه وسلم ادع لي فلانا وفلانا رجالا سماهم وادع لي من لقيت فدعوت من سمي ومن لقيت فرجعت فإذا البيت غاص بأهله قيل لأنس ما عددهم قال كانوا ثلثمائة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده الشريفة على تلك الحيسة وتكلم بما شاء الله ثم جعل يدعو عنده عشرة يأكلون منه ويقول لهم اذكروا الله وليأكل كل رجل مما يليه فأكلوا حتى شبعوا كلهم ثم قال صلى الله عليه وسلم لي يا أنس ارفع فرفعت فما أدري حين وضعت كانت أكثر أو حين رفعت فمكثت عنده صلى الله عليه وسلم ثمانية أشهر وقيل شهران أو ثلاثة ثم توفيت وصلى عليها رسول الله
____________________

صلى الله عليه وسلم ودفنت بالبقيع وقد بلغت ثلاثين سنة أو نحوها ولم يمت من أزواجه صلى الله عليه وسلم في حياته إلا هي وخديجة رضي الله تعالى عنهما
ثم تزوج صلى الله عليه وسلم بعد زينب هذه أم سلمة واسمها هند وكانت قبله صلى الله عليه وسلم عند ابي سلمة رضي الله تعالى عنه عبد الله بن عبد الأسد ابن عمته صلى الله عليه وسلم برة بنت عبد المطلب وأخوه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وكانت هي وهو أول من هاجر إلى الحبشة على ما تقدم فلما مات أبو سلمة رضي الله تعالى عنه قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلي الله ان يؤجرك في مصيبتك ويخلفك خيرا فقالت ومن يكن خيرا من أبي سلمة ولما اعتدت أم سلمة رضي الله تعالى عنها ارسل صلى الله عليه وسلم يخطبها مع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله تعالى عنه أي وكان خطبها أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأبت وخطبها عمر فأبت فلما جاءها حاطب قالت مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم تقول له إني امرأة مسنة وإني ام أيتام أي لانها رضي الله تعالى عنها كان معها أربع بنات برة وسلمة وعمرة ودرة وإني شديدة الغيرة فأرسل صلى الله عليه وسلم يقول لها أما قولك إني امرأة مسنة فأنا أسن منك ولا يعاب على المرأة أن تتزوج أسن منها وأما قولك إني أم أيتام فإن كلهم على الله وعلى رسوله وأما قولك إني شديدة الغيرة فإني ادعو الله أن يذهب ذلك عنك أي وفيه أنهم قالوا يا رسول الله ألا تتزوج من نساء الانصار قال إن فيهن غيرة شديدة وفي لفظ أنها قالت زيادة على ماتقدم ليس لي ههنا أحد من اوليائي فيزوجني فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها أما ذكرت من غيرتك فإني أدعو الله أن يذهبها عنك وأما ما ذكرت من صبيتك فإن الله سيكفيهم وأما ما ذكرت من أوليائك فليس أحد من أوليائك يكرهني فقالت لابنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه أي على متاع منه رحى وجفنة وفراش حشوه ليف وقيمة ذلك المتاع عشرة دراهم وقيل أربعون درهما قالت فتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخلني بيت زينب أم المساكين رضي الله تعالى عنها بعد أن ماتت فإذا جرة فيها شيء من شعير وإذا رحى وبرمة وقدر وكعب أي ظرف الأدم فأخذت ذلك الشعير فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت الكعب فأدمته فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أهله ليلة عرسه
____________________


وماتت أم سلمة رضي الله تعالى عنها في ولاية يزيد بن معاوية وكان عمرها أربعا وثمانين سنة ودفنت بالبقيع وصلى عليها ابو هريرة رضي الله تعالى عنه وقيل سعيد بن زيد وغلط قائله
وذكر بعضهم أن تزويج ولدها لها رضي الله تعالى عنهما إنما كان بالعصوبة لان كان ابن ابن عمها
ثم تزوج صلى الله عليه وسلم بعد أم سلمة رضي الله تعالى عنها زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها وكان اسمها برة فسماها صلى الله عليه وسلم زينب أي خشي أن يقال خرج من عند برة وهي بنت عمته صلى الله عليه وسلم أميمة بنت عبد المطلب وكانت قبله صلى الله عليه وسلم عند مولاه زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما ثم طلقها فلما انقضت عدتها زوجه الله إياها أي لأنه صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن حارثة يخطبها له صلى الله عليه وسلم قال زيد فذهبت اليها فجعلت ظهري إلى الباب فقلت يا زينب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك فقالت ما كنت لأحدث شيئا حتى أؤامر ربي عز وجل فأنزل الله تعالى { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذن فكانت رضي الله تعالى عنها تفتخر بذلك على نسائه صلى الله عليه وسلم وتقول إن الله أنكحني إياه من فوق سبع سموات وهذا يرد ما قيل إن أخاها أبا أحمد بن جحش زوجها منه صلى الله عليه وسلم
قال في النور ويمكن تأويل تزويج أخيها إياها
أي وقد ذكر مقاتل رحمه الله أن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما لما اراد أن يتزوج زينب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله اخطب على قال له من قال زينب بنت جحش قال لا أراها تفعل إنها أكرم من ذلك نفسا فقال يا رسول إذا كلمتها أنت وقلت زيد أكرم الناس علي فعلت فقال صلى الله عليه وسلم إنها امرأة لسناء فذهب زيد رضي الله تعالى عنه إلى علي كرم الله وجهه فحمله على أن يكلم له النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال يكلم له النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال إني فاعل ذلك ومرسلك يا علي إلى أهلها فتكلمهم ففعل ثم عاد يخبره بكراهتها وكراهة أخيها لذلك فأرسل اليهم النبي صلى الله عليه وسلم يقول قد رضيته لكم وأقضى ان تنكحوه فأنكحوه وساق لهم عشرة دنانير وستين درهما ودرعا وخمارا وملحفة وإزارا
____________________

وخمسين مدا من الطعام وعشرة أمداد من التمر أعطاه ذلك كله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولم عليها وأطعم المساكين خبزا ولحما أي وتزوجها صلى الله عليه وسلم هلال ذي القعدة سنة اربع من الهجرة على الصحيح وهي بنت خمس وثلاثين سنة وقيل نزلت في ذلك اليوم آية الحجاب فإنه صلى الله عليه وسلم لما دعا القوم وطعموا تهيأ صلى الله عليه وسلم للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام وقام من قام وقعد ثلاثة نفر فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس فلم يدخل فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي } الآية وتكلم في ذلك المنافقون وقالوا محمد حرم نساء الأولاد وقد تزوج امرأة ابنه أي لأن زيد بن حارثة كان يقال له زيد بن محمد أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان تبناه كما تقدم فأنزل الله تعالى { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } وأنزل { ادعوهم لآبائهم } فيمن حينئذك كان يقال له رضي الله تعالى عنه زيد بن حارثة كما تقدم
وهي أول نسائه صلى الله عليه وسلم لحوقا به ماتت رضي الله تعالى عنها بالمدينة سنة عشرين ودفنت بالبقيع ولها من العمر ثلاثة وخمسون سنة وصلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أي فإن عمر رضي الله تعالى عنه أرسل إلي زينب رضي الله تعالى عنه بالذي لها من العطاء فسترته بثوب وأمرت بتفرقته فكان خمسة وثمانين درهما ثم قالت اللهم لا تدركني عاما لعمر بعد عامي هذا فماتت
وهي أول من جعل على نعشها قبلة أي بعد فاطمة رضي الله تعالى عنها فلا يخالف ما سبق مما ظاهره أنه فعل لها ذلك
وفي كلام بعضهم أن زينب هذه أول من حمل على نعش وقيل أول من حمل على نعش فاطمة رضي الله تعالى عنها وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها تقول في حقها هي التي كانت تساويني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رأيت امرأة قط خيرا في الدين وأتقى لله واصدق في حديث وأوصل للرحم واعظم صدقة من زينب رضي الله تعالى عنها
وقال صلى الله عليه وسلم في حقها إنها لأواهة فقال رجل يا رسول الله ما الأواه قال الخاشع المتضرع وهي أول نسائه صلى الله عليه وسلم لحوقا به كما تقدم وقال له صلى الله عليه وسلم بعض نسائه أينا أسرع بك لحوقا قال اطولكن يدا فاخذن
____________________

قصبة يذرعنها وفي لفظ عن عائشة رضي الله تعالى عنها فكنا اذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمد ايدينا في الجدار نتطاول فكانت سودة رضي الله تعالى عنه اطولهن فلما ماتت زينب رضي الله تعالى عنها أي وكانت سودة رضي الله تعالى عنه أطولهن فلما ماتت زينب رضي الله تعالى عنها أي وكانت امرأة قصيرة علموا أن المراد بطول اليد الصدقة لأنها كانت تعمل وتتصدق لا الجارحة وما في البخاري من أنها سودة قال ابن الجوزي غلط من بعض الرواة
والعجب من البخاري رحمه الله كيف لم ينبه عليه ولا علم بفساد ذلك الخطأ فإنه قال لحوق سودة به صلى الله عليه وسلم من أعلام النبوة وكل ذلك وهم وانما هي زينب فإنها كانت أطولهن يدا بالعطاء وجمع الطيبي رحمه الله بأنه يمكن أن يقال إن سودة رضي الله تعالى عنها أول نسائه صلى الله عليه وسلم موتا التي اجتمعن عند موته وكانت زينب رضي الله تعالى عنها غائبة
وفيه أن في رواية أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعن عنده لم يغادر منهن واحدة أي فقد قال له بعضهن وفي لفظ قلن له اينا أسرع لحوقا بك يا رسول الله وقد قال الإمام النووي أجمع اهل السير على أن زينب رضي الله تعالى عنها أول من مات من أزواجه صلى الله عليه وسلم بعده
ثم جويرية رضي الله تعالى عنها بنت الحارث من بني المصطلق سبيت في غزوة بني المصطلق ووقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها على تسع أواق فأدى عليه الصلاة والسلام عنها ذلك وتزوجها
وقيل جاء أبوها فافتداها ثم نكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم وقيل إنها كانت بملك اليمين فاعتقها صلى الله عليه وسلم وتزوجها وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية أي لما تقدم وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مسافع بن صفوان وتقدم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت كانت جويرية عليها ملاحة وحلاوة لا يكاد يراها أحد الا وقعت بنفسه وكانت بنت عشرين سنة أي وتوفيت في المدينة سنة ست وخمسين وصلى عليها مروان بن الحكم وهو والي المدينة يومئذ وقد بلغت سبعين سنة وقيل خمسا وستين سنة
ثم ريحانة بنت يزيد من بني النضير وقيل من بني قريظة وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رجل من بني قريظة يقال له الحكم قال الحافظ الدمياطي
____________________

رحمه الله ولذلك ينسبها بعض الرواة إلى بني قريظة وكانت جميلة وسيمة وقعت في سبي بني قريظة فكانت صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الإسلام ودينها فاختارت الإسلام فأعتقها وتزوجها واصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشا وقيل كان موطوءة له صلى الله عليه وسلم بملك المين
أي فقد ذكر بعضه انه صلى الله عليه وسلم خيرها بين أن يعتقها ويتزوجها وبين ان تكون في ملكه وعليه فتكون من السراري لا من الزوجات
قال الحافظ الدمياطي والأول أي أنها زوجة أثبت عند اهل العلم وقال العراقي ان الثاني أي كونها سرية أضبط ودخل بها صلى الله عليه وسلم بعد أن حاضت حيضة أي وذلك في بيت أم المنذر سلمى بنت قيس النجارية سنة ست من الهجرة وغارت عليه صلى الله عليه وسلم غيرة شديدة فطلقها فأكثرت البكاء فراجعها صلى الله عليه وسلم وهذا مؤيد للقول بأنها كانت زوجة
قيل ماتت مرجعه صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ودفنها بالبقيع
ثم أم حبيبة رضي الله عنها وهي رملة بنت أبي سفيان بن حرب رضي الله تعالى عنهما وهي بنت عمة عثمان بن عفان هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى ارض الحبشة الهجرة الثاني فولدت له حبيبة وبها كانت تكنى وهي ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت في حجره رضي الله تعالى عنها وتنصر عبيد الله بن جحش هناك وثبتت هي على الإسلام رضي الله تعالى عنها وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي رحمة الله فزوجه صلى الله عليه وسلم إياها وأصدقها النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار أي والذي تولى عقد النكاح خالد بن سعيد بن العاصي على الأصح وكلته في ذلك وهو ابن عم أبيها
وقيل الذي تولى عقد النكاح عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وقيل كان الصداق أربعة آلاف درهم وجهزها النجاشي من عنده وأرسلها مع شرحبيل بن حسنة في سنة سبع وقيل تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وعليه يحمل ما في
____________________

كلام العامري أن النبي صلى الله عليه وسلم جدد نكاح أم حبيبة رضي الله تعالى عنها بنت ابي سفيان رضي الله تعالى عنه تطيبا لخاطره
ثم صفية رضي الله تعالى عنها بنت حي بن أخطب سيد بني النضير قتل مع بني قريظة كما تقدم وكانت عند سلام بن مشكم ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق وقتل عنها يوم خيبر وتقدمت قصة قتله في خيبر ولم تلد لأحد منهما واصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها لأنه لما جمع سبي خيبر جاءه دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله أعطني جارية من السبي فقال اذهب فخذ جارية فأخذ صفية رضي الله تعالى عنها فقيل يا رسول الله إنها سيدة بني قريظة والنضير لا تصلح إلا لك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خذ جارية من السبي غيرها فحجبها وجهزتها له أم سليم رضي الله تعالى عنها واهدتها له من الليل وكان عمرها لم يبلغ سبع عشرة سنة فأولم صلى الله عليه وسلم عليها بتمر وسويق
وفي لفظ لما أصبح صلى الله عليه وسلم قال من كان عنده شيء فليجيء به فبسط نطعا فجعل الرجل يأتي بالأقط وجعل الرجل يأتي بالتمر وجعل الرجل يأتي بالسمن فحاسوا حيسا فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعن أنس قال كانت صفية عاقلة فاضلة ودخل عليها صلى الله عليه وسلم يوما وهي تبكي فقال لها في ذلك فقالت قد بلغني أن عائشة وحفصة ينالان مني ويقولان نحن خير من صفية نحن بنات عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولي لهن كيف تكن خيرا مني وأبي هرون وعمي موسى عليهما الصلاة والسلام وزوجي محمد صلى الله عليه وسلم أي فهي بنت نبي وزوج نبي ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أثرا في وجهها فسألها عن ذلك فقالت رأيت كأن القمر وقع في حجري فذكرت ذلك لأبي وتقدم في رواية أنها ذكرت ذلك لزوجها كنانة فضرب وجهي ضربة أثرت في هذا الأثر وقال إنك لتمدين عنقك إلى أن تكوني عند ملك العرب
ولامانع من تعدد الواقعة فقد قال في النور لعلهما فعلا بها ذلك وتقدم في رواية أنها رأت الشمس وقعت على صدرها وتقدم أنه يجوز تعدد الرؤيا أو أنها رأت الشمس والقمر في وقت واحد =

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج7.السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون علي بن برهان الدين الحلبي سنة الولادة 975/ سنة الوفاة 1044.

  7. السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون علي بن برهان الدين الحلبي سنة الولادة 975/ سنة الوفاة 1044 . وفي زمن خلافة عمر رضي الله...